شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (085)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. هذا الكتاب يتولى شرح أحاديثه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: قال -رحمه الله-:
"عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: «إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرُفِعَت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، التمسوها في السبع والتسع»."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
راوي الحديث عبادة بن الصامت أحد النقباء في العقبة، سبق التعريف به في حديث البيعة، والحديث كما تقدم دليل على الشق الأول من الترجمة، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وتقدم بيان ذلك.
يقول ابن حجر: فإن قيل: كيف تكون المخاصمة في طلب الحق مذمومة؟ قلت: إنما كانت كذلك لوقوعها في المسجد وهو محل الذكر لا اللغو، ثم في الوقت المخصوص أيضًا بالذكر لا اللغو وهو شهر رمضان، فالذم لما عرض فيها لا لذاتها، ثم إنها مستلزمة لرفع الصوت، ورفعه بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- منهي عنه؛ لقوله تعالى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [سورة الحجرات 2] إلى قوله: {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [سورة الحجرات 2] قال: ومن هنا يتضح مناسبة الحديث للترجمة، ومطابقتها له، وقد خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب، قد يقول قائل: هل في الحديث ما يدل على حبوط العمل؟ ليس في الحديث ما يدل على حبوط العمل، لكن التلاحي ورفع الصوت في المسجد وفي رمضان وبحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورفع الصوت بحضرته -عليه الصلاة والسلام- جاء الوعيد فيه {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [سورة الحجرات 2] إلى قوله: {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [سورة الحجرات 2] قال: ومن هنا يتضح مناسبة الحديث للترجمة ومطابقتها له، وقد خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب.
يعني الكلام هذا من الحافظ كلام جيد في غاية الجودة، لكن هل هذا الكلام قاله الحافظ ابتداءً أو نقله من غيره، أو نقل بعضه وأتى بالبعض الآخر؟ هذه معركة حصلت بين الحافظ -رحمه الله تعالى- وبين العيني، العيني يقول: وجه المطابقة من حيث أن فيه ذم التلاحي، وأن صاحبه ناقص؛ لأنه يشتغل عن كثير من الخير بسببه بسبب التلاحي، سيما إذا كان في المسجد، وعند جهر الصوت بحضرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بل ربما ينجر إلى بطلان العمل وهو لا يشعر، قال تعالى: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [سورة الحجرات 2] يعني كلام قريب جدًّا من كلام الحافظ، وقال بعضهم، العيني يقول: وقال بعضهم، وإذا قال بهذا الأسلوب عبَّر عن المنقول عنه أبهمه، وقال بعضهم يريد بذلك ابن حجر، وقال بعضهم: بعد أن أخذ هذا الكلام من الكرماني، وقال بعضهم، يعني ابن حجر بعد أن أخذ هذا الكلام من الكرماني: ومن هنا يتضح مناسبة الحديث للترجمة ومطابقتها له، وقد خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب، يقول العيني: قلت: إن هذا عجب شديد، يأخذ كلام الناس، وينسبه إلى نفسه، مدعيًا أن غيره قد خفي عليه ذلك، على أن هذا الذي ذكره الكرماني في وجه المطابقة إنما يقاد بالجر الثقيل على ما لا يخفى على من يتأمله، فإذا أمعن الناظر لا يجد لذكر هذا الحديث مناسبة ولا مطابقة للترجمة، هذا كلام مَن؟ العيني، يريد أن يهدم ما بناه الحافظ ابن حجر.
