شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (252)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك علي عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، مع مطلع هذا الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير.
فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: كنا توقفنا عند آخر لفظ في حديث أنس قال: «كان معاذ رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن قال وأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا».
الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في شرح الحديث الموضع الثاني من فتح الباري يقول: كأنه -يعني معاذًا- فهم من منع النبي –صلى الله عليه وسلم – أن يخبر بها إخبارًا عامًا لقوله: «أفلا أبشر الناس؟».
المقدم: قال: لا.
«أفلا أبشر الناس» يعني فهم من منع النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يخبر بها إخبارًا عامًّا؛ لأن بعض المسائل، وبعض القضايا يصلح أن يخبر بها شخص، وبعضها يصلح أن يخبر بها جمع جمعًا يسيرًا أشخاص يعني في مجلس، وبعضها يصلح في درس، وبعضها يصلح للناس كافة في الإذاعة مثلًا، فالمسائل متفاوتة؛ لأن عقول الناس لا تعرف، جميع الناس لا تحتمل عقولهم كثيرًا من المسائل كما تقدم في أثر على –رضي الله عنه- يقول: كأن معاذًا فهم من منع النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يخبر بها إخبارًا عامًّا؛ لأنه قال: «أفلا أبشر الناس؟» لقوله: «أفلا أبشر الناس» فأخذ هو أولًا بعموم المنع، فلم يخبر بها أحدًا، ثم ظهر له أن المنع إنما هو من الإخبار عمومًا، فبادر قبل موته، فأخبر بها خاصًّا من الناس فجمع بين الحكمين، فجمع بين الحكمين.
ويقوي ذلك أن المنع لو كان على عمومه في الأشخاص لما أخبر به، أو لما أخبر به هو بذلك، يعني لما أخبر النبي –عليه الصلاة والسلام– معاذ من الأصل، يقوي ذلك أن المنع لو كان على عمومه في الأشخاص لما أخبر به هو، يعني معاذ بذلك، وأخذ منه أن من كان في مثل مقامه في الفهم أنه لم يمنع من إخباره، طيب لو أن عالمًا اختار مسألة، اختار مسألة، واختياره يخالف ما عليه الناس، ويترتب على اختياره إشكال بين الناس وبلبلة واضطراب، فأخبر باختياره بعض خاصته، أخبر باختياره بعض..
المقدم: خاصته.
خاصته، هل لهؤلاء الخاصة أن يخبروا بها عن شيخهم؟ لا يخلو إما أن يكون الشيخ يخشى على نفسه، فإذا مات الشيخ نفسه انتهت..
المقدم: الخشية.
هذه الخشية، لاسيما وأن المسألة مسألة علمية مدعومة بدليل واختيار عالم معتبر.
فهل لهؤلاء الخاصة أن يخبروا بها بعد موت الشيخ؟
المقدم: إذا كان لهذه العلة نعم.
نعم، إذا كان السبب في ذلك تأثر الناس كلهم وبلبلة وإشكال وإرباك واضطراب..
المقدم: لا.
المقدم: فيمسكون.
فيمسكون، لكن هل لهذا الإمساك على سبيل الحزم والجزم، ولا يجوز لهم ألبتة أن يخبروا به، ولو لمن كان في منزلتهم، من كان في مستواهم؛ لأن الشيخ لو كان مراده ألا يخرج الخبر لما أخبر ولا هؤلاء الخاصة، نريد أن نقرن هذا التصور في هذه المسألة بما معناه، انظر كلام ابن حجر دقيق، ويقوي ذلك أن المنع لو كان على عمومه في الأشخاص، يعني مسألة منع أوصاف لا منع أشخاص، إذا لأوصاف، ومنع لأوصاف لا لأشخاص، من يتصف بهذا الوصف الذي يتصف به معاذ يخبر؛ لأنه كان يفهم من ذلك المنع من إخبار هؤلاء لما أخبر النبي –عليه الصلاة والسلام- معاذًا.
المقدم: صحيح.
فيقول: ويقوي ذلك أن المنع لو كان على عمومه في الأشخاص لما أخبر به هو بذلك، يعني معاذ، وأخذ منه أن من كان في مثل مقامه في الفهم أنه لم يمنع من إخباره، وقد تعقب هذا الجواب، وقد تعقب هذا الجواب بما أخرجه أحمد من وجه آخر فيه انقطاع عن معاذ، انظر فيه انقطاع عن معاذ، أنه لما حضرته الوفاة قال: أدخلوا عليَّ الناس، فأدخلوا عليه فقال: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من مات لا يشرك بالله شيئًا جعله الله في الجنة» وما كنت أحدثكموه إلا عند الموت وشاهدي على ذلك أبو الدرداء، فقال: صدق أخي.
فقوله: أدخلوا الناس، هو يعرف الناس الموجودين كلهم؟
المقدم : أبدًا.
هو يحتضر في بيته، حضرته الوفاة.
المقدم: يختلفون.
والناس الذين حضروا وفاته يريدون.. جاءوا لحضور وفاته، لا يحيط بهم، فيهم من يستحق الإخبار، وفيهم من لا يستحق، فهذا لا شك أنه يرد على الإشكال.. التوجيه السابق، إلا أن فيه انقطاعًا، تعقب هذا الجواب بما أخرجه أحمد من وجه آخر فيه انقطاع عن معاذ أنه لما حضرته الوفاة قال: أدخلوا عليَّ الناس فادخلوا عليه فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من مات لا يشرك بالله شيئًا جعله الله في الجنة» وما كنت أحدثكموه إلا عند الموت، وشاهدي على ذلك أبو الدرداء، فقال: صدق أخي، وما كان يحدثكم به إلا عند الموت. وقد وقع لأبي أيوب مثل ذلك، ففي المسند من طريق أبي ظبيان أن أبا أيوب غزى الروم فمرض، فلما حضر قال: سأحدثكم حديثًا سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لولا حالي هذه ما حدثتكموه، سمعته يقول: «من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة»، وإذا عورض هذا الجواب فأجيب عن أصل الإشكال بأن معاذًا، وإذا عورض هذا الجواب، فأجيب عن أصل الإشكال بأن معاذًا اطلع على أنه لم يكن المقصود من المنع التحريم، بدليل أن النبي –صلى الله عليه وسلم– أمر أبا هريرة أن يبشر بذلك الناس فلقيه عمر –رضي الله عنه- فدفعه فقال: ارجع يا أبو هريرة ودخل على إثره فقال: يا رسول الله لا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس فخلهم يعملون، فقال: «فخلهم» أخرجه مسلم، فكأن قوله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ، «أخاف أن يتكلوا» كان بعد قصة أبي هريرة، كان بعد قصة أبي هريرة، فكان النهي للمصلحة، لا للتحريم فلذلك أخبر به معاذ لعموم الآيتين بالتبليغ، والله أعلم.
المقدم: شيخ أحسن الله إليك، بعض المعاصرين يتحدث عن مثل هذه القضية ويقول أن النبي – صلى الله عليه وسلم– أوتي جوامع الكلم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- إن كان ما تقولون يخشى من الإشكال في الفهم، كان الأولى أن تضاف بعض الكلمات في لفظ الحديث تزيل هذا الإشكال، فما تتحدثون عنه أنتم من وجود إشكال في فهم الناس هذا غير صحيح؛ لأنه كان من الأولى مثلًا إذا كان قولكم هو الصحيح، ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه ويعمل بمقتضاها، فانتهى هذا الإشكال، فإما أن نقول كما يزعمون هم، يقولون: إما أن نقول بأن هذا اللفظ أراد منه النبي -صلى الله عليه وسلم- ظاهره الحقيقي، وبالتالي ما تريدونه أنتم غير صحيح في مسألة أن الظاهر غير مراد، وهذا يتحدث به من يسمون أنفسهم بالمفكرين الإسلاميين الآن، وأحدهم قبل أيام في قناة فضائية يتحدث عن مثل هذه القضية بكل صراحة يقول: كيف نجد مبررًا لمن أوتي جوامع الكلم –صلى الله عليه وسلم– وفي أمة تعرف اللغة العربية، ثم يخاف أن يتكلوا ويستشكلوا؟
نقول: إن هذا إنما أوتي من قصور فهمه، واقتصاره على بعض النصوص دون بعض، ولو جمع النصوص الواردة في الباب لاضطر أن يقول مثل هذا، والنبي –عليه الصلاة والسلام- بيّن وبلّغ البلاغ المبين، وما ترك لأحد عذرًا، وكونه يترك البيان في مثل هذه المناسبة؛ ليتبين ميزة أهل العلم، ميزة الراسخين في العلم وإلا ففي البخاري في كتاب الرقاق، في كتاب الرقاق قال: «من توضأ نحو وضوئي هذا فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله، وأن محمد رسول الله، ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما، دخل الجنة من أي أبوابها الثمانية».
