كتاب الصلاة من سبل السلام (06)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد،
فقد قال المصنِّف –رحمنا الله تعالى وإياه-: "وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ".
قال الشارح –رحمه الله-: "وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ» أَيْ: لِلْإِحْرَامِ".
«إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» (إنما) هذه أداة حصر، وهل هذا الحصر حقيقي أو إضافي؟ يعني وظيفة الإمام الاقتداء فقط، أو له وظائف أخرى؟
طالب: ............
ماذا؟
طالب: ...........
«إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» يعني ليُقتدى به، والحصر إما أن يكون حقيقيًّا أو إضافيًّا، فإن كان للمحصور عليه أوصاف غير ما ذُكِر {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران:144]، وما الشاعر إلا حسان.
محمد -عليه الصلاة والسلام- له صفات غير الرسالة، فالوصف إضافي، أو الحصر إضافي، وهناك من الشعراء من هو غير حسان، الحصر إضافي، وهنا يعني تقتصر وظيفة الإمام على الاقتداء فقط أو له وظائف أخرى؟
طالب: له.
مثل ماذا؟
طالب: ............
«إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» يعني ليُقتدى به في كل شيء؟
طالب: ............
في كل شيء في جميع أجزاء الصلاة؟
طالب: ............
كيف؟
طالب: ............
الآن ما ذُكِر في الحديث: إذا كبَّر فكبَّروا، إذا ركع فاركعوا، إذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا، إذا سجد فاسجدوا... إلى آخره إلى آخره، هذا محل الاقتداء، وما عدا ذلك؟
طالب: ............
حتى فيما ذُكِر في بعض ما ذُكِر ما ليس مجالًا للاقتداء، «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» هذا اقتداء أو ليس باقتداء؟ ليس باقتداء.
وعلى كلٍّ فالاقتداء فيما ذُكِر هناك مواضع لا يُقتدى بالإمام، وإن جاء الحصر حصر الإمامة بالاقتداء «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ»، فالحصر حينئذٍ على هذا يكون إضافيًّا لو زاد خامسة لا يُتابع، لو ترك رفع اليدين في المواضع التي يُشرع فيها الرفع لا يُقتدى بها.
طالب: ............
على خلاف في ذلك بين أهل العلم سيأتي ذكره، إن شاء الله.
"«لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ» أَيْ: لِلْإِحْرَامِ أَوْ مُطْلَقًا فَيَشْمَلُ تَكْبِيرَ النَّقْلِ «فَكَبِّرُوا وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ»".
«فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» عندنا الأفعال المذكورة كلها معطوفة بالفاء وبالشرط، إذا فعل فافعلوا، إذا كبَّر فكبِّروا، إذا ركع فاركعوا، والتقدير فيها يختلف من فعلٍ إلى فعل، قوله: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» إذا فرغ من التكبير فكبِّروا.
«وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» إذا فرغ من الركوع فاركعوا؟
طالب: ............
إذًا التقدير إذا شرع في الركوع فاركعوا.
طالب: ............
لا، غير.
{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة:6]، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل:98] كل هذا يُقدَّر إذا أراد.
طالب: ............
لا، إذا شرعت فعلًا أو إذا أردت القراءة؟ إذا أردت {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:6] إذا أردتم القيام {إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة:6].
طالب: ............
إذا فرغ من التكبير، يعني إذا قال: الله أكبر، فقولوا: الله أكبر مباشرةً من غير تخلف، لماذا؟ لأن العطف جاء بالفاء التي تقتضي الترتيب مع التعقيب.
"«وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ»".
«وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ» ما فائدة هذه الجملة؟ «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ» هذه الجملة جاءت تأكيدًا لمفهوم الجملة التي قبلها.
مفهوم قوله: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» مفهومه لا تُكبَّروا حتى يُكبَّر.
"زَادَهُ تَأْكِيدًا لِمَا أَفَادَهُ مَفْهُومُ الشَّرْطِ كَمَا فِي سَائِرِ الْجُمَلِ الْآتِيَةِ: «وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ»".
«وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» يعني إذا شرع في الركوع انتهى صوته من التكبير وشرع في الركوع فاركعوا، ولا نقل: إذا فرغ من الركوع كما قلنا فيما إذا كبَّر فكبَّروا؛ لأنه بفوات الركوع تفوت الركعة.
"أَيْ حَتَّى يَأْخُذَ فِي الرُّكُوعِ لَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ اللَّفْظِ
«وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ»".
«سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» تفيد إثبات السمع لله –سبحانه وتعالى- ومن لازم السمع الإجابة، «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» أو «اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ»، وهذا ثابت في الصحيح، وإن نفاه ابن القيم، وفيه أيضًا «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» بدون الواو كما هنا، وفيه «رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» بالواو بدون اللهم، وفيه «رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» بدون اللهم، فهي أربع صيغ.
والإمام والمنفرد كلٌّ منهما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد؛ لأنه ثبت أن النبي –عليه الصلاة والسلام- يقولها.
بالنسبة للمأموم ماذا يقول؟ يقول: سمع الله لمن حمده أو لا يقولها؟
طالب: الحنابلة لا يقولونها، والأحناف يقولونها.
قصدك سمع الله لمن حمده.
طالب: نعم.
نعم.
طالب: الحنابلة لا يقولونها؛ لأنه لو قالها لما حصلت منه المتابعة التي وردت في الحديث، الأحناف على قولها يقولونها، ثم يقولون: ربنا ولك الحمد، الشافعية أظن أو المالكية يُسمِّع ولا يُحمِّد.
المأموم أو الإمام؟
عندنا إمام، ومأموم، ومنفرد، فالمسألة مثل ما تفضل الأخ فيها خلاف.
الحنابلة على أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ومثله المنفرد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده.
والشافعية يقولون: يجمع بينهما كل مصلٍّ.
والحنفية والمالكية يقولون: الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ولا يقول: ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده.
والذي يُفيده الحديث أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، وليس فيه تعرض.