كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 11

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

باب: صفة الصلاة

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرد -عليه السلام- فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) فصلى، ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، قال: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.

وعن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو حميد الساعدي: "أنا كنت أحفظكم لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- رأيته إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته" رواه البخاري.

وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً))

والأرضَ، السماوات والأرضَ منصوب.

نعم.

قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من أول المسلمين)).

وأنا، وأنا.

أول يا شيخ.

إما من المسلمين أو أول المسلمين، يعني الجمع بينهما في سياق واحد خطأ، نعم الجمع بينهما في سياق واحد خطأ، فإما أن يقال: وأنا من المسلمين كما هو الواقع، أو يقال: وأنا أول المسلمين كما في القرآن، نعم.

((وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وأهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك)) وإذا ركع قال: ((اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)) وإذا رفع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد)) وإذا سجد قال: ((اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)) ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت)) رواه مسلم.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر، ثم يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: الله أكبر كبيراً، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وهذا لفظه من رواية جعفر بن سليمان، وقد احتج به مسلم عن علي بن علي الرفاعي وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد.

وقال الترمذي: وقد تكلم في إسناده كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث، وقال أبو داود: هذا الحديث يقولون هو عن علي بن علي بن الحسن -رحمه الله-، والوهم من جعفر.

وعن عبدة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" ذكره مسلم في صحيحه؛ لأنه سمعه مع غيره، وليس هو على شرطه، فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه إنما رواه.

رآه، رآه.

إنما رآه رؤية. وقد روى الدارقطني بإسناده عن الأسود عن عمر أنه كان يقول هؤلاء الكلمات. وقال المروزي: سألت أبا عبد الله عن استفتاح الصلاة فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر، وقد روى فيه من وجوه ليست بذاك.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءةِ بالحمد لله رب العالمين.

القراءةَ.

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءةَ بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالساً، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم. رواه مسلم.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

