شرح نخبة الفكر (11)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
وإن اشترك اثنان عن شيخ وتقدم موت أحدهما فهو السابق واللاحق".
عن شيخ وتقدم موت أحدهما فهو السابق واللاحق، السابق اسم فاعل من السبق، وللاحق مثله، والمراد به: أن يشترك اثنان في الرواية عن شيخ ويتقدم موت أحدهم عن الآخر بحيث يتباين وقت وفاتيهما تبايناً شديداً، فيحصل بينهما أمد بعيد، وإن كان المتأخر منهما غير معدود من معاصري الأول وذوي طبقته فالمتقدم يقال له السابق والمتأخر يقال له: اللاحق.
لو افترضنا أن زيد من الناس جلس للإقراء وطال عمره مكث سبعين سنة يقرئ الناس في بداية جلوسه للإقراء تصور أنه سنة ألف وأربعمائة بدأ يقرئ الناس، حضر عنده شخص في أول جلوسه للناس سنة ألف وأربعمائة، نعم، وحضر عنده سنة كاملة بحيث صار من ألزم طلابه له، ثم مات في هذه السنة سنة ألف وأربعمائة، ثم مكث الشيخ سبعين سنة يقرئ الناس من ألف وأربعمائة إلى ألف وأربعمائة وسبعين، في آخر سنة قرأ عليه شخص، الأول مات سنة كم؟ الطالب الأول مات سنة كم؟ ألف وأربعمائة، والثاني: الذي بدأ الطلب في سنة ألف وأربعمائة وسبعين وهذا مثال نعم، عمّر ولم يمت إلا بعد سبعين سنة، تصور أنه لما قرأ عليه سنة ألف وأربعمائة وسبعين عمره عشرين سنة، وعمر تسعين سنة أضف السبعين إلى السبعين الأولى كم يصير؟ ألف وخمسمائة وأربعين، يكون كم بين وفاة التلميذ الأول والتلميذ الثاني؟ مائة وأربعين سنة، هذا متصور وإلا ما هو متصور؟ يكون بين وفاة الاثنين وهما من طلاب ذلك الشخص مائة وأربعين سنة، وهذا متصور، يعني كيف يقال زملاء قرءا على شيخ واحد وبينهما مائة وأربعين سنة؟ هذا السابق واللاحق، وهذا موجود في الرواة، وصورته ما سمعتم، مثاله: روى الإمام البخاري في تاريخه عن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري، روى الإمام البخاري في تاريخه عن محمد بن إسحاق السراج، وروى عنه أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري وبين وفاتيهما، بين وفاة البخاري ووفاة الخفاف مائة وسبعة وثلاثون سنة أو أكثر، وذلك أن البخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين، ومات الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، يعني سبعة وثلاثين ومائة سنة، وهو نظير ما ذكرناه في المثال.
ومثل له الخطيب برواية الزهري عن الإمام مالك وروى عنه أيضاً زكريا بن دويد الكندي وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر، كذا مثل الخطيب بابن دويد ولا ينبغي أن يمثل به لأنه كذاب، فالصواب أن آخر أصحاب مالك أحمد بن إسماعيل السهمي مات سنة تسع وخمسين ومائتين وبينه وبين الزهري مائة وخمس وثلاثون سنة، بين وفاته وبين وفاة الزهري مائة وخمسة وثلاثون سنة، وكلاهما أخذ عن الإمام مالك.
يقول الحافظ: "وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك ما بين الراويين فيهم في الوفاة مائة وخمسون سنة، وذلك أن الحافظ السلفي سمع منه أبو علي البرزاني أحد مشايخه حديثاً ورواه عنه ومات على رأس الخمسمائة، ثم كان آخر أصحاب السلفي بالسماع سبطه أبا القاسم عبد الرحمن بن مكي، وكانت وفاته سنة خمسين وستمائة، كم بينهم؟ مائة وخمسين سنة.
ومن فوائد هذا النوع كما قال ابن الصلاح: تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب، تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب، يعني هذه الشخص الذي عمر إلى سنة ألف وخمسمائة وأربعين في المثال الذي ذكرناه إذا روى عنه شخص وعمّر لا شك أنه ينتج عن ذلك علو الإسناد.
وقال السيوطي: "ومن فوائده أيضاً ألا يظن سقوط شيء من الإسناد"، لا يظن سقوط شيء من الإسناد، وهذا في العالي قد يتصور أن الإسناد سقط منه شيء لا سيما مع طول أعمار الرواة.
وقال الصنعاني في شرح نظمه للنخبة: "عد هذا نوعاً من أنواع علوم الحديث قليل الجدوى، عديم الفائدة، وهذه الحلاوة التي ذكرت ما أظن عارفاً يذوقها، ثم إنه ليس اسماً لرتبة معينة كرواية الآباء عن الأبناء، والأكابر عن الأصاغر ونحوها"، وقد صنف الخطيب كتاباً سماه: (السابق واللاحق) طبع محققاً في مجلد.
يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن روى عن اثنين متفقي الاسم ولم يتميزا فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل"، هذا المهمل يذكر اسم الراوي فقط، حدثنا محمد، كما يقوله البخاري كثيراً، هذا مهمل، عن سفيان هذا مهمل، عن حماد هذا مهمل، أقول: باختصاصه بأحدهما إن روى عن اثنين متفقي الاسم ولم يتميزا فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل.
والمهمل: اسم مفعول من الإهمال، وحقيقته عند أهل الحديث أن يروي الراوي عن اثنين متفقي الاسم فقط أو الكنية أو مع اسم الأب أو مع اسم الجد أو مع نسبته ولم يتميزا بما يخص كلاً منهما أو يخص أحدهما فقط، والفرق بين المبهم والمهمل أن المبهم لم يذكر له اسم، المبهم لا يذكر له اسم، حدثني رجل، حدثني فلان، والمهمل ذكر اسمه لكن مع الاشتباه مع غيره.
قال ابن حجر: "ومن أراد لذلك ضابطاً كلياً يمتاز به أحدهما عن الآخر فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل، ومتى لم يتبين ذلك أو كان مختصاً بهما معاً فإشكاله شديد فيرجع فيه إلى القرائن والظن الغالب، إذا كانا ثقتين فالأمر سهل، إذا كانا ضعيفين يعني جميع من في هذه الطبقة ممن اسمه محمد ثقات، الحمد لله، ممن يروي عنهم ذلك الشخص ما في إشكال، وإن كانوا كلهم ضعفاء فالأمر أيضاً مفروغ منه يضعف الخبر لضعف جميع من اسمه هذا.
الإشكال فيما إذا كان بعضهم ثقات وبعضهم ضعفاء، مثال ذلك: ما يقع كثيراً في صحيح البخاري عن محمد غير منسوب، ولذا يختلف فيه الشراح كثيراً، ويرجح بعضهم ما لا يرجحه الآخر، ويحتمل أن يكون الذهلي أو ابن سلام أو غيرهما، كما يقع في صحيح البخاري رواية عن أحمد غير منسوب عن ابن وهب وهو إما أحمد بن صالح المصري أو أحمد بن عيسى، وقد استوعب ذلك الحافظ ابن حجر في هدي الساري مقدمة فتح الباري، والذي يضر من ذلك أن يكون أحدهما ضعيفاً، من ذلك قول وكيع: حدثنا النضر عن عكرمة وهو يروي عن النضر بن عربي وعن النضر بن عبد الرحمن وهو ضعيف، أما إذا كانا ثقتين فإن عدم تميز أحدهما عن الآخر فإنه لا يضر كعدم تميز سفيان أو حماد، وهناك ضابط للسفيانين والحمادين ذكره الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في آخر المجلد السابع من سير أعلام النبلاء فليراجع.
ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن جحد الشيخ مرويه جزماً رد، أو احتمالاً قبل في الأصح، وفيه من حدث ونسي".
"إن جحد الشيخ مرويه جزماً رد"، يعني إذا قال الشيخ: أنا لم أحدثك بهذا الحديث -يعني الطالب- قال له: بلى حدثتني في يوم كذا، قال: أبداً، أنا لم أحدثك، فإنه حينئذ يرد؛ لأنه هو الأصل، أو احتمالاً، يقول: والله أنا نسيت، ما أدري والله أنا حدثتك أو ما حدثتك فإنه يقبل؛ لأن الطالب جازم والشيخ شاك.
وفيه من حدث ونسي: إذا روى شيخ عن ثقة حديثاً فجحد الشيخ المروي عنه ونفى ما نسب إليه، قال ابن الصلاح: "المختار أنه إن كان جازماً بنفيه بأن قال: ما رويته أو كذب علي أو نحو ذلك فقد تعارض الجزمان، والجاحد هو الأصل فوجب رد حديث الفرع، قال القاري على المختار: "وهو محكي عن الشافعي، وبالغ بعضهم في ذلك فنقل الإجماع عليه"، وقال ابن حجر: "رد الخبر لكذب واحد منهما لا بعينه"، لكذب واحد منهما لا بعينه، أي لكذب الأصل في قوله: كذب علي أو ما رويت إن كان الفرع صادقاً أو كذب الفرع في الرواية إن كان الأصل صادقاً في قوله: كذب علي، قال ابن الصلاح: "ثم لا يكون ذلك جرحاً له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضاً، وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا، إيش معنى هذا الكلام؟ إذا روى زيد عن عمرو حديثاً فقال عمرو: كذب زيد ما رويته هذا الحديث وليس الحديث من مروياتي جازم بذلك يرد الخبر، يرد الخبر، لماذا؟ لأن أحدهما كاذب، لا بعينه يعني مثل ما يقال في اللعان، "الله يعلم إن أحدكما كاذب فهل من تائب؟" أحدهما كاذب،.... إذا قذف الزوج زوجته بالزنى ونفت ذلك وتلاعنا لا شك أن أحدهما كاذب إما الزوج وإما الزوجة، لكن لا يحكم بالحد على الزوج إذا لاعن، ويدرأ عن الزوجة الحد باللعان أيضاً، فأحدهما كاذب لكن لا بعينه، ما يدرى هو الزوج أو....؟
وهنا إذا قال الشيخ: أنا ما حدثته كذب علي، وقال التلميذ: بلى حدثني، نعم، أحدهما كاذب؛ لأنه لا يجتمع النقيضان، لا يجتمع النقيضان، فأحدهما كاذب قطعاً، لكن هل يكون ذلك جرح في الشيخ أو في الطالب؟ قالوا: هذا ليس بجرح لا في الشيخ ولا في الطالب، نعم؛ لأن هذا الكذب بالنسبة للشيخ والطالب مشكوك فيه، والأصل أنه ثقة، والشك لا يرفع اليقين، ولذا قال ابن الصلاح: "ثم لا يكون ذلك جرحاً له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضاً في ذلك، وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا".
