شرح اختصار علوم الحديث (08)

... وبيان الجرح والتعديل، المقبول الثقة الضابط لما يرويه، وهو المسلم العاقل البالغ, سالماً من أسباب الفسق، وخوارم المروءة, وأن يكون مع ذلك متيقظاً غير مغفل, حافظاً إن حدث من حفظه، فاهماً إن حدث على المعنى, فإن اختل شرط مما ذكرنا ردت روايته، وتثبت عدالة الراوي باشتهاره بالخير، والثناء الجميل عليه, أو بتعديل الأئمة, أو اثنين منهم له, أو واحد على الصحيح، ولو بروايته عنه في قول.

قال ابن الصلاح: وتوسع ابن عبد البر فقال: كل حامل علم معروفُ العناية به فهو عدلٌ محمولٌ أمره على العدالة حتى يتبين جرحه، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) قال: وفيما قاله اتساعٌ غير مرضي، والله أعلم، قلت: لو صح ما ذكره من الحديث لكان ما ذهب إليه قوياً، ولكن في صحته نظر قوي، والأغلب عدم صحته، والله أعلم.

بركة، بركة. 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

النوع الثالث والعشرون: يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل" يعني من ترد روايته، "وبيان الجرح والتعديل"، وهذا النوع من أهم الأنواع، ينبغي أن يعتني به طالب الحديث، ولا يستغني عنه بحال؛ لأنه لا يتمكن من تصحيح الأحاديث وتضعيفها إلا بمعرفة رواتها، من يقبل منهم ومن يرد، فالمقبول عند أهل العلم "الثقة الضابط لما يرويه" والمراد بالثقة من جمع بين وصفي العدالة والضبط، وتقدم في تعريف الحديث الصحيح: أنه ما رواه عدلٌ تام الضبط، فإذا توافر الشرطان: العدالة والضبط قبل الخبر، وصار صحيحاً، والقبول أعم من الصحة؛ لأنه يشمل الحسن الذي هو أدنى درجات القبول، فمن تقبل روايته.

يقول: "الثقة الضابط لما يرويه" العدالة لا بد منها، والضبط تمامه يشترط لصحة الخبر، ومسماه يشترط لقبوله، وإن نزل عن درجة الصحيح، "وهو المسلم العاقل البالغ سالماً" حال كونه سالماً "من أسباب الفسق وخوارم المروءة" هذا هو العدل، العدل المسلم العاقل البالغ، فالكافر ليس بعدل، غير العاقل لا يقبل خبره؛ لأنه ليس بعدل، لم تتوفر فيه العدالة، وإن لم يتحقق فسقه، البالغ: فلا بد من البلوغ لقبول خبر الراوي، لا بد أن يكون مسلماً، فالكافر لا يقبل خبره؛ لأنه لا يؤمن أن يكذب، والمجنون لا يصح خبره؛ لأنه لا يضبط ما يقول، والقلم قد رفع عنه فلا يؤمن أن يفتري، والبالغ شرطٌ لا بد منه، إذ الصغير لا يقبل خبره؛ لأنه لم يكلف فلا يؤمن أن يكذب.

وكل هذه الشروط إنما تشترط عند الأداء، أما التحمل فيصح تحمل الكافر على ما سيأتي، ويؤيده حديث جبير بن مطعم أنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، وهو حينئذٍ كافر لما تحمل الخبر قبل أن يسلم، ثم أداه بعد أن أسلم فقبل منه، فهذه الشروط شروط للأداء، وليست شروطاً للتحمل، ومثله الصبي لو تحمل الصبي خبراً وحفظه وأداه بعد بلوغه قبل منه، لكن يؤديه قبل البلوغ لا يقبل منه.

"سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة" الفاسق هو الذي يرتكب المحرمات، أو يقصر في أداء الواجبات؛ لأن الفسق خلاف التقوى التي هي التزام الأوامر، واجتناب النواهي، خوارم المروءة يعني ما اعتاد الناس فعله مما تواطئوا عليه، وتعارفوا عليه، بحيث يعد من خرج على فعلهم واتفاقهم على هذا الأمر شاذاً بينهم، فمثل هذا يخرم المروءة، "وأن يكون مع ذلك متيقظاً" منتبهاً لحفظه بحيث يؤديه كما سمعه متى شاء "غير مغفل" فالمغفل لا تقبل روايته؛ لأنه لا يضبط ما يروي "حافظاً إن حدث من حفظه" ضابطاً لما يرويه إن حدث من الحفظ، إن روى باللفظ لا بد أن يكون حافظاً لذلك اللفظ، "فاهماً إن حدث بالمعنى" والرواية بالمعنى جائزة عند جمهور العلماء، شريطة أن يكون الراوي عارفاً بمدلولات الألفاظ، عالماً بما يحيل المعاني، أما إذا لم يكن كذلك فلا تجوز الرواية حينئذٍ بالمعنى، "فإن اختل شرطٌ مما ذكرنا ردت روايته".

أجمع جمهور أئمة الأثر
بأن يكون ضابطاً معدلاً
حافظاً إن حدث حفظاً يحوي
يعلم ما في اللفظ من إحالة
بأن يكون مسلماً ذا عقلِ
من فسقٍ أو خرمِ مروءة ومن

 

والفقه في قبول ناقل الخبر
أي يقظاً ولم يكن مغفلاً
كتابه إن كان منه يروي
إن يروِ بالمعنى وفي العدالة
قد بلغ الحلم سليم الفعلِ
 زكاه عدلان فعدلٌ مؤتمن

إلى آخر كلامه -رحمه الله تعالى-، المقصود أنه يشترط لقبول الراوي أن يكون عدلاً ضابطاً، وعرفنا المراد بالعدالة والضبط.

بم تثبت عدالة الراوي؟ إذا زكاه اثنان من أهل العلم وعدلوه فهو عدل، ويكفي واحد على القول الصحيح إذا كان عالماً بأسباب العدالة يكفي، يعني لو قال الإمام أحمد -رحمه الله- فلان عدل، أو فلان ثقة، أو قاله البخاري، أو ابن معين، أو ابن المديني أو غيره من أهل العلم فإنه يكفي ولو واحد.

أو يشتهر ويستفيض، يستفيض أمره ويشتهر بالعدالة حينئذٍ لا يحتاج إلى تزكية، أو واحد على الصحيح ولو بروايته عنه في قول، يعني إذا روى العدل عن راوي هل يعد تعديلاً له أو لا بد أن يصرح بتعديله؟ يعني لو روى البخاري عن راوي نقول: يكفي، نحكم بعدالته لأن البخاري خرج له؟ نعم، رواة الصحيحين جازوا القنطرة، مسلم كذلك لا سيما إذا كان الخبر مما يدور عليه، أما إذا رواه غيره ولو اشترط الصحة، لو روى ابن حبان في صحيحه عن راوي، ولم يصرح بتوثيقه لا يكفي، لو روى من صرح بأنه لا يروي إلا عن ثقة كشعبة ويحيى بن سعيد القطان وغيرهما من أهل العلم فإنه لا يكفي، لا يكفي أن يروي عنه لوجود رواية هؤلاء الذين صرحوا بأنهم لا يروون إلا عن الثقات روى عن بعض الضعفاء.

طالب:.......

لا، لو قال: جميع أشياخي ثقة، أو قال: حدثني الثقة فلا يكفي، لا بد أن يصرح باسمه ويوثقه، لا بد أن يصرح باسمه ويوثقه، والتعديل على الإبهام لا يكفي.

طالب:.......

لو قال....... عن حديث إمام من أئمة الحديث...

طالب:.......

هذا الحديث رواته ثقات يقتضي أن كل واحدٍ منهم ثقة، بخلاف ما لو قال: هذا الحديث صحيح، لو قال: رواته ثقات أو رجاله ثقات توثيق لهؤلاء الرواة، ولا يلزم منه تصحيح المتن، قد يشتمل المتن على علة أو شذوذ، مخالفة لمن هو أوثق من هؤلاء، لكن لو قال: هذا الحديث صحيح يقبل المتن ولا يلزم منه توثيق الرواة؛ لاحتمال وروده من أكثر من طريق، فلا يلزم أن هؤلاء الرواة ثقة، لكن لو قال: هذا الحديث صحيح ولا يروى إلا من هذا الطريق فإنه توثيق لرواته.

................................ومن
وصحح اكتفاؤهم بالواحدِ

 

 زكاه عدلان فعدلٌ مؤتمن
جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهدِ

 

وأما من اشتهر واستفاض أمره على العدالة فإنه لا يحتاج فيه إلى توثيق أحد.

وصححوا استغناء ذي الشهرة عن

 

تزكيةٍ كـ(مالكٍ) نجم السنن

يعني لو ورد اسم مالك في سند من الأسانيد ما يحتاج إلى أن نبحث في كتب الرجال ماذا قال الأئمة عن الإمام مالك؟ ومثله لو ورد اسم الإمام الشافعي أو أحمد في إسناد حديث ما يحتاج أن نقول: ماذا قال عنه فلان؟ وماذا قيل فيه؟ هل جرح أو لم يجرح؟ لا.

وصححوا استغناء ذي الشهرة عن

 

تزكيةٍ كـ(مالكٍ) نجم السنن

فلا يحتاج مثل هؤلاء إلى تزكية، ابن عبد البر أبو عمر ابن عبد البر -رحمه الله- توسع في التعديل، فقال: "كل حاملِ علمٍ معروف العناية به فهو عدلٌ، محمولٌ أمره على العدالة حتى يتبين جرحه؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله))" قال: "وفيما قاله اتساعٌ غير مرضي"، قال ابن الصلاح قال: "وفيما قاله اتساعٌ غير مرضي، والله أعلم".

ابن كثير ماذا يقول: "قلتُ: لو صح ما ذكره من الحديث لكان ما ذهب إليه قوياً، ولكن في صحته نظر قوي، والأغلب عدم صحته" أولاً: هل الحديث صحيح؟ الحديث ضعيف عند جمهور العلماء، ضعفه جمعٌ من أهل العلم، وإن حسنه بعضهم، لكن حكم الإمام أحمد بضعفه وجمع غفير من أهل العلم على أنه ضعيف، لو صح الخبر لا ينبغي حمله على أنه خبر؛ لأنه مخالف للواقع لوجود من يحمل هذا العلم وهو ليس بعدل، فيكون معناه الحض للثقات العدول أن يحملوا هذا العلم، ويتأيد ذلك برواية: ((ليحمل)) اللام: لام الأم ((ليحمل هذا العلم من كلِّ خلفٍ عدوله)) فهو حض وحثٌ للثقات أن يتصدوا لحمل العلم الشرعي، ولا يتركوا مجالاً لمن يدخل فيه من الأدعياء الذين لا يعملون به؛ لأن العلم في الحقيقة هو العمل، والعلم الذي لا يحمل صاحبه على العمل ليس بعلمٍ على الحقيقة؛ لأن العلم حقيقته ما نفع، أما العلم الذي لا ينفع فوجوده مثل عدمه.

يقول: "وفيما قاله اتساعٌ غير مرضي" ابن كثير -رحمه الله- علق القول به على صحته، وقال: لو صح ما ذكره -يعني ابن عبد البر- لكان ما ذهب إليه قوياً، وعلى فرض صحته مع أن جمهور العلماء على ضعفه يكون فيه أمر وحث للثقات أن يحملوا هذا العلم، ويكون المعنى: "ليحمل" كما جاء في بعض الروايات، وليس المراد به الخبر أن كل من حمل العلم الشرعي يكون ثقة، لا، الواقع يشهد بخلاف ذلك، وخبر الله وخبر رسوله لا يتغير، لا بد من مطابقته للواقع، لوجود من يحمل هذا العلم وهم غير ثقات.

قلت: ولابن عبد البر كل من عني
فإنه عدلٌ بقول المصطفى

 

بحمله العلم ولم يوهنِ
يحمل هذا العلم لكن خولفا

خولف ابن عبد البر، خولف ابن عبد البر في قوله هذا، ولا شك أن ما قاله اتساعٌ غير مرضي، نعم.

قال -رحمه الله-: "ويعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات لفظاً أو معنى، وعكسه عكسه، والتعديل مقبولٌ من غير..."

بمَ يعرف ضبط الراوي؟ يعرف بعرض أحاديثه ومروياته على روايات الثقات، فإن وافقهم فهو ضابط، إن خالفهم فهو غير ضابط.

ومن يوافق غالباً بالضبطِ

 

فضابطٌ أو نادراً فمخطِ

يعني إذا خالفهم وكثرت المخالفات عنده فليس بضابط، أما إذا عرضت أحاديثه على أحاديث الثقات فوجد موافقاً لهم في الغالب والمخالفة نادرة فإنه حينئذٍ يحكم بأنه ضابط.

والتعديل مقبولٌ من غير ذكر السبب؛ لأن تعداده يطول، فقبل إطلاقه بخلاف الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسراً؛ لاختلاف الناس في الأسباب المفسقة فقد يعتقد ذلك الجارح شيئاً مفسقاً فيضعفه، ولا يكون كذلك في نفس الأمر أو عند غيره، ولهذا اشترط بيان السبب في الجرح.

قال الشيخ أبو عمرو: وأكثر ما يوجد في كتب الجرح والتعديل فلان ضعيف أو متروكٌ أو نحو ذلك، فإن لم نكتفِ به انسد بابٌ كبيرٌ في ذلك، وأجاب بأنا إذا لم نكتفِ به توقفنا في أمره لحصول الريبة عندنا بذلك.

قلت: أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم واطلاعهم واضطلاعهم بهذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكاً أو كذاباً أو نحو ذلك، فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفةٌ في موافقتهم لصدقهم وأمانتهم ونصحهم، ولهذا يقول الشافعي في كثير من كلامه على الأحاديث: لا يثبته أهل العلم بالحديث، ويرده ولا يحتج به بمجرد ذلك، والله أعلم.

الجرح الذي يطلقه الأئمة، والتعديل الذي يطلقونه بإزاء بعض الرواة، فإذا قالوا: فلان ثقة، أو قالوا: فلان ضعيف، هل يقبل هكذا؟ أو لا بد من بيان السبب؟ فالجمهور على أنه لا بد من بيان سبب الجرح، لا بد أن يكون الجرح مفسراً، أولاً لسهولة ذلك، فالجرح يثبت بأمرٍ واحد، الأمر الثاني: أنه ربما استفسر عن سبب جرحه فذكر ما لا يجرح، ذكر ما لا يجرح، كما جرح شعبة فيما لا يجرح، لم ضعفت فلان؟ قال: رأيته يركض على برذون، لم ضعفت فلان؟ قال: ذُكر عند فلان فامتخط، هذا ما يلزم أن يكون الجرح مقبولاً، ولأن بيان الجرح أمرٌ يسير سهل؛ لأن الجرح يثبت بأمرٍ واحد، يكفي أن يقال: فلان ضعيف لأنه يفعل معصية كذا، أو يخل بالواجب كذا، لا يصلي مع الجماعة، أو يفطر في رمضان، أو يشرب الخمر، أو يسرق، أو ما أشبه ذلك؛ لأن الجرح يثبت بواحد، وأما التعديل فيكفي فيه الإطلاق من غير ذكر سببه؛ لأن ذكر أسبابه يطول، وتعدادها يكثر، يلزم المعدل أن يقول: فلان عدل؛ لأنه يصلي ويزكي ويصوم ويحج ويبر والديه، ولا يفعل ولا يفعل من المحرمات، فيعد كل الواجبات، ويعد كل المحرمات، وهذا يطول.

فالجمهور على أنه لا بد من بيان سبب الجرح دون التعديل، ومنهم من عكس يقول: الجرح يكفي أن يذكر من غير بيان، والتعديل لا بد من ذكر سببه؛ لأن الإنسان قد يغتر بشخص فيعدله بناءً على ما ظهر من حاله فلا بد من أن يبين سبب العدالة، فلان عدل لماذا؟ لا يغتر به كما اغتر الإمام مالك بابن أبي المخارق، قال: غرني بكثرةِ مكثه في المسجد، وهذا نعم أمارة ودلالة على أنه صاحب خير، لكن ما يكفي لقبول الرواية، فلا بد من ذكر العدالة، وأما الجرح فيكفي من غير ذكر سببه، وهذا قولٌ لبعض أهل العلم، وهو عكس القول الأول قول الجمهور، ومنهم من يقول: لا بد من بيان السبب في الجرح والتعديل؛ لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها، فلا بد من ذكر سببها، والجرح قد يجرح المجرح بغير جارح، وحينئذٍ لا بد من بيان سببه، وهذا القول يلزم ببيان السبب في الأمرين معاً، والقول الرابع: وهو المقابل لهذا أنه لا يلزم بيان السبب لا في الجرح ولا في التعديل، فإذا قال الإمام: فلان ضعيف يكفي، فلان ثقة يكفي، ما يحتاج ضعيف لماذا؟ أو ثقة لماذا؟

ابن الصلاح لما ساق كلام الجمهور، ومال إليه، واستروح إليه، قال: أكثر ما يوجد في كتب الجرح والتعديل فلان ضعيف، وفلان متروك، ونحو ذلك، يعني من غير بيانٍ للسبب، كتب الجرح والتعديل ليس فيها بيانٌ للسبب في غالب الأحوال، فعلى هذا يلزم عليه تعطيل هذه الكتب، إذا لم نعتمد ما فيها من الجرح فماذا نصنع؟ يلزم عليه تعطيل هذه الكتب، لكن أجاب ابن الصلاح بأنا إذا لم نكتفِ به توقفنا في أمره، قال ابن معين: فلان ضعيف، نقول: لماذا يا ابن معين على قول الجمهور؟ لماذا فلان ضعيف؟ من يجيب عن ابن معين؟ في كتب الجرح والتعديل فلان ضعيف.

