التعليق على تفسير القرطبي - سورة الممتحنة (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه. قال الإمام القرطبي –رحمه الله تعالى-: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة:10] فِيهِ سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة:10] لَمَّا أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِتَرْكِ مُوَالَاةِ الْمُشْرِكِينَ اقْتَضَى ذَلِكَ مُهَاجَرَةَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بِلَادِ الشِّرْكِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ التَّنَاكُحُ مِنْ أَوْكَدِ أَسْبَابِ الْمُوَالَاة، فَبَيَّنَ أَحْكَامَ مُهَاجَرَةِ النِّسَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَرَى الصُّلْحُ مَعَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ. فَجَاءَتْ سَعِيدَةُ بِنْتُ..."
يعني ولو كان مسلمًا، هذا مقتضى الصُلح، وهذا هو الذي جعل بعض المسلمين يتردد في الاستسلام لمثل هذا الصُلح، لأن فِيه غضاضة في الظاهر على المسلمين، وهم لا يعرفونها الحكم والمصالح حتى بين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم ذلك، ثم بعد ذلك الخلاف في الصُلح هل يتناول النساء بِعُمُومِه يعني من جاء من أهل مكة إلى المدينة ولو كان مسلمًا؟ يرده النبي عليه الصلاة والسلام هل يتناول النساء أو هذا خاصٌ بالرجال؟ سيأتي ذكرهُ إن شاء الله تعالى.
"فَجَاءَتْ سَعِيدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْكِتَابِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ بَعْدُ فَأقْبَلَ زَوْجُهَا وَكَانَ كَافِرًا."
الطبعات الثانية كلها سعيدة؟ لأن الطبعة الأولى من طبعة دار الكتب سُبيعة معروفة.
"فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا وَكَانَ كَافِرًا- وَهُوَ صَيْفِيُّ بْنُ الرَّاهِبِ. وَقِيلَ: مُسَافِرٌ الْمَخْزُومِيُّ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، ارْدُدْ عَلَيَّ امْرَأَتِي، فَإِنَّكَ شَرَطْتَ ذَلِكَ! وَهَذِهِ طِينَةُ الْكِتَابِ لَمْ تَجِفَّ بَعْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة. وَقِيلَ: جَاءَتْ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ."
فتكون هذه الآية مخصصة لما جاء في الصلح مما يشمل الرجال والنساء؛ فهذه الآية أخرجت النساء وبقي الرجال على الاتفاق.
"وَقِيلَ: جَاءَتْ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّهَا. وَقِيلَ :هَرَبَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَعَهَا أَخَوَاهَا عُمَارَةُ وَالْوَلِيدُ، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَوَيْهَا وَحَبَسَهَا، فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُدَّهَا عَلَيْنَا لِلشَّرْطِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ الشَّرْطُ فِي الرِّجَالِ لَا فِي النِّسَاءِ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ."
طالب:................
كان الشرطُ في الرجال لا في النساء، الأصل أن الاتفاق والصُلحُ وما جاء فيه، صيغته عُمُوم، من جاء صيغته عُمُوم والعموم يتناول الرجال والنساء، فالنساءُ خرجن من هذا العموم بهذه الآية، وهذه الآية مخصصة للصلح.
"وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ مِمَّا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة: أَلَّا يَأْتِيَكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ; يُومِئُ إِلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي رَدِّ النِّسَاءِ نُسِخَ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّتِي جَاءَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ بِشْرٍ، كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ الشِّمْرَاخِ فَهربتْ مِنْهُ."
فرت أو هربت؟ والمعنى واحد لكن العبرة بما في الكتاب.
"فَفَرَّتْ مِنْهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ، فَتَزَوَّجَهَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَه زَيْدُ بْنُ حَبِيبٍ. كَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أُمَيْمَةُ بِنْتُ بِشْرٍ كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ الشِّمْرَاخِ وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ خَالِدٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أُمَيْمَةَ بِنْتِ بِشْرٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. وَهِيَ امْرَأَةُ حَسَّانَ بْنِ الدَّحْدَاحِ، وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ هِجْرَتِهَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّهَا سَعِيدَةُ زَوْجَةُ صَيْفِيِّ بْنِ الرَّاهِبِ مُشْرِكٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عُقْبَة."
وسواءً كانت هذه أو تلك فالمعنى لا يتغير، فما جاء في الصلح مخصصٌ بهذه الآية.
"الثَّانِيَةُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلْ دَخَلَ النِّسَاءُ فِي عَقْدِ الْمُهَادَنَةِ لَفْظًا أَوْ عُمُومًا ;فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: قَدْ كَانَ شَرْطُ رَدِّهِنَّ فِي عَقْدِ الْمُهَادَنَةِ لَفْظًا صَرِيحًا فَنَسَخَ اللَّهُ رَدَّهُنَّ مِنَ الْعَقْدِ وَمَنَعَ مِنْهُ."
لفظًا صريحًا يعنى من جاءنا منكم رجلاً كان أو امرأةً رددناه إليكم، لفظ صريح ثم نُسخ؛ والذي يظهر أنه يتناولهن العموم.
طالب:................
لا، هو على اصطلاح المتقدمين يُسمُونه نسخا، وإلا هو في الحقيقة تخصيص رفع جزئي ما هو رفع كُلي.
طالب:................
لا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- كتب هذا في العقد.
طالب:................
بالآية.
طالب:................
ليبين لهم على سفر، إذا أخبرهم بذلك ما فيه شيء.
"فَنَسَخَ اللَّهُ رَدَّهُنَّ مِنَ الْعَقْدِ وَمَنَعَ مِنْهُ، وَبَقاهُ فِي الرِّجَالِ عَلَى مَا كَانَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَكِنْ لَا يُقِرُّهُ اللَّهُ عَلَى خَطَأ."
قد يقول قائل: أن ما جاء في الصُلح وإن كان لفظهُ العموم إلا أنه من العموم الذي يُراد به الخُصوص، لأنه قد يأتي اللفظ عام لكن لا يُرادُ عُمومُه وإنما يُرادُ به الخصوص، والأمثلة على ذلك كثيرة: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران:173] الناس لفظ عُموم في الموضعين، لكن هل كل الناس قالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران:173]، واحد نعيم بن مسعود هو الذي قال للنبي -عليه الصلاة والسلام- والناس هذا أيضًا في الموضع الثاني، ليس جميعُ الناس وإنما من اجتمع من الكفار لحربه -عليه الصلاة والسلام- فهذا لفظهُ عُموم يُراد به الخُصوص. والفرق بين العموم الذي يُراد به الخُصوص، والعموم المخصوص أن ما يخرجُ منهُ من خاص مُراد عند المُتكلم الذي يتكلمُ بالعام المخصوص، وغيرُ مراد للمتكلم بالعام الذي يُراد به الخُصوص. وإذا قُلنا أنه من العام المخصوص كانت النساء مرادة في العقد ثم خُصص، وإذا قلنا أنه من العموم الذي يُراد به الخصوص قُلنا أن النساء لا يدخُلنَ أصلًا ما أوردن في اللفظ العام.
طالب:................
فإذا نُبِذَ على سواء، لابد أن ينبذ إليه على سواء، لكن إذا قلنا أنه من العام الذي يُرادُ به الخصوص ما يفصل في نقد ولا في شيء.
"وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَمْ يَشْتَرِطْ رَدَّهُنَّ فِي الْعَقْدِ لَفْظًا، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْعَقْدَ فِي رَدِّ مَنْ أَسْلَمَ; فَكَانَ ظَاهِرَ الْعُمُومِ اشْتِمَالُهُ عَلَيْهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ. فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى خُرُوجَهُنَّ عَنْ عُمُومِهِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُنَّ ذَوَاتُ فُرُوج يَحْرُمْنَ عَلَيْهِمْ. الثَّانِي: أَنَّهُنَّ أَرَقُّ قُلُوبًا وَأَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنْهُ."
فيخشى من زوج الكافر إذا أسلمت أن يكرهها على الوطء وهي لا تحل له، أو يفتنها عن دينها فتستجيب له.
"فَأَمَّا الْمُقِيمَةُ مِنْهُنَّ عَلَى شِرْكِهَا فَمَرْدُودَةٌ عَلَيْهِمْ."
لأنه لا يُخشى عليها من شيء.
"الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَامْتَحِنُوهُنَّ} قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مَنْ أَرَادَتْ مِنْهُنَّ إِضْرَارَ زَوْجِهَا فَقَالَتْ: سَأُهَاجِرُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; فَلِذَلِكَ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْتِحَانهِنّ."
لأن كل واحدة صارت بينها وبين زوجها مشكلة قالت أُهاجر، فلذا لا تُقبل مباشرًا من غير امتحان.
" وَاخْتُلِفَ فِيمَا كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الْمِحْنَةُ أَنْ تُسْتَحْلَفَ بِاللَّهِ أَنَّهَا مَا خَرَجَتْ مِنْ بُغْضِ زَوْجِهَا، وَلَا رَغْبَةً مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ، وَلَا الْتِمَاسَ دُنْيَا، وَلَا عِشْقًا لِرَجُلٍ مِنَّا; بَلْ حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. فَإِذَا حَلَفَتْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَى ذَلِكَ، أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَهَا مَهْرَهَا وَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا; فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ} [الممتحنة:10]. الثَّانِي :أَنَّ الْمِحْنَةَ كَانَتْ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ; قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا. الثَّالِثُ: بِمَا بَيَّنَهُ فِي السُّورَةِ بَعْدُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتِ} [الممتحنة:12] قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَحِنُ إِلَّا بِالْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللَّه: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ}. رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَة. خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ."
هذا هو الراجح من الأقوال الثلاثة.
"الرَّابِعَةُ: أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذَا نَاسِخٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَاهَدَ عَلَيْهِ قُرَيْشًا، مِنْ أَنَّهُ يَرُدُّ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ مُسْلِمًا; فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ النِّسَاءُ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَرَى نَسْخَ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّهُ مَنْسُوخٌ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُهَادِنَ الْإِمَامُ الْعَدُوَّ عَلَى أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا، لِأَنَّ إِقَامَةَ الْمُسْلِمِ بِأَرْضِ الشِّرْكِ لَا تَجُوزُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ. وَعَقْدُ الصُّلْحِ عَلَى ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ .وَقَدِ احْتَجَّ الْكُوفِيُّونَ لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِحَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى قَوْمٍ مِنْ خَثْعَمَ فَاعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ فَقَتَلَهُمْ، فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، وَقَالَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَقَامَ مَعَ مُشْرِكٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا تَرَاءَى نَارُهُمَا»."
لا يكون قريبًا من المشركين بحيثُ يرى ناره ويرى المشركُ ناره، بل لابد من المُفاصلة والمُباعدة والمهاجرة عنهم.
طالب:................
يمتحنون بمقتضى البيعة، يعنى الآية الأولى بها امتحان، والثانية بيعة فبايعهُن، الآيةُ الأولى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتِ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة:12] على الثانية.
طالب:................
الثانية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة:10] لابد من الامتحان.
طالب:................
هذه الآية الأولى، والثانية التي في آخر السورة.
طالب:................
{فَامْتَحِنُوهُنَّ} بما يدل على صدق إيمانهن يعني مُقتضى هذه الآية، المقتضى هذه الآية الأولى {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتِ} [الممتحنة:12] يعنى مدعيات الإيمان {مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة:10] بما يدل على صدق إيمانهن؛ ما تكون هربت من زوجها، هربت لكذا، لطمع الدنيا ولا لشيء؛ هذا متجه ولذلك يتجه القول قول بن عباس السابق؛ فالأولى آية الامتحان والثانية آية البيعة.
طالب:................
تدخل البيعة لكن لابد من امتحانها قبل للعلم بإيمانها، فإذا عُلِمَ صدق إيمانها بُويعت على الآية الثانية.
طالب:................
لكن هذه آية وهذه آية.
طالب:................
هي أولا تمتحن على صدق إيمانها ثم تبايع، هذا مقتضى السياق.
"فَهَذَا نَاسِخٌ لِرَدِّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، إِذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَرِئَ مِمَّنْ أَقَامَ مَعَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ."
لكن يشكل على هذا الكلام ما جاء عند الترمذي: ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمتحنُ بالآية التي قال الله: {إذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتِ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة:12] ويمتحنهن بهذه الآية، فتلتقي الآيتان" الامتحان والمبايعة؛ هذا مقتضى حديث الترمذي، ومن قول عائشة رضي الله عنها تحكي ما كان منه -عليه الصلاة والسلام-.
"وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ مَنْسُوخٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ هَذَا الْعَقْدُ إِلَّا الْخَلِيفَةُ أَوْ رَجُلٌ يَأْمُرُهُ، لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا. فَمَنْ عَقَدَ غَيْرَ الْخَلِيفَةِ هَذَا الْعَقْدَ فَهُوَ مَرْدُودٌ.
الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ}."
يعنى هل هذا الحكم باقي إلى قيام الساعة؟ أو أنه خاص بما حصل منه عليه الصلاة والسلام؟ ولا يجوز لأحد من بعده أن يعقد العهد على مثل هذا؟ هذا مثل ما تقدم. مذهب الكُوفِيين أبي حنيفة والسفيان وغيرهما أنه انتهى، ويُجوزه مالك والشافعي.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: }اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة:10] أَيْ هَذَا الِامْتِحَانُ لَكُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ، لِأَنَّهُ مُتَوَلِّي السَّرَائِر."
يعني ما لكم إلا الظاهر، والحُكمُ يكون على الظاهر.
طالب:................
يعني هل لأحدٍ من ولاة المسلمين أن يعقد على مثل هذا أن من جاء من المسلمين يرده؟
طالب:................
واللهِ مذهب الكُوفين له وزنه، لأن هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام الذي يُؤَيد بالوحي، ويُنسخ فى وقته ما شاء الله أن ينسخ، ومعرفته بمآلَات الأمور قد لا تتحقق بغيره من الولاة.
"{اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ}، لِأَنَّهُ مُتَوَلِّي السَّرَائِرَ. {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة:10] أَيْ بِمَا يَظْهَرُ مِنَ الْإِيمَانِ. وَقِيلَ: إِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ قَبْلَ الِامْتِحَانِ. {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] أَيْ لَمْ يَحِلَّ اللَّهُ مُؤْمِنَةً لِكَافِرٍ، وَلَا نِكَاحَ مُؤْمِنٍ لِمُشْرِكَةٍ وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ فُرْقَةَ الْمُسْلِمَةِ مِنْ زَوْجِهَا إِسْلَامُهَا لَا هِجْرَتُهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَهُمَا هُوَ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ. وَإِلَيْهِ إِشَارَةٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ بَلْ عِبَارَةٌ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} فَبَيَّنَ أَنَّ الْعِلَّةَ عَدَمُ الْحِلِّ بِالْإِسْلَامِ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ. وَاللَّهُ أَعْلَم."
وقد جاء تحريم المشركة على المسلم والعكس منصوصًا في كتاب الله فهذه هي العلة الحقيقية، أما اختلاف الدارين فالهجرة واجبة بلا شك لكنها لا تقتضي نسخ النكاح.
"وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ لَا فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ."
لا فَرْقَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ يعني في التأثير على النكاح، لئلا يأتي أحد ينتزعُ هذا النص إما قبله أو بعده ويقول لا فرق بين دار الكفر ودار الإسلام كما يُشاع الآن من بعض الكتبة. يقول ما في شيء اسمه دار حرب ودار إسلام انتهى، ثم ينتزعُ هذا النص من كلام بن عُمر بن عبد البر مقطوعًا عن ما قبلهُ وما بعدهُ، ويقول لا فَرْقَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ لَا فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ يعني في التأثير على عقد النكاح الذي الكلام بصدده.
"وَإِنَّمَا الْمُرَاعَاةُ فِي ذَلِكَ الدِّينَانِ، فَبِاخْتِلَافِهِمَا يَقَعُ الْحُكْمُ وَبِاجْتِمَاعِهِمَا، لَا بِالدَّارِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة:10]، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا أُمْسِكَتِ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ أَنْ يُرَدَّ عَلَى زَوْجِهَا مَا أَنْفَقَ."
لا يجتمعُ عليه أمران: فِراق زوجتِه وخسرانٌ لمالِه.
طالب:................
إذا ادعى بالبينة، إذا ادعى شيئًا لا يمكن تصديقه بالبينة، فإن أمكن كان تصديقه فلا بأس.
"وَذَلِكَ مِنَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ مِنْ أَهْلِهِ بِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ، أَمَرَ بِرَدِّ الْمَالِ إِلَيْهِ حَتَّى لَا يَقَعُ عَلَيْهِمْ خُسْرَانٌ مِنَ الْوَجْهَيْنِ: الزَّوْجَةِ وَالْمَال.
