شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (007)

المقدم: أحسن الله إليكم، أيضًا في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم» ونحن نقول: إن القلب له عمل، هل المقصود بهذا قصر هذا الأمر على عمل الجوارح وما ينتج من القول، وبالتالي لا يدخل فيه عمل القلب؟

القصد له مراتب، ومن هذه المراتب: الخاطر، والهاجس، وحديث النفس، والهم، والعزم، هذه مراتب متفاوتة، فالهاجس لا مؤاخذة فيه إجماعًا، ومثله الخاطر وحديث النفس الذي يرتدد ما لم يترتب عليه أثر وعمل، الهاجس الذي يطرأ على الإنسان ويزول، والخاطر الذي يرتدد ثم يزول، وحديث النفس الذي يرتدد في القلب أكثر، هذا كله لا أثر له إلا إذا ترتب عليه عمل من كلام أو فعل بالجوارح، إذا ترتب عليه أُخِذَ به، وأما بالنسبة للهم والعزم ففيهما الأخذ والمؤاخذة؛ لأن المراتب هذه متفاوتة، فكون النبي -عليه الصلاة والسلام- يهم بالتحريق، استدل به أهل العلم على تحريم التخلف عن صلاة الجماعة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- همّ بالتحريق، والهم من أعمال القلب، ومثله العزم، بل هو أقوى منه، ولذا يقول القائل:

مراتب القصد خمسٌ هاجسٌ ذكروا
يليه همٌ فعزمٌ كلها رفعت

 

 

فخاطرٌ فحديثُ النفس فاستمعا
إلا الأخير ففيه الأخذ قد وقعا

 

ويستدل بعضهم على المؤاخذة بالعزم بحديث: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قيل: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه» عازم على قتل صاحبه.

المقدم: بالتالي هناك بعض الأعمال تأتي على هذه المرتبة كما تفضلتم، يعني بعض الأعمال القلبية خطيرة جدًّا، ربما تنقل الإنسان من الإسلام إلى الكفر، فهي تدخل في هذا؟

نعم إذا سعى، إذا سعى لتحقيقه.

المقدم: لو لم يصدر منه فعل، كالبغض مثلاً؟

ما فيه شك أن هذا عمل قلبي، ولذا منهم من يرى أن الحسد لا أثر له ولا مؤاخذة فيه؛ لأنه من عمل القلب من حديث النفس، يرى أنه من حديث النفس، وهذا ما يقرره ابن الجوزي، لكن جمهور العلماء على المؤاخذة بالحسد؛ لأنه عملٌ قلبي، والسعي في إيذاء المحسود قدرٌ زائدٌ على ذلك، فالنصوص إنما جاءت ورتبت على الحسد نفسه، النصوص الواردة في ذم الحسد وتشنيعه إنما جاءت في الحسد نفسه، وأما العمل الذي يورثه هذا الحسد من إيذاء المحسود فقدرٌ زائد على ذلك يؤاخَذ عليه أيضًا.

الكلام عن حديث عمر في الأعمال بالنيات، وأهمية الحديث يطول جدًّا، حتى قال بعض أهل العلم فيما تقدم نقله: أنه ثلث العلم، أو قال بعضهم: ربعه، وقال بعضهم يدخل في ثلاثين بابًا، وقال بعضهم: يدخل في سبعين بابًا من أبواب العلم، كل هذا لأهمية هذا الحديث، وقد أُفرد بالتصنيف، شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في رسالة، وشرحه الجلال السيوطي في رسالة أيضًا، وهناك مباحث وكتب ألفت في النية وفي المقاصد وفي غيرها.

والنية شرطٌ لصحة الأعمال كلها، ومحلها، كما هو معروف القلب باتفاق العلماء، كما يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فإن نوى بقلبه ولم يتكلم بلسانه أجزأته النية باتفاقهم، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: وقد خرج بعض أصحاب الشافعي وجهًا من كلام الشافعي غَلِطَ فيه على الشافعي، فإن الشافعي إنما ذكر الفرق بين الصلاة والإحرام بأن الصلاة في أولها كلام، فظن بعض الغالطين أنه أراد التكلم بالنية، الإمام الشافعي يقول: الفرق بين الصلاة والإحرام أن الصلاة في أولها كلام، هذا الغالط الذي حمل كلام الشافعي على أن مراده به النية والنطق بها غلط على الإمام -رحمه الله تعالى-، ما المانع أن يكون مراد الإمام الشافعي تكبيرة الإحرام؟ يقول -رحمه الله-: فظن بعض الغالطين أنه أراد التكلم بالنية، وإنما أراد التكبير والنية تتبع العلم، فمن علم ما يريد فعله فلا بد أن ينويه ضرورة، من علم ما يريد فعله فلا بد أن ينويه ضرورة كمن قدم بين يديه طعام ليأكله، فإذا علم أنه يريد الأكل فلا بد أن ينويه، بل لو كلف العباد أن يعملوا عملاً بغير نية كلفوا ما لا يطيقون، لا يمكن أن يعمل الإنسان عملا يقصده ويريده ويعلمه أن يعمله بغير نية، وإنما يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وإنما يُتصوَّر عدم النية إذا لم يعلم ما يريد، إذا لم يعلم العامل ما يريد، مثل من نسي الجنابة واغتسل للنظافة أو للتبرد مثل هذا نسي لا يعلم ما يريد، أو من يريد أن يعلِّم غيره الوضوء ولم يرد أن يتوضأ لنفسه، أو من لا يعلم أن غدًا من رمضان فيصبح غير ناوٍ للصوم.

ومن عرف هذا تبين له أن النية مع العلم في غاية اليسر، النية مع العلم بالعمل في غاية اليسر لا تحتاج إلى وسوسة وآصار وأغلال، ولهذا قال بعض العلماء: الوسوسة إنما تحصل للعبد من جهلٍ بالشرع أو خبلٍ في العقل، يعني شخص يمكث الساعات يتوضأ ثم يشك هل نوى أو لم ينو؟! نسأل الله السلامة والعافية، يكبر للإحرام ثم يقرأ ثم يقطع صلاته يشك هل نوى أو لم ينو؟! كل هذا لا يحتاج إليه، إذا قصد الصلاة وذهب إليها عَلِم بها هذه هي النية.

من مصائب بعض الموسوسين أن شخصًا بعد طلوع الشمس وانتشارها في أيام الشتاء طرق علَيَّ الباب، يعني بعد صلاة الفجر بحوالي ساعتين، طرق علَيَّ الباب فقال: أنا لم أستطع أن أصلِّ العشاء، كم لصلاة العشاء الآن؟ أكثر من اثنا عشر ساعة، لم يستطع أن يصلي العشاء، وهو من ذلك الوقت يكبِّر ثم يقطع الصلاة، يكبر ثم يقطعها، هذه بلوى، وأشبه ما تكون بالجنون، ولذا يقول الشيخ -رحمه الله تعالى- ينقل عن بعض العلماء: أن الوسوسة إنما تحصل للعبد من جهلٍ بالشرع أو خبلٍ في العقل.

يقول الشيخ -رحمه الله تعالى­-: وقد تنازع الناس هل يستحب التلفظ بالنية؟ فقال طائفة من أصحاب أبي الحنيفة والشافعي وأحمد: يستحب ليكون أبلغ، قاله بعض المتأخرين من أتباع المذاهب، وقالت طائفة من أصحاب مالك وأحمد: لا يستحب ذلك، بل التلفظ بها بدعة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين لهم بإحسان لم ينقل عن واحدٍ منهم أنه تكلم بلفظِ النية لا في صلاة ولا في طهارة ولا صيام، يعني ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا نقل عنه ولا عن صحابته الكرام لا بسندٍ صحيح ولا ضعيف أيضًا، قالوا: لأنها تحصل مع العلم بالفعل ضرورة، فالتكلم بها نوع هوس، وعبثٌ وهذيان {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} [سورة الحجرات 16] إذا أراد الشخص أن يصلي وقصد الصلاة عالمًا بها غير ناسٍ لها، ويقول: نويت أن أصلي الظهر، نويت أن أصلي كذا، أتعلم الله بدينك؟! يقول الشيخ -رحمه الله تعالى-: قالوا: لأنها تحصل مع العلم بالفعل ضرورة، فالتكلم بها نوع هوس وعبث وهذيان، والنية تكون في قلب الإنسان، ويعتقد أنها ليست في قلبه فيريد تحصيلها بلسانه وتحصيل الحاصل محال. ولذا مما يشترط للعمل المكلف به أن يكون معدومًا، من شروط العمل المكلف به أن يكون معدومًا؛ لأن تحصيل الحاصل وإيجاد الموجود محال، يقول: فلذلك يقع كثيرٌ من الناس في أنواع من الوسواس، واتفق العلماء على أنه لا يسوغ الجهر بالنية لا لإمام ولا لمأموم ولا لمنفرد، ولا يستحب تكريرها، وإنما النزاع بينهم في التكلم بها سرًّا هل يكره أو يستحب. الكلام هل يحرك بها لسانه؟ أما النطق بها والجهر بها هذا بدعة، لا يقول أحدٌ باستحبابه، لكن تحريك اللسان بها ليواطئ اللسان القلب هذا استحبه بعض المتأخرين من المتمذهبة عند الشافعية والحنابلة وبعض الحنفية، وعرفنا أن التلفظ بها لا سرًّا ولا جهرًا لم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- لا بسندٍ صحيح ولا ضعيف ولا عن صحابته ولا التابعين لهم بإحسان.

في الأشباه والنظائر للسيوطي الذي صدَّره بالقواعد الكلية المتفق عليها من القاعدة الأولى: (الأمور بمقاصدها) ذكر من مباحث هذه القاعدة المبحث الخامس في محل النية...

المقدم: فضيلة الدكتور إذا أذنتم قبل أن ندخل في هذه القضية، القضية التي تحدثتم عنها قبل قليل، وهي التلفظ بالنية، ربما يشكل على بعض الناس أثناء هذا الموضوع ما يحصل عند التلفظ بالنية عند النسك، ويعتبر أن هذا مماثل لغيره، فبالتالي يقول: كيف تمنع التلفظ بالنية عند بعض العبادات ولا تمنعها عند عبادات أخرى كالدخول في النسك؟

إن كان المراد التلفظ بالنية في النسك نويت النسك الفلاني، نويت الحج، نويت العمرة، هذا بدعة أيضًا مثل الصلاة وغيرها، لكن إن كان المراد بالتلفظ أن يقول: لبيك حجًّا، أو لبيك عمرة، أو لبيك حجًّا وعمر، هذا مشروع، هذه استجابة لنداء الله -سبحانه وتعالى-، وليس هذا تلفظ بالنية.

أقول: في الأشباه والنظائر للسيوطي في القاعدة الكبرى الأولى من قواعده الكلية (الأمور بمقاصدها) قال: المبحث الخامس في محل النية، قال: محلها القلب في كل موضع؛ لأن حقيقتها القصد مطلقًا، وقيل: المقارِن للفعل، وذلك عبارة عن فعل القلب، قال البيضاوي: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقًا من جلب نفعٍ أو دفع ضر حالاً أو مآلاً، والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء -رضاء الله تعالى-، وامتثال حكمه، والحاصل -هذا كلام السيوطي- أن هنا أصلين: الأول: أنه لا يكفي التلفظ باللسان دونه، دون القلب، أنه لا يكفي التلفظ باللسان دونه، والثاني: أنه لا يشترط مع القلب التلفظ، أما الأول، فمن فروعه لو اختلف اللسان والقلب فالعبرة بما في القلب، فلو نوى بقلبه الوضوء وبلسانه التبرد، لو نوى بقلبه الوضوء وبلسانه التبرد صح الوضوء، أو عكسه فلا، يعني لو نوى عكس ذلك نوى بقلبه التبرد وبلسانه الوضوء لا يصح الوضوء، وكذا لو نوى بقلبه الظهر وبلسانه العصر أو بقلبه الحج وبلسانه العمرة أو العكس صح له ما في القلب دون ما في اللسان؛ لأن العبرة بما في القلب.

يقول: ومنها: إن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد فلا تنعقد، ولا يتعلق به كفارة، أو قصد الحلف على شيء فيسبق لسانه إلى غيره، حلف ألا يفعل كذا ومراده غيره، سبق لسانه إلى شيء والذي في قلبه غيره فالعبرة بما في القلب، هذا في الحلف بالله -سبحانه وتعالى-، فلو جرى مثل ذلك في الإيلاء أو الطلاق أو العتاق لم يتعلق به شيء باطنًا، ويديَّن ولا يُقبَل في الظاهر لتعلق حق الغير به إلى غير ذلك.

ما معنى هذا الكلام؟ معناه أنه لو أراد أن يقول لزوجته: أنت طاهر فقال لها: أنت طالق مثلاً، لا يريد بذلك الطلاق، لا تحرم عليه، ولا يؤاخَذ، لكن لو تقدمت به إلى القضاء، تعلق به حق الغير، وحصل الطلاق؛ لأن هذا يتعلق به حق الغير فيؤاخذ بنطقه، لكن الديانة أمام الله -سبحانه وتعالى- لو لم تتقدم به إلى محاكمة أو غيرها ما يؤاخذ، يديَّن هذا أمرٌ بينه وبين ربه. فأما ما يتعلق به حق الغير فيؤاخَذ به؛ لأنه من ربط الأسباب بالمسببات وهذا معروف.

عندنا المسألة التي وعدنا بها وهي تراجم الإمام على الحديث، تراجم الإمام البخاري على الحديث، الإمام البخاري خرج الحديث في سبعة مواضع، وكانت النية أن نقارن بين تراجم الإمام وتراجم غيره من الأئمة، لكن رأيت ذلك يطول جدًّا؛ لأن المؤلفات في الحديث كثيرة جدًّا، وكل إمام يستنبط من الحديث حكمًا بفهمه يترجِم عليه بذلك الحكم، وبين تراجم الإمام -رحمه الله تعالى- وبين تراجم غيره من الأئمة اختلافٌ كثيرٌ جدًّا، فكل إمام من الأئمة يستنبط من هذا الحديث حكم يترجم عليه به، لكن ذلك يطول جدًّا، وإلا فوائد الحديث يمكن أن تجمع من تراجم الأئمة على الحديث؛ لأنها عبارة عن أحكام يترجمون بها، ويعنونون بها على الحديث، فالإمام البخاري -رحمه الله تعالى- خرج الحديث في سبعة مواضع من صحيحه.

المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور هل تقصدون أن الإمام مسلم مثلا خرَّج الحديث في باب يختلف عن تخريج الإمام البخاري له والترمذي كذلك، وكل تراجم لها معنى؟

نعم، كل إمام يستنبط من الحديث فائدة، وقد يكون في الكتاب نفسه، يعني في كتاب الصلاة في كتاب الزكاة في غيره من الكتب يتفق كثيرٌ من الأئمة على تخريج الحديث في هذه الكتب، لكن استنباط الأحكام والتبويب على الحديث كل إمام له ما يخصه، فأبو داود له تراجم والترمذي له تراجم على الحديث، البيهقي، الحاكم، ابن حبان، وهو أيضًا دقيق في تراجمه ابن حبان -رحمه الله تعالى-، لكن ذلك يطول جدًّا.

المقدم: لو أن أحدًا عني بهذا الأمر -أحسن الله إليكم- في التأليف، تتبع تراجم المحدثين.

المقارنة بينها لا أعرف أحدًا، لكن تراجم البخاري على وجه الخصوص اعتنى بها الأئمة، اعتنى بها أهل العلم قديمًا وحديثًا، وألفت فيها المصنفات المفردة، وهناك كتب أخرجت الكنوز من صحيح البخاري، أما مسلم -فكما هو معروف- مسلم لم يترجم كتابه، مسلم لم يترجم الكتاب، كتاب صحيح مسلم خالٍ عن التراجم، ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد، وهذا مما رُجِّح به مسلم على البخاري على ما تقدم في المقدمة الأولى أنه ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد كما هو معروف، وإن قُدِّم البخاري من جهات، من دقة الاستنباط من الأحاديث، وهذا مطلب أساس بالنسبة للاستنباط من النصوص، وبهذا يتميز صحيح البخاري.

الموضع الأول من المواضع التي أخرج البخاري الحديث فيه أول الكتاب، وتحدثنا سابقًا أن الإمام البخاري هل وضع الحديث قبل الترجمة أو بعدها؟ هل الإمام البخاري وضع الحديث قبل الترجمة ليكون كالخطبة للكتاب كما يقوله الخطابي والإسماعيلي؟ أو ترجم بابٌ كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ أو بدون باب كما في رواية أبي ذر والأصيلي، ثم ساق الحديث؟ على كل حال الموضع الأول هو أول حديث في الصحيح، وسواءً كان سابقًا للترجمة أو لاحقًا، فتحدثنا سابقًا عن ذلك كله، ورأينا أو سمعنا أو ذكرنا ما قاله أهل العلم في المناسبة والرابط بين الحديث وبدء الوحي، ذكرنا ذلك وأنه لا يحسن أن يقال: ليس هناك ما يربط الحديث ببدء الوحي، وإن زعمه بعضهم.

الموضع الثاني: ذكره الإمام البخاري في كتاب الإيمان، وقال: باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحِسْبة، ولكل امرئ ما نوى فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام، دخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام، هذا فرع مما ذكره أهل العلم سابقًا أنه ينبغي أن يُدخَل هذا الحديث ويُذكَر في جميع الأبواب، ولا شك أنه داخل في الإيمان، وداخل أيضًا في الطهارة، وقبل ذلك داخل في العلم دخولاً مباشرًا، فلا علم شرعي إلا بنية، فالذي لا يقصد بعلمه الشرعي وجه الله والدار الآخرة لا يثاب على طلبه العلم، بل يأثم على ذلك؛ لأن هذا العلم -أقصد العلم الشرعي- من علوم الآخرة المحضة، فتجب فيه النية، ولم يذكره الإمام -رحمه الله تعالى- بل أجمل، فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام، وقال الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [سورة الإسراء 84] أي على نيته، ثم قال الإمام -رحمه الله تعالى-: نفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة، وقال: «ولكن جهاد ونية» ثم ذكر الحديث عن عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد، فساقه الإمام -رحمه الله تعالى- ببقية الإسناد المذكور سابقًا بإفراد النية، وقال: «إنما الأعمال بالنية» وذكر الوجه الأول من وجهي التقسيم المحذوف في الموضع الأول، عرفنا سابقًا أن الإمام البخاري حذف الوجه الأول من وجهي التقسيم، «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» وهنا أثبت الوجه الأول من وجهي التقسيم، وعرفنا سابقًا سبب الحذف، فلا حاجة إلى إعادته.