شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب صلاة التراويح وفضل ليلة القدر (عام 1428 هـ) - 22
المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين. أيُّها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم، من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المُقَدِّم: لازلنا مع الإخوة والأخوات في حديث ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- في قوله- صلى الله عليه وسلم-: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ»، كنا تحدثنا عن هذا الجزء من الحديث، أحسن الله إليكم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد:
ففي هذا الحديث، حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، مضى الحديث عن الرؤيا.
المُقَدِّم: نعم.
وأنَّها لا يثبت بها حكم شرعي إلا أنَّ هذه الرؤيا ثبتت شرعيتها بإقرار النبي- عليه الصلاة والسلام-، يعني نظير رؤيا عبد الله بن زيد في الأذان، الحكم يؤخذ من هذا الحديث باعتبار الإقرار، والإقرار من السُّنَّة؛ لأنَّ السُّنَّة والحديث ما يُضاف إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- من قول، أو فعل، أو إقرار، وهذا منه، فاكتسبت الشرعية من هذا الإقرار.
«فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ»، «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ»، «تَوَاطَأَتْ» يعني.
المُقَدِّم: توافقت.
توافقت، ومن ذلك التوطئة والتمهيد والتسهيل؛ ولذا يقول بعضهم: إنَّ الموطأ للإمام مالك.
المُقَدِّم: من التسهيل.
نعم، من التسهيل، يعني وطَّأه وسهَّله ومهَّده للناس، وبعضهم يقول إنَّه مأخوذ من مشورة أبي جعفر على الإمام مالك لمَّا رسم له المنهج.
المُقَدِّم: وَطِئه.
نعم، وَطِئه توطئة، يعني سهِّله، على كل حال قوله: «فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ» في الحديث، يقول الكرماني: ليس ظرفًا للإراءة.
المُقَدِّم: ظرفًا لـ
للإراءة. يعني هذه الرؤيا ما تواطأت يعني وقوعها وحصول الرؤى في السبع الأواخر، يقول: ليس ظرفًا للإراءة، يعني ليست هذه الرؤى المجتمعة من هؤلاء الرجال، نعم، من أصحاب النبي- عليه الصلاة والسلام- وقعت هذه الرؤى في.
المُقَدِّم: في السبع الأواخر.
في السبع الأواخر، يقول: ليس ظرفًا للإراءة. قال العيني: كذا قال وسكت- يعني ما كمَّل الكرماني-، ومعناه أنَّه صفة لقوله: «فِي الْمَنَامِ» أي في المنام الواقع أو الكائن في السبع الأواخر، يقول الكرماني: قوله: «فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ» يعني هل السبع الأواخر ظرف لهذه الرؤى، أو ظرف لرؤية القدر بغض النظر عن كون الرؤى هذه تقدمت على السبع؟
المُقَدِّم: الظاهر لا دعوى لها بالمكان.
أين؟
المُقَدِّم: ليست للإراءة، يعني ما هو المقصود أنَّهم رأوها في السبع الأواخر، قد يكونوا رأوها في شوال.
أو في أول رمضان.
المُقَدِّم: أو قبل.
أو في العشر.
المُقَدِّم: في العشر.
نعم.
المُقَدِّم: يعني ليس المقصود الوقت.
أو أول العشر قبل السبع.
لكن لو تأملنا الكلام، يقول الكرماني: ليس ظرفًا للإراءة، قال العيني: كذا قال وسكت، ماذا قال العيني في التوضيح؟ قال: معناه أنَّه صفة لقوله: «فِي الْمَنَامِ» أي في المنام الواقع أو الكائن في السبع الأواخر.
المُقَدِّم: لا، هذا ينقض رأيه.
ينقض كلام الكرماني.
المُقَدِّم: الكرماني.
أو هذا تابع للمنفي، يوضح كلام الكرماني.
المُقَدِّم: المنفي.
المنفي، فلا ينقضه.
المُقَدِّم: يعني إذا قال: ومعنى المنفي في كلامه كذا وكذا.
نعم، ومعناه- يعني نفي النفي-، معنى النفي لكون هذه السبع ظرفًا للإراءة، أنَّه صفة لقوله: «فِي الْمَنَامِ» يعني نفي كونه صفة «فِي الْمَنَامِ»، أي في المنام الواقع أو الكائن في السبع الأواخر. قد يكون هذا المنام وهذه الرؤى قبل السبع الأواخر، يعني اعتبرنا السبع مثلًا ليلة ثلاث وعشرين مثلًا على اعتبار أنَّ الشهر ناقص، افترض أنَّ هذه الرؤى حصلت ليلة إحدى وعشرين، أو ليلة اثنتين وعشرين، وليس معنى هذا أنَّه مثلًا هذا ظرف لهذه الرؤى كل واحد منهم رآها في ليلة من هذه السبع مثلًا. وكلام العيني موضح لكلام الكرماني يعني الذي يفهمه منفصلًا عن كلام الكرماني يظنه رد عليه، وهو في الحقيقة توضيح لكلامه، والأصل أنَّه في مثل هذا يُعاد كلام الكرماني، يُصاغ مع الكلام.
