التعليق على تفسير القرطبي - سورة يوسف (12)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"{وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: 56-57].

قوله -تعالى-: {وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ} [يوسف: 56] أي ومثل هذا الأنعام الذي أنعمنا عليه في تقريبه إلى قلب الملك، وإنجائه من السجن مكنا له في الأرض، أي أقدرناه على ما يريد.

وقال إلكيا الطبري قوله -تعالى-: {وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} [يوسف: 56] دليل على إجازة الحيلة في التوصل إلى المباح، وما فيه الغبطة والصلاح، واستخراج الحقوق".

المشبه به في قوله، المشبه به، آلة التشبيه، أداة التشبيه الكاف في {كَذلِكَ} [يوسف: 56]، فالمشبه به المحذوف من النعم التي أسبغها الله -سبحانه وتعالى- على يوسف -عليه السلام-، شبه بهذه النعم، وألحق بها تمكينه في الأرض.

وقول إلكيا الطبري: فيه دليل على إجازة الحيلة في التوصل إلى المباح، وأما الحيلة في تحليل الحرام أو تحريم الحلال هذا صنيع بني إسرائيل الذي جاء ذمهم بهذه الحيل، السبت، وجاء أيضًا النهي عن مشابهتهم في هذا الباب «لا تكونوا مثل بني إسرائيل فترتكبوا المحرمات بأدنى الحيل»، والله المستعان.

أما إذا كانت الحيلة يتوصل فيها إلى أمر مباح، استخراج حق وما أشبهه، شريطة ألا تكون مشتملة على كذب صريح، وألا يترتب عليها من الآثار ما هو أعظم منها، قد يتوصل الإنسان بحيلة إلى حقه المشروع له، لكنه يرتكب وسيلة محرمة مثلًا أو وسيلة تضر بصاحبه أكثر من حقه، الأصل في ذلك {لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [النساء: 148]، لكن بقدر مظلمته، يأخذ بقدر ما ظُلم.

ومسألة الظفر عند أهل العلم معروفة إذا كان لإنسان حق عند آخر ولم يتوصل إلى ذلك الحق إلا بشيء من الخفاء والغموض، ليست عنده من البينات الظاهرة التي يستطيع بها الوصول إلى حقه، بإمكانه أن يأخذ بقدر الحق على ألا يزيد عليه من ماله ما يستوفي به حقه اعتمادًا على حديث امرأة أبي سفيان أنه رجل شحيح لا يعطيها ما يكفيها، ويكفي ولدها، فقال: «خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف»، على أن الورع في مثل هذا إذا لم يتمكن الإنسان من الوصول إلى حقه بالبينات الشرعية، الورع أن يترك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «ولا تخن من خانك».

طالب: أحسن الله إليكم، ما معنى قوله: وما فيه الغبطة والصلاح؟

يعني له، له أو لغيره شريطة ألا يكون محذورًا أو ما يتوصل به إليه محذور، الحيلة في التوصل إلى المباح.

طالب: ..........

{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِكِ} [يوسف: 76]، تأتي.

طالب: ..........

ما أضرت به، مصلحته ظاهرة، مصلحة الأخ ظاهرة، ومصلحة الأهل كلهم ظاهرة على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، وقد يكون هذا في شرعهم دون شرعنا، قد يكون في شرعهم، يكون مما نُسخ من شريعتهم.

"ومثله قول -تعالى-: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44]".

في قصة، قصة أيوب -عليه السلام- حلف أن يضرب امرأته جراء تصرفها من غير إذنه عددًا من الجلدات مائة، فلو ضربها وهي تسعى لمصلحته أضر بها لو ضربها الضرب المعروف، فأُمر بأن يأخذ ضغثًا -عرجون النخل- عدد أفراده مائة، وحينئذٍ يكون ضربها بمائة ، وهذه حيلة.

"وحديث أبي سعيد الخدري في عامل خيبر، والذي أداه من التمر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما قاله".

حينما باع الصاع بالصاعين من التمر الجيد، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: بع التمر، بع الجنيب، بع الجمع واشتري به، واشتري به، واشتري بقيمته جنيبًا، هذا تحايل على الوصول إلى المطلوب، وتحاشيًا عن الربا الصريح، ومثله مسألة التورق، لا شك أنها حيلة، لكنها حيلة مباحة للوصول إلى أمر مشروع، إذ قد لا يجد الإنسان من يقرضه، ولا يجوز له أن يأخذ الدراهم بالدراهم الربا الصريح، فلم يكن في طريقه حل إلا السلم، وهذا لا يتيسر في كل وقت، وفي كل زمان، أو التورق، ولهذا هي جائزة عند جماهير الأمة، جماهير أهل العلم جائزة، وإن منعها ابن عباس وشيخ الإسلام ابن تيمية وبعضهم.

"قلت: وهذا مردود على ما يأتي. يقال: مكناه ومكنا له، قال الله -تعالى-: {مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} [الأنعام: 6]. قال الطبري: استخلف الملك الأكبر الوليد بن الريان يوسف على عمل إطفير وعزله، قال مجاهد: وأسلم على يديه. قال ابن عباس: ملكه بعد سنة ونصف.

وروى مقاتل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو أن يوسف قال: إني حفيظ عليم إن شاء الله لملك في وقته». ثم مات إطفير فزوجه الوليد بزوجة إطفير راعيل، فدخل بها يوسف فوجدها عذراء، وولدت له ولدين: إفراثيم ومنشأ، ابني يوسف، ومن زعم أنها زليخاء قال: لم يتزوجها يوسف، وأنها لما رأته في موكبه بكت، ثم قالت: الحمد لله الذي جعل الملوك عبيدًا بالمعصية، والحمد لله الذي جعل العبيد بالطاعة ملوكًا، فضمها إليه، فكانت من عياله حتى ماتت عنده، ولم يتزوجها، ذكره الماوردي، وهو خلاف ما تقدم عن وهب، وذكره الثعلبي، فالله أعلم.

ولما فوض الملك أمر مصر إلى يوسف تلطف بالناس، وجعل يدعوهم إلى الإسلام حتى آمنوا به، وأقام فيهم العدل، فأحبه الرجال والنساء، قال وهب والسدي وابن عباس وغيرهم: ثم دخلت السنون المخصبة، فأمر يوسف بإصلاح المزارع، وأمرهم أن يتوسعوا في الزراعة، فلما أدركت الغلة أمر بها فجمعت، ثم بنى لها الأهراء، فجمعت فيها في تلك السنة غلة ضاقت عنها المخازن لكثرتها، ثم جمع عليه غلة كل سنة كذلك، حتى إذا انقضت السبع المخصبة، وجاءت السنون المجدبة نزل جبريل وقال: يا أهل مصر جوعوا، فإن الله سلط عليكم الجوع سبع سنين.

وقال بعض أهل الحكمة: للجوع والقحط علامتان: إحداهما: أن النفس تحب الطعام أكثر من العادة، ويسرع إليها الجوع، خلاف ما كانت عليه قبل ذلك، وتأخذ من الطعام فوق الكفاية".

هذا شيء مشاهد، يعني في سنين الخصب والرخاء تجد الأكل يسيرًا جدًّا، تقدم المائدة التي تكفي العشرة يجلس عليها خمسون، ويبقى فيها بقية، وهذا مشاهد الآن، ولله الحمد والمنة، يحدثنا الجيل الذي قبلنا والذين قبلهم يقولون: مثل هذا كان يأكله الرجل الواحد الذي يجلس عليه عشرة أو عشرين شخص، يأكله الرجل الواحد في سني الجدب يكون الامتحان أعظم، كما أنه في السني الخصبة أيضًا تكون الشهوة أقل.

وهذا كله لبيان الدار الأخرى؛ لأن هذا يدل على ضعة هذه الدنيا، تجد الإنسان إذا كان محتاجًا للشيء سرعان ما يحصل عليه، فيتلفه، يقضي عليه بسرعة، لكن إذا كان غير محتاج إليه، تجده يعيش عنده ويستمر، ولو نظرنا في أحوال المحتاجين والفقراء لوجدناهم فيهم قدرة وقوة جسمية على الأكل مثلًا، وقد لا يتيسر لهم، فيهم قدرة على معاشرة النساء، وقد لا تتيسر لهم، بينما الرجل إذا كان غنيًا تجده بالعكس لا يشتهي الطعام سواء كان باختياره أو إجبار، وهذا أشد، إذا مُنع منه وهو بين يديه، تجده لا يستطيع معاشرة النساء مع القدرة ما يريد منهن، وهذا كله يبين لنا منزلة هذه الدنيا، فالعاقل لا يركن إليها، بخلاف الآخرة التي فيها ما قص الله ورسوله عنها -عليه الصلاة والسلام-، والله المستعان.

عامل يشتغل في بيت قبل خمسين سنة تقريبًا، فيأتون له بالطعام الصحن الذي يكفي -بدو مبالغة- يكفي عشرة الآن، فيأكله، رقت له ربة البيت فجاءت له بصحن أكبر منه من الغد فأكله، في اليوم الثالث أكبر فأكله، ثم قال لها: لا تكلفين نفسك، لو تأتين بما على وجه الأرض من الطعام أكلته، نعم هذه سنين الجدب، يصير فيها حف على ما يقول العوام، الإنسان يتصور أنه وصل إليه هذا الطعام، ولن يصل إليه مرة أخرى، ما هو متصور، أنه كل شيء عنده، المستودع، والثلاجة ملآنة، والمحلات قريبة، والثمن موجود، لذلك ما تكون الشفقة عليه مثل لو كان معدومًا، والله المستعان.

طالب: ..........

ما هو بالظاهر، هو الغنى غنى النفس بلا شك، لكن هو يتصور أنهم ليسوا واقفين عليه مرة ثانية، هذه فرصة، هذه فرصة لن تتكرر، ما هو كل يوم، اللحم لا يوجد كل يوم، الأرز معدوم، هو هو، القمح والتمر إن وُجد، ما كل الناس عندهم، يتصور أنه ما وقف عليه لأنه ما يتكرر مرة ثانية.

طالب: ..........

 هو مسألة غنى النفس، غنى النفس مع وجود الشيء، أما مع عدمه، الفقير حقيقي ما هو نفسي، الحاجة حقيقية، غنى النفس الآن تجد الشخص يدخر أشياء ليس بحاجتها، هذا فقير النفس -نسأل الله العافية-.

"والثانية: أن يفقد الطعام فلا يوجد رأسًا ويعز إلى الغاية، فاجتمعت هاتان العلامتان في عهد يوسف، فانتبه الرجال والنساء والصبيان ينادون الجوع الجوع!!".

من الفرش قاموا على لسان واحد: الجوع الجوع.

"ويأكلون ولا يشبعون، وانتبه الملك، ينادى الجوع الجوع!! قال: فدعا له يوسف فأبرأه الله من ذلك، ثم أصبح فنادى يوسف في أرض مصر كلها، معاشر الناس! لا يزرع أحد زرعًا فيضيع البذر ولا يطلع شيء. وجاءت تلك السنون بهول عظيم لا يوصف، قال ابن عباس: لما كان ابتداء القحط بينا الملك في جوف الليل أصابه الجوع في نصف الليل، فهتف الملك يا يوسف! الجوع الجوع!! فقال يوسف: هذا أوان القحط، فلما دخلت أول سنة من سني القحط هلك فيها كل شيء أعدوه في السنين المخصبة، فجعل أهل مصر يبتاعون الطعام من يوسف، فباعهم أول سنة بالنقود، حتى لم يبقَ بمصر دينار ولا درهم إلا قبضه، وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر، حتى لم يبقَ في أيدي الناس منها شيء، وباعهم في السنة الثالثة بالمواشي والدواب، حتى احتوى عليها أجمع، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء، حتى احتوى على الكل، وباعهم في السنة الخامسة بالعقار والضياع، حتى ملكها كلها، وباعهم في السنة السادسة بأولادهم ونسائهم، فاسترقهم جميعًا، وباعهم في السنة السابعة برقابهم، حتى لم يبقَ في السنة السابعة بمصر حر ولا عبد إلا صار عبدًا له".

لا شك، لا شك أنه أولًا إن ثبت مثل هذا، إن ثبتت مثل هذه الأخبار، وهي متلقاة في الغالب عن بني إسرائيل، لكن العقل لا يحيلها، فالرق أيسر من الموت، الرق أيسر من الموت، فإذا لم يكن هناك خيار بين الإنسان إلا أن يبتاع نفسه، أو يموت جوعًا، فأن يبيع نفسه، ويكون رقيقًا أسهل.

"فقال الناس: والله ما رأينا ملكًا أجل ولا أعظم من هذا، فقال يوسف لملك مصر: كيف رأيت صنع ربي فيما خولني! والآن كل هذا لك، فما ترى فيه؟ فقال: فوَّضت إليك الأمر فافعل ما شئت، وإنما نحن لك تبع، وما أنا بالذي يستنكف عن عبادتك وطاعتك".

طالب: ما المقصود بالعبادة هنا؟

الرق، الرق.

"ولا أنا إلا من بعض مماليكك، وخول من خولك، فقال يوسف -عليه السلام-: إني لم أعتقهم من الجوع لأستعبدهم، ولم أجرهم من البلاء لأكون عليهم بلاءً، وإني أشهد الله وأشهدك أني أعتقت أهل مصر عن آخرهم، ورددت عليهم أموالهم وأملاكهم، ورددت عليك ملكك بشرط أن تستن بسنتي.

ويروى أن يوسف -عليه السلام- كان لا يشبع من طعام في تلك السنين، فقيل له: أتجوع وبيدك خزائن الأرض؟ فقال: إني أخاف إن شبعت أن أنسى الجائع".

هكذا، هكذا ينبغي أن يكون الوالي، يكون واحدًا من رعيته لا يشبع وهم يجوعون، ولا يكتسي وهم عراة، وهكذا، في صدر هذه الأمة الأمثلة الواضحة الظاهرة عمر بن الخطاب، وقبله أبو بكر من هذا التراث، من هذا النوع، والله المستعان.

"وأمر يوسف طباخ الملك أن يجعل غداءه نصف النهار، حتى يذوق الملك طعم الجوع، فلا ينسى الجائعين، فمن ثم جعل الملوك غداءهم نصف النهار.

 قوله -تعالى-: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ} [يوسف: 56] أي بإحساننا، والرحمة النعمة والإحسان".

{نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا} [يوسف: 56]، {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا} [يوسف: 56]، هذا تأويل، مذهب أهل الحق أهل السنة والجماعة، سلف هذه الأمة وأئمتها إثبات صفة الرحمة لله -سبحانه وتعالى- على ما يليق بجلاله وعظمته، والمؤلف -عفا الله عنا وعنه- مؤول في هذا الباب، وهو أقرب ما يكون إلى مذهب الأشاعرة، وإن لم يكن أشعريًّا، لكنه قريب منهم، يؤول كثير من الصفات التي يؤولونها، والله المستعان.

"{وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 56] أي ثوابهم.

وقال ابن عباس ووهب: يعني الصابرين".

طالب: أحسن الله إليكم، لكن الرحمة هنا المقصود بها الصفة أم العطية، هنا {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ} [يوسف: 56] المقصود بها صفة الله أم العطية من الله، في السياق يعني؟

الرحمة من لازمها العطية، فتفسير اللفظ بلازمه يُقبل في حالة واحدة، ممن يُثبت، أما من ينفي ويؤول لا يقبل منه التفسير باللازم.

يعني لو قال النووي -وهذا مثال ضربناه كثيرًا-، لو قال النووي: «والذي نفسي بيده»: روحي في تصرفه، قلنا: لا يا نووي، أنت مؤول، في إثبات اليد لله -سبحانه وتعالى- على ما يليق بجلاله وعظمته، ما فيه أحد ينكر أن أرواح الناس في تصرف الله -سبحانه وتعالى-، لكن لو قال شخص، لو قال شيخ الإسلام مثلًا ابن تيمية أو غيره ممن يُثبت الصفات على ما يليق بجلال الله وعظمته: «والذي نفسي بيده»: روحي في تصرفه، قلنا: على العين والرأس، كلامك صحيح، هذا ينبغي أن يُطرد، الشخص الذي عُرف عنه النفي ما يقبل منه التأويل باللازم، أما الذي يثبت ومنهجه الإثبات ما ينكر، ولذا لو قال مثلًا: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، {أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، هل هذه من آيات الصفات أو المقصود الجهة؟ نعم نقول: المقصود الجهة عند من يثبت، وأما من ينكر ويطرد في كل النصوص نقول: لا، وهكذا الآيات المحتملة، والتي قد يدل سياقها على غير كونها صفة.

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

هذه يقولها غالب الشراح: روحي في تصرفه، «والذي نفسي» روحي، «بيده» في تصرفه.

طالب: ..........

ما المعنى؟ المعنى هذا، هذا معنى «والذي نفسي بيده» يعني روحي في تصرفه، روحي، أما «نفسي» روحي، صح هذا ما فيه إشكال، النفس هي الروح، فيه مشكلة؟

«بيده» يعين في تصرفه، فيريد أن لا يثبت يد لله -سبحانه وتعالى-، لكن ما فيه أحد ينكر أن روح الناس في تصرف الله -سبحانه وتعالى-، في قبضته، وأن قلوبهم بين أصبعين من أصابعه.

طالب: ..........

نعم، هو يفر عن إثبات اليد.

طالب: ..........

بيده نعم.

"وقال ابن عباس ووهب: يعني الصابرين لصبره في الجب، وفي الرق، وفي السجن، وصبره عن محارم الله عما دعته إليه المرأة.

وقال الماوردي: واختلف فيما أوتيه يوسف من هذه الحال على قولين: أحدهما: أنه ثواب من الله -تعالى- على ما ابتلاه.

الثاني: أنه أنعم الله عليه بذلك تفضلًا منه عليه، وثوابه باقٍ على حاله في الآخرة.

قوله -تعالى-: {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} [يوسف: 57] أي ما نعطيه في الآخرة خير وأكثر مما أعطيناه في الدنيا؛ لأن أجر الآخرة دائم، وأجر الدنيا ينقطع، وظاهر الآية العموم في كل مؤمن متقٍ، وأنشدوا:

أما في رسول الله يوسف أسوة

 

لمثلك محبوسًا على الظلم والإفك

أقام جميل الصبر في الحبس برهة

 

فآل به الصبر الجميل إلى الملك

وكتب بعضهم إلى صديق له:

وراء مضيق الخوف متسع الأمن

 

وأول مفروح به آخر الحزن

فلا تيئسن فالله ملك يوسفًا

 

خزائنه بعد الخلاص من السجن

وأنشد بعضهم:                                          

إذا الحادثات بلغن النهى

 

وكادت تذوب لهن المهج

وحل البلاء وقل العزاء

 

فعند التناهي يكون الفرج

والشعر في هذا المعنى كثير.

قوله -تعالى-: {وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [يوسف: 58]".

طالب: ..........

أعظمها طلب المعصية منهم، أعظمها طلب المعصية مع ما احتف بهذا الطلب من قوة الشباب لديه، وجمال المرأة وسلطانها، ولذلك قال: {السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [يوسف: 33].