نعم «ولا تغتروا»، ولا تغتروا بهذا النص وحده، لابد أن يضاف إليه نصوص أخرى؛ لأن الصورة لا بد أن تكون مكتملة، لابد أن تكون الصورة مكتملة، ومثل هذا البيان في موضع وعدم البيان في موضع؛ ليضم هذا إلى هذا، وإلا كان الناس كلهم علماء، لو جاءت النصوص كلها بمنزلة واحدة من البيان، وما احتجنا إلى تعب وعناء في تحصيل العلم، وفي توجيه الروايات، وفي الجمع بين النصوص التي ظاهرها التعارض، صار الناس كلهم علماء، والعلم لا شك أنه بعيد المنال، ومثل هذه الأمور التي تطرح الآن، ما طرحت خلال أربعة عشر قرنًا؛ لأن الناس يدركون أن العلم متين لابد أن يضم بعضه إلى بعض، والنصوص فيها شيء من الإشكال الذي يبدو في ظاهر الأمر؛ ليتميز الراسخ من علمه، ليتميز العالم من الجاهل، ليتميز الصادق من المغرض.
وإلا لماذا كان في القرآن آيات متشابهات؟
المقدم: صحيح.
لماذا وجد في القرآن آيات متشابهات؟ هل القصد منها أن يضل الناس؟ لا، ليس القصد منها أن يضل الناس؛ لتتميز منازل العلماء، ويدرك بعضهم ما لا يدرك البعض، والأمة بكاملها متكاملة، ولـ {يَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42]، و{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42] أما الذين في قلوبهم زيغ من مثل هؤلاء يتبعون المتشابه، والله –جل وعلا- خلق الخلق؛ لتحقيق العبودية، والإسلام والاستسلام، فلابد أن يضع الإنسان هذا في ذهنه، وإلا كيف يرفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات؟ درجات الجنة، ما هي مثل الدرجات في الدنيا التي لا تزيد عن عشرين، أو ثلاثين سم، بحيث يستطيعها الكبير والصغير، مثل ما في حياة الناس اليوم، درجات مثل ما بين السماء والأرض.
المقدم: السماوات والأرض.
ما معنى درجات؟ وهذه الدرجات تُنال بسهولة يبيّن في كل نص جميع الإشكالات الواردة فيه، ما صار فيه علماء، صار العالم والعامي واحدًا.
المقدم: صحيح.
ومن أمر آخر صار تكليفًا بما لا يطاق.
كيف؟ يعني لو حصل البيان في كل مناسبة؛ لصارت السنَّة لا يحيط بها ديوان.
المقدم: صحيح.
إذا احتجنا إلى بيان في كل مناسبة، قد يقول مثل هذا القائل: لو وجد هذا البيان لماذا لا ينص على فعل فلان وفلان بأعيانهم، الله –جل وعلا- يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] نعم هذا حاصل، والكتاب شامل لكل شيء، لكن ليس بصريح العبارة، شيء يبِين لعموم الناس، شيء يبِين لطلاب العلم، شيء يبِين منه يبين للعلماء، وبقيته لا يبِين إلا للراسخين، ويبقى أن الجميع لن يخرجوا عن قوله -جل وعلا–: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85] فمثل هؤلاء حقيقة لا كلام لهم، إن كانوا يطلبون الحق يطلبوا العلم، ويتبين لهم الحق، ويسألوا أهل العلم، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، وإن كانوا يبحثون عن المتشابه، ويبحثون عما يوجِد الإشكال، ويوجِد أيضًا زعزعة عقائد الناس فأمرهم إلى الله –جل وعلا- وأمثال هؤلاء أيضًا موجود في قديم الزمان وحديثه.
المقدم: صحيح صحيح.
كل طائفة من طوائف المبتدعة تمسكت بالنصوص، الخوارج اعتمدوا على نصوص الكتاب، المرجئة اعتمدوا على نصوص الكتاب والسنَّة وهكذا، لكن يبقى أن من يوفقه الله –جل وعلا- للتوفيق بين هذه النصوص التي ظاهرها التعارض هو الذي يسلم، لا حاجة إلى اجتهاد بعد، نغلق باب الاجتهاد إذا كان كل شيء مبيَّنًا، كل واحد يرجع إلى هذا المكتوب والمدون ويصدر عنه، ولا نحتاج إلى توظيف قضاة ولا مفتين ولا شيء، وصار الناس كلهم بمنزلة واحدة.
