شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (066)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى هذه الحلقة من برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع مطلع حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: ما زلنا مع حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وقد أشرتم في الحلقة الماضية إلى شيء من ألفاظ الحديث في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "«إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة»."
لعلنا نستكمل معكم أحسن الله إليكم ما تبقى من هذا الحديث.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عرفنا معنى الدِّين وكونه يُسْر أو ذو يُسْر ومعنى المشادَّة وهي المغالبة، كما قال أهل اللغة يقال: شادَّه يشادُّه مشادَّةً إذا غالبه وقاواه، ومعنى ذلك لا يتعمق أحد في الدين ويترك الرفق إلا غلبه الدين، وعجز ذلك المتعمق وانقطع عن عمله كله أو بعضه.
يقول ابن رجب -رحمه الله تعالى-: معنى الحديث النهي عن التشديد في الدين بأن يحمل الإنسان نفسه، أو يُحمِّل الإنسان نفسه من العبادة ما لا تحتمله إلا بكُلْفة شديدة، وهذا هو المراد بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «لن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه» يعني أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة، فمن شاد الدين غلبه وقطعه.
يقول ابن المنيِّر: في هذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل مَنْع الإفراط المُؤدِّي إلى الملال أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يصلي الليل كله، هذه مشادة، يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل، فنام عن صلاة الصبح في جماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة.
أقول: هذا بالنسبة لمن سهر ليله في عبادة، تؤديه هذه العبادة لتَضمُّن عمله مخالفة ما جاء من يسر الشريعة، وأن الدين يسر، هذا بالنسبة لمن سهر ليله في عبادة، فكيف بمن سهر على مباح؟! فكيف بمن يسهر على المحرمات وينام عن الصلوات ويتعمد تأخير صلاة الفجر إلى وقت الدوام مع الإصرار على ذلك؟! والعياذ بالله.
وقد أفتى بعض العلماء بكفر من تعمد تركيب المنبه وضبط المنبه على الدوام دون وقت الصلاة، يعني بحيث يكون هذا ديدنه، والله المستعان.
الأمر خطير، صلاة الفجر أثقل الصلاة على المنافقين، وتُهدَر الأوقات في الليل بالقيل والقال، فإذا قرب وقت صلاة الفجر نام وتركها، فإذا كان من يسهر ليله في عبادة في صلاة في تأليف، في التلاوة، ثم ينام عن الجماعة فضلاً عن كونه ينام عن الصلاة حتى يخرج وقتها، هذا يُذَم شرعًا، فكيف بمن يسهر على مباح؟! فما الشأن أيضًا لمن يسهر على محرم؟! والله المستعان.
«فسدِّدوا» أي الزموا السداد، وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط، قال أهل اللغة: السداد التوسط في العمل، قال ابن رجب: التسديد هو إصابة الغرض المقصود، وأصله من تسديد السهم، إذا أصاب الغرض المرمي إليه ولم يخطئه.
«وقاربوا» الآن يقول: تسديد السهم، هل يسدد السهم أو القوس؟ أيهما الذي يسدد؟ يقول: وأصله من تسديد السهم، إذا أصاب الغرض المرمي إليه ولم يخطئه.
«وقاربوا» المقاربة أن يقارب الغرض وإن لم يصبه، لكن يكون مجتهدًا على الإصابة، فيصيب تارة ويقارب أخرى، أو تكون المقاربة لمن عجز عن الإصابة، كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن 16] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».
«وأبشروا» أي بالثواب على العمل الدائم وإن قل.
قال الحافظ: والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بأن العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره، حاول أن يصل إلى الكمال لكنه عجز، هذه قدرته ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وُأبهِم المبشَّر به تعظيمًا له وتفخيمًا.
«واستعينوا» أي اطلبوا العون على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة، والأصل في الاستعانة طلب العون من الله -سبحانه وتعالى-، كما جاء في حديث معاذ بن جبل قال: أخذ بيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إني لأحبك يا معاذ» فقلت: وأنا أحبك يا رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فلا تدع أن تقول في كل صلاة: رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» الحديث مخرَّج في المسند والسنن سنن أبي داود والنسائي وصحيح ابن حبان وغيرها.
الاستعانة المأمور بها في هذا الحديث: «واستعينوا» هي الإفادة مما يعين على عبادة الله -عز وجل-، مما أذن الله فيه ويسره لعباده؛ لأن الأصل في الاستعانة يجوز أن تطلب من غير الله -عز وجل-؟
المقدم: حي قادر يقدر عليها...
هذه استعانة بحي قادر؟ استعينوا بكذا، استعينوا بالغدوة والروحة؟ أو أفيدوا مما جعله الله -سبحانه وتعالى- يفيد في هذا الباب؟
المقدم: سبب.
