كتاب الأيمان والنذور من سبل السلام (2)
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
قال- رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه في كتاب الأيمان والنذور:
"عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ" بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ الْعَبْشَمِيِّ أَبو سَعِيدٍ كنيته، صَحَابِيٌّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، افْتَتَحَ سِجِسْتَانَ ثُمَّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسِينَ أَوْ بَعْدَهُا.
"قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ» أَيْ عَلَى مَحْلُوفٍ مِنْهُ سَمَّاهُ يَمِينًا مَجَازًا، «وَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظِ للْبُخَارِيِّ: «فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك». وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: «فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» ".
مجموع الروايات يدل على جواز الأمرين، يجوز على أنَّ الحنث يكون قبل الكفارة، ويجوز على أنَّه تُدفع الكفارة قبل الحنث تبعًا للقاعدة أنَّ العبادة إذا كان لها سبب وجوب، ووقت وجوب لم يجز فعلها قبلهما، ويجوز فعلها بعدهما اتفاقًا في المسألتين، والخلاف فيما بين ذلك.
أحسن الله إليك.
"وَإِسْنَادُهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد.
وَالْأَوْلَى إفْرَادُ الضَّمِيرِ؛ لِيَعُودَ إلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَقَطْ لِمَا عُلِمَ مِنْ عُرْفِهِمْ أَنَّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ صَحِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ".
نعم، ولذا من الخطأ من بعض المخرِّجين أنَّه يقول: أخرجه البخاري وهو صحيح، صحيح أخرجه مسلم، صحيح متفق عليه، هذا عبث من القول، يكفي أن تقول: رواه البخاري، أو رواه مسلم، أو متفق عليه، ولا يحتاج إلى أن تصحح على الإمامين.
أحسن الله إليك.
"الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَكَانَ تَرْكُهُ خَيْرًا مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْيَمِينِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ وَإِتْيَانُ الذي هُوَ خَيْرٌ كَمَا يُفِيدُهُ الْأَمْرُ، وَلَكِنَّهُ صَرَّحَ الْجَمَاهِيرُ بِأَنَّ ذلك مستحب لا واجب، وَظَاهِرُ الحديث وُجُوبُ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ، وَلَكِنَّهُ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ تَقْدِيمِهَا، وَعَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِهَا إلَى بَعْدَ الْحِنْثِ".
وعليه الدليل أيضًا كما دلَّ على الصورة الأولى، دلَّ على الصورة الثانية.
"لَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْيَمِينِ".
اتفاقًا.
يقول: ما تقول عندي والله الآن إطعام عشرة مساكين احتمال أني أحلف بعد شهر، أو بعد شهرين، أو بعد سنة، أو سنتين أو في بقية عمري ثم لا أجد كفارة، نطلع الكفارة تصير مقدمة، لا، ما يجوز.
"وَدَلَّتْ رِوَايَةُ «ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» عَلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ؛ لِاقْتِضَاءِ (ثُمَّ) التَّرْتِيبَ، وَرِوَايَةُ الْوَاوِ تُحْمَلُ عَلَى رِوَايَةِ (ثُمَّ) حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، فَإِنْ تَمَّ الْإِجْمَاعُ فذاك، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِهَا. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ تقديمها عَلَى الْحِنْثِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ صحابيًّا، وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ. لَكِنْ قَالُوا: يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْحِنْثِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا جَارٍ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَات.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى عَدَمِ جواز تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَا يَجُوزُ تقديمها عَلَى وَقْتِهَا كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ. وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصَّوْمِ فَجَائِزٌ تَقْدِيمُهُ، كَمَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ.
وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ التَّكْفِيرِ عَلَى الْحِنْثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ: لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ هُوَ مَجْمُوعُ الْحِنْثِ وَالْيَمِينِ، فَلَا يَصِحُّ التَّقْدِيمُ قَبْلَ تَمَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ السَّبَبُ الْحِنْثُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ دل عَلَى خِلَافِ مَا عَلَّلُوا بِهِ وَذَهَبُوا إلَيْهِ، فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْعَمَلِ بِهِ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْلَم أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ. قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: كَانَ أَيُّوبُ يَرْفَعُهُ تَارَةً، وَتَارَةً لَا يَرْفَعُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ إلَّا عَنْ أَيُّوبَ مَعَ أَنَّهُ شَكَّ فِيهِ.
قُلْت: كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ رَفَعَهُ تَارَةً، وَوَقَفَهُ أُخْرَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَيُّوبَ ثِقَةٌ حَافِظٌ لَا يَضُرُّ تَفَرُّدُهُ بِرَفْعِهِ، وَكَوْنُهُ وَقَفَهُ تَارَةً لَا يَقْدَحُ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَفْعَهُ زِيَادَةُ عَدْلٍ مَقْبُولَةٍ، وَقَدْ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَكَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ، وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، وَحَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ مَرْفُوعًا يقوي رَفْعَهُ".
فَقَوَّى رَفْعَهُ.
"فَقَوَّى رَفْعَهُ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ؛ إذْ لَا مَسْرَحَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ، وَإِلَى مَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا، قَالَ: وَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلًا كَمَا زعم بَعْضُ السَّلَفِ لَمْ يَحْنَثْ أَحَدٌ فِي يَمِينٍ".
لأنَّه يحلف أو ينذر، ثم إذا تبين له خلاف ما حلف عليه قال: إن شاء الله، هذا مع الانفصال. أمَّا لو حلف وقرنه بالمشيئة، أو نذر وقرنه بالمشيئة فمثل هذا ينفعه، ومثل ذلك لو قيل: بلِّغ فلانًا مني السلام، فقال: إن شاء الله، ما بلغه السلام ما يضره؛ لأنَّ هذا مربوط بالمشيئة، والله- جلَّ وعلا- ما شاء أن يبلغه السلام فلا شيء عليه، لا يكون ممن وعد فأخلف، ممن إذا وعد أخلف، قال: خلاص أبلغ إن شاء الله، ما يوصف بأنَّه أخلف؛ لأنَّه ربطه بشرط لم يتحقق.
طالب: ..........
في الحال، في الحال، مثل إلا الإذخر، ينفع في الحال، لكنه انفصال لا يضر في الحال.
أحسن الله إليك.
"وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا، قَالَ: وَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلًا كَمَا زعم بَعْضُ السَّلَفِ لَمْ يَحْنَثْ أَحَدٌ فِي يَمِينٍ، وَلَمْ يَحْتَجْ أحدٌ إلَى الْكَفَّارَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي زَمَنِ الِاتِّصَالِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ أَنْ يَقُولَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَضُرُّهُ النفس.
قُلْت: وَهَذَا الَّذِي تَدُلُّ لَهُ (الْفَاءُ) فِي قَوْلِهِ: «فَقَالَ». وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّ لَهُ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: قَدْرَ حَلْبَةِ نَاقَةٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ أَبَدًا".
يعني كالإيلاء، إذا حلف أن لا يطأ يُنظر أربعة أشهر.
طالب: ........
على حسب ما يقر في نفسه، على حسب ما في قصده، هل قصده بالمشيئة الاستثناء والتعليق، أو قصده مجرد تبرك؟ إن كان قصده مجرد تبرك ينفذ ما ينفعه الاستثناء؛ لأنَّه لم يقصده.
أحسن الله إليك.
"وَهَذِهِ تَقَارِيرُ خَالِيَةٌ عَنْ الدَّلِيلِ.
قلت: وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلَ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَرُّكًا أَوْ وجوبًا، كمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [سورة الكهف:24]، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ رَافِعًا لِلْإِثْمِ الْحَاصِلِ بِتَرْكِهِ، أَوْ لِتَحْصِيلِ ثَوَابِ النَّدْبِ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ. وَلَمْ يُرِيدُوا بِهِ حِلَّ الْيَمِينَ وَمَنْعَ الْحِنْثِ".
حَلَّ، حلَّ اليمين.
"وَلَمْ يُرِيدُوا بِهِ حَلَّ الْيَمِينَ وَمَنْعَ الْحِنْثِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ الِاسْتِثْنَاءُ مَانِعٌ لِلْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الظِّهَارِ وَالنَّذْرِ وَالْإِقْرَارِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْفَعُ إلَّا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ".
وغيره من الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الظهار، لكن غيره الثاني ما لها لازم، حلفه بالله وغيره من الطلاق والعتاق والظهار والنذر والإقرار.
القارئ: ما عندي يا شيخ، ما عندي إلا الظهار.
الطلاق والعتاق ليس عندك، صح؟
القارئ: نعم.
ألحق.
أحسن الله إليك.
"فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْفَعُ إلَّا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَاسْتَقْوَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [سورة المائدة:89]، قال: لأنَّ الاستثناء أخو الكفارة، فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ إلَّا الْيَمِينُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهِيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ، وَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْعِتْقُ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا «إذْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ تَطْلُقْ، وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ حُرٌّ»، إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ".
لأنَّ هذا من حيث المعنى أنَّ الشرع تشوف إلى العتق، ويكره الطلاق، فلا يُجري في العتق الاستثناء، ويجريه في الطلاق.
أحسن الله إليك.
"إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِي إسْنَادِهِ.
وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، يعتبر فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيمَا شَاءَهُ اللَّهُ أَوْ لَا يَشَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَشَاؤُهُ اللَّهُ بِأَنْ كَانَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ حَالَ التَّكَلُّمِ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ حَاصِلَةٌ فِي الْحَالِ فَلَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ، بَلْ تتقيد بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَشَاؤُهُ".
تنعقد، تنعقد به.
أحسن الله إليك.
"وَإِنْ كَانَ لَا يَشَاؤُهُ بِأَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا أَوْ مَكْرُوهًا فَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ، فَجَعَلُوا حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْمَشِيئَةِ حُكْمَ التَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ، فَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ بِهِ، وَيَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ، وَكَذَا قَوْلُه: إلَّا أَنْ يَشَاءَ، اللَّهُ حُكْمُهُ حُكْمُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَا تَطَابُقُهُ هَذِهِ الْأَقْوَالُ. وَفِي قَوْلِهِ: «فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ النِّيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ صِحَّةُ".
وإلا لابد من التلفظ بالمشيئة، فلا يكفي أن يكون في نيته أن يستثني، كما أنَّه لا يكفي أن يقرأ الإمام في قلبه دون أن يتلفظ بالشهادتين.
"وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ النِّيَّةِ فِي الْأَيْمَانِ بِفَتْحِ (الْهَمْزَةِ) وَمَذْهَبُ".
«وإنَّما لكل امرئ ما نوى»، ولذا الأيمان والنذور عند المالكية مردها إلى النيات والمقاصد خلافًا للجمهور الذين يربطونهما بالأعراف.
"وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ النِّيَّةِ فِي الْأَيْمَانِ بِفَتْحِ <الْهَمْزَةِ>، وَمَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالْعُمُومِ إلَّا مِنْ عَدَدٍ مَنْصُوصٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِاللَّفْظِ".
يكفي، بارك الله لك.
القارئ: والله أعلم، وصلى الله على محمد.
طالب: ..........
يعني هي عليه كظهر أمه إن شاء الله.
طالب: .........
أمَّا بالنسبة للعتاق والطلاق فهذا أمره سهل؛ لأنَّه يوجد أو لا يوجد، لكن كونها كظهر أمه هل يُمكن أن تكون كظهر أمه؟
ما يُمكن، فهذا لا ينفعه الاستثناء والنذر مثل اليمين.