المقدم: صحيح.
هذا أمر لا بد من أن ينقدح في ذهن العالم، وطالب العلم، وأن هذه الأمور التي جاءت في ظاهرها التعارض إنما هي من رحمة الله -جل وعلا- لهذه الأمة، وليمتاز العالم من الجاهل، يمتاز الراسخ من المتعلم.
المقدم: ولهذا يا شيخ، بحمد الله، خصصت الإذاعة مجموعة من البرامج للرد على هذا وأمثاله.
في معرض كلامه، عن مثل هذا الموضع تكلم عن ثلاث قضايا يهمنا قضية واحدة منها، وهي قوله بنفي جميع التفاسير الموجودة منذ عهد ابن عباس –رضي الله عنه– إلى هذا الزمان؛ لأنه يقول: إنما هي تفاسير وقتية لعقول أصحابها، وبالتالي ينبغي أن يكون الاستدلال مباشرة من الكتاب والسنَّة، ويستدل بهذه القضية أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أوتي جوامع الكلم: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] فيؤخذ منهما دون الرجوع إلى العلماء ولا حتى إلى المفسرين.
لكن من القرآن ما يُفهم من لغة العرب، ومنها ما يؤخذ من مشكاة النبوة، ومنها ما يؤخذ من سلف هذه الأمة الذين عاصروا النبي –عليه الصلاة والسلام- وعايشوه؛ لأن بعض الأمور لا ينص عليها صراحة.
المقدم: صحيح.
لكن يفسر ابن عباس بناءً على ما لحظه من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام–، أو بعض تصرفات النبي– عليه الصلاة والسلام-، الصحابة رأوا النبي وهو يتلو الآية، وقد يكون في حاله أثناء التلاوة ما يشير إلى معناها؛ فتفسيرهم أنه لا شك مقدم على تفسير غيرهم.
المقدم: رضي الله عنهم.
والمعول على تفسيرهم وعلى تفسير من أخذ عنهم، ولا يمكن أن نستقل في التفسير بدونهم، نعـم قد يفتح الله على شخص يلحظ ملحظًا في آية تستجد نازلة، فيخرجها على ما تقدم من تفاسير السلف، لا مانع، أما أن يستقل استقلالًا كاملًا بجميع القرآن هذا لا يمكن، لا يمكن، لاسيما وأن الفِطَر لا شك أنها تلوثت، ودخلت واختلط الناس بغيرهم، واللغة اختلط الناس بغيرهم في كلامهم وفي تصرفاتهم، فصار لهم أثر شاءوا أم أبوا، فلابد من مـلاحظة هذا الأثر والرجـوع إلى المعـدن الصافي من مشكاة النبوة، وممن أخذ عن النبي –عليه الصلاة والسلام-.
المقدم: صلى الله وسلم عليه.
أما الاستقلال فلا يتصور، ولا يعني هذا أننا نغلق باب الاجتهاد على من جاء، جاء في الحديث الصحيح «رب مبلغ أوعى من سامع»، يعني شخص هضم التفسير، تفسير السلف، ثم انقدح في ذهنه شيء يناسب هذه الحادثة، يعني هذا يأوي إلى علم، يأوي إلى علم، صار عنده تصور لنصوص الكتاب والسنَّة، صار عنده أيضًا معرفة بقواعد الشريعة ومقاصدها، فمثل هذا له أن يستنبط، وله أن يجتهد، وله أن يستدل على النوازل، أما شخص لا في العير ولا في النفير، لا يعرف أحكام الطهارة، ثم يقول: أنا أستنبط من الكتاب والسنَّة، هذا ضياع، لاشك أن هذا ضياع، يعني أيضًا من خلال كل.. وتدرك هذه الأمور بدقة مع الرسوخ، تبين مثل الشمس، ثم بعد ذلك تخبو هذه القضية شيئًا فشيئًا، فشيئًا، فشيئًا إلى أن تظلم في وجه أمثال هؤلاء ما يدركون منها شيئًا.
المقدم: الله المستعان.
والله المستعان، نعود إلى شرح الحديث في شرح الكرماني، في شرح الكرماني يقول: فإن قلت: وأخبر في نهاية الحديث «وأخبر بها.
المقدم: معاذ عند موته تأثمًا».
معاذ عند موته تأثمًا» يقول: فإن قلت: وأخبر إلى آخره مدرج في الحديث، فمن المدرِج؟ أولاً ما الإدراج؟
المقدم: يعني الكلام الذي ليس للصحابي الراوي.
المقصود أن الكلام لا يكون كلامًا ملحقًا بالسابق وليس منه.
المقدم: وليس من كلام الراوي.
ليس من كلام..، قد يكون من كلام الصحابي، قد يكون من كلام من بعده، إنما لا يكون من كلام النبوة، ولا من كلام من حصلت له القصة.
المقدم: يكون من كلام الصحابي إذا أدرج على النبي - صلى الله عليه وسلم- نعم، ويكون من كلام غيره إذا أدرج على كلامه؟
إنما هو كلام من تأخر عن صاحب القصة، فمن المدرج؟ يقول الكرماني: قلت: أنس، أنس هو الذي قال إن معاذًا قال هذا عند موته، فإن قلت: هذا الحديث هل هو من مسانيد أنس أم من مسانيد معاذ؟ يعني هل أنس يروي القصة؟
المقدم: نعم.
يروي قصة حصلت وشاهدها أو يروي القصة عن صاحبها؟ يعني هل أنس ينقل قصة المحاورة بين معاذ والنبي –عليه الصلاة والسلام-؟
المقدم: باعتباره حضرها.
نعم أو يروي القصة عن معاذ أنه حصل له هذا؟
المقدم: إن كان يرويها عن معاذ، فمعنى هذا أن معاذًا أخبر بها قبل موته بوقت.
نعم وتكون حينئذٍ من مسند معاذ، لكن إذا كان أنس يروي القصة، عمن حصلت له مع النبي –صلى الله عليه وسلم-، فتكون من؟
المقدم: مسند أنس.
مسند أنس، يقول: فإن قلت: هذا الحديث هل هو من مسانيد أنس أم من مسانيد معاذ؟ قلت: هذا السياق دل على أنه من مسندات أنس، نعم لو كان المراد من أخبر بها معاذ، أنه أخبر بها أنسًا، ويروي ذلك أنس عن إخباره، فيصير حينئذٍ من مسند معاذ، واعلم أنه جوابًا عن سؤال مقدر كأن قائلًا قال: لما خالف معاذ قول النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبر به الناس، فأجاب لأنه احترز عن إثم كتمان العلم، فأجاب لأنه احترز عن إثم كتمان العلم، فإن قلت: هب أنه تأثم من الكتمان، فكيف لا يتأثم من مخالفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم–.
المقدم: صلى الله عليه وسلم.
بالتبشير؟ ما أوردنا مثل هذا في السابق.
المقدم: بلى قلنا: إن معاذًا رجح.
إن معاذًا رجح نعم، فهم التنزيل من النهي، وإثم الكتمان حاصل إذا يبلغ، قلت -يقول الكرماني-: قلت: كان ذلك مقيدًا بالاتكال، فإذا زال القيد زال المقيد، كما تقدم في كلام ابن حجر، علم معاذ أن النهي عن الإخبار لئلا يعتمدوا عليه، ويتركوا العمل، والقوم يومئذ كانوا حديثي عهد بالإسلام، فلما استقاموا وثبتوا صاروا حريصين على العبادة، حيث علموا أن عبادة الله تزيد تقربًا إليه، أخبرهم به أو علم أنه –صلى الله عليه وسلم– لم ينهه عن الإخبار نهي تحريم، أو نقول: روى ذلك بعد ورود الأمر بالتبليغ، روى ذلك بعد ورود الأمر بالتبليغ، والوعيد على الكتمان والنهي كان قبل ذلك، أو لعل المنع ما كان إلا من العوام؛ لأنه من الأسرار، أو لعل المنع ما كان إلا من العوام؛ لأنه من الأسرار الإلهية التي لا يجوز كشفها إلا للخواص؛ خوفًا من أن يسمع ذلك من لا علم له فيتكل عليه، ولهذا لم يخبر النبي –صلى الله عليه وسلم– به إلا من أمن عليه الاتكال.
المقدم: الأسرار الإلهية، هذا كلام من يا شيخ.
كلام الكرماني، يعني مثل ما جاء فيه عن كلام عليّ -رضي الله عنه- والقدر سر نعم، القدر سر، يعني لو أن الإنسان يشرح مسائل القضاء والقدر على عامة الناس في المساجد... لا، ليس له ذلك، فمثل هذا لا يليق إلا بطلاب العلم، وطلاب العلم أيضًا ينبغي ألا يستغرقوا في مثل هذا الباب، إنما بقدر ما يحل لهم الإشكال.
المقدم: نعم.
يقول: أو لعل المنع ما كان إلا من العوام؛ لأنه من الأسرار الإلهية التي لا يجوز كشفها إلا للخواص خوفًا من أن يسمع ذلك من لا علم له فيتكل، ولهذا لم يخبر النبي –صلى الله عليه وسلم– به إلا من أمن عليه الاتكال من أهل المعرفة، وسلك معاذ أيضًا هذا المسلك، حيث أخبر به من الخاص من رآه أهلًا لذلك، ولا يبعد أيضًا أن يقال: نداءات الرسول -صلى الله عليه وسلم- معاذًا ثلاث مرات كان للتوقف في إفشاء هذا السر عليه أيضًا، واضح؟
المقدم: واضح نعم يعني كرر عليه من باب التوقف.
النبي –عليه الصلاة والسلام– هذا توقف من النبي، هل يفهم من التكرار ثلاثًا «يا معاذ بن جبل، يا معاذ بن جبل، يا معاذ بن جبل».
المقدم: الحرص والدقة.
هل هذا تردد من النبي –عليه الصلاة والسلام- هل يخبر أو لا يخبر؟
المقدم: لا ما يفهم.
كلام الكرماني قال: هذا يقول ولا يبعد أيضًا أن يقال: نداءات الرسول -صلى الله عليه وسلم– معاذًا ثلاث مرات، كان للتوقف في إفشاء السر عليه، أو لا، أيضًا، لكن هذا بعيد، لكن حينما يودع الإنسان سر، هذا حتى مستعمل عند الناس يا فلان يا فلان يا فلان.
المقدم: يؤكد.
يؤكد عليه؛ لئلا يفشيه فيما بعد، فالسر الذي أودع معاذ، وهو أهل لهذا السر، وحفظه إلى أن زال المحظور على حسب اجتهاده، على حسب ما أداه إلى هذا الاجتهاد، وحسب ما حصل له من الاعتراض في النصوص، رجح عند الحاجة إلى الترجيح، وإن كان التردد من النبي هل يخبر، أو لا يخبر تريث من النبي؟ لا هذا بعيد، لكن التكرار؛ ليبين تكرار النداءات الثلاثة، ليبين أن هذا الأمر ينبغي أن يهتم له ويحتاط له، وليس من التردد من النبي –عليه الصلاة والسلام-، قوله فيما مضى من الأسرار الإلهية، نعم هذا الاصطلاح قد يستعمله بكثرة...
المقدم: بعض المتصوفة.
المتصوفة تستعمله اصطلاح المتصوفة.
المقدم: وأنا سألت لهذا.
فالأسرار توضع في الشيوخ من المعدن، والمريدون يأخذوا من الشيوخ، لا شك أن هذا ضلال، إن كان لهم مصدر غير الكتاب والسنَّة، فهم على ضلال مبين؛ لكن إن كانت هذه الأسرار استنبطوها من القرآن الكريم على طريقة السلف، فما زال القرآن فيه العجائب، وما زال المفسرون من أهل العلم الراسخين يستنبطون ويكتشفون من هذه الأسرار، فإن كان لهم مصدر غير ما جاء عن سلف هذه الأمة فهم على ضلال، وإن كان ما يستنبطون مع الأسف مما يوجد عندهم ما يسمى بالتفسير الإشاري.
المقدم: صحيح.
وهذا الأصل فيه أنه تفسير باطني، جاءنا من الإسماعيلية من الفاطميين العبيديين وغيرهم من طوائف الباطنية من الرافضة وغيرهم، ومع الأسف أن بعض من ينتسب إلى العلم ينقل إلى الآن حتى الألوسي من المآخذ على تفسيره إيداعه فيه التفسير الإشاري، فإن كان هذا هو المقصود فلا.
المقدم: الذهبي -رحمه الله- عندما تكلم في التفسير والمفسرون في كتابه التفسير والمفسرون أشار إلى هذا يا شيخ.
أشار إلى التفسير الإشاري في روح المعاني، وأن هناك تفاسير الباطنية يفسرون العبادات الظاهرة بأمور خفية باطنة.
المقدم: لكنه ما عده من التفسير المقبول، لا لا أبدًا.
تفسير مردود، هذا تفسير مردود لا شك.
المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير.
شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.