"قوله -تعالى-: {وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} [يوسف: 58] أي جاءوا إلى مصر لما أصابهم القحط ليمتاروا، وهذا من اختصار القرآن المعجز. قال ابن عباس وغيره: لما أصاب الناس القحط والشدة، ونزل ذلك بأرض كنعان بعث يعقوب -عليه السلام- ولده للميرة، وذاع أمر يوسف -عليه السلام- في الآفاق، للينه وقربه ورحمته ورأفته وعدله وسيرته، وكان يوسف -عليه السلام- حين نزلت الشدة بالناس يجلس للناس عند البيع بنفسه، فيعطيهم من الطعام على عدد رؤوسهم، لكل رأس وسقًا.

 {وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ} [يوسف: 58] يوسف {وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [يوسف: 58]؛ لأنهم خلفوه صبيًّا، ولم يتوهموا أنه بعد العبودية يبلغ إلى تلك الحال من المملكة، مع طول المدة، وهي أربعون سنة.

وقيل: أنكروه؛ لأنهم اعتقدوا أنه ملك كافر: وقيل: رأوه لابس حرير، وفي عنقه طوق ذهب، وعلى رأسه تاج، وقد تزيا بزي فرعون مصر، ويوسف رآهم على ما كان عهدهم في الملبس والحلية، ويحتمل أنهم رأوه وراء ستر فلم يعرفوه.

وقيل: أنكروه لأمر خارق امتحانًا امتحن الله به يعقوب".

لا شك أنهم ينكرونه؛ لأن حاله وهيأته وشكله مع المدة، طول المدة، كان صغير السن وكبر، مدة أربعين سنة كفيلة بأن تغير الشكل من جهة.

 الأمر الثاني: النعمة بعد البؤس تغير الأشكال بلا ريب، ولذا تجدون أهل النعم في الغالب أشكالهم تختلف عن أهل الحاجة والفاقة، لكن لو كان ممن استقر، ممن استقرت خلقته لما فارقهم في الغالب أنه لا يتغير إلا تغيرًا يسيرًا يعني، تغير غير مؤثر، يعني فرق بين شخص تفارقه من عشر سنوات، ثم تجده بعد سنين طويلة بعد أربعين سنة، تغير تغيرًا جذريًّا، بينما لو فارقته عمره أربعين مثلًا، تجده بعد ستين أو سبعين أو تفارقه بعد عمره خمسين، تجده بعد ذلك، الملامح العامة ما تتغير في الجملة، اللهم إلا إذا كان الإنسان فيه مزيد خبرة وقيافة فإنه يعرف ولو طال الزمن، كما في حديث خبر وحشي مع عبيد الله بن عدي بن الخيار، وحشي طالت به الحياة، فقال عبيد الله بن عدي بن الخيار وهو من التابعين لصاحب له: نذهب نرى وحشيًّا هذا الذي قتل حمزة عم الرسول، وقتل مسيلمة، هذا شخص أكيد أنه يستحق من يذهب ليراه، وهو كبير جدًّا جاز الثمانين، بل يقرب من التسعين.

 المقصود أنهم لما وقفا عليه قال: أنت ابن عبيد الله بن الخيار، ابن عدي بن الخيار، أنت ابن عدي بن الخيار؛ لأنه رآه قبل التسمية، أنت ابن عدي بن الخيار؟ قال: وما يدريك؟ قال: رفعتك إلى أمك على الدابة، وأنت في المهد، وهذه رجلك ما تغيرت هذه، كم كان عمره؟ سنين، عبيد الله بن عدي من كبار التابعين، فإذا كان هناك مزيد قيافة وخبرة وفراسة، ما فيه شك إن يدرك، لكن الكلام في عامة الناس وسائرهم مع تغير الخلقة ما يدركون.

ولذا يشترطون في الصورة في الأمور الرسمية والإثباتات أن تكون حديثة، ما تكون قديمة؛ لأن الإنسان يتغير بلا شك.

طالب: ..........

عشر سنوات، عشر سنوات، والله المستعان، ولو اُلتزم شرع الله وطُبق بحذافيره ما احتجنا إلى مثل هذه المخالفات.

"قوله -تعالى-: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ} [يوسف: 59] يقال: جهزت القوم تجهيزًا، أي تكلفت لهم بجهازهم للسفر، وجهاز العروس ما يحتاج إليه عند الإهداء إلى الزوج، وجوز بعض الكوفيين الجهاز بكسر الجيم، والجهاز في هذه الآية الطعام الذي امتاروه من عنده.

قال السدي: وكان مع إخوة يوسف أحد عشر بعيرًا، وهم عشرة، فقالوا ليوسف: إن لنا أخًا تخلف عنا، وبعيره معنا، فسألهم لم تخلف؟ فقالوا: لحب أبيه إياه، وذكروا له أنه كان له أخ أكبر منه، فخرج إلى البرية فهلك، فقال لهم: أردت أن أرى أخاكم هذا الذي ذكرتم، لأعلم وجه محبة أبيكم إياه، وأعلم صدقكم، ويروى أنهم تركوا عنده شمعون رهينة، حتى يأتوا بأخيه بنيامين.

وقال ابن عباس: قال يوسف للترجمان: قل لهم: لغتكم مخالفة للغتنا، وزيكم مخالف لزينا، فلعلكم جواسيس، فقالوا: والله! ما نحن بجواسيس، بل نحن بنو أب واحد، فهو شيخ صديق، قال: فكم عدتكم؟ قالوا: كنا اثني عشر فذهب أخ لنا إلى البرية فهلك فيها، قال: فأين الآخر؟ قالوا: عند أبينا، قال: فمن يعلم صدقكم؟ قالوا: لا يعرفنا هاهنا أحد، وقد عرفناك أنسابنا، فبأي شيء تسكن نفسك إلينا؟ فقال يوسف: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} [يوسف: 59] إن كنتم صادقين، فأنا أرضى بذلك، {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} [يوسف: 59] أي أتمه ولا أبخسه، وأزيدكم حمل بعير لأخيكم، {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} [يوسف: 60] توعدهم ألا يبيعهم الطعام إن لم يأتوا به.

 قوله -تعالى-: {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} [يوسف: 59] يحتمل وجهين: أحدهما: أنه رخص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل.

والثاني: أنه كال لهم بمكيال وافٍ.

{وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [يوسف: 59] فيه وجهان: أحدهما: أنه خير المضيفين؛ لأنه أحسن ضيافتهم، قاله مجاهد.

الثاني: وهو محتمل، أي خير من نزلتم عليه من المأمونين، وهو على التأويل الأول مأخوذ من النزل وهو الطعام، وعلى الثاني من المنزل وهو الدار.

قوله -تعالى-: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} [يوسف: 60]، أي فلا أبيعكم شيئًا فيما بعد؛ لأنه قد وفاهم كيلهم في هذه الحال. {وَلا تَقْرَبُونِ} [يوسف: 60] أي لا أنزلكم عندي منزلة القريب، ولم يرد أنهم يبعدون منه، ولا يعودون إليه؛ لأنه على العود حثهم. قال السدي: وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا، فارتهن شمعون عنده، قال الكلبي: إنما اختار شمعون منهم؛ لأنه كان يوم الجب أجملهم قولًا، وأحسنهم رأيًا. و{تَقْرَبُونِ} [يوسف: 60] في موضع جزم بالنهي، فلذلك حذفت منه النون، وحذفت الياء؛ لأنه رأس آية، ولو كان خبرًا لكان تقربونَ- بفتح النون-.

قوله -تعالى-: {قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ} [يوسف: 61] أي سنطلبه منه، ونسأله أن يرسله معنا.

{وَإِنَّا لَفاعِلُونَ} [يوسف: 61] أي لضامنون المجيء به، ومحتالون في ذلك.

مسألة: إن قيل: كيف استجاز يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه؟ قيل له: عن هذا أربعة أجوبة: أحدها: يجوز أن يكون الله -عزَّ وجلَّ- أمره بذلك ابتلاءً ليعقوب، ليعظم له الثواب، فاتبع أمره فيه.

الثاني: يجوز أن يكون أراد بذلك أن ينبه يعقوب على حال يوسف -عليهما السلام-.

الثالث: لتتضاعف المسرة ليعقوب برجوع ولديه عليه.

الرابع: ليقَدِّم سرور أخيه بالاجتماع معه قبل إخوته، لميل كان منه إليه، والأول أظهر. والله أعلم".

ابتلاء، ابتلاء وامتحان مثل ما حصل ليعقوب بسبب يوسف، حصل له مرة ثانية بسبب الثاني، وكونه اختار شمعون دون غيره؛ لأنه موقفه الذي تقدم من إخوته وحاله مع يوسف وعطفه عليه، ما نسيه يوسف -عليه السلام-.

"قوله -تعالى-: {وقال لفتيته} [يوسف: 62] هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم، وهي اختيار أبي حاتم والنحاس وغيرهما. وقرأ سائر الكوفيين (لِفِتْيانِهِ) [يوسف: 62] وهو اختيار أبي عبيد، وقال: هو في مصحف عبد الله كذلك. قال الثعلبي: وهما لغتان جيدتان، مثل الصبيان والصبية.

 قال النحاس: (لِفِتْيانِهِ) [يوسف: 62] مخالف للسواد الأعظم؛ لأنه في السواد لا ألف فيه ولا نون، ولا يترك السواد المجتمع عليه لهذا الإسناد المنقطع، وأيضًا فإن فتية أشبه من فتيان؛ لأن فتية عند العرب لأقل العدد، والقليل بأن يجعلوا البضاعة في الرحال أشبه. وكان هؤلاء الفتية يسوون جهازهم".

كيف القليل يجعل البضاعة في الرحال أشد؟ يعني ما يحتاج إلى عدد كبير؛ ليجعلوا البضاعة في الرحال، يكفي عدد قليل يقوم بهذه المهمة، لكن مثل هذا، مثل هذا ما تُرد به الرواية، القراءة الثابتة، مثل هذا الكلام ما تُرد به القراءة الثابتة.

"ولهذا أمكنهم جعل بضاعتهم في رحالهم. ويجوز أن يكونوا أحرارًا، وكانوا أعوانًا له، وبضاعتهم أثمان ما اشتروه من الطعام.

وقيل: كانت دراهم ودنانير.

وقال ابن عباس: النعال والأدم ومتاع المسافر، ويسمى رحلًا".

ويجوز أن يكونوا أحرارًا؟

طالب: وكانوا أعوانًا.

في بعض النسخ: أجراء، ويجوز أن يكونوا أجراء؛ لأنه الأصل إن كانوا فتية فهم عبيد، يجوز أن يكونوا أحرارًا أو أجراء؟ محتمل، اللفظ محتمل أن يكونوا أجراء، وهم أعوان له.

"قال ابن الأنباري: يقال للوعاء: رحل، وللبيت رحل. وقال: {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها} [يوسف: 62] لجواز ألا تسلم في الطريق.

وقيل: إنما فعل ذلك ليرجعوا إذا وجدوا ذلك؛ لعلمه أنهم لا يقبلون الطعام إلا بثمنه. قيل: ليستعينوا بذلك على الرجوع لشراء الطعام.

وقيل: استقبح أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن الطعام.

وقيل: ليروا فضله، ويرغبوا في الرجوع إليه".

يعني رد الثمن والمثمن، رد الثمن والمثمن، وهذا من جوده -عليه السلام-؛ كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- جابر، رد عليه الجمل وأعطاه الثمن، مثل هذا يُرغب في تكرار الشراء من، فيرجعون؛ لأنه لا يتصور أفضل من هذا؛ لأنه لو أخذ الثمن ولو كان قليلًا، احتمال أن يجدوا أرخص منه، فلا يرجعون إليه في جهة ثانية، لكن إذا رد الثمن كاملًا ما يمكن، ما يتصور أن يوجد أرخص من هذا.

"قوله -تعالى-: {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} [يوسف: 63]؛ لأنه قال لهم: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} [يوسف: 60] وأخبروه بما كان من أمرهم وإكرامهم إياه، وأن شمعون مرتهن حتى يعلم صدق قولهم.

{فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ} [يوسف: 63] أي قالوا عند ذلك: {فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ} [يوسف: 63] والأصل نكتال، فحذفت الضمة من اللام للجزم، وحذفت الألف لالتقاء الساكنين. وقراءة أهل الحرمين وأبي عمرو وعاصم {نَكْتَلْ} [يوسف: 63] بالنون، وقرأ سائر الكوفيين (يكتل) [يوسف: 63] بالياء".

المراد الأخ يكتل، وإذا قال: {نَكْتَلْ} [يوسف: 63]، فالمراد نحن معه، الكل يكتالون، أما من قال: إن اسم الأخ نكتل، فقد أبعد النجعة، بعضهم سمى به، سمى ولده نكتل، أخو يوسف، هذا حاصل.

"والأول اختيار أبي عبيد؛ ليكونوا كلهم داخلين فيمن يكتال، وزعم أنه إذا كان بالياء كان للأخ وحده. قال النحاس: وهذا لا يلزم؛ لأنه لا يخلو الكلام من أحد جهتين، أن يكون المعنى: فأرسل أخانا يكتل معنا، فيكون للجميع، أو يكون التقدير على غير التقديم والتأخير، فيكون في الكلام دليل على الجميع؛ لقوله: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} [يوسف: 60]. {وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} [يوسف: 63] من أن يناله سوء.

قوله -تعالى-: {قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 64] أي قد فرطتم في يوسف، فكيف آمنكم على أخيه؟!".

فالله عندك؟ لأن عندك الثاني القراءة: حفظًا، حفظًا. نجد الاختلاف الكبير في التفسير، وبينما درجنا عليه في القراءة؛ لأن المغاربة عنايتهم، القرطبي الأندلس، أقول: قراءتهم غير قراءة المشارقة، عنايتهم بقراءة ورش وغيرها، تختلف عن عنايتنا بقراءة حفص عن عاصم.

"{فَاللَّهُ خَيْرٌ حِفْظًا} [يوسف: 64] نصب على البيان، وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم. وقرأ سائر الكوفيين: {حافِظاً} [يوسف: 64]، على الحال. وقال الزجاج: على البيان".

وهذا يدل على أن الآيات المدخلة في التفسير ليست من وضع المؤلف، يعني مثل ما قلنا نظيره في فتح الباري، المتن ليس من وضع الحافظ ابن حجر، وإنما أدخله الطابع، والآيات هنا ليست من وضع المفسر، وإنما أدخلها الطابع؛ لأن الطبعة الأولى من الكتاب ما فيها آيات إطلاقًا، فالذي طبع الكتاب مرة ثانية أدخل الآيات من أجل التيسير على القارئ، وإذا أراد أن يحفظ وأراد أن يراجع، طيب، مقصد حسن، لكن نقول مثل ما قلنا هناك، أن يختار القراءة المناسبة للكتاب، يختار القراءات المناسبة للكتاب؛ لئلا يقرأ شخص {فَاللَّهُ خَيْرٌ حِفْظًا} [يوسف: 64]، {وقال لفتيته} [يوسف: 62]، يجر ويصحح، نقول: الآن القرآن أمامنا، كيف يختلف هذا عن هذا؟ لو أدخل الطابع قراءة موافقة لما اعتمده الشارح لكان أولى.

ولا يعني هذا أن الناس كلهم يلزمون بهذه القراءة، لا، لكن اتفاق الشرح مع المشروح أمر مطلوب، وهذا عانينا منه كثيرًا في فتح الباري، وعلى هذا فالأولى أن تبقى الكتب من غير تصرف، لكن إذا أراد شخص أن يحسن وييسر على القارئ ويدخل متنًا، أولًا: يفصل المتن فصلًا تامًّا من الكتاب؛ لئلا يتصرف في كتب الناس من غير إذنهم، والأمر الثاني: أن يختار القراءة المناسبة، وبالنسبة لكتب الحديث الرواية المناسبة.

"وفي هذا دليل على أنه أجابهم إلى إرساله معهم، ومعنى الآية: حفظ الله له خير من حفظكم إياه. قال كعب الأحبار: لما قال يعقوب: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً} [يوسف: 64] قال الله -تعالى-: وعزتي وجلالي لأردن عليك ابنيك كليهما بعد ما توكلت عليّ.

قوله -تعالى-: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ} [يوسف: 65] الآية ليس فيها معنى يشكل. {ما نَبْغِي} [يوسف: 65]، {لَمَّا} [يوسف: 65] استفهام في موضع نصب".

يعني ما تحتاج إلى تفسير، {فَتَحُوا مَتاعَهُمْ} [يوسف: 65]، فيها إشكال؟ ووجدوا البضاعة رُدت إليهم، ما فيه مشكلة، ما يحتاج إلى تفسير.

"والمعنى: أي شيء نطلب وراء هذا؟! وفى لنا الكيل، ورد علينا الثمن، أرادوا بذلك أن يطيبوا نفس أبيهم.

وقيل: هي نافية، أي لا نبغي منك دراهم ولا بضاعة".

لكن نفس الأب هل تطيب بمثل هذا؟ أو الأب ما جُبل عليه من حساسية على الولد ألا يرد على نفسه أن هذا استدراج أن يأتوا ببقيتهم فيمسك بهم هذا الملك مثل ما أمسك واحدًا منهم؟

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

هذا احتمال، لكن حساسية الأب تجاه أبنائه غير حساسية الأخ، ضع هذا في ذهنك، شفقة الأم والأب غير شفقة الأخ.

"وقيل: هي نافية، أي لا نبغي منك دراهم ولا بضاعة، بل تكفينا بضاعتنا هذه التي ردت إلينا. وروي عن علقمة (رِدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف: 65] بكسر الراء".

كقراءته: {وَلَوْ رِدُّوا لَعَادُوا} [الأنعام: 28].

طالب: ..........

نعم، الحساسية موجودة من الأب.

"لأن الأصل، رُدِدَتْ، فلما أدغم قلبت حركة الدال على الراء. وقوله: {وَنَمِيرُ أَهْلَنا} [يوسف: 65] أي نجلب لهم الطعام، قال الشاعر:

بعثتك مائرًا فمكثت حولًا

 

متى يأتي غياثك من تغيث".

الله المستعان، يعني ينتظرون قدوم الطعام، مكث حولًا.

وقرأ السلمي بضم النون، أي نعينهم على الميرة. {وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} [يوسف: 65] أي حمل بعير لبنيامين.

قوله -تعالى-: {قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ} [يوسف: 66]، فيه مسألتان".

طالب: ..........

نعم، لكن عندنا إلى {قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف: 66]، كل الآية سطران وزيادة، الآيات هنا الطبعة الذي معنا كاملة، يأتي بأربع آيات، خمس آيات، لا، أنت عندك يبدو أنه على وضع المؤلف، لكنه أحيانًا يأخذ الآية كاملة، قد يحتاج إليها فيأخذها كاملة.

"فيه مسألتان:

الأولى: قوله -تعالى-: {تُؤْتُونِ} [يوسف: 66] أي تعطوني. {مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ} [يوسف: 66] أي عهدًا يوثق به. قال السدي: حلفوا بالله ليردنه إليه ولا يسلمونه، واللام في {لَتَأْتُنَّنِي} [يوسف: 66] لام القسم. {إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] قال مجاهد: إلا أن تهلكوا أو تموتوا.

وقال قتادة: إلا أن تغلبوا عليه. قال الزجاج: وهو في موضع نصب. {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف: 66] أي حافظ للحلف. وقيل: حفيظ للعهد قائم بالتدبير والعدل".

في موضع نصب على الاستثناء، {أَنْ يُحاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66].

طالب: ..........

هذا اسم أم صفة؟ وكيل اسم أم صفة؟

طالب: ..........

سميع، عليم، يعني زنتها وزن الأسماء، والاسم لا بد أن يشتمل على صفة، ولا عكس، ولا عكس.

"الثانية: هذه الآية أصل في جواز الحمالة بالعين والوثيقة بالنفس، وقد اختلف العلماء في ذلك".

الكفالة، الكفالة، الحمالة الكفالة، الحميل والزعيم والكفيل، كل هذا معناه واحد.

"فقال مالك وجميع أصحابه وأكثر العلماء: هي جائزة إذا كان المتحمل به مالًا، وقد ضعف الشافعي الحمالة بالوجه في المال، وله قول كقول مالك.

وقال عثمان البتي: إذا تكفل بنفس في قصاص أو جراح فإنه إن لم يجئ به لزمه الدية وأرش الجراح، وكانت له في مال الجاني، إذ لا قصاص على الكفيل، فهذه ثلاثة أقوال في الحمالة بالوجه. والصواب تفرقة مالك في ذلك، وأنها تكون في المال، ولا تكون في حد أو تعزير، على ما يأتي بيانه".

يعني كل ما لا يمكن استيفاؤه من الكفيل والضامن والحميل والزعيم، لا تصح فيه، كيف يستوفى منه إذا لم يحضر؟ إذا لم يحضره فكيف يستوفى منه؟ الدراهم تستوفى، لكن الجنايات يمكن أن تستوفى من الحميل؟ الحدود يمكن أن تستوفى منه؟ لا يمكن؛ لأنها لا تكون بالنيابة.

"قوله -تعالى-: {وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]، فيه سبع مسائل:

الأولى: لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين، فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، وكانت مصر لها أربعة أبواب، وإنما خاف عليهم العين؛ لكونهم أحد عشر رجلًا لرجل واحد، وكانوا أهل جمال وكمال وبسطة، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم".

في قول جمهور المفسرين أنه خشي عليهم العين، خشي عليهم العين.

طالب: يقول هنا: أحد عشر مع أنه في بداية التفسير قال فيه واحد منهم بقي عند يوسف الذي هو شمعون، فيصير عشرة، كيف؟ فهل هو مضعف القول هذا أم الإجابة؟

أين؟

طالب: يعني هل هم كلهم اثنا عشر؟

{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ} [يوسف: 4]، كلهم اثنا عشر المجموع مع يوسف، يوسف هناك، والرهين شمعون عنده.

طالب: يبقى صار كدا عشرة، وهنا يقول: أحد عشر.

طالب: هل يقال يا شيخ: إن تأويل الرؤيا أن الذين سجدوا له إخوانه باستثناء بنيامين؛ لأنه لم يكن منهم، هذا صفيه وابن أمه وحبيبه؟

لا، لا، هو يسجد، يسجد، هذا المجموع، لكن لكونهم أحد عشر، الداخل محسوب، الداخل محسوب، دخلوا عشرة وواحد عندهم من الأصل أحد عشر.

طالب: سياق الآيات التي فاتت ما يدل إن هو ترك شمعون رهينة هناك، سياق الآيات.

ما فيها ما يدل، لكن هذه أخبار تحتمل الثبوت وعدمه.

 على كل حال إن كانت ثابتة وأخذه رهينة وهذا الأصل، الأصل أنه للتوثيق، يعني معروف عند الأمم السابقة، وعندنا، فعدهم أحد عشر بما فيهم الذي هناك، هم أحد عشر معروف، واحد منهم موجود من الأصل هناك، وإن كان ما هناك رهينة ورجع وكلهم أحد عشر، فهذا ظاهر.

طالب: ..........

"الثانية: إذا كان هذا معنى الآية فيكون فيها دليل على التحرز من العين، والعين حق، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر».

وفي تعوذه -عليه السلام-: «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة» ما يدل على ذلك.

وروى مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار، فنزع جبة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، قال: وكان سهل رجلًا أبيض حسن الجلد، قال: فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء! فوعك سهل مكانه واشتد وعكه، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبر أن سهلًا وعك، وأنه غير رائح معك يا رسول الله، فأتاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «علامَ يقتل أحدكم أخاه، ألا بركت، إن العين حق توضأ له»، فتوضأ عامر، فراح سهل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس به بأس.

 وفي رواية: «اغتسل» فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه، وداخل إزاره في قدح ثم صب عليه، فراح سهل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس به بأس. وركب سعد بن أبي وقاص يومًا فنظرت إليه امرأة فقالت: إن أميركم هذا ليعلم أنه أهضم الكشحين، فرجع إلى منزله فسقط، فبلغه ما قالت المرأة، فأرسل إليها فغسلت له، ففي هذين الحديثين أن العين حق، وأنها تقتل كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا قول علماء الأمة، ومذهب أهل السنة، وقد أنكرته طوائف من المبتدعة".

لكن علاجهم هؤلاء الذين أنكروه، كيف يُرد عليهم؟ مثل من أنكر الجن، أو أنكر تلبث الجن بالإنس، أقول: مثل العلاج العملي، لكن الكلام على أن مثل هؤلاء الذين أنكروا يجوز أن يُعانوا من أجل أن يقتنعوا؟ يجوز؟

طالب: أحسن الله إليكم، ما معنى: أهضم الكشحين؟

هذا شيء، الكشح داخلة الإزار.

طالب: ..........

ما أدري والله، علق عليها في نسختكم؟ ما علق عليها عندك يا أحمد؟ النسخة التي عندك ما علق عليها؟

تراجع، تراجع.

"وهم محجوجون بالسنة وإجماع علماء هذه الأمة، وبما يشاهد من ذلك في الوجود، فكم من رجل أدخلته العين القبر، وكم من جمل ظهير أدخلته القدر، لكن ذلك بمشيئة الله -تعالى- كما قال: {وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102]".

وهذا في السحر وهو أشد وأقوى نفوذًا، فكيف بالعين؟!

"قال الأصمعي: رأيت رجلًا عيونًا سمع بقرة تحلب فأعجبه شخبها، فقال: أيتهن هذه؟ فقالوا: الفلانية لبقرة أخرى يورون عنها، فهلكتا جميعًا، المورى بها والمورى عنها".

طالب: ..........

هي ما فيه شك أنها قوى، قوى شر يجعلها الله -سبحانه وتعالى- في بعض النفوس، بعض النفوس الشريرة التي تنطوي على شيء من الغل والحقد، فتخرج من عينه هذه القوة إلى نفس المعين، وفي الغالب أن الذي يُعان فيه شيء من الضعف، من الضعف النفسي، وإلا لو قوي توكله ما تضره -بإذن الله-، في الغالب أن هذه العين لا تُسلط إلا على شخص فيه شيء من الضعف، هي قوة شريرة تنبعث من نفس هذا الحاسد؛ بسبب ما ينطوي عليه قلبه من الغل والحقد.

طالب: ..........

مثل الآشعة، لكنها معنوية، ما فيه شيء حسي.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

 ما يلزم كل شيء يُرى، الذبذبات وغيرها تضر وأنت ما ترى شيئًا، فيها ما يلزم أن كل شيء يُرى؟

"قال الأصمعي. وسمعته يقول: إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني.

الثالثة: واجب على كل مسلم أعجبه شيء أن يبرك، فإنه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة، ألا ترى قوله -عليه السلام- لعامر: «ألا بركت» فدل على أن العين لا تضر ولا تعدو إذا برك العائن، وأنها إنما تعدو إذا لم يبرك. والتبريك أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين! اللهم بارك فيه.

الرابعة: العائن إذا أصاب بعينه ولم يبرك فإنه يؤمر بالاغتسال، ويجبر على ذلك إن أباه؛ لأن الأمر على الوجوب، لا سيما هذا، فإنه قد يخاف على المعين الهلاك، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولا يضره هو، ولا سيما إذا كان بسببه، وكان الجاني عليه".

لا ينبغي لأحد أن يمتنع أن ينفع أخاه بما لا يضره، ولو لم يكن السبب، ولو لم يكن السبب، إذا جيء بشخص معين إلى شخص يظن فيه الخير ليرقيه، لا ينبغي أن يمتنع ويتردد؛ لأنه محسن، وهذا من الإحسان على الآخرين.

طالب: ..........

هذا بالنسبة، لا، لا، هذا بالنسبة لغير العائن، أما بالنسبة للعائن فالأمر في حقه آكد، الأمر في حقه آكد.

طالب: ..........

 ما فيه شك أن حساسية الناس، أن لو جاء لك شخص قال: هذا معين، وتظن أنه يتهمك أنك العائن وكذا، الأصل سلامة النية والقلب، هذا الأصل في المسلم.

"الخامسة: من عرف بالإصابة بالعين منع من مداخلة الناس دفعًا لضرره، وقد قال بعض العلماء: يأمره الإمام بلزوم بيته، وإن كان فقيرًا رزقه ما يقوم به".

إقامة جبرية، إقامة جبرية؛ لئلا يتضرر الناس به، ما دام ثبت ضرره، هذا أشد من الضرر الحسي.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

 الله المستعان.

"ويكف أذاه عن الناس. وقد قيل: إنه ينفى، وحديث مالك الذي ذكرناه يرد هذه الأقوال، فإنه -عليه السلام- لم يأمر في عامر بحبس ولا بنفي، بل قد يكون الرجل الصالح عائنًا، وأنه لا يقدح فيه ولا يفسق به".

لكن غالبًا هذه العين إنما تدل على شيء في القلب، تدل على شيء، مرض في القلب.

طالب: يقولون يا شيخنا: لا يحسد المال إلا أصحابه، المثل، قد يأتي الحسد من بعض أهل البيت لبعضهم، ولا يقصدون.

عندنا، نعم، عندنا المثل عند العامة يقولون: ما تجيء إلا من صديق، والعدو ما تؤثر فيه.

طالب: أحسن الله إليكم، هل الإنسان يحسد نفسه؟

نعم، تصير، ممكن، ممكن، هذا موجود، الإنسان إذا تفطن لشيء بنفسه يتغير عليه، والعوام يقولون: الذي ما ينحت يفطن.

طالب: يعني؟

قد يكون الشخص مثلًا يتكلم بكلام فيه شخص، هو بنفسه سليم من هذا الداء، لكن يوجد من حوله ممن إذا انتبه لهذه النعمة أصابه بعينه.

طالب: يا شيخ التحصن بالأذكار.

نعم.

طالب: ..........

 ما فيه شك أن الأذكار تقي -بإذن الله-، درع، درع ووقاية.

"ومن قال: يحبس ويؤمر بلزوم بيته. فذلك احتياط ودفع ضرر، والله أعلم".

والضرر لا بد من إزالته إذا عُرف واستفاض عن هذا الشخص أنه مؤذٍ، وتكررت الأذية منه، فلولي الأمر أن يحبسه، إذا كان يحبس لأقل من هذا، قد يحبس الإنسان لأقل من هذا.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

 هم إن كانوا حاضرين وبُرك عليهم وعوذوا هذا الأصل، وإن لم يتيسر يكفي ولو من بُعد.

"السادسة: روى مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال: دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما: «ما لي أراهما ضارعين»، فقالت حاضنتهما: يا رسول الله! إنه تسرع إليهما العين، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «استرقوا لهما، فإنه لو سبق شيء القدر سبقته العين». وهذا الحديث منقطع، ولكنه محفوظ لأسماء بنت عميس الخثعمية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-".

أمهم، أسماء بنت عميس؛ لأنها كانت تحت جعفر بن أبي طالب لما مات تزوجها أبو بكر، ثم لما مات أبو بكر تزوجها علي.

"عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوه ثابته متصلة صحاح، وفيه أن الرقي مما يستدفع به البلاء، وأن العين تؤثر في الإنسان وتضرعه، أي تضعفه وتنحله، وذلك بقضاء الله تعالى وقدره. ويقال: إن العين أسرع إلى الصغار منها إلى الكبار، والله أعلم.

السابعة: أمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث أبي أمامة العائن بالاغتسال للمَعِين، وأمر هنا بالاسترقاء، قال علماؤنا: إنما يسترقى من العين إذا لم يعرف العائن، وأما إذا عرف الذي أصابه بعينه فإنه يؤمر بالوضوء على حديث أبي أمامة، والله أعلم.

قوله تعالى: {وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف: 67] أي من شيء أحذره عليكم، أي لا ينفع الحذر مع القدر.

{إِنِ الْحُكْمُ} [يوسف: 67] أي الأمر والقضاء. {إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} [يوسف: 67] أي اعتمدت ووثقت. {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]".

اللهم صلِّ على محمدٍ، اللهم صلِّ وسلم، الله أكبر، الله أكبر.

"