اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون (07)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الخلاف فيما وقفنا عليه ثلاثة أقوال، والترجيح من عندكم، أنا العلامة عندي وضعت على الحسن لغيره، وطبعوا هم من المحكم والمتشابه، والقارئ له رأيٌ ثالث، فلا شك أن الإخوان مقيدين على موقف، نشوف أحد قيد وإلا ما قيد، نحتاج إلى مرجح.. نعم يا...

طالب:......

حسن لغيره، غيره، غيره.

طالب:......

حسن لغيره هذا ثاني.

هو من حيث التقسيم بيسبق ذكره، لكن الكلام من حيث التفصيل.

طالب:......

وين؟

طالب:......

هو يحتاج إلى وقت وقد وضعتُ علامة هذا هو، وضعت علامة على النسخة، فإن كان..، الإشكال لو استجبنا لطلبهم مختلف الحديث، وبقيت عندنا أبيات يصعب جداً أن تشرح في غير هذا الموضع، يعني يصعب، يعني الخلل في الشريط ولو دقيقة أثقل من جبل أو دقيقتين، وعانينا من هذا كثيراً، وكون نبدأ من هنا أحوط..... وعلى ذلك لا نسترسل فيه، ما نطول، نجمع يعني.

سم.

طالب:......

عند الحسن لغيره كأنه اتفاق، وأنا عندي إشارة، نعم؟

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين، واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

الحسن لغيره:

وَمَا رَوَى اَلْمَسْتُورُ أَوْ مَنْ دَلَّسَا
عِنْدَ اِجْتِمَاعِ اَلطُّرُقِ اَلْمُعْتَبَرَةْ
وَقَوْلُهُمْ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِيهِ أَوْ
بَلْ زَعَمُوا أَشْبَهُ شَيْءٍ وَأَشَفْ
وَلَيْسَ فِي اَلْقَبُولِ شَرْطًا الْعَدَدْ

 

وَالْمُرْسَلُ اَلْخَفِيْ وَمَنْ فِي اَلْحِفْظِ سَا
فَحَسَنٌ لِغَيْرِهِ فَاعْتَبِرَهْ
أَحْسَنَهْ لَيْسُوا ثُبُوتَهُ عَنَوْا
وَأَنَّهُ أَقَلُّ ضَعْفا وَأَخَفْ
بَلْ اِشْتِرَاطُ ذَاكَ بِدْعَةٌ تُرَدْ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يستأنف الدرس بعد انقطاع سنة كما هو مقتضى تنظيم الدورات، ولا شك أن هذا الانقطاع له أثر على ارتباط المعلومات، وتسلسل المسائل، لا سيما في العلم الذي يطلب آخره أوله كهذا العلم، العلم مرتب، كل باب يتطلب الذي قبله، ولا شك أن ظروف الدورات تقتضي هذا، تقتضي الانقطاع، ليس بدرسٍ مستمر، وانقطاع سنة إن لم يكن هناك مذاكرة ومراجعة لا شك أن الطالب سوف ينسى ما سمع، ثم بعد ذلك يصعب عليه الربط، فمذاكرة العلم أمرٌ لا بد منه، فالطالب الذي لا يحفظ، ولا يقرأ شرحاً، ولا يسمع شريطاً، ولا يحضر الدرس بعد الاستعداد التام ثم ينصت للشيخ، ويناقش فيما يشكل عليه، ثم يذاكر إذا خرج من الدرس، مثل هذا يقول أهل العلم: إنه قلَّ أن يفلح، فلا بد من بذل جميع ما يستطيعه طالب العلم من حفظٍ وفهمٍ وقراءةٍ واستعمال وحضور ومذاكرة، لا بد من بذل هذه الأسباب كلها ليدرك الطالب ما يناله -إن شاء الله تعالى-، متوجاً ذلك بنية صالحة وعملٍ بما علم، والله المستعان.

على كل حال مثل ما ذكرنا ظروف الدورات تقتضي أن الانقطاع لا بد منه، فنبدأ على ما وقفنا عليه في العام الماضي، المؤلف -رحمه الله تعالى- يرتب المعلومات حسب القوة، فبدأ بالصحيح ثم ثنى بالحسن، ثنى بالحسن، وثلث بالضعيف هناك مرتبة بين الصحيح والحسن وهي الحسن إذا تعددت الطرق يقوى وينتهض إلى درجة الصحيح الصحيح لغيره، هذه مرتبة بين الحسن لذاته والصحيح لذاته، وهناك مرتبة بين الضعيف والحسن، وهي: الضعيف إذا تعددت طرقه، الضعيف إذا تعددت طرقه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره، والترتيب الطبيعي أن يبدأ بالصحيح ثم الحسن لذاته ثم الصحيح لغيره؛ لأن معرفة الصحيح لغيره مرتبة على معرفة الحسن لذاته، ثم بعد ذلك الضعيف، ثم الحسن لغيره؛ لأن معرفة الحسن لغيره متطلبة لمعرفة الضعيف ومرتبة عليها؛ لأنه هو الضعيف إذا تعددت طرقه، هنا يقول في الحسن لغيره:

وما روى المستور أو من دلسا
ج

 

...................................
ججج

المستور يطلقه أهل العلم بإزاء المجهول، مجهول يساوي مستور، والمجهول بأقسامه عند أهل العلم الثلاثة مجهول الحال ظاهراً وباطناً، ومجهول الحال باطناً فقط، ومجهول العين، منهم من يقول: إن المستور هو المجهول بأقسامه الثلاثة، ومنهم من يقصره ويخصه بمجهول العدالة باطناً، وإن كان معلوم العدالة ظاهراً، وهو الذي يحتاج فيه إلى أقوال المزكين هذا هو المستور، إذا روى المستور بأن لم تعرف حاله باطناً وإن كان عدلاً في الظاهر مثل هذا لا بد من أن يأتي حديثه من طريقٍ آخر من طريقٍ معتبر يساوي هذا الطريق أو يكون فوقه بحيث لا ينزل عنه.

وعرفنا فيما تقدم في بحث العدالة أنه هل المطلوب العدالة الظاهرة تكفي؟ بناءً على أن الأصل في المسلم الستر، وإنا إنما كلفنا بالعمل الظاهر أو أنه لا بد من معرفة عدالته الباطنة؟ وحينئذٍ يلجأ إلى أقوال المزكين، الخلاف تقدم ذكره، واختار الثاني جمعٌ من أهل العلم، بحيث لا تقبل شهادة من جهلت عدالته باطناً إلا بالتزكية، وإن كان القول الأول مختار عند جمعٍ من أهل التحقيق؛ لأننا لم نكلف البحث في البواطن، لنا الظاهر والباطن له الله -جل وعلا-.

وما روى المستور أو من دلسا
ج

 

...................................
ججج

المدلس، المدلس والتدليس بحث مستقل، التدليس بحثٌ مستقل، نوعٌ من أنواع..، الحديث المدلس نوع من أنواع الضعيف، وعلى كل حال التدليس إظهار الحديث على وجهٍ يخفى فيه عيبه، فالمدلس الذي يظهر الحديث على وجهٍ لا عيب فيه، كالذي يظهر السلعة على وجهٍ لا عيب فيه يسمى مدلس، وخيار التدليس كما تعرفون عند أهل العلم يقولون: كتسويد شعر الجاهل، وجمع ماء الرحى، وما أشبه ذلك، المقصود أنه إظهار السلعة على وجهٍ لا عيب فيه يسمى تدليس، وهو في الحقيقة غش، والتدليس غش.

