شرح الموطأ – كتاب الاستئذان (2)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين أجمعين يا رب العالمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أكل الضب:
حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن سليمان بن يسار أنه قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة بنت الحارث، فإذا ضباب فيها بيض، ومعه عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد، فقال: ((من أين لكم هذا؟)) فقالت: أهدته لي أختي هزيلة بنت الحارث، فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد: ((كلا)) فقالا: أولا تأكل أنت يا رسول الله؟ فقال: ((إني تحضرني من الله حاضرة)) قالت ميمونة: أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا؟ فقال: ((نعم)) فلما شرب قال: ((من أين لكم هذا؟)) فقالت: أهدته لي أختي هزيلة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أرأيتك جاريتك التي كنت استأمرتيني في عتقها أعطيها أختك، وصلي بها رحمك ترعى عليها فإنه خير لك)).
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد بن المغيرة أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأتي بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل منه، فقيل: هو ضب يا رسول الله، فرفع يده فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر.
وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلاً نادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما ترى في الضب؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لست بآكله، ولا بمحرمه)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أكل الضب:
يعني في حكمه من الجواز كما هو قول عامة أهل العلم، وحرمه بعضهم بناءً على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استقذره ولم يأكله، ولكن الدليل بالإقرار منه -عليه الصلاة والسلام- حيث أكل بحضرته يدل على جواز أكله، وهذا قول الجمهور.
يقول: "حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن سليمان بن يسار أنه قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" سيلمان بن يسار من فقهاء التابعين السبعة، يحكي قصة لم يشهدها، فالقصة مرسلة، والمرسل من قسم الضعيف، إلا أنه له ما يشهد له من الحديث الآتي، مما هو مخرج في الصحيحين وغيرهما، والمرسل يرتقي بالشواهد كما هو مقرر عند أهل العلم.
يقول: "إنه دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة بنت الحارث" أم المؤمنين "فإذا ضباب فيها بيض" ضباب جمع ضب "فيها بيض" وأهل العناية بالضباب لا شك أن البيض عندهم له ميزة يستلذونه، وقد يستعمل في أمور يزعمون أنها منشطة، على كل حال هذا الواقف "ضباب فيها بيض، ومعه عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد، فقال مخاطباً لزوجته -عليه الصلاة والسلام-، ورضي عنها: ((من أين لكم هذا؟))" النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل، إذا وجد في بيته طعاماً سأل من أين لكم؟ لئلا يكون مما لا يحل له من صدقة وشبهها "فقالت: أهدته لي أختي هزيلة بنت الحارث" أهدته "فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد: ((كلا))" لماذا؟ لأنه مباح، طيب لماذا لا يأكل -عليه الصلاة والسلام- "فقالا: أولا تأكل أنت يا رسول الله؟" فقال: ((إني تحضرني من الله حاضرة)) وهذا إنما يقال: إذا كان فيه رائحة متميزة، تؤثر على الحضور أو على المجالس يقال مثل هذا الكلام، لكن إذا كان لا يتميز برائحة فكيف يقال: ((تحضرني من الله حاضرة)) ويقصد بذلك الملائكة؟ فالذين اعتادوا أكل الضباب هل يميزون رائحته من غيره؟ السمك له رائحة متميزة، له زفر، له زفرة واضحة، لكن هل الضب له رائحة متميزة؟
طالب:......
البيض له رائحة؟
طالب:......
إيه معروف.
طالب:......
فيه زخم، يتجه حينئذٍ التعليل، وعلى كل حال إذا ما ظهر لنا التعليل فعلينا التسليم، لكن هذه أمور محسوسة إذا قال: ((تحضرني من الله حاضرة)) عرفنا أنه إنما كرهه لأنه يناجي من لا نناجي، ويحضره كما جاء في حديث الثوم والبصل وغيرهما من ذوات الروائح الكريهة، وجاء التعليل أيضاً بأنه لم يكن بأرض قومه، يعني لم يكن معهوداً عنده، ولا أخذ عليه، لذلك تجد في بعض البلدان يأكلون أشياء، ويشربون أشياء هي مستقذرة عند بلدان أخرى، والعكس، يعني لو قدم طعام من أطعمة البلدان الأخرى في هذا البلد أو العكس، وجدت النفس تتقزز منه؛ لأنه لم يعتد عليه، وإن كان مباحاً لا إشكال فيه.
"قالت ميمونة: أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا؟" اللبن معروف، يعني ليس بمستقذر ولا مستنكر، وشربه النبي -عليه الصلاة والسلام- ويشربه "فقال: ((نعم))" ما قال مثل الضباب ((يحضرني من الله حاضرة)) أو ((لم يكن بأرض قومي)) على كل حال اللبن شربه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو من أطيب الأغذية.
"فلما شرب قال: ((من أين لكم هذا؟))" السؤال عن الضب ((من أين لكم هذا؟)) وقع قبل إرادة الأكل، إرادة نقول، ما نقول: أكل، وبالنسبة للبن شرب ثم قال: ((من أين لكم هذا؟)) لماذا قدم السؤال في مسألة الضباب، ولم يقدمه في اللبن؟ نعم؟
طالب:......
هو في اللبن الغالب هو مثل الماء، نعم يتهاداه الناس بسهولة، وبالنسبة للحم قد يكون من أطعمة تختص بالمساكين فتلحق بالصدقة، بخلاف اللبن، اللبن حكمه حكم الماء فيتسامح في أمره، تشرب اللبن لكن الأكل لا بد من السؤال عن مصدره، واللبن مثلما تفضل الأخ كثيراً ما يوجد في بيوته -عليه الصلاة والسلام- بخلاف اللحم، لما وجد اللحم في البرمة على النار قال: ((من أين لكم هذا؟)) قالوا: هذا لحم تصدق به على بريرة، يعني ما تصدق به على أهل بيته من نسائه، لا، تصدق به على الخادمة، فقال: ((هو عليها صدقة، ولنا هدية)).
"((من أين لكم هذا؟)) قالت: أهدته لي أختي هزيلة" هزيلة التي أهدت الضباب، وأهدت اللبن تستحق مكافئة، ميمونة بنت الحارث عندها جارية أرادت أن تتصدق بها، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أرأيتك جاريتك التي كنت استأمرتيني)) يعني أمرتيني ((في عتقها، أعطيها أختك)) يعني مكافئة لها، أخت بهذه المثابة تهدي، تستحق أيضاً أن تكافأ ((من صنع إليكم معروفاً فكافئوه))، ((وصلي بها رحمك)) ولا شك أن من أعظم ما يوصل به الرحم الهدية، ((وصلي بها رحمك ترعى عليها)) ويش معنى ترعى عليها؟
طالب: تستخدمها.
نعم تخدمها، ترعى عليها يعني شئونها ((فإنه خير لك)) يعني العتق شأنه عظيم في الشرع، ومن أعتق عبداً كان فكاكه من النار، فأمرها أن تتصدق بها على أختها، يعني تهديها لأختها، مما يدل على عظم شأن الصلة، صلة الرحم، وأن لها شأن في الدين، قد يفوق العتق، فإنه خير لك، هذا الحديث مثلما ذكرنا من رواية سليمان بن يسار يحكي قصة لم يشهدها فهي مرسلة، وعرفنا أن المرسل ينجبر بما بعده.
قال: "وحدثني مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد بن المغيرة" عن خالد بن الوليد يعني الحديث مرة يروى من حديث خالد بن الوليد، ومرة يروى من حديث ابن عباس لحضورهما القصة، كل منهما حضر القصة، وكل منهما يروي الخبر "أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا كأنه دخل منفرد مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، والقصة السابقة أنهما دخلا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة، ولا مانع أن يدخلا معاً، وإذا أراد أن يتحدث شخص عن الآخر وقال: إنه دخل، فكلامه صحيح، ولو روى خالد بن الوليد عن ابن عباس أنه دخل الكلام صحيح، والجمع والتفريق في مثل هذه الأمور لا إشكال فيه.
"أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأتي بضب محنوذ" يعني مشوي بالحجارة المحماة، يقال: محنوذ وحنيذ، فعيل بمعنى مفعول، يعني مشوي "فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده" النبي -عليه الصلاة والسلام- مد يده ليأكل، هل لحم الضب يلتبس بغيره؟ نعم؟
طالب:......
إذا قطع إلى قطع صغيرة وشوي الظاهر أنه يلتبس، ولذلك أهوى النبي -عليه الصلاة والسلام- بيده "فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل منه، فقيل: هو ضب يا رسول الله، فرفع يده" لأنه يكره هذا النوع من اللحم، ولا يدل على تحريمه، كثير من الناس يجد نفسه تعاف لحم البقر، ومع ذلك لا يجوز أن يحرمه على الناس، ونهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أكل الثوم والبصل، ومن أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا، ومع ذلك قيل: "أحرام هو يا رسول الله؟ قال: ((إني لا أحرم ما أحل الله))" فلا يلزم من كون الشيء لا يؤكل أنه حرام، فقد يمنع من أكل الشيء لظرف يختص به الإنسان، أو يعمه ويشمل غيره، يعني بإمكانك أن تنهى أباك المريض مثلاً، إذا أراد أن يأكل تمر، قلت: لا يا أبي لا تأكل وأنت تأكل، هل يعني هذا أنه حلال لك وحرام على أبيك؟ لا يعني أنه حرام، لكن وجود المضرة المترتبة على أكله ينهى عنه.
"فرفع يده فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: ((لا))" يعني مثلما قال عن الثوم والبصل، قيل: أحرام هما يا رسول الله؟ قال: ((لا، أنا لا أحرم ما أحل الله)) فمن جهة أنه حلال داخل في {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [(157) سورة الأعراف] وجاء تسمية هاتين الشجرتين الخبيثتين، وبهذا استدل ابن حزم على تحريم أكل الثوم والبصل، {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] مع أن الخبيث يطلق ويراد به المحرم، ويطلق ويراد به الأدنى من الطعام، يعني الذي يوجد أطيب منه، {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] "فقال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي))" هذه العلة يعني لا تقوى على التحريم، حتى ولا على الورع في مثل هذا، لكن كونه لم يكن بأرض قومه فلم يعتده، ولم يبن الجسد عليه، فقد يكون غير ملائم لهذا الجسد من جهة، وقد يكون أيضاً مما تعافه النفس؛ لأنه شيء طارئ عليها، كالطعام الذي تراه لأول مرة، يعني لا تجرؤ على الأكل منه حتى يعتاده البصر، وبعض الأطعمة وهي من نعم الله -جل وعلا-، بمجرد مرآك لها تتقزز منها، يعني ولو كانت مركباتها أنت تأكلها إذا ركبت بطريقة أخرى، يعني لو طبخ لك مثلاً مرق مع لبن تشرب وإلا ما تشرب؟ أو عندك المرق وصبيت عليه لبن، أكثر الناس ما يشرب مثل هذا، وهناك مركبات في بعض البلدان يعني ما يمكن أن يقدم عليها كثير من الناس، فهو من هذه الحيثية أن الإنسان ما اعتاد على هذا، فمثلاً أكلات مصرية، وأكلات يمنية، وأكلات هندية، يعني لا تسوغ عندنا والعكس، لو تقدم بعض الأكلات الشعبية لبعض الجهات ما استساغها، على كل حال مثل هذا يعني يجعل الإنسان لا يأكل، لكن لا يجعله يحرم، لا يجوز له أن يحرم بهذه العلل، ولذلك قال: "أحرام هو يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه))" يعني نفسياً أعافه، وإذا كان الإنسان يعاف طعاماً من الأطعمة، فليس لأحد أن يلزمه كائناً من كان، يعني إذا كان الإنسان لا يستسيغ اللبن، هل لأبيه أن يجبره على شرب اللبن؟ ما يجوز له يجبره، الطاعة بالمعروف، نعم؟
طالب: ما استدل عليه برائحته....
