دروس الحرم العامة (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

ففي الدرس الماضي ذكرنا حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- في الصحيحين وغيرهما في أركان الإسلام ومبانيه العظام، والأركان السابقة وغيرها مما يتقرب به إلى الله- جل وعلا- يشترط لصحته وقبوله شرطان لا بد من توافرهما لصحة العمل وقبوله وإلا كان هذا العمل هباء منثورا، أولهما: الإخلاص لله- جل وعلا- وثانيهما: متابعة النبي -عليه الصلاة والسلام- أما الشرط الأول: وهو الإخلاص فقد دلت عليه النصوص الكثيرة المتظافرة القطعية من نصوص الكتاب والسنة "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" وغيرها من الآيات، وجاء فيها أيضا حديث عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- في الصحيحين وغيرهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول «إنما الأعمال بالنيات» وإنما أداة حصر «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» فلا عمل إلا بنية؛ لأن إنما أداة حصر تساوي النفي والاستثناء، وقد جاء في بعض الألفاظ «لا عمل إلا بنية» فلا يصح العمل المجرد من النية مما يتقرب به إلى الله- جل وعلا- «إنما الأعمال» «ال) هذه جنسية تشمل جميع الأعمال التي يتقرب بها إلى الله- جل وعلا- أما ما كان من العبادات فهذا شرط لصحته فلا يصح إلا بنية، وأما الأعمال التي هي في الأصل مباحة من أمور الدنيا فالنية تحوِّلها من عادة إلى عبادة، وبإمكان المسلم الموفق أن يحول جميع أعماله من العادات والعبادات إلى عبادات ويكون متقلبا في العبادة، ولو كان ظاهر العمل مما ينتفع به في دنياه كالأكل والشرب والنوم والكسب والتجارة وغير ذلك من الأعمال حتى ما يُظَن أنه من حظ البدن محضا كالترفيه مثلا قد ينقلب بالنية الصالحة إلى عبادة، النوم إذا نوى به التقوي على عبادة الله -جل وعلا- صار عبادة، الأكل إذا نوى به التقوي على عبادة الله- جل وعلا- صار عبادة، الكسب إذا نوى به أن يكف نفسه عن سؤال الناس وأن يترك من وراءه أغنياء عن التكفف أن يكونوا عالة على الناس وأن ينفق ما جمعه فيما يرضي الله- جل وعلا- هذه عبادة وقل مثل هذا في جميع أمور الدنيا، وبعض الناس محروم قد لا ينوي في العبادات فضلا عن كونه ينوي في العادات، هذا الذي يذهب في نهاية كل شهر إلى الأسواق ويشتري ما يحتاجه ويحتاجه من تحت يده لمدة شهر كامل هذا إما أن يعود لا له ولا عليه إذا كان مما يشتريه ويقتنيه في حيز المباح، أو يعود بشرائه هذه الحاجيات متعبدا لله- جل وعلا- محققا الهدف الذي من أجله وجد وهو تحقيق العبودية لله- جل وعلا- ولذا جاء أن الإنسان يؤجر على كل شيء حتى ما يضعه في فم امرأته يؤجر على ذلك، فإذا اشترى ما يحتاجه وما يحتاجه أهل وولده ينوي بذلك التقوي على طاعة الله وأن يغني من تحت يده من سؤال الناس وتكفف الناس هذا يؤجر على هذه النية، إنما الأعمال بالنيات، فلا عمل إلا بنية، صورة العمل المجردة عن النية هذه لا تغني عن صاحبها شيئا؛ ولذا جاء في الخبر وإن كان فيه ضعف عند أهل العلم جاء فيه «نية المرء خير من عمله» وهو محمول- لو لصح- على أن النية المجردة عن العمل أفضل من العمل المجرد عن النية؛ ولذا قد يشارك الإنسان وهو في فراشه أهل القيام والتعبد؛ لأنه نوى أن يقوم للتهجد لكنه غلبه النوم، فعلى هذا على الإنسان أن يستحضر النية في جميع أعماله ليؤجر عليها وليوفَّر له الأجر العظيم، والمسألة مسألة استحضار لهذا المعنى في أول الأمر ومجاهدة النفس عليه ثم بعد ذلك يكون ديدنا له، يكون ديدنا للمرء لا يكلفه شيئا، تجده في كل أمر يقدم عليه أو أمر يتركه يقصد بذلك وجه الله- جل وعلا- فيؤجر عليه من هذه الجهة ولو كان في أصله عادة محضة لكنه بالنية الصالحة يتحول إلى عبادة "وإنما لكل امرئ ما نوى" ليس لك إلا ما نويت، فإذا نويت الخير والتقرب إلى الله- جل وعلا- حصلت لك هذه النية وحصل لك هذا الأجر العظيم المرتب على هذه النية، ولو نويت خلاف ذلك فالأمر بضد ذلك، والله- جل وعلا- لا تخفى عليه خافية، قد يُظهر الإنسان للناس أنه ناسك متعبِّد وهو في الحقيقة على خلاف ذلك، الله- جل وعلا- يعلم السر