على كل حال التدليس: إذا روى الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه بصيغةٍ موهمة، يروي الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه بصيغةٍ موهمة يكون قد دلس، أو يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه أيضاً هذا ضربٌ من التدليس، وأما رواية المعاصر عمن لم يلقه فهذا هو الإرسال الخفي عند أهل العلم، وسيأتي تفصيل ذلك -إن شاء الله تعالى-.

الذي يدلس ويروي الحديث عمن لم يسمعه منه بصيغة موهمة كـ(عن) مثلاً أو (قال) أو (أن فلاناً) هذه صيغ موهمة، إذا روى المدلس وليس فيه عيبٌ سوى التدليس، أما من ضعف بأمرٍ آخر غير التدليس فشأنه آخر.

فحديث المستور وحديث المدلس والمرسل الخفي هو مثل التدليس إلا أنه يفترق عنه بأن راوي المرسل الخفي قد ثبتت له معاصرة من روى عنه ولم يثبت لقاؤه له هذا مرسل خفي.

...................................
ج

 

والمرسل الخفي ومن في الحفظ سا
ججج

يعني سيء الحفظ، بمعنى أنه إذا كان سبب التضعيف في الخبر انقطاعٌ يسير أو ضعفٌ محتمل في الراوي كسيء الحفظ والمستور، أو انقطاع يسير كالتدليس، ضعف انقطاع محتمل ليس بنص، أو الإرسال الخفي فإنه ينجبر بغيره إذا جاء ما يشهد له من طريقٍ صحابي آخر، أو يتابعه على روايته عن ذلك الصحابي فإنه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره.

وما روى المستور أو من دلسا

 

والمرسل الخفي ومن في الحفظ سا

وحذفت الهمزة الأصل (ساءَ) للوزن.

عند اجتماع الطرق المعتبرة
جج

 

...................................
ج

عند اجتماع الطرق، بحيث يرد من طريقين فأكثر، بحيث يرد الخبر من طريقين فأكثر شريطة أن تكون هذه الطرق معتبرة، بأن لا يكون ضعفها شديداً؛ لأن الضعف الشديد لا ينقبل الانجبار، أما الضعف اليسير يقبل الانجبار عند أهل العلم وهذه أمثلته.

عند اجتماع الطرق المعتبرة
جج

 

...................................
ج

ومن أهل العلم من تجده من حيث التقعيد يقول بهذا الكلام، لكن إذا جاء التطبيق تجده يجبر الأحاديث بما ضعفه شديد، وهذا يسلكه السيوطي، بل صرح فيه بألفيته بعد أن ذكر الضعف الشديد قال:

وربما يكون كالذي بُدي
جج

 

...................................
ج

يعني بدي به أولاً من الضعف الخفيف بحيث يحتاج إليه عند الترقية.

عند اجتماع الطرق المعتبرة
ج

 

فحسنٌ لغيره.......................
ججج

يعني لا لذاته إنما وصل إلى درجة الحسن التي هي أدنى مراتب القبول بغيره بتعدد الطرق.

...................................
ج

 

فحسنٌ لغيره فاعتبره
ججج

يعني اعتبر هذا، واعمل به، وعند تطبيقك للحكم على الأحاديث اعتبر به وطبقه.

وقولهم: أصح شيء فيه أو
بل زعموا أشبه شيء وأشف

جج

 

أحسنه ليسوا ثبوته عنوا
وأنه أقل ضعفاً وأخف

ج

طيب، أفعل التفضيل (أصح) و(أضعف) و(أوثق)، فلان أوثق من فلان، فلان أضعف من فلان، حديث أصح من كذا، حديث أصح ما في الباب، والحديث أضعف أضعف ما في الباب، أفعل التفضيل مقتضاها عند أهل العربية في الأصل أن يشترك اثنان في صفةٍ يكون أحدهما أقوى من الآخر في هذه الصفة، يكون المفضل أقوى من المفضل عليه في هذه الصفة هذا الأصل، لكن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، فإذا قلت: زيد أكرم من عمر لا شك أنهما في الأصل يشتركان في الكرم، ما يمكن أن تقول: حاتم أكرم من أشعب أبداً، يمكن؟ ما يمكن؛ لأن هذا قدح في حاتم، لكن لا بد إذا أتيت بـ(أفعل) التفضيل أن تأتي باثنين قد اجتمع فيهما الوصف وهو الكرم.

وهنا إذا قالوا -يعني أهل الحديث-: حديث كذا أصح من كذا، حديث بسرة أصح من حديث طلق، وبالمقابل إذا قالوا: حديث طلق أضعف من حديث بسرة، إذا قالوا: سالم أو نافع كما هنا، نافع أضعف من سالم، أو قالوا: ابن لهيعة أوثق من الإفريقي، يستعمل في المرويات وفي الرواة، فإذا قالوا: حديث بسرة أصح هل يقتضي أن يكون الحديثان صحيحين؟ هم لا يستعملونها على بابها، بل يكون حديث بسرة أرجح من حديث طلق، لا يقتضي التصحيح هنا، كما أنهم إذا قالوا: حديث طلق أضعف من حديث بسرة لا يقتضي أن الحديثين ضعيفان أبداً، لا يلزم من هذا هذا، بل هم يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها، هم يستعملونها ..... في الترجيح، لكن استعمالهم إياها للترجيح مع عدم ملاحظة أصل المادة، فقد يكون الحديثان ضعيفين ويقول: هذا أصح من هذا، يعني أنه أرجح، وقد يكون الحديثان صحيحين، ويقال: هذا أضعف بمعنى أنه أنزل منه درجة، فهو مرجوح بالنسبة إليه، ومثله إذا قلنا: نافع أضعف من سالم هل يقتضي هذا تضعيف سالم أو نافع؟ أبداً، بل هما في أعلى درجات القبول، لكن الأكثر على أن سالم أجل من نافع، وعلى هذا إذا نظرنا إلى ناحية الضعف قلنا: نافع أضعف من سالم، وهذا لا يقتضي التضعيف، كما أننا إذا قلنا: الأفريقي أو ابن لهيعة أوثق من الأفريقي لا يعني أن الراويين ثقتان، فهما يستعملونها على غير بابها، ولذا قال:

وقولهم أصح شيء فيه أو
ج

 

أحسنه ليسوا ثبوته عنوا

"بل زعموا أشبه شيء.." يعني أرجح، "أشبه شيء وأشف" إيش معنى أشف؟ نعم؟ جاءت في حديث الربا، نعم؟

طالب:......

((ولا تشفوا)) يعني لا ترجحوا لا تزيدوا بعضها على بعض، وهنا إثبات المادة يعني رجح، يعني المفضل راجح بغض النظر ينطبق عليه الوصف أو لا ينطبق، على كل حال هو أولى وأوثق وأرجح مما فضل عليه.

...................................
جج

 

وأنه أقل ضعفاً وأخف
ج

أخف ضعفاً.