نعم سبب، فالاستعانة المأمور بها هنا هي الإفادة مما يعين على عبادة الله -عز وجل- مما أذن الله فيه ويسره لعباده.
«بالغَدوة» بالفتح سير أول النهار، قال الجوهري: هي ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، والروحة بالفتح أيضًا السير بعد الزوال، كذا ضبطهما بالفتح الزركشي والكرماني وابن حجر، وضبط العيني الغُدوة بضم الغين وفتح الراء من الرَّوح.
والدلجة بضم أوله وفتحه، دُلجة ودَلجة، وإسكان اللام، سير آخر الليل، وقيل: سير الليل كله، ولهذا عُبِّر فيه بالتبعيض، شيء من الدلجة ما قال بالدلجة؛ لأنه سير الليل كله؛ ولأن عمل الليل أشق من عمل النهار؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- جعل الليل سكنًا.
بخلاف ما... أقول: الأصل أن عمل الليل أشق من عمل النهار عند مَن يعمل بالنهار، لكن حينما انتكست الفطر، وتغيرت المفاهيم صار عمل الناس بالليل أسهل عليهم من عملهم بالنهار؛ لأنهم يعملون بالليل، وينامون بالنهار، يسهرون بالليل، ولذا أكثر من يسافر يسافر بالليل، والله المستعان.
قال ابن حجر: وهذه الأوقات أطيب أوقات المسافر، وكأنه -صلى الله عليه وسلم- خاطب مسافرًا إلى مقصد فنبهه على أوقات نشاطه؛ لأن المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعًا عجز وانقطع، وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشِّطة أمكنته المداومة من غير مشقة.
وفي شرح الكرماني: الإدْلاج بسكون الدال هو السير أول الليل، والادِّلاج بالدال المكسورة الشديدة سير آخر الليل.
وقال الخطابي: الدلجة سير الليل إلا أنهم قالوا: أَدْلج الليل إذا سار أول الليل، وادَّلج إذا سار آخر الليل. وقال -أعني الخطابي-: معنى الحديث الأمر بالاقتصاد في العبادة، وترك الحمل منها على النفس وما يؤودها ويثقلها. يؤودها ما معنى يؤودها؟ يعجزها، يثقلها، يكرثها كما في آية؟
المقدم: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} [سورة البقرة 255] الكرسي.
الكرسي.
يقول: إن الله -عز وجل- لم يتعبَّد خلقه بأن ينصَبوا آناء الليل والنهار، ولا يفتروا ولا يستريحوا أبدًا، وإنما أوجب عليهم وظائف الطاعات في وقت دون وقت تيسيرًا منه ورحمة، فعليكم بالسداد، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا تطيقونه، واخلطوا طرف الليل بطرف النهار، وأجمِّوا أنفسكم فيما بينهما؛ لئلا تنقطع بكم.
في شرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- يقول: في سنن أبي داود عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «إذا سافرتم فعليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل» فسير آخر الليل محمود في سير الدنيا بالأبدان، وفي سير القلوب إلى الله بالأعمال.
وخرَّج البخاري هذا الحديث في أواخر كتابه، وزاد فيه: «والقصد القصد تبلغوا» يعني أن من دام على سيره إلى الله في هذه الأوقات الثلاثة مع الاقتصاد بلَغ، ومن لم يقتصد بل بالغ واجتهد فربما انقطع في الطريق، ولم يبلغ.
وقد جاء من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا: «إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغِّض إلى نفسك عبادة الله» فإن المُنْبَتَّ لا سفرًا قطع ولا ظهرًا أبقى، الحديث مخرَّج في البيهقي.
والمُنْبَتُّ هو المنقطع في سفره قبل وصوله، فلا سفره قطع، ولا ظهره الذي يسير عليه أبقى، حتى يمكنه السير عليه بعد ذلك؛ بل هو كالمنقطع في المفاوز، فهو إلى الهلاك أقرب، ولو أنه رفق براحلته، واقتصد في سيره عليها لقطعت به سفره، وبلغ إلى المنزل، كما قال الحسن: نفوسكم مطاياكم؛ فأصلحوا مطاياكم تُبلِّغكم إلى ربكم -عز وجل-، والله أعلم.
يعني هذا الجسد لا ينبغي أن يُشَق عليه أكثر مما يتحمل ويطيق؛ لئلا تحتاج إليه في وقت أنت في أمس الحاجة إليه فيخونك؛ لأنك جرت عليه، وقل هذا في جميع أمتعة الدنيا، فالمركوب إذا جرت عليه انقطع، السيارة إذا حملت أكثر من طاقتها واستعملت أكثر من..، وأسيء استعمالها لا تلبث، وهكذا.
