كتاب الجامع من سبل السلام (24)

نعم.

أحسن الله إليك.

"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

أما بعد،

فقال في البلوغ وشرحه في باب الترهيب من مساوئ الأخلاق، من كتاب الجامع:

وعنه أي أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا» بالجيم والشين المعجمة، «ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبغ» بالغين المعجمة من البغي، وبالعين المهملة من البيع، «بعضكم على بعض وكونوا عباد الله» منصوب على النداء."

يعني يا عباد الله؛ لأن بعض الطلاب قد يعربها خبر كان، كونوا عباد الله، هم عباد الله، هل تم الخبر؟

المقصود كونوا إخوانًا يا عباد الله.

أحسن الله إليك.

إخوانًا. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره» بفتح حرف المضارعة وسكون الحاء المهملة وبالقاف فراء، قال القاضي عياض: ورواه بعضهم: «لا يخفره» بضم الياء وبالخاء  المعجمة وبالفاء أي لا يغدر بعهده، ولا ينقض أمانته. قال: والصواب الأول، «التقوى هاهنا»، ويشير إلى صدره ثلاث مرات. «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه». أخرجه مسلم."

قوله: التقوى هاهنا هذه يتذرع بها كثير ممن يكون مظهره غير مناسب، تجد أمارات الفسق عليه ظاهرة، فإذا قيل له، يقول: اترك المظاهر، كم من واحد مربٍ لحيته وهو نصاب. يا أخي ما تعريف التقوى؟! أنت عرفت التقوى ما هي؟! أليست هي فعل الواجبات وترك المحرمات؟! أنت ارتكبت المحرمات، إذًا ما فيه تقوى، أين التقوى التي تدعيها؟!

هذه دعوى، وليست تقوى، يقول لك: التقوى هاهنا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أشار إلى صدره وقال: «التقوى هاهنا»، نعم الرسول قال: «التقوى هاهنا»، لكن أنت أمارات الفسق ظاهرة وتقول لي: التقوى هاهنا؟! لو عرفت التقوى ما قلت هذا الكلام، أما إنك لو اتقيت الله لما شربت الخمر كما قال عمر: يشرب الخمور ويقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ} [سورة المائدة:93]. طيب أنت اتقيت؟! تشرب الخمر وتقول: التقوى هاهنا؟!

فالذي يعصي لا يحق له أن يقول: التقوى هاهنا؛ لأنه مخالف للتقوى، ولو وجدت التقوى في قلبه ما ظهرت عليه أمارات المعاصي؛ لأن من شرط التقوى وحقيقة التقوى ألا تعصي، وليس معنى هذا أن تكون معصومًا لا.

أحسن الله إليك.

"الحديث اشتمل على أمور نهى عنها الشارع؛ الأول: التحاسد، وهو تفاعل يكون بين اثنين، فهو نهى عن حسد كل واحد منهما صاحبه من الجانبين، ويعلم منه النهي عن الحسد من جانب واحد بطريق الأولى؛ لأنه إذا نهي عنه مع من يكافئه ويجازيه بحسده لا مع أنه من باب {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى:40]، فهو.."

مع أنه.

نعم.

مع أنه من باب..

أحسن الله إليك.

"لأنه إذا نهي عنه مع من يكافئه ويجازيه بحسده مع أنه من باب: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى:40]."

ونظير ذلك ما أشرنا إليه سابقًا من الفرق بين الموالاة والتولي، وأن التولي أشد من الموالاة؛ لأن الموالاة فيها مكافأة، والتولي محض في النفع دون انتفاع.

أحسن الله إليك.

"فهو مع عدم ذلك أولى بالنهي، وتقدم تحقيق الحسد.

 الثاني: النهي عن المناجشة في البيع، وقد تقدم في كتاب البيع، ووجه النهي عنها أنها من أسباب العداوة والبغضاء، وقد روي بغير هذا اللفظ في الموطأ، بلفظ: «ولا تنافسوا» من المنافسة، وهي الرغبة في الشيء ومحبة الانفراد به، ويقال: نافست في الشيء منافسة ونفاسًا.."

والمراد هنا في أمور الدنيا، أما في أمور الآخرة فالمسارعة والمسابقة مطلوبة، وهي المنافسة.

أحسن الله إليك.

