شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (173)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة، ضمن برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، هذا الكتاب يتولى شرح أحاديثه صاحب الفضيلة، الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، والذي يسرنا أن نرحب به مع مطلع هذه الحلقة، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: نحن على وشك إنهاء حديث أبي موسى -رضي الله عنه-، في باب تعليم الرجل أمته وأهله، لعلكم تتفضلون باستكمال ما تبقى.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحلقة السابقة بدأنا في شرح قوله: «ثم أعتقها فتزوجها»، وهل للصداق ذِكر أو لا كما في رواية الباب؟ مع أنه جاء في رواية البخاري لهذا الحديث، في كتاب النكاح، أن النبي- عليه الصلاة والسلام-..
المقدم: «أعتقها ثم أصدقها».
قال: «أعتقها ثم أصدقها».
المقدم: نعم.
وجاء من حديث أنس «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها»؛ فدل على أن العتق يكفي، لكن الاكتفاء بالعتق قال به سعيد بن المسيب، وإبراهيم، وطاوس، والزهري، والإمام أحمد، والثوري، وأبو يوسف، وإسحاق، إذا أعتقها يكفي عن ذكر الصداق، وآخرون قالوا: إنَّ هذا من خصائصه-صلى الله عليه وسلم- في كلام تقدم ذكره، وعرفنا أن النبي- عليه الصلاة والسلام- له في هذا الباب في باب النكاح خصائص، ومنها مما ذكرناه، اختصاصه بالواهبة، المذكورة في سورة الأحزاب، {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا} [سورة الأحزاب:50] يعني بدون إيش؟
المقدم: صداق.
صداق، لكنه جاء ما يدل على الخصوصية من قوله: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الأحزاب:50]؛ فمن خصائصه: نكاح من وهبت نفسها له دون صداق، ولا يصح من غيره، وليكن هذا منه، أعتق صفية وجعل..
المقدم: صداقها.
عتقها صداقها، يقول ابن كثير: أي: ويحل لك أيها النبي المرأة المؤمنة إن وهبت نفسها لك أن تتزوجها بغير مهر، إن شئت ذلك، ونقول في قصة الواهبة في صحيح البخاري وغيره: النبي- عليه الصلاة والسلام- طلب لمن طلب هذه الواهبة.
المقدم: «التمس ولو خاتمًا».
«زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة» قال له: «التمس ولو خاتمًا من حديد»، فدل على أن المهر لا بد منه من غير النبي- عليه الصلاة والسلام-، يقول القرطبي فيما نقله ابن حجر: منع من ذلك مالك وأبو حنيفة؛ لاستحالته.
المقدم: استحالة إيش؟
منع من ذلك، أن يكون العتق هو الصداق، يقولون مستحيل، مستحيل أن يكون العتق هو الصداق، كيف؟
المقدم: لأنه لا يعتبر عتقًا أم لا يا شيخ، لو أخذ عليه قيمة، جعله مقابل شيء، يكون عتقًا أو يكون بيعًا؟
لا، هم نظروا إلى ملحظ، هل يقع العتق قبل تمام العقد؟ فتملك نفسها، فلها أن ترفض؟ إذا وقع العتق صارت حرة.
المقدم: نعم.
أو يقع العقد قبل تمام العتق.
المقدم: فيكون تزوج أمة.
نظروا إليها من هذه الحيثية، ولها.. يثار بعض الأحيان، أن مثلًا الزواج الذي يُسمى الآن في عرف الناس "المسيار" المرأة التي تتزوج وتتنازل عن بعض حقوقها، فيقول بعضهم ممن يريد إبطال مثل هذا يقول: إنها تتنازل قبل أن تملك، وقع التنازل قبل أن تملك الحق.
المقدم: نعم.
نعم، لكن هذا جارٍ في جميع العقود، لو أنت خرجت بسيارتك إلى السوق، وعرضتها بخمسين ألفًا، ثم مع المماكسة، تنازلت عن عشرة فصارت بأربعين، هل نقول بأنك تنازلت عن هذه العشرة قبل أن تستحقها؟ هذا وقت التنازل.
المقدم: صحيح.