وفي شرح القاري: "عدالة الأصل تمنع كذبه فيجوز النسيان على الفرع وعدالة الفرع تمنع كذبه فيجوز النسيان على الأصل، ولم تتبين مطابقة الواقع فلا يكون ذلك قادحاً في واحد منهما"، هذا إذا كان النفي مجزوم به، والإنكار من قبل الشيخ إذا كان مجزوماً به، وإن كان إنكار الشيخ للحديث احتمال لا جزم بأن قال المروي عنه: لا أعرفه أو لا أذكره أو نحو ذلك، المسألة الأولى: الشيخ جازم يقول: أبداً ما عندي حديث بهذا اللفظ، أنا ما رويت حديث فضلاً عن أن أرويه غيري، أنا ما عندي حديث بهذا اللفظ، لكن إذا كان احتمال لا جزم فقال: لا أعرف هذا الحديث، أو لا أذكره أو نحو ذلك فذلك لا يوجب رد رواية الراوي عنه، بل يقبل الخبر عند جمهور أهل الحديث وأكثر الفقهاء؛ لأن ذلك يحمل على نسيان الشيخ، والحكم للذاكر إذ المثبت الجازم مقدم على النافي المتردد.
وقال بعض الحنفية: لا يقبل لأن الفرع تبع للأصل في إثبات الحديث بحيث إذا ثبت أصل الحديث ثبتت رواية الفرع، فكذلك ينبغي أن يكون فرعاً عليه وتبعاً له في التحقق، هم يقولون: ما دام الشيخ شاك وهو الأصل إذن الحديث مشكوك فيه، وهذا الراوي يرويه عن ذلك الشيخ الشاك فيسقط الحديث، ولا يقبل حينئذ من الطالب الذي روى عن شيخ شاك، قال ابن حجر: "وهذا متعقب فإن عدالة الفرع تقتضي صدقه، وعدم علم الأصل لا ينافيه؛ لأن الأصل ما هو بجازم، والفرع الذي هو الراوي جازم، والمفترض فيه أنه ثقة، ولا يجزم إلا بما يتيقن صدقه، "عدم علم الأصل لا ينافيه فالمثبت مقدم على النافي، وأما قياس ذلك بالشهادة ففاسد؛ لأن شهادة الفرع لا تسمع مع القدرة على شهادة الأصل بخلاف الرواية فافترقا، يعني لو جيء بشخص يشهد بدين لزيد على عمرو ثم تعذر عليه الحضور فكلف شخصاً أن يشهد عنه فرعاً عنه يشهد على شهادته، فذهب الفرع إلى القاضي وقال له: أشهد على فلان أنه يشهد بكذا ثم نوقش الأصل، وجد الأصل فنوقش قال: أبداً، أنا لا أشهد ولا حملته، مثل هذا يختلف عن الرواية، لماذا؟ لأن شهادة الفرع لا تسمع مع القدرة على شهادة الأصل بخلاف الرواية، الرواية تسمع من الفرع مع وجود الأصل فافترقا، وبنى الحنفية على أصلهم ردهم حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل...)) الحديث، من أجل أن ابن جريج قال: لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه، وكذا حديث ربيعة الرأي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى بشاهد ويمين، فإن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: لقيت سهيلاً فسألته عنه فلم يعرفه، قال ابن الصلاح: والصحيح ما عليه الجمهور؛ لأن المروي عنه بصدد السهو والنسيان، والراوي عنه ثقة جازم، فلا ترد روايته بالاحتمال، ولهذا كان سهيل بعد ذلك يقول: حدثني ربيعة عني، حدثني ربيعة عني، نعم، عن أبي، حدثني ربيعة عني عن أبي، ويسوق الحديث، وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعدما حدثوا بها عمن سمعها منهم، فكان أحدهم يقول: حدثني فلان عني عن فلان بكذا، وجمع الخطيب البغدادي في ذلك كتاباً أسماه: (أخبار من حدث ونسي) وقبله الدارقطني، وللسيوطي: (تذكرة المؤتسي في ذكر من حدث ونسي).
وقال ابن الصلاح: "ولأجل أن الإنسان معرض للنسيان كره من كره من العلماء الرواية عن الأحياء، منهم الشافعي قال لابن عبد الحكم: "إياك والرواية عن الأحياء"، إياك والرواية عن الأحياء، يعني لا تروي إلا عن الأموات؛ لأنه قد ينسى الشيخ الذي رويت عنه ثم لا يلبث أن ينكر أنه رواك، وأن ما رويته عنه صحيح، أما إذا مات أمنت من هذه المفسدة، لكن من يضمن لك أنك تعمر حتى تبلغ هذه السنة بعد وفاة شيخك؟ من يضمن لك؟ نعم هناك مفسدة إذا أنكر وهذا نادر جداً لا يقابله مصلحة تبليغ العلم، والله المستعان، نعم.
"وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل، وصيغ الأداء: سمعت وحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني، ثم كتب إلي، ثم عن ونحوها، فالأولان: لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره، وأولها أصرحها وأرفعها في الإملاء، والثالث والرابع: لمن قرأ بنفسه، فإن جمع فكالخامس، والإنباء بمعنى الإخبار إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كـ(عن)، وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس، وقيل: يشترط ثبوت لقائمها ولو مرة وهو المختار، وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية، وهي أرفع أنواع الإجازة، وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة، والوصية بالكتاب وفي الإعلام وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك".
نعم، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل"، المسلسل: اسم مفعول من التسلسل وهو في اللغة: اتصال الشيء بعضه ببعض، ومنه سلسلة الحديد يعني حلقات متصلة بعضها ببعض، قال ابن الصلاح: "وهو عبارة عن تتابع رجال الإسناد وتواردهم فيه واحداً بعد واحد على صفة أو حالة واحدة وهو من نعوت الأسانيد بخلاف المرفوع ونحوه فإنه من صفات المتن وبخلاف الصحيح ونحوه فإنه من صفاتهما، وينقسم ذلك إلى ما يكون صفة للرواية والتحمل وإلى ما يكون صفة للرواة أو حالهم، ونوعه الحاكم أبو عبد الله إلى ثمانية أنواع، قال ابن الصلاح: "والذي ذكره فيها إنما هو صور وأمثلة ثمانية ولا انحصار لذلك في ثمانية، يعني ليس أنواع ولا أقسام وإنما هي صور وأمثلة قابلة للزيادة.
مثال ما يكون صفة للرواية والتحمل: ما يتسلسل بصيغ الأداء كـ(سمعت)، يعني جميع رجال الإسناد يقول: سمعت فلاناً يقول، سمعت فلاناًً يقول، إلى آخره، يتسلسل بالسماع، إلى آخر الإسناد، أو يتسلسل بحدثنا أو أخبرنا إلى آخره، من ذلك أخبرنا -والله- فلان، قال: أخبرنا -والله- فلان، يعني يقسم على أنه أخبره، كل واحد من الرواة يقسم هذا مسلسل، ومثال ما يرجع إلى صفات الرواة وأقوالهم ونحوها حديث: ((اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك)) المتسلسل بقولهم: "إني أحبك فقل" الأصل فيه قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إني أحبك)) لمن؟
طالب:......
نعم ((إني أحبك يا معاذ، فلا تدع في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك)) فصار كل راوٍ من الرواة بعد ذلك يقول: قال معاذ لمن روى عنه: إني أحبك فلا تدع أن تقول، ثم الذي يليه قال: إني أحبك فلا تدع أن تقول، إلى آخره فتسلسل، حديث التشبيك باليد أيضاً مسلسل بالأفعال، قال ابن الصلاح: "وخيرها ما كان فيه دلالة على اتصال السماع وعدم التدليس"، ومن فضيلة التسلسل اشتماله على مزيد الضبط من الرواة، يعني إذا كان كل راوٍ من الرواة يذكر ما اتصف به من روى عنه؛ لأنه يذكر صفة وهيئة موجودة حال الرواية.
وقلما تسلم المسلسلات من ضعف يعني وصف التسلسل لا في أصل المتن، والمناهل المسلسلة مجلد في الأحاديث المسلسلة، لكنه في كثير من هذه الأحاديث ضعف، في كثير من هذه الأحاديث ضعف، وفي كثير من التسلسل الذي يذكرونه فيه نظر، يقول: وقلما تسلم المسلسلات من ضعف، يعني وصف التسلسل لا في أصل المتن، ومن المسلسل ما ينقطع تسلسله في وسط إسناده وذلك نقص فيه، وهو كالمسلسل بأول حديث سمعته على ما هو الصحيح في ذلك، فقد انقطع تسلسله بسماع سفيان، يعني من سفيان إلى يومنا هذا وهو ماشي، المسلسل بالأولية كل شخص عنده رواية أول ما يبدأ بأحاديث المسلسل بالأولية، حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه وهو حديث: ((الراحمون يرحمهم الرحمن)) والحالات المذكورة قولية وفعلية، فمن القولية ما تقدم: "إني أحبك"، والفعلية كقوله: "دخلنا على فلان فأطعمنا تمراً"، أو القولية والفعلية معاً كقوله: "حدثني فلان وهو آخذ بلحيته، وقال: "آمنت بالقدر خيره وشره".