"ويقال: نافست في الشيء منافسة ونفاسًا إذا رغبت فيه، والنهي عنها نهي عن الرغبة في الدنيا وأسبابها وحظوظها كما قال:

يا خاطب الدنيا الدنية إنها

 

 

 

يسرك الرد وقرارة الأوج

 

أليس عندنا البيت؟

هو بيت؟

هو بيت؟

طالب: ..........

لا ما هو عندنا البيت، ما هو عندنا كله.. بعض النسخ.. ما التي معك؟ أي طبعة؟

طالب: ...........

طبعة ابن الجوزي، وأنت معك ابن الجوزي! طبعة أولى يمكن التي معك؟ أليس ابن الجوزي التي معك؟

طالب: نعم عندي، لكن يقول في بعض النسخ دون بعض في نسخة.. يقول زيادة من (أ)..

نعم موجودة في بعض النسخ ما يخالف.

أحسن الله إليك.

"الثالث: النهي عن التباغض، وهو تفاعل، وفيه ما في تحاسدوا من النهي عن التقابل في المباغضة والانفراد بها بالأولى، وهو نهي عن تعاطي أسبابه؛ لأن البغض لا يكون إلا عن سبب، والنهي متوجه إلى البغض لغير الله تعالى، فأما ما كانت لله فهي واجبة، فإن البغض في الله.."

أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.

أحسن الله إليك.

"فأما ما كانت لله فهي واجبة، فإن البغض في الله والحب في الله من الإيمان، بل ورد في الحديث حصر الإيمان عليهما.

 الرابع: النهي عن التدابر، قال الخطابي: أي لا تهاجروا فيهجر أحدكم أخاه، مأخوذ من تولية الرجل.."

المشكلة أن كثيرًا من الناس في واقعهم يتباغضون على أمور الدنيا، ثم إذا جاء الحب في الله والبغض في الله يقول: أين الإنسانية؟ أين الأخوَّة؟ أين التعايش؟ أين كذا.. واقع هذا؟

وتجده بين.. من سنين وهو وأمه ما يتكلمون أو مع أخيه أة مع والده أو كذا.. أين الإنسانية؟! أو ما هم من بني آدم هؤلاء من بني الإنسان؟! ثم إذا جاء الحب في الله والبغض في الله....

وما الدين إلا الحب والبغض والولا

 

 

 

 

كذاك البرا من كل غاوٍ وآثم

 

 

أوثق عرى الإيمان، ثم بعد ذلك إخوانك في الإنسانية، وإخوانك في كذا، والتعايش السلمي، وما أدري إيش، وإذا جاء التقاطع والتدابر فأحرار، المحرَّم المجمع على تحريمه.

أحسن الله إليك.

"مأخوذ من تولية الرجل للآخر دبره، إذا أعرض عنه حين يراه. وقال ابن عبد البر: قيل للإعراض: تدابر؛ لأن من أبغض أعرض، ومن أعرض ولى دبره، والمحب بالعكس، وقيل: معناه: لا يستأثر أحدكم على الآخر، وسمى المستأثر مستدبرًا؛ لأنه يولي دبره حين يستأثر بشيء دون الآخر. وقال المازري: معنى التدابر المعاداة، تقول: دابرته أي عاديته، وفي الموطأ عن الزهري: التدابر الإعراض عن السلام، يعرض عنهم بوجهه، وكأنه أخذه من بقية الحديث وهي: «يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام». فإنه يفهم منه أن صدور السلام منهما أو من أحدهما يرفع الإعراض.

 الخامس: النهي عن البغي إن كان بالغين المعجمة، وإن كان بالمهملة فعن بيع بعض على بعض، وقد تقدم في كتاب البيع.

 قال ابن عبد البر: تضمن الحديث تحريم بغض المسلم، والإعراض عنه، وقطيعته بعد صحبته بغير ذنب شرعي، والحسد له بما أنعم الله تعالى عليه، ثم أمر أن يعامله معاملة الأخ من النسب، ولا يبحث عن معايبه، ولا فرق في ذلك بين الحاضر والغائب والحي والميت.

وبعد هذه المناهي الخمسة حثهم بقوله: «وكونوا عباد الله إخوانًا»، فأشار بقوله: «عباد الله» إلى أن من حق العبودية لله تعالى الامتثال لما أمروا به.