يقول: على أن هذا الذي ذكره الكرماني...، أولاً: العيني جاء في وجه المطابقة قريب جدًّا من كلام الكرماني، وما نقله عنه ابن حجر، ماذا قال العيني؟ وجه المطابقة من حيث أن فيه ذم التلاحي، وأن صاحبه ناقص؛ لأنه يشتغل عن كثير من الخير بسببه، لا سيما إذا كان بالمسجد وعند الجهر بالصوت بحضرة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، بل ربما ينجر إلى بطلان العمل وهو لا يشعر، قال تعالى: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [سورة الحجرات 2] مطابقة ظاهرة، لا خفاء فيها، ثم قال بعد ذلك على أن هذا الذي ذكره الكرماني في وجه المطابقة إنما يقاد بالجر الثقيل على ما لا يخفى على من يتأمله، فإذا أمعن الناظر فيه لا يجد لذكر هذا الحديث مناسبة ولا مطابقة للترجمة، العيني يقرر أمورًا أولاً: أن ابن حجر أخذ الكلام من الكرماني، الأمر الثاني: أن هذا الكلام الذي نقله الحافظ ابن حجر عن الكرماني، فيه خفاء وغموض وتكلُّف بحيث يقاد بالجر الثقيل، إنما يقاد هذا الكلام بالجر الثقيل للتوفيق بين الحديث والترجمة، وقد أقره في وجه المطابقة، أو أقر نحوه العيني في وجه المطابقة، ثم قال: فإذا أمعن الناظر فيه لا يجد لذكر هذا الحديث هنا مناسبة ولا مطابقة للترجمة، نقول: المطابقة ظاهرة؛ لأن من لازم التلاحي رفع الصوت.
المقدم: بحضرة النبي...
بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد جاء في {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [سورة الحجرات 2] والترجمة: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله، فالمناسبة ظاهرة جدًّا.
ابن حجر في انتقاض الاعتراض وهذا كتاب يرد به ابن حجر على العيني انتقاض الاعتراض العيني يعترض على ابن حجر ينقل كلام ابن حجر ويعترض عليه، ابن حجر يرد على العيني في انتقاض الاعتراض، وهناك آخر تولى المحاكمة بين العيني وابن حجر، ونقلنا منه مرارًا اسمه...
المقدم: المبتكرات في المحاكمة بين العيني وابن حجر.
مبتكرات اللائي والدرر في المحاكمة بين العيني وابن حجر لكنه غير شامل، كتاب غير شامل، ابن حجر في انتقاض الاعتراض رد على العيني كثير مما اعترض به عليه، وبقيت أشياء بيَّض لها ابن حجر، وأشياء لم يستطع الجواب عنها، المقصود أن انتقاض الاعتراض هذا موضوعه ردود من الحافظ ابن حجر، ونقل لاعتراضات العيني عليه.
سائل: الآية قول الله -عز وجل-: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ} [سورة الحجرات 2] وهنا: "تلاحى رجلان" الخطاب بأصله ليس موجهًا للنبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما مر النبي -عليه الصلاة والسلام- بهما في حال الملاحاة؟
لكنه بحضرته -عليه الصلاة والسلام- {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [سورة الحجرات 2] فالملاحاة من لازمها رفع الصوت بحضرته -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن ابن حجر يقول: فيه مناقشات.
سائل: أحسن الله إليك يا شيخ، الآن كتاب انتقاض الاعتراض إذا ضم إليه المبتكرات كم تمثِّل نسبة المحاكمات -أحسن الله إليك- التي تم الرد عليها؟ ومع مَن غالبًا يكون الصواب هل مع ابن حجر أم مع العيني؟ وكم يعني هل بقي الكثير من المحاكمات لم يتم الرد عليها؟ لكم تدوين -أحسن الله إليكم- على هذا؟
المقدم: الأخ يسأل عن كتاب المحاكمات يا شيخ.
المبتكرات مع الانتقاض.
المقدم: نعم.
لأن موضوعهما واحد.
المقدم: نعم، سؤاله يعني لعلنا نعيد سؤاله أيضًا للإخوة المستمعين لو تكرمتم يا شيخ، ماذا كان سؤاله؟
هو يسأل عن مبتكرات اللائي والدرر في المحاكمة بين العيني وابن حجر؛ لأنه ينقل كلام ابن حجر، ويعقِّب بكلام العيني، ويحكم بين الشيخين بكلام في الغالب يؤيد فيه ابن حجر، غالبًا، وليس معنى هذا تعصبًا، لا، هذا هو الواقع؛ لأن العيني يظهر في كثير من اعتراضاته شيء مما يكون بين الأقران، ابن حجر أيضًا تولى الرد والنقض في كثير من المواضع بنسبة 70% مثلاً، وصاحب المبتكرات البوصيري أيضًا تولى الرد في كثير من المواضع، وحكم بينهم بتجرد، وبقيت أمور مدوَّن كثير منها عندنا، وبقي علينا وفات علينا أشياء.