لكن في القصة الأولى كذلك، قد تكون هناك علل مركبة تجتمع، يعني افترض أنك مثلاً ما تجده في أرض قومك، لكنك جائع، تأكل وإلا ما تأكل؟ قد تأكل، لكن ما تجده في أرض قومك، ولست بحاجة إليه، تتعلل بمثل هذه العلل؛ لأن مثل هذه العلل التي هي مجرد يعني ترجيح لمزاج معين، يعني ليس تقوى على تحريم ولا على كراهة، إذا أنضاف إليه علة أخرى مثلاً، تركبت العلل، وإذا كانت العلل مبيحة أو محرمة ومنصوص عليها فالمركبة لا تستقل جزء المركب منها بالحكم، فمثلاً لو أن شخصاً أكل ثوماً، وصلى مع جماعة في غير مسجده، أو أكل ثوماً ودخل مسجد ما فيه جماعة، وصلى بمفرده، فلا يقربن مسجدنا، فلا يؤذنا، فالملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا وجدت هذه الرائحة ولا في أحد، أو وجدت الرائحة وفي أحد، لكن في خارج المسجد؛ لأن العلة مركبة من شقين، فالعلة المركبة أحد جزئيها لا يستقل بدوران الحكم عليه.
طالب:......
إلا إذا صرت تعافه لا تأكله، ويش المانع؟
طالب:......
نفس هذا الموجود، يعني إذا كنت نفسك تعافه تقول: والله يا أخي ما له داعي، المجاملة ما هي في هذا الباب، نعم؟
طالب:......
ما هو..... ((لا عدوى ولا طيرة)) لكن يحتاط الإنسان إذا أراد أن يعطس وإلا يتثاءب يخمر وجهه ولا عليه شيء.
طالب:......
إيه معروف ميمونة خالة ابن عباس، ميمونة بنت الحارث، هي خالته من المحارم، يمكن من محارمه، العلاقة الأسرية بينهم يعني هناك علاقة خاصة، ميمونة خالة ابن عباس وخالد أيضاً، فيمكن الموجود من النسوة بهذه المثابة.
طالب:......
الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم، من الرائحة التي يتأذى بها بنو آدم.
طالب:......
ويش هو؟
طالب:......
هذه اللي تو ((إني تحضرني من الله حاضرة))؟ يعني من الملائكة يحضر، ومثلما تفضل بالنسبة للبيض فيه زفر، يعني له رائحة غير مقبولة، ما فيها إشكال -إن شاء الله-.
"فقال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) قال خالد: فاجتررته فأكلته" من عادة من يتصف بالشجاعة تجده لا يهاب أي شيء ما دام اتصف بالشجاعة، وسأل حرام هو أو حلال؟ قال: حلال، هات، ويش المانع؟ فيها جرأة...
طالب:......
أقول: الشخص المتصف بالشجاعة والجرأة تجدها في كل مناسبة حاضرة، وإلا النبي -عليه الصلاة والسلام- من أشجع الناس -عليه الصلاة والسلام-، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الشجاعة باعتبار أنه ضرب بنصيب وافر في جميع الصفات ما تبين مثل هذه الشجاعة، بقدر ما يبين الحلم، الكرم، الجود، بينما خالد بن الوليد هذه الصفة متميزة عنده، فتجده ما يذكر إلا وتذكر الشجاعة، لكن قد ينسى الكرم إذا ذكر خالد مثلاً، ما يذكر لأنه ما هو من أميز الناس في هذا الباب.
على كل حال من تميز بصفة معينة تجد عنده جرأة، تجده جريء في هذا المجال، جريء في المجال الثاني وثالث، تجده في جميع أحواله عنده جرأة "فأكلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر".
ثم قال: "وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلاً نادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما ترى في الضب؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لست بآكله، ولا بمحرمه))" طعامك الذي تعتاده وتأكله باستمرار في بيتك لو طبخ في بيت ثاني قد لا تأكله؛ لأن كيفية الإعداد والتحضير تختلف من مكان إلى آخر، يعني لو قدم لك رز مع لحم في بيتك قدرت عليه، تأكله، يقدم لك في بيت آخر تجده أفضل من صنيع أهل بيتك تأكله، لكن قد يقدم لك بطريقة أخرى يمكن تجد نفسك تعافه، فمثل هذا لا يعني أنه محرم، والذي تعافه نفسك قد يجد ناس يكون عنده مفضل والعكس، فمثل هذا لا يكفي حتى ولا في الكراهة، وبعضهم أطلق الكراهة لكن لا وجه له، نعم.
باب ما جاء في أمر الكلاب:
حدثني مالك عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان بن أبي زهير، وهو رجل من أزد شنوءة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يحدث ناساً معه عند باب المسجد، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص من عمله كل يوم قيراط)) قال: أنت سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: إي ورب هذا المسجد.
وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتنى كلباً إلا كلباً ضارياً، أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان)).
وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتل الكلاب.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أمر الكلاب:
يعني في شأنها وما يتعلق بها من أحكام، وتقدم ما جاء في غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب، وأكل ما يصيده الكلب.
وهنا قال -رحمه الله-: "حدثني مالك عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان بن أبي زهير وهو رجل من أزد شنوءة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يحدث ناساً عند باب المسجد" من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "وهو يحدث ناساً" الضمير هو يعود على؟ نعم؟
طالب:......
سفيان بن أبي زهير الأسدي.
"يحدث ناساً معه عند باب المسجد، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من اقتنى كلباً))" يعني من اتخذه للقنية، إما للزينة مع الأسف أنه يوجد من يتزين به، ويتحلى به، لا شك أنها عادة وافدة من عوائد الكفار، ويتشبه بهم بعض المسلمين، تجد الكلاب في بيوتهم تغدو وتروح، وتلغ في الأواني، وتشاركهم الأطعمة، ومع ذلك بعض الأقطار هي عندهم مثل الأولاد، وبعض النساء كما ذكر عن بعض المجتمعات الكافرة يستغنين بهم عن الرجال -نسأل الله السلامة والعافية-، مسخ، نسأل الله العافية.
يقول: "((من اقتنى كلباً لا يغني عنه))" يعني لا يفيده، ولا يحفظ له "((زرعاً ولا ضرعاً نقص من عمله كل يوم قيراط))" والحديث الآخر: ((من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو كلب ماشية))، حديث أبي هريرة: ((أو زرع)) قال ابن عمر: وكان أبو هريرة صاحب زرع، يستغل مثل هذه الكلمة بعض المفتونين ويقول: إن ابن عمر يقدح بأبي هريرة؛ لأنه زاد هذه الكلمة أنه صاحب زرع، فيحتاج هذه الكلمة، زادها من كيسه، وهذا الكلام ليس بصحيح، يعني الأئمة كلهم يجعلون ابن عمر يثق بأبي هريرة أكثر، وأنه حفظ هذه الكلمة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، واهتم بها أكثر من غيرها، لماذا؟ لأنه يحتاجها، صاحب زرع، والذي يحتاج الشيء يحفظه أكثر من غيره.
لو أن طبيباً ألقى محاضرة على فئام من الناس عن ضغط الدم مثلاً، أو عن مرض السكري، وذكر لكل واحد منهما عشرين علاج، الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، وهذا إلى العاشر، العشرين، في هذا المرض، وهذا المرض ومرض ثالث، تجد مريض الضغط ينتبه لمرض السكري وعلاجاته، يمكن يعددهن؟ يمكن ما يعد ولا واحد، لكن العشرين بيسردهن سرد، لماذا؟ لأنها تهمه، لكن ثالث لا يهتم بهذا ولا هذا؛ لأنه بريء منهما، سليم ما في ضغط ولا سكري، ومع ذلك ما يهتم لهذه الأمور، لكن لو تعرض لمرض ثالث ويهمه حفظه.
أبو هريرة صاحب زرع، إيش يعني صاحب زرع؟ أنه يحتاج هذه اللفظة فحفظها وضبطها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعض -نسأل الله السلامة والعافية- من يريد الطعن في الدين؛ لأن الطعن في أبي هريرة طعن في الدين، يقول: شوف ابن عمر، أول من طعن في أبي هريرة ابن عمر، صاحب زرع، زاد هذه الكلمة على شان صاحب زرع، يبي يبرر لنفسه، نسأل الله العافية، والطعن في أبي هريرة طعن في الدين بالكلية، يعني لا شك أننا إذا طعنا في أبي هريرة، وألغينا ما يروى من طريقه معناه أنا شللنا الدين شلل، ولذلك تجد تركيز أعداء الدين من المستشرقين، وأذناب المستشرقين تركيزهم على أبي هريرة، ما في أحد..، في أحد سمع أنه طعن في أبيض بن حمال اللي ما يروي إلا حديث واحد؟ ما يطعنون فيه، ليش؟ لماذا؟ لأنهم إذا طعنوا في أبي هريرة ارتاحوا من نصف الدين، لكن يحتاجون إلى ألف من مثل أبيض بن حمال، أو خمسة آلاف من مثل أبيض بن حمال على شان يطعنون في النصف الثاني.
"((ولا ضرعاً نقص))" الضرع هو ما يقابل الثدي بالنسبة للمرأة، وهذا بالنسبة للحيوان يقال له: ضرع، "((نقص من عمله كل يوم قيراط))" يحرص على الأعمال الصالحة، ويكسب الحسنات، ثم بعد ذلك ينقص كل يوم من عمله قيراط، وأهل العلم يختلفون في القيراط المذكور في هذا الباب، هل هو بمنزلة القيراط الذي وعد به من صلى على الجنازة أو دفن الجنازة دفن الميت؟ الذي جاء تقديره بالجبل العظيم، هذا إن كان مثل هذا راح بيوم، لكن جمع من أهل العلم يقولون: إن قيراط الجنازة قيراط فضل، فضل الله واسع، وهذا قيراط عقوبة وذم، فهي أضيق من الباب السابق، وعلى كل حال اللفظ لفظ شرعي جاء تفسيره فيما يتعلق بالصلاة على الميت ودفنه، وهنا لم يأتِ، وكل هذا من باب التحذير الشديد في اقتناء الكلاب.
"قال: أنت سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: إي ورب هذا المسجد" مع القسم أكد، والصحابة كلهم عدول لا يحتاج إلى أن يحلف، لكن المسائل المهمة كهذه يحلف عليها.
هل يقاس على ما نص عليه الماشية والصيد والزرع يقاس عليها ما هو أعظم منها؟ يعني حفظ الأموال الطائلة مثلاً، أليست أولى من الزرع؟ الكلاب البوليسية التي تكتشف الطوام مما يهدم المجتمعات هل تقاس على الأمور الثلاثة التي جاء النص عليها؟ أهل العلم يختلفون، منهم من يقول: إن قياسها عليها من باب قياس الأولى، الذي هو القياس الجلي، فكل ما هو أعظم مما ذكر يقاس عليه من باب أولى، ومنهم من يقول: هذه نص عليها ولا يلحق بها غيرها، وعلى كل حال المسألة اجتهادية.
طالب:......
لا ما حرم على الفرد حرم على المجتمع، ما حرم على الفرد حرم على الجماعة.
طالب:......
الحراسة إذا كانت لزرع ما عدا ذلك...، أو ماشية.
طالب:......
نعم؟
طالب:......
أهل العلم يختلفون في حكم التربية؛ لتكون حارساً، يعني الآن الكلب ساذج، ما يصلح لا لزرع ولا لماشية ولا لصيد، يقول: أنا أشتريه لتعويده وتعليمه على الصيد مثلاً، حكم تربية الجرو -جرو الكلب- من أجل أن يهيأ لمثل هذا، المسألة معروفة عند أهل العلم، أنه كثير منهم يقول: لا يقتنى إلا إذا تعلم، مع أنه لا يجوز بيع الكلب، ولو تعلم عند جمع من أهل العلم الحنابلة وغيرهم لا يجيزون بيعه، ولو كان كلب صيد، ولو كان مأذون به، لكنهم عند الحاجة يبيحونه للمشتري لا للبائع؛ لأنا قلنا: المشتري محتاج، والبائع غير محتاج، كما قالوا في الممنوعات مثل المصحف ومثل..، قالوا: لا يجوز بيعه، لكن يجوز شراؤه للحاجة.
طالب:......
في إيش؟
طالب:......
على حسب الحاجة إلى الصيد، يعني إن كانت مجرد هواية، وليست هناك حاجة ماسة للصيد، يعني ما في مصدر إلا الصيد، فمثل هذا غايته مباحة فوسيلته كذلك، قال: "وحدثني" يعني نهى عن ثمن الكلب، قال: "وحدثني مالك" يحمل على الأنواع الأخرى.
"وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتنى كلباً إلا كلباً ضارياً))" يعني معلم، والتعليم يميز من اتصف به على غيره، فإذا كان التعليم ميز الكلب المعلم عن غيره فلئن يميز المكلف المسلم من باب أولى.
((إلا كلباً ضارياً)) يعني للصيد ((أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان)) يعني لما اختلفت الرواية في فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ خمس وعشرين أو سبع وعشرين، قال العلماء: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر بالعدد الأقل، ثم زيد في فضل الله -جل وعلا-، وهنا نقول: أخبر بالأقل أو بالأكثر ثم نقص منه؟ أخبر أولاً بالأقل، أخبر بالأكثر ثم نقص منه، يعني هل هذا يسوغ مع سياق الكلام؟ نعم؟ لأن القصد منه التنفير، فلعله لما قيل: قيراط ما امتثل بعض الناس قيل: قيراطين، جاء في بعض الكتب المحققة لما ذكروا رواية: القيراط، ونسبوها للصحيحين، وقالوا: هي لمسلم كذا، ثم قال: وفي رواية (وضع نقطتين) وقال: له قيراطان، فعكس المطلوب بسبب تقديم النقطتين، ولو وضع النقطتين بعد له، وفي رواية له، أي لمسلم: قيراطان، انتهى الإشكال، يعني ينقص قيراطان، فهذه مسائل الترقيم أو علامات الترقيم، ينبغي أن يهتم بها؛ لأنها يترتب عليها فهم الكلام.
واحد يحضر رسالة بحث عن فقيه من فقهاء الشافعية، ما وجد له ترجمة، وهو من مشاهيرهم، بحث في كل الكتب كتب الطبقات، وكتب الدنيا كلها ما وجد أبو الحسن الزازان، وهو أبو الحسن الزاز، أن، وبقية الكلام وذهب أبو الحسن الزاز أن كذا، أو قال: إن، فعلامات الترقيم يعني مهمة جداً لفهم الكلام، عكس المراد.
قال: "وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتل الكلاب" يعني جاء الأمر بقتل الكتاب في أول الأمر ثم نسخ هذا الأمر كما هو معلوم، بقي الكلب الأسود البهيم الذي هو شيطان.
طالب:......
كلاب مملوكة وإلا..؟
طالب:......
يعني لجاره؟
طالب:......
يرفع أمره إلى ولي الأمر، ويزيل الضرر، الضرر لا بد من إزالته.
طالب:......
ويش هو؟
طالب:......
إيه لكن هي مملوكة ومأذون باتخاذها، إذا أذن باتخاذها وملكت لا يجوز التعدي عليها، إلا ولي الأمر هو الذي له مثل هذه الأمور المتعدية، أفراد الناس ما يملكون مثل هذا، نعم؟
أحسن الله إليك.
طالب: بالنسبة للقيراطين والقيراط يعني يصعب أن نحدد إلا بمعرفة تاريخ الحديث.
على كل حال كل هذه الأحاديث إنما سيقت للتنفير من اقتناء الكلب، والذي يظهر أن السياق يدل على أن القيراط في أول الأمر، ثم زيد في ذلك للتشديد.
طالب: أو النية مثلاً يا شيخ؟
منهم من يقول -من باب الجمع-: بالنسبة للقيراط عند البادية والقيراطين عند الحاضرة؛ لأن تأذي الحاضرة بالكلب أكثر من تأذي البادية، يعني البادية الكلاب قريبة منهم، يسمعون نباحها ليل نهار، ونسائهم وأطفالهم ما يخافون منها، بينما الحاضرة يتأذون بها أكثر، فالنقص أكثر، هذا قيل، وله وجه، يعني له وجه إذا نظرنا إلى التعليل.
طالب:......
المقصود أن هذه قنية، يقتنى لا للصيد ولا للزرع، ولا...
طالب:......
الخلاف اقتناء الجرو من أجل تعليمه هذا شيء، معروف عند أهل العلم، أما إنسان مسلم يبي يتفرغ لتربية كلاب! هذه ليست مهنة حقيقة.
سم.
أحسن الله إليك.
طالب: تحرير مسألة ثمن الكلب؛ لأنه الآن في محلات تبيع الكلاب هل ينكر عليهم وإلا لا؟
لا، ينكر عليهم، الكلاب لأي شيء؟ أظنها زينة، هي أشد تحريم.
طالب: لكن في ثمن الكلب، يعني نهى عن ثمن الكلب.
للتحريم هذا ما في إشكال، إيه، شيطان جاء التعليل أنه شيطان.
طالب:......
كذلك ما يجوز بيعه، نفس الشيء، إيه.
طالب:......
والله النقص، هذا يدل على أنه محرم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في أمر الغنم:
حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء من أهل الخيل والإبل، والفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم)).
وحدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن)).
وحدثني مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته))
الراء، الراء...
((أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته))
مشرُبَته.
((أيحب أحدكم أن تؤتى مشرُبته فتكسر خزانته فينتقل طعامه، وإنما تُخزَن لهم))
تَخزُن.
((وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعامتهم))
أطعماتهم.
((وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم، فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه)).
وحدثني مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من نبي إلا قد رعى غنماً)) قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: ((وأنا)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أمر الغنم:
يعني من حيث الاقتناء، أما بالنسبة لاقتناء المحرم فمعلوم، كالكلب ونحوه، وأما بالنسبة لاقتناء الطاهرات المباحات كبهيمة الأنعام اقتناؤها متفاوت أيضاً، ليست على درجة واحدة، فجاء مدح الغنم، وأنها تؤثر على أصحابها، تؤثر فيهم السكينة، وأما ما هو أكبر منها كالإبل والخيل فإنها تؤثر أيضاً في أخلاق أصحابها من الغلظة والجفاء مع أن الخيل جاء فيها النصوص مدحاً لها ولأصحابها، وأنها لثلاثة كما جاء في الحديث الصحيح: ((هي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر)) على حسب النية التي تصاحب الاقتناء.
قال -رحمه الله-: "حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رأس الكفر نحو المشرق))" وجاء التسمية بنجد، وجاء بيان ذلك عند الطبراني وغيره: العراق، ونجد يطلق على كل ما ارتفع من الأرض، وجاء: حيث ربيعة ومضر، لكن رواية الطبراني التحديد بالعراق، وجاء منها مشاكل كثيرة في الصدر الأول، الحروب أكثرها من تلك الجهات، وما زالت مثار للفتن ومحل للفتن، وما وراءها ما هو أشد منها، حتى يخرج الدجال من أصبهان، ومعه سبعن ألفاً من يهودها، دليل على أن المشرق هي محل الفتن.
قال: "((رأس الكفر نحو المشرق))" كل الفتن تأتي من هناك، أو جلها "((نحو المشرق، والفخر والخيلاء من أهل الخيل والإبل))" والآن يقام لها ما يقام مما تظهر فيه مظاهر الفخر والخيلاء والتعالي على الناس، وصار لها شأن، والله المستعان.
"((الفخر والخيلاء من أهل الخيل والإبل، والفدادين أهل الوبر))" أقول: الفدادين بدل من أهل، أهل الخيل والإبل هم الفدادون، أهل الوبر بخلاف أهل المدر، الوبر أهل البيوت، بيوت الشعر، وأما أهل المدر فهم أهل البنيان.
((والسكينة في أهل الغنم)) يعني هل الحجم مؤثر في الطباع بمعنى أنه كلما صغر الحجم لان الطبع؟ لأنه واحد ممن يعلق على بعض الأمور قال: إن الخيل والإبل يقابلها الآن أهل السيارات الكبيرة، الشاحنات الكبيرة، وأهل الغنم يقابلها السيارات الصغيرة، وأن ذولاك أخلاقهم فظة شوي، مناسبة لحجم سياراتهم، هو نظر إليها من جهة أنها تستخدم وسائل نقل، لكن الغنم ما تستخدم وسائل نقل، فلا تدخل في هذا الباب.
حقيقة أدركنا شخص مات قبل ثلاثين سنة، يعني خلقه ما شاء الله يغبط عليه، وكان يُسأل وأنا أسمع -صبي في ذلك الوقت أسمع- يسأل، فقيل له: ماذا كان عملك؟ قال: كنت أعمل في الإبل، أول عمره يبيع ويشتري في الإبل، ثم تركها إلى البقر، ثم تركها إلى الغنم، ثم إلى الدجاج، ثم إلى المكسرات الموجودة في ذلك الوقت، ما هي الموجودة عندنا، يعني وصل إلى حد صغير جداً، يعني بدأ من الإبل وتدرج إلى..، فالحديث يعني هذا من باب الطرفة وليست يعني من متين العلم اللي يقال: إن هذا تدرج إلى أن وصل إلى هذا الحد بسبب هذه التنقلات، إنما المنصوص عليها ظاهر، يعني أهل الإبل وأهل الخيل أهل جفاء، نعم؟
طالب: الحلم بالتحلم.
إيه هو عاشرها، إذا شردت الإبل احتاج إلى أن يكون فيه شيء من الغلظة والشدة من أجل أن يسيطر عليها، لكن الغنم ما تحتاج إلى هذا كله.
((والفخر والخيلاء)) الفخر والتعالي على الناس، والترفع عليهم في أهل الخير والإبل، ولعل ذلك أيضاً مما ينشأ من أنه إذا ركبها صارت رؤيته إلى الناس رؤية دون، كلهم تحته، بينما أهل الغنم يمشون على الأرض ما يركبونها.
((والفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم)) السكينة في أهل الغنم؛ لأنها فيها شيء من السكينة بطبعها، والمجالسة والمخالطة لا بد لها من التأثير، المخالط لا بد له من الأثر على من يخالطه حتى في الحيوانات.
قال: "وحدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك أن يكون خيرُ مال المسلم غنماً))" أو ((يوشك أن يكون خيرَ)) كما في الصحيح ((مال المسلم غنمٌ)) على التقديم والتأخير ((يتبع بها شعف الجبال)) رؤوس الجبال، أعالي الجبال، يتبع هذه الغنم ((شعف الجبال، ومواقع القطر)) يعني في البراري والقفار، ويعتزل الناس، ((يفر بدينه من الفتن)) وهذا من الأحاديث التي فيها فضل العزلة عن الناس خوفاً على الدين، لكن مع ذلك لا يجوز له أن يترك الجمع والجماعات إلا إذا ترتب على ذلك شيئاً أعظم، إذا كانت الفتن محققة، أما إذا كانت مظنونة فلا يجوز أن يترك الجمع والجماعات من أجلها.
وعلى كل حال جاء ما يدل على فضل الاعتزال، وما جاء من النصوص ما يدل على فضل الاختلاط بالناس وتعليمهم وإرشادهم وتوجهيهم والصبر على أذاهم، جاء هذا وهذا، ولا شك أن أحاديث العزلة محمولة على ما إذا تحققت الفتنة في حق هذا الشخص، والخلطة فيما إذا أمنت الفتنة.
يضاف إلى ذلك أن الناس يتفاوتون، فمنهم من يؤثر ولا يتأثر، هذا يتعين في حقه الخلطة، عكسه من يتأثر ولا يؤثر هذا يتعين في حقه العزلة، وبعض الناس سجال، قابل لأن يؤثر ويتأثر، مثل هذا على حسب ما يترجح عنده إذا كان نفعه أكثر من تضرره هذا يختلط بالناس، وإذا كان ضرره أعظم من نفعه ولو كان النفع موجوداً فإن مثل هذا يعتزل؛ لأن كما يقول العامة: ألزم ما على الإنسان نفسه، يصلح للناس ويتعرض هو وأسرته لأضرار بالغة هذا ليس من العقل ولا من الدين.
قال: "وحدثني مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه))" أنت ماش في الطريق في البر ووجدت إبل وإلا غنم ثم بعد ذلك قلت: هذه ضروعها ملأى نخفف عنها، يدعي هذا وهو ينتقل من قطين إلى آخر، وكلما مر على شيء شرب منه، ويتعيش ويتقوت من مواشي الناس، هذا لا يجوز له ذلك إلا بإذن.
طالب:......
لا، إذا كنت تعرف أنه لا يكره ذلك، ولا يمنع لا بأس، لكن شخص ما تدري عن وضعه، الأصل أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه.
قال: ((لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه)) وهل يكفي إذن الراعي؟ إذا كان الراعي مخول من قبل المالك لا بأس، إذا عرف من حال المالك أنه شحيح لا يرضى لأحد لا لراع ولا لغيره فيجتنب.
طالب:......
ويش هو؟
طالب:......
ويش هو له.
طالب:......
وإذا لم يرد، استأذن، حديث أبي موسى؟
طالب:......
طيب وإذا ما جاء؟
طالب:......
لا، لا ما يشرب إلا بإذنه.
((لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته)) المشربة غرفة مرتفعة توضع فيها الأمتعة ((فتكسر خزانته فينتقل طعامه)) لأن اللبن طعام، ومخزون في الضرع ((فينتقل طعامه، وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم)) هذه خزائنهم ما عندهم غيرها، ما في أقفال ولا غلق ولا أبواب، ما في إلا الضروع ((فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه)).
طالب:......
نعم؟
طالب:......
إذا عرف أن هذا الراعي مأذون له من قبل المالك لا بأس.
طالب:......
على كل حال الخازن الأمين إذا تبرع ويعرف أن صاحبه لا يمنع مأجور بإذن الله.
طالب:......
على أن الراعي يغلب على الظن أنه مأذون له.
طالب:......
يعني اللبن تقطع به اليد؟
طالب:......
لا، لا هذا من وجه دون وجه.
طالب:......
غير متخذ خبنة، نعم؟
طالب:......
أقول: يأكل غير متخذ خبنة، يعني وهذا...
طالب:......
ذا يحتاج إلى معاناة، اللبن يحتاج إلى حلب، ويحتاج إلى كذا، هذا ما يحتاج إلى معاناة، على كل حال الفرق واضح، نعم؟
طالب: الآن في بعض المحلات قد يدخل واحد ويذوق شيء، أحياناً قد لا....
بنية الشراء؟
طالب: أحياناً قد لا يكون بنية الشراء.
يقولون: الحبة والحبتين والثلاث معفو عنها، لكن الزائد على ذلك يحتاج إلى إذن.
طالب: طيب إن عفا مثلاً المحاسب وقال: خلاص ما في مشكلة، وقد يكون...
إذا دلت القرائن على أن صاحبه لا يحاسبه، أو يأذن له في هذا لا بأس.
طالب: هل يشترط أن أسأله؟
الورع ألا يتعرض لشيء، نعم.
قال:" وحدثني مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من نبي إلا قد رعى غنماً)) قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: ((وأنا))" وكان يرعى غنماً لأهل مكة على قراريط -عليه الصلاة والسلام-، وهذا معروف.
سم.
قال -رحمه الله-:
باب ما جاء في الفأرة تقع في السمن، والبدء بالأكل قبل الصلاة:
وحدثني مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقرب إليه عشاؤه، فيسمع قراءة الإمام وهو في بيته، فلا يعجل عن طعامه حتى يقضي حاجته منه.
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الفأرة تقع في السمن؟ فقال: ((انزعوها وما حولها فاطرحوه)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الفأرة تقع في السمن:
إذا وقعت في السمن لا يخلو إما أن يكون السمن مائعاً أو جامداً، النص ليس فيه تفريق بين الجامد والمائع، مع أنه جاء في خبر فيه كلام لأهل العلم ((فإن كان جامداً فألقوها وما حولها)) وقال به جمع من أهل العلم، لكن ماذا عن المائع؟ المائع إذا وقعت فيه الفأرة ماتت، والجامد ما تموت، بينما المائع تموت فيه، يعني في فرق وإلا ما فيه؟ المائع تغرق فيه وتموت، بينما الجامد قد يغوص بعضها فيه، لكنها لا تموت فيه، ونأتي إلى حديث السمن.
قال: "وحدثني مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقرب إليه عشاؤه، فيسمع قراءة الإمام وهو في بيته، فلا يعجل عن طعامه حتى يقضي حاجته" هذا محمول على أنه كان محتاجاً مضطراً إلى هذا الطعام، يعني كما جاء: ((إذا حضر العَشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء)) نعم هذا عند الحاجة إليه، ولا يعمد إلى أن يكون هذا عادته وديدنه كلما قربت الإقامة قد يأكل إلى أن يفرغ الناس من الصلاة، وهذا محمول هذا أيضاً على أمر يسير خفيف، يمكن أن يتناول مع ذلك تدرك الصلاة، أما أن تضيع الصلوات مع الجماعة بسبب الأكل ويكون هذا ديدن المسلم فلا، إلا إذا احتاج إلى ذلك، واضطر إليه، فالنص دال عليه، النص المرفوع دال عليه.
قال: "وحدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن ميمونة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهي خالة ابن عباس على ما تقدم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الفأرة تقع في السمن؟ فقال: ((انزعوها وما حولها فاطرحوه))" يعني إذا كان جامداً هذا واضح؛ لأنها تلزم مكاناً واحداً، حتى ولو ماتت يلقى ما حوله، لكن إذا كان مائعاً وهي تسبح وماتت وهي تدور فيه، غرقت فيه ما ماتت، فما الحكم؟ منهم من يقول: إن حكم المائع والجامد واحد، والفأرة طاهرة وليست بنجسة، ومع ذلك إذا ماتت في المائع فالذي قبل مكان الموت طاهر ما له علاقة، فتؤخذ وما حولها، فلا يفرق لا طرداً ولا عكساً لا بين المائع ولا الجامد.
ومنهم من يفرق فيقول: الجامد تلقى وما حولها؛ لأنها لن تغوص فيه، ولن تؤثر فيه كثيراً بخلاف المائع فإنها قد تجوبه، وتمر على جميع أجزائه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
"الخلاف معروف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن ما يستعمل للقنية للبس من غير الاتجار به، ومن غير اتخاذه كنزاً ينتظر فيه الزيادة، فهذا لا زكاة فيه عند جمع من أهل العلم، وهو الجاري على القواعد الشرعية، ونظائره كثيرة في حياة المسلمين، ومن أهل العلم من يرى أن فيه الزكاة، وإذا أخرج الزكاة من باب الاحتياط يكون أولى، وإلا فالإلزام لا يتجه.
المباح مستوي الطرفين، بمعنى أنه لا يتناوله أمر ولا نهي، وأما إذا اجتمعت المصلحة والمفسدة على حد سواء فعند أهل العلم درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
على كل حال هذا أمر مرده إلى الله -جل وعلا- يعذبهم كيف شاء.
المسيار جعلوه علم على النكاح الذي تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها من القسم والنفقة، وما أشبههما إذا تراضيا على ذلك، فالأمر لا يعدوهما، إذا تنازلت {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [(128) سورة النساء] سواءً كان قبل العقد أو بعده، بعد التخيير إذا خيرها إما أن تجلسي عندي وعند أولادك بلا قسم، ورضيت بذلك الأمر لا يعدوها، وسودة لما خافت من الطلاق وهبت نوبتها لعائشة -رضي الله عن الجميع-، نعم؟
طالب:......
ويش فيه؟
طالب:......
على كل حال هذا الأمر لا يعدوها، إذا تنازلت فإن الأمر لا يعدوها، تنازلت عن حقوقها فما في إشكال، لكن لا يعني أن المسيار نكاح خفي لا يطلع عليه كما يفعل بعضهم، يخفي حتى الاسم الحقيقي في العقد لا يظهره، هذا لا، الإعلان لا بد منه، أن يعرف الناس أن هذه زوجة فلان، وإلا كون الإنسان يوقع نفسه في مواقع الريب والتهم هذا لا يجوز.
وهذا الرجل يتم ولا يرى القصر في هذا المكان؛ لأنه أقل من ثمانين كيلاً، وهذا المكان أقل من ثمانين بكثير هل نقول له: اقصر كما يقصر أمير المجموعة؟
هذا لا يتجه، لماذا؟ لأنه إذا أتم لن يقول له أحد من أهل العلم: إن صلاتك باطلة، حتى من يوجب القصر، وإذا قصر فإن من يقول بوجوب الإتمام في هذه المسافة يبطل صلاته.
نعم هو من إنشاد الضالة، لكن هو أخف من أن يطلبها لنفسه، كونه يطلب لغيره أخف من أن يطلب لنفسه.
ماء زمزم كغيره من المياه عند الشرب التسمية، وعند الفراغ منه الحمد، ويستحضر النية لما يريده من هذا الشرب؛ لأن ماء زمزم لما شرب له، إن شربه من أجل العلم كما فعله كثير من أهل العلم، وإن شربه من أجل الشفاء من مرض معين يحصل له -إن شاء الله تعالى-؛ لحديث: ((ماء زمزم لما شرب له)) نعم؟
طالب:......
إيه نعم ((طعام طعم، وشفاء سقم)) كما جاء في حديث أبي ذر كما هو معلوم، لكنه مع ذلك هو كغيره من المياه بالنسبة...، يسمي عند أوله, ويحمد عند الفراغ منه، ويستحضر ما يشربه من أجله.
طالب:......
لا، هو ماء مبارك بلا شك، لو صب على رأسه ما في إشكال.
الحاج مسافر، إن كان مسافر ودعاء السفر يشرع له، وكذلك دعاء الرجوع.