...................................
وليس في القبول شرطاً العدد
جج

 

أقل ضعفاً وأخف
بل اشتراط ذاك بدعة ترد

ج

"وليس في القبول شرطاً العدد" وليس العدد شرطاً في قبول الخبر، "بل اشتراط ذاك بدعة ترد" تقدم في تعريف الحديث الصحيح وتقسيم الصحيح ذكر..، أو الإشارة إلى هذه المسألة، وأن الصحيح ما يرويه الثقة العدل الضابط عن مثله مع اتصال السند والخلو من الشذوذ والعلة القادحة، وخبر الواحد مقبول بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، واشتراط العدد في الرواية قولٌ مرذول عند أهل العلم، بل هو قول المبتدعة من الجهمية والمعتزلة، هم الذين لا يقبلون خبر الواحد، وليس شرطاً للصحيح، وليس شرطاً للبخاري في صحيحه كما ادعاه بعضهم، ولذا ناظم النخبة لما ذكر الحديث العزيز قال:

وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ
جج

 

وقد رمي من قال بالتوهمِ
ج

قد يفهم من كلام الحاكم أنه يومئ كلامه إلى أن العدد شرط، ولذا ناظم النخبة في بعض النسخ وهي صحيحة يقول:

وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ
جج

 

وقيل: شرطٌ وهو قول الحاكمِ
ج

ليس بشرط للصحيح أصلاً لقبول الحديث، وليس بشرطٍ للبخاري في صحيحه، خلافاً لما يزعمه بعضهم، البيهقي يومئ كلامه في بعض المواضع أنه لا بد من العدد، الكرماني شارح البخاري في مواضع عديدة كرر أن العدد شرط البخاري في صحيحه، ابن العربي المالكي في تحفة الأحوذي، ابن العربي في تحفة الأحوذي في حديث البحر في أوائل الكتاب قال -لما نقل عن البخاري أنه صحح الحديث- قال: ولم يخرجه في صحيحه؛ لأنه من رواية واحدٍ عن واحد، فيفهم من كلامه أن شرطه في كتابه أنه لا يخرج رواية واحد عن واحد إنما يشترط العدد، وهذا الكلام ليس بصحيح، وسبقت الإشارة إلى أن أول حديث في الصحيح وآخر حديث في الصحيح يرد هذه الدعوى، حديث عمر حديث: (الأعمال بالنيات) يرد هذه الدعوى وينقضها، ويقوم دعائمها، حديث عمر لم يروه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عمر بن الخطاب، وعمر بن الخطاب خطب به على المنبر ولم يثبت عنه إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي، وعلقمة لم يثبت عنه إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يثبت عنه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري وعنه انتشر، هذا أول حديث في الصحيح يبطل هذه الدعوى، آخر حديث في الصحيح حديث أبي هريرة: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عن أبي هريرة، ولم يثبت عنه إلا عن أبي زرعة ابن عمرو بن جرير البجلي، ولم يثبت عنه إلا عن طريق عمارة بن القعقاع، ولم يثبت عنه إلا من طريق محمد بن فضيل وعنه انتشر، فهذان من أفراد الصحيح، ومن غرائب الصحيح، والصحيحان فيهما غرائب هي ترد هذه الدعوى.

وَيُقْسَمُ اَلْمَقْبُولُ مِنْ حَيْثُ اَلْعَمَلَْ
فَالمُحْكَمُ النَّصُّ الَّذِي مَا عَارَضَهْ

فَمَنْ أَتتْهُ سُنَّةٌ صَحِيحَةْ
فَمَا لَهُ عَنْهَا عُدُولٌ الأَبَدْ
وَغَيْرُهُ مَعارَضٌ إنْ أَمْكَنَا
كَالأَمْرِ إِنْ عُورِضَ بِالْجَوَازِ فِي
وَمِثْلُهُ النَّهْيُ لِكُرْهٍ صُرِفا
وَاخْصُصْ بِمَا خَصَّ عُمُومًا وَرَدَا
وَهَكَذَا فَاجْمعْ بِلاَ تَعَسُّفِ
وَلاَ يَجوزُ رَدُّكَ الْمُعَارَضَا

 

إِلَى مُعَارَضٍ وَمُحْكَمِ اِسْتَقَلْ
نَصٌّ كَمِِثْلِهِ بِحَيْثُ نَاقَضهْ

عِنِ النَّبِيْ ثَابِتةٌ صَرِيحَةْ
لاِيِّ قوْلٍ كانَ مِنْ أَيِّ أَحَدْ
بَيْنهُمَا الْجَمْعُ فَقَدْ تَعَيَّنَا
تَرْكٍ لِمَأْمُورٍ إلَى النَّدْبِ اصْرِفِ
بِحِلِّ إِتْيانٍ وَحَظْرٍ انْتفَى
والْمُطلَقَ احْمِلْهُ على ما قُيِّدَا
بَلْ بَيْنَ مَدْلُولَيْهِمَا فأَلِّفِ
مَا أَمْكَنَ الجَمْعُ بِوَجْهٍ يُرْتَضَى

يكفي يكفي بركة.

يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في تقسيم المقبول من حيثية أخرى، قسم المقبول إلى الصحيح والحسن، وعلى سبيل البسط إلى الصحيح لذاته ولغيره، والحسن لذاته ولغيره، المقبول من حيث العمل يقسم إلى محكم ومعارض، وهو ما يسمى بمختلف الحديث، وإلى ناسخ ومنسوخ، وإلى مجمل ومبين، وعام وخاص، ومطلق ومقيد، ومنطوق ومفهوم، تقاسيم معروفة عند أهل العلم تشترك فيها علوم الكتاب والسنة، فهنا:

ويقسم المقبول من حيث العمل
 

 

إلى معارض ومحكم استقل
جج

يقسم المقبول من حيث العمل إلى معارض ومحكم، معارض: جاء خبرٌ آخر يعارضه من حيث المعنى، وإلا المفترض في أن كل منهما مقبول، يعني صحيح أو حسن، وإلا فالضعيف لا يعارض به المقبول لا الصحيح ولا الحسن، ومنه المحكم المستقل الذي لا يعارضه شيء، يعني استقل في حكم المسألة بحيث لا يعارض هذا المحكم، إذا جاء في المسألة حديثان متعارضان متضادان في الظاهر هذا هو مختلف الحديث.

فالمحكم النص الذي ما عارضه
جج

 

نص كمثله بحيث ناقضه
ج

فالمحكم النص الذي ما عارضه، الذي لم يرد في المسألة ما يعارضه من حيث المعنى، "ما عارضه ** نصٌ كمثله" يعني في القبول، وعلى هذا فالضعيف لا يعارض به المقبول لا الصحيح ولا الحسن، "كمثله بحيث ناقضه" ناقضه في المعنى، ونعلم أن التعارض بين النصوص لا يمكن أن يوجد في الحقيقة، التعارض المعنوي الحقيقي في الباطن لا يمكن أن يوجد، قد يوجد في الظاهر بحسب فهم أهل العلم، بحسب الفهم يوجد حديثان متعارضان، لكن في الحقيقة لا يوجد حديثان صحيحان متعارضان، ولذا يقول ابن خزيمة إمام الأئمة: لا يوجد حديثان صحيحان متعارضان، فمن كان عنده فليأتني لأؤلف بينهما، ابن خزيمة اشتهر في هذا الباب، ونقل عنه أمور كثيرة بهذا الصدد، وتراجم الأبواب في صحيحه فيها شيء من هذا، جمع بين الروايات المختلفة، وهذه ميزة كتابه، ونقل عنه في هذا الباب أشياء، ومختلف الحديث ألفت فيه الكتب، وأول من كتب فيه الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في ثنايا كتاب: (الأم) و(الرسالة) وفي (الأم) جزء سماه: اختلاف الحديث، منهم من يرى أنه تصنيف مستقل لهذا الشأن، ومنهم من يراه باباً من أبواب الأم، وعلى كل حال الكتب في الباب موجودة، اختلاف الحديث لابن قتيبة، اختلاف الحديث أو مختلف..، ومشكل الحديث، مشكل الآثار للطحاوي، ومشكل الحديث لابن فورك، لكن ينبغي أن نعنى في هذه المسائل وفي غيرها بكتب أهل السنة، فإذا أشكل عليك حديث معارض لحديثٍ آخر ترجع إلى مشكل الحديث لابن فورك وهو لا يسلم من شوب البدعة قد يجمع بين النصوص من وجهة نظره، فلنكن على حذر من هذا، ولتكن عنايتنا بالأئمة أهل التحقيق.

ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- مع أنه عرف في هذا الباب، ونقل عنه أشياء إلا أنه ليس بالمعصوم من الخطأ، حكم على حديث ثوبان، حكم على الحديث: ((ولا يؤمن رجلٌ قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم)) هذا حديثٌ حسن، ((ولا يؤمن عبدٌ قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم)) قال: هذا حديث موضوع، هذا حديث موضوع، لماذا؟ قال: لأنه معارضٌ بما ثبت في الصحيحين من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) ويقول -عليه الصلاة والسلام- بين السجدتين: ((رب اغفر لي، رب اغفر لي)) فهذه الأحاديث الصحيحة معارضة لهذه الحديث إذاً هو موضوع.

يعني خفي عليه وجه الجمع بينهما، وعلى هذا لنعلم أنه مهما أشيد بعالم أو بإمام، ومهما بلغت منزلته ورسوخ قدمه في العلم إلا أنه لا بد أن يقع منه الهفوة والزلة، ولا بد أن يجانب الصواب في مسائل؛ لأنه ليس بمعصوم.

وهذا مثل ما سمعتم إمام الأئمة خفي عليه مثل هذا، وشيخ الإسلام يرى أن الحديث الذي يمنع الإمام من تخصيص نفسه بالدعاء خاص بالدعاء الذي يؤمن عليه، بالدعاء الذي يؤمن عليه كدعاء القنوت مثلاً يعني هل يتصور أن يقول الإمام وخلفه الصفوف: اللهم أهدني فيمن هديت؟ هل يطيق المأموم سماع هذا الكلام؟ وينتظر من المأمومين أن يقولوا: آمين؟ لا، لا، هذا لا يجوز له أن يخص نفسه بالدعاء، فالدعاء الذي يؤمن عليه لا يجوز للإمام أن يخص نفسه بالدعاء فيه، وعلى هذا يحمل الحديث.

وغيره يرى أن الدعاء الذي لا يجوز تخصيص الإمام نفسه به الدعاء الذي لا يشترك فيه الإمام والمأموم، الدعاء الذي يشترك فيه الإمام المأموم بمعنى أن المأموم بيدعي دعاء الاستفتاح، فلا داعي أن يدعو له الإمام، المأموم بيقول: رب اغفر لي وارحمني بين السجدتين، لكن في السجود لا يجوز للإمام أن يخص نفسه بالدعاء؛ لأنه احتمال أن لا يدعو المأموم لنفسه في هذا الموضع، وإذا فرغ من التشهد وتخير من المسألة ما شاء لا يجوز له أن يخص نفسه بالدعاء، لكن كأن كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- أوضح.

إذا وجدنا حديثين متعارضين متضادين في الظاهر وإلا في الباطن لا يمكن أن يثبت حديثان متعارضان في الباطن في الحقيقة، كما أن السنة لا تعارض القرآن ولا تناقضه، كما أن العقل الصريح لا يمكن أن يتعارض مع النقل الصحيح، لا يمكن بحال أن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه العظيم: (درء تعارض العقل مع النقل) لكن الفهوم والعقول قد يوجد فيها شيء من التعارض، فإذا وجد مثل هذا التعارض وهذا التضاد فإن أمكن الجمع بينهما تعين، إن أمكن الجمع بينهما تعين؛ لرفع هذا التعارض، وأهل العلم يسلكون مسالك للجمع قد لا تظهر في أول وهلة للطالب، وأحياناً يستضعفها الطالب أو غيره من أهل العلم لا يلوح له وجه التوفيق بين هذين الحديثين، إذا لم يظهر له وجه للجمع هناك مسالك أخرى ترد تباعاً.

فالمحكم النص الذي ما عارضه
جج

 

...................................
ج

هذا المحكم.

...................................
جج

 

نصٌ كمثله بحيث ناقضه
ج

 

فمن أتته سنةٌ صحيحة
فما له عنها عدول الأبد
جج

 

ج
عن النبي ثابتةٌ صريحة
...................................
جج
ججج

لا يجوز له أن يعدل عن السنة الصحيحة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- تحت أي تأثير، لا يجوز بحال أن نقدم على قوله -عليه الصلاة والسلام- قول أحدٍ كائناً من كان، لا إمام معتبر ولا غيره، ولا ضغوط حياة ولا شيء أبداً، قول النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الحكم على كل شيء.

ومع الأسف نسمع من ينادي بإعادة النظر في السنة، ومقاييس نقد السنة، ويتطاولون على الأحاديث بآراء ملوثة، يعني يمكن أن يرد حديث في الصحيح كمثل: ((لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة)) بقول بعضهم: جولد مائير هزمت العرب، رئيسة وزراء اليهود، ترد السنن الصحيحة الثابتة بمثل هذا؟ أوغاندي حكمت الهنود، وتتشر حكمت الإنجليز؟ هل هذا يقوله من رضي بالله رباً؟ والله المستعان.

فمن أتته سنةٌ صحيحة
فما له عنها عدول الأبد
جج

 

ج
عن النبي ثابتةٌ صريحة
...................................
جج
ججج

مهما كان، نعم قد يعجز عن تطبيق ما فيها، قد يعجز يكون تضمن أمر لكن ما يستطيع، لكن له أحاديث أخرى: ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) ليس معنى هذا أن من لم يستطع العمل بالحديث يرد الحديث أو يؤول الحديث أو..، ولذا لما ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- كثرة الخسف والمسخ في هذه الأمة في آخر الزمان، قال: إن المسخ يكون في طائفتين، لكن يهمنا منها الطائفة الأولى وهي: علماء السوء الذين يبدلون شرع الله بالتأويل، ما أعجبه يؤوله، ولأتباع المذاهب ممن يتعصب للأئمة عليهم كفلٌ من هذا، تجده يرد السنة؛ لأنه لا يوافق أصول إمامه، حتى قال قائلهم: ولا يجوز العدول عن المذاهب الأربعة ولو خالفت كتاباً أو سنةً أو قول صحابي، نعم هذا وجد من بعض من يتسمى بالعلم، لكن هو في الحقيقة ليس من أهل العلم؛ لأن ابن عبد البر -رحمه الله- نقل الاتفاق على أن المقلد ليس من أهل العلم، ولا يجوز العدول عن أقوال الأئمة الأربعة ولو خالفت كتاباً أو سنةً أو قول صحابي، ثم زاد الطين بلة بعد عاد أراد أن يوضح فزاد الأمر سوءً، يقول: لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا عند بعض الجهات كتبه تدرس، تدرس في بعض المذاهب، والله المستعان.

ومتعصبة المذاهب سواءً كانت الأصلية أو الفرعية لهم مواقف في رد بعض السنن؛ لأنها تخالف أصول مذاهبهم، فليكن المسلم على حذر من أن يخرج عن تحكيم الكتاب والسنة لقول أي كائنٍ من كان.

يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:

والله ما خوفي الذنوب وإنها
لكنما أخشى انسلاخ القلب من
ورضىً بآراء الرجال وخرصها
ججج

 

لعلى سبيل العفو الغفرانِ
تحكيم هذا الوحي والقرآنِ
لا كان ذاك بمنة الرحمنِ
ج

فلتكن السنة وقبلها الكتاب هي المعتصم الذي يعتصم به طالب العلم، وهي الملاذ الذي يفر إليه عند المضايق والأزمات.

فما له عنها عدولٌ الأبد
جج

 

لأي قولٍ كان من أي أحد
ج

في بعض كتب الآداب وقد نقلت عن شخصٍ..، في بعض كتب الآداب تقول: إذا كان رد السلام يذهب هيبة العالم أو هيبة القاضي أو كذا أنه ما يرد السلام، ونقل عن شخصٍ أنه يقول بهذا ويفعله، يسلم عليه ولا يرد، ويعتمد مثل هذا، قلت: يا أخي والله لو قاله أبو بكر لرمينا به عرض الحائط، والله -جل وعلا- يقول: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] أقل الأحوال، فكثير من الأحوال قد يخرج الإنسان فيها عن مثل هذا وهو لا يشعر، فعلينا أن نعنى بذلك عناية تامة، إذا انتهينا من المحكم الذي لا يجوز عنه العدول بحال يأتينا المعارض.

وغيره معارضٌ إن أمكنا
جج

 

بينهما الجمع فقد تعينا
ج

إذا أمكن الجمع بين النصوص المتعارضة فلا بد منه، يعني الخطوة الأولى الجمع والتوفيق بين النصوص؛ لأننا إذا جمعنا ووفقنا بين النصوص عملنا بالنصوص كلها، أما إذا حكمنا بنسخ مثلاً أو ترجيح فإننا نعمل ببعض النصوص دون بعض، نعمل بالناسخ ونعمل بالراجح ونترك المنسوخ ونترك المرجوح، فإذا أمكن الجمع تعين، يقول:

وغيره معارضٌ إن أمكنا
جج

 

بينهما الجمع فقد تعينا
ج

يعني من أوضح الأمثلة في حديث شداد بن أوس، ودعونا هذا للنسخ، في حديث: ((لا عدوى ولا طيرة)) وفي حديث: ((فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد))، ((لا يورد ممرضٌ على مصح)) مع قوله: ((لا عدوى ولا طيرة)) أهل العلم جمعوا بين هذه النصوص، فمن قائلٍ يقول: إنه لا عدوى بمعنى أن المرض لا يتعدى ولا يسري بنفسه من المريض إلى السليم، ولكن الله -جل وعلا- جعل مخالطة الصحيح للمرض سبب لانتقال المرض، وإلا فالأصل أنه لا عدوى، لا عدوى المنفي أن يتعدى ويسري المرض بنفسه من المريض إلى السليم.

((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) ((لا يورد ممرضٌ على مصح)) هذا من أجل إيش؟ أن المخالطة سبب، سبب للانتقال، لا يعني أن المرض بنفسه ينتقل لكن المخالطة سبب، والمسبب هو الله -جل وعلا-، والذي نقل المرض من المريض إلى السليم هو الله -جل وعلا- الذي هو المسبب.

وعلى هذا هل تصلح مخالطة المرضى على هذا القول؟ يعني هل مخالطة سليم لمريض مثل مخالطة سليم لسليم؟ هي سبب، ولذا جاء الأمر بالفرار من المجذوم، منهم من يقول: أبداً مخالطة الصحيح للمريض كمخالطة الصحيح للصحيح ولا أثر للمخالطة، فكونك تخالط فلاناً مريض كمخالطتك لفلان الصحيح، فيباشر المريض، إذاً النهي ((فر من المجذوم)) ((لا يورد ممرض على مصح))؟ يقول: إيه من باب سد الذريعة، عندك الحديث: ((لا عدوى)) صحيح فإذا خالط الصحيح المريض ومخالطته لا أثر لها البتة فإذا خالطه وقد قدر الله -جل وعلا- أن يمرض هذا الصحيح بنفس المرض بغض النظر عن المريض الثاني قد يقع في قلبه تكذيب لحديث: ((لا عدوى)) فلهذا أمر بالفرار منها وإلا ما ينتقل، ما في فرق.

المقصود أن المخالطة مطلوبة وإلا ممنوعة في الشرع؟ ((فر من المجذوم)) ((لا يورد ممرضٌ على مصح)) صحيح هذا فأنت تتقي، إما أن تتقي السبب الذي جعله الله تعالى في مخالطة المريض، والمسبب هو الله -جل وعلا-، أو تتقي لئلا يقع في نفسك شيء بعد الإصابة بالمرض فتضطر إلى تكذيب الخبر الصحيح، وكلاهما ممنوع.

كأن الأطباء يقررون أن التأثير موجود، تأثير المخالطة موجود، وهو ماشٍ على القول الأول عند أهل العلم وهي أن المخالطة سبب، وليست بسببٍ محقق كغيرها من الأسباب، قد يوجد المسبب عند حصول السبب، وقد يتخلف حصول المسبب مع وجود السبب لوجود مانع مثلاً، على كل حال من جزم بأن المرض لا يتعدى بنفسه ولا يسري وإنما الذي ينقل المرض من المريض إلى السليم هو الله -جل وعلا- له أن يختار هذا القول، بس إياه إياه أن يرى تأثير السبب استقلالاً، كقول المعتزلة.

"كالأمر.." يقول:

وغيره معارضٌ إن أمكنا
كالأمر إن عورض بالجواز في

 

بينهما الجمع فقد تعينا
تركٍ لمأمورٍ إلى الندب اصرفِ

الأمر الأصل فيه الوجوب، ومن أوضح الأدلة على هذا قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النــور] دل على أن مخالفة الأمر تعريض للعقوبة، ولا عقوبة إلا على ترك واجب، ومن الأدلة على ذلك حديث: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) وفي حديث آخر: ((عند كل وضوء)) فأمر الاستحباب ثابت، إذاً المنفي أمر الوجوب، إذا تقرر هذا وأن الأمر للوجوب فقد يرد الأمر ثم يرد مخالفة لهذا الأمر، مما يدل على جواز الترك.

كالأمر إن عورض بالجواز في
جج

 

تركٍ لمأمورٍ إلى الندب اصرفِ
ج

وكثيراً ما تقرؤون في الكتب الأوامر الصريحة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم ترون قول الجمهور أن هذا الأمر للاستحباب، هذا أمر استحباب لا بد من وجود صارف، وإلا فالأصل الأمر للوجوب، قد يبحث طالب علم ليجد صارف فيعجز عن وجود صارف، ثم ينظر في المسألة وإذا بالأئمة الأربعة وأتباعهم يقولون بالاستحباب، ثم لا تجد من يقول بالوجوب مثلاً إلا أهل الظاهر، يعني هل نقول: إن الأئمة وجدوا صارف ونتهم أنفسنا بالتقصير في البحث عنه، أو نقول: الأصل في الأمور الوجوب ولا علينا من الأئمة إلا أن نجد صارف؟ نعم لو وجد إجماع على أن الأمر للاستحباب قلنا: يوجد صارف ولو لم نقف عليه، كما أنهم إذا أجمعوا على نسخ حكم قلنا: يوجد ناسخ ولو لم نقف عليه كما سيأتي، لو حصل إجماع قلنا: إن الأمر للاستحباب، وقطعاً يوجد صارف ولو لم نقف عليه.