المقدم: لكن -أحسن الله إليكم- هذا الحديث وهو الأمر بالسير بشيء من الدلجة، مع ورود أحاديث أخرى تحث على التبكير، وخروج النبي -صلى الله عليه وسلم- مبكرًا في أول النهار، ودعائه لأمته في أن يبارك الله لها في بكورها.
هذه هي الغدوة المنصوص عليها في الحديث، يعني أول النهار وآخر النهار، يبقى وسط النهار اللي هو وقت القيلولة والراحة، وهو شدة اشتداد حرارة الشمس هذا ينبغي أن يكون للراحة، للاستجمام.
المقدم: طيب والدلجة؟
شيء من الدلجة التي هي سير آخر الليل نافع، وهذا لا يعني أن التبكير الذي أشرت إليه، وأنها محل بركة هو سير أول النهار اللي هو الغدوة، منصوص عليه في الحديث.
المقدم: لكن لا يعني هذا أن الاستعانة بشيء من الدلجة معنى ذلك ترك البكور لا يعني هذا؟
لا، لا يعني هذا؛ لأن الإنسان أخذ قسطه من الراحة في أول الليل، لا يُتصوَّر أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقصد شيء من الدلجة يخاطب شخص سهر الليل كله يقول: قم تالي الليل، آخر الليل، ثم بعد ذلك يخاطَب بالغدوة أول النهار، هذا يشق عليه، هذا يصير مُنْبَتّ، لكن يأخذ قسطه من الراحة في أول الليل، ويستغل الدلجة، وأطراف النهار، ويستغل منتصف النهار للراحة.
سائل: أحسن الله إليكم شيخنا الآن هل يقال بأن هذه الأوقات المذكورة في الحديث هي من الأوقات الفاضلة التي هي الغدوة والروحة وشيء من الدلجة؟ وهل هي المقصودة بقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَار} [سورة طـه 130]؟ ثم إن كان كذلك فهل آخر النهار أفضل من أوله على ما ذكر بعضهم؟ أم أنه لا تفضيل بين الوقتين؟
الذي يظهر أن أول النهار وآخره سواء، الغدوة والروحة، يبقى الليل هو أقرب إلى الإخلاص بالنسبة لعمل الآخرة، أقرب إلى الإخلاص وأقرب ما فيه آخره الذي هو الدلجة، والحديث صريح في هذا.
على كل حال الحديث مخرَّج في الصحيح في أربعة مواضع:
الأول: هنا كتاب الإيمان، بابٌ الدين يسر، وقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة».
قال الإمام -رحمه الله تعالى-: حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال، فذكره، وتقدم ذكر المناسبة.
الموضع الثاني: في كتاب المرضى: باب تمني المريض الموت.
حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لن يُدخِل أحدًا عملُه الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة، فسددوا وقاربوا، ولا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يَستعتِب».
هذا الشاهد من الحديث: «ولا يتمنين أحدكم الموت» باب تمني المريض الموت، يعني حكمه منهي عنه؛ لأنه لا يخلو: إما أن يكون محسنًا فلعله يزداد من هذا الإحسان، وإما أن يكون مسيئًا لعله أن يَستعتِب، يطلب العُتْبَى، ويتوب إلى الله -عز وجل-، وينيب.
مناسبة تمني الموت أو تمني المريض الموت في كتاب المرضى ظاهرة، ومناسبة الحديث للباب أظهر للنهي عن تمني الموت في الحديث صراحة.
الموضع الثالث: في كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: حدثنا آدم قال: حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لن ينجيَ أحدًا منكم عملُه» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا».
باب القصد والمداومة على العمل، المناسبة في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «والقصد القصد» هذا إغراء، إغراء بالقصد، منصوب على الإغراء، القصد يعني الزموا القصد «القصد القصد تبلغوا» والباب باب القصد والمداومة في العمل، لكن ما مناسبة الباب لكتاب الرقاق؟ كتاب الرقاق باب القصد والمداومة في العمل؟ يقول العيني: مطابقته للجزء الأول للترجمة، مطابقة الحديث للجزء الأول، باب القصد، مطابقة قوله: «والقصد القصد» ظاهرة، والمداومة في العمل، مطابقة الحديث للمداومة في العمل، هو يقول: مطابقته للجزء الأول القصد القصد، باب القصد ظاهر هذا ما فيه إشكال، مطابقة تامة، لكن ما مطابقة الحديث للمداومة في العمل؟
التسديد والمقاربة والقصد، كل هذا يبعث على المداومة على العمل، كل هذا يدعو إلى الاستمرار؛ لأن عدم القصد وعدم التسديد وعدم المقاربة، والتسديد والمقاربة يدعو إلى الانقطاع الذي هو ضد المداومة، لكن ما علاقة باب القصد والمداومة بكتاب الرقاق؟
القصد يدعو إلى المداومة، والمداومة في العمل تجعل الإنسان مرتبط بربه -عز وجل- باستمرار، هذا من حيث لا ينقطع، مرتبط العبد يكون مرتبط بربه باستمرار، إذا دام العمل مع القصد، ومع التسديد والمقاربة تجعله يكون مراقبًا لله -عز وجل-، وهذا من أنفع الأمور لرقة القلب، والله المستعان.
الموضع الرابع: كتاب التمني، باب ما يكره من التمني.
قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي عبيد، اسمه: سعد مولى عبد الرحمن بن أزهر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنًا فلعله يزداد، وإما مسيئًا فلعله يَستعتِب».
هنا عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنًا...» وهناك في الموضع الثاني قال: أخبرنا أبو عبيد مولى عبد الرحمن أن أبا هريرة، والحديث معروف أنه من رواية أبي هريرة، وهنا يكون الحديث في هذا الموضع موصول أو مرسل؟ مولى عبد الرحمن بن أزهر اسمه: سعد بن عبيد من أي طبقة؟
سائل: من الثانية -عفا الله عنك-؟
نعم، سعد بن عبيد الزهري، مولى عبد الرحمن بن أزهر يكنى أبا عبيد، ثقة من الثانية، وقيل: له إدراك، إذًا على هذا الخبر ماذا؟ مرسَل نعم، لكنه موصول في مواضع، كما ذكرنا في المواضع الثلاثة التي خرجها البخاري موصولة.
والحديث أيضًا مخرَّج في صحيح مسلم فهو متفق عليه.
سائل: أحسن الله إليكم يا شيخ في هذا الحديث العظيم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الدين يسر» ذكرتم بعض الصور التي جاءت الشريعة بالتيسير فيها، في الصيام، في الصلاة، ومن صور التشديد التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- قصة الثلاثة الذين قال أحدهم: أما أنا فلا أنكح النساء، وقال الآخر: أما أنا فأصلي الليل ولا أنام، وأما الآخر فقال: فأصوم النهار ولا أفطر، فأنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- قولهم هذا، لكن يا شيخ الآن انقلبت المفاهيم عند كثير من الناس، فإذا جئت تُحَاجّ هؤلاء في بعض الأمور التي ليست هي من المباحات، وإنما من المحرمات التي تحصل، سواء -عفا الله عنكم- في الأفراح، أو في بعض المناسبات كالأعياد، إذا جئت تحاجهم في بعض هذه الأمور، وأنها من المسلمات الشريعة جاءت بتحريمها، قالوا: إن الدين يسر، الاستماع إلى المعازف، المشاهدة للمحرمات، أمور مشتهرة، منكرات أفراح، والمنكرات التي تقع في المناسبات، فما الضابط -عفا الله عنكم- في أن الدين يسر في الأمور المسلَّمة في الشريعة التي جاءت الشريعة بتيسيرها أم أنها تشمل الدين يسر في أمور الإنسان المباحات، يسرف فيها، ولا يقتصر على بعض....
ما أباحه الله -عز وجل-.
سائل: ما أباحه الله -سبحانه وتعالى-.
أقول: مَن يحتج بمثل هذا الكلام على ارتكاب ما حرمه الله -عز وجل- احتجاجه ساقط؛ لأن الدين تكليف أوامر ونواهي، الدين عبارة عن تكاليف، والتقوى المطلوبة من كل أحد، وهي وصية الله -سبحانه وتعالى- للأولين والآخرين، فعل المأمورات، واجتناب المحظورات، والدين كله عبارة عن تكاليف، أمر بواجبات، لزوم فعل الواجبات، وأيضًا حظر للمحرمات، فالذي لا يفعل الواجبات ولا يترك المحرمات أين التقوى؟ وأين الدين بالكلية؟ قد يرتكب من الأمور من الجرائم ما يخرجه من الدين، فأين الدين؟! الدين كله عبارة عن فعل مأمورات وترك محظورات، فهذا الدين المشتمل على فعل المأمورات وترك المحظورات يسر، بمعنى أن فعل هذه المأمورات {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن 16] «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ما قال: اتركوه، وقولوا: الدين يسر «إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» ما قال: افعلوا والدين يسر «الجنة حفت بالمكاره» على ما يكرهه الإنسان «والنار حفت بالشهوات» فليس في ذلك أدنى مستمسَك لمن يحتج بهذه الجملة على ارتكاب المحظورات أو التفريط في الواجبات، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.
المقدم: اللهم صل على رسول الله.
أسأل الله -عز وجل- أن يصلح الأحوال ويوفق الجميع لكل خير.
مستمعيَّ الكرام انتهت بهذا حلقة هذا الأسبوع من برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
لنا بكم لقاء -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة، نستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.