يكفي، بركة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: صفة الصلاة

يعني ما ورد في وصفها من فعله -عليه الصلاة والسلام- ومن قوله، فقد صلى -عليه الصلاة والسلام- الصلاة الكاملة التي أمر بإقامتها، وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فلا بد أن يكون عمل المسلم موافقاً لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة، فعلى المسلم أن يعنى بها، ويهتم بها، ومع الأسف أننا قد نجد من طلاب العلم من يعرف السنة، ويعرف صنيعه -عليه الصلاة والسلام-، ويعرف ما جاء من قوله في بيان وصفة هذه الصلاة، ثم بعد ذلك لا يكترث ولا يهتم، ووجدنا من طلاب الحديث بل من معلمي الحديث من لا يهتم بها، يدرس هذه الأحاديث ثم بعد ذلك إذا صلى تجد عليه ملاحظات، بدءاً من التكبير إلى التسليم، يعني الحركات كثير من الناس يغفل عن الصلاة وهذا خلل لا شك، وقد يتحرك كحك جلده، أو ما أشبه ذلك، أو يعبث بثوبه أو بساعته، أو ما أشبه ذلك هذه غفلة لا شك، وعلى الإنسان أن يهتم بصلاته، لكن يعرف أنه جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- صفة معينة للتكبير ولرفع اليدين، وصفة للركوع، وصفة لوضع القدمين، سواءً كانت في حال القيام أو في الجلوس أو في السجود، ثم بعد ذلك لا يطبق مثل هذه الأمور مع أن تطبيقها ميسور، ولو اعتاد ذلك لاستمر عليه، لكن تجد عدم الاهتمام، وبعض الناس يحرص على السنة، ويطبق السنة، هذا بالنسبة لمن يجهل السنة عليه أن يتعلم، ثم بعض الناس يحرص على تعلم السنة فيتعلم، ويحرص على التطبيق فيطبق، لكنه لا يفقه كيف يطبق هذه السنة، فتجده يحرص على المجافاة، ويجافي يديه عن جنبيه، وإن كان وسط صف مزدحم، ثم بعد ذلك يسيء إلى من بجانبه أو بجانبيه هذا جهل بفقه التطبيق، هو فقه وطبق، لكن كيف يطبق في صف متراص؟! إذا صلى إماماً أو صلى منفرداً يجافي، أو وجد فرصة للمجافاة يجافي، لكن مع ذلك إذا لم يجد فرصة كيف يجافي؟ لا يمكن أن يفعل ذلك إلا بأذية من بجانبيه، وقل مثل هذا في بعض السنن في إلصاق القدمين مثلاً، تجد بعض الناس يزاحم مزاحمة شديدة بحيث يسعى إلى إبطال صلاة من بجانبه سواءً كانت إبطالاً حسياً أو معنوياً، يعني خلل في خشوعها والالتفات إليها، وبعض الناس من حرصه يطأ رجل من بجانبه، ويظن أن السنة لا تتحقق إلا بهذا، هذا خلل، هذا خطأ في فقه التطبيق، على الإنسان أن يرفق بنفسه ويرفق بغيره؛ ليكون قدوة لغيره، فدين الله بين الغالي والجافي من الناس من لا يكترث مع علمه بالسنة، ومن الناس من يحرص الحرص الشديد على التطبيق حتى يخرج عن السنة، فلا بد أن ننظر إلى مثل هذه الأمور بدقة، ونعلم أن الدين وسط بين الغالي والجافي بعض الناس لا تستطيع أن تسحب رجلك من تحت رجله، وهذا حاصل يا الإخوان، كل هذا الدافع إليه الحرص ما يُشك في مثل هذا، لكن هذه ليست هذه هي السنة، المقصود أن علينا أن نتفقه في دين الله ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) ثم بعد ذلك علينا إذا فقهنا أن نطبق، لا يكون علمنا كالشجر الذي لا ثمرة عليه، مجرد زينة يتزين به في المجالس، فإذا جاء التطبيق تخلف، إنما العلم يراد للعمل، فننتبه لهذا، ورأينا ممن هو متخصص في السنة ويدرس السنة في الأقسام الشرعية، ومع ذلك إذا كبر رفع يديه رفعاً يشبه العبث، وإذا جلس إما للتشهد أو بين السجدتين جلس جلسة لم يرد بها نص، افترش بالعكس فرش اليمنى ونصب اليسرى، هذا موجود أو جعل الرجلين خارجتين عن بدنه وأجلس مقعدته على الأرض أو العكس، أو أطلع الرجلين من جهة اليمين أو الشمال، هذا موجود مع الأسف، وكل هذا يدل على عدم اكتراث وعدم اهتمام، فعلينا أن نهتم لصلاتنا هذه التي هي رأس مال المسلم بعد الشهادتين، وليس للإنسان إلا ما عقل، والعمل إذا لم تتم المتابعة فيه رد على صاحبه؛ لأن المتابعة شرط للقبول، فإذا تعلمنا مثل هذا الباب علينا أن نطبق، وأهل العلم ما قصروا، ألفوا في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- وكتبوا وسجلت لهم الأشرطة، وكل له اجتهاد، وقد يكون اجتهاد هذا يخالف اجتهاد هذا، لكن الأمر الذي يتفق عليه لا بد من فعله، وما يؤيده النص لا بد من فعله، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للمسيء: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) كما في الحديث الأول يقول -رحمه الله-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء يعني إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الرجل عُرف بالمسيء في صلاته، واسمه: خلاد بن رافع، وحديثه أصل في هذا الباب، أصل في صفة الصلاة، حتى قال بعض العلماء: إن جميع ما فيه واجب، وما لم يذكر فيه ليس بواجب، جميع ما ذكر فيه واجب لأنه جاء بصيغة الأمر، وما ليس فيه ليس بواجب لأنه في مقام البيان في وقت الحاجة ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلو كان ما يخرج عن هذا الحديث أو ما وجد في غيره واجباً لبينه لهذا المسيء الجاهل المحتاج إلى البيان وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز مع أنه قد يأتي أوامر زائدة على ما تقدم، يكون في وقت الإرشاد لهذا المسيء هذا هو الواجب، ثم يزاد على ذلك بما جاء بعده من نصوص، وهذا هو المتجه لأنه وجد واجبات في الصلاة لم تذكر في حديث المسيء، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء الرجل" وعرفنا اسمه "فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرد -عليه السلام-" رد النبي -عليه الصلاة والسلام- -عليه السلام- "فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ))" ما قال: إني صليت يا رسول الله؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يراه، ومطلع عليه، وهو يعرف ذلك، ما قال: إني صليت.

