هدي النبي في رمضان (14)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله إلى لقاء جديد يجمعنا بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله في مطلع هذا اللقاء يسعدنا أن نرحب بكم يا شيخ عبد الكريم فأهلاً وسهلاً بكم ومرحبًا.
حياكم الله وبارك فيكم.
فضيلة الشيخ كان الحديث في حلقة مضت حول هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان من هذا الهدي النبوي أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله وقد ذكرتم ما تيسر حول هذا الأمر هل يلحق فضيلة الشيخ بهذا الحكم أيضًا الحائض إذا طلع عليها الفجر وهي لم تغتسل إذا طهرت قبل الفجر؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
بالنسبة للحائض والنفساء الصوم لا يصح منهما إجماعًا بل يحرم أن تصوم في وقت الحيض والنفاس وكذلك الصلاة والأصل في ذلك ما رواه البخاري وغيره في بيان النبي -عليه الصلاة والسلام- لنقصان دين المرأة من قوله -عليه الصلاة والسلام- «أليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي؟» وعليهما قضاء الصوم دون الصلاة لما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أن معاذة سألتها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة -رضي الله عنها- أحرورية أنتِ؟ قالت لست بحرورية ولكني أسأل، فقالت: كنا نحيض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. متفق عليه. وقد أجمع العلماء على ما ذكرته عائشة -رضي الله عنها- من وجوب قضاء الصوم دون الصلاة وهذا من رحمة الله وتيسيره عليهما؛ لأن الصلاة تتكرر في كل يوم وليلة خمس مرات ففي قضائها مشقة عليهما وأما الصوم فإنه يجب في السنة مرة واحدة وهو صوم رمضان فلا مشقة في قضائه وأما ما جاء عنه السؤال وهو أن الحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر وأخرت الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر لا شك أنها إذا طهرت قبل طلوع الفجر فإنها يجب عليها الصيام وصومها حينئذٍ صحيح إذا إذا تيقنت الطهر قبل طلوع الفجر ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر كالجنب كالجنب يصبح يصبح جنبًا يصوم ولو لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر، لما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يدركه الفجر وهو جنب فيقوم ويغتسل بعد طلوع الفجر وهذا تقدم، هناك مسائل متعلقة بالحائض إذا حاضت بعد غروب الشمس فإن صيامها صحيح ولو أحست بأعراض الحيض قبل غروب الشمس؛ لأن العبرة بخروج الدم وليس الإحساس وإذا طهرت في أثناء النهار يجب عليها الإمساك في الراجح من أقوال العلماء لزوال العذر الشرعي؛ لأن الإفطار هذه الرخصة لها إنما علقت بوصف وهو الحيض، ارتفع هذا الوصف فإذا زال العذر الشرعي لزمها الإمساك وعليها قضاء ذلك اليوم، ومثلها المسافر إذا قدم في أثناء النهار في رمضان إلى بلده فإنه يلزمه الإمساك لزوال حكم السفر مع قضاء ذلك اليوم، بالنسبة للمستحاضة وهي التي يكون معها دم لا يصلح أن يكون حيضًا ولا نفاسًا حكمها حكم الطاهرات تصوم وتصلي وتتوضأ لكل صلاة كأصحاب الحدث الدائم من بول أو ريح أو غيرهما، لكن عليها أن تتحفظ من الدم بقطن أو نحوه حتى لا يلوّث الدم بدنها ولا ثوبها وإذا استعملت المرأة ما يقطع من حبوب أو إبر فانقطع الدم بذلك فإنها في حكم الطاهرات صلاتها صحيحة وكذلك صومها وعلى هذا لا بأس باستعمال ما يمنع العادة من أجل متابعة الصيام والقيام مع الناس لأنه أنشط لها شريطة أن تسلم من الضرر في بدنها مع أن تسليمها لحكم الله وعدم استعمال هذه الموانع أولى؛ لأن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فلترض ولتسلم لكن إذا قالت أنها تريد أن تتابع الصيام وتتابع القيام مع الناس أنشط لها وأنفع لقلبها والحبوب والموانع هذه لا تضرها من الناحية الطبية فإنه حينئذٍ لا بأس لأن الحكم معلق بنزول الدم ولم ينزل فلم تترتب عليه آثارها.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ أيضًا سؤال حول المسألة التي طرحتها في بداية اللقاء وهي لو تأنت هذه الحائض للتأكد من طهوريتها فلم تغتسل إلا بعد الفجر من أجل فقط التيقن؟
هذه مرت مرت هي كالجنب سواء بسواء هي كالجنب إذا طهرت قبل طلوع الفجر وتأكدت من طلوع الفجر فإنها تصوم صومها صحيح ولو لم تغتسل إلا بعد ذلك لو لم تغتسل إلا بعد لكن يجب عليها أن تغتسل قبل قبل طلوع وقت الفجر لتتمكن من أداء صلاة الصبح في وقتها وكذلك الجنب.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ أيضًا مما ذكره ابن القيم -رحمة الله تعالى عليه- في كتابه زاد المعاد هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في إسقاط القضاء عمن أكل أو شرب ناسيًا وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي أطعمه وسقاه فضيلة الشيخ حول من رأى ناسيًا مفطرًا هل يبلغه لو تركه رحمة له هل تلحق سائر المفطرات بالأكل والشرب مثل الجماع مثل الحجامة لو سهى عنها لو كان ذاهلاً عن هذا الأمر هلا تحدثتم حول قضية..
الفطر في رمضان عمد من غير عذر حرام بالإجماع وكبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن صيام رمضان كما تقدم ركن من أركان الإسلام روى أحمد وأصحاب السنن عن أبي هريرة مرفوعًا «من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه» وعلقه البخاري وعليه قضاء ما أفطره هذا من من شدة الوعيد والذنب المرتب على من أفطر عامدًا قال لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه والذي عليه جماهير أهل العلم أن عليه قضاء ما أفطره لعموم قوله تعالى: { فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ}البقرة: ١٨٥ والآية وإن كانت في حق المعذور فغيره من باب أولى نظيره من ترك الصلاة عمدًا حتى خرج وقتها من تكاسل عن الصلاة حتى خرج وقتها جمهور أهل العلم على أنه يلزمه القضاء بعد خروج وقتها وإن قال بعضهم أنها لا تقضى أما ما رواه الدارقطني عن جابر «من أفطر يومًا من رمضان في الحضر فليهد بدنه فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعًا من تمر للمساكين» هذا حديث ضعيف لا تقوم به حجة، نأتي إلى جواب السؤال من رأى مسلمًا في نهار رمضان يتناول مفطرًا من أكل أو شرب أو غيرهما ناسيًا أو متعمدًا فإنه حينئذٍ يجب عليه الإنكار عليه؛ لأن إظهار ذلك في نهار رمضان منكر ولو كان صاحبه معذورًا في نفس الأمر، أولاً لا يوجد ما يدل على أن فلان ناسي وعلان متعمد هذه أمور، أمور خفية يتبعها النوايا ولا اطلاع لنا على النوايا فعلينا أن ننكر المنكر ممن جاء به؛ لأن إظهار ذلك في نهار رمضان منكر ولو كان صاحبه معذورًا في نفس الأمر حتى لا يجترئ الناس على إظهار ما حرم الله من المفطرات في نهار الصيام بدعوى النسيان، يعني إذا أمكن تصديق زيد من الناس وأنه أكل ناسيًا لكن ماذا عن بقية الناس قد يتذرع بقية الناس بالأكل بحجة النسيان وإذا كان من أظهر ذلك صادقًا في دعواه أنه ناسٍ فلا قضاء عليه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» متفق عليه، وهكذا المسافر ليس له أن يظهر تعاطي المفطِّرات بين المقيمين الذين لا يعرفون حاله بل عليه أن يستتر بذلك حتى لا يتهم بتعاطيه ما حرم الله عليه وحتى لا يجرؤ غيره على ذلك، وهكذا الكفار يمنعون من إظهار الأكل والشرب ونحوهما بين المسلمين سدًا لباب التساهل في هذا الأمر ولأنهم ممنوعون من إظهار شعائر دينهم الباطل بين المسلمين والله المستعان.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ فضيلة اليشخ بالنسبة لهل تلحق سائر المفطرات بالأكل والشرب كما لو احتجم ذاهلاً مثلاً عن كونه صائمًا أو مثلاً جاهل أو شيء من هذا القبيل.
نعم سائر المفطرات حكمها حكم الأكل والشرب سواء في النسيان إذا احتجم ناسيًا إذا استقاء ناسيًا إذا جامع ناسيًا فحكمه حكم الأكل والشرب؛ إنما نبه النبي -عليه الصلاة والسلام- على من أكل أو شرب ناسيًا؛ لأن هذا هو الغالب هو الغالب الذي يقع في النسيان هذا لعموم { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَا} البقرة: ٢٨٦ ومن أهل العلم من يستثني مسألة الجماع؛ لأنه يستبعد أن يوجد من الصائم على سبيل النسيان، يستبعد..، وإنما يلزمه القضاء وتلزمه الكفارة عند بعضهم، لكن الجادة المطردة عند كثير من أهل العلم أن حكم النسيان واحد في المفرطات كلها.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بما قلتم إنه سميع مجيب، أيها الإخوة المستمعون الكرام بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة، نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا إنه سميع مجيب، نتقدم في ختامها بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله وشكر الله لكم أنتم مستمعينا الكرام، نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة مقبلة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"