شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (183)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلام وبارك على عبدهِ ورسولهِ محمد وآله وصحبهِ أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة اللهِ وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقةٍ جديدة ضمن برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديثِ الجامع الصحيح"، مع بداية حلقتنا يسرُنا أن نُرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخُضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: شيخنا لا زلنا في حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- توقفنا عند قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما منكن من امرأةٍ تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار»، نستكمل ما تبقى من ألفاظ الحديث.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، في الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم- لهؤلاء النسوة والخطاب للأمة، وإن كن السبب، فما يتجه إليهن من هذا الوعد العظيم يتجه إلى غيرهن: «ما منكن امرأةٌ تُقدم ثلاثة من ولدها»، يقول الكرماني: فإن قُلت: الثلاثة مُذكر؛ «تُقدم ثلاثةً من ولدها» يعني عندنا خطاب للنسوة ما منكن، فهل الآباء لهم مثل هذا الوعد؟ أو خاص بالأمهات؟ وأيضًا ثلاثة.
المقدم: ذكر.
«تقدم ثلاثة من ولدها» الثلاثة مُذكر فهل هذا خاص بالذكور أو يشمل الإناث؟ يقول الكرماني: فإن قُلت: الثلاثة مُذكر، فهل يُشترط أن يكون الولد الميت ذكرًا حتى يحصل لها الحجاب؟ قُلت: تذكيره بالنظر إلى لفظ الولد، والولدُ يُطلق على الذكرِ والأنثى، يعني كما في قول الله -جلَّ وعلا-: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، فالذكر والأنثى كلاهما من الولد، والعربي يقول: والله ما هي بنعم الولد هذا من جفائهم؛ يقصد البنت يقول: والله ما هي بنعم الولد.
المقدم: صحيح.
يقول: برها سرقة، ونصرها بكاء؛ كل ما عندها إلا البكاء، وبرها سرقة، يعني تأخذ من مال زوجها، وتُعطي والديها تبرهم بهذا، لكن هذا من تحامل العرب على...
المقدم: الأنثى.
على البنات.
المقدم: لكن جواب السؤال الأول؟
الذي في الحلقة السابقة؟
المقدم: لا الخطاب هل هو خاص بالإناث أم الرجال يا شيخ؟
نعم.
المقدم: هذا «ما منكن» هل الرجال مثلهم؟
أي مثلهم بلا شك ويجي هذا، وفي بعض النسخ ثلاثًا بدون الهاء، قال العيني: فإن صح فمعناه ثلاثُ نسمة، والنسمةُ تُطلق على الذكر والأنثى، لكن ثلاث هل تُميز بمفرد أو بجمع؟
المقدم: ثلاثُ نساء أم ثلاثة؟
لا، نسمة.
المقدم: نعم ثلاثُ نسمة أم ثلاث نسمات؟
هذا الأصل أن الثلاث مميز بالجمع، هذا في لغة العرب، وإن انتقد من قبل بعض الأجانب؛ غير العرب قيامكم على، أو ينتقد اللغة العربية بأن الثلاثة رجال، وثلاثين رجلًا؛ يعني تمييز الثلاثة جمع، وتمييز الجمع الكثير واحد.
المقدم: صحيح يقول: كيف هذا؟
يقول: كيف تقولون ثلاث رجال.
المقدم: وثلاثون رجلًا.
هل يُناسب أو لا يُناسب؟ على كل حال هذه لغة العرب التي لا تختلف في هذا، لكن هذا مما أبداه بعض المنتقدين، ولا يُلتفت إليه. لا يُلتفت إلى مثل هذا؛ لأن اللغةُ إنما هي بالتلقي، ولا تخضع للاجتهاد، ما تخضع للاجتهاد، يقول: ثلاث نسمة، والنسمة تُطلق على الذكر والأنثى. قال الكرماني: فإن قُلت: هل للرجل يعني الأب مثل ما للمرأة أي للأم إذا قدم الولد؟ أو نقول: هذا خاص بالأمهات؛ لعظم مُصابهن بالأولاد مثلًا، ولعظم حقوقهن؟
يقول الكرماني قلت: نعم، للرجل مثل ما للمرأة؛ قُلت: نعم؛ لأن حكم المكلفين على السواء إلا إذا دل دليلٌ على التخصيص، أقول: وهل للجدة مثل الأم والجد مثل الأب؛ لأنهما أبوان؟ شخص مات من أحفاده ثلاثة، وجدة مات من أحفادها أو أسباطها ثلاثة يدخلون أم ما يدخلون؟ الظاهر لا؛ لأن مصيبة الجد والجدة ليست مثل مصيبة الأب والأم.