((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) فالمنفي هنا لم تصلِ الحقيقة الشرعية للصلاة، أما لو يقول قائل: إنه صلى صلاة صورة الصلاة موجودة ركع وسجد إنما حقيقة الصلاة الشرعية منتفية، فنفاها عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- ((فإنك لم تصل)) فصلى ثم جاء مرة ثانية، فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى هذا لا يكتفى بالسلام الأول إذا غاب الإنسان ثم رجع إلى مكانه وفيه أناس يسلم عليهم.

"فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام-" هل رد -عليه السلام- أو ما رد؟ في المرة الأولى رد، فرد -عليه السلام-، في الموضع الثاني لا بد من الرد، لا بد من رد التحية إما بأحسن منها أو بمثلها على الأقل، والأدلة تدل على أنه رد -عليه الصلاة والسلام- وإن لم ينقل، وقد يوجد في بعض الروايات الرد صريحاً.

المقصود أن مثل هذا لا يدل على أن الإنسان إذا سلم ثانية ما يرد عليه؛ لأنه في الأولى صرح، فرد -عليه السلام- في الثانية، فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما نقل أنه رد في هذه الرواية، لكن لا يعني أنه لم يرد حقيقة؛ لأن ما ثبت بالنصوص وسكت عنه في بعض المواضع يحمل على أنه حصل، يعني مثل ما سبق أن ذكرناه من أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءته أم هانئ وهو يغتسل، فقالت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ((من؟)) قالت: أم هانئ، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) من أهل العلم من يقول: إنه ما رد السلام عليها، إنما اكتفى بقوله: ((مرحباً)) ومالوا إلى أن هذه تكفي في رد التحية، وسلمت فاطمة بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- ورضي عنها، فقال: ((مرحباً بابنتي)) وما قال: وعليك السلام، فمن أهل العلم من يرى أن مرحباً تكفي في رد التحية، والأصل أنه رد -عليه الصلاة والسلام- لأن أقل الأحوال أن ترد، وردها يكون بلفظها {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] يعني أقل الأحوال أن ترد بمثلها.

"فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) ثلاثاً" ردده ثلاثاً؛ لماذا؟ يعني صلى أول مرة فأمر بالإعادة، ثم صلى ثانية فأمر بالإعادة، ثم صلى ثالثة ثم عُلّم، بعد أن قال: "والذي بعثك في الحق ما أحسن غير هذا فعلمني" هل يظن أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يعرف واقع هذا الرجل وأنه لا يحسن الصلاة لما صلى أمامه مرة ومرتين وثلاث أيضاً؟ ما علمه حتى قال: "والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني" التكرار هذا والترديد من أجل إيش؟ من أجل أن يرسخ ويثبت التعليم في نفسه ليكون له ولغيره، يعني على سبيل المثال لو أن مديراً في دائرة أمر الناسخ أن ينسخ خطاب، فجاء الخطاب من الناسخ إلى المدير فيه خاء معجمة أو جيم فكتبها الناسخ حاء بدون نقطة، إما فوقية أو تحتية من اليسير على المدير أن يأخذ القلم الأسود ويضع هذه النقطة، لكن أفضل من هذا أن يقول: أعيدوه إلى الناسخ ليضع النقطة بنفسه؛ لماذا؟ من أجل أن يهتم لغيره من الخطابات، فإذا كان هذا في أمور الدنيا فكيف بأمور الدين؟ لا بد أن يغرس العلم في نفوس الناس بمثل هذه الطريقة، ردده النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثاً، هل المقصد من هذا أن يعذبه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويكلفه ويؤخر عليه، ويأخذ جزءاً من وقته بغير فائدة؟ ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) الفائدة المرجوة عظمى وجلى ثلاث مرات من أجل إيش؟ خلاص لن يخطئ بقية عمره، الأمور التي تؤخذ بسهولة تفقد بسهولة، لكن الأمور التي تؤخذ بمعاناة لا تفقد، وهكذا ينبغي أن يكون التعليم ينشأ عن شيء من المعاناة، ولذا يوصى طلاب العلم أن يهتموا بالكتب بالمتون المتينة الصعبة التي في معاناتها كلفة ومشقة لا لذات المشقة، وإنما العلم يثبت بهذه الطريقة، يعني هناك كتب أُلفت للعوام وللمثقفين يفهمونها كتبت بأسلوب سهل، لكن لا ينبغي أن يربى عليها طالب علم، النبي -عليه الصلاة والسلام- ردده ثلاثاً: ((صلِ فإنك لم تصلِ)).