سائل: كثير الباقي -أحسن الله إليك-؟
يعني يمكن 10% يعني بعد كلام ابن حجر، وبعد كلام البوصيري، وما أضفناه إليهما، بقيت أشياء تحتاج إلى إعادة نظر.
قد يقول قائل: ما الداعي إلى نقل مثل هذه الخصومات؟
المقدم: تفيد طالب العلم كثيرًا.
نعم، تُثري الشرح.
المقدم: فيها مشاحة للذهن.
فيها شحن، وفيها شحذ للأذهان، يعني طالب العلم يستفيد منها كثيرًا، نعم الخصومات والمشاحنات والمشادَّة بين أهل العلم لا شك أنها فيها ما فيها مما يخدش في الإخلاص، لكن يبقى أن فيها إثراء للشرح، وفيها شحذ للأذهان تفيد طالب العلم كثيرًا، تخرِّج طلاب علم يفهمون ويناقشون ويأخذون ويردُّون؛ ولذا لا أرى مانعًا من ذكرها أبدًا، بل العكس هي تفيد السامع فائدة لا تقدَّر بقدْرها.
وأيضًا يبقى أن الحافظ ابن حجر هو الأصل في الباب، والعيني ينقل منه ويتعقَّبه، ولا يعني هذا أننا نلغي شرح العيني أبدًا، العيني أبدع في ربع الكتاب الأول، في ترتيب بديع لا نظير له، ابن حجر لا شك أنه أصل في الباب، وعنايته بالصناعة ظاهرة، العيني له إبداع في ترتيب الشرح، وهو في ربع الكتاب الأول يكاد لا يكون له نظير في مثل هذا الترتيب والإبداع، ثم جاء القسطلاني فاختصر الكتابين فهو خلاصة ما في فتح الباري وعمدة القاري.
المقدم: لكن لم يتعرَّض للمحاكمات...
يعني قد يذكر إن العيني تعقَّب ابن حجر بكذا والجواب كذا باختصار شديد، وأصل هذه الشروح الثلاثة وعمدتها الكرماني، الكرماني ذكرنا مرارًا أنهم ينقلون منه كثيرًا، ويتعقَّبونه وهو الأصل في هذا الباب، نعم فيه أوهام، الكتاب فيه أوهام، لكن لا يعني أنه لا فائدة فيه، فالشروح الأربعة في غاية الأهمية لطالب العلم.
نعود إلى كلام ابن حجر في انتقاض الاعتراض يقول: فيه مناقشات:
الأولى: دعواه أخذ الكلام من الكرماني ولا زيادة؛ لأن العيني يقول: بعد أن أخذ هذا الكلام من الكرماني، معناه أن ابن حجر أخذ الكلام من الكرماني بحروفه بلا زيادة، ابن حجر يرد هذا، ويقول: دعواه أخذ الكلام من الكرماني ولا زيادة يوهم أخذ جميعه من غير تصرف فيه بنقص وليس كذلك، ومن أراد بيان ذلك فليتأمل ما ذكره الشارح هنا، وفيما ذكره الكرماني فيظهر له التفاوت، نعم فيه تفاوت بين كلام الكرماني وكلام ابن حجر.
الثانية: قوله مدَّعيًا أن غيره قد خفي عليه ليس كذلك، ماذا يقول العيني؟ العيني يقول: مدَّعيًا أن غيره قد خفي عليه كذلك، ابن حجر عبارته على التحرير: وقد خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب، فيه فرق بين العبارتين.
المقدم: صحيح كونه على غيره غير على كثير.
نعم، ما في شك.
الثانية قوله: مدَّعيًا أن غيره قد خفي على عليه ليس كذلك، وإنما ذكر أنه خفي على كثير، فليس فيه دعوى خفاء ذلك على غيره بطريق التعميم، فإن مفهومه أن القليل منهم لم يخف عليه ذلك فيدخل الكرماني.
الثالثة: دعواه نفي المناسبة والمطابقة؛ لأن العيني ماذا يقول؟ فإذا أمعن الناظر فيه لا يجد لذكر هذا الحديث هنا مناسبة ولا مطابقة للترجمة.