المُقَدِّم: للتوضيح أكثر.
بلا شك، حتى لا يقع فيه لبس، وقال القسطلاني: «في ليالي السبع الأواخر» جمع أخِر بكسر الخاء، يقول: جمع أخِر بكسر الخاء، يقول في المصابيح: ولا يجوز أخِر؛ لأنَّه جمع لأخرى، إنَّما يُقال: أواخر جمع أخِر، وأخِر جمع لأخرى، وهي لا دلالة لها على المقصود، وهو التأخير في الوجود، يعني ليست السبع المتأخرة، يقول القسطلاني: «في ليالي السبع الأواخر» جمع أخِر، أو جمع آخِر؟
المُقَدِّم: هو المفروض جمع أَخِر.
أواخر جمع آخِر، فواعل جمع فاعل وفاعلة، وإلا فالأصل أن يكون جمع آخرة، يعني متأخرة، آخرة فاعلة تُجمع على فواعل، زاملة زوامل، جمع آخِر بكسر الخاء، قال في المصابيح: ولا يجوز أُخَر.
المُقَدِّم: أُخَر.
يقول: ولا يجوز أُخَر؛ لأنَّه جمع لأخرى، وهي لا دلالة لها على المقصود وهو التأخير في الوجود، المقصود هو التأخير في الوجود، يعني الذي يهمنا التأخير في الوجود، لا مجرد المغايرة، إذا قلت هذه.
المُقَدِّم: سبع أُخر.
كيف؟
المُقَدِّم: معناها مغايرة.
مغايرة، نعم.
المُقَدِّم: عن سبع أُخر.
وقد يأتي سبع.
المُقَدِّم: غير هذه.
وليست متأخرة، وهو التأخير في الوجود، وإنَّما تقتضي المغايرة تقول: مررت بامرأة حسنة وامرأة أخرى، يعني مغايرة لها، ويصح هذا التركيب سواء كان المرور بهذه المغايرة سابقًا أو لاحقًا، لا يلزم أن تكون الأخرى متأخرة عن التي ذُكرت قبلها. سواء كان المرور بهذه المرأة المغايرة سابقًا أو لاحقًا، وهذا عكس العشر الأول، فإنَّه يصح؛ لأنَّه جمع أولى، ولا يصح الأوائل؛ لأنَّه جمع أوّل. ما يُقال: عشر أوائل، إنَّما يُقال الآن الأوائل، يعني إذا قيل: أوائل سورة البقرة، يختلف عن أوائل سورة الفلق مثلًا، أو سورة من السور القصيرة، يعني عندنا العشر يُمكن أن تقول بالنسبة للبقرة أوائل سورة البقرة، لكن سورة قصيرة..
المُقَدِّم: سورة الكوثر مثلًا.
لا، دعنا، خلها من عشرين آية، أوائل سورة الملك مثلًا، سورة الملك ثلاثون آية.
المُقَدِّم: أوائل.
ما نقول أوائل للعشرة، ما نقول أوائل.
المُقَدِّم: أولى.
نعم.
المُقَدِّم: العشر الأولى.
العشر الأولى إذا قسمناها إلى أثلاث، كل ثلث عشر، لكن ما نقول أوائل إلا للآية الأولى والثانية والثالثة يعني أمور نسبية، فإنَّه يصح؛ لأنَّه جمع أولى ولا يصح الأوائل؛ لأنَّه جمع أوّل الذي هو للمذكر، وواحد العشر ليلة وهي مؤنثة فلا توصف للمذكر، وهذا عكس العشر الأول فإنَّه يصح؛ لأنَّه جمع أولى، ولا يصح الأوائل؛ لأنَّه جمع أوّل الذي هو للمذكر، وواحد العشر ليلة وهي مؤنثة فلا توصف للمذكر.
وقال القسطلاني أيضًا: ظاهر الحديث أنَّ رؤياهم كانت قبل دخول السبع الأواخر؛ لقوله: «فليتحرّها في السبع الأواخر»، ثم يحتمل أنَّهم رأوا ليلة القدر وعظمتها وأنوارها ونزول الملائكة فيها، وأنَّ ذلك كان في ليلة من السبع الأواخر، يعني التواطؤ أليس هو التوافق؟
المُقَدِّم: بلى.
فإن كان توافقهم بمجموع السبع، وكل واحد رأى ما يدل عليها في ليلة من هذه السبع، فكيف يكون تواطؤًا وتوافقًا؟ وإن كان.
المُقَدِّم: للمجموع.
نعم؟
المُقَدِّم: وإن كان للمجموع؟
كيف؟
المُقَدِّم: يعني الجميع اتفق على أنَّها في السبع، ليلة واحد وعشرين، ليلة اثنين وعشرين، أربع وعشرين ما حدد.
لالا، من ثلاث.
المُقَدِّم: يعني ما توافقوا على ثلاث وعشرين، ولا خمس وعشرين، لكن يعرفون أنَّها من ثلاث وعشرين إلى ما فوق، ما يكون توافق؟ دون التحديد.
توافق جُملي هذا.
المُقَدِّم: جملة.
أي توافق جملي، لكن الأصل في التوافق والتواطؤ على شيء محدد.
المُقَدِّم: هو محدد يا شيخ، سبع ما يكون محددًا؟ ظرف مجموعة تواطئوا على هذه السبع، إذ لو كان كل واحد حدد ليلة ما كان توافقًا، لو واحد منهم.
لا، لو حددوا كلهم ليلة واحدة صار توافقًا وتواطؤًا.
المُقَدِّم: نعم.
لكن لو قلت مثلًا: قدم زيد يوم ثلاث وعشرين، وقدم عمرو يوم أربعة وعشرين، وقدم بكر يوم خمس وعشرين وقدم كذا إلى الثلاثين، هل توافقوا في القدوم؟
المُقَدِّم: في اليوم لا، لكن ممكن نقول توافقت رؤاهم على السبع الأواخر من هذا الشهر.
يعني قدومهم توافق في السبع الأواخر؟
المُقَدِّم: إذا كانوا مفرقين، هو الكلام على واحد منهم.
أين؟
المُقَدِّم: يعني الآن هم مفرقون، لكن لو كان شخصًا واحدًا، لو قال واحد: أظن سيأتي ليلة ثلاث وعشرين، قال: لا، أنا أظنه سيأتي ليلة خمس وعشرين، قال: أنا أظنه سيأتي سبع وعشرين فكلهم ظنهم توافق على السبع.
هذا الظن لكن بدون جزم، هؤلاء رأوا رؤى، وأُقرت من قبله- عليه الصلاة والسلام-، وتوافقت في المجموع، توافق في الجملة، لكن لمَّا تأتي في الجملة.
المُقَدِّم: غير بالجملة.
بخلاف ما تقول بالجملة، يعني لو كان بالجملة يعني ما فذ وما ند منهم أحد، لصار بالتحديد.
المُقَدِّم: صح.
بينما في الجملة.
المُقَدِّم: في الجملة، الغالب.
الغالب، نعم، يعني في الربع الأخير من الشهر، ثم يحتمل أنَّهم رأوا ليلة القدر وعظمتها وأنوارها ونزول الملائكة فيها، وأن ذلك كان في ليلة من السبع الأواخر، ويحتمل أنَّ قائلاً قال لهم: هي في كذا وعيَّن ليلة من السبع الأواخر ونسيت، أو قال إنَّ ليلة القدر في السبع، فهذه ثلاثة احتمالات، إمَّا أن يكونوا رأوا علامات، أو رأوا من يقول لهم إنَّها في ليلة كذا، وعيَّن لهم ليلة معينة من السبع الأواخر لكنها نسيت، أو قال: إنَّ ليلة القدر في السبع، يعني على سبيل الإجمال، هذه احتمالات يحتملها لفظ الحديث.
المُقَدِّم: هذا هو، هذا الذي كنا نريده.
أين؟
المُقَدِّم: إذ هذا هو التوافق الذي كنت أحكيه قبل قليل، إنَّها في السبع.
إي، لكن التوافق الدقيق.
المُقَدِّم: ما يحصل.
ما يوجد هنا، اللهم إلا إذا وجد التوافق الدقيق ونُسي.
المُقَدِّم: كما نُسخ في.
نُسي، من باب التعمية؛ لأنَّ جميع النصوص الواردة في هذه الليلة تدل على أنَّ الإخفاء مقصود.
المُقَدِّم: صحيح؛ للاجتهاد.