 قال القرطبي: المعنى.."

يعني تحقيق العبودية بفعل الأوامر، وهذا منها، «وكونوا عباد الله..»، وأيضًا فيه استشعار للتساوي بينهما، أنت حسدت لماذا أنت مثله وهو مثلك؟ كلكم عباد الله.

طالب: ..........

ولا يبع؛ لأنه ولا يبغ، ولا يبع، ما بينهما فرق.

أحسن الله إليك.

"قال القرطبي: المعنى: كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرغبة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة. وفي رواية لمسلم زيادة: «كما أمركم الله» بهذه الأمور، فإن أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر منه تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [سورة النساء:64]، وزاد المسلم حثًّا على أخوة حثًّا على أخوة أخيه المسلم، وزاد المسلم حثًّا على أخوة أخيه المسلم بقوله: «المسلم أخو المسلم»، وذكر من حقوق الأخوَّة ألا يظلمه، أنه لا يظلمه."

ومفهومه أن غير المسلم ليس بأخٍ للمسلم.

أحسن الله إليك.

"وتقدم تحقيق الظلم وتحريمه، والظلم محرم في حق الكافر أيضًا، وإنما خص المسلم؛ لشرفه. «ولا يخذله» والخذلان: ترك الإعانة والنصر، ومعناه إذا استعان به في دفع أي ضر، أو جلب أي نفع أعانه."

فإذا استنصره وجب عليه نصره، إذا استنصره وجب عليه نصره؛ {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} [سورة الأنفال:72]، {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ} [سورة الأنفال:72]، فلا بد من نصرهم {إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} [سورة الأنفال:72]، إن استنصروكم على قوم، يعني هم بدؤوا. قوم بينكم وبينهم ميثاق، هذا الاستثناء، لكن لو بغى قوم بينكم وبينهم ميثاق على المسلمين، واستنصروكم، يجب عليكم النصر، يقول ابن العربي: ولو لم يبقَ في المسلمين عين تطرف، الله المستعان.

أحسن الله إليك.

ولا يحقره» لا يحتقره، ولا يتكبر عليه ويستخف به، ويروى: «ولا يحتقره»، وهو بمعناه. وقوله: «التقوى هاهنا» إخبار بأن عمدة التقوى ما يحل في القلب من خشية الله تعالى وعظمته ومراقبته وإخلاص الأعمال له، كما دل حديث مسلم: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم» أي أن المجازاة والمحاسبة إنما تكون على ما في القلب دون الصورة الظاهرة والأعمال البارزة، فإن عمدتها النيات، ومحلها القلب، وتقدم أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد.

 وقوله: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه» أي يكفيه أن يكون من أهل الشر بهذه الخصلة وحدها، وفي قوله: «كل المسلم على المسلم حرام»."

من غشى مجالس الناس وجد مثل هذا الاحتقار ظاهرًا جليًّا، تجد الذكي مثلاً الذي يزعم أنه أوتي موهبة من الذكاء والفطنة يستخف من حوله، ويسخر به، وتجد الغني يسخر من الفقير، ويستهزئ به. كثير في مجالس المسلمين هذا، مع أن التحريم ظاهر، والنصوص واضحة بيِّنة، وما يدريك لعل مثل هذا الفقير أو مثل هذا الأبله الغبي خير من ملء الأرض من مثل هذا، ولما مر رجل سأل عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالوا: هذا رجل شريف حريٌّ إن خطب أن يزوج، وإن شفع أن يشفع، وإن كذا وكذا.

ويمر واحد من سطة المسلمين، من عامتهم، ما تقولون في فلان؟ قالوا هذا من ضعة المسلمين، إن خطب ما زوِّج، وإن شفع لم يشفع، قال: «هذا خير من ملء الأرض من ذاك». {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات:13]. المعوَّل على التقوى، وما عدا ذلك كله لا قيمة له؛ {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [سورة الأعراف:26].

أحسن الله إليك.

"وفي قوله: «كل المسلم على المسلم حرام» إخبار بتحريم الدماء، والأموال، والأعراض، وهو معلوم من الشرع علمًا قطعيًّا."

نعم، مما علم بالضرورة من دين الإسلام تم بيانه في مناسبات كثيرة.

أحسن الله إليك.

"وعن قطبة بضم القاف وسكون الطاء المهملة وفتح الموحدة ابن مالك، يقال له: التغلبي بالمثناة الفوقية والغين المعجمة، ويقال: الثعلبي بالمثلثة والعين المهملة- أنه قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء».

 أخرجه الترمذي، وصححه الحاكم، واللفظ له.

 التجنيب: المباعدة، أي باعدني، والأخلاق جمع خلق، قال القرطبي: الأخلاق أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، وهي محمودة ومذمومة؛ فالمحمودة على الإجمال أن تكون مع غيرك على نفسك، أن تكون مع غيرك على نفسك فتنتصف منها، ولا تنتصف لها، وعلى التفصيل: العفو والحلم، والجود، والصبر، وتحمل الأذى، والرحمة والشفقة، وقضاء الحوائج، والتودد، ولين الجانب، ونحو ذلك. والمذمومة ذلك، وهي منكرات الأخلاق."

ضد ذلك.

أحسن الله إليك.

"والمذمومة ضد ذلك، وهي منكرات الأخلاق التي سأل -صلى الله عليه وسلم- ربه أن يجنبه إياها في هذا الحديث، وفي قوله: «اللهم كما حسنت خلْقي فحسن خلُقي». أخرجه أحمد، وصححه ابن حبان. وفي دعائه -صلى الله عليه وسلم- في الافتتاح: «واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها سواك، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها غيرك». ومنكرات الأعمال ما ينكَر شرعًا أو عادة، ومنكرات الأهواء هي جمع هوى، والهوى هو ما تشتهيه النفس من غير نظر إلى مقصد يحمل عليه شرعًا، ومنكرات الأدواء جمع داء، وهي الأسقام المنفردة التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوَّذ منها."

الأسقام..

أنا عندي المنفردة.

المنفرة.

نعم.

المنفرة عندي.. ماذا عندك؟

المنفرة؟

طالب: ......

لا لا، ما لها معنى المنفردة التي يستنكرها الناس ويتقززون منها، ولا يألفون من وجدت فيه فيهربون منه؛ لأن بعض المرضى ما فيه إشكال أنك تجلس بجنبه وتأنسه مثل السليم، وبعض المرضى عنده جروح وقروح وأشياء تتقزز منها النفس، ولا يؤلف صاحبها.

أحسن الله إليك.

"وهي الأسقام المنفرة التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ منها كالجذام والبرص، والمهلكة كذات الجنب، وكان -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من سيئ الأسقام. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تماري» من المماراة وهي المجادلة. «أخاك ولا تمازحه» من المزح، «ولا تعده موعدًا فتخلفه». أخرجه الترمذي بسند فيه ضعف."

لا شك أن المراء والمماراة تورث الأحقاد في القلوب لاسيما التي لا يتوصل بها إلى حق، الذي يسمونه الجدال العقيم، هذا يورث الأحقاد، والممازحة لا شك أنها تجلب يعني إذا طالت صار للشيطان منها نصيب.

نعم، ولا تعده..

ولا تعده موعدًا فتخلفه». أخرجه الترمذي بسند فيه ضعف، لكن في معناه أحاديث سيما في المراء، فإنه روى الطبراني أن جماعة من الصحابة قالوا: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتمارى في شيء من أمر الدين، فغضب غضبًا شديدًا لم يغضب مثله، ثم انتهرنا فقال: «أبهذا يا أمة محمد أمرتم؟ إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، ذروا المراء لقلة خيره، ذروا المراء فإن المؤمن لا يماري، ذروا المراء فإن المماري قد تمت خسارته، ذروا المراء كفى إثمًا ألا تزال مماريًا، ذروا المراء فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة، ذرو المراء فأنا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة ورياضها أسفلها وأوسطها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق، ذروا المراء فإنه أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان»."

الضعف ظاهر عليه، خرجه؟

يقول: أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع  الزوائد، وقال- يعني الهيثمي-: فيه كثير بن مروان، وهو ضعيف جدًّا.

ماذا؟

فيه كثير بن مروان، وهو ضعيف جدًّا.

نعم واضح الضعف عليه.

أحسن الله إليك.

"وأخرج الشيخان مرفوعًا: «إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» أي شديد الخصومة الذي يحج صاحبه، وحقيقة المراء طعنك في كلام غيرك؛ بإظهار خلل فيه؛ لغير غرض سوى تحقير قائله."

أو الارتفاع عليه، يعني أنت لتظهر نفسك بمظهر الغالب، وهذا خلاف ما عليه السلف كالشافعي وغيره، الذي يتمنى أن يظهر الحق ولو على لسان غيره، ولو على لسان غيره، الله المستعان.

أحسن الله إليك.

"وحقيقة المراء طعنك في كلام غيرك بإظهار خلل فيه؛ لغير غرض سوى تحقير قائله، وإظهار مزيتك عليه. والجدال فيما يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها والخصومة.."

وإذا كان هذا بين الشخصين، فكيف إذا كان بين شخص وبين آخر يستطيع جعله الله، وخوله الله، وجعله سببًا قد ينفع، وقد يضر، بإذن الله، فتجد بعض الناس إذا سئل عن شخص، وقد يكون من سئل عنه من خيار الناس، وهذا الشخص المسؤول يرى أنه لا يمكن أن يرتفع قدره إلا على أكتاف الآخرين، مع أن التجربة أثبتت خلاف ذلك، وأن من أنزل الناس منازلهم، وأثنى عليهم بما فيهم، وذب عن أعراضهم في غيبتهم، أن الله- جل وعلا- يرفع منزلته في الدنيا والآخرة.

أحسن الله إليك.

"والخصومة لجاج في الكلام؛ ليستوفي به مالاً أو غيره، ويكون تارة ابتداءً، وتارة اعتراضًا، والمراء لا يكون إلا اعتراضًا، والمراء لا يكون إلا اعتراضًا، والكل قبيح إذا لم يكن لإظهار الحق وبيانه، وإدحاض الباطل وهدم أركانه، وأما مناظرة أهل العلم للفائدة، وإن لم تخل عن الجدال فليست داخلة في النهي، فقد قال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [سورة العنكبوت:46]. وقد أجمع عليه المسلمون سلفًا وخلفًا."

والمناظرات التي يعقدونها بينهم سواء كانت مع المواجهة أو في الكتابة هذه كتبهم طافحة بها.

أحسن الله إليك.

"وأفاد الحديث النهي عن ممازحة الأخ، والمزاح: الدعابة، والمنهي عنه ما يجلب الوحشة، أو كان بباطل، وأما ما فيه بسط الخلُق، وحسن التخاطب، وجبر الخاطر فهو جائز، فقد أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة أنهم قالوا: يا رسول الله، إنك لتداعبنا، قال: «إني لا أقول إلا حقًّا»."

الشيء اليسير له أصل في الشرع، لكن إذا زاد وصار للشيطان فيه نصيب، وتعدى المزاح إلى ما يمنع من كلام فيما يخالف الواقع، أو كلام يجرح بعض الناس، أو يتهكم بهم، أو ما أشبه ذلك لا شك أنه يتعدى حيز المباح.

أحسن الله إليك.

"وأفاد الحديث النهي عن إخلاف الوعد، وتقدم أنه من صفات المنافقين، فظاهره التحريم، قد قيده حديث: أن تعده وأنت مضمر لخلافه، وأما إذا وعدته وأنت عازم على الوفاء فعرض مانع فلا يدخل تحت النهي.

 وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلُق». أخرجه الترمذي، وفي سنده ضعف. قد علم قبح البخل عرفًا وشرعًا، وقد ذمه الله تعالى في كتابه: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [سورة النساء:37]، بل ذم من لم يأمر الناس بالحث على خلافه، فقال تعالى: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [سورة الحاقة:34] جعله من صفات الذين يكذبون بالدين وقال في الحكاية عن الكفار: إنهم قالوا وهم في طبقات النار {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ = 43  وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [سورة المدثر:43-44]. وإنما اختلف العلماء في المذموم منه، وقدمنا كلامهم في ذلك، وحدَّه بعضهم بأنه في الشرع منع الزكاة، والحق أنه منع كل واجب."

لأن مانع المندوب لا يُذم، الذم الذي يلحق به الإثم، أما الذم الذي يجري على ألسنة الناس باعتبار أنه خلاف ما ينبغي فهذا أمره واسع.

أحسن الله إليك.

"والحق أنه منع كل واجب، فمن منع ذلك كان بخيلاً يناله العقاب، قال الغزالي: وهذا الحد غير كافٍ، فإن من يرد اللحم والخبز إلى القصاب والخباز؛ لنقص وزن حبة يعد بخيلا اتفاقًا، وكذا من يضايق عياله في لقمة أو تمرة أكلوها من ماله بعدما سلم لهم ما فرض القاضي لهم، وكذا من بين يديه رغيف.."

يعني أعطاهم ما فرض لهم القاضي، فرض للأولاد في الحضانة كل واحد ثلاثمائة ريـال أو خمسمائة ريـال، ودفعهن للأم؛ لأن الحضانة عندها، ثم جاء واحد من أولاده وأخذ زيادة على ذلك كسرة وقال: ما لك عندي شيء، ووصلت إلى حد الشجار والنزاع، لا شك أن هذا مذموم شرعًا وعقلاً وعرفًا.

أحسن الله إليك.

"وكذا من بين يديه رغيف، فحضر من يظن أنه يشاركه فأخفاه يعد بخيلاً. انتهى. قلت: هذا في البخيل لا من يستحق العقاب، فلا يرد نقضًا، وأما حسن الخلق."

فلا يرد نقضًا على الحد الذي ذكره.

"هذا في البخيل عرفًا لا من يستحق العقاب فلا يرِد نقضًا، وأما حسن الخلق فقد تقدم القول فيه وسوء الخلق ضده، وقد وردت فيه أحاديث دالة على أنه ينافي الإيمان، فأخرج الحاكم: «سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل»، وأخرج ابن منده: «سوء الخلق شؤم، وطاعة النساء ندامة، وحسن الملكة نماء»."

وما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق.

أحسن الله إليك.

"وأخرج الخطيب: «إن لكل شيء توبة إلا صاحب سوء الخلق فإنه لا يتوب صاحبه من ذنب إلا وقع فيما هو شر منه»، وأخرج الصابوني: «ما من ذنب إلا وله عند الله توبة إلا سوء الخلق، فإنه لا يتوب صاحبه من ذنب إلا وقع إلى ما هو شر منه»."

نعم، يعاقب بما يتصرف به مما هو خلاف ما أمر به الشرع من حسن الخلق، فتجده إذا ساء خلقه في موطن عوقب بما هو أشد من ذلك ترتب على أفعاله آثار تجره إلى ما هو أعظم من ذلك.

أحسن الله إليك.

"وأخرج الترمذي وابن ماجه: «لا يدخل الجنة سيئ الخلق»، والأحاديث في الباب واسعة، ولعله يحمل المؤمن في الحديث على كامل الإيمان، وأنه خرج مخرج الزجر والتحرير، وأراد إذا ترك إخراج الزكاة مستحلاًّ لترك واجب قطعي.

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتدِ المظلوم»."

فيزيد على ما ناله من صاحبه سبه بأكثر، أما المجازاة فبقدر ما اعتدى به، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [سورة النحل:126]، {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [سورة النساء:148]، لكن إذا زاد وتعدى صار هو الظالم.

أحسن الله إليك.

"دل الحديث على جواز مجازاة من ابتدأ الإنسان بالأذية بمثلها، وأن إثم ذلك عائد على البادي؛ لأنه المتسبب لكل ما قاله المجيب."

يعني مثل ما جاء في حديث: «لعن الله من لعن والديه» عليه إثم الطرفين؛ لأنه هو المتسبب في لعن والديه.

أحسن الله إليك.

"إلا أن يعتدي المجيب في أذيته بالكلام اختص به إثم ذلك؛ لأنه إنما أذن له في المجازاة مثل ما عوقب به، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى:40]، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [سورة البقرة:194]، هذا وعدم المكافأة والصبر هو الأولى والأكثر فقد ثبت بأن رجلًا سب أبا بكر -رضي الله عنه- بحضرته -صلى الله عليه وسلم-، فسكت أبو بكر والنبي -صلى الله عليه وسلم- قاعد، ثم أجاب أبو بكر فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيل له في ذلك فقال: «إنه لما سكت أبو بكر كان ملك يجيب عنه فلما انتصف لنفسه حضر الشيطان» هذا اللفظ أو نحوه، قال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [سورة الشورى:43]."

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه...