شرح نخبة الفكر (04)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
الحسن لذاته:
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: فإن خف الضبط: فالحسن لذاته، وبكثرة طرقه يصحح، فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد، وإلا فباعتبار إسنادين".
يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن خف الضبط فالحسن لذاته"، المراد إذا خف الضبط يعين قل الضبط المشترط للصحيح لذاته الذي سبق وهو تمامه مع بقية الشروط مع توافر بقية الشروط، قلنا: إن المشترط لصحة الحديث: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، نشترط للحسن لذاته: عدالة الرواة، الضبط -لا نقول: تمام الضبط- يخف قليلاً، اتصال الإسناد، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، إذا خف الضبط ولم يصل إلى حد يكون فيه الراوي سيء الحفظ ولا كثير الغلط، فإنه ينزل حديثه من درجة الصحيح إلى درجة الحسن لذاته، فالحسن لذاته ما اتصل إسناده بنقل عدل خف ضبطه، غير معل ولا شاذ، ما اتصل إسناده بنقل عدل خف ضبطه غير معل ولا شاذ، هذا ما اختاره الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، وتبعه جمع ممن جاء بعده.
عرفه الخطابي بقوله: "ما عرف مخرجه واشتهر رجاله"، فلم يشترط انتفاء الشذوذ، ولا انتفاء العلة، وفيه مناقشات طويلة حول تعريف الخطابي، وأجوبة لا يتسع المقام لبسطها.
الترمذي عرف الحسن بقوله: "كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا،ً ويرى من غير وجه نحو ذاك"، فاشترط لتسمية الحديث حسناً ثلاثة شروط، لكنه لم يشترط اتصال السند، فيدخل فيه المنقطع بكافة أنواعه، ولم يشترط انتفاء العلة القادحة، فيدخل فيه المعل.
ابن الجوزي عرف الحسن بقوله: "الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل"، هناك مناقشات طويلة حول هذا التعريف حتى قال السخاوي: إنه ليس على طريقة التعاريف، ما فيه ضعف قريب محتمل، هذا ليس على طريقة التعاريف يعني التي من شرطها أن تكون جامعة مانعة، لا شك أن الحسن لكونه مرتبة متوسطة مترددة بين الصحة والضعف صعب الحد، تعريفه فيه صعوبة، حتى حكم جمع من أهل العلم أنه ميئوس من تعريفه، لماذا؟ لأنه مرتبة متوسطة، السقف معروف، والأرض معروفة، لكن الهواء الذي بينهما؟ إما أن يطلع حتى يقرب من السقف، أو ينزل نزولاً شديداً حتى يقرب من الأرض، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
والحسن المعروف مخرجاً وقد |
| اشتهرت رجاله بذاك حد |
كل هذه التعاريف ما حصل بها الحد.
وقيل: ما ضعف قريب محتمل |
| فيه وما بكل ذا حد حصل |
فأقرب التعاريف هو تعريف الحافظ الذي ذكره هنا، "بكثرة طرقه يصحح" الحسن لذاته إذا جاء من أكثر من طريق كل منها حسن بذاته فإنه يصل إلى درجة الصحيح لغيره، فالصحيح لغيره هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، يقول ابن حجر: "لأن للصورة المجموعة قوة تجبر القدر الذي قصر به ضبط راوي الحسن عن راوي الصحيح، عرفنا أن راوي الصحيح في الدرجة العليا من الضبط، وراوي الحسن أقل منه، فإذا جاء من يعضده ممن هو على مستواه نعم، في درجته في الحفظ الذي هو أقل من حفظ راوي الصحيح يجبر بعضهم بعضاً، وينجبر هذا بذاك، ومن ثم تطرق الصحة على الإسناد الذي يكون حسناً لذاته لو تفرد إذا تعدد، يعني إذا تعدد يكون الحديث صحيحاً، وإن لم يكن صحيحاً لذاته بل هو صحيح لغيره، ومثلوا له بحديث محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) رواه الترمذي، وقال: صحيح لأنه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولذا يقول الحافظ العراقي:
والحسن المشهور بالعدالة |
| والصدق راويه إذا أتى له |
ارتقى إلى درجة الصحيح لأن محمد بن عمرو بن علقمة توبع وهو في حفظه شيء، عدل لكن في حفظه شيء ينزل حديثه من درجة الصحيح إلى درجة الحسن.
"فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد وإلا فباعتبار إسنادين" إن جمع الحكم بالصحة والحسن على حديث واحد، يعني إذا قيل: هذا حديث حسن صحيح، هل يمكن أن يقال: هذا حديث حسن صحيح؟ نعم؟ نعم، قال الترمذي كثيراً: "هذا حديث حسن صحيح"، هذا فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ ما في إشكال؟ استشكل الجمع بين الصحة والحسن، لا شك أنه مشكل، لماذا مشكل؟ لأنك إذا قلت: هذا حديث حسن حكمت عليه بالدرجة الدنيا، وإذا قلت: صحيح حكمت عليه بأنه بالدرجة العليا، فكونك تجمع بين حكمين مختلفين على شيء واحد هذا لا شك أنه مشكل، يعني لما تنجح في الاختبار ما يقال لك: إيش تقديرك؟ تقول: جيد جداً ممتاز، صحيح وإلا لا؟ تقديرك جيد جداً ممتاز، جيد جداً يعني حسن، ممتاز يعني صحيح، فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ فيه إشكال؛ لأنك إذا حكمت عليه بالصحة حكمت بأنه بلغ الدرجة العليا، وإذا قلت: حسن أنزلته عن هذه الدرجة، لا شك أنه مشكل، والإشكال مع اتحاد الجهة، لكن إذا انفكت الجهة انتهى الإشكال، إيش معنى هذا الكلام؟ خلونا في مثالنا العادي إذا قيل: ما تقديرك؟ تقول: جيد جداً ممتاز، إيش جيد جداً ممتاز؟ تقول له: التقدير العام جيد جداً وفي التخصص ممتاز، نقول: كلامك صحيح، مثله إذا قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح" إن كان مروي من طرق فهو من طريق صحيح ومن طريق حسن، هذا ما فيه إشكال، ولذا يقول الحافظ: "فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد، وإلا فباعتبار إسنادين"، فباعتبار إسنادين واحد صحيح وواحد حسن، طيب، إذا قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، هل نقول: إنه صحيح من طريق حسن من طريق آخر وهو ما له إلا طريق واحد؟ يأتي الاحتمال الأول للتردد في الناقل، يعني الذي حكم على الحديث متردد ما جزم، شاك في الراوي هل يبلغ درجة الصحيح في الضبط والحفظ والإتقان أو ينزل عنها فيكون مما خف ضبطه متردد في الخبر، متردد في حكمه على الحديث تبعاً لتردده في الحكم على ناقله.
على الاحتمال الأول أنه حسن باعتبار طريق صحيح باعتبار طريق آخر هل هو أقوى أو إذا قيل: صحيح فقط؟ أيهما أقوى؟ إذا قيل: حسن صحيح والحديث مروي من طرق بعضها صحيح وبعضها حسن هل هو أفضل وإلا إذا جزمنا وقلنا: حديث صحيح؟ إذا ترددنا، إذا قلنا: حسن صحيح؛ لأنه صحيح من طرق، وحسن من طرق أخرى، يعني هل يضيره أن يكون حسن بعد كونه صحيح؟ أما إذا كان الجمع بين الحكمين التردد هل بلغ أو ما بلغ؟ لا شك أن الصحيح المجزوم به أقوى من المتردد فيه، فإذا جمع وصف الصحة مع وصف الحسن في حديث واحد كقول الترمذي كثيراً هذا حديث حسن صحيح فلا يخلو من حالين:
أن يروى الحديث بإسناد واحد فإطلاق الوصفين ناشئ عن التردد الحاصل من المجتهد في راويه الناقل له، هل اجتمعت فيه شروط الصحة أو قصر عنها؟ وعلى هذا فما قيل فيه: حسن صحيح دون ما قيل فيه: صحيح فقط؛ لأن الجزم أقوى من التردد.
الثانية: أن يروى بأكثر من إسناد فإطلاق الوصفين معاً على الحديث يكون باعتبار إسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن، وعلى هذا فما قيل فيه: حسن صحيح فوق ما قيل فيه: صحيح فقط.
هناك أجوبة أخرى عن هذا الإشكال وصل ثلاثة عشر جواباً، هناك جواب ثالث: أن المراد بالحسن الحسن اللغوي دون الاصطلاحي، فيراد بقوله: حسن أن لفظه حسن، لكونه مما فيه بشرى للمكلف وتسهيل عليه وتيسير له وغير ذلك مما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، قال ابن الصلاح: "إنه غير مستنكر –يعني هذا الجواب-، وهناك أجوبة أخرى لا نطيل بذكرها، نعم.
زيادة الثقة:
أحسن الله إليك:
"وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق".
نعم زيادة راويهما راوي الصحيح وراوي الحسن مقبولة إذا جاءتنا زيادة من طريق راوٍ ثقة جمع من الثقات يروون حديثاً ثم زاد عليهم واحد منهم جملة مثل في دعاء الفراغ من الوضوء: ((أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) هذه زيادة، وزيادة: ((إنك لا تخلف الميعاد)) هذه زيادة وراويها ثقة، هل نقبل هذه الزيادة لكون من زادها معه زيادة علم خفيت على من نقص أو نقول: لو كانت محفوظة لجاء بها الرواة كلهم، ولم يقتصر عليها واحد؟ وهذه الزيادة مشكوك فيها؟
على كل حال المسألة مختلف فيها منهم من يقبل زيادات الثقات مطلقاً ما لم تكن منافية، ومنهم من يرد زيادات الثقات مطلقاً؛ لأنها مشكوك فيها، وحجة الأول: أن مع من زاد زيادة علم على من نقص، وحجة الثاني: أن هذه الزيادة مشكوك فيها، والخبر بعدمها متيقن.
منهم من يقول: الحكم للأحفظ، ننظر إلى أحفظ هؤلاء الرواة فنحكم له، إن كان الأحفظ هو الذي زاد قبلنا الزيادة، وإن كان الأحفظ الثاني رددنا هذه الزيادة، ومنهم من يقول: الحكم للأكثر، منهم من يقول: الحكم للأكثر، فإن كان من زاد أكثر ممن نقص حكمنا بالزيادة وإلا فلا.
واقبل زيادات الثقات منهم |
| ومن سـواهم فعليه المعظـم |
وقيل: لا....
المقصود أن هذه المسألة مما اختلف فيها أهل العلم، وهذه على طريقة..، ......... سياق مثل هذا الخلاف إنما يمشي على طريقة المتأخرين القائلين بالأحكام المطردة، أما على طريقة الأئمة فلا، الأئمة الكبار لا يحكمون بالقبول مطلقاً ولا بالرد مطلقاً، فقد يقبلون وقد يردون، تبعاً لما ترجحه القرائن، تبعاً لما ترجحه القرائن.
يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق منه".
يريد أن زيادة راوي الحديث الصحيح وهو الثقة وهو الحديث الحسن ممن قصرت رتبته عن راوي الحديث الصحيح قليلاً بحيث لا يصل إلى درجة من ترد روايته مقبولة لدى الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب البغدادي سواء كان ذلك من شخص واحد، يعني شخص واحد روى الحديث مرة ناقص ورواه مرة تاماً، فعلى هذا تقبل هذه الزيادة، بأن رواه مرة ناقصاً ورواه مرة أخرى وفيه تلك الزيادة أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصاً خلافاً لمن رد ذلك مطلقاً من أهل الحديث، وخلافاً لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره، ابن الصلاح قسم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام:
أحد هذه الأقسام: أن يقع مخالفاً منافياً لما رواه سائر الثقات فهذا حكمه الرد بلا إشكال، وهذا هو الشاذ الذي سيأتي الحديث عنه.
الثاني: ألا يكون فيه منافاة ومخالفة أصلاً لما رواه غيره كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلاً، فهذا مقبول وادعى الخطيب اتفاق العلماء عليه.
الثالث: ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث، ومن أمثلة ذلك: ((جعلت لنا الأرض مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً)) هذه الزيادة تفرد بها أبو مالك الأشجعي، وسائر الرواة على أن لفظ الحديث: ((وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً)) الآن أصل الحديث في حديث الخصائص: ((وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً)) في حديث أبي مالك الأشجعي: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) ها؟ هذه زيادة، وهذه الزيادة فيها موافقة من وجه ومخالفة من وجه، كيف؟ فيها موافقة لأن التربة جزء من الأرض، وفيها مخالفة من جهة تخصيص التيمم بهذا الجزء من الأرض، ولذا يختلف أهل العلم في التيمم بكل ما على وجه الأرض وتصعد على وجهها، أصل الحديث يدل على أن الأرض طهور بجميع ما تصاعد عليها، رواية أبي مالك الأشجعي تجعل التيمم خاص بالتراب، وبهذا يقول الحنابلة والشافعية، وغيرهم يقولون: لا، يتيمم بكل ما على وجه الأرض ولو لم يكن تراب له غبار يعلق باليد، فهذه فيها وجه موافقة باعتبار أن التراب جزء من الأرض ووجه مخالفة باعتبار أن هذا الجزء يختص به التيمم، وقد قيل به، هذا يشبه الأول من وجه، ويشبه الثاني من وجه، فيشبه القسم الأول من حيث إن ما رواه الجماعة عام، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف بها الحكم، ويشبه أيضاً القسم الثاني من حيث أنه لا منافاة بينهما.