وأخفى لا تخفى عليه خافية {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [سورة الفجر:14] فيظهر للناس أنه ينوي بهذا العمل الخير؛ ولذا جاء في الحديث «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» من فارق بلده إلى بلد آخر ينوي بذلك أن هذا البلد ويقصد بهذا أن هذا البلد الذي انتقل منه ليس فيه من يعينه على تحقيق الهدف الذي هو العبودية، والبلد الذي انتقل إليه فيه من يعينه على ذلك، فإذا أظهر للناس هذا الأمر فإن كان صادقا في دعواه فهجرته إلى الله ورسوله، وإن كان كاذبا في دعواه إما هاجر لأمر من أمور الدنيا لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه، ولا شك أن الجملة الأولى «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» سياقها سياق مدح، والجملة الثانية سياقها سياق ذم، أما المدح في الجملة الأولى فهو ظاهر من كانت هجرته إلى الله ورسوله فإن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدا فهجرته إلى الله ورسوله كما يقدر أهل العلم ثوابا وأجرا؛ لأنه لا يمكن أن يتحد الشرط مع الجزاء، يعني ما تستطيع أن تقول من قام قام، ومن أكل أكل، لا، إنما لا بد من هذا التقدير ليختلف الشرط مع الجزاء، الجملة الثانية التي سيقت مساق الذم من كانت هجرته لدنيا يصيبه أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه، قد يقول قائل إذا ضاقت بي السبل في بلدي ولم أجد عملا أعمله أتقوت منه  فهاجرت أو انتقلت إلى بلد آخر من أجل أن أجد فرصة عمل أكسب من ورائها القوت، أو بحثت عن زوجة في بلدي فلم أجد زوجة تناسبني أو لم أجد من يناسبني فانتقلت إلى بلد آخر هل يلام على ذلك؟ يلام من انتقل من بلده إلى بلد آخر ليكسب المال الحلال والكسب الحلال، أو هاجر أو انتقل من بلد إلى آخر ليجد امرأة صالحة تعينه على أمور دينه ودنياه يلام على ذلك؟ لا يلام، والجملة سيقت مساق الذم، فمقتضى ذلك أنه يلام، لكن يلام في صورة واحدة، وأما إذا أظهر للناس أنه هاجر لله ورسوله وهو في حقيقة الأمر إنما هاجر من أجل الدنيا أو من أجل المرأة، أظهر للناس أنه هاجر لله ورسوله، من سأله إلى أين تذهب؟ قال أذهب إلى البلد الفلاني أذهب مثلا إلى مكة للمضاعفات، وقد جاء إلى مكة من أجل الدنيا أو من أجل المرأة، من أجل المضاعفات مضاعفات الحسنات في مكة وفي المدينة ثم أظهر للناس هذا وأن هذا هو السبب الباعث والناهز له للانتقال من بلده إلى بلاد الحرمين، وهو لا يريد بذلك هذه المضاعفات وهذه الأجور المضاعفة إنما يريد الدنيا أو يريد المرأة، إذا أظهر أنه هاجر لله ورسوله وهو في الحقيقة إنما هاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فإنه حينئذ يقع فعله موقع الذم، كما جاءت الجملة الثانية سيقت مساق الذم، وإلا فالأصل أن من انتقل من بلده إلى بلد آخر لكسب حلال أو يتزوج امرأة تعينه على أمر دينه ودنياه هذا لا يلام ولا يذم، لكن مثل ما قلنا أنه إذا أظهر للناس أنه إنما هاجر لله ورسوله وهو في الحقيقة هاجر لدنيا أو امرأة هذا الذي يلام، ونظير ذلك من جاء إلى المسجد قبل غروب الشمس بنصف ساعة من يوم الإثنين أو يوم الخميس ومعه التمر ومعه القهوة، وفرش السفرة ووضع التمر ووضع القهوة والفناجيل وذهب ليحضر الماء على السفرة ودعا الناس وهو ما صام فإذا أذن أكل من التمر هذا يُظهِر للناس أنه صائم، وإلا فالأصل في عمله أنه مباح، الأكل في المسجد مباح لكن هذا أظهر للناس أنه صائم وحينئذ يُلام على هذا التصرف وإن كان الأكل في المسجد لا إشكال فيه جائز، فكونه يتحرى هذا الوقت مظهرا بعمله وبلسان حاله أنه صائم وهو في الحقيقة ليس بصائم هذا يذم أو ما يذم؟ هذا يذم بلا شك ومثله من أظهر للناس أنه إنما هاجر لله ورسوله وهو في الحقيقة قد هاجر إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها حينئذ يلام، وإلا فالأصل أن هذا العمل مباح وعلى هذا فمقام النية عظيم جدًّا، يعني من الناس من تتحوَّل عباداته إلى أوزار وعظائم وموبقات بسبب عدم الإخلاص فيها، وبسبب التشريك فيها، وبسبب دخول الرياء فيها، وبالمقابِل من الناس من تتحول أعماله العادية إلى عبادات، وكل ذلك سببه النية إما أن تكون صالحة أو غير صالحة، وإما أن يكون العمل مقصودا لله- جل وعلا- أو غير مقصود، الشرط الثاني من شرطي القبول للعمل أن تتحقق فيه المتابعة للرسول -عليه الصلاة والسلام- بأن يكون صوابًا على هدي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما جاء عنه «صلوا كما رأيتموني أصلي» «وخذوا عني مناسككم» ولكم في رسول أسوة حسنة، فالعمل إذا لم يكن صوابا على السنة فإنه حينئذ لا يُقبَل، كما أنه إذا لم يكن خالصا لله- جل وعلا- فإنه حينئذ لا يُقبَل، قال الفضيل بن عياض في قوله- جل وعلا- {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [سورة هود:7] قال أخلصه وأصوبه قيل يا أبا علي كيف ذلك؟ قال إذا لم يكن العمل خالصا لله- جل وعلا- فإنه لا يقبل، وإذا لم يكن صوابا على سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- فإنه حينئذ لا يُقبَل، وجاء في الحديث الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» وفي لفظ «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» يعني مردود عليه غير مقبول، وهل يكفي الرد فقط ويخرج منه كفافا إذا ابتدع في الدِّين في الحديث الصحيح «كل بدعة ضلالة » إذا لم يكن على هدي من سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فإنه ضلالة يشمله قوله «وكل بدعة ضلالة» فجميع ما يبتدع في الدين مما يتقرب به إلى الله- جل وعلا- ولم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة فإنه ضلالة، وجاء في رواية «وكل ضلالة في النار»  وكل هذه من صيغ العموم لا يخرج منها شيء، على هذا فالتقسيم الذي يتداوله بعض أهل العلم أن من البدع ما يستحسن ومنها ما يُذَم، ومنهم من يقسم البدع إلى خمسة أقسام: بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، هذا التقسيم كما قال الشاطبي تقسيم مخترَع لا يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة، بل هو مخترع مبتدع، فليس في البدع ما يُمدَح وليس في البدع ما يستحسن؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: «كل بدعة ضلالة» قد يستشكل بعض الناس مقالة عمر في صحيح البخاري لما جمع الناس في التراويح على إمام واحد وخرج إليه في ليلة وهم يصلون خلف إمام واحد قال: نعمت البدعة، ونِعْمَ مدح بخلاف بئس فدل على أن من البدع ما يُمدَح، نقول: هذا العمل هل هو بدعة أو ليس ببدعة؟ منهم من قال أنه بدعة لغوية، والبدعة اللغوية ما عُمل على غير مثال سابق، فهل جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح عُمل على غير مثال سابق؟ لا، لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بالصحابة ثلاث ليال أو ليلتين ولم يخرج في الثانية جماعة، صلوا خلفه جماعة في قيام رمضان، فهذا سبق له شرعية من السنة، قد يقول قائل لماذا تركها النبي -عليه الصلاة والسلام- فترْكه لها يدل على رغبة عنها ونسخ لها؟ نقول إنما تركها النبي -عليه الصلاة والسلام- لا رغبة عنها ولا نسخا لها وإنما خشية أن تُفرَض على الناس فلا يستطيعون القيام بها كما قال ذلك -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يخفَ عليَّ مكانكم ولكن خشيت أن تفرض عليكم فمن رحمته -عليه الصلاة والسلام- ورأفته بأمته ترك قيام رمضان جماعة وإن كان مشروعًا، إلا أنه خشي أن يفرض على الأمة فلا يستطيعون القيام به فسبق له شرعية فليس ببدعة لا لغوية ولا شرعية أيضًا، ليس ببدعة عمل عمر- رضي الله عنه- وجمعه للناس على إمام واحد ليس ببدعة لا لغوية كما يقول جمع من أهل العلم، وليس بشرعية من باب أولى وإن قال من قال وقد أساء الأدب والبدعة بدعة ولو كانت من عمر، مع الأسف أن هذا قاله بعض الشراح لكن هذه ليست ببدعة، ولو افترضنا أن عمر جمع الناس على غير مثال سابق لو افترضنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلاها ثم جمعهم عمر وقد صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال «اقتدوا باللذَين من بعدي» وقال -عليه الصلاة والسلام- «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» عثمان- رضي الله تعالى عنه- لما أوجد الأذان الأول في يوم الجمعة لما كثر الناس