التعليق على تفسير سورة الحجرات من تفسير الجلالين (02)

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى- في تفسير الآية السادسة من السورة يقول : ونزل في الوليد بن عقبة وهو ابن أبي معيط وقد بعثه النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى بني المصطلق مصدقًا" يعني يجبي الصدقات لأنهم اسلموا فبعث إليهم النبي –عليه الصلاة والسلام- الوليد بن عقبة ليجمع صدقاتهم بعثه ساعيًا "فخافهم" لأنهم لما علموا بمقدمهم خروجوا لاستقباله ودفع الصدقات له "فخافهم لترة كانت بينه وبينهم" هناك عداوة قديمة بينه وبينهم فظن أنهم يريدون الوقيعة به خافهم ورجع "لترة كانت بينه وبينهم في الجاهلية فرجع فقال إنهم منعوا الصدقة وهموا بقتله، فهم النبي –صلى الله عليه وسلم- بغزوهم فجاؤوا منكرين ما قاله عنهم" لما رجع الوليد بن عقبة إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- قال له ما قال بعث إليهم النبي –عليه الصلاة والسلام- خالدًا بن الوليد ليتأكد من كلامه من قوله فرآهم على خير ما يتوقع سمع الآذان ورأى الصلاة ورأى أنهم على خير ما كانوا عليه.. ما عاهدوا النبي –عليه الصلاة والسلام- عليه "فهم النبي –صلى الله عليه وسلم- بغزوهم" يعني بعث إليهم خالد بن الوليد لكنهم جاؤوا منكرين إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- ما قاله عنهم الوليد بن عقبة فأنكروا ذلك، فنزل قوله –جل وعلا- : {يَا أَيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتبَيَّنُوا} {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} الفاسق من الفسق وهو الخروج كما يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها والفاسق من المسلمين هو الذي خرج عن حضيرة الالتزام التام بارتكاب بعض المعاصي من ترك مأمور أو فعل محظور هذا فاسق "{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} يعني بـ "خبر" {عَمَّ يَتَسَائَلُونَ*عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيم} [سورة النبإ:1-2] يعني "خبر {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} يعني خبر {فَتبَيَّنُوا} صدقه من كذبه" تبينوا لابد من التبين والتريث وعدم العجلة {فَتبَيَّنُوا} وهذه قراءة الأكثر، وقرأ حمزة والكسائي: {فَتَثَبَّتُوا} والمعنى واحد، قال: "وفي قراءة {فَتَثَبَّتُوا} من الثبات" الصواب من التثبت لا من الثبات، {فَتَثَبَّتُوا} من التثبت لو قال: اثبتوا صارت من الثبات لكن "{فَتَثَبَّتُوا} من التثب {يَا أَيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتبَيَّنُوا} أو {فَتَثَبَّتُوا} تريثوا في قبول خبره" لأن الفاسق ليس بأهل لأن يقبل خبره فالخبر إنما يقبل من العدول الثقات، وأما الفاسق لا يؤمن أن يكذب في خبره لا يؤمن عليه الكذب ولزيادة والنقص لأنه ليس عنده من الدين ما يردعه عن ذلك، فلابد من التبين والتثبت، والمفهوم من الآية أن خبر العدل لا يحتاج إلى تبين ولا تثبت فهو مقبول هذا واحد فاسق أمرنا بالتثبت بخبره مفهومه أنه لو كان عدلاً ولو كان واحدًا أنه يقبل خبره من غير تبين ولا تثبت ففي هذا أي مفهوم الآية وجوب قبول خبر الواحد خلافًا لأهل البدع الذين يردون خبر الواحد لا سما في العقائد، والأدلة على قبول والواحد مستفيضة في السنة أكث من أن تحصر، فالمعتزلة لا يرون قبول خبر الواحد فلا بد من أن يروي الخبر اثنين عن اثنين على الأقل، وعموم المبتدعة يخصون الرد بأخبار العقائد فيطلبون للعقائد ما فوق خبر الواحد مما يسمى خبر بالمتواتر الموجب للعلم، قد يقول قائل من أهل العلم وهم محسوبون على أهل السنة من يرى أن شرط الإمام البخاري في صحيحه أن لا يُخرج لواحد متفرد بالرواية بل لابد أن يكون الخبر يرويه اثنان عن اثنين إلى آخر السند، وهذا القول قال به بعض الشراح كأبي بكر بن العربي والكرماني الشارح في مواضع من شرحه ردد هذا، ويفهم من كلام الحاكم أبي عبد الله والبيهقي لكن هذا الكلام ليس بصحيح، هذا ليس بصحيح، فغرائب الصحيح ترد هذا الكلام وأول حديث في صحيح البخاري وآخر حديث فيه يردان هذه المقالة، حديث الأعمال بالنيات فرد مطلق تفرد بروايته عمر بن الخطاب وعن علقمة بن وقاص وعنه محمد بن تميم التيمي فقط وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري ثم انتشر يعني في أربع طبقات تفرد مطلق، هذا يرد هذه المقالة وآخر حديث أيضًا: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن» مثله تفرد مطلق في أربع من طبقات سنده، فهذا القول ليس بشيء ولذا يقول ناظم النخبة لما ذكر العزيز قال:

وَلَـــيْــسَ شَـــرْطًا لِلصَّــحِــيــــحِ فَـــــاعْـــــلَـــمِ   وَقِـــيــلَ شَـــرْطٌ وَهُــــوَ قَـــولُ الْحَــاكِــمِ

وفي بعض النسخ:

..............................................   وَقَـــدْ رُمِــــي مَــــنْ قَـــالَ بِالتَّوَهُّــــــــمِ

فليس هذا بشرط إنما يقبل خبر الواحد، وقد يقول قائل: أن عمر –رضي الله تعالى عنه- رد خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد وهذه شبهة من يرد خبر الواحد، نعم عمر يتحرى للسنة وإلا في مواقع كثيرة قبل خبر الواحد والنبي –عليه الصلاة والسلام- أرسل الوفود إلى الملوك يحملون تبليغ الرسالة وهم أفراد فخطابه -عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل إنما بعثه مع دحي الكلبي وما رده وقال إن هذا الخبر لا يقبل لأنه واحد ولو لم تقم به حجة لما أرسله النبي –عليه الصلاة والسلام- فهذا القول لا يعول عليه وفعل عمر وصنيعه –رضي الله عنه- إنما هو من باب الاحتياط للسنة وإلا فقد قبل خبر الواحد في مناسبات كثيرة، {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا} هذا مفعول أن وما دخلت عليه في تأويل مفعول لأجله يعني خشية أن تصيبوا قومًا يقول: مفعول له أي مفعول لأجله أي خشية ذلك بجهالة حال من الفاعل الذي هو الفاعل؟ الواو الواو في تصيبوا، ولو كان حالاً من المفعول أن تصيبوا قومًا جاهلين تصيبوا قومًا حال كونكم جاهلين، ولو كان حال من المفعول لقلنا أن تصيبوا قومًا حالة كونهم جاهلين ولا يتجه هذا أبدًا، {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} لأن العمل أو العلم المبني على قول فاسق ليس بعلم العمل أو العلم المبني على خبر فاسق ليس بعلم، ولذا المتجه أن ما يحمله الفساق من العلم ليس بعلم، ولو عرفوا بعض الأحكام بأدلتها وبأقوال العلماء فيها وتوسعوا في معرفتها لكنه جهل لأن الذي يعصي جاهل شاء أم أبى، الذي يعصي الله –جل وعلا- جاهل {إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالةٍ} [سورة النساء:17] ما معنى الجهالة هنا؟ هل نقول أنهم لا يعرفون الأحكام؟ لا، يعرفون الأحكام يعرف أن الخمر حرام ويشرب خمر، يعرف أن الخمر حرام بدليله من الكتاب والسنة ويشرب خمر نقول هذا ليست له توبة؟ له توبة بالإجماع يعرف أن الزنا محرم ومجمع على تحريمه ويحفظ في ذلك نصوص الكتاب والسنة ويزني هذا جاهل وإلا لترتب عليه عدم قبول توبة الفاسق، عدم قبول توبة العالم العارف بالحكم وهذا لم يقل به أحد من العلم وإنما اتفقوا على أن من يعصي الله فهو جاهل، {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} حال من الفاعل أي حالة كونكم جاهلين لأنكم اعتمدتم على خبر من لا يعتمد الخبر عليه.. على خبره والفاسق لا يعتمد عليه وجاء في القاذف {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ*إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [سورة النور:4-5] فالفاسق إذا تاب يعود إلى الثقة أو لا يعود يعود إلى العدالة أو لا يعود؟ { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}هو بالقذف صار فاسقًا ونُص على ذلك بالآية { وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } والفسق المتسبب عن القذف أورث رد الشهادة { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فإذا تاب وصحت توبته وحسنت أوبته يعود إلى العدالة أو لا يعود؟ { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} ما معنى التأبيد هذا الاستثناء {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}  على ما يعود من الجمل الثلاث؟  {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ*إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} هو لا يعود إلى الجملة الأولى اتفاقًا لابد من جلده ولو تاب ويعود إلى الجملة الأخيرة بالاتفاق وعوده على الجملة الثانية محل الخلاف بين أهل العلم وقواعد الشريعة تدل على أنه إذا ارتفع عنه الوصف المانع عن قبول شهادته وهو الفسق قبلت شهادته قال أهل العلم وليس بهذا بأعظم من الشرك، المشرك يسلم ثم يكون عدلاً فإذا ارتفع الوصف في المؤثر الذي هو الفسق قبلت شهادته وقبلت روايته، التائب من الكذب على النبي –عليه الصلاة والسلام- محل خلاف بين أهل العلم هل تقبل توبته أولا تقبل؟ بمعنى أنه هل يرجع إلى العدالة أو لا يرجع؟ الإمام أحمد والعبيدي يقولون لا تقبل توبته يعني توبته فيما بينه وبين الله –جل وعلا- هذه لا يحول أحد دونها لكن الكلام في قبول روايته قالوا أو قالا لا تقبل روايته ولا يعود إلى حضيرة العدالة والتوثيق بل يستمر جرحه لأن جريمته شنيعة وهي الكذب على النبي –عليه الصلاة والسلام- أما إذا كان الفسق بغير الكذب على النبي –عليه الصلاة السلام- فهو محل اتفاق، أنه إذا ارتفع الوصف المؤثر في قبول الشهادة وقبول الرواية أنه يرتفع الأثر فتقبل روايته وتقبل شهادته، {فَتُصْبِحُوا} يقول تصيروا لأنه ليس المقصود من تصبحوا حصول ذلك في وقت الصباح وإن كان هو الأصل لكن المراد تصير يعني مآل أمركم على الندم { فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ} من الخطأ بالقومِ {نَادِمِينَ}" يقول المؤلف: "أرسل –صلى الله عليه وسلم- إليهم بعد عودهم إلى بلادهم خالدًا فلم ير فيهم إلا الطاعة والخير فأخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- بذلك" الرواية تدل على أنه أرسل إليهم خالد لما بلغه الخبر مجرد ما بلغه الخبر أرسل إليهم خالد فوجد ما يسر ثم بعد ذلك جاؤوا لنفي التهمة لأنه لما رجع ظنوا أنه نزل فيهم شيء مما يغضب الله ويغضب رسوله –عليه الصلاة والسلام- فجاؤوا إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- يستفهمون جمعنا الصدقة وما جاءنا المصدق الذي وعدتنا به فتأكد النبي –عليه الصلاة والسلام- من صدقهم وخطأ الوليد بن عقبة، في مثل هذه الصورة لما رجع الوليد بن عقبة والرواية تدل على أنه خائفًا منهم أنهم يريدون الإيقاع به، هل يستحق بذلك الفسق؟ لأنه توهم وأخطأ أو لا يستحق الفسق؟ يعني هل نقول أن مقالة الوليد بن عقبة أنهم منعوا الصدقة وهموا بقتله هل نقول أنه من باب الوهم والتوهم أو نقول أنه من باب الكذب والافتراء؟ يعني الحكم واحد في كونه يكذب عليهم ويفتري علهيم أنهم منعوا الصدقة وهموا بقتله هل هذا افتراء أو توهم؟ يقول: "فخافهم لترة كانت بينه وبينهم في الجهلية فرجع" يعني حقيقة الأمر لو أراد أن يأتي بالأمر على وجهه لقال إني خفتهم ولا أدري ما ورائهم وكونه يقول إنهم منعوا الصدقة وهموا بقتله هذه فرية وإلا توقع؟ قد يكون الخوف توقع ما يؤذيه أصل الخوف توقع لكن كونه يقول أنهم منعوا الصدقة وهموا بقتله، ما هذا؟ كذب وإلا ظن وتوقع؟ كذب ولذلك استحق الوصف بكونه فاسقًا استحق الوصف بالفسق لأنه كذب، ولذا الرازي في تفسيره يقول: لا يمكن تنزيل هذه الآية على قصة الوليد بن عقبة لأنه لا يستحق الوصف بالفسق لأنه توقع وأخطأ في توقعه والمخطئ معذور. نقول نعم أخطأ وتوهم أنهم أرادوا الوقيعة به لكن كونه أخطأ لا يجوز له بحال أن يقول أنهم منعوا الصدقة وهموا بقتله فهو توهم أولاً ثم رتب على هذا الوهم والتوهم فرية فاستحق الوصف بأنه فاسق، قد يقول قائل هذا صحابي والصحابة كلهم عدول وهذا هو المقرر عند أهل السنة، نقول نعم الصحابة كلهم عدول ولا خلاف بين أهل السنة في ذلك لكنهم ليسوا بمعصومين من الوقوع في المعاصي لكنهم لشرف الصحبة يوفقون للتوبة، {فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} لو أن النبي –عليه الصلاة والسلام- ما تثبت قبل الخبر فهجم عليهم وغزاهم ثم قتل منهم من قتل وأسر منهم من أسر، ماذا يترتب على ذلك؟ الندم لأنه قتل بغير حق، فقبول أخبار الفساق يوقع في مثل هذا فالتثبت والتبين مطلوب وكم من موقف حصل فيه الندم الشديد لقبول بعض الأخبار سواء كانت من الفساق أو المتعجلين الذين ينقلون بعض الأخبار فإذا أراد الإنسان أن يتدخل في مسألة ما وجد أنه لا أصل لهذا الكلام قد يكون الناقل ثقة لكن ثقة عن من؟ نقله عن شخص غير ثقة، قال له أنه حصل في بلد كذا كذا كذا أو يبي يحصل كذا ثم هرع إلى أهل العلم ليتدخلوا ثم بعد التثبت والتبين لا شيء ولو أنهم بادروا وأنكروا وأغلضوا في ذلك لندموا فالتثبت والتبين أمر مطلوب، ثم قال: "{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ} فلا تقولوا بالباطل فإن الله يخبره بالحال" يخبره بحقيقة الأمر يعني لو قدر أن الخبر لم يأتي على وجهه وما بعث خالد فلابد أن الوحي ينزل فالرسول –عليه الصلاة والسلام- مؤيد بالوحي "{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ} فلا تقولوا بالباطل فإن الله –جل وعلا- يخبره بالحال" فالنبي –عليه الصلاة والسلام- مؤيد بالوحي "{لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مَنَ الْأَمْرِ} الذي تخبرون به على خلاف الواقع فيرتب على ذلك مقتضاه" {لَعَنِتُّمْ} يعني كثير من الشباب والباعث على بعض تصرفاتهم الغيرة وهم محمودون على هذا يأتون إلى المشايخ من أجل تغيير منكر ثم تجد الشيخ من كثرة ما يرد عليه قد لا يستقبل هؤلاء استقبال يليق بهم، فيكون في أنفسهم شيء لكن لو تصوروا أنك الآن أنك جئت لإبلاغ الشيخ بهذا الخبر، وقبلك بربع ساعة و نصف ساعة جاء آخر بخبر وثالث بخبر ثم تثبت عن خبر ما وجده صحيح ثم خبر ثاني ما وجده صحيح ثم صارت هناك ردة فعل لابد من التثبت ولو كان خبرك صحيحًا فأنت عليك أن تتحمل أنت أمرك لله في أوله فليكن أمرك في آخره لله أيضًا، لا تظن بالشيخ أنه ما اهتم ولا اكترث ولا غيرة عنده ولا يغار لمحارم الله ولا.. ما هو بصحيح هذا الكلام، أنت ما تدري إلا عن قضيتك التي أتيت بها، نعم هذا الشاب مطالب بعذر الشيخ أن يعذر الشيخ لأن الشيخ ترد عليه.. وحضرنا مع المشايخ الكبار في مجالسهم وترد عليهم أمور متناقضة هذا يأتي بخبر وهذا يأتي بتقضيه وإلى آخره، ولا يعني هذا أن طلاب العلم لا ينقلون الأخبار إلى المشايخ، طلاب العلم ليست لهم وسيلة للتغيير إلا عن طريق علمائهم؛ لأن أكثر الأمور لا يطاق تغييرها ولا يستطاع إلا عن طريق أهل العلم فلابد أن يستمر مثل هذا العمل، لكن على كل شخص بحسب موقعه أن يصبر ويحتسب لله –جل وعلا- ما يقول والله أنا رحت أبلغ الشيخ الفلاني وأنا الآن يائس ما استقبلني استقبال طيب، أنت ما عليك أنت بلغ ما عندك والنتائج بيد الله –جل وعلا- والشيخ أيضًا عليه أن يتثبت وعليه أن يسعى لإنكار المنكر وتغييره فكل عليه مسؤولية والأمة كلها مطالبة بتغير المنكر، فعلينا أن يحتمل ما يأتينا من المشايخ لأنهم بشر من كثرة ما يرد عليهم من الشباب وغير الشباب حتى ما ينشر من الصحف وغيرها أحياناً ينشر لجس النبض فقط، ما يكون له حقيقة أو للإثارة على يد بعض السفهاء، فعلينا أن نحتمل وعلى الشيخ أيضًأ ان يستقبل هؤلاء الشباب الذين ما جاء بهم إلا الغيرة على محارم الله تعالى، فمثل ما ذكرنا سابقًا وكررناه مرارًا أن كل إنسان عليه من الخطاب الشرعي ما يخطه، فالشيخ عليه أن يستقبل طالب العلم يبش في وجهه ويعرف أنه ما جاءبه إلا الغيرة لله –جل وعلا- وعلى طالب العلم أن يتحمل كما قالوا في آداب الطالب والعالم العالم والمتعلم فعلى الطالب أن يصبر على جفاء الشيخ إذا لم يصبر على جفاء الشيخ معناه أنه ينصرف يترك التعلم وعلى العالم أن يحتوي الطالب ويعامله معاملة تليق به وتجعله يرغب في التحصيل ولو حصلت النفرة وكل واحد ركب رأسه ما حصلنا لا إنكار ولا تعلم ولا تعليم والله المستعان.

"{لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مَنَ الْأَمْرِ} الذي تخبرون به على خلاف الواقع فيرتب على ذلك مقتضاه" جاء شاب وقال فيه منكر في البلد الفلاني هذا العالم الوسيط بمجرد سماع كلام هذا الشاب رفع السماعة على أمير البلد أو المنطقة وقال عندك كذا وكذا قال أبداً ما عندنا شيء هاتوا برهانكم، لو أطاع مثل هذا لابد أن يحصل العنت نذكر مثل هذا الكلام ونحن بين يدي أخيار يحصل لهم مثل هذه الأمور وليس معنى هذا أننا نثبطهم ونخذلهم لا لاتقوم الأمور إلا بهذا، بتعاون الكبار والصغار والجميع بتضافر الجهود "{لَعَنِتُّمْ} لأثمتم دونه إثم التسبب إلى المرتب" هو بدوره عليه أن يتثبت فإذا جاءه الخبر عن شخص أنه قال كذا يعني كم مره يجينا بعض الطلاب ويقولون إن الشيخ الفلاني أفتى بكذا أنكروا عليه، فإذا بحث مع الشيخ إذا المسألة غير الذي تصورها الطالب، يعني ما موقف الشيخ لو اتصل به وقال أنت قلت كذا؟ لكن يمكن الوصول إلى المراد بأسلوب مناسب، يعني أنت سمعت فتوى من عالم أنت لا طاقة لك بهذا العالِم لا تستطيع أن تناقش هذا العالم وتحاجه يعني بجملة يردك فأنت تذهب إلى من يستطيع التأثير عليه هذا الذي يستطيع التأثير عليه لو مجرد ما أخبرته به رفع السماعة وقال أنت قلت كذا وقال أنا ما قلت، يعني بأسلوب مناسب يمكن أن يقول ما رأيكم في كذا في مسألة كذا؟ ويعرف رأيه من خلال السؤال ثم بعد ذلك بالتدريج ينتهي إلى أنه بلغه أنك تقول بكذا، ولا يمنع أنه يثني عليه ف يالمقدمة أو يدعوا له في البداية ثم بعد ذلك يصل إلى قلبه وحينئذٍ يحصل التغيير أما أن يقول له أنت أخطأت فعلت كذا، هذا ما يجدي ابداً هذا والتجربة أثبتت فشل هذه الطريقة والله المستعان

فإثم التسبب على هذا المبلغ يقول: "لأثمتم دونه" يعني دون من بلغتم لكن هو أيضًا عليه أن يتثبت لأنه مأمور بقوله –جل وعلا- : {فَتَثَبَّتُوا} فلا يسلم من العنت {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُم} زينه يعني حسنه يعني رغبتكم فيه رغبكم في الإيمان {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُم} ما دام حبب إلينا الإيمان فعلينا أن نعمل بجميع ما يتطلبه الإيمان من شرائع الأعمال والأقوال {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ } يعني الإيمان إذا وقر في القلب يفرح به المسلم المؤمن فرح لا يعدله فرح، الإيمان إذا وقر في القلب يفرح به المؤمن فرح لا يعادله شيء، وإذا تذكر هذه النعمة التي هي أعظم النعم أن الله –جل وعلا- هداه للإيمان والإسلام لا شك أنه أعظم عنده من كل نعمة، وكل نعمة يمكن تعويضها إلا الدين {وَزَيَّنَهُ} يعني حسنه { فِي قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.

قال -رحمه الله- في قول الله –جل وعلا- : "{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} استدراكٌ من حيث المعنى دون اللفظ لأن من حُبب إليه الإيمان إلى آخره غايرت صفته صفة من تقدم ذكره" ولكن هذا استدراك استدراك من أي شيء؟ من معنى ما تقدم، "يقول: استدراكٌ من حيث المعنى دون اللفظ لأن من حبب إليه الإيمان وزين في قلبه وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان غايرت صفته صفة من تقدم" ذكره ممن سبق سواء كان فاسق الذي يأتي بالأخبار الغير صحيحة أو من لا يتثبت في قبول الأخبار فيترتب على ذلك من العنت والإثم ما يترتب عليه يقول: هذا "استدراكٌ من حيث المعنى دون اللفظ لأن من حُبب إليه الإيمان إلى آخره غايرت صفته صفة من تقدم ذكره" {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} أولئك هم وهناك يقول: {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ} خطاب ثم قال: "{أُولَئِكَ هُمُ} هذا "فيه التفات من الخطاب" إلى الغيبة، وأسلوب الالتفات معروف في لغة العرب وفي النصوص التفات من الخطاب إلى الغيبة، وقد يكون بالعكس التفات من الغيبة إلى الخطاب فحينئذٍ يكون تجريد، يسمى تجريد كأن الإنسان يجرد من نفسه شخصًا يتحدث عنه، فيه التفات من الخطاب "{الرَّاشِدُونَ}  الثابتون على دينهم" ثبوت الصخرة لأن معنى الرَشَد من معاني الرشد الصخرة أو الحجر الكبير فهم الثابتون على دينهم {فَضْلاً مِنَ اللهِ} مصدر منصوب بفعله المقدر أي أفضل الله فضلاً منه مصدر منصوب بفعله المقدر أي أفضل الله فضلاً منه {وَنِعْمَةً} يعني منه "{وَاللهُ عَلِيمٌ} بِهِمْ {حَكِيمٌ} في إنعامه عليهم" الله –جل وعلا- عليم لا تخفى عليه خافية عليم بما يصلحهم بما يصلح كل فرد منهم فتجده يعطي هذا ما يمنعه الآخر، ويعطي ويمنع هذا ما يعطيه الآخر، ويعطي كل إنسان ما لو استعمله في حياته لانتفع به لأنه عليم بما يصلح أحوالهم حكيم في إنعامه عليهم فتجده –جل وعلا- يعطي هذا الأموال ويعطي هذا الذرية ويعطي هذا الحفظ ويعطي هذا الفهم ويعطي هذا كذا وكذا يعطي هذا اللون إلى آخره القوة في البدن فالله –جل وعلا- {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} في إنعامه عليهم فيعطي كل إنسان ما نيناسبه من النعم ما لو استغلها واستعملها وشكرها لانتفع بها في الدنيا والآخرة، قد يقول قائل فلان أعمى سلب هذه النعمة وما يدريك أنه لو كان مبصرًا لاستعمل هذه النعمة فيما يضره، فلان عقيم طيب وما يدريك أنه لو ولد له ولد لفتن به وضره في دنياه وفي آخرته الخيرة فيما يختاره الله –جل وعلا- لأنه {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ثم قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يقول: "الآية نزلت في قضية وهي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ركب حمارًا ومر على ابن أبي فبال الحمار فسد ابن أبي أنفه" ابن أبي رأس المنافقين النبي –عليه الصلاة والسلام- غشاهم في مجلسهم على حمار وهذا من تواضعه –عليه الصلاة والسلام- "فبال الحمار فسد ابن أبي أنفه فقال ابن رواحه: والله لبول حماره أطيب ريحٍ من مسكك. فكان بين قوميهما ضرب بالأيدي والنعال والسعف" النبي –عليه الصلاة والسلام- ما ذُكر أنه أنكر على ابن رواحه مقالته هذه، فمقالته هذه أطيب ريحًا من مسكك بول حمار النبي –عليه الصلاة والسلام- أطيب ريحًا من مسك ابن أبي لأن هذا سيد الخلق وهذا رأس المنافقين، فكل ما يتعلق بهذا خير وما يتعلق بهذا شر؛ لأنه ليس النظر إلى الأعيان بذواتها وإنما ينظر إلى متعلقاتها فهذا أفضل الخلق وأشرف الخلق فكأنه لما غطى أنفه أو سد أنفه كأنه يعتب على النبي –عليه الصلاة والسلام- لركوبه الحمار أو لمجيئه على الحمار أو ما أشبه ذلك، هكذا فهم ابن رواحه وإلا لو كانت المسألة مجردة لو أن الحمار جاء بنفسه أو حمار أي شخص من الأشخاص فبال بين الناس ثم سد أحدهم أنفه ما يلام على ذلك، لكن الحمار اكتسب هذا الشرف لأنه مطية النبي –عليه الصلاة والسلام- ولذلك دافع عنه ابن رواحه والدفاع عنه دفاع عن النبي –عليه الصلاة والسلام- الذي ركبه أطيب ريحًا من مسكك يعني تجد رجل صالح من الصالحين الزهاد وتشم منه الرائحة وإن كان هذا غير مطلوب من المسلم أن يصل إلى حد بحيث يقذره الناس لكنه منشغل بعبادته عن نظافته أو نظافة بدنه، تشم ممنه ريحًا قد تؤذيك وبينما رجل من الفجار يستعمل من الأطياب أغلاها وأذكاها تشم منه ما يسرك لكن أين هذا من هذا عند الله –جل وعلا- لما سأل النبي –عليه الصلاة والسلام- عن الرجلين فقيل عن أحدهما إنه فقير مدفوع بالأبواب لو خطب ما زوج ولو استأذن ما أذن له، والآخر بضده قال إن هذا خير من ملئ الأرض من مثل هذا، فالمقاييس والموازين يجب أن تكون شرعية يعني مردنا إلى الشرع، "فقال ابن رواحه: والله لبول حماره أطيب ريحًا من مسكك فكان بين قوميهما ضرب بالأيدي النعال والسعف" نزل قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}" والطائفة تطلق على الجماعة كما تطلق على الواحد والواحد فما فوقه طائفة {اقْتَتَلُوا} طائفتان اقتتلوا إعادة الضمير على التثنية على المثنى بضمير الجمع يقول: جُمع نظرًا إلى المعنى لأن كل طائفة جماعة لأن كل طائفة الأصل فيها أن تكون جماعة، فُنظر إلى المجموع، لو عندنا مسابقة مثلاً فريق وفريق عشرة وعشرة بالنظر إلى كونهما طائفتين يمكن أن نعيد الضمير على اللفظ فنثني فنقول تباريا أو تسابقا أو تنافسا  وإذا نظرنا إلى المجموع عشرين نقول تباروا تسابقوا فإذا نظرنا إلى اللفظ أعدنا لفظ الضمير مثنى وإذا نظرنا إلى المعنى أعدناه للجمع؛ ولذا يقول: "{اقْتَتَلُوا} جُمع المعنى لأن كل طائفة جماعة وقرء اقتتلتا لكنها قراءة شاذة" {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} أولاً سماهما الله –جل وعلا- من المؤمنين ولم يخرجهما عن دائرة الإيمان ولا عن حيزه مع وجود القتال الذي هو من أعظم الذنوب والجرائم من بعد الشرك: {الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالْحقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [سورة الفرقان:68] من عظائم الأمور القتل ومع ذلك ما أخرجهم من دائرة الإيمان فعلى الإنسان أن يحتاط لمثل هذا بعض الناس تأخذه الغيرة أو حمية لأمر من الأمور فيقع في أمر عظيم وهو تكفير من لا يجوز تكفيره فهم لم يخرجوا عن دائرة الإيمان، "{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ثني نظرًأ إلى اللفظ" وهذا مثل ما قلنا في الفريقين المتسابقين ثني نظرًا إلى اللفظ {فَإِنْ بَغَتْ} يعني "تعدت {إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ} ترجع إلى أمر الله الذي هو الحق" يعني وجد قتال بين طائفتنين مسلمتين لابد من الإصلاح بينهما لابد من السعي إلى الإصلاح قبل كل شيء لأنه إذا تم الأمر دون إرقة دم فهذا هو الأصل، حقنًا لدماء المسلمين لابد من أن يكون الصلح، {اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} صلح طيب ما امتثلوا واحدة قبلت الصلح والثانية ما قبلت {فَإِنْ بَغَتْ} يعني "تعدت {إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ} يعني ترجع إلى أمر الله الذي هو الحق {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} يعني بالإنصاف {فَإِنْ فَاءَتْ} يعني رجعت وأذعنت إلى قبول الحق {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} يعني بالإنصاف" لأن الصلح يحتاج إليه قبل وبعد، قبل لحسم الموضوع من أصله وبعد ذلك لحسم تبعاته المترتبة عليه، {وَأَقْسِطُوا} والقسط هو العدل وعندنا الفعل الثلاثي والرباعي قسط وأقسط اسم الفاعل من الفعلين من الثلاثي قاسط ومن الرباعي مقسط، والقاسطون نعم ممدوحون وإلا مذمومون؟ نعم وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبًا ، والمقسطون على منابر من نور الذين هم العادلون والقاسطون الجائرون ففرق بين الفعل الثلاثي الذي أقسط يعني عدل وقسط يعني جار ومال وهنا: "{وَأَقْسِطُوا}" رباعي "اعدلوا {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}" العادلين وجاء فيهم: «المقسطون على منابر من نور الذين يعدلون بين أهليهم وماولو»، ثم بعد هذا قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وهي أخوة الدين أخوة يعني في الدين والأخوة في الدين أعظم من أخوة النسب، لأنه لا صلة بين المسلم والكافر فلا توارث بينهما انقطعت الصلة بينهما لأن الكافر عدو والأخوة الحقيقية هي أخوة الدين ولذا جاء الأسلوب الحصري: : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} يعني في الدين : {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم} إذا تنازعا وقرئ: إخوتِكُم بالفوقانية وهي قراءة شاذة، يعني لما يذكر المتنازعين بما يقتضي الألفة المودة والمحبة وهي الأخوة لابد من استحضار الأخوة في كل موقف يؤول إلى النزاع، لماذا؟ لأن هذا يحول بين الإنسان وما أراده من أذى لأخيه المسلم {وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} {وَاتَّقُوا اللهَ} التقوى هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل المأمورات وترك المحظورات {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} المتقي لاشك أنه مستحق للرحمة ولذا يقول ابن عباس وغيره لعل من الله واجبة يعني أوجب على نفسه كما أنه حرم على نفسه الظلم أوجب على نفسه رحمة من يتقيه {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ} يقول: "الآية نزلت في وفد تميم حين سخروا من فقراء المسلمين كعمار وصهيب والسخرية الازدراء والاحتقار" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ} يعني لا يسخر لا يستهزي ولا يحتقر ولا يزدري أخاه المسلم ولو كان على قدر من الفقر والعوز والحاجة فلا يزدريه وعليه حينئذٍ أن ينظر إلى مثله بعين الرحمة فإذا نظر إلى من دونه في هذا الباب لا ليزدريه ويحتقره وإنما ليعود على نفسه بشكر النعم التي خص بها دون أخيه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ} يقول: "الآية نزلت في وفد تميم حين سخروا من فقراء المسلمين كعمار وصهيب والسخرية الازدراء والاحتقار {قَومٌ} أي رجالٌ منكم" القوم جمع قائم كصحب جمع صاحب وصوم جمع صائم وهو خاص بالرجال فلا يدخل فيه النساء ولا يدخل فيه الأطفال أيضًا لأنهم ليسو أهلاً للقيام على أنفسهم فضلاً عن أن يقوموا على غيرهم ولذا عُطف عليه النساء {"قَومٌ} أي رجالٌ منكم" {مِنْ قَومٍ} رجال منهم "{عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} عند الله –جل وعلا-" أنت وما يدريك أن هذا الشخص الذي تزدريه قد وقر في قلبه من الإيمان ما يجعله يعدل منك ملئ الأرض "{عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} عند الله –جل وعلا- {وَلَا نِسَآءٌ} منكم" من أهل العلم من يرى دخول النساء في القوم والرسل كلهم قاطبة أرسلوا إلى أقوامهم ويدخل فيهم الرجال والنساء وعطف االنساء على القوم على هذا القول إنما هو من باب عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، مما يدل على أن النساء أكثر سخرية من الرجال "{وَلَا نِسَآءٌ} منكم {مِنْ نِسَآءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَأ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} يعني لا تعيبوا فتعابوا" لأن من وقع في شيء يعني ما عيّب أحدًا بشيء لابد أن يقع فيه ولا تعيبوا "{وَلَأ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} لا تعيبوا فتعابوا" يعني تكونوا سببًا لعيب أنفسكم وهذا من باب إطلاق الشيء أو السبب على الشيء نفسه الإنسان الذي يعيب غيره ثم يعاب هو المتسبب لعيب نفسه كما أن الذي يسب أبا الرجل فيسب أباه كأنه سب أباه كما جاء في الخبر، ومن قتل غيره مما يكون سببًا في قتله هو كأنه قتل نفسه {وَلَأ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} وكأنه جعل المسلم هو المسلم نفسه يعني ما يقع على أخيك كأنه واقع عليك، وهذه مبالغة في تأثير هذه الأخوة «ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه» فإما أن يقال أن ما يقع على الأخ كأنه واقع على النفس، أو يقال أنك ما دام.. ما دمت صرت سببًا لما يقع عليك من السب والشتم لأنك تسببت في شتم غيرك باشرت شتم غيرك فصرت سببًا في شتمك فكأنك لمزت نفسك أو كما جاء في الخبر عن بعض الصحابة وهو أبو ذر قال: من سب الناس سبوا أباه وأمه. الانتصار للنفس جبلي لكن على الإنسان أن يخطمه بخطام الشرع "{وَلَأ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا تعيبوا فتعابوا "أي لا يعب بعضكم بعضًا "{وَلَأ تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} أي لا يدعو بعضكم بعضًا بلقب يكرهه" ما تقول يا طويل يا قصير يا أعور يا أعمى يا أسود إلى آخره، بلقب يكرهه لكن إذا كان لا يكره هذا اللقب ولو كان في الأصل عيب فإن الأمر فيه سعة، أو كان هذا اللقب لا يعرف إلا به ففي الرواة الأعمى وفيهم الأعرج وفيهم الأعمش، والألقاب ألفت فيها المؤلفات نزهة الألباب في الألقاب يعني ألقاب المحدثين مطبوع في مجلدين، فالألقاب موجودة قبل الإسلام وفي الإسلام وبعد إلى عصرنا هذا فهناك ألقاب تدل على المدح وهذه لا إشكال فيها، وألقاب تدل على الذم وهذه لا إشكال في منعها، وهناك ألقاب لا يعرف الإنسان إلا بها، الأعمش حدثنا الأعمس في كتب السنة كلها سليمان بن مهران هل يأثم من يقول الأعمش؟ ما يأثم لأنه عرف بهذا لكن إذا كان يتضايق من هذا ولا يرغبه وعرف بغيره {وَلَأ تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} "ومنه يا فاسق يا كافر" لا شك أن هذه الألقاب شنيعة أن يقال أن يدعى المسلم بالفاسق ولو ظهرت عليه آثار الفسق، ما دام في حيز ودائرة الإسلام يقال له يا مسلم يا فلان ومع ذلك تسدى إليه النصيحة وتهدى إليه وتبذل النصيحة معه ولا يألوا المسلم جهدًا في نصحه حتى يترك ما يزاوله من فسقات و"يا كافر" يقول هذا باعتبار ما كان وقيل لصفية يا يهودية بنت يهودي فجاء في الخبر أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال لها: «لو قلتِ أنا بنت هارون وعمي موسى وزوجي محمد» ما أعظم من هذا الشرف؟ والله المستعان، "{بِئْسَ الاسْمُ} أي المذكور من السخرية والهمز والتنابز بالألقاب" سخرية واستهزاء وهمز ولمز مما جاء المنع بل الوعيد عليه {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [سورة الهمزة:1] ويل وادي في جهنم ما يصبر عليه؟ لو سيرت عليه جبال الدنيا لذابت –نسأل الله السلامة والعافية – والتنابز {بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدُ الْإِيمَان} يعني بدل من الاسم الفسوق بدل من الاسم لافادة أنه فسق "لتكرره عادة {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ} من ذلك" يعني ما جاء من هذه المنهيات {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ظلموا أنفسهم بإقحامها في ما يغضب الله -جل وعلا- وظلموا غيرهم بوصفهم بما لا يستحقونه من وصف، والله أعلم

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه آجمعين.

"