لما حكى ابن عباس تحريك النبي -عليه الصلاة والسلام- لشفتيه كما في الحديث الصحيح ووصف الراوي عن ابن عباس تحريك ابن عباس لشفتيه يحكي تحريك النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى آخره، هذا تسلسل.
قال الحافظ العراقي: "ومثال التسلسل بصفات الرواة القولية كالحديث المسلسل بقراءة سورة الصف ونحوه"، وأحوال الرواة الفعلية كالحديث المسلسل بالفقهاء، يعني حديث لا يزال يرويه فقيه عن فقيه عن فقيه هذا مسلسل، حديث ابن عمر مرفوعاً: ((البيعان بالخيار)) فقد تسلسل لنا برواية الفقهاء، وكالحديث المسلسل برواية الحفاظ ونحو ذلك.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وصيغ الأداء: سمعت وحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني، ثم كتب إلي، ثم (عن)، ونحوها، فالأولان لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره، وأولها أصرحها وأرفعها في الإملاء، والثالث والرابع لمن قرأ بنفسه، فإن جمع فهو كالخامس، والإنباء بمعنى الإخبار إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كـ(عن)".
للتحديث والرواية طرفان: تحمل وأداء، تحمل وأداء، فالتحمل أخذ الحديث عن الشيوخ، والأداء تبليغ الحديث للتلاميذ، التحمل له طرق ثمان: السماع من لفظ الشيخ، القراءة على الشيخ وتسمى العرض، الإجازة، المناولة، المكاتبة، الوصية، الإعلام، الوجادة، السماع من لفظ الشيخ وهذا أرفعها وأعلاها وهو الأصل في الرواية، الثاني: القراءة على الشيخ وهو أيضاً طريق معتبر نقل عليه الإجماع وإن خالف في ذلك بعض أهل التشديد، الإجازة: احتيج إليها لما كثرت المرويات وتفرق الناس وكثر الطلاب، يأذن الشيخ للطالب بالرواية عنه، الرابع: المناولة: يناول الشيخ الطالب الكتاب ويأذن له بروايته عنه، الخامس: المكاتبة: يكتب الطالب للشيخ أن يكتب له بحديث سمعه، ثم يكتب له الشيخ بالحديث، والمكاتبة حصلت بين الصحابة مع التابعين، وبين الصحابة مع بعضهم من معاوية إلى المغيرة والعكس، وحصلت في أثناء الأسانيد إلى شيوخ الأئمة، حيث يقول البخاري: كتب إلي محمد بن بشار، والوصية والإعلام والوجادة، الوصية: يوصي بكتبه عند موته لفلان، فهل لفلان أن يروي عنه بمجرد هذه الوصية؟ والإعلام: هو مجرد ما أن يقول الشيخ يعلم الطالب بأن هذه الكتب من مروياته، فهل يكفي في ذلك أن يروي الطالب عن الشيخ بمجرد هذا الإعلام؟ والخلاف في هذه المسائل طويل جداً يحتاج إلى وقت، والثامن: الوجادة، إذا وجد الطالب بخط شيخه الذي لا يشك فيه، كما يقول عبد الله بن أحمد كثيراً في المسند: "وجدت بخط أبي" هذه وجادة.
ويصح تحمل الحديث قبل وجود الأهلية، فتقبل رواية من تحمل حال الكفر قبل إسلامه وروى بعده، وكذلك تقبل رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده، ومنع قوم تحمل الصبي فأخطئوا بأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كالحسن وابن عباس وابن الزبير وأشباههم من غير فرق بينما تحملوه قبل البلوغ وبعده، ولم يزالوا قديماً وحديثاً يحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع ويعتدون بروايتهم لذلك.
واختلفوا في أول زمان يصح فيه سماع الصغير فحدد الجمهور في ذلك خمس سنين لأقله، حديث محمود بن الربيع أنه قال: "عقلت مجة من النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهي وأنا ابن خمس سنين"، فعقل المجة وهو ابن خمس سنين، وترجم عليه الإمام البخاري في صحيحه متى يصح سماع الصغير؟ قال ابن الصلاح: التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين، فيكتبون لابن خمس فصاعداً سمع، ولمن لم يبلغ خمساً حضر أو أحضر.
قال: والذي ينبغي في ذلك أن يعتبر في كل صغير على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعاً عن حال من لا يعقل فهماً للخطاب ورداً للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه، وإن كان دون خمس وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان بالخمس، بل ابن خمسين.
الحاصل أن مرد ذلك إلى التمييز، إلى التمييز فإن كان مميزاً يفهم الخطاب ويرد الجواب صح سماعه وإلا فلا، فالمعول عليه التمييز، إذا ميز الصبي لخمس أو قبل خمس صح سماعه، إن لم يميز إلا لست أو سبع كما هو الغالب، لا يصح سماعه إلا إذا ميز.
في مثل طلب العلم ولما كان الناس لهم اختيار متى يبدءون يترك في ذلك إلى التمييز؛ لئلا يبدأ به قبل التمييز فيتأذى ويؤذي، وأما بالنسبة للتشريع العام كالأمر بالصلاة فجُعل للسبع؛ لأن غالب الصبيان يميزون لسبع، يندر من يتأخر عن السبع، لكن لما كان أمر الناس ليس بأيديهم، نعم، جعل الحد الفاصل لقبول الطالب الست، من غير نظر إلى تمييز وإلى غيره، فابن ست سنين يقبل في المدارس، وتجد أن ابن ست سنين أحياناً مستواه فوق مستوى زملائه؛ لأنه ميز قبل ذلك، وتجد أحياناً مستواه منحط عن زملائه ولا يفهم ما يقال؛ لأنه لم يميز بعد، فالتعليم لما كان اختياري متى ما أراد الإنسان أن يتعلم تعلم، متى ما أراد أبوه ورأى عليه علامات النجابة في أوقات مبكرة، ألحقه بحلق العلم، لكن الآن الست، نعم الناس بحاجة إلى ضابط، لكن لو جعلت السبع التي جعلها الشرع قدراً مشتركاً لعموم الصبيان لكان أولى، نعم قد يميز الطالب قبل ذلك فيتأخر في دراسته إذا وجدت عليه علامات النجابة والبلوغ ما المانع أن يدرس تدريساً خاصاً به؟ والله المستعان، نعم.
طالب:.......
تعلم الأدب قبل العلم؟ اهتماماً بالأدب، يعني هذا من باب الاهتمام بالأدب، من باب الاهتمام بالأدب، ولا شك أن العلم الشرعي إذا أخذ على وجهه بنية صالحة أنه يعلم الأدب، ويربي الناس، نعم، لا شك.
وأما الأداء فلا يصح إلا بعد توافر شروط القبول من العدالة والضبط كما تقدم في مبحث الصحيح.
إذا علم هذا فلأداء الحديث صيغ كثيرة منها: سمعت وحدثني لمن سمع من لفظ الشيخ وحده، وسمعنا وحدثنا لمن سمع من لفظ الشيخ مع غيره، وأول الصيغ أصرحها، أول هذه الصيغ سمعت وحدثني أصرحها، وأدلها على المراد سمعت؛ لأن الخبر مما يسمع بالأذن، فالذي يدل على المراد سمعت، سمعت بالإفراد، قال الخطيب: "أرفع العبارات في ذلك سمعت، ثم حدثنا وحدثني، فإنه لا يكاد أحد أن يقول: سمعت في أحاديث الإجازة والمكاتبة ولا في تدليس ما لم يسمعه، وكان بعض أهل العلم يقول فيما أجيز له: حدثنا"، يعني يتجوز فيقول: حدثنا، وروي عن الحسن أنه كان يقول: حدثنا أبو هريرة ويتأول أنه حدث أهل المدينة، وكان الحسن بها إذ ذاك إلا أنه لم يسمع منه شيئاً، قال ابن الصلاح: "ومنهم من أثبت له سماعاً من أبي هريرة لقوله: حدثنا أبو هريرة، ثم يتلو سمعت وحدثني أخبرني، قال ابن الصلاح: "وهو كثير في الاستعمال حتى أن جماعة من أهل العلم لا يكادون يؤدون مروياتهم إلا بلفظ أخبرنا"، قال ابن الصلاح: "وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ"، نعم، جماعة من أهل العلم لا يكادون يؤدون مروياتهم إلا بلفظ: أخبرنا كإسحاق بن راهويه لا يكاد يروي إلا بالإخبار، قال ابن الصلاح: "وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ"، فيما بعد إذا كان طريق التحمل السماع قال الراوي: حدثنا فلان، وإذا كان طريق التحمل العرض على الشيخ والقراءة على الشيخ كانت صيغة الأداء: أخبرنا، وهذا بعد أن شاع الاصطلاح الخاص، وإلا فلا فرق بين السماع والتحديث والإخبار لغة، وفي حكم أخبرني قرأت على فلان، وهما لمن قرأ على الشيخ بنفسه فإن جمع فقال: أخبرنا أو قرأنا كان كالخامس، كان كالخامس يعني أنه قرأ، أو قرئ على الشيخ وهو يسمع، قرأ بحضرة جماعة إذا قال: أخبرنا، أولاً: إذا قال: حدثني فالشيخ حدثه بمفرده، إذا قال الراوي: حدثنا فقد حدثه الشيخ مع مجموعة من الناس، إذا قال: أخبرني، قرأ على الشيخ بمفرده، وإذا قال: أخبرنا قرأ على الشيخ مع وجود جمع، أو سمع قراءة أحد الطلاب على الشيخ بحضوره، أرفع طرق التحمل هو السماع من لفظ الشيخ وهو الأصل في الرواية، وأرفعه ما كان في حال الإملاء، الإملاء أرفع من الإلقاء بدون إملاء، لما في الإملاء من التثبت والتحفظ من الطرفين، الشيخ والطالب، كل منهما متحفظ، ضابط، الشيخ متحفظ لما يلقيه، والطالب ضابط لما يسمعه.
والقراءة على الشيخ أحد طرق التحمل المعتبرة عند جمهور العلماء، وشذ من أبى ذلك من أهل العراق، واشتد إنكار الإمام مالك وغيره من المدنيين عليهم في ذلك حتى بالغ بعضهم فرجحها على السماع من لفظ الشيخ، يعني القراءة على الشيخ بعضهم يرجحها على السماع من لفظ الشيخ، الأصل في الرواية السماع من لفظ الشيخ، وهي أرفع طرق التحمل، يليها العرض وهو القراءة على الشيخ، وبعضهم بالغ فقال: هي أرفع من السماع من لفظ الشيخ، وبعضهم يقول: هما سواء كالإمام مالك، كيف يقول قائل: إن العرض على الشيخ أرفع من السماع مع أن الأصل في الرواية السماع من لفظ الشيخ، يقول هذا القائل: إن العرض أرفع من السماع لماذا؟ لأن حال الطالب في حال السماع من لفظ الشيخ أقل من أن يرد على الشيخ إذا أخطأ، يعني إذا كان الشيخ يلقي فإذا أخطأ من يرد عليه؟ نعم، الطالب جاء ليستفيد، فالغالب أنه لا يتمكن من الرد على الشيخ، جاء ليتحمل الأخبار، ليتحمل الأحاديث فإذا أخطأ الشيخ في حال إسماعه للطلاب فإن الطالب لن يجرؤ في الرد عليه، أما في حال العرض والقراءة على الشيخ إذا أخطأ الطالب في القراءة فإن الشيخ لن يتردد في الرد عليه، هذه وجهة نظر من يقول: إن العرض أفضل من السماع، ولا شك أن لها حظ من النظر، لكن يبقى أن الأصل في الرواية السماع، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يلقي على الصحابة وهم يسمعون.
وذهب قوم منهم الإمام البخاري كما صرح به في صحيحه أن السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه سواء في القوة والصحة، ثم يلي سمعت وحدثنا وأخبرنا أنبأني، والإنباء بمعنى الإخبار من حيث اللغة كما في قوله تعالى: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [(14) سورة فاطر] كما أن التحديث مثل الإخبار لغة كما في قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] هذا من حيث الأصل وإلا فالاصطلاح قد خص سمعت وحدثنا بما تحمل بطريق السماع، والإخبار بما تحمل بطريق العرض، وأنبأنا بما تحمل بالإجازة، واستعمل بعضهم (عن) في الإجازة، كما قال الحافظ العراقي:
وكثر استعمال (عن) في ذا الزّمن |
| إجازةً وهي بوصلٍ ما قمن |
يقول الحافظ بعد ذلك -رحمه الله تعالى-: "وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من المدلس"، عنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس، "وقيل: يشترط ثبوت لقائهما ولو مرة على المختار"، العنعنة هي رواية الحديث بصيغة (عن)، رواية الحديث بصيغة (عن) فيقول الراوي: عن فلان أنه قال، وهي محمولة على الاتصال بشرطين:
الأول: براءة الراوي المعنعن من التدليس، هذا أمر لا بد منه، لا سيما إذا كان الراوي المدلس من الطبقة الثالثة فما دون لا بد أن يصرح بالسماع.
الثاني: ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة على المختار، على ما قرره الحافظ ابن حجر تبعاً لعلي بن المديني والبخاري وغيرهما من النقاد، واكتفى الإمام مسلم بالمعاصرة مع إمكان اللقاء، ونقل الاتفاق على ذلك واشتد نكيره على من اشترط اللقاء في مقدمة صحيحه، نعم، هذه مسألة العنعنة واشتراط اللقاء وعدم اشتراطه، لمحنا سابقاً إلى شيء من هذه المسألة، وقلنا: إن البخاري استفاض عنه اشتراط ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة ومسلم يكتفي بالمعاصرة، ونقل عليه الإجماع واشتد نكيره على من يشترط اللقاء، وهذا معروف عن البخاري وعلي بن المديني وغيرهما.
وكتب بعض المعاصرين، ألف في ذلك كتاباً وأنكر أن يكون البخاري يشترط اللقاء، ولا شك أن الكاتب هذا له وجهة نظره، لكن العلماء كلهم تتابعوا على نسبة هذا القول للإمام البخاري، وعرفنا أنه لا مانع من ثبوته عن الإمام البخاري لما عرف من شدة تحريه واحتياطه، وإن كان العمل على ما يراه مسلم من الاكتفاء بالمعاصرة، فإذا عرفنا أن هذا الراوي عاصر ذلك الراوي صححنا مرويه ولو بـ(عن)، نعم، وكون البخاري يشترط قدراً زائداً على ذلك لا يعني أنه لا يصحح الأحاديث المروية بالعنعنة؛ لأن الشرط في عرفهم ليس المراد به ما يلزم من عدمه العدم، نعم قد يلزم من عدمه العدم في كتابه الذي احتاط له، لكنه قد يصحح خارج الصحيح ما هو أقل من شرطه في كتابه، فنقل عنه الترمذي وغيره تصحيح أحاديث هي أقل من شرطه في كتابه، وكون الإمام البخاري يحتاط للسنة ولا يخرج في صحيحه إلا ما ثبت لقاء الراوي لمن روى عنه، هذا هو اللائق باحتياطه وشدة تحريه، وكون الإمام مسلم يشتد نكيره، ويصف القول بأنه قول مخترع، والقائل به مبتدع لا يعني أنه يقصد بذلك البخاري، وذكرنا هذا سابقاً وقلنا: إنه إذا عمل بشرط البخاري شخص مبتدع وأراد من خلال هذا الاشتراط أن ينفي ثبوت بعض السنن، ينفي ثبوت بعض السنن من خلال هذا الشرط، وأردنا أن نرد على هذا المبتدع فلا يعني أننا نرد على إمام احتاط للسنة، ونضرنا ذلك بعدم قبول عمر -رضي الله عنه- خبر الاستئذان من أبي موسى حتى يشهد له غيره، واستدلال المعتزلة بصنيع عمر -رضي الله عنه- بأن خبر الواحد لا يقبل، فإذا رددنا على المعتزلة في ردهم قبول خبر الواحد، هل معنى هذا أننا نرد على عمر بن الخطاب؟ نعم، الذي يحتاط للسنن؟ لا يعني هذا أننا نرد على عمر بن الخطاب، فنرد على المعتزلة ونشدد النكير عليهم، لما ثبت عندنا من قبول أخبار الآحاد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يبعث الرسائل مع واحد، نعم ويبعث إلى القبائل واحد يبلغهم الدين، وينقل عنه الأخبار، فلولا أن خبر الواحد مقبول لأرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من واحد، لكنه ثبت أنه يرسل الواحد فخبر الواحد مقبول، فإذا رددنا على المعتزلة وشددنا النكير عليهم في ردهم خبر الواحد فلا يعني هذا أننا نرد على عمر بن الخطاب الذي احتاط للسنة، وهذا ظاهر، ظاهر وإلا مو بظاهر؟
طالب:.......
أيوه؟
طالب:......
انقطاع إيش؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:......
المقصود بعدم اللقاء لا يعني ثبوت العدم، مسلم لا يمكن أن يقول: إن شخص بالصين ولم يثبت أنه حج ولا سافر تصح روايته عن شخص بالأندلس بالعنعنة، هذا لا يقوله مسلم ولا غيره ولو تعاصرا، فأهل العلم قاطبة كما قرر الحافظ ابن رجب يعلون بمثل هذا، بتباعد البلدان والأقطار، نعم، لكن يبقى أنه لا بد من الاحتمال للقاء، مع إمكان اللقاء، أما إذا ثبت عدم اللقاء ولو ثبتت المعاصرة هو منقطع، ما يقول بالاتصال أحد، إذا ثبت عدم اللقاء، لكن الكلام هل يشترط ثبوت اللقاء أو يكفي إمكان اللقاء؟ مسلم يكتفي بإمكان اللقاء، على كل حال هذه المسألة تقدمت فلا حاجة إلى إعادتها، نعم...
ومثل (عن) في الحكم (أن) فهي محمولة على السماع بالشرطين المذكورين، وحكى بعضهم أن السند المؤنن منقطع، حكاه ابن الصلاح عن الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة، فذكر عن الإمام أحمد أنه يفرق بين (أن) و(عن) فيحمل (عن) على الاتصال و(أن) على الانقطاع، ومثله عن يعقوب بن شيبة؛ لأن الإمام أحمد قال في خبر عن محمد بن الحنفية عن محمد بن الحنفية –انتبهوا- عن محمد بن الحنفية عن عمار بن ياسر أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.. الحديث، قال: هذا متصل، محمد بن الحنفية عن عمار، في طريق آخر قال: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: منقطع، فدل على أن الإمام أحمد يفرق بين (أن) و(عن)، ومثله يعقوب بن شيبة، لكن الحافظ العراقي قال:
كذا له –يعني ابن الصلاح-، ولم يصوّب صوبه
هل سبب الانقطاع هنا هو تفريق الصيغة بين (أن) و(عن)؟ هل هذا سبب الانقطاع؟ أو أنه في الطريق الأول حينما قال: عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه يحكي قصة لم يشهدها يحكيها عن صاحبها الذي حصلت له، في الطريق الثاني عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، محمد بن الحنفية تابعي فيحكي القصة التي لم يشهدها، في الطريق الأول يحكيها عن صاحبها التي حصلت له فهي متصلة، في الطريق الثاني يحكيها عن نفسه يحكي القصة عن نفسه والقصة لم يشهدها، ولذا قال الحافظ العراقي:
................................... |
| كذا له ولم يصوّب صوبه
|
يعني ما أدرك علة التفريق –يعني ابن الصلاح- أظن هذا ظاهر، ظاهر الفرق بينهما؟ حينما يقول: عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه مر بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم، لما أحكي لكم قصة حصلت لي قبل خمس وثلاثين سنة مثلاً، فتنقلونها عني، متصلة وإلا منقطعة؟ فتقولون: عن فلان أنه حصل له كذا، متصلة، لكن لما تنقلون مباشرة أني أنا حصل لي في الوقت السابق قصة لم تحضروها ويمكن ما أدركتموها نعم، تصير متصلة وإلا منقطعة؟ منقطعة، هذا هو السر في تفريق الإمام أحمد بين (عن) و(أن) في هذا المثال، ولا يعني أنه يفرق باستمرار بين الصيغتين، ومثل السند المعنعن والمؤنن (قال) إذا روى بها التلميذ عن شيخه فهي محمولة على الاتصال بالشرطين المذكورين، كما يقول الحافظ العراقي:
....................... أمّا الّذي |
| لشيخه عزا بـقال فكذي |
وهذا تقدمت الإشارة إليه.
وقال الحافظ -رحمه الله تعالى- بعد ذلك: "وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها".
من طرق التحمل عند جماهير العلماء الإجازة، وهي الإذن في الرواية المفيد للإخبار الإجمالي عرفاً، الإذن في الرواية، يأذن الشيخ للطالب أن يروي عنه صحيح البخاري، المفيد للإخبار الإجمالي، إخبار إجمالي بأحاديث الكتاب، وليس بإخبارٍ تفصيلي في كل حديث حديث على حدة، وهي أنواع كثيرة:
أن يجيز معين بمعين وهي أرفعها، يجيز فلان بن فلان بكتاب كذا معين يجيز شخص معين بكتاب معين، أن يجيز شخصاً معيناً في غير معين، أجزت لفلان أن يروي عني مروياتي، الصورة الثالثة: أن يجيز غير معين بوصف العموم: أجزت من قال: لا إله إلا الله، الإجازة للمجهول أو بالمجهول، الإجازة المعلقة بشرط، أجزتك إن قبلت أو إن قبل زيد، الإجازة للمعدوم: أجزت من يولد لك، أجزت من يولد، وبعضهم يتسامح في إجازة المعدوم إذا كان تابعاً لموجود، أجزتك وأجزت من يولد لك، أو أجزتك وولدك ما تناسلوا، هذه إجازة لمعدوم لكنها تابعة لموجود، الإجازة للطفل الذي لا يميز، إجازة ما لم يسمعه المجيز: أجزتك ما سأسمعه، الآن المسموع مجاز به، لكن أجزتك ما سمعت وما أسمعه، هذا إجازة ما لم يسمعه المجيز، إجازة المجاز، إجازة المجاز يعني شخص يروي بالإجازة فيجيز، والإجازة في أصلها ضعف، والخلاف فيها معروف عند أهل العلم، يعني مجرد ما يقول لك: اروِ عني صحيح البخاري تروي عنه، الجمهور قبلوا ذلك تخفيفاً على الطلاب؛ لأنه ليس كل طالب يتيسر له أن يجلس ويقرأ على الشيخ، أو يسمع من لفظ الشيخ، لا سيما بعد أن كثرت الكتب، كثرت المصنفات، وكثر الطلاب، وتباعدت الأقطار وضعفت الهمم، يعني تصورن أن شخص عنده رواية بصحيح البخاري كل من جاءه بيقرأ عليه صحيح البخاري تيسر له وإلا لا؟ ما يتيسر؛ لأنه إذا قرأ عليه هذا الطالب ثم جاء طالب آخر في أثناء القراءة إن تابع من النصف فمشكل فاته الأول، إن طلب الإعادة من الأول مشكل، نعم، فأذنوا بالرواية إجازة تخفيفاً على الطلاب، وتيسيراً على الشيوخ، نعم، فالإجازة بأصلها ضعف، فإذا أجاز شخصاً معين بكتاب معين هذا هو الأصل، لكن إذا أجاز بوصف العموم، أجزت من قال: لا إله إلا الله هي ضعيفة وتزداد ضعف بهذا التوسع، أجاز لمعدوم أجاز لمجهول، أجاز بمجهول، أجاز طفل لا يميز، أجاز ما لم يسمعه، كل هذه الصور ضعيفة، إجازة المجاز، إجازة المجاز يعني شخص يروي بالإجازة فيجيز، وثاني يروي بالإجازة فيجيز، وهكذا تتسلسل الرواية بالإجازة.
وأطلقوا المشافهة فيما تحمل بطريق الإجازة المتلفظ بها، أجازني أو عن فلان مشافهة، هو يروي عنه بالإجازة، لكنه شافهه بقوله: أجزتك، فيتوسع الطالب في الصيغة فيقول: عن فلان مشافهة، فالسامع يظن مشافهة أنه سمع منه لفظ الحديث، وكذا أطلقوا المكاتبة في الإجازة المكتوب بها، إذا كتب له: أذنت لك بالرواية، فقال: عن فلان مكاتبة أو كتابة، ولا شك أن في هذا نوع من التدليس؛ لأن السامع يظن أن هذا الطالب كتب إليه الشيخ بالحديث وهو كتب له بالإجازة لا بالحديث، وهو موجود في عبارات كثير من المتأخرين بخلاف المتقدمين، فإنهم إنما يطلقون المشافهة بما تحمل بطريق السماع، والمكاتبة بما كتب به الشيخ إلى الطالب، سواءً أذن له في روايته أم لا.
قال الشيخ: "واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية وهي أرفع أنواع الإجازة" المناولة مقرونة بالإجازة، يعني يعطيه الكتاب، يقول: خذ هذا صحيح البخاري اروه عني، مناولة مقرونة بالإجازة، فمن طرق التحمل عند الجمهور: "المناولة المقرونة بالإجازة"، وهي أن يناول الشيخ الطالب الكتاب من مرويه ويأذن له بروايته عنه، ويمكنه منه بهبة أو إعارة أو نحوها، فإذا اقترنت المناولة بالإجازة صارت أعلى من الإجازة، أعلى من الإجازة مجردة، وإن خلت المناولة عن الإجازة لم تصح، إذا قال: هذا صحيح البخاري خذ يا ولدي استفد منه، ولا أذن له بالرواية عنه فالأكثر على أنها لا تصح الرواية بها، مناولة مجردة عن الإجازة، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وإن خلت عن إذن المناولة |
| قيل: تصحّ والأصحّ باطلة |
قال الحافظ: "وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة والوصية بالكتاب وفي الإعلام وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك".
من طرق التحمل: الوجادة، وهي مصدر وجد يجد، مولد غير مسموع من العرب، لما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع، للتفريق بين مصادر وجد، للتمييز بين معاني مختلفة، فقالوا: وجد ضالة وجداناً ومطلوبه وجوداً، وفي الغضب وجد موجدة، والغناء وجد وجداً، وفي الحب وجداً، تختلف المصادر للفعل الواحد وجد، الفعل الواحد وجد الماضي، والمصادر مختلفة تبعاً للمعاني، يعني مثل فعل رأى، تختلف مصادر هذا الفعل تبعاً لمعانيها، فإذا رأى ببصره قال: رأى رؤيةً، وإذا رأى في النوم قال: رأى رؤيا، نعم، وإذا رأى بعقله قيل: رأى رأياً، فالرؤية والرؤيا والرأي كلها مصادر رأى، تختلف مصادرها باختلاف معانيها.
وهنا الوجادة والوجدان والوجود والموجدة والوُجد والوَجد مصادر للفعل وجد تختلف ألفاظها تبعاً لاختلاف معانيها، وحقيقة الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه، ولم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه، يجد بخط شيخ لا يشك فيه، هذه وجادة، نعم، وجادة، اشترطوا الإذن في الوجادة يعني إذا قلت مثلاً: كل كلام تجدونه بخطي ارووه عني، هذا ماشي، لكن إذا وجدتم بخطي كلام أو بخط فلان ممن تعرفونه كلام لا مانع أن تقول: وجدنا بخط فلان، لكن لا على سبيل الرواية، فالوجادة منقطعة وإن كان فيها شوب اتصال، لماذا؟ لأنك قد تجد بخط شخص بينك وبينه قرون، قد نجد بخط شيخ الإسلام مثلاً، إحنا نعرف خط شيخ الإسلام أو بخط ابن القيم، أو بخط ابن حجر، أو بخط ابن الصلاح، أو بخط السخاوي، هل نستطيع أن نروي ونحكم بالاتصال لمثل هذه الوجادة؟ لا، لكن إذا وجدنا بخط فلان الذي لا نشك أنه خطه ونقول: وجدنا بخط فلان، كثيراً في المسند ما يقول: حدثنا عبد الله قال: "وجدت بخط أبي" فليس للواجد حينئذ أن يروي هذه الأحاديث إلا إذا كان مأذوناً له بروايتها، ومجازاًُ فيها لكن له أن يقول: وجدت بخط فلان أو قرأت بخط فلان، والوجادة المجردة عن الإذن من باب المنقطع إلا أن فيه شوب اتصال بقوله: وجدت بخط فلان قاله ابن الصلاح، هذا من حيث الرواية وأما بالنسبة للعمل وجوازه اعتماداً على ما يوثق به منها فقد حكى بعض المالكية أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم عدم العمل بذلك.
وحكي عن الشافعي وطائفة من أصحابه جواز العمل بذلك، يعني أنت وجدت بخط شيخ الإسلام كلام يتضمن حكم شرعي هل تقول: أنا لا أعمل بهذا الحكم حتى يصير لي رواية متصلة بما يؤلفه أو يكتبه شيخ الإسلام؟ نعم، أو نقول: تعمل به ما دام تجزم أن هذا خط شيخ الإسلام؟ ومن باب التوسع في هذه المسألة نقول: هل لك أن تعمل بحديث في كتاب ليست لك به رواية؟ منهم من منع ذلك، فلا يجوز لك أن تعمل بحديث ولو في البخاري وأنت ليست لك به رواية، وليس لك أن تنقل من كتاب ليست لك به رواية.
قلت: ولابن خير امتناعُ |
| نقل سوى مرويه إجماعُ |
نقل الإجماع على ذلك أنك لا تعمل ولا تنقل من كتاب ليست لك به رواية، لكن عمل الأمة بأسرها على خلاف ذلك، بل نقل ابن برهان الإجماع على وجوب العمل بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم تكن لك به رواية، وهذا ظاهر، يعني نقول لك هذا الحديث في صحيح البخاري يوجب عليك كذا، تقول: لا، ما يوجب عليّ حتى تكون لي به رواية؟ لا، أو لا أعمل بهذا الحديث الذي تضمن أمر من الأمور الشرعية حتى تكون لك به رواية ولا تنقله محتجاً به، ولا للاستدلال ما تنقل حديث من صحيح البخاري ولا تستدل به ولا تعمل به حتى تكون لك به رواية.
قلت: ولابن خير امتناعُ |
| نقل سوى مرويه إجماعُ |
هو نقل الإجماع على ذلك لكن هو منقوض بالإجماع الذي نقله ابن برهان على وجوب العمل، ووجوب الاستدلال بالحديث وإن لم تكن لك به رواية إذا صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
من طرق التحمل التي ذكرها أهل العلم: الوصية بالكتاب، وحقيقتها: أن يوصي الراوي بكتاب يرويه عند موته أو سفره لشخص، فروي عن بعض السلف أنه جوز الرواية بمجرد الوصية، والصواب كما قال الحافظ: أنها إن خلت عن الإجازة أنه لا عبرة بها، يعني شخص من أهل العلم حضرته الوفاة وقال: بدلاً من أن تباع بالحراج يشتريها من لا يستفيد منها، أو تبقى عند الورثة وهم لا يحتاجونها أوصي بها إلى طالب العلم الفلاني يستفيد منها -إن شاء الله- مأجور بهذه النية، لكن هل لفلان الموصى له أن يروي عن الشيخ هذه الكتب ولم يأذن له بروايتها؟ لا بد من اقتران الوصية بالكتب من الإذن بالرواية التي هي الإجازة إن خلت الوصية عن الإجازة لا عبرة بها وإن عمل بعض السلف بها.
ومن طرق التحمل: الإعلام، والمراد به: إعلام الراوي للطالب بأن هذا الكتاب أو هذا الحديث سماعه من فلان أو روايته مقتصراً على ذلك، يقول: أنا أروي صحيح البخاري عن فلان، أو أروي حديث: الأعمال بالنيات عن فلان، هل لهذا السامع أن يروي عن هذا الشيخ؟ فإن خلا الإعلام عن الإجازة فلا عبرة به كما قال الحافظ، وإن حكى ابن الصلاح جواز الرواية به عن كثيرين كابن جريج وطوائف من المحدثين والفقهاء والظاهرية، ثم قال ابن الصلاح: والمختار ما ذكر عن غير واحد من المحدثين وغيرهم من أنه لا تجوز الرواية بذلك وأما العمل فإنه يجب عليه العمل بما ذكره له إذ صح إسناده وإن لم تجز له روايته عنه؛ لأن ذلك يكفي فيه صحته في نفسه، تكفي صحة الخبر وإن لم تكن لك به رواية في وجوب العمل.
وأما الإجازة العامة كأن يقول: أجزت لجميع المسلمين أو لمن قال: لا إله إلا الله، أو لمن أدرك حياتي، وكذا الإجازة للمجهول كالمبهم والمهمل، والمعدوم كأن يقول: أجزت لمن سيولد لفلان تبعاً أو استقلالاً، كأن يقول: أجزت لفلان ومن سيولد له فإنه لا عبرة بذلك كله على الأصح في جميع ذلك وإن جوز ذلك بعضهم، والسبب في ذلك: أن أصل الإجازة في أصلها ضعف، وفي الاستدلال لها غموض، كما قال ابن الصلاح: "وتزداد ضعفاً بهذا التوسع" نعم.
أحسن الله إليك: "ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً واختلفت أشخاصهم فهم المتفق والمفترق، وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً فهو المؤتلف والمختلف، وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه، وكذا إن وقع الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة، ويتركب منه ومما قبله أنواع منها: أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين، أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك".
نعم يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً واختلفت أشخاصهم فهم المتفق والمفترق" لا شك أن الأسماء تتفق كثيراً، محمد ومحمد ومحمد ومحمد عشرة، ثم قد تتفق آباؤهم محمد بن عبد الله ومحمد بن عبد الله خمسة، ثم في الثالث يتفق ثلاثة: محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن، ثم يتفق في النسبة اثنان محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، لكن هذا شخص وهذا شخص، هذا هو المتفق والمفترق يتفق في الاسم ويفترق في الذوات، المتفق والمتفرق هو أن تتفق الرواة وأسماء آبائهم فصاعداً، يعني كثيراً ما يتفق الأسماء ثلاثية أقل من ذلك أن تتفق رباعية وقد تتفق خماسية لا سيما في الأسر الكبيرة، نعم، تتفق الأسماء وتفترق الأشخاص، فالمتفق والمتفرق هو أن تتفق الرواة وأسماء آبائهم فصاعداً وتختلف أشخاصهم، سواءً في ذلك اتفق اثنان منهم أو أكثر، وكذا إذا اتفق اثنان فصاعداً في الكنية والنسبة، مثال ذلك: الخليل بن أحمد، الخليل بن أحمد ستة أشخاص كل منهم يقال له: الخليل بن أحمد، أولهم: النحوي البصري المعروف، صاحب العروض، الخليل بن أحمد، والثاني: أبو بشر المزني بصري أيضاً، روى عنه العباس العنبري وغيره، والثالث: أصبهاني روى عنه روح بن عبادة وغيره، والرابع: أبو سعيد السجزي القاضي الفقيه الحنفي حدث عنه ابن خزيمة وغيره، والخامس: أبو سعيد البستي القاضي المهلبي روى عنه السجزي المذكور، والسادس: أبو سعيد البستي أيضاً الشافعي روى عن أبي حامد الإسفرائيني وغيره، هؤلاء الستة اسم كل واحد منهم الخليل بن أحمد، وفات الخطيب الأربعة الأخيرة من هؤلاء قاله ابن الصلاح.
ومن أمثلته: أحمد بن جعفر بن حمدان، أحمد بن جعفر بن حمدان ثلاثي، أربعة كلهم في عصر واحد، أحدهم القطيعي، والثاني: السقطي، والثالث: دينوري، والرابع: طرسوسي، ومحمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري رباعي اثنان كلاهما في عصر واحد، ومثال ما اتفق من ذلك في الكنية والنسبة معاً أبو عمران الجوني اثنان، وأبو بكر بن عياش ثلاثة، وعكس صالح بن أبي صالح أربعة.
وفائدة معرفة هذا النوع خشية أن يظن الشخصان شخصاً واحداً، عكس ما تقدمت في المهمل؛ لأنه يخشى أن يظن الواحد اثنين هنا إذا جاءك أحمد بن جعفر بن حمدان وهم أربعة، هؤلاء الأربعة مروا عليك كل واحد منهم اسمه أحمد بن جعفر بن حمدان فتظنهم واحد، وهذا يحصل كثيراً لمن يحقق الكتب، فإذا مر هذا الاسم وضع علامة واحد وترجم قد يترجم لغير المقصود، لغير المراد الوارد في السياق.
من الطرائف في بحث لطالبة تنقل عن تفسير القرطبي، والقرطبي كثيراً ما يقول: ولقد سمعت شيخنا أبا العباس يقول، هي تعرف أن ابن القيم كثيراً ما يقول: سمعت شيخنا أبا العباس يعني شيخ الإسلام، فترجمت لشيخ الإسلام وقالت: هذا رأي شيخ الإسلام، أين أنتِ من شيخ الإسلام؟ نعم القرطبي المفسر قبل شيخ الإسلام فضلاً عن شيخه أبو العباس، أبو العباس القرطبي أيضاً شيخه صاحب (المفهم) وكثيراً ما يقول: ولقد سمعت شيخنا أبا العباس، ظنته أبو العباس بن تيمية، وهذا من هذا؛ لأنه يظن الأشخاص شخص واحد، فالعناية بهذا الباب مهمة جداً لئلا تنسب الأقوال إلى غير أصحابها؛ ولئلا يحكم على راوي بأنه ثقة وهو في الحقيقة ضعيف أو بالعكس، فالعناية بهذا الأمر في غاية الأهمية.
وفائدة معرفة هذا النوع خشية أن يظن الشخصان شخصاً واحداً عكس ما تقدم في المهمل؛ لأنه يخشى أن يظن الواحد اثنين، وصنف فيه الخطيب كتاباً حافلاً، ولخصه الحافظ ابن حجر وزاد عليه أشياء كثيرة قاله في النزهة، نعم، هذا المعلق الذي علق على النزهة يتتبع الحافظ في كل كتبه التي لخصها من كتب الآخرين اسمه: أبو عبد الرحيم محمد كمال الدين الأدهمي، هذا معلق على النزهة، وهو من المعاصرين لكن ما هو معاصر لنا الآن؛ لأنه ذكر أنه قرأ صحيح البخاري على شيخه فلان سنة ألف وثلاثمائة وست عشر، سنة ألف وثلاثمائة وست عشر يعني قديم شوي، يعني ممكن متوفى من نصف قرن أو أكثر، نعم.
الحافظ كثيراً ما يلخص كتب الآخرين، لخص التهذيب، لخص المشتبه للذهبي، لخص كذا ولخص كذا، هذا المعلق يتتبعه ويشدد عليه في النكير، يقول هنا: "وقد صنف فيه الخطيب كتاباً حافلاً وقد لخصته" فجاء المعلق يقول: "الكلام عليه كالكلام على ما سبق من أمثاله وهو قريب العهد منك، وإنني ليؤلمني كثيراً وما أدري كيف يطاوعهم دينهم أن يفعلوا ما فعلوه؟ وماذا يكون اعتذارهم أمام صاحب الكتاب الأصلي بحضرة الحق -عز وجل- يوم القيامة؟ وقد بلغنا أن الصدر الشهيد لما عمد إلى كتاب الإمام محمد المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة صاحب الإمام أبي حنيفة ولخصه، بأن حذف منه الأدلة التي ذكرها فيه مؤلفه، ورأى الإمام محمداً في المنام فقال له: "قطّعك –بالتشديد- الله كما قطعت كتابي، فما لبث أن قتل شر قتلة"، لا شك أن الحافظ محفوظ، يعني كتبه تلغي الأصول تماماً، فكتابه التلخيص ألغى البدر المنير، حتى أن البدر المنير رغم أهميته وحاجة طلاب العلم إليه إلى الآن لم يطبع كامل؛ لأنه طلع التلخيص الحبير والتلخيص لا شيء بالنسبة لأصله، فهذه الملخصات إن لم يضف إليها الملخِص من علمه ودرره كما فعل الحافظ في تهذيب التهذيب فلا قيمة لها، نعم قد يكون الهدف من التلخيص تقريب الأصل للمتعلمين ويبقى الأصل كما هو، وما كان لله بقي، فلا ضير حينئذٍ، لكن إلغاء الكتب الأصلية بهذه الطريقة يعني من إنصاف الملخِص والمختصِر أن يشيد بالكتاب الأصلي، يعني مما يؤسف له أن الحافظ المزي -رحمة الله عليه- وهو إمام لخص الكمال للحافظ عبد الغني، الكمال هو أصل الأصول في رجال الكتب الستة، ومع ذلكم إلى الآن لم يطبع، لماذا؟ لأن الحافظ المزي اعتنى بالكتاب وزاد عليه وأضاف إليه إضافات، لا شك أن تهذيب الكمال أفضل من الكمال، يعني إذا قارنا بين الكتابين، لكن يبقى أن الأصل له فضل السبق، وله المنة على من جاء بعده، والمنة -أولاً وأخراً- لله -سبحانه وتعالى- الذي وفق الجميع لسلوك هذا الطريق.
يبقى أن نقول لطالب العلم: من وسائل التحصيل التلخيص، يعني كثير من طلاب العلم لا يستوعب إذا قرأ، نعم، نقول: من وسائل تحصيل العلم التلخيص، إيش المانع أن تمسك قلم وتمسك تفسير ابن كثير وبدل ما هو كتاب كبير جداً تلخصه؟ تلخص فوائده، وتقتصر منه على ما يعنيك على فهم كتاب الله، ستفهم القرآن، وتفهم ابن كثير معاً، تأتي إلى تفسير الطبري وتقول: في روايات مكررة وأسانيد أنا لست بحاجة إليها وتلخص، تأتي إلى تفسير القرطبي تقول: فيه استطرادات كثيرة وأدلة ومذاهب لست بحاجة إليها فتلخص، نقول: هذه وسيلة من وسائل التحصيل، لكن يبقى أن هذا الملخَص لا ينشر في الوقت الراهن ما دمت طالباً، نعم إذا تمكنت فيما بعد وتأهلت للتأليف والتصنيف وأعدت النظر في هذا الملخص، ورأيته ينفع الناس لا مانع من نشره، فالتلخيص يقرب العلوم إلى القراء لا شك، وهو أيضاً وسيلة من وسائل التحصيل، من الطرائف: أن المسعودي في تاريخه (مروج الذهب) في أول الكتاب وفي آخره: من اختصره أو نقل منه أو حذف منه أو نسبه إلى غيرنا أو فعل أو فعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فلذلك بقي الكتاب ما اختصر ولا استفيد منه، والحمد لله أن الأمة ليست بحاجته، في أول الكتاب وفي آخره يقول هذا الكلام، الله المستعان.
على كل حال هذه مسألة يستفاد منها بقدر الحاجة.
يقول: "وصنف فيه الخطيب كتاباً حافلاً ولخصه الحافظ ابن حجر وزاد عليه أشياء كثيرة قاله في النزهة.
قال -رحمه الله-: "وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً فهو المؤتلف والمختلف" انتهينا من المتفق والمفترق، المتفق والمتفرق خلاصته تتفق الأسماء إن كانت ثلاثية أو رباعية أو خماسية في الأسماء في الألقاب في الأنساب، نعم في الكنى، تتفق، قد تتفق ثلاثية وهذا كثير، تتفق رباعية والأمثلة ما تقدم، لكن الأشخاص مختلفون، نعم، تعرفون الناس يعانون من هذا، والأحوال تعاني أحياناً تطلب الاسم أكثر من ثلاثي رباعي من أجل ألا يحصل الاتفاق مع هذا الافتراق، وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً، تأتلف تتفق خط وتختلف نطق مثل عَبيدة وعُبيدة مثلاً فهو المؤتلف والمختلف، المؤتلف والمختلف: أن تتفق الأسماء في الخط وتختلف في النطق سواءً كان مرجع الاختلاف النقط أم الشكل، قال ابن الصلاح: "وهذا فن جليل من لم يعرفه من المحدثين كثير عثاره، ولم يعدم مخجلاً، وهو منتشر لا ضابط في أكثره يفزع إليه وإنما يضبط بالحفظ تفصيلاً".
سلمة بن كُهيل أنا سمعت واحد من الكبار يقرأه: سلمة بن كهبل، نعم، ألا يخجل مثل هذا أن ينطق مثل هذا النطق لكن هو ليست له عناية بهذا الشأن، فمثل هذا كما قال: "فن جليل من لم يعرفه من المحدثين كثير عثاره، ولم يعدم مخجلاً" يضحك عليه الصغار من أهل العناية، "وهو منتشر لا ضابط له في أكثره يفزع إليه، وإنما يضبط بالحفظ تفصيلاً".
ومعرفة هذا النوع من مهمات هذا الفن حتى قال علي بن المديني: "أشد التصحيف ما يقع في الأسماء" ووجه بعضهم بأنه شيء لا يدخله القياس ولا قبله شيء يدل عليه ولا بعده، يعني ما يفهم من السياق، أسماء الرجال لا تفهم من السياق، ولا يستدل عليها بما قبلها ولا ما بعدها، بخلاف المتون أحياناً الكلام تستدل عليه بما قبله وما بعده ويستقيم، لكن يبقى الكلام في الرجال.
جويرية بن أسماء يأتي الطالب ويقول: جويرية بن أسماء، يأتي ويعدل يقول: بنت أسماء، ما يمكن يصير هذا؟ ما يقول: هذا خطأ؟ جويرية بن أسماء بن فلان، فيعدل: بنت فلان بنت فلان، ما هو بصحيح، جويرية رجل وأسماء رجل، فالذي لا يعرف مثل هذه الأمور يقع في إشكالات كبيرة، رأيت فهرس لكتاب من الكتب الكبيرة فوضع واثلة بن الأسقع مع النساء، واثلة مع النساء، مثل جويرية بن أسماء وين يبي يضعه؟ نعم أين يوضع جويرية بن أسماء إذا كان واثلة بن الأسقع مع النساء؟ فلا بد من العناية بالرجال.
ما يمكن ضبطه من ذلك على قسمين: عام وخاص، فمن القسم الأول: سلاّم بالتشديد وسلام، قال ابن الصلاح: "جميع ما يرد عليك من ذلك فهو بالتشديد –سلاَّم- إلا خمسة، سلام والد عبد الله بن سلام الصحابي، وسلام والد ابن محمد بن سلام البيكندي شيخ البخاري، لكن قال صاحب المطالع، من صاحب المطالع؟ هذا يرد كثيراً في الشروح، وجهله مما يقبح بطالب العلم، يعني في شرح النووي كثيراً وفي فتح الباري: حكى صاحب المطالع، قال صاحب المطالع، من صاحب المطالع؟ هذا مطالع الأنوار، مطالع الأنوار على صحاح الأخبار لابن قرقول كتاب من أعظم الكتب لكن مع الأسف أنه ما طبع إلى الآن، لكن قال صاحب المطالع: "إن منهم من خففه ومنهم من ثقل وهو الأكثر"، وقال ابن الصلاح: "التخفيف أثبت" سلام بن ناهض المقدسي وسماه الطبراني سلامة، سلام جد محمد بن عبد الوهاب الجبائي المعتزلي، سلام بن أبي الحقيق، وأما البقية كلهم سلاّم بالتشديد.
من ذلك عُمارة وعِمارة كلهم بالضم إلا أبي بن عِمارة، وكَريز وكُريز، وحِزام وحرام، والسْفر والسَفر، وإثْل وأثَل، وغنام وعثام، وقُمير وقَمير، ومسوَر ومسوَّر، والحمال والجمال، قال ابن الصلاح: "وقد يوجد في هذا الباب ما يؤمن فيه من الغلط، ويكون اللافظ فيه مصيباً كيفما قال" يعني أينما وجهت صحيح، أينما صرفت الكلمة صحيح مثل: عيسى بن أبي عيسى الحنَّاط، يعني لو قلت: الخياط صحيح، لو قلت: الخباط صحيح؛ لأنه حناط وخياط وخباط، نعم، إلا أن شهرته بالنون.
القسم الثاني: الخاص، ضبط ما في الصحيحين أو هما معاً مع الموطأ من ذلك على الخصوص، فمن ذلك بشار بالشين المنقوطة والد بندار محمد بن بشار، وسائر ما في الكتابين يسار بالياء آخر الحروف والسين المهملة، وفيهما سيار بن سلامة، سيار بن أبي سيار وردان، وجميع ما في الصحيحين والموطأ مما هو على صورة بسر فهو بالشين المنقوطة بشر وكسر الباء إلا أربعة فإنهم بالسين المهملة وضم الباء وهم: عبد الله بن بسر المازني صحابي، وبسر بن سعيد، وبسر بن عبد الله الحضرمي، وبسر بن محجن الديلي، وقيل فيه: بشر بالشين وبالأول قال الأكثر، وجميع ما فيه على صورة بشير بالياء المثناة من تحت قبل الراء فهو بالشين منقوطة والباء الموحدة مفتوحة إلا أربعة اثنين بضم الباء وهما: بُشير بن كعب العدوي وبُشير بن يسار، والثالث: بالياء يسير بن عمرو بالياء ويقال قسير، الرابع: قطن بن نسير بالنون، قطن بن نسير بالنون، وجميع ما فيها من البراء فإنه بتخفيف الراء إلا أبا معشر البرَّاء وأبا العالية البرّاء فإنهما بتشديد الراء، والبرّاء الذي يبري الأعواد والسهام.
وخِراش كله بالخاء المعجمة إلا والد ربعي بن حراش بالحاء المهملة، وزعم المنذري في مختصر سنن أبي داود أنه بالخاء المعجمة، وحُصين كله بضم الحاء إلا أبا حَصِين عثمان بن عاصم الأسدي، وجميعه بالصاد إلا حضين بن المنذر أبا ساسان فإنه بالضاد المعجمة، وعُبيدة في الكتب الثلاثة كله بالضم إلا عَبيدة السلماني، وعَبيدة بن حميد، وعَبيدة بن سفيان، وعامر بن عَبيدة الباهلي، السلمي إذا جاء في الأنصار فهو بفتح السين نسبة إلى بني سلمة، وأهل العربية يفتحون اللام منه في النسب كما في النمَري والصدَفي وبابهما، وأكثر أهل الحديث يقولونه بكسر اللام على الأصل وهو لحن، والله أعلم.
السلمي إذا جاء في الأنصار فهو بفتح السين نسبة إلى بني سلِمة، النسب بفتح اللام والأصل سلِمة، وأهل العربية يفتحون اللام منه في النسب كما في النمَري، سلَمي نسبة إلى بني سلِمة سلَمي، والنسبة إلى النمِر بكسر الميم نمَري ومثله الصدَفي وبابهما، وأكثر أهل الحديث يقولونه بكسر اللام سلِمي على الأصل وهو لحن، لحن، الصواب سلَمي كما يقوله أهل العربية لا سلِمي، وهذا في نظائره مكسور الثاني إذا نسب إليه يفتح؛ لئلا تتوالى كسرات في النسب، وعلى هذا إذا نسبنا إلى الملِك نقول: ملِكي وإلا ملَكي؟ ملَكي، وملِكي لحن، وإن سمع في بعض الأحيان من بعض أهل العناية، لكنه لحن، الصواب بالفتح، صنف في هذا النوع الحافظ الدارقطني وذيل على كتابه الخطيب البغدادي، كما صنف فيه عبد الغني بن سعيد، ثم جمع الجميع الأمير أبو نصر بن ماكولا في كتابه: (الإكمال)، قال ابن حجر: "وكتابه من أجمع ما جمع في ذلك"، الإكمال لابن ماكولا، "وهو عمدة كل محدث بعده"، واستدرك عليه أبو بكر بن نقطة ما فاته في مجلد ضخم، ثم ذيل عليه منصور بن سليم في مجلد لطيف، وكذلك ابن الصابوني، وجمع الذهبي في ذلك كتاباً مختصراً جداً، قال ابن حجر: "أعتمد فيه على الضبط بالقلم فكثر فيه الغلط والتصحيف المباين لموضوع الكتاب"، ثم صنف الحافظ ابن حجر كتاباً في توضحيه سماه: (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه) نعم.
هنا يقول: "وجمع الذهبي في ذلك كتاباً مختصراً جداً أعتمد فيه على الضبط بالقلم فكثر فيه الغلط والتصحيف المباين لموضوع الكتاب، وقد يسر الله تعالى بتوضيحه في كتاب سميته: (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه) وهو مجلد واحد فضبطته بالحروف على الطريقة المرضية وزدت عليه شيئاً كثيراً مما أهمله أو لم يقف عليه ولله الحمد على ذلك" صحيح الحافظ أجاد في هذا الكتاب، المعلِق الذي يستدرك على الحافظ يقول: يعني أنه عمد إلى تلك المصنفات ولخصها وجعل منها كتاباً باسمه وقوله: (تبصير المنتبه) لا وجه له، لا وجه لهذه التسمية لأن المنتبه لا يحتاج إلى من يبصره أي ينبه، وإنما التنبيه يكون للغافل، وقوله: على الطريقة المرضية، جملة لا معنى لها وإنما أتى بها ليخفف من اعتراض من يعترض عليه، أو يبرر عمله الذي عمله، عرفنا أن هذا متحامل على الحافظ، له تعليقات لطيفة وجميلة، لكن هو متحامل على الحافظ، رحم الله الجميع.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه"، اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه، "وكذا إن وقع ذلك الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة ويتركب منه ومما قبله أنواع: منها أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك"، إذا اتفقت الأسماء خطاً ونطقاً واختلفت الآباء نطقاً مع ائتلافها خطاً أو عكسه بأن تختلف الأسماء نطقاً وتأتلف خطاً، وتتفق الآباء خطاً ونطقاً فهذا النوع يقال له: المتشابه، ومثال الأول: محمد بن عَقيل بفتح العين ومحمد بن عُقيل بضمها، الأول: نيسابوري، والثاني: فريابي، وهما مشهوران وطبقتهما متقاربة، ومثال الثاني: شريح بن النعمان وسريج بن النعمان الأول بالشين المعجمة والحاء، والثاني بالسين المهملة والجيم.
وكذا إن وقع ذلك الاتفاق في اسم الأب والاختلاف في النسبة، ومثله إن وقع الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة، وصنف الخطيب البغدادي في ذلك كتاباً سماه: (تلخيص المتشابه).
ويتركب من هذا النوع المتشابه مع ما قبله أنواع كثيرة منها: أن يحصل الاشتباه في الاسم واسم الأب مثلاً إلا في حرف أو حرفين فأكثر من أحدهما أو منهما وهو على قسمين:
الأول: ما وقع فيه الاختلاف بالتغيير مع أن عدد الحروف ثابت في الجهتين فمحمد بن سنان ومحمد بن سيار ومحمد بن حنين ومحمد بن جبير، ومعرف بن واصل، ومطرف بن واصل، وأحمد بن الحسين، وأحيد بن الحسين وحفص بن ميسرة، وجعفر بن ميسرة، كل هذه أسماء متقاربة في الصورة، ويحصل فيها التصحيف كثيراً.
والثاني: ما وقع فيه الاختلاف بالتغيير مع نقصان بعض الأسماء عن بعض في عدد الحروف نحو عبد الله بن يزيد وعبد الله بن زيد عبد الله بن يحيى عبد الله بن نجي، يحيى ونجي قريبة في الصورة، ومن ذلك أن يحصل الاتفاق في الخط والنطق ويحصل الاختلاف والاشتباه في التقديم والتأخير إما في الاسمين أو في أحدهما، مثال ذلك: ما كان ذلك في الاسمين معاً: الأسود بن يزيد ويزيد بن الأسود، عبد الله بن يزيد ويزيد بن عبد الله، نصر بن علي وعلي بن نصر، كعب بن مرة مرة بن كعب، ومثال ما كان ذلك في أحد الاسمين: أيوب بن سيار وأيوب بن يسار، صنف الخطيب البغدادي كتاباً سماه: (رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب) بهذا نعرف قدر الخطيب -رحمه الله تعالى- الذي لم يترك باب من أبواب علوم الحديث إلا وصنف فيه مصنفاً، ومع ذلك يعتب على الخطيب ويقال: إن الخطيب أساء إلى علوم الحديث وأدخل فيه ما ليس منه، والله المستعان.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"نعم النخبة تغني عن البيقونية، لكن لا يمنع أن يحفظ طالب العلم البيقونية أربعة وثلاثين بيت، ما تكلفه شيء لا سيما إذا كان ما هو بحافظ منظومات أخرى؛ لأن النظم مفيد ومهم، فيبدأ بالبيقونية، والنخبة يحفظها ويقرأ شرحها، ويعتني بها، وإن حفظ نظمها للصنعاني لا بأس، أما بالنسبة للموقظة للحافظ الذهبي فهي كتاب نفيس فيه تحريرات للحافظ -رحمة الله عليه- الذهبي، وهي ليست شاملة لكل علوم الحديث في كل ما يحتاجه طالب علوم الحديث، لكن هي مجرد انتقاء لمسائل تحدث عنها الحافظ الذهبي بدقة وتحرير -رحمة الله عليه-، والله أعلم.