وتوسعت المدينة ورأى أن من المصلحة أن يجمعوا قبل وقت الصلاة أو ينبَّهوا قبل دخول وقت الصلاة ليتأهبوا لها داخل في هذا الحيِّز في «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» ولذا اتفق على شرعية الأذان الأول من يوم الجمعة اعتمادا على عمل عثمان- رضي الله عنه- وموافقة الصحابة فلم يخالف منهم أحد لأنه خليفة راشد أمرنا بالأخذ بسنته- رضي الله عنه وأرضاه- والأمثلة على هذا كثيرة لكن يبقى أن من لا مدخل له في التشريع غير الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يوجَد أحد مشرِّع غير الرسول -عليه الصلاة والسلام- واكتساب الشرعية في عمل الخلفاء الراشدين إنما هو من قوله -عليه الصلاة والسلام- «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» ولذا إذا عارض قول أحد من هؤلاء الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالاقتداء بهم والاهتداء بهديهم والاستنان بسنتهم لو عارض قول واحد أو فعل واحد ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم نقبل كلامه؛ لأن فعله في هذه المسألة أخص من عموم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» فلا قدوة إلا الرسول وما جاء عن الخلفاء الراشدين فإنما اكتسب الشرعية من قوله -عليه الصلاة والسلام- «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» هناك أعمال وُجِدَت أسبابها في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعلها هذا المقرَّر عند أهل العلم أنها داخلة في حيِّز البدع، فكل أمر يوجَد سببه ويقوم سببه في عصره -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعله فإنه في حيز البدع عند أهل العلم، لكن يبقى أنه لا بد أن يكون قيام السبب في عصره -عليه الصلاة والسلام- على نفس المستوى والقوة التي وُجِدَت بعد ذلك، مثال ذلك ما يوضع من خطوط لتعديل الصفوف في المساجد، قام السبب في عهده -عليه الصلاة والسلام- فلم يفعله فهل نقول إن هذه الخطوط بدع لأن السبب قام في عهده -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعل ذلك فهو بدعة، أو نقول أن السبب ليس في القوة مثل وجوده في الأزمان المتأخرة؟! في عهده -عليه الصلاة والسلام- هو بنفسه يهتم بتعديل الصفوف والصحابة عندهم من الحرص على تعديل الصفوف وتقويمها ما لا يوجد عند من جاء بعدهم، وأمر آخر وهو أن الصفوف في عهده -عليه الصلاة والسلام- قصيرة ليست مثل الصفوف في المساجد الكبيرة الموجودة الآن، مع عدم أو قلة اكتراث الناس بتعديل الصفوف واهتمامهم بشأن صلاتهم، فوجود ما يعينهم على تعديل الصفوف وتسوية الصف من تمام الصلاة وما لا يتم الأمر المشروع إلا به فهو مشروع، نقول السبب قام لكنه ليس بقوة السبب الموجود في العصور المتأخرة لطول الصفوف بعد ذلك ولقلة اهتمام الناس بشأن صلاتهم في الأزمان المتأخرة، فلا بد من وجود ما يعينهم على ذلك، نحن رأينا مصليات العيد قبل وجود هذه الفرشات التي تضبط الصفوف وجدناهم أقواسا، يصلون في مصليات العيد أقواسا لا يمكن أن تعتدل الصفوف مع طول الصف فلا بد من وجود شيء يدلهم على ذلك، على كل حال إذا تم الأمر بدون إحداث فهو الأصل، إذا تم الأمر بدون مثل هذا الإحداث الذي هو الخط وإذا لم يتم تقويم الصف واستقامة الصف إلا بارتكاب هذه المخالفة المغمورة في جانب المصلحة التي يترتب عليها تقويم الصف وإقامة الصف من تمام الصلاة، فمثل هذا يُغتفر ويتجاوز بخلاف من تجاوز ذلك إلى بدع زادت على هذا الأمر وعمت في كثير من أقطار المسلمين، منها البدع المفسقة، ومنها البدع المغلظة التي قد تصل بمرتكبها إلى أن يخرج من الدين وهو لا يشعر- نسأل الله السلامة والعافية- من استغاثة بالأموات، وطواف على القبور وغير ذلك من طلب الحاجات ودعاء غير الله- جل وعلا-، يا فلان أغثني، يا فلان كذا، يا فلان اغفر لي، وصل إلى أن يقال يا فلان اغفر لي- نسأل الله السلامة والعافية فعلى الإنسان أن يستمسك بالعروة الوثقى وأن يكون مخلصا لله جل وعلا في جميع أعماله ولا يقدم على عمل يتقرب به إلى الله جل وعلا إلا وعنده فيه برهان من الله أو من رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه.