كتاب القضاء من المحرر في الحديث - 01
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد،
فنسأل الله الإعانة والتوفيق والتسديد على إكمال هذا الكتاب الذي طال أمده، فزاد شرحه على عشر السنوات، ولم يبقَ فيه إلا الشيء اليسير جدًّا. فبإذن الله نحرص على إكماله في هذا الصيف بحسب التيسير، والله هو المعين والموفق.
فنبدأ درس اليوم في كتاب القضاء، وهو من آخر ما في الكتاب؛ بل آخر ما فيه باستثناء كتاب الجامع. وكتاب الجامع شرحنا منه أحاديث في دروس متعددة سابقة، وعلى هذا فبقية الكتاب لا يزيد على أربعين حديثًا في الكتابين: كتاب الجامع، وكتاب القضاء.
نعم.
طالب: أحسن الله إليكم.
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رَحِمَهُ اللهُ- في كتابه المحرر: "كتاب القضاء".
"عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله : «القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد»".
اثنانِ.
طالب: أحسن الله إليك.
"«اثنانِ في النار، وواحد في الجنة: رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقضِ به، وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار». رواه أبو داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي، (وإسناده جيد).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : «من ولي القضاء أو جُعل قاضيًا بين الناس، فقد ذُبح بغير سكين». رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، (والترمذي وحسنه).
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: «يا أبا ذر! إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأْمُرَنَّ على اثنين»".
تَأَمَّرَنَّ.
طالب: "«لا تَأْمَرَنَّ على اثنين»".
تَأَمَّرَنَّ.
طالب: أحسن الله إليك.
"«لا تَأَمَرَنَّ على اثنين، ولا تُوَلَّيَنَّ مال يتيم»".
تَوَلَّيَنَّ.
طالب: "«ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم». رواه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي قال: «إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنِعم المرضعة، وبئست الفاطمة». رواه البخاري.
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله : «إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحُجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئًا فلا يَأْخُذُهُ فإنما أقطع له»".
فلا يَأْخُذْهُ.
طالب: "«فلا يَأْخُذْه فإنما أقطع له قطعة من النار».
وعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر». متفق عليهما.
وروى الإمام أحمد بإسناد لا يصح من حديث عبد الله بن عمرو: «إذا قضى القاضي فاجتهد فأصاب فله عشرة أجور، وإذا اجتهد فأخطأ كان له أجر أو أجران».
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: «كتب أبي، وكتبت له إلى عبيد الله بن أبي بكرة، وهو قاضٍ بسجستان، أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان».
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي قال: «بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك أنتِ، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود -عليهما السلام- فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما! فقالت الصغرى: لا، يرحمك الله هو ابنها! فقضى به للصغرى». قال: قال أبو هريرة: والله إني سمعتُ".
إنْ سمعتُ.
طالب: "والله، إنْ سمعتُ بالسكين قط إلا يومئذ، ما كنا نقول إلا: المُدِّيَّة".
المُدْيَة.
طالب: أحسن الله إليك.
"ما كنا نقول إلا: المُدْيَة. متفق عليهما، واللفظ لمسلم. وقال البخاري: «لا تفعل يرحمك الله».
وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله : «إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقضِ للأول حتى تسمع كلام الآخر، فسوف تدري كيف تقضي، قال علي: فما زلت قاضيًا بعد». رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وهذا لفظه، وقال: حديث حسن. ورواه ابن المديني في كتاب العلل وقال: هذا حديث كوفي، وإسناد صالح".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعدُ، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب القضاء".
الكتاب مر التعريف به مرارًا، بحسب وروده في هذا الكتاب وفي غيره من الكتب. قد جرت عادة المصنفين من أهل العلم في كافة العلوم الشرعية أنهم يؤلفون الكتب، ويصنفون ويجزءون هذه الكتب إلى أبواب كبيرة جدًّا ينضوي تحتها أبواب أصغر منها، ثم بعد ذلك إلى أبواب أصغر، يسمون الأولى بالكتب، فينضوي تحت هذه الكتب أبواب متعددة تنحصر في مسائل، وهذه الأبواب يسمون كل باب منها بابًا. أيضًا يجزئونها إلى فصول، وهذه الفصول إلى فوائد وتنبيهات، إلى غير ذلك مما جروا عليه في العُرف العلمي الخاص بالتأليف.
هنا قال: "كتاب القضاء"، ثم وضع تحته "باب أحكام القضاء"؛ لأن القضاء يشتمل على أكثر من باب منها أحكام القضاء.
الكتاب مصدر كَتَبَ يَكْتُبُ كِتَابًا وكِتَابَةً وكَتْبًا، إلى غير ذلك مما كررناه، ومله أكثر الطلبة الذين يحضرون الدروس.
و"كتاب" مضاف، وهو خبر لمبتدأ محذوف تقدير: هذا كتاب، و"القضاء" مضاف إليه. "القضاء" يطلق ويراد به الفراغ من الشيء، ويطلق ويراد به الحكم كما هنا: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]، يعني فرغ منهن، ويطلق ويراد به الأمر: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، أمَرَ وحَكَم، ويراد به الحكم وهو فَضُّ الخصومات كما هو المقصود هنا.
"باب أحكام القضاء"، يعني مما جاءت به السنة؛ لأن الكتاب خاص بالأحاديث التي وردت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. وأما في الكتب الفقهية فهو في الأحكام المستنبطة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ومن جاء بعدهم.
هذا خاص بالأحاديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرفنا مما مر بنا أن الكتاب فيه الأحاديث الصحيحة، وهي الكثير الغالب، وفيه الأحاديث التي دونها في الرتبة، مما يحكم عليه أهل العلم بالحُسن، وفيه أحاديث لا ترقى إلى درجة الحسن فتبقى في حيز الضعيف، لكنها قليلة جدًّا.
الحديث الأول، يقول -رحمه الله-: "عن سليمان بن بريدة"، ابن بريدة بن الحصين الصحابي الجليل، وابنه سليمان، وله أبناء.
"عن أبيه"، يعني: عن بريدة بن الحصين "قال: قال رسول الله : «القضاة ثلاثة»"، والحصر في هذا العدد من أجل ضبط ما سيُلقى؛ لأنه لو قال: القضاة بعضهم في الجنة، وبعضهم في النار من غير حصر، يمكن يفوت بعض الأقسام، أو لا يضبطها السامع. لكن إذا قيل: "«ثلاثة»" تتبع بأصابعه: الأول، الثاني، الثالث، ثم لا يزاد على ذلك ولا ينقص. وأحيانًا يكون الحصر حقيقيًّا لا مزيد عليه. وأحيانًا يكون إضافيًّا نسبيًّا بالنسبة للوقت الذي تُكلِّم فيه بالحديث؛ ولذا جاء في الحديث الصحيح من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة»، مع أنه جاء في مجموع الأحاديث ما يزيد على ذلك؛ بل وصلوا إلى سبعة، والرسول- عليه الصلاة والسلام- والحديث صحيح قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة». فالحصر في وقت الحديث، ثم زِيد عليهم فيما أُخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذا من شراح الحديث من أساء الأدب مع النبي ﷺ وقال: في هذا الحصر نظر. هذا يُنظِّر في كلام من؟ في كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذا سوء أدب.
"«القضاة ثلاثة»"، هل نستطيع أن نوجِد رابعًا؟ قاضٍ عرف الحق وحكم به؛ هذا في الجنة. والآخر: قاضٍ عرف الحق وعدل عنه وجار، هذا في النار. وقاضٍ لم يعرف الحق، جاهل، فقضى بجهل؛ فهذا أيضًا في النار وهو مخطئ ولو أصاب الحق، لو وافق الحق فهو محكوم عليه بأنه في النار. وهذا الحكم لا شك أنه وعيد، وهو مستحق لهذه العقوبة إن لم يتداركه الله -جل وعلا- بعفو منه ومغفرة ورضوان، ويكفر هذه السيئة عنه أو يتوب.
على كل حال يقول النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "«القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة: رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة»".
"«عرف الحق»"، تعلم، وتأهل، وصار أهلاً لأن يقضي بين الناس، وأهلاً لأن يفض الخصومات، وأهلاً لأن يوصل الحقوق إلى أربابها وأصحابها، وأهلاً لأن يكف شر الأشرار. هذا تعب على تحصيل العلم، وأخلص لله -جَلَّ وعَلا- حتى أدرك ما يكون به عالمًا يصلح لهذه المهمة.
والقضاء له شروط، وله آداب معروفة في كتب الفروع والكتب الخاصة في القضاء، وهي معروفة عند أهل الشام.
"«رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة»"، والقضاء مع التأهل والنية الصالحة الخالصة لله- جَلَّ وعَلا- من أفضل الأعمال؛ لأن الناس بدون القضاء تصير أمورهم فوضى، لا يُعرف المحق من المبطل. والقضاء في الأصل فرض كفاية، لا بد من أن يقوم به من يكفي، فإذا قام به من يكفي صار في حق البقية سنة، وإذا تعين على شخص بأن لا يوجد غيره يصلح لهذه المهمة تعين عليه، ولم يجز له أن يعتذر أو يتهرب، لا يجوز له ذلك؛ لأنه صار فرض عين عليه، أما إذا قام به من يكفي فإنه يصير في حق البقية سنة. ويأتي كثير من طلاب العلم الذين يُرشحون للقضاء يستشيرون، لا شك أن القضاء مذلة قدم، وأن السلف تدافعوه؛ بل بعضهم من رفض رفضًا باتًّا وضُرب على ذلك من الأئمة، ولا شك أن الأكفاء في عهد السلف كثير، فإذا رفض بعضهم، وأبى بعضهم يوجد غيرهم. لكن في وقتنا هذا وإن كثر المتعلمون، الآن ما فيه بيت ما به متعلم أو أكثر، بل بعض البيوت كلهم متعلمون، وهذا في شأن أو في جميع فروع العلم. كنا إلى وقت قريب الحفاظ للقرآن قلة جدًّا، والآن يندر أن يوجد بيت ما فيه حفاظ من الذكور والإناث، ولله الحمد. ولكن الإشكال في العمل، والإشكال في الإخلاص، كثير من المتعلمين الذين نراهم يتعلمون، وتعلموا في التعليم النظامي تجد عندهم خللًا في النية، كثير منهم جاء يتعلم من أجل ما يترتب على هذا التعليم من شهادات ووظائف؛ ولذلك تجد التعبد عندهم فيه ضعف.
يوجد من أهل الفضل والخير والإخلاص كثير، ولله الحمد، لكن في السابق الناس يتعلمون لله؛ لأنه ما فيه وظائف ولا فيه شهادات، ولذلك تجد حرصهم على العمل والتطبيق ظاهر، وتجد أول من يبادر إلى الصلاة أهل العلم وطلاب العلم.
الآن تجد كثيرًا من طلاب العلم ما فيه فرق بينهم وبين العامة، في أطراف الصفوف، قد يفوتهم بعض الركعات. فالعبرة بالعمل، والعلم يهتف بالعمل إن أجابه وإلا رحل، وطالب العلم الذي لا يعمل، وإن شئت فقل: العالم الذي لا يعمل بعلمه هذا في حقيقة الأمر والواقع جاهل. «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله»، وهذا خبر من النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- مع أن الخبر فيه كلام لأهل العلم، وتحسينه منقول عن الإمام أحمد وغيره؛ ولذا حكم ابن عبد البر أن كل من يحمل العلم فهو عدل، يقول الحافظ العراقي: (قلت: ولابن عبد البر كل من عُني بحمله العلم ولم يُوهن فهو عدل بقول المصطفى يحمل هذا العلم لكن خولفا)؛ لأن الواقع يرده؛ لأننا نجد من يحمل العلم ويتصدى للتعليم نجد عندهم مخالفات عندهم معاصٍ. ولكن الحديث معناه وإن كان خبرًا فهو في حقيقته أمر للعدول بحمل العلم وعدم ترك المجال للفساق أن يحملوا العلم؛ لأنهم لا يؤمَنون عليه، فكأنه قال: ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، وإلا فالفاسق جاهل ولو حمل ما حمل مما هو في ظاهره من العلم.
على كل حال: إلى وقت قريب والقضاة في بلدان المسلمين كل شيء، فهم القضاة وهم المفتون، وهم أهل الحسبة، وهم لديهم كل شيء، والولاة لتنفيذ ما يحكم به القضاة؛ بل إن القضاة- وأُثر عن في قضايا كثيرة عن السلف من الولاة والقضاة أن منهم من مَثل بين يدي القاضي مع خصمه وهو من الولاة، والقصص في هذا كثير، وأخبار القضاة لوكيع وغيره مملوءة من هذا الشيء.
وكان القضاة في عصر السلف مع علمهم وإخلاصهم يحكمون على من مَثَل بين أيديهم، القاضي شريح، وهو من أشهر القضاة في التاريخ الإسلامي جاءه ولده وقال له: يا أبتِ إن بيني وبين بني فلان خصومة فانظرها إن كان لي الحق قدمت، وإن كان الحق علي ما تعبت، ولا أتعبت الناس. فقال: اعرضها، فقال: هاتهم، الحق لك، فجاء بهم فحكم عليه! قال: كيف تكلفني أجيء بهم، وأكلف هؤلاء يحضرون في مجلس القضاء، وفي النهاية لا شيء؟ قال: نعم، أعرف أن الحق لهم، وليس لك، لكن لو قلت الحق لهم ذهبت إليهم لتصالحهم ولو على شيء يسير، قطع عليه الخط. والأخبار في هذا كثيرة جدًّا.
ومع الأسف أن الأمور تغيرت، وبدلاً من أن يُحكم بشرع الله استبدل الناس حكم الله بحكم البشر، واستبدلوها بالقوانين الوضعية، فساءت أحوالهم وانتكست أمورهم، وصاروا من سفال إلى سفال. ومسألة الحكم بغير ما أنزل الله مسألة كبرى، ونصوصها في الكتاب والسنة لا تكاد تُحصر.
"«رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة»"، والمطلوب من الشخص أن يعرف الحق؛ لأنه إذا لم يعرف الحق فكيف يقضي بين الناس؟ وإذا لم يعرف الحق صار الثالثَ من هؤلاء القضاة وهو في النار على ما سيأتي.
"«رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقضِ به»"، قضى بالباطل، وحكم للمبطل، وحرم المحق من حقه، وجار في الحكم. إذا لم يقض بالحق فمن الضروري أن يجور، إذا قضى بالباطل فقد قضى بالجور. فقوله: وجهر بالحكم تصريح بما هو مجرد توضيح، إلا أنه قد يقال: عرف الحق فلم يقضِ به، ترك القضية وأحالها إلى غيره، يمكن. لكن لما قال: وجار في الحكم، معناه أنه قضى بالباطل بعد أن عرف الحق، فهو في النار، نسأل الله العافية.
"«ورجل لم يعرف الحق»" جاهل، "«فقضى للناس على جهل»"، ما عنده إلا جهل، لا بد أن يقضي بين الناس بالجهل؛ لأنه هذه بضاعته، "«فهو في النار»"، نسأل الله السلامة والعافية.
يقول: "رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وإسناده جيد"، والحديث له طرق يصل بمجموعها إلى الصحيح لغيره.
ونعود إلى كلمة "جيد": الجيد سواء حُكم على الإسناد به أو على الحديث بمجموعه، يعني صحيح، وجاء عند الترمذي ثلاثة أحاديث بدلاً من أن يقول: هذا حديث حسن صحيح، قال: هذا حديث حسن جيد، فجيد تعني صحيح عندهم، وهذا قرره أهل العلم. لكن قال ابن حجر أن الجهبذ، وهو النقاد الخبير لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة، فقد يكون مترددًا في حكمه عليه بالصحة وإن جزم بأنه تعدى مرحلة الحسن، فبدلاً من أن يقول: صحيح ويجزم بذلك يقول: جيد. فهي في حقيقتها وإن قالوا: إنها بمعنى الصحيح، فكلامهم هذا يبين المراد، وهو أنه في أدنى مراتب الصحة، وليس في أعلاها.
قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "وعن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قال: قال رسول الله : «من وَلِيَ القضاء»"، أو: "«من وُلِّي»"، فهو يُولَّى من قبل الإمام، يوليه القضاء، أو من ينيبه في تولية القضاة فهو يولَّى، ومن وُلِّي فقد وَلِي. يعني ما فيه إشكال أن يقال: "«من وَلِيَ»" أو "«وُلِّي»"، فالمعنى واضح، لا يوجد من يُولي نفسه مع انتظام الأمور وإناطتها بولي الأمر، الإمام الأعظم، ما فيه أحد يولي نفسه.
"«من وَلي القضاة أو جُعل قاضيًا بين الناس فقد ذُبح بغير سكين»"، "«ذبح بغير سكين»"، الذبح الأصل فيه الإزهاق، إزهاق الروح بفري الأوداج أو بقطع ما لا تثبت معه الحياة، هذا الأصل فيه وحقيقته. ويتجوز في الكلمة فتطلق على الهلاك، ومعنى هذا أن من «ولي القضاء أو جعل قاضيًا»" فقد هلك.
هذا الحديث والذي قبله وما في معناهما، هذا هو الذي جعل بعض العلماء يرفض القضاء، ويعتذر عنه، ويُضرب عليه، فلا يستجيب، وعندنا من الشباب الصالحين المؤهلين للقضاء يترددون، ومع كثرة المحاولة معهم مع أهليتهم لمثل هذه النصوص، وهذه النصوص لا شك أنها في حق من لم يحكم بعلم ولم يتأهل. كالفتوى، الفتوى فيها الوعيد الشديد على من أفتى بغير علم، وكذلك القضاء فيه الوعيد على من قضى بغير علم. وكان القضاء منوطًا بشخص واحد، هو الذي يتولى القضية من بدايتها إلى نهايتها، ويشرف على تنفيذها. الآن خفت المسألة؛ لأنه إن أخطأ فعنده من يسدِّده من القضاة الأقدم والأكبر سنًّا والأعلم، فالأمر أخف من ذي قبل؛ لأنه أولاً قد يحكم بمال أو بفروج أو بدماء، ويَنفذ حكمه، ويُنفذ، ثم يتبين له أنه أخطأ. كيف يتدارك ويتراجع؟ الآن وراءه جهات قضائية أرفع وأعلى منه وأمكن في هذا الباب منه.
"«فقد ذُبح بغير سكين»"، لا بد أن نعرف الذبح هنا هل هو الحقيقي بفري الأوداج؟ لا. رجل قال لولده ولد له صغير: البس لا يذبحك البرد، هذا في الشتاء القارص، قال: البس لا يذبحك البرد، قال: ما عنده سكين. هذا سببه الجهل بمدلولات الألفاظ واستعمالها في لغة العرب، وأنها أوسع من أن تكون كلها حقائق، وهي حقائق، لكن أوسع من أن تكون حقائق لغوية أو شرعية أو عرفية. وعلى كل حال المعنى واضح.
يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه"، وهو كسابقه له طرق يرتقي بها إلى الصحيح لغيره.
ثم قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "وعن أبي ذر -رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ- أن رسول الله قال: «يا أبا ذر»" جندب بن جنادة الغفاري، أبو ذر صحابي جليل صادق اللهجة ومعروف بزهده وانصرافه عن الدنيا. ولُبس زورًا وبهتانًا بالاشتراكية، وأُلِّف من قبل بعض المفتونين في هذا الباب ما سمي باشتراكية أبي ذر، أو أبو ذر الاشتراكي الزاهد. أبو ذر -رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ- له مذهب في المال، لا يرى جمع المال لأن الدنيا لا تستحق من يتعب وراءها ويجمع ويترك المسلمين في الجوع وفي العراء وفي البرد ويتنعم ويكنز الأموال، فهو يرى أن تُوزع هذه الأموال لا على سبيل الوجوب، هو من باب الحض، حض الناس على الصدقة، وحض الناس على التوسعة على إخوانهم المسلمين. فهو بريء مما زُعم أنه يتبناه من اشتراكية مجرمة التي تأخذ الأموال ظلمًا وقهرًا من أصحابها، وتعطيها لأناس قد يكونون أغنى من أصحابه، وليتهم إذ تبنوا هذا المذهب عدلوا فيه، ما عدلوا فيه، يأخذونه من صاحبه الذي تعب عليه، ويعطونه غيره ممن لا يستحق، والفقير فقير جالس، نسأل الله العافية. والاشتراكية بان عوارها وخللها وجورها وظلمها، وكادت أن تنمحي من الوجود، ولله الحمد والمنة.
"قال: «يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي»"، «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، إذا كان هذا من النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يحب لأبي ذر ما يحبه لنفسه، وقال لمعاذ: «إني أحبك»، يحبه من أجل أيش؟
من أجل دينك «فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك». وهنا يقول لأبي ذر: "«وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين»"؛ لأن أبا ذر فيه ضعف، ولديه عاطفة، يتأثر بأدنى شيء، فإذا تأمر على اثنين لا يُحسن، قد لا يحسن قيادة ولو اثنين؛ لأنه ضعيف، يأتي هذا يشكو فيصدق، ويأتي ذاك يشكو فيصدق، وهكذا؛ لضعفه -رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ وأرضاه-، وسيرته مشهورة ومعروفة ومدونة في كتب الصحابة وغيرهم من كتب السير.
"«لا تأمرن على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم»"؛ لأن اليتيم أيضًا ضعيف لا يستطيع الدفاع عن نفسه وعن ماله، فإذا تولى عليه مثل هذا الضعيف صار ضعفًا على ضعف، قد يضيع، يأتي أهل الحيل وأهل الحجج فيضحكون عليه وعلى وكيله، ثم يذهب ماله سدى؛ ولذا قال: اليتيم ضعيف، وأنت ضعيف، فما يصلح أن يجتمع ضعيفان، وهذه سياسة شرعية في الولايات، ينبغي أن يختار لها القوي الأمين، ما يكفي قوي دون أمانة، ولا تكفي ديانة وأمانة من دون قوة، لا بد من القوة والأمانة، وإذا رُئِيَ أن هذا يصلح لهذه الوظيفة أو لهذا العمل، ولوحظ عليه شيء من الضعف يُختار له نائب قوي، أو العكس: أو يكون فيه قوة وشدة وهو أصلح الموجودين، فيُختار له نائب يُخفف من قوته على الناس، فتصلح الأمور بهذا، ويكون بذلك التسديد والمقاربة.
"رواه مسلم"، فمن حديث أبي ذر نأخذ أنه على ولي الأمر أن يختار لهذا المنصب ولهذا المرفق المهم الكفءَ، من يتوافر فيه العلم مع الديانة والقوة والأمانة، كل هذا لا بد منه.
"وعن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ- عن النبي قال: «إنكم ستحرصون على الإمارة»". "«ستحرصون على الإمارة»"، وقال النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لعبد الرحمن بن سمرة: «يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإنك إن أُعطيتها من غير مسألة أُعنت عليها، وإن سألتها وأعطيتها عن مسألة وُكلت إليها وإلى نفسك»، من يوكل إلى النفس يوكل إلى ضعف وعجز فيُخذل، ومن يُعان على ما أنيط به إذا كُلف به من غير مسألة فإنه يجد التوفيق والتسديد من الله -جَلَّ وعَلا- والإعانة.
"«إنكم ستحرصون على الإمارة»"، وهذا ليس خاصًّا في الإمارة العرفية التي تختص ببعض الأمور، إنما جميع ما فيه ولايات على الناس: إدارة المدرسة مثلاً إمارة، رئاسة كذا إمارة. إذًا هي بمعناها العام تشمل؛ لأن المعنى واضح.
"«إنكم ستحرصون على الإمارة»"، في السابق ما فيه ولايات، الولايات قليلة: هو الأمير، والأمير هذا يسمى عاملًا، وهو الذي يدير الشئون كلها، وفي الأصل هو القاضي، وهو المنفِّذ. الأمور ما توسعت وتشققت إلى أن وصلت إلى ما نحن فيه، بعد ذلك من احتيج إلى تعيينه في عمل يتولى به أمور الناس يطالب بمثل هذا، فلا يحرص عليها، وإذا عُين وكُلف فإنه يُعان. قد يرى من نفسه الأهلية، ولا يرى من يقوم بهذا العمل غيره، سواء كان إمارة أو قضاءً أو غير ذلك، له أن يسأل؛ لأنه حينئذ تعين عليه، ولذا قال يوسف -عليهِ السَّلامُ-: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} [يوسف: 55]، فإذا تعين على الإنسان بحيث لا يوجد غيره، فإن تأخر عن القبول أثم، وإذا رأى أن غيره لا يقوم به ويترتب على ذلك تضييع المصالح فإنه لا مانع من أن يسأل ويحرص عليها.
"«إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة»"؛ لأن الإمارة والمسئولية فيها وجاهة بين الناس، وفيها تمكُّن من الحصول على ما يطلبه الإنسان بواسطة هذا المنصب وهذا الجاه، وفي هذا منفعة في الدنيا ولذة ورفعة، فالنفوس مجبولة على أن تُقدَّم، وتحترم، وتقضى حوائجها، مجبولة على هذا في الجملة، لكن تُخطم بخطام الشرع، الإنسان ينظر إلى العواقب، الدنيا فانية، قد يستفيد في دنياه، لكن في النهاية يجد نفسه في خسارة، الدنيا كلها ممر ومعبر ومزرعة للآخرة، فإذا اتُّخذت الهدف فالعاقبة الخسارة والندامة. الإنسان أو الإنس والجن عمومًا إنما خلقوا لتحقيق العبودية لله -جَلَّ وعَلا-، وكون الإنسان يسعى في هذه الدنيا استجابة لقوله -جَلَّ وعَلا-: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77] إنما هو من أجل تحقيق هذا الهدف، فإذا كانت الوسيلة على حساب الغاية، فهذا خسران بلا شك.
ولذا قال: "«فنعم المرضعة»"، البدايات قد يترتب عليها شيء من المصالح الدنيوية.
"«وبئست الفاطمة»"، يعني في النهاية وقت الخروج من الدنيا تعرف ماذا أنت عليه، (ستعلم إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار). الإنسان في هذه الدنيا قد يطيش عقله ويغتر بغرورها، وهي فيها شبه من الخمر بحيث تغطي على عقل الإنسان، ثم في النهاية والعاقبة يتبين ما هو عليه. ورأينا من أرباب الدنيا الذين يحرصون عليها من الطمع والجشع ما يجعلهم يتصرفون تصرفات من أجل هذا الكسب، تشبه تصرفات المجانين، بل بعضهم وصل إلى هذا الحد، ففيها شبه من الخمر. ورأينا نماذج في أوقات الأسهم، إذا ارتفعت الأسهم، وكثرت المكاسب تجد، تعال إلى الصلاة في البنوك وتشوف، ثم إذا خسرت خسارات باهظة تجد كذلك من فَقدَ عقله، ووُجد من يصلي ويشاهد الشاشات في صالات البنوك وهو ساجد يرفع صوته ويقول: آمين! هذا النوع سُكْر. فعلى الإنسان أن يعتني برأس ماله وهو الدين، لا مانع أن يلتفت إلى شيء من الدنيا يستعين به على إقامة دينه وتحقيق الهدف الذي من أجله وُجد.
"«فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة»"، إذا خرج من هذه الدنيا أو كان على أبواب الخروج قد يتبين له شيء من الخلل الذي وقع فيه. وأما وهو في سُكره في بداية الأمر وفي أثنائه قد لا يشعر، والسعيد من اتعظ بغيره. وقد ينتبه الإنسان، ويستيقظ قلبه وضميره في أثناء هذا العمل وينتبه ويقصر من غلوائه في هذا الباب، ويلتفت إلى دينه، ويجمع بين دينه ودنياه، وهذا يمكن مع التسديد والمقاربة، والأمثلة على ذلك في تاريخ الإسلام كثيرة جدًّا، ولله الحمد.
"رواه البخاري".
ثم قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "وعن أم سلمة -رَضِيَ اللهُ عَنها- قالت: قال رسول الله : «إنكم تختصمون إلي»"، الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول: "«إنكم تختصمون إلي»"، وهذا في عصره، والخطاب في أصله للصحابة -رضوان الله عليهم-، عندهم قضايا وعندهم خصومات وليسوا بمعصومين، ولكنهم لا ينشدون إلا الحق.
"«إنكم تختصمون إلي»"، يتقاضون إلى النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.
"«ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض»"، بعض الناس لديه بلاغة، ولديه فصاحة، ولديه ترتيب للمعلومات، يُخيل ويلبس على القاضي أنه هو صاحب الحق. وبعضهم يكون ضعيف الحجة، فلا يستطيع أن يقيم الأدلة والبراهين على دعواه، فيضيع حقه لضعفه. ولذا جاء في الحديث الصحيح: «إن من البيان لسحرًا»، ومن هذا السحر أن يموه على القاضي ببلاغته وفصاحته حتى يُخيل إلى القاضي أنه المحق، وخصمه أضعف منه فلا يستطيع أن يقارع حجته بحجة مماثلة.
وعلى كل حال من قُضي له -كما في الحديث-: "«فأقضي له على نحوِ أو نحوٍ مما أسمع»"؛ لأن القاضي الواجب عليه أن يعمل بالمقدمات الشرعية، فإذا سمع من المدعي، وطلب منه البينة، وأقام البينة عليها، وسمع من المدعى عليه وقضى بواسطة البينة أو لم تكن له بينة، فطلب اليمين من المنكِر فحلف، أو نكل ورُدت اليمين على المدعي، إلى غير ذلك من المقدمات الشرعية في القضاء، ثم حكم على ضوء هذه المقدمات، واجتهد وحرص على إيصال الحق إلى صاحبه، ثم تبين له من خلال هذه المقدمات أن الحق لفلان، إذا اجتهد بهذا الشرط، يعني أنه من أهل الاجتهاد، وقضى على ضوء المقدمات ولو لم يُصب. الحكم صحيح، وأجر القاضي ثابت، ولكن يبقى أن المدعي إذا عرف أن الحق لخصمه فإنه لا يجوز له أن يأخذ ما حُكم له به في جميع الأبواب، لا في الأموال ولا في الفروج ولا في غيرها.
"«فأقضي له على نحو مما أسمع»"، "«مما أسمع»" منه.
"«فمن قطعت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار»"، نسأل الله العافية.
فحكم الحاكم لا يبيح للمحكوم له، ولا يُحل له أن يأخذ ما حُكم له به وهو يعلم خلاف ذلك، فالحكم وإن أباحه ظاهرًا ومكَّنه منه؛ فإنه في الباطن لا يجوز له أنه يأخذه يأخذ ما قُطع له بغير حق.
"«فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار»"، من تمام الحديث: «فليأخذها أو ليدعها»، إذا عرف أنها قطعة من النار وهو عاقل يعرف أن النار ضارة، لكن قد يغطي على عقله حبُّ الدنيا والطمع والجشع، فتجده يقيم شهود الزور، ويُحكم له بالأموال والفروج بغير حق، ومع ذلك يُقدم عليه، نسأل الله العافية. وهنا يُقدم عليه، وهذا من خذلانه، نسأل الله العافية. الذي يعرف بالنص أن هذا نار، ويُقدم عليه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10]، ومع ذلك يوجد من يُقدم على أموال اليتامى ويأكلها، نسأل الله العافية.
في كتب الحنفية أن حكم الحاكم يبيح للمحكوم له، بما حَكم به الحاكم يبيح له، ويحله له ظاهرًا وباطنًا. وهذا القول مردود بهذا الحديث، وهو في الصحيحين، حديث متفق عليه. وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. لو قال الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- شيئًا وخالفه من خالفه مهما كانت منزلته فإنه يرد عليه أو يُضرب به عرض الحائط، والأئمة صرحوا بذلك، كلهم صرحوا بأن أقوالهم إذا خالفت ما جاء عن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أن يُضرب بها عرض الحائط، كلهم منقول عنهم حتى أبو حنيفة -رَحِمَهُ اللهُ- والشافعي ومالك، وأما الإمام أحمد فإمام السنة وإمام أهل السنة.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.