نعم لا يمكن أن يتم الأمر إلا بمثل هذا، يعني هل يقول قائل بأنك تنازلت عن العشرة قبل أن تملكها؛ إذًا لا يصح تنازلك، فيكون لك خمسون؟ ما يقول أحد بهذا، وهذه المرأة تنازلت قبل أن تملك، لكنها في مآلها إلى الملك، فما يؤول إلى الملك، فلا مانع من التنازل قبل حصول العقد، وهكذا الشروط كلها، الشروط كلها إما إضافة حقوق، أو تنازل عن حقوق، وتكون قبل تمام العقد، هل الشروط تقع بعد تمام العقد أو قبله بين الطرفين؟ قبله، قبل أن يملك البائع القيمة وقبل أن يملك المشتري السلعة، فمعنا في هذه المسألة يقول: منع من ذلك مالك وأبو حنيفة لاستحالته، وتقرر استحالته بوجهين: أحدهما أن عقدها على نفسها إما أن يقع قبل عتقها، وهو محال؛ لتناقض الحكمين، الحرّية والرّق، إما أن يقع عقدها على نفسها قبل العتق، وهو محال.
المقدم: وهذا محال.
لتناقض الحكمين، الحرّية والرّق، فإن الحرّية حكمها الاستقلال والرّق ضده، وإما بعد العتق، فلزوال حكم الجبر عنها بالعتق، إذا أعتقها، إن تزوجها قبل أن يعتقها.
المقدم: ما صار.
ما صار؛ لأنها لا تملك القبول، ما تملك القبول هي.
المقدم: صحيح.
نعم، أو ما تملك الإيجاب، لا تملك؛ لأنها مازالت في الرّق، وإن كان...
المقدم: أعتقها، قبل النكاح.
إن كان العتق قبل النكاح فتملك نفسها، ولها حق الرفض حينئذٍ، لها حق الرفض حينئذٍ؛ لأنها صارت حرة. وأما بعد العتق، فلزوال حكم الجبر عنها بالعتق، فيجوز أن لا ترضى، وحينئذٍ لا تُنكح إلا برضاها. الوجه الثاني أنا إذا جعلنا العتق صداقًا، فإما أن يتقرر العتق حالة الرّق، وهو محال؛ لتناقضهما، أو حال الحرّية فيلزم أسبقيته على العقد، فيلزم وجود العتق حالة فرض عدمه، وهو محال؛ لأن الصداق لابد أن يتقدم تقرره على الزواج، إما نصًّا، وإما حكمًا، حتى تملك الزوجة طلبه، لكن ماذا نقول عن مثل هذا؟ يعني لا شك أن المفاوضات التي تطلب بعد العقد، إنما يراد منها التوقيف على صحة العقد، يعني إذا صح العقد طلبت هذه الأمور، فهي مرجأة إلى تمام العقد، وعلى كل حال هذه علل عقلية في مقابلة النص الصحيح الصريح، فلا قيمة لها، ولو قلنا بها لأتينا على النص بالإبطال فهي باطلة.
المقدم: صحيح.
وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، مادام صح الخبر بمثل هذه الصورة، لا كلام لأحد. يرى ابن بطال أن الصداق لا بد منه؛ لأنها صارت حرة؛ فلها حكم الحرائر، وعدم ذكره في الحديث للعلم به، عدم ذكره في الحديث للعلم به؛ لأنه مقرر في نصوص أخرى، ولا يلزم أن يكرر ما قرر في نصوص أخرى في كل مناسبة؛ يعني مثل ما قيل؛ الثلاثة الذين أووا إلى المسجد والنبي- عليه الصلاة والسلام- جالس أحدهم أوى فأواه الله، والثاني استحى فاستحيا الله منه، والثالث..
المقدم: أعرض فأعرض الله عنه.
أعرض فأعرض الله عنه، ليس فيه ذكر أنهم سلموا.
المقدم: نعم.
هل معنى هذا أن السلام ليس بمطلوب؟ نقول: السلام مقرر بنصوص كثيرة، ولا يلزم نقله في كل مناسبة، وأيضًا رد النبي- عليه الصلاة والسلام- بمرحبًا، ولم يقل: "وعليكم السلام"، لا يعني أنه لم يرد التحية بأحسن منها، فعدم الذكر ليس ذكرًا للعدم.
«فله أجران»، الضمير يرجع إلى الرجل الأخير، «ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، إلى أن قال: « فله أجران» الضمير يرجع إلى الرجل الأخير، وإنما لم يقتصر على قوله: "لهم أجران" لم يقتصر على قوله: "لهم أجران" مع كونه داخلًا في الثلاثة.
المقدم: صحيح.
بحكم العطف؛ لأن الجهة كانت فيه متعددة، وهي التعليم، والتأديب، والعتق، والتزويج، الجهة كانت متعددة، تعليم، وتأديب، وعتق، وتزويج، وكانت مظنة أن يستحق من الأجر أكثر من ذلك، فأُكد بقوله: "فله أجران".
المقدم: فله أجران.
لو اقتصر في الحديث «ثلاثة لهم أجران» ولم تذكر هذه.
المقدم: أعُتقد أنه له أجور على كل واحدة.
أربعة، أربعة أجور، وكانت مظنة أن يستحق من الأجر أكثر من ذلك فأعاد قوله: "فله أجران" إشارة إلا أن المعتبر من الجهاد أمران، وإنما اعتبر اثنين فقط؛ لأن التأديب والتعليم يوجبان الأجر في الأجنبي، والأولاد، وجميع الناس، فلم يكن مختصًّا بالإماء، فلم يبقَ الاعتبار إلا في العتق، والتزوج، وإنما ذكر الأخيرين؛ لأن التأديب والتعليم أكمل للأجر إذ تزوج المرأة المؤدبة المُعلمة أكثر بركة وأقرب إلى أن تُعين زوجها على دينه.
مفهوم كلامهم في هذا: أن المعتبر من الجهات الأمران فقط، وهو "العتق والتزويج"، وأما "التعليم والتأديب" لا يستقل بهما، أو يختص بهما الأمة، فهما مطلوبان من كل أحد، قالوا: لأن التأديب والتعليم يوجبان الأجر في الأجنبي، والأولاد، وجميع الناس، فلم يكن مختصَّا بالإماء فلم يبقَ الاعتبار إلا في العتق والتزوج، وإنما ذكر الأخيرين؛ لأن التأديب والتعليم أكمل للأجر، إذ تزوج المرأة المؤدبة المُعلمة، أكثر بركةً وأقرب إلى أن تعين زوجها على دينه، قاله القسطلاني، مفاده أن الأجرين علقا على العتق والتزويج، دون التأديب والتعليم؛ لأن التأديب والتعليم يشترك فيه الأمة، والزوجة، والولد، والجار، والناس كلهم، والأجران إنما كانا للعتق والتزويج، لكن ماذا عما لو كانت عنده أمة، فلم يعلمها، ولم يؤدبها، بل اقتصر على عتقها والتزوج بها، يحصل له الأجران؟ ما يظهر؛ لأن الأجر رتب على جميع ما تقدم. أدبها فأحسن تأديبها، علمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فالأجر المرتب المضاعف هنا على الأمور المتقدمة، ولو قلنا إن التأديب والتعليم بمنزلة أمر واحد يستحق عليه أجر، والعتق والزواج بمنزلة أمر واحد يستحق عليه الأجر الثاني، فما احتجنا إلى أن نعدد الأجور إلى أربعة، ولا احتجنا إلى أن نلغي الأدب وهو مقصود، والتعليم كما يقول القسطلاني، ثم قال: وعطف ب(ثم) في العتق وبالسابق بالفاء، أدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها، يعني يقول ثم قال القسطلاني: وعطف ب(ثم) في العتق وفي السابق بإيش بالفاء أم بالواو؟
المقدم: السابق الذي هو..
الجملة السابقة، وعطف ب(ثم) في العتق وفي السابق بالفاء.
المقدم: بالواو والفاء.
هو يقول: "بالفاء".
المقدم: بالواو والفاء عندنا.
الآن عندنا جمل.
المقدم: طيب.
«أدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها»، هل العتق عتق التعليم علمها " بالفاء" أم "بالواو"؟
المقدم: "بالفاء" «فأحسن تعليمها».
جملة «أدبها فأحسن تأديبها»، هذه جملة، «وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها»، عندنا الفاء كررت مرتين، فأحسن، وفأحسن، لكن هل «ثم أعتقها» معطوفة على «فأحسن»، أم على «وعلمها»؟
المقدم: لا «وعلمها».
إذًا العطف بأيش؟
المقدم: ثم والواو.
عندنا ثلاث جمل، «أدبها فأحسن تأديبها»، هذه جملة، «علمها فأحسن تعليمها»، هذه جملة، «ثم أعتقها فتزوجها»، الجملة الثالثة.
المقدم: نعم.
الآن العطف بقوله علمها، أدبها، فأحسن تأديبها هذه جملة عطف عليها، وعلمها.
المقدم: بالواو.
بالواو، ثم أعتقها. فعندنا المنظور إليه الجمل الثلاثة، يعني هل الآن «ثم أعتقها» معطوفة على «فأحسن»، أم «وعلمها»؟ عندنا «وعلمها فأحسن تعليمها» معطوفة على..
المقدم: «أدبها فأحسن تأديبها».
«أدبها فأحسن تأديبها».
المقدم: ثم أعتقها فتزوجها، معطوفة على أيهما؟ عليهما معًا؟
على الجملتين، لكن الجملة التي قبلها بالواو، والجملة التي قبلها بإيش؟
المقدم: بالفاء.
فأحسن، فأدبها، عندك فأدبها، وعلمها، ثم أعتقها، ثلاث جمل.
المقدم: صحيح.
الجملة الأولى: فأدبها، والثانية: وعلمها، والثالثة: ثم أعتقها، هذه جمل متعاطفة، يقول عطف ب(ثم) في العتق وفي السابق بالفاء؛ لأن التأديب والتعليم ينفعان في الوطء، بل لا بد منهما فيه، والعتق نقل من صنف إلى صنف، ولا يخفى ما بين الصنفين من البعد، بل من الضدية في الأحكام، والمنافاة في الأحوال، فناسب لفظًا دالًّا على التراخي بخلاف التأديب وغيره مما ذكر، كأنه يريد ب(ثم)، العطف على فأدبها.
المقدم: نعم.
يقول الكرماني: فإن قلت: ما العلة في التخصيص بهؤلاء الثلاثة؟ والحال أن غيره أيضًا كذلك مثل من صلى وصام، فإن للصلاة أجرًا وللصوم أجرًا، وكذا مثل الولد إذا أدى حق الله وحق والديه، يقول الولد إذا أدى حق الله وحق والديه، يستحق أجرًا واحدًا أم أكثر؟
المقدم: أجرين.
أجرين أم أجور على كل عباده أجر؟
المقدم: المفروض أجور.
يقول: فإن قلت: ما العلة في التخصيص بهؤلاء الثلاثة، والحال أن غيره أيضًا كذلك، مثل من صلى وصام، فإن للصلاة أجرًا وللصوم أجرًا، هذا ما ينتهي، لو دخلنا في مثل هذا، للزكاة أجر، للجهاد أجر، لبر الوالدين أجر، لجميع المطلوبات أجور، فمثل هذا لا ينتهي.
المقدم: صحيح.
المثال القريب، يقول: مثل الولد إذا أدى حق الله وحق والديه، واضح أم ليس بواضح؟ أليس هو بقريب للعبد الذي أدى حق الله وحق مواليه؟ فيه وجه شبه.
المقدم: صحيح.
لكن أيضًا حق الوالدين، مثل بقيه الحقوق الواجبة في أصل الشرع؛ لأنه لا يذكر مثل هذا؛ لأن عنده من الحرّية ما يستطيع معها التوفيق بين جميع هذه الأمور، لكن بالنسبة للعبد، إنما ينص عليها؛ لأنه ليس لديه من الحرّية...
المقدم: ما يستطيع به تحقيق هذه الحقوق.
ما يستطيع أن يوفق بها بين الحقوق كلها؛ فاستحق الأجرين. قلت: الفرق بين هذه الثلاثة وغيرها، أن الفاعل في كل منها جامع بين أمرين بينهما مخالفة عظيمة، كان الفاعل لهما فاعل للضدين، عاملًا بالمتنافيين، بخلاف غيره، وقال ابن بطال: " الذي يعتق أمته فيتزوجها فله أجر العتق والتزويج، وأجر التأديب والتعليم؛ أجر العتق والتزويج، هذا واحد، وأجر التأديب والتعليم أيضًا هذا.
المقدم: أخر..
واحد، ومن فعل ذلك فهو مفارق للكبر، آخذ بحظ وافر من التواضع. يعني كيف يتزوج زواجًا ما هو بـ "ملك اليمين"، يتزوج من كانت "أمة".
المقدم: قد أدبها وعلمها.
نعم، هذا يقول:" مفارق للكبر، آخذ بحظ وافر من التواضع، وتارك للمباهاة بنكاح ذات شرف ومنصب"، المسألة مفترضة في حر يتزوج من كان أصلها أمة.
وهذا الحديث خرجه الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- في سبعة مواضع: الأول: هنا في كتاب العلم، في باب تعليم الرجل أمته وأهله، قال: أخبرنا محمد، وهو ابن سلام، قال: حدثنا المحاربي قال: حدثنا صالح بن حيان قال: حدثنا عامر الشعبي قال: حدثني أبو بردة عن أبيه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لهم أجران،..»، فذكره، وسبق ذكر مناسبته، وقال بعده: ثم قال عامر:" أعطيناكها بغير شيء قد كان يُركب فيما دونها إلى المدينة ".
قال عامر: هو الشعبي الراوي، الذي يروي عن أبي بردة، يقول عامر الشعبي: " أعطيناكها " وظاهر الخطاب أنه يخاطب به صالح بن حيان الراوي عنه، ولهذا جزم الكرماني بقوله:" الكاف لصالح" يعني الخطاب بالكاف لصالح بن حيان الراوي عن الشعبي. قال ابن حجر: وليس كذلك، بل إنما خاطب بذلك رجلًا من أهل خراسان، سأله عمن يعتق أمته ثم يتزوجها.
المقدم: فأعطاه الحديث.
نعم، كما سنذكره في ترجمة عيسى- عليه السلام- من هذا الكتاب- إن شاء الله تعالى- في أحاديث الأنبياء.
المقدم: نعم.
" بغير شيء" أي من أمور الدنيا، وإلا فالأجر الأخروي حاصل له- إن شاء الله تعالى- يعني على التبليغ، وهكذا ينبغي أن يعلم المرء مجانًا كما عُلم مجانًا، ومسألة أخذ الأجرة على التحديث مسألة معروفة عند أهل العلم، المرجح عند الجمهور جوازها، كالقرآن «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله» والورع شيء آخر؛ يعني من تورع وعلّم مجانًا وادخر أجره في الآخرة هذا لا شك أنه أكمل.
"قد كان يركب فيما دونها "، أي يرحل لأجل ما هو أهون منها، والضمير عائد على المسألة، والرحلة سُنة معروفة عند أهل الحديث، وسبق الكلام عنها. إلى المدينة يعني النبوية، إلى مدينة النبي- عليه الصلاة والسلام- لما كان الصحابة والتابعون متوافرين فيها، وبعد تفرقهم في الأمصار، اكتفى أهل كل بلٍد بعلمائِه إلا من طلب التوسع في العلم فرحل، وإنما قال الشعبي ذلك؛ تحريضًا للسامع؛ ليكون ذلك أدعى لحفظه وأجلب لحرصه، والله المستعان، لا لإظهار المنّة عليه، هل يتصور أنه يقول: " أعطيناكها بغير شيء" منة؟
المقدم: منة.
يريد بذلك المنّة عليه؟ أبدًا، وقد روى الدارمي بسند صحيح عن مسلم بن عبيد الله قال: «إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار» في الحديث الواحد، وعن أبي العالية قال: كنا نسمع الحديث عن الصحابة، فلا نرضى حتى نركب إليهم فنسمعه منهم.
الموضع الثاني: في كتاب العتق، في باب فضل من أدب جاريته وعلمها، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم سمع محمد بن فضيل عن مطرف عن الشعبي، عن أبي بردة عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من كانت له جارية فعلمها فأحسن إليها، ثم أعتقها وتزوجها، كان له أجران» هكذا مختصرًا، والمناسبة ظاهرة، باب فضل من أدب جاريته وعلمها.
الموضع الثالث: في العتق أيضًا، في باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده، قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: أخبرنا سفيان، عن صالح عن الشعبي، عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: قال النبي- صلي الله عليه وسلم-: «أيما رجلٍ كانت له جارية أدبها فأحسن تعليمها، وأعتقها وتزوجها، فله أجران، وأيما عبد أدى حق الله وحق مواليه فله أجران»، والمناسبة ظاهرة، باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده، وليس فيه التنصيص على عتق العبد، والكتاب كتاب العتق.
المقدم: نعم.
إلا من باب قياسه على الأمة. " وأعتقها " المنصوص على عتقها من باب قياس الأولى؛ لأن قياس الذكور أفضل؛ لأنَّ عتق الذكور أفضل من عتق الإناث؛ فإذا جاء الحث على عتق الأنثى، وعتق الذكر أفضل...
المقدم: من باب أولى.
إذًا من باب أولى.
والرابع: في كتاب العتق أيضًا باب كراهية التطاول على الرقيق، وقول: عبدي أو أمتي، قول الله تعالى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [سورة النور:32]، قال: {عَبْدًا مَمْلُوكًا} [سورة النحل:75]، وقال: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [سورة يوسف:25]، وقال: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [سورة النساء:25] وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «قوموا إلى سيدكم»، و{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [سورة يوسف:42]؛ يعني سيدك، «ومن سيدكم؟»، البخاري يشير لما جاء مما يناسب الباب من نصوص القرآن والسنة، قال: حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو أسامة عن بريدة عن أبي بردة عن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي- صلي الله عليه وسلم- قال: «للملوك الذي يحسن عبادة ربه، ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة، أجران» وهنا قال: "إلى سيده".
المقدم: نعم.
والمناسبة في قوله: "ويؤدي إلى سيده " ففيه جواز إطلاق السيد، وقد جاء فيها المنع والجواز، قال ابن حجر: ويمكن الجمع بأن يُحمل النهي عن ذلك على إطلاقه على غير المالك، والإذن بإطلاقه على المالك، وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا ويكره أن يخاطب أحدًا بلفظه أو كتابته بالسيد، ويتأكد هذا إذا كان المُخاطب غير تقي، فعند أبي داود والمصنف في الأدب من حديث بريدة مرفوعًا: «لا تقولوا للمنافق سيدًا» الحديث ونحوه عند الحاكم، وقد صارت تُطلق على أي أحد، وصار كثيرٌ من الناس- لا سيما أصحاب المعاملات- يطبعون أوراقهم ومستنداتهم على هذا، بحيث تُكتب لكل أحد، المطلوب من السيد، وقبضنا من السيد، مهما كان، يكتب فيها أيضًا وصلنا من السيد. المقصود أنها ابتُذلت وصارت تُستعمل حتى في الموضع الذي نهي عنه، فالله المستعان.
الموضع الخامس: في كتاب الجهاد في باب فضل من أسلم من أهل الكتاب، قال حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا صالح بن حي أبو الحسن، قال: سمعت الشعبي يقول: حدثني أبو بردة أنه سمع أباه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين» فذكره بنحوه، والمناسبة ظاهرة، باب فضل من أسلم من أهل الكتاب، ومناسبة فضل من أسلم من أهل الكتاب في كتاب الجهاد..
المقدم: ظاهرة.
نعم، ظاهرة.
السادس في كتاب أحاديث الأنبياء في باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [سورة مريم:16] والباب معقود لأخبار عيسى- عليه السلام-، والأبواب التي قبله لأخبار أمه مريم، قال: حدثنا محمد بن مقاتل قال: أخبرنا صالح بن حي أن رجلًا من أهل خراسان قال للشعبي، فقال الشعبي: أخبرني أبو بردة عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: فذكره، وفيه «وإذا آمن بعيسى ثم آمن بي فله أجران». والمناسبة ظاهرة أيضًا.
والسابع: في كتاب النكاح في باب اتخاذ السراري ومن أعتق جارية ثم تزوجها، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا صالح بن صالح الهمداني، قال: حدثنا الشعبي قال: حدثنا أبو بردة، عن أبيه قال: «أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران»، باب اتخاذ السراري ومن أعتق جارية ثم تزوجها، من كتاب النكاح، وهذا مناسبته ظاهرة.
والحديث أيضًا رواه الإمام مسلم، فهو متفق عليه.
المقدم: جزاكم الله خيرً، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الأخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، نبدأ بحديث آخر - بإذن الله- في الحلقة القادمة وأنتم على خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.