"فقال: والذي بعثك في الحق ما أحسن غيره فعلمني، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء))" وقمت هنا أردت القيام، كما في قول الله -جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني إذا أردتم القيام؛ لأن الفعل -وهذا مر بنا مراراً- الفعل الماضي الأصل فيه الفراغ منه، ويطلق ويراد به الشروع فيه لا الفراغ منه، كما سيأتي في الحديث، حديث أبي مسعود: ((إذا كبر فكبروا)) يعني إذا فرغ ((إذا ركع فاركعوا)) يعني إذا شرع في الركوع لا إذا فرغ منه، فعندنا {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردت القيام، إذا أردت الصلاة {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] يعني أردت القراءة، يطلق الفعل الماضي ويراد به الإرادة، ويطلق ويراد به الشروع في الفعل ((إذا ركع فاركعوا)) على ما سيأتي، هل معناه إذا أراد الركوع؟ نعم؟ هل معناه إذا أراد الركوع؟ يعني ركع قبله مجرد إرادته؟ لا ليس المراد به إذا أراد الركوع، وليس المراد به إذا فرع من الركوع كما هو الأصل في الماضي، إنما يراد به إذا شرع في الركوع، يعني بدأ الركوع، وليس المراد به إذا شرع في الهوي إلى الركوع، يعني باشر الركوع اركع.

حديث مصحح عند جمع من أهل العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- زوج رجلاً بخاتم من حديد، ذكره الحافظ، وقال: إنه جزء من حديث الواهبة، زوج رجلاً بخاتم من حديد، وقال: إنه جزء من حديث الواهبة، هل يصح مثل هذا الكلام؟ النبي زوجه بالخاتم أو قال: ((التمس ولو خاتماً)) فقال: لم أجد ولا خاتماً من حديد، هل يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- زوجه بخاتم؟ نعم؟ إنما زوجه بما معه من القرآن، لا بد من حمل اللفظ على وجه يصح، أراد أن يزوجه على خاتم من حديد؛ ليستقيم الكلام؛ لأن الخبر مصحح، وهو جزء من حديث الواهبة، لكن لا يمكن أن يصح إلا أن يحمل على الإرادة، أراد أن يزوجه بخاتم من حديد، وهنا: ((إذا قمت إلى الصلاة)) يعني إذا أردت القيام هل معنى هذا أننا إذا سمعنا الإقامة كل واحد معه إداوة ويتوضأ في الصف بعد ما يقوم إلى الصلاة؟ هل يقول بهذا أحد؟ لا يمكن، وإن كانت الآية وجهت {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] يعني من النوم {فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] ليس المراد منها إذا قمتم في الصف، على كل حال هذا تقدم.

يقول: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء)) أسبغ الوضوء أمر، المقام مقام تعليم للصلاة، والوضوء شرط من شروطها.

((ثم استقبل القبلة)) أيضاً شرط من شروط الصلاة، بقية الشروط التسعة تحتاج إلى تنبيه أو لا تحتاج إلى تنبيه؟ المقام مقام بيان قال له: أسبغ الوضوء، يعني شخص صلى هذه الصلاة الباطلة ألا يتوقع أنه لا يحسن الوضوء؟ وأما بقية الشروط فإنه مسلم، إسلام وعقل وتمييز هذا موجود، ستر العورة تُرى، يعني هذا ساتر عورته بلا شك؛ لأنه لو لم يستر عورته لنبهه النبي -عليه الصلاة والسلام-، النية، ما جاء إلا ليصلي هذه هي النية قصد الصلاة، بقي استقبال القبلة الوضوء منصوص عليه، بقي دخول الوقت، يعني هل صلى قبل الوقت أو هذه نافلة؟ مثل هذا الاحتمال قائم أنها نافلة، ما تحتاج إلى دخول وقت، بدليل أنهم لا يفرطون بالصلاة خلفه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا صلى منفرد.

إزالة النجاسة الأصل أنها عدمية لا ينص عليها إلا إذا وجدت.

((أسبغ الوضوء)) خفي عليه ما يرى الناس يفعلونه وهو الصلاة، فلأن يخفى عليه إسباغ الوضوء وإتمامه وإكماله من باب أولى، فالصلاة لا تقبل بغير طهور.

((ثم استقبل القبلة)) أمره بإسباغ الوضوء ظاهر؛ لأن شخصاً لا يحسن أن يصلي الاحتمال القوي أنه لا يحسن أن يتوضأ، لكن ماذا عن ((ثم استقبل القبلة)) هل رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي إلى غير القبلة فقال له: استقبل القبلة؟ وإن كان رآه يصلي مستقبلاً القبلة فهذا مثل ستر العورة رآه ستر عورته ما نص عليها.

((ثم استقبل القبلة فكبر)) لماذا نص على استقبال القبلة دون ستر العورة ودون بقية الشروط؛ لماذا؟ هل نقول: إن هذا الشخص صلى إلى غير القبلة؟ نعم وإن كان في مسجد فقد يذهل الإنسان من هيبة من أمامه ويصلي إلى غير القبلة، وحصل ثلاث مرات، أو أربع من دخل المسجد ونحن في درس مثل هذا فصلى إلى جهة الشرق لا إلى القبلة، ما هو بشخص واحد أربعة أشخاص، يعني قد يغفل الإنسان وهو يصلي ثم ينبه، فمثل هذا ألا ينبه من أول الأمر؟ وإذا قلنا: مثل هذا ينبه من أول الأمر لماذا ما نبه على الخلل في صلاته من أول الأمر من الركوع؟ لأنه لم يطمئن لا في قيامه ولا في ركوعه ولا..، على كل حال مثل هذا يترك كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى ينتهي ثم يُعلم ليرسخ كما تقدم، وأما بالنسبة لاستقبال القبلة فما أدري ما سبب التنصيص عليها.

((فكبر)) والمراد بالتكبير هنا المأمور به تكبيرة الإحرام، وهي ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا بها، ولا تنعقد الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام، وعند الحنفية التكبير شرط، تكبيرة الإحرام شرط وليست بركن، الجمهور الأئمة الثلاثة وأتباعهم يقولون: ركن من أركان الصلاة، والحنفية يقولون: شرط، والفرق بين القولين، ثمرة الخلاف، له ثمرة وإلا ما له ثمرة؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب: لو تركه....

لو ترك التكبير تصح الصلاة وإلا ما تصح؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

عند من؟

طالب:.......

لا لا الشرط لو ترك الوضوء تصح؟

طالب:.......

يعني يفرق بينهما أن الشرط خارج الماهية، والركن داخل الماهية، لكن هل لهذا الخلاف من ثمرة تبطل الصلاة إذا ترك التكبير عند الجمهور وعند الحنفية، تبطل الصلاة، إذاً ما الفائدة؟ هاه؟

طالب:.......

لا ما يستطيع، يعني يستطيع أن يتوضأ في البيت ويأتي إلى المسجد؛ لأن الوضوء شرط خارج الماهية فهل يستطيع أن يكبر في البيت ويجي يصلي كالوضوء؟ لا، لا يجيزون الفصل بين التكبيرة والصلاة، وإن كانت خارج الماهية، نعم؟

طالب:.......

بعد إيش؟

طالب:.......

على القولين، لا بد من الإعادة على القولين، حتى عند الحنفية لا بد من الإعادة، الشرط خارج الماهية والركن داخل الماهية.

يقولون: من فوائد الخلاف لو افترضنا أن هذا الجرم متنجس، ثم حمله المصلي بيده قائلاً: الله أكبر، وضعه مع نهاية التكبير، الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟ عند الجمهور؟

طالب:.......

عند الجمهور؟

طالب: لا ما تصح...

باطلة؛ لأنه حمل النجاسة في داخل الصلاة، وعند الحنفية الصلاة صحيحة لأنه حمل النجاسة خارج الصلاة، أيضاً لو كبر ثم بعد مع نهاية التكبير غير النية من فرض إلى نفل أو العكس، يعني هذه أمور وإن كانت سريعة إلا أنها متصورة، فغير النية عند الجمهور إن غير المفترض المنفرد نيته إلى نفل في وقت متسع يجوز، لكن لا يجوز العكس، عند الحنفية يجوز هذا وهذا لأن تكبيرة الإحرام شرط تصلح للفرض وتصلح للنفل مثل الوضوء، فإذا غير نيته مع نهاية التكبير صح عند الحنفية ولم يصح عند الجمهور.

على كل حال تكبيرة الإحرام بهذه المثابة لا تصح الصلاة إلا بها، سواءً قلنا: ركن وهو المتجه، أو قلنا: شرط كقول الحنفية فلا تصح الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام.

وصفتها أن يقول: الله أكبر، بهذا اللفظ فلا تصح بغيره، لا يصح أن يقال: الله الأعظم، الله الأجل، الله الكبير، حتى لو قال: الله الكبير ما صحت، لا بد أن يأتي بهذا اللفظ: الله أكبر.

((فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) هذا الإجمال ما تيسر يصدق بالفاتحة، ويصدق بسورة الإخلاص، ويصدق بغيرهما، ويصدق بآيات من سورة، هذا ما تيسر، لكن هذا المجمل بُيّن بحديث عبادة بن الصامت الآتي: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) هل نقول: إن السبب في توجيه المسيء إلى ما تيسر معه من القرآن دون التنصيص على الفاتحة مراعاة لحاله أنه إذا كان بهذه المثابة من الجهل فقد يصعب عليه إلزامه بالفاتحة، فيترك الاختيار له، اقرأ ما تيسر معك، وفي حكمه من يصعب عليه تعلم الفاتحة، وأهل العلم يقولون: إن من صعب عليه تعلم الفاتحة ويحفظ غيرها يقرأ بمقدارها من القرآن، وإذا عجز عن القرآن لا الفاتحة ولا غير الفاتحة فإنه يجزئه الذكر: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، إذا عجز عن تعلم الفاتحة.

طيب عجز لأنه كبرت سنه مع غفلة في صباه عن التعلم فمعروف كبار السن يصعب عليهم الحفظ، فقد يعجز عن الفاتحة ويحفظ غيرها، وقد يعجز عن الفاتحة وغيرها، مثل هذا يوجه إلى الذكر، إذا كان العجز لا بسبب عدم الحفظ فهل يوجه إلى الذكر وإلا لا؟ هو حافظ الفاتحة، وقد يكون حافظاً للقرآن كاملاً، لكنه عجز أن يقرأ الفاتحة، وهذا يحصل خلف الإمام إذا كان يجهر في قراءته، على المأموم أن يقرأ يعني المرجح أن الفاتحة ركن في الصلاة لكل مصل إلا المسبوق على ما سيأتي في حديث عبادة -إن شاء الله تعالى-.