الثالثة: دعواه نفي المناسبة والمطابقة بعد التأمل مكابرة، ويكفي في الرد عليه أنه نافٍ، والسابق مثبت، والمثبت مقدَّم على النافي، والذي لا ارتياب فيه أن المناسبة والمطابقة ظاهرة، ولا سيما عند التأمل، يعني إذا استحضرنا آية الحجرات يبقى خفاء؟ لا يبقى خفاء؛ لأن من لازم الملاحاة رفع الصوت، ومن لازم رفع الصوت حبوط العمل بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، والترجمة: "بابُ خوف المؤمن أن يحبط عمله" فالمطابقة ظاهرة، وحاصله أن ارتكاب المؤمن ما نهي عنه قد يحبط عمله وهو لا يشعر لتهاونه، كما في رفع الصوت بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لقوله تعالى في ذلك: {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [سورة الحجرات 2].
وقد ظهر أثر ذلك من رفع صوت المتخاصمَين بحضرته -صلى الله عليه وسلم- حيث مُنعوا معرفة ليلة القدر التي كان يحصل بمعرفتها من الخيرات ما شاء الله، يعني من شؤم هذه الملاحاة وهذه المخاصمة من شؤمها، والأصل أن الملاحاة والمخاصمة في طلب الحق، يعني كون الإنسان يطلب حقه من خصمه يلام على ذلك؟ لا يلام، إنما جاء اللوم من جهات: أولاً: كونه في المسجد كما تقدمت الإشارة إليه، وكونه في رمضان، وكونه بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: وقد ظهر أثر ذلك من رفع صوت المتخاصمَين بحضرته -صلى الله عليه وسلم-، حيث مُنعوا معرفة ليلة القدر التي كان يحصل بمعرفتها من الخيرات ما شاء الله، على أن رفعها أيضًا...
المقدم: خير.
عسى أن يكون خيرًا، على ما جاء في الحديث، وسيأتي التنبيه عليه.
الرابعة: تعجُّبه ممن يأخذ كلام الناس وينسبه لنفسه، ماذا يقول؟
المقدم: عجبًا له كيف أخذ كلام الناس ونسبه إلى نفسه.
نعم، يقول: قلت: هذا عجيب شديد يأخذ كلام الناس وينسبه إلى نفسه، هذا كلام العيني.
الرابعة: تعجبه ممن يأخذ كلام الناس وينسبه لنفسه، وينسى نفسه، مع ظهور الفرق بين الآخذِين، فإن غيره إن أخذه تصرف فيه بنوع من التصرفات المناسبة، وأما هو فيأخذ كلام الشارح المذكور، يعني كلام ابن حجر، فيأخذ كلام الشارح المذكور...
المقدم: أو كلام الكرماني يا شيخ؟
لا، هو يأخذ كلام ابن حجر، كلهم ينقلون من الكرماني، كلهم يتفقون على النقل من الكرماني؛ لأنه متقدم عليهم، لكن العيني أثبت ابن حجر، ومن قرأ الكتابين، وقارن بينهما أن العيني يأخذ الورقة كاملة من ابن حجر ولا ينسبها إليه، ومثل ما ذكرنا لا شك أن هذا نقص في الجملة، نقص، وخلل في التصنيف، لكن يبقى أنه أضاف إضافات لا يستغنى عنها، يعني نكرر أن شرح العيني لا يستغني عنه طالب علم مع هذا كله، يعني فوائد لغوية، لطائف، وأمور يعني..، ولا سيما فيما يتعلق في الأحكام أفاض فيها العيني أكثر من ابن حجر، ينقل؛ لأن العيني فقيه حنفي، يهتم بالفقه من هذا الجانب، ابن حجر تهمه الصناعة الحديثية بالدرجة الأولى، أيضًا يذكر ما يستنبط من الأحاديث، ويستطرد في ذكر الأقوال والأدلة، ويرجح، وهو أيضًا شافعي يميل مع مذهبه، لكن يبقى أن شرح العيني في ترتيبه وتنظيمه، شرح الحديث يقسمه إلى أمور، يعني يذكر المناسبة، مناسبة الحديث للباب، ومناسبة الباب هذا للذي قبله، ثم يترجم للرواة، ثم يذكر اللطائف الإسنادية، ثم يذكر شرح الغريب، ثم يذكر... يعني يرتب ترتيب بديع جدًّا، لاسيما في ربع الكتاب الأول، أما في ثلاثة أرباعه...