الإخفاء مقصود، يعني لو جاء شخص، وقال: ذهبت إلى سوق التمر مثلًا، نعم، فقال واحد: والله رأيت النوع الفلاني أو مثلاً سلعة محددة بسعرها مصنوعة على هيئة واحدة ما تتفاوت قيمتها، فقال واحد: بعشرين مثلًا، وقال واحد: أنا وجدتها باثنين وعشرين، وقال الثالث: أنا بأربعة وعشرين، تقول أنت الآن كلامكم كله متوافق حول ما بين العشرين إلى الخمس وعشرين.
المُقَدِّم: نعم.
لكن لو ذهبوا إلى شخص واحد والسعر محدد عنده على هذه السلعة مطبوع.
المُقَدِّم: وكلٌ أتى بسعر يختلف.
نعم.
المُقَدِّم: ما يكون توافقًا.
هذا توافق باعتبار أنَّه في ظل النسيان، بعضهم نسي حقيقة الأمر، لكنهم توافقوا في قدر معين لم يتوافقوا على الرقم المحدد، توافق إجمالي مثل ما عندنا هنا، التنظير هذا يوضح.
المُقَدِّم: صح.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:«أَرَى» بفتحتين أي أعلم، قال ابن حجر: وَالْمُرَادُ أُبْصِرُ، يقول: مَجَازًا. «أَرَى رُؤيَاكُم قَد تَوَاطَأَت فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ» يقول ابن حجر: «أَرَى» بفتحتين أي أعلم، والمراد أبصر مجازًا، كيف؟ أبصر، هل الرؤيا هنا، بصرية أو علمية؟
المُقَدِّم: هذه رؤية علمية.
هل هي؛ لأنَّ رأى، الفعل رأى له معانٍ، وتختلف هذه المعاني باختلاف المصادر، أرى رؤية بصرية، وأرى رأيًا علميًّا عقليًّا، وأرى رؤيا في النوم.
المُقَدِّم: منامية.
الرؤيا ليست واردة هنا، في قوله: «أَرَى رُؤيَاكُم» إنَّما الرجال هؤلاء رؤياهم بلا شك من المراد في الحلم، الرؤيا المعروفة، لكن قوله: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ» هل معناها بصرية يعني أُبصر رؤياكم قد تواطأت؟
المُقَدِّم: لا، رؤية المعرفة والعلم.
نعم، المعرفة، طيب، «أَرَى» أي أعلم، والمراد أبصر مجازًا، يعني كلام ابن حجر فيه قلق، أي أعلم لا شك أنَّ أخبارهم وهم عدد مفيد للعلم، لا سيما وقد أيَّدهم النبي- عليه الصلاة والسلام-. وأمَّا قوله: أُبصر مجازًا، ففيه ما فيه، يعني هل هذا النبي- عليه الصلاة والسلام- لمَّا أخبروه رأى ذلك بعينه؟ أبصر؟
المُقَدِّم: لا.
لا، ما يُمكن، اللهم إلا إذا قلنا: إنَّ الخبر المقطوع به إفادته كإفادة المدرك بالبصر، فما فيه إشكال، الخبر المقطوع به، يعني مثل هذا الخبر المحتف بقرائن، وجاء من مجموعة رجال يفيد العلم بلا شك، قطعي.
المُقَدِّم: كإفادة الرؤية البصرية.
نعم، كما تفيده الرؤية البصرية؛ ولذا يأتي التعبير في القرآن عن هذا النوع من العلم بالرؤيا، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [سورة الفيل:1] الرسول- صلى الله عليه وسلم- رأى أم ما رأى؟
المُقَدِّم: ما رأى.
ما رأى.
المُقَدِّم: لكنه علم.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [سورة الفجر:6] يعني بلغته الأخبار القطعية التي هي بمنزلة المشاهد في القطعية. أمَّا قوله هنا: أرى أي أعلم، والمراد أبصر مجازًا، هذا فيه ما فيه.
«رُؤْيَاكُمْ»، «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ» رؤيا جمع أم مفرد؟
المُقَدِّم: مفرد.
طيب، مفرد أُضيف إلى جمع.
المُقَدِّم: رؤاكم المفروض.
نعم، «رُؤْيَاكُمْ» يقول القسطلاني: بالإفراد والمراد الجمع أي رؤاكم؛ لأنَّها لم تكن رؤيا واحدة فهو مما عاقب الإفراد فيه الجمع لأمن اللبس. لكن إذا اتفقت هذه الرؤى، إذا اتفقت ما اختلفت، اتفقت هذه الرؤى عُدت بمنزلة الرؤيا الواحدة، الرؤيا الواحدة المتكررة، يعني هؤلاء الذين قلنا إنَّهم ذهبوا إلى المحل وبحثوا عن سلعة واحدة، وجاء كلهم أنَّ قيمة هذه السلعة مائة ريال، نقول: قيمكم أم قيمتكم؟
المُقَدِّم: تصير قيمة واحدة.