«إلا كان» يعني التقديم، «لها حجابًا» بنصب خبر كان، وللأصيلي وابن عساكر: حجابٌ.
المقدم: اسم كان.
بالرفع على أن كان تامة أي حصل لها حجابٌ.
المقدم: ليش ما نقول: اسم كان؟
وخبرها؟ تحتاج إلى خبر.
المقدم: الجار والمجرور.
أين؟
المقدم: إلا كان لها حجابٌ من نار.
إلا كان حجابٌ مستقرًّا لها، من التي لها، لا هنا تامة، {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ}[البقرة:280].
المقدم: {فَنَظِرَةٌ} [البقرة:280].
وللبخاري في الجنائز إلا كُن لها؛ أي الأنفس التي تُقدم. وله في الاعتصام إلا كانوا أي الأولاد، والحجابُ السترُ والمانع. في المصباح حجبه حجبًا من باب قتل منعه، ومنه قيل للسترِ: حجاب؛ لأنه يمنع المشاهدة، وقيل للبوابِ: حاجب؛ لأنه يمنع من الدخول، والأصل في الحجاب جسمٌ حائلٌ بين جسدين، وقد استعمل في المعاني فقيل: العجز حجبٌ بين الإنسانِ ومرادهِ، وقد استعمل في المعاني فقيل: العجز حجابٌ بين الإنسان ومراده، والمعصيةُ حجابٌ بين العبد وربه، وجمع الحجاب حُجب مثل: كتاب وكُتب.
«من النار» أي حائلًا بينها وبين النار، «فقالت امرأةٌ» من الحاضرات، وهي أم سُليم، كما عند أحمد والطبراني، أو أم أيمن كما عند الطبراني في الأوسط، أو أم مُبشر كما جاء في الطبراني. المقصود أنه اختلف في تعيين هذه المرأة، «واثنين» فقالت امرأةٌ: «واثنين» أي ومن قدم اثنين هل يأخذ نفس الحكم؟ ولكريمة: واثنتين بزيادة تاء التأنيث، وهو منصوبٌ بالعطف على ثلاثة، الحديث فيه امرأةٌ تُقدم ثلاثةً، واثنين معطوف على ثلاثة، وكأنها فهمت الحصر بالثلاثة، وطمعت في الفضل، فسألت عن حكم الاثنين هل يلتحقا بالثلاثة أو لا؟ ويسمى هذا بالعطف التلقيني.
المقدم: العطف التلقيني.
ونحوه في القرآن {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة:124]، هذا يُسمى عطفًا تلقينيًّا باعتبار أن المتكلم لم يذكرهُ إلا بعد الطلب، يعني مثل في حديث تحريم مكة «لا يعضد شوكها، ولا يقطع شجرها، ولا يختلى خلاها، فقال ابن عباس: إلا الإذخر فقال: إلا الإذخر» هذا استثناء تلقيني، وهذا عطف تلقيني، لكن هل هناك من يؤثر على المُشرع بحيث يجعله يزيد من خلال اقتراح أحد الحاضرين؟ لا. إذًا كيف؟ هذا عطف تلقيني، يقول العيني: دليلٌ على أن حكم الاثنين حكم الثلاثة؛ لاحتمال أنه أُوحي إليه في الحين بأن يُجيب -عليه الصلاة والسلام- بذلك، ولا يمتنعُ أن ينزل الوحي عليه -عليه الصلاة والسلام- بذلك حين السؤال، ولا يمتنع أن ينزل الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طرفة عين، قال النووي: ويجوز أن يكون أُوحي إليه قبله. يجوز أن يكون أُوحي إليه قبله.
المقدم: فأعطاهم الأكثر؟
لكن مثل هذا هل فيه عمل من أجل أن يُقال: يعطون الأكثر ثم يُبلغون بالأقل؛ ليجتهدوا في العمل.
المقدم: لا ما فيه.
هذا ما فيه عمل.
المقدم: لأن التقدم ليس بيدها.
نعم، ولو قيل لها: ضحي بولدك بطوعكِ واختيارك ولكِ الجنة قد تتردد؛ لأن الولد منزلته من النفس معروفة، لكن هذا ليس بيدها، فلا يُقال مثلًا: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لهم الأكثر ليحثهم على العمل، هذا ما فيه عمل، قد يكون الحث على ما يترتب على العمل من صبر، وهذا على كلام النووي جُزء يمكن أن يكون أوحي إليه قبله. وأخرج البخاري من كتاب الرقاق من حديث أبي هريرة ما يدل على أن الواحد كالاثنين، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- يقول تعالى: «ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»، وأي صفي أعظم من الولد؟
قال العيني: قُلت قد جاء في غير الصحيح ما يدل صريحًا على أن الواحد كالاثنين والثلاثة، وهو ما رواه الترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغ الحنث إلا كانوا له حصنًا حصينًا من النار، فقال أبو ذر: قدمت اثنين قال: واثنين، قال أبي بن كعب: قدمت واحدًا قال: وواحد»، قوله في روايةٍ، وفي رواية بعد أن روى الحديث؛ ذكر الحديث قال: وفي رواية عندكم متن؟
المقدم: قال: لم يبلغ الحنث في رواية عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
قال: وفي رواية عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «لم يبلغوا الحنث».
المقدم: ورواية أبي هريرة في الصحيح أيضًا؟
في الصحيح نعم بعد هذا، بعد حديث أبي سعيد بعد حديث الباب، قال البخاري: وعن أبي عبد الرحمن الأصفهاني قال: سمعت أبا حازم عن أبي هريرة قال: «ثلاثة لم يبلغوا الحنث» بهذا القيد؛ لأن لفظ الحديث الأصلي: «ما منكن امرأة تُقدم ثلاثة من ولدها»؛ يعني سواء كانوا كبارًا أو صغارًا سواء كانوا مكلفين أو غير مكلفين، لكن حديث أبي هريرة فيه قيد.
المقدم: لم يبغلوا الحنث.
لم يبلغوا الحنث.
المقدم: وحديث أبي هريرة ساقه البخاري كاملًا أم فقط هذه الرواية؟
البخاري اختصره هنا.
المقدم: البخاري وليس المختصر.
أنت عندك اختصار شديد في المختصر، والبخاري قال: وعن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت أبا حازم عن أبي هريرة قال: «ثلاثة لم يبلغوا الحنث».
المقدم: إذًا ساق البخاري فقط هذه اللفظة.
ساقه هنا من أجل لم يبلغوا الحنث.
المقدم: وفي موضع آخر ساقه عن أبي هريرة.
نعم، حديث أبي هريرة.
المقدم: لكن الملاحظ.
ساقه في كتاب الجنائز.
المقدم: الملاحظ هنا ترد أو لا ترد قد تكون تعجلت أنه لم يرد لفظ في هذا الحديث يشترط الصبر والاحتساب، الاسترجاع كما ورد في أحاديث أخرى هل يُحمل هذا على..؟
أكثر أهل العلم أن الأجر مرتب على الصبر.
المقدم: يعني يُحمل على الأحاديث الأخرى.
على الأحاديث الأخرى. ابن حجر -رحمه الله- في مواضع كثيرة عن المصائب يقول: الأجر يُرتب على المصيبة؛ بمجرد المصيبة وأجر الصبر والاحتساب قدر زائد على أجر المصيبة.
المقدم: الله أكبر.
فعلى هذا {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155] يدخل فيه كل من أُصيب إذا صبر واحتسب، لكن أجر المصيبة وأنها مكفرة للذنوب حتى الشوكة، هذا ولو لم يصبر عندهم، لكن عامة أهل العلم على خلافه.
المقدم: لأنه لماذا ما نقول يا شيخ: رتب فضائل أخرى أو أجورًا أخرى في أحاديث أخرى على المزية الزائدة عن الصبر، مثل من مات له ولد فبعث الله ملائكته: ماذا قال عبدي؟ قال: حمدك واسترجع، ابنوا له بيتًا في الجنة، وسموه بيت الحمد، هذا أجر زائد نتيجة الصبر الزائد والاسترجاع عند المصيبة، ما يقول هذا يا شيخ أنه أجر زائد، عطاء زائد؟
ابن حجر استدل بمثل هذا، لكن ماذا عمن جزع وتسخط؟ يقول: إذا كان الأجر مرتبًا على أصل المصيبة، وأجر الصبر قدر زائد على ذلك، ولا شك أن فضل الله -جلَّ وعلا- لا يُحد، وهو اللائق بجوده وكرمه، لكن ماذا عمن جزع؟
المقدم: هنا الإشكال.
وقد جاء في الخبر: من رضي..
المقدم: فله الرضا.
ومن سخط..
المقدم: فعليه السخط.
المقصود أن هذا يحتاج إلى عناية، وعامة أهل العلم، جمهور أهل العلم على أن الأمر مربوط بالصبر، في البخاري قال: وعن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت أبا حازم عن أبي هريرة قال: «ثلاثة لكم يبلغوا الحنث» وفي رواية أبي ذر عن أبي هريرة وقال: «ثلاثة لم يبلغوا الحنث»، قال ابن حجر: حديث أبي هريرة مرفوع، وإن كانت صورته صورة الموقوف، إذ لم يصرح بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، والواو في قوله: «وقال» للعطف على محذوفٍ تقديرهُ مثله؛ أي مثل حديث أبي سعيد، والواو في قوله: وعن أبي عبد الرحمن للعطف على قوله أولًا عن عبد الرحمن، والحاصل أن شعبة يرويه عن عبد الرحمن بإسنادين فهو موصول، ووهم من زعم أنه مُعلق.
يقول الحافظ: ووهم من زعم أنه معلق، والذي زعم أنه معلق هو الكرماني قال: وهذا تعليقٌ من البخاري عن عبد الرحمن.
وقوله: «لم يبلغوا الحنث» أي الإثم. والمعنى أنهم ماتوا قبل أن يبلغوا؛ لأن الإثم إنما يُكتب بعد البلوغ، قال ابن حجر: وكأن السر فيه أنه لا يُنسب إليهم إذ ذاك عقوق، فيكون الحزن عليهم أشد. وقال العيني: فإن قلت: لم خصَّ الحكم بالذين لم يبلغوا الحنث وهم الصغار؟ قلت: لأن قلب الوالدين على الصغير أرحم وأشفق دون الكبير؛ لأن الغالب على الكبير عدم السلامة من مُخالفة والديه وعقوقهما، وأمرٌ آخر وهو أن الصغير بين يدي والديه في كل وقت، والكبير قد ينشغل عن الوالدين بأعماله وأولاده، على أن مصيبة كثيرٍ من الناس في الكبار الذين بدأ نفعهم أعظم من الصغار الذين يُرجى نفعهم، فإما أن يُقال: إن الكبار أمرهم ثوابهم أعظم ويكون من باب قياس الأولى، أو يقتصر على ما جاء في النص، وأولئك لهم ثواب لا يعلمه إلا الله -جلَّ وعلا-.
المقدم: لكن ما يخصهم نصوص أخرى، الكبار يا شيخ؟
الكبار مصيبة.
المقدم: لكن تخصهم مثل حديث حمدني واسترجع.
كلها في عموم المصائب، يشملها عموم المصائب، هنا كلام لبعض المبتدعة؛ هنا كلام لبعض المبتدعة ممن كتب في متشابه القرآن أو المتشابه من القرآن ذكر كلامًا غريبًا يقول: لو كُشف الغطاء عن الإنسان لعلم أن ليس في الدنيا مصيبة؛ لعلم أنه ليس في الدنيا مصيبة حتى الموت. والله -جلَّ وعلا- يقول: {مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة:106] فهو مصيبة على كل حال، فكونه مصيبة ثابت.
المقدم: لكن نحن ننقل كلام هذا، ليس إقرارًا.
نعم، ولو كُشف الغطاء عن الإنسان لعلم أن ليس في الدنيا مصيبة حتى الموت يقول: وإليك مثلًا في ذلك؛ إن أعز الأشياء على الإنسان في الدنيا ابنه الصغير، إذا كان عمره بضع سنوات؛ لأنه يأنس به ويُلاعبهُ، فإذا مات هذا الولد فموته أكبر مُصيبةٍ على والديه، وفي ذلك قيل: موت الولدِ صدعٌ في الكبد لا ينجبر آخر الأبد، فلو كُشف الغطاء عن والده، وعلم علم اليقين لرأى أن موت ابنه الصغير نعمة من الله عليه، وليست مُصيبة، ولعلك أنكرت علي أيها القارئ الكريم قولي هذا؛ لا شك أنهُ مُنكر، هو مصيبة بالنصوص مصيبة، وليت الكاتب ذهب إلى أن الأجر المرتب عليه أعظم من وجوده، نعم إذا وازنا بين المصالح والمفاسد رأينا أن هذا مكسب، لا ما ذهب إليه هذا، ذهب إلى شيء غريبٍ جدًا يقول: ولعلك أنكرت علي أيها القارئ الكريم قولي هذا فتقول: كيف يكون موت الولد نعمة؟ أقول لك: إن الإنسان لا يموت. كيف لا يموت؟ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ..}.
المقدم: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} [آل عمران:144].
أقول لك الإنسان لا يموت، بل ينتقل بموته من عالم مادي إلى عالم أثيري؛ منافٍ للقطعيات، وأرواح الأطفالِ لا تكبر، بل تبقى على ما كانت عليه حين موتها، فالإنسان لا يتناسل في عالم الأثير كذا يقول، ولا يكون له أولاد إلا من مات وهو وطفل صغير، فإذا مات أبوه وجد ابنه هناك فيفرح به، ويبقى الولد عند أبويه يأنسان به ويلاعبنه في عالم الأثير، فحينئذٍ يعلمان علم اليقين بأن موت ابنهما وهو طفلٌ صغير كان نعمة من الله عليهما، إذ لو لم يمت لكان لهما طفلٌ في عالم الأثير يأنسان به؛ تكرار! فحينئذٍ يشكران الله على موت ابنهما في سن الطفولة.
المقدم: يلاعبونه يعني في الجنة؛ لأنه ما فيه أحد؛ ما في أطفال يلاعبهم الناس.
يعني الكبير الذي مات وهو كبير، في الجنة يُبعث كبيرًا وله أولاده وأسرته ينشغل بهم وينشغلون به، وهذا الطفل الصغير تجده، هذا كلامه.
المقدم: كلامه غريب.
فيه غرابة. على كل حال عليه مؤاخذات أولًا: مسألة عدم الموت هذه، وكون الموت أيضًا ليس بمصيبة عنده والنصوص تثبت أنه مصيبة أيضًا هذا مما يُلاحظ عليه.
قال ابن بطال: فيه سؤال النساء عن أمر دينهن، مع الأسف أنه يكثر السؤال الآن من بعض النساء أنها تقول: إنه حصل لي قبل ثلاثين سنة! أين هذه منذ ثلاثين عامًا وقد وجب عليها صيام أو كفارة أو شيء من هذا، هذا تفريط. ولو ماتت مثلًا، المقصود أن نساء المسلمين؛ الصحابيات منهن في عهده -عليه الصلاة والسلام- عندهن من الحرص على إبراء الذمة شيءٌ يرد فيه مثل هذا، فيه سؤال النساء عن أمر دينهن، وجواز كلامهن مع الرجال في ذلك فيما لهن الحاجة إليه؛ لكن ينبغي أن يُشترط أن لا يخضعن بالقول، وأن تؤمن الفتنة، كل هذا لا بُد منه، وقد أُخذ العلم عن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن غيرهن من نساء السلف، لكن لا بد أن يكون من وراء حجاب، فالرواية لا بُد أن تكون من وراء حجاب، وقد جاء في أمهات المؤمنين {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53]
وقال المهلب وغيره: فيه دليلٌ على أن أولاد المسلمين في الجنة؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- إذا أدخل الآباء بفضل رحمتهم للأبناء فالأبناءُ أولى بالرحمة؛ يعني إذا كان الآباء يدخلون الجنة من أجل الأولاد إذًا الأولاد من باب أولى، رأيت المنزع كيف الاستدلال وهو قول الجمهور وتوقف بعضهم. ابن القيم في طريق الهجرتين يقول: وأما أطفال المسلمين فقال الإمام أحمد: لا يختلف فيهم أحد؛ يعني أنهم في الجنة. وحكى ابن عبد البر عن جماعة أنهم توقفوا فيهم، وأن جميع الولدان تحت المشيئة.
المقدم: هذا ابن عبد البر الذي يقوله.
حكى ابن عبد البر عن جماعة أنهم توقفوا، وهذا الكلام كله لابن القيم.
المقدم: والإمام أحمد يحكي الإجماع.
يقول: لا يختلف فيهم أحد أنهم في الجنة، وحكى ابن عبد البر عن جماعة أنهم توقفوا فيهم، وأن جميع الولدان تحت المشيئة. قال: ذهب إلى هذا القول جماعةٌ كثيرة من أهل الفقه والحديث منهم حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وابن المبارك، وإسحاق بن راهويه قال: وهو شبه ما رسم مالكٌ في موطئه في أبواب القدر، قال: وهو شبه ما رسم مالكٌ في موطئه في أبواب القدر، وما أورده من الأحاديث في ذلك. وعلى ذلك أكثر أصحابهِ، وليس عن مالك فيه شيءٌ منصوص إلا أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا إلى أن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال المشركين خاصةً في المشيئة، قال ابن التين تبعًا لعياض: هذا يدل على أن مفهوم العدد ليس بحجة لماذا؟ لأن الصحابية وهي من أهل اللسان تفهم، سمعت ثلاثة فقالت: واثنين. لو كان حجة عندها عرفت أن اثنين لا يدخل في الكلام.
المقدم: صحيح.
يقول: لأن الصحايية من أهل اللسان ولم تعتبره، إذ لو اعتبرته لانتفى الحكم عندها عما عدا الثلاثة، لكنها جوزت ذلك فسألته كذا قال، قال ابن حجر: والظاهر أنها اعتبرت مفهوم العدد، عكس ما يقوله ابن التين وعياض؛ الظاهر أنها اعتبرت مفهوم العدد، إذ لو لم تعتبره لم تسأل، لو ما اعتبرت مفهوم العدد الثلاثة قالت ما الفرق بين الاثنين والثلاثة؟ لكنها اعتبرت مفهوم العدد، والتحقيق أن دلالة مفهوم العدد ليست يقينية، وإنما هي محتملة، ومن ثم وقع السؤال عن ذلك، مفهوم العدد لا شك أنه مُعتبر، فمن اعترف بمبلغ معناه أنه ينفي ما فوقه ويثبته وما تحته، لكن إذا عُورض هذا المفهوم بمنطوق أقوى منه أُلغي المفهوم كغير العدد، {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ} [التوبة:80]، مفهوم له أم لا مفهوم له؟ لا مفهوم له، لو أنه استغفر لهم سبعين يُغفر لهم؟ ما يُغفر لهم، فألغي؛ لأنه معارض المنطوق {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فمفهوم العدد معتبر، ولكن إذا عورض بمنطوق أقوى منه يُقدم عليه، إذًا كيف اعتبرت مفهوم العدد وسألت؟ يعني رجاء أن يتناول الأجر ما دون ذلك، هي في وقت تشريع وطلب ورجاء من الله -جلَّ وعلا- فلعله أن يشمل ما دون ذلك هذا العدد؛ يعني الاثنين والواحد أيضًا، فهي ترجو من الله -جلَّ وعلا- أن يسري الحكم على ما دون ذلك.
قُلت: وموت الأربعة فما فوق من باب قياس الأولى؛ لأن من مات له أربعة أو خمسة صدق عليه أنه مات له ثلاثة.
أحسن الله إليكم، لعلنا نتوقف عند هذا الحد، على أن نستكمل بإذن الله ما تبقى.
وما بقي إلا أطراف الحديث.
المقدم: نعم، يعني انتهينا من الألفاظ.
نعم.
المقدم: إذًا نأخذ أطراف الحديث بإذن الله في حلقة قادمة، ثم نستكمل مع الإخوة والأخوات.
أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام الحلقة، شكرًا لطيب متابعتكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.