يقول ابن الصلاح: لا نعتمد هذا القول، لكن قول ابن معين أو قول غيره من الأئمة يوجد ريبة عندنا يلزم منها التوقف في الراوي، ومن ثم التوقف في قبول خبره، يقول: توقفنا في أمره لحصول الريبة عندنا في ذلك، لكن إلى متى؟ ما هي بمسألة راوي أو راويين أو مائة، لا، جمعٌ غفير من الرواة، وهذا التوقف يوجب التوقف في كثيرٍ من الأخبار، فالتوقف ليس بحل، ولذا رأى ابن كثير -رحمه الله تعالى- في كلامه قلت: أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب، ويستوي في ذلك الجرح والتعديل، إذا كان المعدل أو المجرح إمام معتدل، يعني ليس بمتشدد في التجريح ولا في التعديل، ولا متساهل، عرف بالتوسط في أموره، عارف بأسباب الجرح والتعديل، لماذا نتوقف في قبول من يعدله مثل هذا؟ أو في رد من يضعفه مثل هذا؟ ولذا يقول: "أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن" يعني إذا لم نقبل أقوال هؤلاء الذين عرفوا الرواة، وعرفوا المرويات، وقارنوا بين روايات الثقات، وعرضوا أحاديث بعضهم على بعض، وعرفوا بعضهم بالأعيان، وعاملوهم وعاصروهم وعاشروهم، وحفظوا أحاديثهم، إذا لم نكتفِ بأقوال هؤلاء فمن يحل الإشكال بعدهم؟ من يأتي بعد الرواة لا يستوي من عاش بين الرواة وعرفهم بأعيانهم، وعاصرهم وعاشرهم وبين من جاء بعدهم، يعني إذا لم ينحل الإشكال من قول الإمام أحمد، توقفنا في قوله، توقفنا في قول يحيى بن معين وهكذا، من يحل الإشكال الذي أورده، واستروح إليه، ومال إليه ابن الصلاح وهو التوقف؟ إلى متى؟

ابن كثير -رحمه الله تعالى- يقول: "واتصافهم بالإنصاف" يعني ما يتوقع أن الإمام أحمد يجرح راوي لشحناء بينه وبينه، أو لمخالفة بينه وبينه، أو لاختلاف بينه في أمور الدنيا، حاشاهم عن ذلك، ولا ندعي العصمة لهم، ومثله بقية الأئمة، "واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل" يعني مقتضى قول الجمهور أنهم لو أجمعوا على تضعيف راوٍ نقول: لماذا؟ لماذا ضعفوه؟ لا بد أن يبين السبب، يقول: "لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكاً أو كذاباً أو نحو ذلك" إذا أطبقوا لا يخالج الإنسان أدنى شك، ولا يساوره أدنى ريب في أنه ضعيف أو ثقة، لكن إذا اختلفوا، فيما إذا تعارض، تعارضت أقوالهم، فعدله بعضهم، ووثقه آخرون، وهذه مسألة تعارض الجرح والتعديل، والمسألة ترد قريباً -إن شاء الله تعالى- "فالمحدث الماهر يقول: لا يتخالجه في مثل هذا وقفةٌ في موافقتهم لصدقهم وأمانتهم ونصحهم، ولهذا يقول الشافعي في كثيرٍ من كلامه على الأحاديث: لا يثبته أهل العلم بالحديث" يكل الأمر إلى أهله، لا يثبته أهل العلم بالحديث، طيب أنت إمام يا شافعي لماذا لا تنظر أنت؟ العمر لا يستوعب الاجتهاد في كل شيء، قد يجتهد في وسيلة، في توثيق راوي أو تضعيفه، ثم مع مجموع الرواة، يجتهد في تصحيح حديث، ثم بعد ذلك يجتهد في النظر في الأحاديث في المسألة الواحدة، ويخلص إلى القول الراجح، هذه اجتهاد في الوسائل وفي الغايات لكن دونها الخرط والقتاد في كل مسألة مسألة، فالإنسان قد يجتهد في إثبات الخبر، لكن لا يتيسر له الاجتهاد في الحكم والعكس، فالشافعي حينما يجتهد في الحكم يعتمد في إثبات الخبر ونفيه على أهل الشأن، ولذا كثيراً ما يقول: لا يثبته أهل العلم بالحديث، وكثيراً ما يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ويرده ولا يحتج به بمجرد ذلك، ما يقال: لماذا لم يثبته أهل الحديث؟ الشافعي وهو إمام لا يقول: لماذا لا يثبته أهل الحديث؟ هل الجرح مفسر أو غير مفسر؟ لا يقول هذا لا الإمام الشافعي ولا غير الإمام الشافعي.

فالذي يظهر -والله أعلم- أن الأئمة الموصوفين بالخبرة والاطلاع والإحاطة بالمرويات، ومعرفة أحوال الرواة مع الاتصاف بالديانة والإنصاف والاعتدال في الرأي أنهم يقبل قولهم في الجرح والتعديل من غير ذكرٍ للسبب، والله أعلم.

طالب:.......

هذا يقول: الذي ...... سبر أحاديث الراوي......... أحاديثه ومروياته ......... فهل هذا نقول له أو نعيب عليه؟

لكن هل مروياته وسبرها يكفينا في إثبات عدالة الراوي وضبطه؟ نعم إذا كفى في إثبات الضبط، وعرفنا أنه يوافق الرواة عددناه ضابطاً، لكن عدالته؟ لا بد من أن ينص عليها أهل العلم، وأهل الخبرة به، فلا يكفي أن يقال: لا يمكن الاستغناء بحال عن معرفة أقوال أهل العلم في كل راوٍ راوٍ على حدة، لا يمكن أن يستغني أحدٌ عن معرفة أقوال أهل العلم، فبواسطتهم نعرف أحوال الرواة، نعم.

قال: أما إذا تعارض جرحٌ وتعديل فينبغي أن يكون الجرح حينئذٍ مفسراً، وهل هو المقدم أو الترجيح بالكثرة أو الأحفظ؟ فيه نزاعٌ مشهور في أصول الفقه وفروعه وعلم الحديث، والصحيح أن الجرح مقدمٌ مطلقاً إذا كان مفسراً، والله أعلم.

إذا تعارض الجرح والتعديل من أكثر من إمام، فحكم بعدالته وثقته أئمة، وحكم بضعفه آخرون، لو حكم بعدالة الراوي أئمة، وحكم به آخرون هذه مسألة، المسألة الأخرى: فيما إذا تعارض قول الإمام الواحد، فعدله في بعض أقواله، وجرحه في قولٍ آخر له، ما الذي يقدم؟ أما إذا كان الجرح مفسراً فلا تردد في تقديمه؛ لأن مع الجارح زيادة علم خفيت على المعدل، فإذا قال أحمد: فلان ثقة، وقال يحيى بن معين: ضعيف؛ لأنه يشرب الخمر، أو قال علي بن المديني: ضعيف لأنه يروي مناكير، جرح مفسر، حينئذٍ نقدم الجرح لأنه مفسر، ومع الجارح زيادة علم خفيت على المعدل، الجارح يوافق المعدل فيما يقول ويزيد عليه، أما المعدل فقد يخفى عليه من أمره ما عرفه الجارح.

إذا عرف المعدل ما جرحه به الجارح ونفاه بعينه، قال أحمد: ثقة، وقال ابن معين: ضعيف، لماذا يا ابن معين؟ لأنه قتل فلان يوم الخميس، قال أحمد: هذا الكلام ليس بصحيح أنا رأيته صلى معنا يوم الجمعة فكيف تقول: مقتول؟ فنفى الجرح بعينه، نعم روى حديثاً منكراً أثبته ابن معين، نفاه غيره من الأئمة، إما أن يكون نفى النكارة لوروده من طرق أخرى، أو أثبت أن الراوي لهذا الحديث المنكر غير الراوي الذي ألصق به، وكم من راوي زعم فيه التعدد والعكس، كم من شخص جعله بعضهم اثنين، وكم من رواة جعلهم بعض أهل العلم واحد، وينفع في هذا الباب كتاب الخطيب البغدادي -رحمه الله- (موضح أوهام الجمع والتفريق) فإذا قال ابن معين: فلان بن فلان ضعيف لأن حديثه منكر، قال له غيره من أهل العلم: لا، فلان الذي زعمت أنه هو الراوي لهذا الحديث غيره ثاني، فحينئذٍ يقدم التعديل؛ لأن السبب الذي جرح به نفي، فلا يقبل الجرح ولو كان مفسراً بالإطلاق.

يقول: "وهل هو المقدم أو التجريح بالكثرة أو الأحفظ؟" لا شك أن من أهل العلم من يرجح بالكثرة، ومنهم من يرجح أهل الحفظ على من دونهم في الحفظ.

وقدموا الجرح لكن إن ظهر

 

من عدّلَ الأكثرَ فهو المعتبر

 

الأصل أن المقدم الجرح إذا كان مفسراً، إن ظهر المعدلون أكثر من الجارحين فإنهم يقدمون عند قوم، وبعضهم قال: يقدم الجارح ولو واحد على الجمع من المعدلين للعلة التي ذكرت قبل، وبعضهم يقول: يقدم الأحفظ، هذا أعرف بالرواة وأحفظ وأكثر حفظاً للحديث فيقدم قوله ولو كان تعديلاً في مقابل قول من جرح.

إذا كان التعارض من إمامٍ واحد، إمام واحد مرةً قال: فلان ضعيف، ومرة قال: فلان ثقة، فهذا مرده إلى تغير الاجتهاد نعم إن عرف المتأخر من قوليه فهو المعتمد وإلا ينظر فيه على أساس أنه تعدد اجتهاد، غير اجتهاده، فيعتبر كل من قوليه قول من أقوال أهل العلم فيضم التعديل إلى أقوال المعدلين، ويضم التجريح إلى أقوال المجرحين، فعلى سبيل المثال: ابن لهيعة ضعفه ثلاثة عشر إماماً من أئمة الحديث، وعدله ثلاثة، وتوسط في أمره آخرون، وقبله بعضهم في حالٍ دون حال، في رواية العبادلة دون غيرهم، لكن كيف نصنع بتضعيف ثلاثة عشر إماماً؟ واضطربت فيه أقوال المتأخرين، فالحافظ ابن حجر نص على ضعفه في مواطن من الفتح، وقال في التقريب: "صدوقٌ يخطئ، أو له أوهام"، و..... سنداً في المسند جاء من طريقه، فعلى كل حال اضطرب فيه قول الحافظ، وما دام جمهور الأئمة على تضعيفه فهو ضعيف، ثلاثة عشر إماماً من الأئمة الكبار كلهم على تضعيفه فهو ضعيف، خلافاً لأحمد شاكر الذي وثقه مطلقاً، وثق ابن لهيعة مطلقاً، فكيف يصنع بقول ثلاثة عشر إماماً كلهم يتدين بقوله: ضعيف؟ لأن الكلام في الرجال أمره خطير، وأبيح على خلاف الأصل؛ لأن الأصل في هذا الباب المنع، فأجازه أهل العلم، بل أوجبوه نصحاً للأمة، وصيانة للملة، إذ لولا ذلك لما عرف صحيح الأحاديث من ضعيفه، على كل حال الراجح في حاله أنه ضعيف، وإن عدله بعضهم، نعم .

"ويكفي قول الواحد..."

نعم؟

طالب:.......

حتى في رواية العبادلة عنه، هي أمثل من غيرها يكون ضعفها أخف، لكن هي ضعيفة، حتى رواية العبادلة، وعلى كل حال ضعفه محتمل، يعني يقبل الانجبار إذا ورد من طريقٍ آخر، لكن بمفرده خبره لا يثبت، نعم.

"ويكفي قول الواحد بالتعديل والتجريح على الصحيح، وأما رواية الثقة عن شيخٍ فهل يتضمن تعديله ذلك الشيخ أم لا؟ فيه ثلاثة أقوال: ثالثها: إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيقٌ وإلا فلا، والصحيح أنه لا يكون توثيقاً له حتى لو كان ممن ينص على عدالة شيوخه، ولو قال: حدثني الثقة لا يكون ذلك توثيقاً له على الصحيح؛ لأنه قد يكون ثقةً عنده لا عند غيره، وهذا واضحٌ، ولله الحمد".

يقول: "يكفي قول الواحد في التعديل والتجريح على الصحيح" سبق أن ذكرنا أن التزكية لا بد فيها من اثنين عند جمع من أهل العلم.

...............................ومن

 

زكاه عدلان فعدلٌ مؤتمن
ج

كالشهادة، كالشاهد لا بد أن يزكيه اثنان، لكن الصحيح عند أهل العلم أنه يكفي واحد إذا كان عارفاً بأسباب الجرح، معتدلاً في أقواله، وجزم بأنه عدل يكفي.

وصحح اكتفاؤهم بالواحد

 

جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهدِ

أما الشاهد فلا بد من اثنين؛ لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة، ولا يؤمن أن يوجد من يكذب فيها، والكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس كالكذب على غيره، فالأصل في المسلم أن يهاب الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فما دام يكفي في قبول الخبر واحد فيكفي في تزكية راويه واحد أيضاً.

رواية الثقة عن شيخ: إذا روى شيخٌ ثقة عن شيخ، هل يعني هذا أن الشيخ لثقته بهذا الراوي يروي عنه؟ أو لأنه لم يقف عليه إلا من طريق هذا الراوي فخرجه عنه ولو كان غير ثقةٍ عنده؟ فيه ثلاثة أقوال: منهم من يرى أنه توثيق؛ لأن المسألة ديانة وأمانة، ولو عرف فيه ما يجرحه لبينه وما اكتفى بالرواية عنه، والقول الثاني: أنه ليس بتوثيق مطلقاً؛ لأن الواقع يرد القول بأنه توثيق؛ لأن كبار الأئمة يروون عن الضعفاء، رووا عن الضعفاء إذا لم يجدوا الحديث إلا من طريقهم فيذكرونه، وذكر الراوي، وذكر السند من قبل الإمام يخرجه من العهدة ويبرئه منها، وثالث الأقوال: إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيق، إذا ذُكر في المسألة ثلاثة أقوال ثالثها كذا، معروف الأول والثاني متقابلان، يجوز مطلقاً، ولا يجوز مطلقاً، يقبل مطلقاً، أو لا يقبل مطلقاً، والثالث الذي فيه التفصيل، كما قال بعضهم في "إن وأن والثالث أصلان"، "إن وأن والثالث أصلان" إيش نفهم من هذا؟ هذا غاية الاختصار، "إن وأن والثالث أصلان" إيش معنى هذا؟ نعم؟ "إن وأن والثالث أصلان" في النحو؟ يعني هل الأصل (إن) بكسر الهمزة وتفتح في مواضع؟ أو الأصل (أن) وتكسر في مواضع؟ قيل بهذا، وقيل بهذا، والقول الثالث: أنهما أصلان، كل واحد أصل برأسه.

يقول: "والصحيح أنه لا يكون توثيقاً له حتى ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه"، يعني ولو قال: "جميع أشياخي ثقات" لوجود الرواية عن الضعفاء فيمن نص على ثقة شيوخه، ولو قال: "حدثني الثقة" فإنه لا يكفي، بل لا بد أن يبين الاسم؛ لأنه قد يكون ثقة عنده وليس بثقةٍ عند غيره، ويقول الإمام الشافعي: "حدثني الثقة"، "حدثني من لا أتهم"، ويقصد بذلك إبراهيم بن أبي يحيى، إبراهيم بن أبي يحيى جماهير العلماء على ضعفه، بل ضعفه شديد، لكن قد يقول قائل: أنا ما دمت أقلد الإمام الشافعي في الأحكام، وفي الفروع وأوافقه في اجتهاده من غير نظرٍ في دليله لماذا لا أقلده في مثل هذا؟ نعم المقلد له أن يقلد ما ترجح عنده من أقوال الأئمة؛ لأنه فرضه التقليد، فإذا قال إمامك الشافعي: "حدثني ثقة" اقبل كلامه، كما أنه لو قال لك: هذا العمل حلال أو حرام تقبل قوله من غير دليل، أما أهل النظر الذي يستطيع أن ينظر ويوازن بين الأقوال لا يسوغ له أن يقلد أحداً ولو وثق على الإبهام، ولذا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

ومبهم التعديل ليس يكتفي

 

به الخطيب والفقيه الصيرفي

بل لا بد أن ينص على فلان بن فلان وأنه ثقة؛ لأنه قد يكون ثقةً عنده لا عند غيره، وهذا واضح، ولله الحمد، نعم.

قال: وكذلك فتيا العالم أو عمله على وفق حديث لا يستلزم تصحيحه له، قلتُ: وفي هذا نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث، أو تعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه، قال ابن الحاجب: وحكم الحاكم المشترط العدالة تعديلٌ باتفاق، وأما إعراض العالم عن الحديث المعين بعد العلم به فليس قادحاً في الحديث باتفاق؛ لأنه قد يعدل عنه لمعارض أرجح عنده مع اعتقاد صحته.

فتيا العالم إذا سئل عن مسألة فأفتى بمضمون حديث، أو عمل بمضمون حديث من غير ذكرٍ لهذا الحديث، قيل له: ما حكم كذا؟ قال: لا يجوز، وفي الباب حديثٌ يوافق هذه الفتيا، هل يعد تصحيح لهذا الحديث؟ ومثله لو قال: لا يجوز، وفي الباب حديث هل يعتبر تضعيف لهذا الحديث؟ يقول: "لا يستلزم تصحيحه له، قلت: وفي هذا نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث، أو تعرض للاحتجاج به" قال: لا يجوز لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- كذا، يكون استدلاله بالخبر وذكره إياه وجزمه بنسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ذكر الحكم يقتضي تصحيحه إياه، "أو استشهد به عند العمل بمقتضاه" رآه أحدٌ يعمل عملاً يقدم ركبتيه فقال: في حديث أبي هريرة كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، فهمنا أنه يقوي هذا الحديث، قواه بفعله، واستشهد به، ولو قواه بفعله فقط، فعله من دون استحضار هذا لا يعتبر تصحيح، وكذلكم لو استشهد أو عمل بحديث أو عمل بحكم وفيه مجموع أحاديث لا يقتضي حكمه أو عمله أو فتياه بمقتضى هذه الأحاديث تصحيح كل حديث حديث من هذه الأحاديث، بل قد يكون عمل بمجموع هذه الأحاديث.

"قال ابن الحاجب: "وحكم الحاكم المشترط العدالة تعديلٌ باتفاق" القاضي حينما يؤتى له بشاهد أو بشاهدين يحكم بموجب شهادتهما، هذا القاضي هل يتصور أنه يجرح هذين الشاهدين وقد عمل بمقتضى شهادتهما؟ لا، تعديل، هذا تعديل من القاضي لقبول شهادتهما؛ لأنه لا يتصور أن يغفل عن حالهما وهما أمامه، مع إمكانه أن يعرف ويستخبر لو كان يجهل فيطلب المزكين، "وأما إعراض العالم عن الحديث المعين بعد العلم به فليس قادحاً في الحديث باتفاق"، يعني كون العالم لا يعمل بحديث هل يقتضي هذا تضعيف ذلك الحديث؟ لا؛ لأنه قد يعتقده منسوخاً، أو معارض بما هو أرجح منه وإن كان صحيحاً؛ لأنه عند التعارض إنما يقدم الأرجح والأصح، فيعمل بالأصح ويترك الثاني المعارض وإن كان صحيحاً.

مسألة: مجهول العدالة ظاهراً وباطناً لا تقبل روايته عند الجماهير، ومن جُهلت عدالته باطناً ولكنه عدلٌ بالظاهر وهو المستور فقد قال بقبوله بعض الشافعية، ورجح ذلك سُليم بن أيوب الفقيه، ووافقه ابن الصلاح، وقد حررت البحث في ذلك في المقدمات والله أعلم، فأما المبهم الذي لم يسمَ أو من سُمِّي ولا تعرف عينه فهذا ممن لا يقبل روايته أحدٌ علمناه، ولكنه إذا كان في عصر التابعين والقرون المشهود لهم بالخير فإنه يستأنس بروايته ويستضاء بها في مواطن، وقد وقع في مسند الإمام أحمد وغيره من هذا القبيل كثير، والله أعلم.

قال الخطيب البغدادي وغيره: وترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له، أو برواية عدلين عنه، قال الخطيب: لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه، وعلى هذا النمط مشى ابن حبان وغيره، بل حكم له بالعدالة لمجرد هذه الحالة، والله أعلم.

قالوا: فأما من لم يرو عنه سوى واحد مثل عمرو بن ذي مر، وجبار الطائي، وسعيد بن ذي خدان تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق السبيعي، وجري بن كليب تفرد عنه قتادة، قال الخطيب: والهزهاز بن ميزن تفرد عنه الشعبي، قال ابن الصلاح: وروى عنه الثوري، وقال ابن الصلاح: وقد روى البخاري لمرداس الأسلمي، ولم يروِ عنه سوى قيس بن أبي حازم، ومسلمٌ لربيعة بن كعب، ولم يروِ عنه سوى أبي سلمة بن عبد الرحمن.

قال: وذلك مصير منهما إلى ارتفاع الجهالة برواية واحد، وذلك متجه كالخلاف في الاكتفاء بواحد في التعديل، قلتُ: توجيهٌ جيد لكن البخاري ومسلم إنما اكتفيا في ذلك برواية الواحد فقط؛ لأن هذين صحابيان، وجهالة الصحابي لا تضر بخلاف غيره، والله أعلم.

المجهول، الراوي المجهول، الجهالة ضد المعرفة والخبرة، فالجهالة عدم العلم بحال الراوي، وهي على مراتب ودرجات، أغرقها في الجهالة وأشدها جهالة الذات، ويدخل في هذا الراوي المبهم الذي لم يسم، مجهول، حدثني رجلٌ، حدثني بعضهم، هذا في غاية الجهالة، لكن إذا عرف اسمه، وعرفت ذاته، حدثني محمد بن إسماعيل ابن فلان الأنصاري أبو عبد الله مثلاً، اسمه واسم أبيه ونسبته وكنيته كلها معروفة، هذا معروف الذات، لكن هو مقل من الرواية بحيث لم يروِ عن سوى واحد، راوٍ واحد، هذا مجهول الإيش؟ مجهول العين، مجهول العين، إذا عرف اسمه كاملاً، ولم يروِ عنه إلا راوٍ واحد لكونه مقل، هذا يسميه أهل العلم مجهول العين، إذا لم يروِ عنه أحد ولا واحد إيش يصير؟ ماذا يكون؟ هاه؟

طالب:.......

يبحث مثل هذا؟ يستحق يبحث مثل هذا اللي ما روى عنه أحد؟

طالب:.......

ما روى عنه أحد هين واحد مجهول العين، إذا لم يروِ عنه أحد ما يبحث إطلاقاً، لا يستحق ولا اسم الجهالة، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب: غير موجود.

هذا غير موجود، لا يبحث أصلاً مثل هذا، أما إذا روى عنه واحد فقط فهو مجهول العين، إذا روى عنه اثنان فأكثر لكنه خلا عن التعديل ظاهراً وباطناً فهو مجهول الحال، وإن كان معروف العدالة ظاهراً دون الباطن فهو أيضاً مجهول قسم من أقسام جهالة الحال، ويعبر عنه بالمستور، أما مجهول الذات لا يقبله أحد ولم يقل أحد بقبوله، اللهم إلا إن كان من الصحابة، حدثني رجلٌ صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا مقبول؛ لأن جهالة الصحابي لا تضر.

إذا كان من التابعين والقرون المفضلة المشهود لهم بالخير فإنه يستأنس بروايته، ويستضاء بها في مواطن فيما قاله ابن الصلاح، إذا كان ممن تقادم العهد بهم، إذا كان -هذا مجهول الذات- مجهول العين من روى عنه واحد فقط هو مردود عند جماهير العلماء، وأما المستور وهو مجهول الحال ظاهراً وباطناً، أو باطناً فقط على الخلاف بينهم في ذلك، فمنهم من يطلق المستور بإزاء مجهول الحال مطلقاً في الظاهر والباطن، ومنهم من يطلق المستور بإزاء مجهول الحال باطناً فقط دون الظاهر، وإن عرفت عدالته الظاهرة.

أما مجهول الحال ظاهراً وباطناً ولو روى عنه أكثر من واحد مثل هذا الأكثر على رد خبره كمجهول العين؛ لأنه لا بد من التزكية، لا يعرف بجرحٍ ولا تعديل، لا بد أن تعرف حاله من قبل أهل العلم، هذا إذا كان مجهول العدالة ظاهراً وباطناً، أما إذا كان مجهول العدالة باطناً فقط وظاهره على العدالة فقال بقبوله بعض الشافعيين، ورجحه سُليم بن أيوب الرازي، ووافقه ابن الصلاح، وهو القول الراجح -إن شاء الله تعالى-، مثل هذا إذا عرفت عدالته الظاهرة..؛ لأننا إنما كلفنا بالبحث عن الظاهر، وأما السرائر فموكولٌ أمرها إلى الله -سبحانه وتعالى-.

يقول الخطيب: "ترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له" هل يمكن أن يقال: فلان مجهول مع أن العلماء يعرفونه؟

طالب:.......

إذا عرف الرجل بغير العلم، ما عرف فيه قول لأحدٍ من أهل العلم بالتوثيق ولا التجريح، روى عنه أكثر من واحد، وعرف بغير العلم، عرف بالشجاعة، عرف في مواطن الجهاد، ما إن يعلن عن جهاد إلا ويخرج، عرف بالكرم، اشتهر أمره بغير العلم، ترتفع عنه الجهالة؟ لا شك أن الجهاد مما يؤيد عدالته، لكن الكرم ما يلزم منه العدالة، استُعمل أمير أو قاضي لا سيما إذا كان الذي استعمله من أهل التحري، شخص ما فيه لا جرح ولا تعديل، روى عنه أكثر من واحد واستعمله عمر بن عبد العزيز على القضاء مثلاً، يوثق وإلا ما يوثق؟ تقبل روايته وإلا ما تقبل؟ ما في شك أن النفس تميل إلى قبول رواية مثل هذا، ولو لم ينص على تعديله.

"ترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له" ترتفع جهالة الحال بمعرفة العلماء له، وترتفع جهالة العين برواية عدلين عنه، لكن هل يثبت له حكم العدالة بهذا؟ برواية اثنين؟ لا، ولا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه، وإن مشى ابن حبان على ارتفاع الجهالة عنه، وحكم بأن له حكم العدالة بمجرد هذه الحالة، يعني مجرد رواية عدول، ولا عرف..، ما جرح الرجل، ولا روى ما ينكر، فإنه يدخله في الثقات.

نعود إلى مسألة الجهالة في كلامٍ مهم، هل الجهالة جرح في الراوي أو عدم علم بحاله؟ هل الجهالة جرح يجرح بها الراوي؟ فإذا بحثنا في كتب الجرح والتعديل وجدنا أن فلان من رواته مجهول، هل نقول: الحديث ضعيف لأن من رواته فلان وهو مجهول؟ أو نقول: فيه فلان مجهول، لا نعرف حاله، نتوقف في الحكم على الخبر حتى نتبين حال هذا الراوي؟ فهل الجهالة جرح أو عدم علم بحال الراوي؟ والفرق بين الأمرين ظاهر، يعني إذا كانت جرح قلنا: الحديث ضعيف، إذا كانت عدم علم بحال الراوي ما نقول: ضعيف، بل نتوقف في أمره حتى نعرف حاله.

طالب:.......

عدم العلم بحال الراوي هاه؟

طالب:.......

يعني ليست جرح؟

طالب: يعني ليست جرح وهو مضعف...

لا إذا ضعف بسببه صارت جرح.

طالب:.......

إيه، السبب الذي يورد مثل هذا الإشكال أو التردد في حال الجهالة، الحافظ ابن حجر في النخبة قال: "ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً أو تجريحاً أو جهالة" فجعل الجهالة قسيم للجرح والتعديل، فليست بجرح ولا تعديل، فعلى هذا هي إيش؟ عدم علمٍ بحال الراوي توجب التوقف، لكن يشكل على هذا أنه أورد لفظ مجهول في ألفاظ الجرح، في مراتب الجرح، أورد المجهول في مراتب الجرح، في السابعة والثامنة من مراتب التقريب، فعلى هذا يجرح بها الراوي، ويضعف بسببها الخبر.

أبو حاتم الذي هو أكثر من يطلق هذا اللفظ يسأل عن الراوي فيقول: مجهول، وصرح في مواطن كثيرة من كتابه أو فيما سأله عنه ابنه قال: فلان مجهول، أي لا أعرفه، فالجهالة على هذا عدم علم بحال الراوي، وإذا قال أبو حاتم في عدد من الصحابة: مجهول، بل قال في بعضهم من السابقين الأولين: مجهول، فهي عدم علمٍ بحاله في كثيرٌ من الرواة؛ لأنه يقول: مجهول أي لا أعرفه، أو يشير بها إلى قلة رواية هذا الراوي، والحافظ الذهبي في الميزان إذا أطلق على الراوي مجهول فإنه يقلد في ذلك أبا حاتم، ولا يلزم أن ينص عليه، كل من قال فيه: مجهول فإنما قلد فيه أبا حاتم، أبو حاتم اصطلاحه يختلف عن اصطلاح المتأخرين في المجهول، فإذا وجدنا في الميزان: فلان مجهول، وحكمنا على الراوي بالضعف، ورددنا الخبر بسببه أصبنا وإلا ما أصبنا؟ الذهبي قلد أبا حاتم، أبو حاتم يرى الجهالة جرح وإلا لا؟ يقول: لا أعرف، يعرفه غيره، إذا ما عرفه أبو حاتم يعرفه غيره، مجهول أي لا أعرفه، كل راوي لا يعرفه أبو حاتم ضعيف؟ نعم؟ يلزم من هذا، بل يجرؤ بعضهم، يجرؤ بعض الباحثين أن يحكم بضعف الخبر وجهالة الراوي إذا لم يطلع على قول لأهل العلم في الراوي، يبحث فيما بين يديه من الكتب ما يجد فيه قول فيقول: مجهول، من أنت؟ نعم أبو الحسن بن القطان حكم بالجهالة لبعض الرواة؛ لأنه لم يقف فيه على كلام لأهل العلم، لكن من يصف نفسه في مصف أبي الحسن بن القطان؟

طالب من طلاب العلم سواءً كان في المراحل الدنيا أو العليا، ولو باحث ماجستير أو دكتوراه ما وجد، ما وجد في كلام أهل العلم يسوغ له أن يقول: مجهول؟ الجهالة لا بد أن ينص عليها من أهل العلم، أما عدم وجودك لهذا الراوي وعدم وقوفك على أقوال أهل العلم فيه، نعم توقف في الحكم حتى تجد ما يقوي أمره أو يضعفه.

فننظر في اصطلاح من أطلق اللفظ، من أطلق اللفظ، فهل هذا الذي أطلق اللفظ يرى الجهالة جرح؟ يعني لو وجدنا مجهول في التقريب فلان مجهول، ووجدنا مجهول في الميزان نحكم بحكم واحد؟ نعم؟ في التقريب وضع المجهول من ألفاظ الجرح، فهي جرحٌ عنده، في الميزان قلد أبا حاتم في المجهول، والجهالة عنده تختلف عن الجهالة عند غيره.

"قالوا: فأما من لم يروِ عنه سوى واحد مثل عمرو بن ذي مر، وجبار الطائي، وسعيد بن ذي حدان تفرد بالرواية عنهم أبو إسحاق، وجري بن كليب تفرد عنه قتادة، قال الخطيب: والهزهاز بن ميزن تفرد عنه الشعبي، قال ابن الصلاح: وروى عنه الثوري" هؤلاء من المجاهيل؛ لأنه لم يروِ عنهم سوى واحد، لكن استدرك على ابن الصلاح، وأثبت..، أثبتت الرواية عن هؤلاء عن غير من ذكر عنهم، "وقال ابن الصلاح: وقد روى البخاري لمرداس الأسلمي ولم يروِ عنه سوى قيس بن أبي حازم" مرداس الأسلمي صحابي، فهو ثقة، ولو لم يروِ عنه سوى واحد، ولا نحتاج فيه إلى كثرة الرواة، ولا إلى كثرة المرويات، ولا إلى تعديل أحد كائناً من كان، روى مسلم لربيعة بن كعب وهو كذلك لم يروِ عنه سوى أبي سلمة بن عبد الرحمن، وقد أثبت الأئمة رواية غير هذين عن هذين الصحابيين، "قال: وذلك مصيرٌ منهما إلى ارتفاع الجهالة بواحد وذلك المتجه كالخلاف بالاكتفاء بواحد في التعديل، قلتُ توجيهٌ جيد، لكن البخاري ومسلم إنما اكتفيا في ذلك برواية الواحد فقط؛ لأن هذين صحابيان، وجهالة الصحابة لا تضر، بخلاف غيره، والله أعلم".

لو افترضنا أن البخاري خرج لراوي ممن دون الصحابة لم يروِ عنه سوى واحد، شخص ما روى عنه سوى واحد، تابعي أو تابع تابعي أو دونه، ووثقه من روى عنه، أو أنضاف إلى رواية واحد توثيق لبعض الأئمة، أو خرج له في كتابٍ التزمت صحته، هل يطعن بمجرد رواية واحد عنه فقط؟ أو نقول: تخريج حديثه في الصحيح تقوية لشأنه وأمره؟ توثيق الإمام مع رواية واحد توثيق له؟ كل هذا يقوي أمره، ولو لم يروِ عنه سوى واحد، نعم.

طالب:.......

إيش هو؟

طالب:.......

الذهبي في الميزان نبه في المقدمة أنه إذا قال عن راوٍ: مجهول فهو قول أبي حاتم.

تحرير معنى الجهالة الباطنة والظاهرة:

عرفنا أن الراوي المجهول أقسام، من لم يذكر اسمه مجهول ذات، وإن لم ينص على أنه مجهول ذات، لكن هذه حقيقته كالمبهم، من ذكر اسمه كامل رباعي أو خماسي، ذكرت نسبته ونسبه وكنيته، لكن لم يروِ عنه إلا واحد فهو مجهول العين، روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق هذا مجهول الحال، عرفت عدالته الظاهرة، شخص يتعامل مع الناس ولا لاحظوا عليه شيء، يصلي مع الناس، يشهد المناسبات مع الناس، يتعامل مع الناس ما شهدوا عليه بشيء، لكن أحواله الباطنة ما يدرى عنه، عمر -رضي الله عنه- لما زكي عنده شخص، قال للمزكي: سافرت معه؟ عاملته؟ بعت معه واشتريت؟ قال: لا، قال: ما تعرفه.

هل نحتاج إلى مثل هذا في الرواة؟ نقول: هل المزكي عرفه؟ عرف حاله الباطنة؟ هل تعامل معه؟ نسأله هل تعامل معه؟ هل سافر معه ليعرف خفاياه؟ أو نقول: إنه مجرد ما يعرف حاله يصلي مع الناس، ويزكي مع الناس، يشهد المناسبات، ويتعامل مع الناس بصدق، هذه عدالته، وحال المسلمين كله مبني على هذا، ولا يلزم أن تعرف حاله الباطنة، ما يلزم إذا أردت أن تزكي شخص أن تسكن معه، أو تسافر معه لتعرف خبرته الباطنة، {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} [(81) سورة يوسف] ما أمرنا أن ننقب عن بواطن الناس، فالعدالة الباطنة لم نؤمر بها، بل يكفي في ذلك العدالة الظاهرة، نعم.

مسألة: المبتدع إن كفر من بدعته فلا إشكال في رد روايته، وإذا لم يكفر فإن استحل الكذب ردت أيضاً، وإن لم يستحل الكذب فهل يقبل أم لا؟ أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية؟ في ذلك نزاعٌ قديم وحديث، والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره، وقد حكي عن نصٍ للشافعي وقد حكى ابن حبان عليه الاتفاق، فقال: لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه خلافاً، قال ابن الصلاح: وهذا أعدل الأقوال وأولاها، والقول بالمنع مطلقٌ بعيد، مباعدٌ للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة، وفي الصحيحين من حديثهم بالشواهد والأصول كبير، والله أعلم.

قلتُ: وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره، ثم ما الفرق في المعنى بينهما؟ وهذا البخاري قد خرج لعمران بن حطان الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي، وهذا من أكبر الدعوة إلى البدعة، والله أعلم.

نعم المبتدع، يعني من ارتكب البدعة، والبدعة المراد بها: ما أحدث في الدين على وجه التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى-، من ارتكب بدعة فلا تخلو هذه البدعة: إما أن تكون مكفرة مخرجة عن الملة، أو غير مكفرة، إن كانت البدعة مكفرة فلا إشكال، فالكافر لا تصح روايته قولاً واحداً، لكن يختلف مثل هذا عن الكافر الأصلي، أن هذا يدعي أنه مسلم، ويأتي ببعض شعائر الإسلام، بل قد يأتي بالشعائر كلها، ويرتكب مع ذلك ما يخرجه عن الدين، أو قد يعتقد ما حكم أهل العلم بكفر معتقده، افترضنا أن شخصاً حلولياً أو مجسماً أو نافي للرؤية، أو قائلٌ بخلق القرآن، أو ما أشبه ذلك من البدع المغلظة، العلماء كفروا الجهمية، افترضنا أن جهمي يروي الحديث، أو رافضي من الروافض الغلاة، فما حكم روايته للحديث؟ الجمهور على أن من كفر ببدعته لا تقبل روايته، والذي رجحه ابن حجر أنه لو حكم بكفره بسبب هذه البدعة أن روايته مقبولة، ما لم ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، يقول: لأن كل طائفة تدعي فسق الطائفة الأخرى، وقد تبالغ فتكفر الطائفة الأخرى، لكن العبرة بالطائفة المعتدلة التي دينها الكتاب والسنة، تدور معهما حيث ما دارا، أما كوننا لا نقبل الجهمية؛ لأننا نكفرهم، وهم يكفروننا إذاً لا نقْبَل منهم، هذا الكلام ما هو بصحيح، العبرة بأهل السنة الذين هم أهل الكتاب والسنة.

يقول: "فلا إشكال في رد روايته، وإذا لم يكفر فإن استحل الكذب ردت أيضاً" لأن استحلال الكذب عمدة الرواية الصدق، فإذا كان الراوي ممن يكذب أو يستحل الكذب، فهذا مردود اتفاقاً، يخالف مقتضى الرواية، فهذا لا وجه لقبوله، وإن لم يستحل الكذب، إذا عرف بالكذب، كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو مرة واحدة، أو يتعاطى الكذب في حديثه مع الناس، فإن هذا أيضاً مردود الرواية.

أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية؟ الجمهور على أن الداعية لا يقبل، وغير الداعية يقبل، ونقل ابن حبان عليه الاتفاق، اتفاق أئمتهم، والخلاف في المراد بأئمتهم هل هم المحدثون؟ أو الشافعية؟ على كل حال رد الداعية قول الجمهور، وقال بعضهم بقبول روايته لوجود رواية بعض الدعاة في الصحيح، وأشار الحافظ ابن كثير إلى عمران بن حطان، وهو من الدعاة إلى قول الخوارج، الخوارج القعدية من رؤوس الخوارج، وقد مدح قاتل علي، وهذه دعوة، والحافظ ابن حجر يدافع عن تخريج البخاري لعمران بن حطان أنه ما المانع من قبول روايته وقد عرف بصدق اللهجة؟ ومعروف أن الخوارج من أصدق الناس لهجةً؛ لأنهم يرون الكذب كبيرة، ومرتكب الكبيرة كافر، إذاً لا يكذبون، وأشار إلى ذلك شيخ الإسلام في مواضع، وأن الخوارج من أصدق الناس لهجة، وبهذا أجاب ابن حجر عن رواية البخاري وتخريجه لحديث عمران بن حطان، والعيني تعقبه بقوله: "وأيُّ صدقٍ في لهجة مادح قاتل علي" تعقب في مكانه، في محله، فالذي يمدح قاتل علي أي صدقٍ في لهجته؟ لكن إذا عرفنا أنه يعتقد مثل هذا الكلام، فمثل هذا صدق بالنسبة له، وابن حزم يرجح الداعية على غير الداعية، يقول: الداعية أولى بالقبول من غير الداعية، لماذا؟ لأن هذا الداعية ينصر ما يراه الحق، ينصر ما أداه إليه اجتهاده، وأنه هو الحق، علماً بأن من أهل العلم من يرد المبتدعة مطلقاً، وهو قولُ الإمام مالك، لكن رد المبتدعة مطلقاً، وعدم قبول روايتهم من غير تفصيل هذا قولٌ مباعد عن الشائع عن استعمال أهل العلم، فروايات المبتدعة كتب السنة طافحة بها، بما في ذلك الصحيحين، فكتب السنة مشحونة بالرواية عن المبتدعة، لكن غير من كبرت بدعته أو من غلظت بدعته، والحافظ الذهبي -رحمه الله- في مقدمة الميزان قسم البدع إلى بدع كبرى وبدع صغرى، بدع مغلظة مثل هؤلاء لا تقبل رواية من اتصف بها، وأما البدع الصغرى فمثل هؤلاء تقبل رواياتهم.

قلتُ -يقول الحافظ ابن كثير-: "وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لأنهم يرون شهادة الزور لموافقيهم، فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره"، لكن ماذا عن الاتفاق الذي ذكره ابن حبان وهو شافعي المذهب؟ هل يخفى عليه رأي الإمام الشافعي الذي نقل الاتفاق على رد رواية الداعية؟ اتفاق أئمتهم والشافعي داخل على الاحتمالين، يقول: "ثم ما الفرق في المعنى بينهما" يعني هل الدعوة إلى البدعة مؤثرة في الرواية؟ ابن كثير يرى أن الدعوة إلى البدعة لا تؤثر، لكن لنعلم أن الداعية إلى البدعة قد يحمله الحماس إلى بدعته فيكذب في الرواية، وتؤثر هذه البدعة في روايته، حماس، وهذا قد يحمله على أن يضع الحديث للحط من خصومه، هذا وقع، وهذا قد يقول قائل: إنه وقع من الأتباع أيضاً فلنرد المبتدعة جملةٍ وتفصيلاً، نقول: من وقع منه هذا رُد، ومن لم يعرف بهذا يقبل خبره، والحافظ ابن كثير كأنه يميل إلى عدم التفريق بين الداعية وغيره لوجود رواية عمران بن حطان مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي في الصحيح، صحيح البخاري، يقول: "وهذا من أكبر الدعاة إلى البدعة".

أجيب عن تخريج الإمام البخاري لعمران بن حطان بأمور: أولاً: أنه خرج عنه ما تحمل عنه قبل اتصافه بالبدعة، عمران بن حطان كان من أهل السنة، والذي حمله على البدعة واعتناق مذهب الخوارج أنه تزوج امرأة جميلة لكنها من الخوارج، فتزوجها بنية دعوتها ليكسب أجرها، وفي هذا يخطئ من يقول: نبحث عن الجميلة ونكسب الأجر في دعوتها، والدين يجيء هذا الكلام ليس بصحيح، هذا خطرٌ عظيم، النتيجة أنها دعته فاعتنق مذهب الخوارج، أثرت فيه، ولم يستطع التأثير فيها، فمما أجيب به عن الإمام البخاري أن الإمام البخاري خرج عنه ما حُمل عنه قبل ابتداعه، ومنهم من قال: إن الإمام البخاري خرج عنه بعد توبته من هذه البدعة، ومنهم من يقول: خرج عنه في المتابعات والشواهد، على كل حال له ذكر في موضعين من الصحيح، والحديث الذي رواه عنه... موجود هنا؟...

فعلى كل حال الإمام البخاري لم يعتمد على عمران بن حطان، بل خرج عنه ما رواه غيره، فالتخريج في الشواهد يحتمل فيها من الرواة ما لا يحتمل من غيرهم، فقد يخرج للضعيف الذي يعتبر به، ويعتد به إذا توبع، نعم.

مسألة: التائب من الكذب في حديث الناس تقبل روايته خلافاً لأبي بكر الصيرفي, فأما إن كان قد كذب في الحديث متعمداً, فنقل ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل، وأبي بكر الحميدي شيخ البخاري أنه لا تقبل روايته أبداً, وقال أبو المظفر السمعاني: من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه.

قلت: ومن العلماء من كفر متعمد الكذب في الحديث النبوي, ومنهم من يحتم قتله، وقد حررت ذلك في المقدمات، وأما من غلط في حديث فبين له الصواب فلم يرجع إليه فقال ابن المبارك وأحمد بن حنبل والحميدي: لا تقبل روايته أيضاً, وتوسط بعضهم فقال: إن كان عدم رجوعه إلى الصواب عناداً فهذا يلتحق بمن كذب عمداً, وإلا فلا، والله أعلم.

ومن هاهنا ينبغي التحرز من الكذب كلما أمكن, فلا يحدث إلا من أصل معتمد, ويجتنب الشواذ والمنكرات, فقد قال القاضي أبو يوسف: من تتبع غرائب الحديث كذب، وفي الأثر: كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع.

التائب من الكذب، الكذب لا يخلو إما أن يكون في كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يضع على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يختلق أو يكذب في حديث الناس، لا شك أن الكذب جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب لا سيما على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((إن كذباً عليّ ليس ككذبٍ على أحد))((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) فالتائب من الكذب سواءٌ كان الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أو على غيره مختلفٌ فيه، من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- متعمداً يرى الإمام أحمد بن حنبل والحميدي أنه لا تقبل توبته، ولا تقبل روايته، معنى لا تقبل توبته يعني في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله، وجمعٌ من أهل العلم أو جمهور العلماء يرون أن توبته مقبولة، وخبره حينئذٍ مقبول؛ لأن الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس بأشد من الكفر، والنووي يرى أن قواعد الشرع تؤيد هذا القول، قواعد الشريعة تؤيد هذا القول، فإن من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم تاب ليس بأعظم ممن كان كافراً ثم أسلم، أو ارتكب من الذنوب الكبائر الشيء الكثير ثم تاب، فمن تاب تاب الله عليه، فهل يحتم جرحُ الكذاب أبداً بحيث لا تقبل روايته ولو تاب، وهذا مخرجٌ على قبول شهادة القاذف، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4-5) سورة النــور] {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} هذا الاستثناء يرفع الجمل الثلاث أو يرفع الأخيرة فقط؟ أو ماذا يرفع؟ فإذا كانت شهادة القاذف مردودة أبداً فمعنى هذا أن الاستثناء لا يرفع إلا الجملة الأخيرة، وقال بهذا بعض العلماء، أما رجوع الاستثناء إلى الجملة الأولى فلم يقل به أحد، لا بد من جلده ثمانين جلدة، ولو تاب، وأما رجوعه إلى الجملة الأخيرة وارتفاع وصف الفسق عنه فهو مقتضى الاستثناء، وهو قول أهل العلم قاطبة، ورجوعه إلى الجملة الثانية المتوسطة هو محل الخلاف، هل تقبل شهادته أو يحتم جرحه فلا تقبل شهادته؟ ومثله الكاذب؛ لأن الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد من القذف، فالإمام أحمد والحميدي يشددون في هذا الباب، ويرون أنه مجروح أبداً، فلا تقبل روايته؛ لأنه ما دام كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وجرؤ على الكذب عليه ما الذي يثبت صدقه في توبته؟ وذكرنا أن أكثر العلماء على أن توبته مقبولة، وأن التوبة من الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليست بأشد من الكفر، إذ الكافر إذا أسلم فإنه تقبل توبته قولاً واحداً.

قال: "ومن العلماء من كفر متعمد الكذب في الحديث النبوي" هذا والد إمام الحرمين قال بكفره، ومنهم من يحتم قتله، وابن الجوزي يرى أنه إذا كذب أو تعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- في تحليل حرام أو تحريم حلال فإنه يكفر، وعلى كل حال القول بكفره قولٌ مرجوح، حتى قال إمام الحرمين: إنها زلة أو هفوة من والده لم يوافقه عليها أحد.

من غلط في حديث فبين له الصواب فلم يرجع إليه، يروي الحديث فغلط فقيل له: الصواب كذا، قال: لا، لا، الصواب ما ذكرتُ، بُين له غلطه، جاءه واحد، اثنين، ثلاثة، عشرة، قالوا له: الصواب كذا، ارجع إلى الكتاب الفلاني الصواب كذا، قال: لا أبداً الصواب ما ذكرتُ، يُؤتى بالكتب، ولو، ولو أتيتم بالكتب، مثل هذا معاند هذا لا تقبل روايته، لكن إذا كان عدم رجوعه إلى الصواب ليس عن عناد، لم يكن عن عناد وإنما مجرد ثقة بنفسه بحيث إذا كثر عليه من يبين له الصواب رجع، يعني لا يرجع في أول الأمر، هذا إذا رجع في أول الأمر بين له الصواب فرجع هذا لا يؤثر ما لم يكثر في حديثه، لكن إذا روجع ولم يقبل، إن أصر وعاند مهما بلغ المبلغون مثل هذا لا تقبل روايته؛ لأنه يجرح بهذا، يلتحق بمن كذب عمداً، إن كان إصراره ثقةً بنفسه وعدم اطمئنان واسترواح إلى من بلغه بحيث لو زيد في العدد، وجاءه من يؤكد له أنه أخطأ رجع، فمثل هذا تقبل روايته.

يقول: "ومن هنا ينبغي التحرز من الكذب كلما أمكن" الكذب لا شك أنها خصلة ذميمة، وأشده الكذب على الله وعلى رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والكذب في حديثه مع الناس أيضاً معصية، وكبيرة من كبائر الذنوب، وإثمها على قدر الأثر المترتب عليها، وعلى كل حال تحديث الناس بما يخالف الواقع هذا هو حقيقة الكذب، وإن كان بعض صوره أبيحت للحاجة كالصلح بين الناس، للإصلاح بين الناس لا بأس، كذب الرجل على زوجته بقصد تأليفها مثلاً، منهم من يدخل في ذلك المناظرات العلمية، المقامات وغيره، المبالغات، الكلام الذي يبالغ فيه غير مطابق للواقع، حينما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- فلان لا يضع عصاه عن عاتقه ((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه)) هذه مبالغة، المبالغات فيها شيء من مخالفة الواقع، لكنها متجاوزٌ فيها، ومعفوٌ عنها، المناظرات التي يعقدها أهل العلم ولا حقيقةَ لها، يعقدون مناظرة بين سني وجبري مثلاً، سني وقدَري، بين العلوم، بين علم التفسير وعلم الحديث، قال علم الحديث كذا، وقال علم التفسير كذا، قال علم الفقه كذا، وقال علم الكلام كذا، يعقدونها كثيراً، هل هذا كذب وإلا صواب؟ صحيح الكلام وإلا كذب؟ مطابق للواقع أو غير مطابق؟ غير مطابق، أحياناً يعقد مناظرات على ألسنة الحيوانات والطيور، المقامات حدث الحارث بن همام قال، لا حارث ولا محروث، لا مُحدِث ولا مُحدَث، لكن قالوا: إن هذا يترتب عليه مصلحة ظاهرة، المفسدة مغمورة بجانبها فأجازوا مثل هذا، "فلا يحدث إلا من أصلٍ معتمد" لا يحدث من أصلٍ غير معتمد غير مقابل غير..، تكثر فيه الأخطاء، وحينئذٍ تنسب إليه هذه الأخطاء، "ويتجنب الشواذ والمنكرات فقد قال القاضي أبو يوسف: من تتبع غرائب الحديث كذب" لا بد أن يقع في الكذب؛ لأنه في يوم الأيام لا يجد شيئاً من الغرائب، وقد اعتاد الناس منه هذا واستدرجوه فلا يستطيع أن يرجع فيلجأ حينئذٍ إلى الكذب، ومنهم من يروي ذلك يقول: "من تتبع غرائب الحديث كُذِّب" يتعرض لتكذيب الناس إياه، وفي الأثر: ((كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع)) وهذا رواه مسلم في مقدمة الصحيح، أن يحدث بكل ما سمع؛ لأن من يحدث بكل ما سمع لا يؤمن أن ينقل الكذب مرة ثم مرة ثم مرة ثم يستمريه، ويكون من عادته وديدنه، ثم يقع في الكذب هو، نعم.

مسألة:

وإذا حدث ثقةٌ عن ثقةٍ بحديث فأنكر الشيخ سماعه لذلك بالكلية فاختار ابن الصلاح أنه لا تقبل روايته عنه لجزمه بإنكاره، ولا يقدح ذلك في عدالة الراوي عنه فيما عداه، بخلاف ما إذا قال: لا أعرف هذا الحديث من سماعي فإنه تقبل روايته عنه، وأما إذا نسيه فإن الجمهور يقبلونه، ورده بعض الحنفية كحديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عنه فلم يعرفه، وكحديث ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: "قضى بالشاهد واليمين" ثم نسي سهيل لآفةٍ حصلت له، فكان يقول: "حدثني ربيعة عني" قلتُ: هذا أولى بالقبول من الأول، وقد جمع الخطيب البغدادي كتاباً فيمن حدث بحديثٍ ثم نسي.

نعم إذا حدث الثقة عن شيخه بحديث ثم ذهب من يطلب العلو إلى ذلك الشيخ، فقال: سمعنا من فلان أنه يحدث عنك بكذا، قال: أبداً أنا ما حدثته، كذب عليّ، إن قال مثل هذا الكلام له حكم، إن قال: نسيت، إن جزم بالإنكار له حكم، إن تردد وقال: أنا الآن لا أذكر أنا حدثته أو لم أحدثه هذا أيضاً له حكم.

يقول: "إذا حدث ثقةٌ عن ثقة بحديث فأنكر الشيخ سماعه لذلك بالكلية" بالكلية يعني جزم بالنفي، "فاختار ابن الصلاح أنه لا تقبل روايته عنه بجزمه بإنكاره"، أما الخبر لا يقبل؛ لأنه إنما ينسب إلى ذلك الشيخ، وذلك الشيخ منكرٌ له "ولا يقدح ذلك في عدالة الراوي عنه فيما عداه" يعني في أحاديث أخرى، الراوي عن هذا الشيخ الذي جزم بالإنكار لا يقدح في عدالته؛ لأنك ما تدري الصدق مع من؟ نعم، هل الشيخ متحقق وجازم، وقوله مطابق للواقع فيما نفاه؟ وأنه بالفعل ما حدث ذلك الراوي، أو أن الراوي ضبط وحفظ وأتقن ما سمعه من ذلك الشيخ والشيخ نسي؟ احتمال، فليس قبول قول أحدهما بأولى من قبول الآخر، ولذا لا يقدح في عدالة الراوي عنه في الأحاديث الأخرى، في هذا الحديث يقدح؛ لأن الحديث إنما عُرف من طريقه وأنكره، "بخلاف ما إذا قال: لا أعرف هذا الحديث من سماعي فإنه تقبل روايته عنه"؛ لأنه يحمل على النسيان، يحمل على نسيانه، يقول: "وأما إذا نسيه فإن الجمهور يقبلونه" يعني لا أعرف هذا الحديث من سماعي، تردد من غير جزم، هذا يقبل، إذا نسي قال: نسيت، ما الفرق بين كونه نسي أو نفى أن يكون..، نفى معرفته بهذا الحديث؟ قوله: لا أعرف هذا الحديث من سماعي هذا..، نعم، يعني مرتبة بين مرتبتين، بين الإنكار بقوة والجزم، وبين إثبات النسيان، إذا نسي "فإن الجمهور يقبلونه، ورده بعض الحنفية، كحديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل))" لكن هل يؤخذ مذهب من رد بحديثٍ واحد؟ يقول: الحنفية يردون هذا؟ كل من نسي ردوا حديثه، أو نعرف مذهبهم في هذه المسألة ونقول: إنهم لا يرون اشتراط الولي في النكاح فردوا هذا الحديث لأمور أخرى، لا يلزم أن يكون لأن الراوي نسي، يقول: "فرده بعض الحنفية كحديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل))، قال ابن جريج: "فلقيت الزهري فسألته عنه فلم يعرفه" وكحديث ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: "قضى بالشاهد واليمين" ثم نسي سهيل لآفةٍ حصلت له في ذلك، فكان يقول: حدثني ربيعة عني" أني حدثته بكذا، والخطيب البغدادي له كتاب جمع فيه هذه الأخبار التي نسي فيها الشيخ، وصار يحدث عمن حدثه هو، وللسيوطي رسالة اسمها: (تذكرة المؤتسي في ذكر من حدث ونسي) وهو مختصر من كلام الخطيب

نأخذ الأجرة أو نقف عليها؟ هاه؟ إيش رأيك نكمل بسرعة؟

طالب:......

وين؟ تبي تمشي لأن الكلام طويل جداً.

طالب:......

أجل قف على الأجرة، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.