السَّابِعَةُ: وَلَا غُرْمَ إِلَّا إِذَا طَالَبَ الزَّوْجُ الْكَافِرُ، فَإِذَا حَضَرَ وَطَالَبَ مَنَعْنَاهَا وَغَرِمْنَا. فَإِنْ كَانَتْ مَاتَتْ قَبْلَ حُضُورِ الزَّوْجِ."
لأنها حق له لا يعدوه فإذا طالب به أُعطِيهُ.
"فَإِنْ كَانَتْ مَاتَتْ قَبْلَ حُضُورِ الزَّوْجِ لَمْ نَغْرَمِ الْمَهْرَ إِذْ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْمَنْعُ. وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَمْ نَغْرَمْ شَيْئًا."
لأنه ليس بالمال.
"لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ. قَال الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَاءَتْنَا الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ مِنْ أَهْلِ الْهُدْنَةِ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى الْإِمَامِ فِي دَارِ السَّلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَمَنْ طَلَبَهَا مِنْ وَلِيٍّ سِوَى زَوْجِهَا مُنِعَ مِنْهَا بِلَا عِوَضٍ. وَإِذَا طَلَبَهَا زَوْجُهَا لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِوَكَالَتِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يُعْطِي الْعِوَضَ، وَالْقَوْلُ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ."
بلا شك، {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة:10]. ما خسره على زوجته أنه فقط السابق التي وُكلت وانتهت. لا لا مالاً ولا مهرًا، لا لأنه استمتع بمقابل هذه النفقة.
طالب:................
المقصود أن النفقة في مقابل استمتاعه وخدمتها له فيعطها مهرها فقط كالخلع.
"وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يُعْطَى الزَّوْجُ الْمُشْرِكُ الَّذِي جَاءَتْ زَوْجَتُهُ مُسْلِمَةً الْعِوَضَ. فَإِنْ شَرَطَ الْإِمَامُ رَدَّ النِّسَاءِ كَانَ الشَّرْطُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يُرَدَّ النِّسَاءَ كَانَ شَرْطُ مَنْ شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءِ مَنْسُوخًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ عِوَضٌ، لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَنْسُوخَ بَاطِلٌ وَلَا عِوَضَ لِلْبَاطِل."
هذا كلام فيهِ شيء من الاضطراب، وإن كان المقصود منه واضحا، فإن شرط الإمام رد النساء كان الشرط، والرسول -صلى الله عليه وسلم- ألا يرد النساء كان شرطه إلى آخره؛ وعلق عليه لأنه منقول من كتاب الناسخ والمنسوخ لأبى جعفر النحاس، ونصها فيه: وأن شرط الإمام رد النساء كان الشرطُ مُنتَقدًا، فمن قال هذا قال: أن شرط رسول -صلى الله عليه وسلم- لأهل الحُديبية فيه أن يرُدَ من جاءَ منهم وكان النساءُ منهم كانَ شرطًا صحيحًا فنسخهُ الله ورد العِوض، فلما قضى الله –عز وجل- ثم رسوله -عليه الصلاة والسلام- أن لا يرد النساء كان شَرطُ من شَرطَ رد النساء منسوخًا وليس عليه أن يعوض، لأن شرطه المنسوخ باطل ولا عوضَ للباطل. يعني إذا جاءت المسلمة مُهاجرة من بلاد الكفر فإن كان سبق هذا المَجِيء شرط أن ترد استحق زوجها العِوَض، وإن لم يتقدم هذا المجيء شرط فإنها لا تستحق لأن الشرط الموجود منسوخ، فتكراره فيما بعد ذلك باطل، وما يترتب على الباطل باطل، هذا مقتضى كلام النحاس.
طالب:................
هذا من باب عدل الإسلام، وتأليف لِقُلوُب الكفار، لا شك أن مثل هذا تأتي به الشريعة لكن ما دام الحكم منسوخ.
"الثَّامِنَةُ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَدِّ مِثْلِ مَا أَنْفَقُوا إِلَى الْأَزْوَاجِ، وَأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا الْإِمَامُ، يُنَفِّذُ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مَصْرِفٌ."
لكن لو أن مسلما رَغَبَ كافرة في الإسلام، سافر إلى بلاد الكفر ووجد امرأة كافرة تحت كافر ورغبها في الإسلام وقال تأتيني في بلادي وأدفع المهر لزواجك. نُرضِيه.
طالب:................
تخبيب المسلمة على الكافر.
طالب:................
كانت كافرة قال أَسلمي وأتيني في بلادي وأدفع لها المهر. ولذلك يقول: أمر الله تعالى برد مثل... وأن المخاطب بهذا الإمام. ليس لأفراد الناس أن يفعلوا مثل هذا لأن يترتب عليه مفاسد. وأنت إذا دعوت إلى الإسلام وأسلمت لك أجرها «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم»، ثم بعد ذلك إذا جاءت إلى بلاد المسلمين وحصل ما حصل مع الإمام فلك أن تخطبها ممن يملك تزوجيها.
"وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَرُدُّ الْمَهْرَ الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا الْكَافِرِ شَيْءٌ. وَقَالَ قَتَادَة: الْحُكْمُ فِي رَدِّ الصَّدَاقِ إِنَّمَا هُوَ فِي نِسَاءِ أَهْلِ الْعَهْدِ; فَأَمَّا مَنْ لَا عَهْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُرَدُّ إِلَيْهِمُ الصَّدَاقُ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَه.
التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة:10] يَعْنِي إِذَا أَسْلَمْنَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ لِمَا ثَبَتَ مِنْ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ. فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ثَبَتَ النِّكَاحُ فِي الْحَالِ وَلَهَا التَّزَوُّجُ.
الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنّ} [الممتحنة:10] أَبَاحَ نِكَاحَهَا بِشَرْطِ الْمَهْر; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْكَافِر.
الحادية عشر: قوله تعالى...:
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } يعني إذا أسلمن وانقضت عدتُهن لما ثبت إلى آخره. المسألة يأتي فيها تفصيل كثير، في مسئلة إسلام زينب بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- كانت تحت أبي العاصم بن الربيع وأسلمت قبله بمدة متطاولة، ثم جاءها مسلمًا فردها إليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهل ينقضي الحكم بانقضاء العدة؟ أو يبقي الأمر حتى يسلم زوجها ما لم تنكح؟ يأتي هذا.
"الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْإِمْسَاكِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو عَمْر: {وَلَا تُمَسِّكُوا} مُشَدَّدَةً مِنَ التَّمَسُّكِ. يُقَالُ: مَسَّكَ يَمَسُكَ تَمَسُّكًا..."
مَسَّكَ يُمَسِّكُ تَمَسُّكًا
"يقال: مَسَّكَ يُمَسِّكُ تَمَسُّكًا بِمَعْنَى أَمْسَكَ يُمْسِكُ."
لكن التضعيف للتكثير كما هو معلوم، والتشديد هذا للتكثير.
"وَقُرِئَ {وَلَا تَمَسَّكُوا} [الممتحنة:10] بِنَصْبِ التَّاءِ; أَيْ لَا تَتَمَسَّكُوا. وَالْعِصَمُ جَمْعُ الْعِصْمَةِ; وَهُوَ مَا اعْتُصِمَ بِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْعِصْمَةِ هُنَا النِّكَاحُ. يَقُولُ: مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ بِمَكَّةَ فَلَا يَعْتَدَّ بِهَا، فَلَيْسَتْ لَهُ امْرَأَةٌ، فَقَدِ انْقَطَعَتْ عِصْمَتُهَا لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْن."
والصحيح أنه لاختلاف الدِينَين على ما تقدم ترجيحه.
"وَعَنِ النَّخَعِيِّ: هِيَ الْمُسْلِمَةُ تَلْحَقُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَتَكْفُرُ; وَكَانَ الْكُفَّارُ يَتَزَوَّجُونَ الْمُسْلِمَاتِ وَالْمُسْلِمُونَ يَتَزَوَّجُونَ الْمُشْرِكَاتِ; ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. فَطَلَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكَتَيْنِ: قُرَيْبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ فَتَزَوَّجَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا بِمَكَّةَ وَأُمُّ كُلْثُومِ بِنْتِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيَّةُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ;فَتَزَوَّجَهَا أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَافَةَ وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا. فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِمُعَاوِيَةَ: طَلِّقْ قُرَيْبَةَ لِئَلَّا يَرَى عُمَرُ سَلَبَهُ فِي بَيْتِكَ، فَأَبَى مُعَاوِيَةُ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَتْ عِنْدَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْوَى بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَفَرَّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْإِسْلَام خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاص، وَكَانَتْ مِمَّنْ فَرَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نِسَاءِ الْكُفَّارِ، فَحَبَسَهَا وَزَوَّجَهَا خَالِدًا وَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ ابْنَتَهُ- وَكَانَتْ كَافِرَةً - مِنْ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيع، ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا. ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَاجَرَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ الْأُولَى، وَزَوْجُهَا أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ عَبْدُ الْعُزَّى مُشْرِكٌ بِمَكَّةَ الْحَدِيثُ. وَفِيهِ: أَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيُّ. قَالَ الشَّعْبِيُ: وَكَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيع، فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ لَحِقَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى زَوْجُهَا الْمَدِينَةَ فَأَمَّنَتْهُ فَأَسْلَمَ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ; وَلَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا. قَالَ :مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ..."
يعني كم مَكَثَت زينب على شِركِهَا بعد الإسلام؟ يعني ما أسلمت ولحقت بالنبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بعد الهجرة، وبعد أن هاجر أسلمت ولحقت به، فَدل على أنها قبل ذلك كانت مشركة وتحت مشرك، وهى متزوجة يعني عُمرها ليس بقليل. كما أسلمت ولحقت به ثابت ما به إشكال.
طالب:................
احتمال أن تكون مُسلمة وتحت مشرك قبل تحريم المسلمة على المشرك، فلما نزلَ التحريم لحقت بأبيها لأنها حرمت عليه، هذا وارد.
طالب:...............
{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] والعكس {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221].
المقصود أنها لما حُرِمَت على الكافر لحِقت بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، كانَ الأمر على جواز ذلك، ثم لا يرد مسألة أنها تأخر إسلامُها... عن رجل عن بن شهاب، هذا فيه انقطاع، وهذا يدل على أنها أسلمت، وهاجرت بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يمتنع أن تكون مُسلمة من الأصل وزوجُها كافر لعدم وجود ما يمنع، ثم لما وُجد ما يمنع ونُسخ وحُرمت المسلمة على الكافر والعكس، لحقت هاجرت بأبيها. فرت من زوجها ولحقت بأبيها.
"قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ: بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ :بَعْدَ سَنَتَيْنِ. قَالَ أَبُو عُمَر: فَإِنْ صَحَّ هَذَا."
محمد بن عمر الواقدي.
"فَلَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ حَتَّى أَسْلَمَ زَوْجُهَا، وَإِمَّا أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] يَعْنِي فِي عِدَّتِهِنَّ. وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْعِدَّةَ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قِصَّةِ زَيْنَبَ هَذِهِ: كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ. وَقَالَ قَتَادَة: كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ سُورَةُ " التَّوْبَةِ "بِقَطْعِ الْعُهُودِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] الْمُرَادُ بِالْكَوَافِرِ هُنَا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مَنْ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً نِكَاحُهَا ، فَهِيَ خَاصَّةٌ بِالْكَوَافِرِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقِيلَ: هِيَ عَامَّةٌ، نُسِخَ مِنْهَا نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَلَوْ كَانَ إِلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ لَمْ تَحِلَّ كَافِرَةٌ بِوَجْهٍ."
دخول نساء أهل الكتاب بهذه الآية هذا لا إشكال فيه لأنهم كفار بالإجماع، لكن دخولُهم فى: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221] هو محل الخلاف فى إطلاق الشرك على أهل الكتاب، هل يقال مُشركون أو يقال فيهم شرك؟ فمن يقول مُشركون هم كُفار بالإجماع، لكن يبقى هل هم مشركون أو فيهم شرك؟ الذي يقول هم مشركون يقول: يدخلون في التحريم ثم خُصص نساءُ أهل الكتابٍ مما نسائهم حل لكم بما يدل على ذلك. ومن يقول فيهم شرك يقول: نحنُ لا نحتاج إلى التخصيص لأنهم ليسوا بمُشركين، لكن دُخولهم في هذه الآية قطعي لأنهم كفار بالإتفاق.
طالب:................
الإمساك يدل على أنها في عصمته.
طالب:................
هذا له وجه لكن يبقي أنها الآية تتناول أيضًا الاستمرار.
"وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِذَا أَسْلَمَ وَثَنِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ وَلَمْ تُسْلِمِ امْرَأَتُهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْتَظِرُ بِهَا تَمَامَ الْعِدَّةِ فَمَنْ قَالَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَقْتِ وَلَا يَنْتَظِرُ تَمَامَ الْعِدَّةِ إِذَا عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ وَلَمْ تُسْلِم- مَالِكُ بْنُ أَنَس وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يَنْتَظِرُ بِهَا الْعِدَّةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد."
يعني كالعكس، كما لو أسلمت المرأة ولم يسلم الرجل ينتظر تمام العدة.
"وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَسْلَمَ قَبْلَ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ امْرَأَتِهِ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ وَهِنْدٌ بِهَا كَافِرَةٌ مُقِيمَةٌ عَلَى كُفْرِهَا، فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتِ: اقْتُلُوا الشَّيْخَ الضَّالَّ. ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ بِأَيَّامٍ، فَاسْتَقَرَّا عَلَى نِكَاحِهِمَا لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَكُنِ انْقَضَتْ. قَالُوا: وَمِثْلُهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ أَسْلَمَ قَبْلَ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ فَكَانَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا حُجَّةَ لِمَنِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} لِأَنَّ نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْكُفَّارِ; كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الْكَوَافِرُ وَالْوَثَنِيَّاتُ وَلَا الْمَجُوسِيَّاتُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ثُمَّ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْبَاقِي مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ. وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ وَهُمْ سُفْيَانُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْكَافِرِينَ الذِّمِّيِّينَ: إِذَا أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ عُرِضَ عَلَى الزَّوْجِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. قَالُوا: وَلَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ إِذَا كَانَا جَمِيعًا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْآخَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ انْقَطَعَتِ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا فَرَاعُوا الدَّارَ; وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَدْ تَقَدَّم."
لأن المُرَاعة هو الدِين. يبقي في الصورة الثانية أنه لو أسلم الزوج والزوجة ذِمية وتعرض إذا أسلمت المرأة والزوج ذمي يُدعى إلى الإسلام فإن أسلم قبل انقضاء العدة فهما على نِكاحِهِمَا، لكن العكس إذا أسلم الزوج وبقيت ذمية على كُفرها، هل يقال باستمرار النكاح؟ ومِثل ابتداء أنه يجوز؟
طالب:................
ينفسخ؟ يعرض عليها؟ فإنهم قالوا في الكافرين الذميين، أو الكافرين الذميين، إذا أسلمت المرأة عُرِضَ الإسلام على الزوج فإن أسلم وإلا فُرِقَ بينهما. إذا أسلمت المرأة هنا يريد العكس، إذا أسلم الزوج ويحل له أن ينكحها وهى ذمية يحِلُ له ابتداء، فلا يحلُ له الاستمرار.
طالب:................
زوج ذمي أسلم وامرأته ذمية ابتداءً ما يجوز أن ينكحها؟ يجوز له واستمرارًا.
طالب:................
يعني من باب أولى. ما في ما يمنع من الاستمرار معها.
طالب:................
إذا كانت بدعته لا تُخرجهُ عن الإسلام يَبقي، وإذا كانت بدعته مكفرة فلا.
"الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: هَذَا الِاخْتِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا..."
يبقي أنها إذا خشيت على نفسها، وخشي أهلُها وذوُوها من أن تتأثر به فيها الحل الخُلع. تخالع.
"فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَا نَعْلَمُ اخْتِلَافًا فِي انْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا; إِذْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. كَذَا يَقُولُ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ تَرْتَدُّ وَزَوْجُهَا مُسْلِمٌ: انْقَطَعَتِ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا. وَحُجَّتُهُ : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيّ.ٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ بِهَا تَمَامَ الْعِدَّةِ."
إذا ارتدت حيلة، أرادت الفِرَاق فلم يوافق الزوج وبذلت جميع ما يُمكنها من محاولة لِتنفصل عنه فرفض ثم ارتدت حِيلة لِتنفصل عنه، لأنه وُجد في المائةِ الثانية امرأة حاولت الفِرَاق بشتى السُبل والوسائل فعجزت فأفتاها من أفتاها أن ترتد، نسأل الله العافية، لتحصل الفرقة بينهما. يقول ابن المبارك: من أفتاها بهذه الفتوى فهو كافر. نسأل الله العافية. من أفتاها بهذه الفتوى وهي أن ترتد من أجل أن تفارق هذا كافر. وهذه من الحيل التي قالها ابن القيم عنها: أن الشيطان لا يعرفُها حتى نبههُ إليها هذا المفتي. نسأل الله العافية.
"الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: فَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ نَصْرَانِيَّيْنِ فَأَسْلَمَتِ الزَّوْجَةُ فَفِيهَا أَيْضًا اخْتِلَافٌ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ الْوُقُوفُ إِلَى تَمَامِ الْعِدَّةِ. وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِد.ٍ وَكَذَا الْوَثَنِيُّ تُسْلِمُ زَوْجَتُه، إِنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا; كَمَا كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ أَحَقُّ بِزَوْجَتَيْهِمَا لَمَّا أَسْلَمَا فِي عِدَّتَيْهِمَا; عَلَى حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ. ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إِسْلَامِ زَوْجَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْر .قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْحَرْبِ إِلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا; إِلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا. قَالَ يَزِيدُ بْنُ عَلْقَمَةَ :أَسْلَمَ جَدِّي وَلَمْ تُسْلِمْ جَدَّتِي فَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ. وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ. قَالُوا: لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا إِلَّا بِخُطْبَة ."
لأنه مأمور بمُفارقتها، ومنع عن الإمساك بِعصمتِهَا فتقع الفرقة بمجرد اختلاف الدين، ثم إذا أسلم الآخر لا يتم ذلك إلا بخطبة جديدة، لأن الفرقة الناتجة عن اختلاف الدين بَينُونة على هذا القول.
طالب:................
إذا انتهت عدتها، القاضي هو الذي يُزوجها. الحاكم، لابد من حاكم.
طالب:................
لأن المطلقة في عدتها زوجة لا تبين إلا بتمام العدة، فهذه مثلها، لها حكمها.
طالب:................
لابد من التفريق، فرق بينهما عُمر، {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}.
طالب:................
يعني لو في بطنها ولد من زوجها وزوجها كافر؟ أما بالنسبة للنسب يثبت نسبه لأبيهِ ولو كان كافرًا، وأما بالنسبة لإسلامه وكفره فهو يتبع خير أبويه دينًا، يحكم له بالإسلام ما دام أسلمت أمُهُ وهو في بطنها.
طالب:................
إذا نظرنا إلى العلة في بقاء المطلقة في بيت زوجها لعل الله يُحدث بعد ذالك أمرًا، قلنا لعل الله يهديه، إذا تمنعت منه وكانت في منعة منه لا يمكن أن يغتصبها تقدر على التمنع، لعل الله يهديه.
طالب:................
جلست سنتين، أقل شيء سنتين، قالوا: لعل الحيض ما نزل عليها، المقصود أنها قضيت عين هذه.
"الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى : {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ مُرْتَدَّاتٍ إِلَى الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ يُقَالُ لِلْكُفَّارِ: هَاتُوا مَهْرَهَا. وَيُقَالُ لِلْمُسْلِمِينَ إِذَا جَاءَ أَحَدٌ مِنَ الْكَافِرَاتِ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً: رَدُّوا إِلَى الْكُفَّارِ مَهْرَهَا. وَكَانَ ذَلِكَ نِصْفًا وَعَدْلًا بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ. وَكَانَ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ الزَّمَانِ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ خَاصَّةً بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ; قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِي.ِ
السَّادِسَةَ عَشْرَة:َ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ}؛"
لا لا،على القول أنه لا يمكن إبرام مثل هذا العقد، ومثل هذا العهد بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- تكون هذه المسائل خاصة، وإذا قيل بأن الحكم محكم، وأن لولي الأمر إذا ترجحت عنده المصلحة في اشتراط مثل هذا الشرط فالأحكام باقية.
طالب:................
هذا نقلهُ ابن العربي، لكن تقدم لنا أن للإمام أن يعقد أو لا يعقد. إذا عقد ترتبت عليه أحكامها.
"السَّادِسَةَ عَشْرَة:َ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ}؛ أَيْ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَة. {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِع. قوله تعالى : {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ}[الممتحنة:11] فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى : {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّار}ِ في الخبر: أن المسلمين قالوا: رضينا بما حكم الله; وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا فنزلت : {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا} . وروى الزهري عن عروة عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: حكم الله -عز وجل- بينكم فقال جل ثناؤه: {وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا} فكتب إليهم المسلمون: قد حكم الله عز وجل بيننا بأنه إن جاءتكم امرأة منا أن توجهوا إلينا بصداقها، وإن جاءتنا امرأة منكم وجهنا إليكم بصداقها. فكتبوا إليهم: أما نحن فلا نعلم لكم عندنا شيئًا، فإن كان لنا عندكم شيء فوجهوا به، فأنزل الله -عز وجل-: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا} وقال ابن عباس في قوله تعالى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} أي بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة يرد بعضهم إلى بعض. قال الزهري: ولولا العهد لأمسك النساء، ولم يرد إليهم صداقًا. وقال قتادة ومجاهد :إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة. وقالا: هي فيمن بيننا وبينه عهد وليس بيننا وبينه عهد. وقالا: ومعنى: (فعاقبتم) فاقتصصتم."
يعني هذا الكلام قال قتادة ومُجاهد: إنما أُمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة، يعني مُباشرة، أول ما تقدم يُعطى زوجها من الفيء والغنيمة. ما ينتظر حتى تتزوج فيؤخذ من مهرها فيعطى الزوج الأول. هذا ظاهر لكن يبقى الذي بعده من الفيء والغنيمة وقالا: هي فيمن بيننا وبينهُ عهدٌ، مثل ما حصل في صُلح الحديبية. هي فيمن بيننا وبينهُ عهد، وليس بيننا وبينه عهد، ما معنى هذا؟ يعني الذي بيننا وبينه عهد نُعطيه ما أنفق والذي ليس بيننا وبينه عهد لا نُعطيه. هذا ظاهر لكن هل يظهر من: وقالا: فيمن بيننا وبينه عهد، وليس بيننا وبينه عهد؟ لا شك أن الحكم يختلف بين المعاهد وغير المعاهد. قالا: هي فيمن بيننا وبينهُ عهدٌ، وليست... واضح، وليست فيمن ليسَ... ما هو عندنا... وليست فيمن ليست بيننا... استقام الكلام.
"وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ. وَقَالَا: وَمَعْنَى فَعَاقَبْتُمْ فَاقْتَصَصْتُمْ . {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} يَعْنِي الصَّدَقَاتِ. فَهِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْكُفَّار.ِ وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} الَّذِينَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ، {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا}. ثُمَّ نُسِخَ هَذَا فِي سُورَةِ البراءة. وَقَالَ الزُّهْرِيُ:ّ انْقَطَعَ هَذَا عَامَ الْفَتْحِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُ: لَا يَعْمَلُ بِهِ الْيَوْمَ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ ثَابِتُ الْحُكْمِ الْآنَ أَيْضًا. حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَعَاقَبْتُمْ} قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ {فَعَاقَبْتُمْ}، وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَحُمَيْدٌ وَالْأَعْرَجُ ( فَعَقَّبْتُمْ) مُشَدَّدَةً. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ ( فَأَعْقَبْتُمْ ) وَقَالَ: صَنَعْتُمْ كَمَا صَنَعُوا بِكُمْ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ ( فَعَقَبْتُمْ ) خَفِيفَةً بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَقَرَأَ مَسْرُوقٌ وَشَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ ( فَعَقِبْتُمْ ) بِكَسْرِ الْقَافِ خَفِيفَةً. وَقَالَ: غَنِمْتُمْ. وَكُلُّهَا لُغَاتٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. يُقَالُ: عَاقَبَ وَعَقَبَ وَعَقَّبَ وَأَعْقَبَ وَتَعَقَّبَ وَاعْتَقَبَ وَتَعَاقَبَ إِذَا غَنِمَ. وَقَالَ الْقُتَبِيُ:ّ( فَعَاقَبْتُمْ) فَغَزَوْتُمْ مُعَاقَبِينَ غَزْوًا بَعْدَ غَزْوٍ."
يعني من الغزو المتعاقب الذي يلي بعضه بعضًا.
"وَقَالَ ابْنُ بَحْر:ٍ أَيْ فَعَاقَبْتُمُ الْمُرْتَدَّةَ بِالْقَتْلِ فَلِزَوْجِهَا مَهْرُهَا مِنْ غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ.
الثَّالِثَةُ :قَوْلُهُ تَعَالَى :{فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ... ".
يعني إذا قُتلت المرتدة، إذا ارتدت المرأة يعوض زوجها مهرها من بيت المال، مُقتضى ما تقدم قريبًا. ماذا قال ابن بحر؟ يقول: فَعَاقَبْتُمُ الْمُرْتَدَّةَ بِالْقَتْلِ فَلِزَوْجِهَا مَهْرُهَا مِنْ غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ، لأنه يصدق عليه وذهبت زوجته {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة:11]، هل يشمل المرتدة؟ وقل مثل هذا في المرجومة مثلاً، أو مقتص منها كل هذا لا أصل له.
"الثَّالِثَةُ :قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ: إِنْ لَحِقَتِ امْرَأَةٌ مُؤْمِنَةٌ بِكُفَّارِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ، وَلَهَا زَوْجٌ مُسْلِمٌ قِبَلَكُمْ فَغَنِمْتُمْ، فَأَعْطُوا هَذَا الزَّوْجَ الْمُسْلِمَ مَهْرَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ تُخَمَّسَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُعْطَى مِنْ مَالِ الْفَيْءِ. وَعَنْهُ يُعْطَى مِنْ صَدَاقِ مَنْ لَحِقَ بِنَا. وَقِيلَ: أَيْ إِنِ امْتَنَعُوا مِنْ أَنْ يَغْرَمُوا مَهْرَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الَّتِي ذَهَبَتْ إِلَيْهِمْ، فَانْبِذُوا الْعَهْدَ إِلَيْهِمْ حَتَّى إِذَا ظَفِرْتُمْ فَخُذُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ. قَالَ الْأَعْمَشُ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ: بَلْ حُكْمُهَا ثَابِتٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيعُ هَذَا."
طالب:................
من لحقت امرأة، أو من الأقوال الثلاثة، وليس فيمن ليس بيننا وبينه عهد. لا ما هو موجود في الطباعة، النسخة التي معك، هذا اسمه تصحيح. كلام ابن عباس أو كلام من؟
طالب:................
وقالا: هي فيمن بيننا وبينه عهد وليس بيننا وبينه عهد. في الحالين.
تصححون النسخة، الكلام الأول صحيح على هذا. والتصحيح ليس في محله. هذا مجرد استرواح.
طالب:................
الذي ذهبت زوجته يُعطى، ذهبت زوجته إلى بلاد الكفار يُعطى، وليس بيننا وبينه عهد، على حالين المسلم يعطى. يطالبون إن دفعوا وإلا إذا قدر عليه أخذنا من الغنائم أعطيناه.
"قال الْقُشَيْرِيُّ :وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ أَبِي سُفْيَان، ارْتَدَّتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا عِيَاضَ بْنَ غَنْمٍ الْقُرَشِيَ، وَلَمْ تَرْتَدَّ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرُهَا، ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :هُنَّ سِتُّ نِسْوَةٍ رَجَعْنَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَحِقْنَ بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُهَاجِرِينَ: أُمُّ الْحَكَمِ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ كَانَتْ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ أَبِي شَدَّادٍ الْفِهْرِيِّ. وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ أُخْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا هَاجَرَ عُمَرُ أَبَتْ وَارْتَدَّتْ. وَبَرْوَعُ بِنْتُ عُقْبَةَ، كَانَتْ تَحْتَ شَمَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ. وَعَبْدَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى، كَانَتْ تَحْتَ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ. وَأُمُّ كُلْثُومِ بِنْتِ جِرْوَلٍ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَشِهْبَةُ بِنْتُ غَيْلَانَ. فَأَعْطَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهُورَ نِسَائِهِمْ مِنَ الْغَنِيمَة {وَاتَّقُوا اللَّهَ} احْذَرُوا أَنْ تَتَعَدَّوْا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} فِيهَا ثَمَانِي مَسَائِلَ
:الْأُولَى :قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ جَاءَ نِسَاءُ أَهْلِ مَكَّةَ يُبَايِعْنَهُ، فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِنَّ أَلَّا يُشْرِكْنَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ :فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ»."
وهذه البيعة معروفة ببيعة النساء، وفي حديث عُبادة في الصحيح: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما بايع عليه النساء على ما بايع عليه النساء. فهل بيعة النساء مُتقدمة على بيعة الرجال حتى يُحال عليها أم متأخرة عنها؟ هي متأخرة عن بيعة الرجال لكن جرت العادة للإحالة على ما في القرآن، لأنه هو المحفوظ عند الخاص والعام، يحال على ما في القرآن لأن الناس يعرفون كُلُهُ بيعة النساء مضبوطة في القرآن بيعة الرجال في الأحاديث. فرق بينَ ما يُدون في كتابِ الله -جل وعلا- الذي يقرأه العامة والخاصة، وبين ما يذكر في الأحاديث التي لا يتطلع عليها إلا الخاصة. يعنى نظيرُ ذلك: من جامع في نهار رمضان عليه كفارة ظِهار. لماذا يقال كفارة ظِهار؟ ما يُقال كفارة مُجامع في نهار رمضان وهي في الصَحيحين لأن كفارة الظهار مثبتة في القرآن فيُحال عليها يحال عليها بخلاف كفارة الجماع في نهار رمضان فإنها في الحديث.
"وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلَامِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ; وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: «قَدْ بَايَعْتُكُنَّ» كَلَامًا. وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَايَعَ النِّسَاءَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَأَيْدِيهِنَّ ثَوْب."
يعني بِحائل لكن هذا ليسَ بِمَحفوظ والمحفوظ أنه ما مست يدهُ يد امرأة قط لا بحائل ولا من غير حائل -عليه الصلاة والسلام- لأن بعض الناس قد يتورع وقد يَتكايس فيلبس شيء على يده يصافح به النساء يزعمُ أنه يخرجُ بذلك من العُهدة والحرج وهذا ليس بِصحيح.
"وَكَانَ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِنَّ. وَقِيلَ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيْعَةِ الرِّجَالِ جَلَسَ عَلَى الصَّفَا وَمَعَهُ عُمَرُ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَجَعَلَ يَشْتَرِطُ عَلَى النِّسَاءِ الْبَيْعَةَ وَعُمَرُ يُصَافِحُهُنّ."
وهذا أيضًا ليس بصحيح؛ لا يثبت؛ لأن عُمر في المحظور مثل عليه الصلاة والسلام هو أجنبي عنهن فلا يجوز له أن يمس يد امرأة قط؛ لا عمر ولا غير عمر.
"وَرُوِيَ أَنَّهُ كَلَّفَ امْرَأَةً وَقَفَتْ عَلَى الصَّفَا فَبَايَعَتْهُنَّ."
وكل هذا لا يثبت.
"قال ابْنُ الْعَرَبِيّ:ِ وَذَلِكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحِ. وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ :لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَمَعَ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ فِي بَيْتٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَ عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُنَّ; أَلَّا تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا. فَقُلْنَ: نَعَمْ. فَمَدَّ يَدَهُ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ وَمَدَدْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ; ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَد. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا بَايَعَ النِّسَاءَ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ ، فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهِ ثُمَّ أَمَرَ النِّسَاءَ فَغَمَسْنَ أَيْدِيَهُنَّ فِيهِ.
الثَّانِيَةُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ: عَلَى أَلَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا، قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ خَوْفًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِفَهَا لِمَا صَنَعَتْهُ بِحَمْزَةَ يَوْمَ أُحُدٍ :وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَأْخُذُ عَلَيْنَا أَمْرًا مَا رَأَيْتُكَ أَخَذْتَهُ عَلَى الرِّجَالِ، وَكَانَ بَايَعَ الرِّجَالَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ فَقَطْ."
يُبايع كل قوم بما يُناسبهم ويَليق بهم، فالرجال لهم خصائص والنساء لهن خصائص، ومن ظلم الرجال أن يُعاملوا مُعاملة النساء، ومن ظلم النساء أن يُعاملن معاملة الرجال.
"فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَسْرِقْنَ» فَقَالَتْ هِنْدُ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَإِنِّي أُصِيبُ مِنْ مَالِهِ قُوتَنَا. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هُوَ لَكِ حَلَالٌ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفَهَا وَقَالَ: «أَنْتِ هِنْدُ» فَقَالَتْ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ. ثُمَّ قَالَ: «وَلَا يَزْنِينَ» فَقَالَتْ هِنْد: أَوَتَزْنِي الْحُرَّةُ! ثُمَّ قَالَ: «وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ» أَيْ لَا يَئِدْنَ الْمَوْءُودَاتِ وَلَا يُسْقِطْنَ الْأَجِنَّةَ. فَقَالَتْ هِنْدُ: رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا وَقَتَلْتَهُمْ كِبَارًا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَنْتُمْ وَهُمْ أَبْصَرُ. وَرَوَى مُقَاتِلٌ أَنَّهَا قَالَتْ: رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا وَقَتَلْتُمُوهُمْ كِبَارًا، وَأَنْتُمْ وَهُمْ أَعْلَمُ. فَضَحِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى اسْتَلْقَى. وَكَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ بِكْرُهَا قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمَّ قَال: {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قِيلَ: مَعْنَى بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ: أَلْسِنَتُهُنَّ بِالنَّمِيمَةِ. وَمَعْنَى بَيْنَ أَرْجُلِهِنَّ: فُرُوجُهُنَّ. وَقِيلَ: مَا كَانَ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ مِنْ قُبْلَةٍ أَوْ جَسَّةٍ، وَبَيْنَ أَرْجُلِهِنَّ الْجِمَاعُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا يُلْحِقْنَ بِرِجَالِهِنَّ وَلَدًا مِنْ غَيْرِهِمْ. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَقِطُ وَلَدًا فَتُلْحِقُهُ بِزَوْجِهَا وَتَقُولُ: هَذَا وَلَدِي مِنْكَ. فَكَانَ هَذَا مِنَ الْبُهْتَانِ وَالِافْتِرَاءِ. وَقِيلَ: مَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا كِنَايَةٌ عَنِ الْوَلَدِ; لِأَنَّ بَطْنَهَا الَّذِي تَحْمِلُ فِيهِ الْوَلَدَ بَيْنَ يَدَيْهَا، وَفَرْجهَا الَّذِي تَلِدُ مِنْهُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا. وَهَذَا عَامٌّ فِي الْإِتْيَانِ بِوَلَدٍ وَإِلْحَاقِهِ بِالزَّوْجِ وَإِنْ سَبَقَ النَّهْيُ عَنِ الزِّنَى. وَرُوِيَ أَنَّ هِنْدًا لَمَّا سَمِعَتْ ذَلِكَ قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّ الْبُهْتَانَ لَأَمْرٌ قَبِيحٌ; مَا تَأْمُرُ إِلَّا بِالْأَرْشَدِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ! ثُمَّ قَالَ: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قَالَ قَتَادَةُ: لَا يَنُحْنَ. وَلَا تَخْلُو امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا بِذِي مَحْرَمٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّب، وَمُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَم:َ هُوَ أَلَّا يَخْمِشْنَ وَجْهًا. وَلَا يَشْقُقْنَ جَيْبًا، وَلَا يَدْعُونَ وَيْلًا، وَلَا يَنْشُرْنَ شَعْرًا، وَلَا يُحَدِّثْنَ الرِّجَالَ إِلَّا ذَا مَحْرَم.ٍ وَرَوَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ فِي النَّوْحِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ."
هذا عام في جميع المعاصي: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}، ومعروف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يأمر إلا بمعروف فالتصريح هنا هو أنه مجرد توضيح، ولا مفهوم له لأنه لا يمكن أن يأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بغير معروف.
"وَرَوَى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فَقَالَ: هُوَ النَّوْح."
وشهر ضعيف. ماذا قال عنه؟
طالب:................
يعني الصواب وقف، ورفعه لا يثبت لأن فيه شهرا، ولو ثبت فالتفسير ببعض الأفراد مألوف كتفسير القوة بالرمي وهذا لا ينفي ما عداه مما يتناوله العموم.
"وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ نُوحٍ: أَدْرَكْتُ عَجُوزًا مِمَّنْ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَتْنِي عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي قَوْلِه: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فَقَالَ: «النَّوْحُ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قَالَ: كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَةُ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ."
التنصيص على النياحة من بين سائر المعاصي يدل على الاهتمام بشأنها والعناية بها وأنها كانت منتشرة في ذلك الوقت فأريد الاجتثاث بالتنصيص عليها.
"قالت: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا آلَ فُلَانٍ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ; فَلَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أُسْعِدَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا آلَ فُلَانٍ». وَعَنْهَا قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم..."
«إِلَّا آلَ فُلَانٍ» يعني في مرةٍ واحدة وفي كل ما يحصل لهم من مصائب. أم عطية تقول: أسعدونا بالجاهلية، ونسعدهم، ننوح معهم، ألا آل فلان فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إِلَّا آلَ فُلَانٍ» يعني في كل ما يحصل لهم من مصائب نُسعدهم أو مرة واحدة نرد عليهم ما حصل. نعم الذي يظهر أنها مرة واحدة .
طالب:................
الاستثناء منه عليه الصلاة والسلام.
إسعاد يعني تعاون على هذا الباطل لكن استُثني هذه المرة الواحدة منه -عليه الصلاة والسلام- أما غيره لا يستثنى.
طالب:................
استمر حكمه وأما الإسعاد قطع. انتهى خلاص.
"وعنها قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْبَيْعَةِ أَلَّا نَنُوحَ; فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا خَمْسٌ: أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ الْعَلَاءِ، وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ أَوِ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ، وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ..."
يعني هنا واحدة أو اثنتان.
"وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْرُوفَ هَاهُنَا الطَّاعَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ; قَالَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ. وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ: لَا يَعْصِينَكَ فِي كُلِّ أَمْرِ فِيهِ رُشْدُهُنَّ. وقال الْكَلْبِيُّ :هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَعْرُوفٍ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ بِهِ. فَرُوِيَ أَنَّ هِنْدًا قَالَتْ عِنْدَ ذَلِكَ: مَا جَلَسْنَا فِي مَجْلِسِنَا هَذَا وَفِي أَنْفُسِنَا أَنْ نَعْصِيَكَ فِي شَيْءٍ.
الثَّالِثَةُ: ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي صِفَةِ الْبَيْعَةِ خِصَالًا شَتَّى; صَرَّحَ فِيهِنَّ بِأَرْكَانِ النَّهْيِ فِي الدِّينِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَرْكَانَ الْأَمْرِ. وَهِيَ سِتَّةٌ أَيْضًا: الشَّهَادَةُ، وَالصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْحَجُّ، وَالِاغْتِسَالُ مِنَ الْجَنَابَةِ."
لأن ما نص عليه مفاسد وما تُرك مصالح ولا شك أن ترك المفاسد ودرء المفاسد أولى بأن يُبدأ به من جلب المصالح كما يقول أهل العلم: التخلية قبل التحلية.
"وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّهْيَ دَائِمٌ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَكُلِّ الْأَحْوَالِ; فَكَانَ التَّنْبِيهُ عَلَى اشْتِرَاطِ الدَّائِمِ آكَدَ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَنَاهِيَ كَانَ فِي النِّسَاءِ كَثِيرٌ مَنْ يَرْتَكِبُهَا وَلَا يَحْجِزُهُنَّ عَنْهَا شَرَفُ النَّسَبِ، فَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِهَذَا. وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: «وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ»."
يعني من الأوعية التي ينتبذ فيها، من الأوعية الصلبة التي يتغير ما انتُبِذَ فيها، ولا يعلم به ولا يُشعر به. وأما الأسقيةُ من الأدم فإنه إذا تغير من فيها انتفخت، ثم بعد ذلك نسخ هذا النهي.
"فَنَبَّهَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ دُونَ سَائِرِ الْمَعَاصِي، لِأَنَّهَا كَانَتْ شَهْوَتَهُمْ وَعَادَتَهُمْ، وَإِذَا تَرَكَ الْمَرْءُ شَهْوَتَهُ مِنَ الْمَعَاصِي هَانَ عَلَيْهِ تَرْكُ سَائِرِهَا مِمَّا لَا شَهْوَةَ لَهُ فِيهَا.
الرَّابِعَةُ: لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْعَةِ :«وَلَا يَسْرِقْنَ» قَالَتْ هِنْدُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مَسِيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ..."
مَسِيكٌ يعني مبالغة في كونه ممسك للمال.
"إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مَسِيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ آخُذَ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي؟ فقَالَ: «لَا إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ» فَخَشِيَتْ هِنْدُ أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى مَا يُعْطِيهَا فَتَضِيعَ، أَوْ تَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَتَكُونَ سَارِقَةً نَاكِثَةً لِلْبَيْعَةِ الْمَذْكُورَةِ. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا؛ أَيْ لَا حَرَجَ عَلَيْكِ فِيمَا أَخَذْتِ بِالْمَعْرُوفِ، يَعْنِي مِنْ غَيْرِ اسْتِطَالَةٍ إِلَى أَكْثَرَ مِنَ الْحَاجَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَخْزُنُهُ عَنْهَا فِي حِجَابٍ وَلَا يَضْبِطُ عَلَيْهِ بِقُفْلٍ فَإِنَّهُ إِذَا هَتَكَتْهُ الزَّوْجَةُ وَأَخَذَتْ مِنْهُ كَانَتْ سَارِقَةً تَعْصِي بِهِ وَتُقْطَعُ يَدُهَا."
إذا كان يُغلق على الأموال الأغلاق ويحرزُها بِحرز، ثم أخذت منه بغير إذنه تعد سارقة لكن إذا تمكنت من الأخذ بدون هذه الأمور فإن لها أن تأخذ ما يكفيها ويكفي ولدها بالمعروف. لكن لها شُبهة حتى لو أخذت ما تحتاجُ إليه ويحتاج إليه ولدها ولو كان من محل مغلق الشبهة يدرى بها الحد.
"الْخَامِسَةُ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ :أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ: «أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا يَعْضَهُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ أَمَرَكُمْ بِهِ». مَعْنَى يَعْضَهُ: يَسْحَرُ. وَالْعَضْهُ: السِّحْرُ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ بَحْر وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ} إِنَّهُ السِّحْرُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هَذَا نَهْيٌ عَنِ الْبُهْتَانِ، أَيْ لَا يَعْضَهْنَ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً بِبُهْتَانٍ أَيْ بِسِحْرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَم. {يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى بِبُهْتَانٍ بِوَلَدٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ مَا أَخَذَتْهُ لَقِيطًا وَأَرْجُلِهِنَّ مَا وَلَدَتْهُ مِنْ زِنًى. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لِلنِّسَاء.ِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا يَأْمُرُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْهَى عَنْهُ; فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّوْحُ وَتَخْرِيقُ الثِّيَابِ وَجَزُّ الشَّعْرِ وَالْخَلْوَةُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذِهِ كُلُّهَا كَبَائِرُ وَمِنْ أَعَمالِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَذَكَرَ مِنْهَا النِّيَاحَةَ» .وَرَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «هَذِهِ النَّوَائِحُ يُجْعَلْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَّيْنِ، صَفًّا عَنِ الْيَمِينِ وَصَفًّا عَنِ الْيَسَارِ، يَنْبَحْنَ كَمَا تَنْبَحُ الْكِلَابُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِنَّ إِلَى النَّارِ»."
تخريجه؟
جاء التغليظ في شأن النائحة وأنها تبعث يوم القيامة عليها سربال من قطران ودرع من جرب.
"وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«لَا تُصَلِّي الْمَلَائِكَةُ عَلَى نَائِحَةٍ وَلَا مُرِنَّةٍ». وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ نَائِحَةً فَأَتَاهَا فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ حَتَّى وَقَعَ خِمَارُهَا عَنْ رَأْسِهَا. فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ! قَدْ وَقَعَ خِمَارُهَا. فَقَالَ: إِنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا. أَسْنَدَ جَمِيعَهُ الثَّعْلَبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. أَمَّا تَخْصِيصُ قَوْلِهِ: {فِي مَعْرُوفٍ} مَعَ قُوَّةِ قَوْلِهِ: {وَلَا يَعْصِينَكَ} فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمَعْنَى عَلَى التَّأْكِيدِ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ احْكُمْ لَكَفَى. الثَّانِي: إِنَّمَا شَرَطَ الْمَعْرُوفَ فِي بَيْعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَكُونَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَلْزَمَ لَهُ وَأَنْفَى لِلْإِشْكَالِ.
السَّابِعَةُ: رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَتُبَايِعُونَنِي عَلَى أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا» قَرَأَ آيَةَ النِّسَاءِ."
آية النساء آية سورة النساء وآية بيعة النساء؟
بيعة النساء.
"وَأَكْثَرُ لَفْظِ سُفْيَانَ: قَرَأَ فِي الْآيَةِ - فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ مِنْهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَهِدْتُ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ؛ فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ; فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ مَعَ بِلَالٍ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} - حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ كُلِّهَا، ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ -: «أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ؟» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ; لَا يَدْرِي الْحَسَنُ مَنْ هِيَ. قَالَ: «فَتَصَدَّقْنَ» وَبَسَطَ بِلَالٌ ثَوْبَهُ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
الثَّامِنَةُ: قَالَ الْمَهْدَوِيُّ :أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِنَّ هَذَا; وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ نَدْبٌ لَا إِلْزَامٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: إِذَا احْتِيجَ إِلَى الْمِحْنَةِ مِنْ أَجْلِ تَبَاعُدِ الدَّارِ كَانَ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ إِقَامَةُ الْمِحْنَةِ."
لو أسلمت امرأة هل تمتحن بهذا؟ كل امرأة تسلم تمتحن بهذا وأن هذا حصل في عهده -عليه الصلاة والسلام- وبيعته وهل لكل إمام أن يُبايع؟ أحيانًا يبايع الرجال وأحيانًا يبايع كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ في ولاة المسلمين من صدر الإسلام إلى يومنا هذا من فعل هذا وأن هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} يَعْنِي الْيَهُودَ. وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُخْبِرُونَ الْيَهُودَ بِأَخْبَارِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُوَاصِلُونَهُمْ فَيُصِيبُونَ بِذَلِكَ مِنْ ثِمَارِهِمْ فَنُهُوا عَنْ ذَلِك. {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ} يَعْنِي الْيَهُودَ قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَقِيلَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. قَالَ ابْنُ مَسْعُود:ٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْعَمَلَ لِلْآخِرَةِ وَآثَرُوا الدُّنْيَا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَئِسُوا مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ."
يعني قوله: {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة:13] رجح أن يكون المُراد بهم اليهود وفي حكمهم كل ما يُوافقهم على كُفرهم وشركهم. فلا يجوز تولي الكفار عمومًا لا يهود ولا غير يهود لكن التنصيص على اليهود باعتبار أنهم هم السبب في النزول.
"وَمَعْنَى{ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ} أَيِ الْأَحْيَاءُ مِنَ الْكُفَّارِ. {مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِمْ; قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَة. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْر}. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ} الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الدُّنْيَا. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَتَمَ السُّورَةَ بِمَا بَدَأَهَا مِنْ تَرْكِ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ; وَهِيَ خِطَابٌ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا} أَيْ لَا تُوَالُوهُمْ وَلَا تُنَاصِحُوهُمْ; رَجَعَ تَعَالَى بِطُولِهِ وَفَضْلِهِ."
لا تناصحوهم يعني؛ يعني بما ينفعهم في أمر الدنيا لا في أمر الدين وإلا نصحهم، وتوجيههم، ودعوتهم هذه مطلوبة شرعًا. لما تناصحوهم تلقوا إليهم بالنصيحة بما ينفعهم في دنياهم، وقد يكون فيه ضرر على المسلمين فلا. هذا معنى التولي.
"رَجَعَ تَعَالَى بِطُولِهِ وَفَضْلِهِ عَلَى حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ يُرِيدُ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَدْ يَئِسُوا مِنْ خَيْرِ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ الْمَقْبُورُونَ مِنْ حَظٍّ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} قَالَ: مَنْ مَاتَ مِنَ الْكُفَّارِ يَئِسَ مِنَ الْخَيْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَم."
لأنه ليس له الرجعة يمكن أن يتوب وينيب ويدخل في الإسلام. إنما إذا خرجت روحه، وفارقت بدنه صار ميئوسًا منه. والله المستعان. اللهُّم صلِّ على محمد.
"