قيمة واحدة، وإن أُضيفت إلى الجمع، لكن لو كان كل واحد جاء منهم بسعر مختلف قلنا قيمكم، وهنا الذي معنا «أَرَى رُؤْيَاكُمْ» إذا كانت منصبة كلهم رأى شيئًا واحدًا فهي رؤيا واحدة من أشخاص، بخلاف لو كانت الرؤى متغايرة قلنا رؤاكم، قد تكون الرؤى مختلفة وتأويلها واحد، وحينئذٍ نقول: إنَّ المراد بالإفراد هنا الجمع أي رؤاهم التي تأويلها واحد؛ لأنَّها لم تكن رؤيا، لو ذهبنا نستطرد في التوضيح بالأمثلة لقلنا إنَّ الذي ذهب وقال: وجدت السلعة بمائة ريال، وجاء واحد قال: لا وجدتها باثني عشر دينارًا ونصف، وقال واحد: لا، أنا وجدتها بسبع وعشرين دولارًا، يعني السعر واحد يعني، القيمة واحدة.
المُقَدِّم: نعم.
لكن الأرقام مختلفة، هل نقول: قيمة أم قيم؟
المُقَدِّم: قيمة.
لأنَّها تؤول إلى شيء واحد، يقول: المراد الجمع أي رؤاكم؛ لأنَّها لم تكن رؤيا واحدة، فهو مما عاقب الإفراد فيه الجمع، يعني جاء الإفراد يراد به الجمع؛ لأمن اللبس، وقول السفاقسي: إنَّ المحدثين يروونه بالتوحيد وهو جائز وأفصح منه رؤاكم جمع رؤيا ليكون جمعًا في مقابلة جمع. يقول: وقول السفاقسي فيه نظر. يقول- يعني القسطلاني تبع كلامه-: وقول السفاقسي إنَّ المحدثين يروونه بالتوحيد وهو جائز وأفصح منه رؤاكم جمع رؤيا ليكون جمعًا في مقابلة جمع فيه نظر؛ لأنَّه بإضافته إلى ضمير الجمع عُلِمَ منه التعدد بالضرورة، لماذا؟ لأنَّه لا يُمكن أن يُضاف المفرد إلى متعدد، ويُراد به شيء إلا فيما يُمكن فيه الاشتراك، إذا قلت: هذه دابتكم، نعم، دابتكم يُمكن اشتركوا فيها وهي واحدة، لكن إذا قلت: دوابكم اقتضت مقابلة الجمع بالجمع، كل واحد له دابة، وهذا يختلف عن الذي عندنا. قال: فيه نظر؛ لأنَّه بإضافته إلى ضمير الجمع عُلِمَ منه التعدد بالضرورة، وإنَّما عبر بـ «أَرَى» لتجانس «رُؤْيَاكُمْ»، «أَرَى رُؤْيَاكُمْ» لتجانس «رُؤْيَاكُمْ»، فيه المفرد المضاف إلى الجمع هذا يقول إنَّه يفيد العموم، اللهم إلا إذا كان مثل ما ذكرنا يجوز فيه الاشتراك. الجمع إذا أُضيف إلى المثنى، أو المفرد إذا أضيف إلى المثنى.
المُقَدِّم: يبقي على حاله {فَقَدْ صَغَتْ} [سورة التحريم:4].
يبقى مفردًا أم مثنى؟
المُقَدِّم: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [سورة التحريم:4].
قلبان أم أكثر؟
المُقَدِّم: قلان.
هما قلبان.
المُقَدِّم: نعم.
لأنَّه أضيف إلى مثنى، لكن لو قلت: رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، يصح أم ما يصح؟ ما يصح؛ لاحتمال أن يكونا اشتركا في الصحيح، نعم من أمن اللبس كما هنا يجوز، واللبس مأمون لا سيما عند طلاب العلم إذا قلت: رواه البخاري ومسلم في صحيحهما اللبس مأمون كما هنا مطابقة. لكن لو قيل: في صحيحيهما كان أولى وأدق.
المُقَدِّم: أحسن الله إليكم، نكتفي بهذا على أن نستكمل بإذن الله في حلقة قادمة ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث. أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصوم، من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، للتذكير نحن في كتاب فضل ليلة القدر، باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، الحديث تسعمائة تسعة وأربعون في المختصر، ألفان وخمسة عشر في الأصل لمن أراد متابعتنا في حلقتنا القادمة بإذن الله، شكرًا لطيب المتابعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.