نعم، وجدنا الظاهرية يقولون بالوجوب، أو من العلماء المتأخرين مثلاً، الصنعاني الشوكاني الذين لهم عناية بالعمل بالسنة مع تركهم لقواعد أهل العلم أحياناً، يعني هم يعملون بالقواعد العامة، لكن إذا جاءت قواعد خاصة تجدهم يتمسكون بالأصل، يتفقون على أن الأمر للوجوب ثم ما تجد قائلٍ للوجوب إلا ظاهرية أو الشوكاني أو الصنعاني، وأحياناً الشيخ محمد ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-، قد تجد له قول بالوجوب؛ لأن النص دل على الوجوب، والأئمة كلهم قالوا بالاستحباب، فهل نعتمد قول الأئمة وأتباعهم ونتهم أنفسنا؟ أو نقول: الأصل في الأمر الوجوب ونعمل به حتى نجد صارف؟ أما من لم يعتد بقول الظاهرية هذا ما عنده مشكلة، يعني وجود قولهم مثل عدمه كما قال النووي: ولا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، لكن فيمن يعتد بقول الظاهرية وأنهم يخدشون في الإجماع إذا خالف، يخدشون الإجماع إذا خالف، فهل نقول: بمقتضى الأصل وأن الأمر للوجوب؟ فمهما كثر القائلون بصرفه عن الوجوب ما لم نطلع على الصارف؟ وهذا يواجهكم كثيراً في المسائل، يواجهكم كثيراً في كتب الفقه، يواجهكم في كتب الشروح كثير هذا، فماذا نقول؟ نعم؟

طالب:......

الوجوب يعني على الأصل، ولو قال الأئمة الأربعة كلهم بأتباعهم إلى يومنا هذا خلال الإثنى عشر قرن أو أكثر كلهم قالوا بالاستحباب، في كتبهم كلها التي تداولها الناس ملايين آلاف الملايين تداولها، وقالوا بالاستحباب ولا واحد منهم خالف، نعم؟

طالب:......

ما وجدنا صارف، بحثنا في كل الكتب التي بين أيدينا ما وجدنا.

طالب:......

يعني نقول بقول الظاهرية، ولا نتهم أنفسنا يمكن الصارف في كتب ما وصلت إلينا، يمكن نحن قصرنا في البحث وإلا..

طالب:......

هو قرينة، لكن هل نقول: إن اتفاق هؤلاء الأئمة وأتباعهم وفي أتباعهم الأئمة المحققون، لا شك نجد من يخالف الشافعي من الشافعية، البيهقي والنووي وغيرهم يخالفون الشافعي، نجد من يخالف أحمد من الحنابلة، نجد من يخالف مالك من أتباعه، نجد مثلاً أبو حنيفة يخالفه صاحباه في كثير من المسائل، لكن في هذه المسألة اتفقوا كلهم، وما عندنا إلا الظاهرية؟ نعم؟

طالب:......

نعمل بقول الأئمة، والله ما في شك أن الجبن أحياناً فيه خير، نعم؟

طالب:......

لا ما هو بإجماع، الذي لا يعتد بقول الظاهرية يقول: إجماع، وينقل النووي الإجماع كثيراً والظاهرية قولهم معروف.

طالب:......

الأصل الدليل، واتهام النفس أيضاً له نصيب، ولذا تجدون في كثيرٍ من هذه المضايق تجد من أهل العلم وطلاب العلم فيهم الجريء، ولا عليهم من الأئمة والأتباع، وعندك نص خلاص ما لأحد كلام، فيهم الجريء، لذا تجد شيخ الإسلام مثلاً ومن مثل شيخ الإسلام، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أحابستنا هي؟)) وشيخ الإسلام يقول: لا تحبس الرفقة، هناك أهل العلم والإمامة في الغالب لا تكون إلا بهذا، يعني إذا وضع الدليل نصب عينيه ولم يلتفت إلى أحد، لكن لا بد من الإحاطة والاطلاع والفهم والحفظ، ما هي جرأة فارغة من لا شيء.

كي يفتح الباب للطلاب على ما سيأتي في تحذير الشيخ -رحمه الله تعالى- من القول على الله بغير علم، ما يفتح المجال لمثل هذا، ولذلك تجدون المخالفين في كثيرٍ من القضايا تجدهم أهل الجرأة، وهم الذين ينبغون وتحفظ أقوالهم، وينالون الإمامة في الغالب.

أنا سألت الشيخ عبد العزيز -رحمه الله تعالى- عن هذه المسألة؛ لأنها تواجه بكثرة، يعني يحز بالنفس أننا كم عشنا؟ اثنا عشر قرن بعد الأئمة، وما خالفوا في هذه المسألة ما وقفنا إلا على قول الظاهرية قال: الحق في الدليل ولو خالفه من خالفه، ومع ذلكم لا تجدون الشيخ -رحمه الله- له أقوال يخالف فيها الأئمة إلا القليل النادر.

كالأمر إن عورض بالجواز في
ج

 

تركٍ لمأمورٍ إلى الندب اصرفِ
ج
ج

طيب الأمثلة على هذا كثيرة جداً، يعني كتب الفقه مملوءة، لكن يلفت النظر مثال يمثل به بعض الأصوليين لمثل هذه المسألة، يمثلون بحديث: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) هذا يدل على وجوب الغسل، جاء حديث: ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)) يدل على جواز..، على أن الوضوء يكفي، عثمان -رضي الله عنه- لما دخل وعمر -رضي الله عنه- يخطب ذكر أنه لم يغتسل إنما توضأ، قال: "والوضوء أيضاً" الصوارف كثيرة، لكن أقول: هل مثل هذا يصلح مثال وإلا ما يصلح؟ يصلح وإلا ما يصلح؟

طالب:......

لماذا؟

طالب:......

كيف يصلح؟

طالب:......

لا لا، أنت ما فهمت كلامي، أنا أقول: أمر للوجوب، الأصل فيه الوجوب، ثم جاءنا صارف نصرف هذا الأمر (افعلوا) إلى أنه على سبيل التوجيه والإرشاد، وليس على سبيل الإلزام، لكن قوله: واجب هل يمكن صرف هذه الكلمة واجب؟ يمكن صرفها وهي كلمة واحدة ليست أمر تحتمل الوجوب وغير الوجوب؟ إذا قال: افعلوا هذا الأمر يحتمل الوجوب والاستحباب، لكن كلمة واجب تحتمل وإلا ما تحتمل بحيث نصرفها من كذا إلى كذا، ما تحتمل، نص في الوجوب، الذي يمكن صرفه اللفظ المحتمل، اللفظ المحتمل للأمرين الوجوب والاستحباب، أما اللفظ المعين لاحتمالٍ واحد بحيث لا يحتمل أمر آخر ما يمكن صرفه إلا إذا بحثنا في معنى الكلمة وهو معنى الوجوب، وإذا قلنا: إن معنى الوجوب في الحديث ليس معناه الوجوب الاصطلاحي، فيكون الحديث من الأصل ما يدل على الوجوب فليس بحاجة إلى صارف.

بدي الإخوان ينتبهون لمثل هذا؛ لأن هذا من دقائق العلم، يمثلون يتواطئون على التمثيل بهذا بكتب الأصول كثير حتى في كتب علوم الحديث وغيرها، لكن الكلام فيما إذا ورد صارف لنص يحتمل أمرين، يحتمل الوجوب وعدمه، إذا قال: افعل، الأمر الأصل فيه الوجوب، ويحتمل أن يكون للاستحباب، الأمر الأصل فيه الوجوب والاحتمال الثاني أن يكون للاستحباب، لكن لا بد لمخالفة الأصل من صارف يصرف من الوجوب إلى الاستحباب، هنا اللفظ الواحد الذي لا يحتمل، يعني إذا حملناه على الوجوب من الأصل ما في صارف نص في الموضوع، نص في الموضوع.

يعني إذا قيل لك مثلاً: الشرب قائماً حرام، ثم نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه شرب قائماً، هل نقول: إن كلمة حرام هذه انصرفت من التحريم إلى الكراهة؟ يمكن صرفها وهي كلمة لا تحتمل؟ ما تحتمل إلا التحريم، لكن النهي عن الشرب قائماً يحتمل النهي أن يكون للتحريم، وأن يكون للكراهة، فجاء ما يصرفها، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟

إذا بحثنا في دلالة الكلمة التي هي الواجب، هل كلمة (واجب) في أصل الشرع في النصوص هي التي تعنيها هذه الكلمة في اصطلاح العلماء، يعني في لغة العرب إذا قيل: حقك واجب علي، لو أنت من أبعد الناس تقول لشخص كبير: والله حقك واجب علي، هل معنى هذا أنك تأثم إذا ما أديت شيء من حقوقه؟ يعني إذا نظرنا إلى الحقائق الشرعية مع الحقائق العرفية الاصطلاحية نجد فيها شيء من التباين، وبهذا تنفك الجهة، إذا أقسم لك واحد أنه عمره كله ما شاف جمل أصفر، تقول: يا أخي أنت تكذب القرآن {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] تقول له هذا الكلام؟ يقسم بالله العظيم أنه ما رأى جمل أصفر، ومراده بالأصفر الأصفر المتعارف عليه الآن، وين الأصفر؟ شوف الكتاب هذا الذي فيه شوف خلف الكتاب أو خلف الإعلان هذا الأصفر هذا الكتاب اللي معنا خلفه أصفر، في جمل بهذا اللون؟ لا لا خلفه هذا الواضح إيه هذا، في جمل بهذا اللون؟ ما في إلا كالجراد...، وين الجمال؟ لكن لو قال مثلاً: أنا عمري كله ما رأيت جمل أصفر، نقول: يا أخي أنت وقعت في أمرٍ عظيم، القرآن يقول لك: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] اختلاف الحقائق العرفية مع الحقائق الشرعية في مندوحة لمثل هذا، فلينتبه له.

كالأمر إن عورض بالجواز في
ومثله النهي لكرهٍ صرفا
جج

 

جتركٍ لمأمور إلى الندب اصرفِ
...................................


يعني النهي الأصل فيه التحريم
((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) النهي الأصل فيه التحريم.

ومثله النهي لكرهٍ صرفا
جج

 

بحلٍ إتيان وحظرٍ انتفى
ج

نعم الأصل في النهي التحريم، قد يأتي ما يدل على جواز الفعل، فإذا فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- دل على أنه للكراهة لا للتحريم، ومثل هذا النهي عن الشرب قائماً، جاء النهي عن الشرب قائماً، وجاء التشديد فيه: ((من شرب قائماً فليستقيء)).

ثم ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه شرب قائماً، فدل على أن النهي للكراهة لا للتحريم فهذا صارف، الأصل أن نهيه مع شربه فيه تعارض، فيه تعارض وإلا ما فيه تعارض؟ فيه تعارض في الظاهر، لكن وجه الجمع بينهما أن النهي يحمل على التنزيه لا التحريم، والفعل يدل على الجواز، وقل مثل هذا في الأمر.

"واخصص.."

قرأت البيتين؟

طالب: إيه قريته قريته.

واخصص بما خص عموماً وردا
جج

 

والمطلق احمله على ما قيدا
ج

عندنا عام وخاص، ومطلق ومقيد، "واخصص بما خص" يأتيك نصٌ عام ثم يرد ما يخصصه يرد ما يخصصه، والعام ما يشمل أفراد، والتخصيص إخراج بعض الأفراد بدليل، والمطلق ما يشمل أوصاف والتقييد تقليل لهذه الأوصاف، فعندنا الأمر العام والخاص، فاللفظ العام لفظٌ شائع يشمل أفراد متعددة، ثم إذا جاء نصٌ خاص ببعض الأفراد فلا يخلو إما أن يكون الحكم أعني حكم الخاص موافق لحكم العام، فمثل هذا يخصص به أو لا يخصص إذا كان الحكم موافق؟ إذا قال: أعطِ بني تميم، ثم قال: أعطِ زيداً، هل معنى هذا أننا لا نعطي إلا زيد؟ نعم؟ {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ} [(163) سورة النساء] نوح خاص والنبيين عام، فالحكم واحد موافق لحكم العام وهو في مثل هذه الصورة لا يخص به ولا يقصر عليه، وإنما يذكر الخاص للاهتمام بشأنه والعناية به، فإذا قيل: أعطِ بني تميم ثم قيل بعد ذلك: أعطِ زيداً لا يقتضي التخصيص.

يعني لو وجدنا في وصية وصية مثلاً: هذا العقار ريعه على بني تميم مثلاً، ثم بعد ذلك: يعطى طلاب العلم منهم كذا، هل غير طلاب العلم من بني تميم ما يعطون؟ إلا يعطون، لكن التنصيص على طلاب العلم للاهتمام بشأنهم والعناية بهم، لكن لو كان الحكم مخالف لحكم العام قلنا: بحمل العام على الخاص، فلو قيل مثلاً: أعطِ بني تميم، ثم قيل: لا تعطِ العزاب من بني تميم، قلنا: إن هذا الموصي يشجع على الزواج، وحينئذٍ لا يعطى العزاب؛ لأن الحكم يختلف، حكم الخاص يختلف عن حكم العام، وقل مثل هذا في المطلق والمقيد، يأتيك لفظ مطلق ثم يقيد ببعض الأوصاف لبعض الأوصاف.

"المطلق احمله على ما قيدا" وهذا من أوجه الجمع، فلا يبطل النص بالكلية وإن كان رفع لبعض أفراده بهذه الطريقة، بعض أفراد العام يرفع بالمخصص، وبعض أوصاف المطلق ترفع بالقيد الذي يذكر في النص المقيد.

لكن قد يعترينا أمور تشكل علينا مع هذا، يكون التعارض من أكثر من وجه، إما أن يكون التعارض وجهي بين نصين، يكون التعارض وجهي، بمعنى أن هذا يكون أعم من وجه وأخص من وجه، والثاني أعم من وجه وأخص من وجه كما في مسألة فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وهذه مسألة بسطت كثيراً في مناسبات كثيرة، لكن قد يكون التعارض من وجهٍ آخر، عندك عام وخاص، لكن العام منطوق والخاص مفهوم، هذا له وجه قوة وله وجه ضعف، وهذا له وجه قوة ووجه ضعف.

((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) هذا عام، هذا عام ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) وهو منطوق في أن جميع الماء لا يؤثر فيه شيء مهما وقع فيه من النجاسات إلا بالاستثناء الذي دل عليه الإجماع: إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه، أما الاستثناء في النص فهو ضعيف باتفاق الحفاظ.

هذا المنطوق بعمومه هو عام، هذا المنطوق بعمومه معارضٌ بمفهومٍ خاص، حديث القلتين: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) عند من يصححه، منطوقه: أنه إذا بلغ الماء القلتين فأكثر أنه لا يتأثر، فمنطوقه موافق لحديث أبي سعيد أن ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) لكن مفهومه، مفهومه أنه إذا لم يبلغ القلتين أنه يحمل الخبث ولو لم يتغير، وهذا المفهوم مخالف لمنطوق حديث أبي سعيد، وهو وإن كان المفهوم خاصاً والمنطوق عاماً إلا أنه فيه معارضة، فهل يقدم منطوق حديث أبي سعيد على مفهوم حديث ابن عمر في القلتين؟ أو يقدم الخاص وإن كان خصوصه بالمفهوم على عموم حديث أبي سعيد وإن كانت دلالته بالعموم؟ فما الذي يقدم؟ يعني مسألة عام وخاص أمرها سهل ما بتشكل على آحاد الطلاب، العموم والخصوص الوجهي ضربنا له أمثلة، وأظن الإخوان ملوا الكلام فيه في مناسبات كثيرة، لكن يبقى مثل هذا.

طالب:......

نعم، هو يحتج بمفهوم المخالفة، الحنابلة والشافعية يحتجون، ومالك....... مفهوم المخالفة، لكن عندنا منطوق ومفهوم أيهما أقوى؟ المنطوق أقوى من المفهوم، وعندنا عام وخاص أيهما أقوى؟ الخاص أقوى، فمن رجح حديث المفهوم حديث القلتين قال: لأنه خاص، فيخصص به عموم حديث أبي سعيد، ومن رجح عموم حديث أبي سعيد قال: هو منطوق وحديث القلتين مفهوم، والمنطوق أقوى من المفهوم.

يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-..، عندكم الشافعية والحنابلة رجحوا مفهوم حديث القلتين، وعملوا به، وخصصوا به حديث أبي سعيد، شيخ الإسلام عمل بمنطوق حديث القلتين ولم يعمل بمفهومه؛ لأنه معارض بمنطوق حديث أبي سعيد، وهو قول المالكية، وهو قول المالكية، لكن هل نستطيع أن نوجد مرجحات لما رآه شيخ الإسلام من إلغاء المفهوم؟ إلغاء المفهوم إذا عورض بمنطوق ولو كان عاماً، نعم؟

طالب:......

كلهم أئمة مجتهدون، أئمة مجتهدون، عندك مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة أئمة كبار، نعم؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

الأصل أن المفهوم معتبر، المفهوم معتبر، لكن إذا عورض بمنطوق أقوى منه يلغى، مثلاً في قوله -جل وعلا-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] مفهومه أنك لو استغفرت واحد وسبعين مرة أنه يغفر لهم، أنه يغفر لهم، لكنه معارض بالمنطوق {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ} [(48) سورة النساء] لو استغفرت ألف مرة الباب مقفل، محسومة المسألة، فألغينا المفهوم لمعارضته بالمنطوق.

طيب {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران] مفهومه إذا لم يكن أضعافاً مضاعفة ضعف وإلا ضعفين نعم؟ يعني الألف بألف وخمسمائة ما فيها ضعف، مفهوم الآية أنه يجوز، لكنه معارض بمنطوقات كثيرة تدل على أن الربا حرام مهما قلت نسبته، فإذا عورض المفهوم بمنطوق فإنه حينئذٍ يلغى المفهوم، وحينئذٍ يكون الكلام لا مفهوم له، لا مفهوم له.

ترون ما بدأنا إلا متأخرين يا الإخوان لا تؤاخذونا، مع أن الليل في الصيف قصير، وكثير من الإخوان يصير عنده ارتباطات في الإجازة، لكن إن رأيتم أن نستمر استمرينا، يعني نقف على النسخ؟ نعم؟

يقول:

وهكذا فاجمع بلا تعسف
جج

 

...................................
ج

بلا تعسف يعني ابحث عن وجوه الجمع المقنعة الواضحة للتوفيق بين النصوص من أجل اتباع فلان أو علان، لا تتعسف اجمع بوجوهٍ معتبرة بين أهل العلم، ولذا تجدون في أوجه الجمع بين النصوص عند أهل العلم فيها أشياء ضعيفة، تجد بعض الأتباع لا بد أن يوجد وجه للجمع وإن لم يكن وجهاً وجيهاً، ولذا قال:

وهكذا فاجمع بلا تعسفِ
جج

 

بل بين مدلوليهما فألفِ
ج

بالمناسبة الأتباع أتباع المذاهب يتعاملون مع نصوص أئمتهم كتعاملهم مع نصوص الكتاب والسنة، يجمعون بين أقوالهم إذا كان للإمام أكثر من قول في المسألة، لا بد أن يوجدوا جمع مخرج، ولو بحمل عام على خاص أو مطلق على مقيد، هذا كلامهم بالنص ما هو بافتئات.

فإن لم يوجد وجه للجمع نظرنا المتقدم والمتأخر، وإلا فأقربهم من أصوله وقواعده، يقولون مثل هذا الكلام.

وهكذا فاجمع بلا تعسفِ
جج

 

بل بين مدلوليهما فألفِ
ج

بعض الناس يريد أن يجمع فيكون له ملحظ لا يوافق عليه، ملحظ لا يدل عليه الخبر، وهو يريد بذلك أن يوجد مبرر لالتزامه بمذهبه، وقد يند الفهم، قد يكون قصده الحق لكن يخطئ، ما كل من أراد الحق وقصده يصيبه.

ولا يجوز ردك المعارضا
جج

 

ما أمكن الجمع بوجهٍ يرتضى
ج

"ولا يجوز ردك المعارضا" النص المعارض لا يجوز أن ترده "ما أمكن الجمع" يعني إذا أمكن الجمع وجب المصير إليه، "ما أمكن الجمع بوجهٍ يرتضى" بغير تعسف كما أشار الشيخ -رحمه الله-، فإذا أمكن الجمع بوجهٍ ظاهر يدل عليه الخبر فيتعين حينئذٍ، ويجب المصير إليه؛ لأن في الجمع عملاً بالنصين؛ لأن في الجمع عملاً بالنصين، وأما حمل العام على الخاص فيه إخراج لبعض الأفراد، حمل المطلق على المقيد فيه إخراج لبعض الأوصاف، القول بالنسخ، ترك..، التخصيص والتقييد نسخ جزئي، والنسخ رفع كلي للحكم، فعلى كل حال الجمع إذا أمكن من غير تعسف وجب المصير إليه.

أنت وقفت على هذا؟

طالب: إيه نعم.

لعلنا نقف عليه.

الدرس المقرر ساعة ونصف، بحيث لا نمل الإخوان ولا..، والليل مثل ما ذكرنا قصير، والمسافات بعيدة، ونقف على هذا -إن شاء الله-.

طالب:......

إيه، المفهوم ضعيف والمنطوق أقوى منه بلا شك، يبقى أن عندنا مسألة العام والخاص، لا شك أن الخاص أقوى من العام، لكن النصوص التي أوردناها من المسائل التي يتفق أهل العلم  على عدم التخصيص بالمفهوم مثل {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] مثل: {الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران] يدل على أن التخصيص بالمفهوم فيه ضعف.

طالب:......

إيه نعم، يقول: المفهوم ملغى، ما يعمل بمفهوم حديث القلتين.

طالب:......

لهذا الأمر؛ لأن المفهوم ضعيف ومعارضٌ بمنطوق، فإذا عورض المفهوم بمنطوق يلغى المفهوم، ويكون الكلام لا مفهوم له.

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك.

"