نعود إلى حديث التربة، إذا قبلنا هذه الزيادة هل يتجه قول من يقول: إنه لا يتمم إلا بتراب؟ إذا قبلنا هذه الزيادة وصححناها أو لا يتجه ونتيمم بجميع ما على وجه الأرض عملاً بالحديث الأصلي؟ أو نتيمم بالتراب عملاً بهذه الزيادة؟ وعرفنا اختلاف أهل العلم وسببه ورود هذه الزيادة؟ ها؟ إحنا الآن قبلنا هذه الزيادة وانتهينا، قبلنا هذه الزيادة وانتهينا، هل قبول هذه الزيادة يجعل القول بتخصيص التراب وجيه؟ هل نقول: إن هذا خاص والخاص مقدم على العام؟ ما في شيء اسمه تخصيص العام؟ يعني إذا جاء عام وخاص هل يخصص العام بالخاص مطلقاً أو لا؟ نعم.
طالب:.......
بينهما عموم وخصوص والخاص مقدم على العام، أو أسأل سؤال ثاني؟ ذكر بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي تخصيص، لكن لو كان حكم الخاص مخالف لحكم العام قلنا: الخاص مقدم على العام، نعم، يعني هل هناك فرق بينما إذا قلنا: أعطِ الطلاب؟ هذه عموم، وقلنا: أعط زيداً، أعط الطلاب ثم قلنا: أعط زيداً، هذا ما يقتضي التخصيص؛ لأن ذكر الخاص حكمه موافق لحكم العام، لكن لو قلنا: أعط الطلاب ثم قلنا: لا تعطِ زيداً، نقول: لا، زيد داخل في العام وكونه ذكر على وجه الخصوص ما يضر؟ إلا يضر؛ لأن حكمه مخالف لحكم العام، فذكر بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، وإنما يقتضي العناية بشأن الخاص، ولا يقتضي التخصيص وقصر الحكم عليه، لكن إذا اختلف الحكم يقتضي التخصيص، نعود إلى هذه المسألة: هل هذه المسألة من باب العموم والخصوص أو من باب الإطلاق والتقييد؟ وما الفرق بين التقييد والتخصيص؟ ها؟
على شان نشوف الإخوان الذين يقولون: دخّلوا أصول الفقه علوم الحديث ويرونه ذم وعيب، هل هذا مما يذم به إدخال العلوم بعضها في بعض؟ نعم، يمكن يذم؟ هذا أمر مطلوب، كيف نتعامل مع النصوص إلا بهذه الطريقة؟ أقول: هل هذا من باب التخصيص أو من باب التقييد؟ يعني التخصيص تقليل أفراد العام، تقليل أفراد العام، والتقييد تقليل أوصاف المطلق، يمكن مسألتنا تبي تأخذ علينا الوقت كله، لكن إحنا ودنا نمشي، ما زلنا متأخرين في الكتاب، التخصيص تقليل أفراد العام والتقييد تقليل أوصاف المطلق، فهل التراب فرد من أفراد الأرض أو وصف من أوصافها؟ لو المسألة من باب العموم والخصوص ما قال الشافعية والحنابلة بأنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب؛ لأن هذا تنصيص على بعض أفراد العام وينتهي الإشكال، لولا أنهم عندهم من باب الإطلاق والتقييد، وأن الأرض مطلقة قيدت بالتراب، وحينئذ يحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة، لماذا؟ يعني هل كل مطلق يحمل على المقيد؟ هاه؟ متى يحمل المطلق على المقيد؟
طالب:......
لا ما هو مثل العام خالف أو ما خالف يُحمل لكن متى؟ المطلق مع المقيد يشمله أربع صور: إذا اتحد الحكم والسبب يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، إذا اتحد الحكم والسبب فيحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، ومثاله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق يقيد بالآية الأخرى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] مقتضى قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] أن كل دم حرام، قيد في الآية الأخرى بكونه مسفوحاً، ويحمل المطلق على المقيد اتفاقاً هنا للاتحاد في الحكم والسبب.
إذا اتحد الحكم واختلف السبب، اتحد الحكم واختلف السبب، الرقبة في كفارة الظهار قيدت بكونها مؤمنة، وفي كفارة القتل مطلقة، يحمل المطلق على المقيد وإلا لا؟ اتحد الحكم وهو وجوب العتق، واختلف السبب، هذا ظهار وهذا قتل، اختلف السبب، يحمل المطلق على المقيد وإلا لا؟ عند الجمهور يحمل خلافاً للحنفية.
العكس إذا اتحد السبب واختلف الحكم، اليد في آية الوضوء مقيدة بالمرافق، وفي آية التيمم مطلقة، اتحد السبب، السبب هو الحدث، واختلف الحكم هذا غسل وهذا مسح، يحمل المطلق على المقيد وإلا لا؟ تمسح في التيمم إلى المرافق وإلا لا؟ هنا لا يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر خلافاً للشافعية.
الصورة الرابعة وهي الأخيرة إذا اختلفا في الحكم والسبب، اليد جاءت مقيدة في آية الوضوء، ومطلقة في آية السرقة، الحكم والسبب مختلفان، وحينئذ لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، ما في أحد يقول بالقطع مع المرافق استدلالاً بآية الوضوء أبداً، فإذا قلنا: إن هذا النص ((وجعلت تربتها)) من باب الإطلاق والتقييد قلنا: بأنه يحمل المطلق (الأرض) على المقيد وهو (التربة)، وهذه حجة من يقول بأنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب، وإلا ما يخفى على الحنابلة والشافعية أنه لو كان من باب العموم والخصوص أن هذا تنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق ولا يقتضي التخصيص، هذا ما يخفى عليهم.
المقصود أن مثل هذه الأمور ينبغي التنبه لها والعناية بها؛ لأن بمثل هذه الطريقة يتعامل مع النصوص، أما أن نعيب من أدخل أصول الفقه في علوم الحديث كما فعل بعض الإخوان يعني من حسن قصد نحسبهم والله حسيبهم لكن ينبغي أن ننظر إلى الأمور بعين البصيرة، والله المتسعان.
من هذه المسألة أو يدخل في زيادة الثقة تعارض الوصل مع الإرسال، والوقف مع الرفع، فمن قبل الوصل والرفع ألحقه بزيادة الثقة، ومن رجح الإرسال والوقف قال: إنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه.
والحق في ذلك كله أنه لا يحكم بحكم عام مطرد لا في الزيادة ولا في الوصل ولا الرفع، بل يترك الحكم في كل مسألة على حدة، حسب ما ترجحه القرائن كما هو الظاهر من صنيع الأئمة الحفاظ الكبار الجهابذة النقاد فقد يقبلون الزيادة وقد يردونها، وقد يحكمون بالرفع وقد يحكمون بالوقف، ويحكمون تارة للوصل وتارة للإرسال تبعاً للقرائن، نعم.
الشاذ:
"فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ".
يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن خولف" الصحيح، والحسن من باب أولى، إن خولف بما هو أرجح منه عندنا صحيح وعندنا أصح، لكن لا يمكن العمل بهما معاً، عندنا صحيح خبر صحيح مستجمع للشروط وخبر أصح منه، فإن خولف بأرجح فالراجح هو المحفوظ ويقابله الشاذ، إذا حصلت المخالفة بين روايات الثقات، فلا بد حينئذ من الترجيح إما بمزيد الضبط أو كثرة العدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، والراجح حينئذ يقال له: المحفوظ، ومقابله وهو المرجوح يقال له: الشاذ، فالمحفوظ: اسم مفعول من الحفظ، يقال: حفظ المتاع يحفظه حفظاً فهو حافظ، والمتاع محفوظ، وفي الاصطلاح: ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو دونه في القبول، ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو دونه هذا المحفوظ، ومثاله: ما رواه الترمذي وأبو داود من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه)) عبد الواحد بن زياد ثقة خالف غيره من أصحاب الأعمش فرواه من قوله -عليه الصلاة والسلام-، والمحفوظ من فعله، فرواية عبد الواحد بن زياد شاذة، وراويها ثقة، رواية غيره من أصحاب الأعمش وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يضطجع، وليس فيه الأمر: "فليضطجع" رواية الأمر شاذة، ورواية الفعل محفوظة، ولذا نقل ابن القيم في الهدي عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: "الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- الفعل لا الأمر به، والأمر به تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه".
والشاذ لغة: المنفرد عن الجمهور، يقال: شذ يشذ ويشذ بضم الشين المعجمة وكسرها شذوذاً إذا انفرد، واصطلاحاً اختلف في تعريفه على أقوال:
عرفه الإمام الشافعي بما يفيده كلام الحافظ السابق بقوله: "إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس"، أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس، وعرفه أبو يعلى الخليلي بقوله: "الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة"، ما ليس له إلا إسناد واحد، فأطلق الشذوذ وأراد به التفرد سواء كان المتفرد ثقة أو غير ثقة، عنده فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به يعني حتى يوجد ما يشهد له.
والحاكم أبو عبد الله ذكر أن الشاذ: "هو الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل متابع لذلك الثقة، فأطلقه على مجرد التفرد، قال ابن الصلاح في علوم الحديث: أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول، وأما ما ذكره غيره فيشكل فيما يتفرد به العدل الضابط كحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) فعلى هذا إدخال قول الشافعي في الشاذ دخولاً أولياً، وهو التفرد مع المخالفة.
أما تفرد الراوي ثقة كان أو غير ثقة، وإدخاله في الشذوذ كما يقوله أبو يعلى الخليلي أو تفرد الثقة فهو مشكل يرد عليه الغرائب التي في الصحيحين، يعني حديث الأعمال بالنيات تفرد به صاحبه هل نقول: إنه شاذ؟ اللهم إلا على قول من يقول: إن من الشاذ ما هو شاذ صحيح، الحافظ العراقي يقول:
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة |
| فيه الملا فالشافعي حققه |
يعني مجرد التفرد -تفرد الثقة- لا يعني الشذوذ المردود، ومثاله ما تقدم قريباً حديث: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه)) قلنا: هذا شاذ، وحكمه الرد، الرد لأنه من أقسام الضعيف لوجود المخالفة، كون الراوي وإن كان ثقة يخالف من هو أوثق منه يدل على أن هذا الراوي الثقة لم يحفظ ولم يضبط ما خالف فيه غيره.
المنكر:
قال -رحمه الله تعالى-: "ومع الضعف فالراجح المعروف ويقابله -أو ومقابله- المنكر" فالمعروف في اللغة: اسم مفعول من المعرفة والعرفان، قال في القاموس: عرفه يعرفه معرفة وعرفاناً وعِرفةً بالكسر.
وفي المفردات للراغب المعرفة والعرفان إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره، وهو أخص من العلم ويضاده الإنكار، والمعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه يقابله المنكر وهو ما ينكر بهما.
وأما في الاصطلاح فقد ذكر الحافظ أنه مقابل المنكر، فإذا كان المعتمد عند أهل العمل أن المنكر ما رواه الضعيف مخالفاً فيه الثقات -على ما سيأتي- فإن تعريف المعروف: حديث الثقة الذي خالف أو خالفه الراوي الضعيف، وعلى هذا كثير من المحدثين بل هو الذي استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين في تعريف المنكر.
يقول السيوطي في ألفيته:
المنكر الذي روى غير الثقة |
| مخالفاً في نخبة قد حققه |
قال ابن الصلاح: "بلغنا عن أبي بكر البرديجي أنه -يعني المنكر- الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه، ولا من وجه آخر"، الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر، فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصل،
فأطلق النكارة على مجرد التفرد.
يقول ابن الصلاح: "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث، فيتفرد الراوي ثقة كان أو غير ثقة فأحياناً يقبل أهل العلم تفرده، وأحياناً تدل القرائن على أنه لم يحفظ ما تفرد به فيكون شاذاً وإن كان ثقة ولو لم توجد مخالفة، وأحياناً تدل القرائن على أن هذا الثقة الذي تفرد بهذا الخبر تدل القرائن على أن ما تفرد به غير معروف عند أهل العلم فيحكمون عليه بالنكارة.
يقول ابن الصلاح: "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث، وهذه المسألة فرع من المسألة الكبرى، وهي أن المتأخرين يحكمون بقواعد مطردة عامة، وأما المتقدمون فلا قواعد عندهم مطردة، بل يتركون الحكم والترجيح للقرائن، يقول الحافظ العراقي:
المنكر الفرد كذا البرديجي |
| أطلق والصواب في التخريج |
إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر |
| فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر |
الشيخ يعني ابن الصلاح، فالمنكر والشاذ مترادفان عند جمع من أهل العم، ولذا يقول:
والصواب في التخريجِ
إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر |
| فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر |
ثم ذكر مثالاً له -رحمه الله-:
نحو ((كلوا البلح بالتمر)) الخبر |
| ومالك سمى ابن عثمان عمر |
مثل له الحافظ -رحمه الله تعالى- بما رواه ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن حبيب، وهو أخو حمزة بن حبيب الزيات المقرئ عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أقام الصلاة، وأتى الزكاة، وحج البيت، وصام وقرى الضيف دخل الجنة)) رواه الطبراني وابن عدي وغيرهما، قال أبو حاتم: "هذا منكر؛ لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً" يعني على ابن عباس، فالموقوف هو المعروف عند أهل العلم، والمرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا منكر، هذا ما قرره أبو حاتم الرازي وهو من أئمة هذا الشأن، والتمثيل بما ذكره الحافظ العراقي إنما هو على مذهب ابن الصلاح مع عدم الفرق بين الشاذ والمنكر ((كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكل التمر القديم بالجديد البلح بالتمر غضب الشيطان، وقال: عاش ابن آدم حتى جمع بين الجديد والخلق)) ولا شك أن هذا المتن منكر، هذا المتن منكر، لماذا؟ لأن الشيطان لا يغضب من طول عمر ابن آدم من مجرد طول عمره وأنه عاش هذه المدة لا يغضبه ذلك، بل قد يفرح بطول عمر بعض الناس إذا كان ممن ساء عمله، إنما يغضب الشيطان إذا طال عمر ابن آدم واستعمل هذا العمر الطويل في طاعة الله -عز وجل-، المقصود أن لفظ الحديث منكر.
................................... |
| ومالك سمى ابن عثمان عمر |
مالك قال عن الراوي اسمه: عمر بن عثمان، والرواة كلهم من غير خلاف بينهم يسمونه عمرو بن عثمان، فخالفهم مالك وسماه عمر، فإن شئت فقل: هذا شذوذ من مالك، وإن قلت: هذا منكر؛ لأن الشاذ والمنكر متقاربان جداً عند ابن الصلاح ومن يقول بقوله، والحافظ يفرق بين الشاذ والمنكر بأن الشاذ مخالفة الثقة، والمنكر مخالفة الضعيف.
الفرد:
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "والفرد النسبي: إن وافقه غيره فهو المتابع، وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد، وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار".
نعم عندنا ثلاثة ألفاظ هي: الاعتبار والمتابعات والشواهد، الاعتبار والمتابعات والشواهد وهم في كتب المصطلح يترجمون بهذا، الاعتبار والمتابعات والشواهد، وإن كانت هذه الترجمة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعات والشواهد، وليس الأمر كذلك، بل المتابعات والشواهد شيء على ما سيأتي في التفريق بينهما، والاعتبار هيئة التوصل إلى وجود المتابعات والشواهد، هيئة التوصل إلى وجود المتابعات والشواهد، فصواب الترجمة أن يقال: الاعتبار للمتابعات والشواهد.
المتابع والشاهد:
يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "والفرد النسبي إن وافقه غيره فهو المتابع، وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد، وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار"، يعني أن الفرد النسبي هو ما كان التفرد فيه في أثناء السند لا في أصله، إن وجد -بعد ظنه فرداً- أنت بحثت عن هذا الحديث ما وجدت له ما يشهد له ولا ما يتابعه، ثم بعد ذلك وجدت بعد ظنك كونه فرداً ما يوافقه من طريق غير راويه المتفرد به عن الصحابي نفسه فهو المتابع.
المتابع إذا اتحد الصحابي حديث يروى عن أبي هريرة فإذا رواه الأعرج عن أبي هريرة وقلت: إن هذا هو الأصل، ثم وجدت متابعة من سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فهذه المتابعة للأعرج، متابعة، تابع سعيد بن المسيب الأعرج وهكذا، إذا كانت في الراوي -المتابعة في الراوي- عن الصحابي أو متابعة للراوي في الراوي عنه إلى آخره، وإن وجد متن يروى من حديث صحابي آخر يشهد له في اللفظ والمعنى أو المعنى فقط فهو الشاهد، إذاً الفرق بين المتابعات والشواهد: إن اتحد الصحابي فمتابعة، وإن اختلف الصحابي فهو الشاهد، من غير نظر إلى اللفظ، سواء اتحد اللفظ أو اختلف، إنما ينظر إلى الصحابي، إن اتحد فمتابع وإن اختلف فشاهد، فالمتابع بكسر الموحدة اسم فاعل من المتابعة بمعنى الموافقة.
وفي الاصطلاح: هو الحديث الذي يشارك فيه رواته رواة الحديث الفرد لفظاً ومعنى أو معنى فقط مع الاتحاد في الصحابي.
والشاهد: اسم فاعل من الشهادة، وفي الاصطلاح: هو الحديث الذي يشارك فيه رواته رواة الحديث لفظاً ومعنى أو معنى فقط مع الاختلاف في الصحابي، وهذا ما جرى عليه الحافظ -رحمه الله تعالى- من أن العبرة بالمتابعات اتحاد الصحابي، وفي الشواهد اختلاف الصحابي، وأما ما جرى عليه ابن الصلاح فالعبرة باللفظ والمعنى بغض النظر عن الصحابي مخرج الحديث، فإن اتحد اللفظ فالمتابع، وإن اختلف اللفظ مع اتحاد المعنى فالشاهد ولو اتحد الصحابي، يعني من غير نظر إلى الصحابي.
إذا عرفنا هذا وأن المتابعات تتابع الرواة للحديث عن صحابي واحد فالمتابعات على مراتب؛ لأنها إن حصلت للراوي نفسه فهي التامة، وإن حصلت لشيخه فمن فوقه فهي القاصرة، يعني حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) ((إنما الأعمال بالنيات)) يرويه البخاري يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يخطب على المنبر يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات))، هذا السند كامل، إذا وجد من يتابع الحميدي في الرواية عن سفيان فالمتابعة تامة، إذا وجد من يتابع سفيان في الرواية عن يحيى بن سعيد فهي قاصرة، لكنه قصور نسبي أقل من قصور متابعة يحيى بن سعيد في الرواية عن محمد وهكذا، كلما قربت المتابعة إلى الصحابي صارت أقصر، وكلما قربت من المؤلف تكون أتم، فالتمام والقصور نسبي، فالمتابعة في الرواية عن الصحابي متابعة التابعي في الرواية عن الصحابي قاصرة، متابعة تابع التابعي الذي يروي عن التابعي قاصرة لكنها أتم من الأولى إلى أن تصل إلى متابعة الشيخ. الفائدة من المتابعات والشواهد هي التقوية، هي التقوية لنعرف أن الحديث جاء من طريق آخر، مثلوا للمتابع بحديث: ((الشهر تسع وعشرون)) رواه الإمام الشافعي في الأم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، تابع الشافعي في روايته عن مالك القعنبي أخرجه البخاري فهذه متابعة تامة، الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، الشافعي..، تابع الشافعي في روايته عن مالك القعنبي عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو من خواص مالك -رحمه الله-، وهذه متابعة تامة موجودة في البخاري، في صحيح مسلم متابعة قاصرة من وراية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، ومثال الشاهد: ما رواه النسائي في الحديث السابق من حديث ابن عباس اختلف الصحابي الأول عن ابن عمر والثاني عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر مثل حديث ابن عمر سواء.
وما رواه البخاري من حديث أبي هريرة بمعنى حديث ابن عمر وهذا أيضاً شاهد، وعلى اصطلاح ابن الصلاح ابن عباس يروي حديث ابن عمر بلفظه، يروي حديث ابن عمر بلفظه، على اصطلاح ابن حجر شاهد؛ لأنه اختلف الصحابي، على اصطلاح ابن الصلاح اتحد اللفظ فهو متابع، فهو متابع.
ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة بمعنى حديث ابن عمر هو شاهد على القولين، هو شاهد على القولين، لماذا صار شاهد على القولين؟ لأنه اختلف الصحابي فهو شاهد عند ابن حجر، اختلف اللفظ فهو شاهد عند ابن الصلاح.
يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار" هو الاعتبار، يعني أن الاعتبار ليس قسيماً للمتابعات والشواهد كما توهمه عبارة ابن الصلاح، بل هو هيئة التوصل إليهما، من خلال البحث في دواوين السنة كالصحاح والسنن والجوامع والمعاجم والمسانيد وغيرها، فبحثك عن المتابعات والشواهد ووقوفك عليها هو الاعتبار، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
الاعتبار سبرك الحديث هل |
| شارك راوٍ غيره فيما حمل |
يعني الحديث الفرد المطلق الفرد الذي لم يتابع صاحبه عليه هو ما يسمى بالأفراد عند أهل العلم التي لا يوجد لها شواهد ولا متابعات، نعم.
طالب: المتابعات والشواهد.......
على كل حال الضابط ما ذكرنا، إن كان اللفظ مروي من طريق صحابي آخر فهو الشاهد، وإن كان عن الصحابي نفسه فهو المتابع، وطريق معرفة المتابِع من المتابَع قد تقول: لماذا تقول أنت: هذا يتابع الحميدي في الرواية عن سفيان؟ لماذا لا يكون الحميدي هو الذي يتابع محمد بن بشار في الرواية عن سفيان؟ العبرة بالإسناد الذي بين يديك هو الأصل، أنت تدرس إسناد هو الأصل بالنسبة لك، إذا وقفت على ما يقوي هذا الإسناد فهو المتابع وهو الشاهد، فيكون أول رواته متابع لأول رواة عندك وهكذا.
طالب:.......
لا، مثل هذا يقال: هذه الجملة يشهد لها ما في حديث فلان، أو يقال: أصله في كذا، يعني إذا كان حديث مفصل في سنن أبي داود يشتمل على أحكام، وفي البخاري جزء يسير منه نعم، نقول: أصله في الصحيح، أصله في الصحيح، أو يشهد لهذه الجملة منه ما في الصحيح، لا بد من التقليد، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"