المقدم: بدأ يأخذ من غيره.
ما هو يأخذ، خَفَّ خَفَّ كثيرًا، خَفَّ الشرح كثيرًا، والحافظ ابن حجر قيل له: لماذا لا تعتني بالبلاغة والبيان والبديع والأسئلة والأجوبة؟ قال: إن من اعتنى بذلك اعتمد على كتاب ناقص وسوف يقف إذا وقف الكتاب. على كل حال أكرر أن الشروح هذه لا يستغني عنها طالب علم، لا شرح ابن حجر، ويأتي هذا بالدرجة الأولى، لكن لو كمل شرح الحافظ ابن رجب لكان على رأس القائمة، لكن شرح ابن رجب ناقص، وفيه خروم، مع أن الكلام الذي فيه من أبدع ما يقال على الأحاديث؛ لأنه يشرح الأحاديث بنفس السلف، ابن رجب -رحمه الله-، فيستفيد طالب العلم من ابن رجب، ويستفيد من ابن حجر، ويستفيد من العيني، ويستفيد من الكرماني، يستفيد من القسطلاني، كل هذه شروح لا بد لطالب العلم من اقتنائها، والإفادة منها.
المقدم: تأذن لنا بإعادة أسماء الشروح -أحسن الله إليك- واحدة واحدة إذا ممكن من باب التذكير.
تعرفون أن الشروح للبخاري كثيرة جدًّا.
المقدم: لكن التي أشرت إليها، الخمسة.
التي يمكن أن يستغني بها طالب العلم.
المقدم: نعم.
ابن رجب.
المقدم: الذي هو؟
فتح الباري.
المقدم: فتح الباري جميل.
فتح الباري لابن حجر، وقد استفاد من ابن رجب في مواضع، وأشار إليه؛ ولذا يُتعجب من كونه سمى الكتاب فتح الباري مع أن هناك كتاب سابق اسمه فتح الباري، وقد اطلع عليه الحافظ ابن حجر، اطلع عليه ونقل منه.
شرح العيني...
المقدم: مسمى كذا شرح العيني.
عمدة القارئ.
المقدم: عمدة القارئ، يعني نود نذكر الاسم حتى المستمع يقيده.
طيب، إرشاد الساري للقسطلاني؛ لأنه يجمع بين الشرحين، يعني من أراد الاختصار، ولإرشاد الساري ميزة رددنها مرارًا وهي العناية بضبط ألفاظ الصحيح في الأسانيد والمتون، وصيغ الأداء، ينبه على كل شيء بالحرف بخلاف غيره، أيضًا شرح الكرماني الذي هو أصل لهذه الشروح وعمدتها.
المقدم: المسمى؟
المسمى: الكواكب الدراري، لكن المشتهر بالكرماني على البخاري، كتاب نفيس، وفيه لطائف، وممتع، شرح ممتع، ومختصَر، يستفاد منه، على أوهام يسيرة فيه، ردها الشراح من بعده.
في كلام الحافظ ابن حجر، الرابعة: تعجبه ممن يأخذ كلام الناس وينسبه لنفسه وينسى نفسه مع ظهور الفرق بين الآخذين، فإن غيره إن أخذه تصرف فيه بنوع من التصرفات المناسبة، وأما هو فأخْذه لكلام الشارح المذكور واضح لا يحتاج إلى استدلال، فما من باب من أول الكتاب إلى هنا ولا حديث إلا وقد أخذ من كلام الشارح فيه الكثير منه بألفاظه وبمعناه، ثم ذكر أمثلة كثيرة من نقل العيني من كتابه فتح الباري، كلامًا طويلاً ينقله بحروفه -رحمة الله على الجميع-، وعرفنا ما في ذلك من الفائدة.
وقوله في الترجمة: بابُ خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر؛ يُفهَم منه أن الإنسان مؤاخذ بالعمل الذي لا قصد له فيه، وهو ما يدل له قوله تعالى: {وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [سورة الحجرات 2] يعني الكلام على الشق الأول من الترجمة مناسبته هنا...
المقدم: ظاهرة.
لأن الحديث الثاني مؤيِّد للشق الأول من الترجمة على ما تقدم، كما أن الحديث الأول مناسب للشق الثاني، الحديث الثاني مناسب للشق الأول، الحديث الأول مناسب للشق الثاني، يعني هذا قريب جدًّا مما يقوله النحاة: إذا وجدنا حالين لصاحبين، رأيت زيدًا مصعدًا منحدرًا ما تدري من المصعد؟ ومن المنحدر؟ ماذا يقولون؟ فأول الحالين لثاني الاسمين، وثاني الحالين لأول الاسمين، يعني هذا مطابق جدًّا لما نحن فيه، يعني لف ونشر غير مرتب، وقد سبق أن أشرنا إليه.
قوله في الترجمة: بابُ خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر؛ يفهم منه أن الإنسان مؤاخذ بالعمل الذي لا قصد له فيه، وهو ما يدل له قوله تعالى: {وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [سورة الحجرات 2] وفي شرح ابن بطال قال أبو الزناد: إنما يحبط عمل المؤمن وهو لا يشعر إذا عد الذنب يسيرًا فاحتقره، وكان عند الله عظيمًا، وليس الحبط هنا بمُخرِج من الإيمان، وإنما هو نقصان منه، ولا قوله: {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [سورة الحجرات 2] يوجب أن يكفر المؤمن وهو لا يعلم؛ لأنه كما لا يكون الكافر مؤمنًا إلا باختيار الإيمان على الكفر والقصد إليه فكذلك لا يكون المؤمن كافرًا من حيث لا يقصد إلى الكفر ولا يختاره رحمة من الله تعالى لعباده، والدليل على صحة هذا قوله: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} [سورة التوبة 115] وأجاب ابن حجر بقريب من كلام أبي الزناد، فحمل ذلك على ما إذا علم أنه ذنب لكنه لا يعلم أنه كبيرة، كما قيل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير» أي عندهما، ثم قال: «وإنه لكبير» أي في نفس الأمر، قد يعرف الإنسان أن هذا معصية، ويعرف أن هذا منهي عنه، لكن ما يعرف أن هذا حجم هذه المعصية «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله» يعرف أنها من سخط الله لكنه لا يلقي بالاً لعظم هذه المسألة، لعظم هذه الكلمة «فيهوي بها في النار سبعين خريفًا» نسأل الله العافية.
أقول: وهذا موجب للخوف الشديد والوجل والتحري، الوجل من حبوط العمل، كما في الترجمة بسبب ارتكاب السيئات والخوف من رد العمل الصالح، وعدم قبوله لما يقترن به من سوء قصد، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [سورة المؤمنون 60] وقد سألت عائشة -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: أهم الذين يزنون؟ أهم الذين يشربون؟ أهم الذين يزاولون المنكرات؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا يا ابنة الصديق هم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وخائفون ألا يُتقبل منهم».
وقال بعض السلف في قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [سورة الزمر 47] قال: أعمال كانوا يحتسبونها حسنات بدت لهم يوم القيامة سيئات بسبب قلة الإخلاص أو لتعديهم السنة، وركوبهم بالتأويل وجوه الفتنة، {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [سورة الزمر 47] هذه الآية يمر بها القارئ ولا تحرك ساكنًا عنده، من قرأ شرح ابن رجب على الأربعين حول هذه الآية ووجد حال السلف إذا قرؤوا مثل هذه الآية، يعني العالم يدرس في حلقة في المسجد، ويخشى أن يكون تدريسه من هذا الباب {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [سورة الزمر 47] يتصور أن هذا العلم في ميزان حسناته فيفاجأ أنه في ميزان السيئات نسأل الله العافية.
{وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [سورة الزمر 47] قال: أعمال كانوا يحسبونها حسنات بدت لهم يوم القيامة سيئات، بسبب قلة الإخلاص، أو لتعديهم السنة، وركوبهم بالتأويل وجوه الفتنة.
المقدم: جزاك الله خيرًا يا شيخ، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل كما نسأله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير.
سوف نستكمل -بإذن الله تعالى- ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث في حلقة قادمة. تابعونا مستمعي الكرام. حتى ذلكم الحين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.