خلف الإمام بعض الناس لا يستطيع أن يقرأ، يستطيع أن يقرأ وإلا ما يستطيع؟ بعض الناس ما يستطيع القراءة، إذا شوش عليه بأدنى تشويش ارتج عليه، مثل هذا نقول له: سبح واحمد وهلل بدلاً عن الفاتحة التي لم تستطعها وإلا لا؟ عرفنا أن الفاتحة لها بدل عند العجز، يقال له: اقرأ ما تيسر من القرآن ما دام عجزت عن الفاتحة، عجزت عن شيء من القرآن سبح وكبر وهلل واحمد الله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

شخص يقول: أنا خلف الإمام، أنا حافظ القرآن كاملاً، لكن خلف الإمام لا أستطيع أن أقرأ، وهذا النوع موجود وليست دعوى هذا صحيح، بعض الناس ما يستطيع يقرأ، إذا شوش عليه، هل نقول: عليك بالبدل وهو التسبيح والتحميد والتهليل؟ أو نقول: ما دمت مأموماً فلا تفعل إلا بفاتحة الكتاب: ((ما لي أنازع القرآن)) ((علكم تقرؤون خلف إمامكم؟)) قالوا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بأم الكتاب)) فعلى هذا لا يوجه إلى البدل ولو عجز عن قراءة الفاتحة، يكون عجزه عن قراءة الفاتحة كعجزه عن القيام يسقط عنه، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، المسألة متصورة وإلا ما هي متصورة؟

((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً)) تكبيرة الإحرام ركن، إسباغ الوضوء والمراد به الوضوء المجزئ شرط لصحة الصلاة، وإسباغه القدر الزائد عن الواجب مستحب كالغسلة الثانية والثالثة، واستقبال القبلة شرط، وتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، قراءة القرآن في الصلاة ركن، لا سيما الفاتحة عند الجمهور، والخلاف فيها سيأتي في حديث عبادة -إن شاء الله تعالى-.

((ثم اركع)) الركوع ركن من أركان الصلاة ((حتى تطمئن راكعاً)) الطمأنينة في جميع الأركان ركن من أركان الصلاة، والطمأنينة هي السبب في كونه لم يصل، في بطلان صلاته، وصحت نفي الصلاة وإن كانت الصورة موجودة؛ لأنه لم يطمئن في صلاته، ولذلك نبه على الطمأنينة في جميع الأركان.

((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع)) يعني من الركوع.

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ المراد بالطمأنينة...؟

سيأتي أنه حتى يعود كل فقار إلى مكانه، يطمئن ويأتي في حديث أبي حميد: ثم هصر ظهره، لم يرفع رأسه لم يشخص رأسه ولم يصوبه، المقصود أنه يتمكن من التسبيح ولو مرة بطمأنينة، يعني يأتي بأقل الواجب.

((ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)) وبعض من ينتسب إلى مذهب الإمام أبي حنيفة هل يعتدلون قياماً أو مجرد ما يرفع رأسه من الركوع يهوي إلى السجود؟ وكذلك بين السجدتين؟ وهل الإمام يصحح مثل هذه الصلاة؟ نعم يذكر في مذهب أبي حنيفة في كتب متأخريهم أن الطمأنينة ليست بركن، لكن هل يعني كونها ليست بركن أن النقر جائز عند الإمام؟ والمناظرة التي حصلت بين يدي محمود بن سبكتكين بين شافعي وحنفي محمود كان حنفياً وبعد المناظرة صار شافعياً؛ لأن الشافعي وأظنه القفال جاء بجلد ميتة غير مدبوغ، به قطع من اللحم والشحم، فوضعه فوق ظهره فانهالت عليه الحشرات، الذبان وغير الذبان، قبل ذلك توضأ بنبيذ والنبيذ حلو تجتمع عليه الحشرات، ثم جاء بهذا الجلد، ثم بعد ذلك نقر نقرتين ولم يقرأ فاتحة ولا غير الفاتحة إنما قال: الله الأعز، دو سبز وركع، من غير تكبير ولا غيره، ثم نقر ركعتين، ثم بعد ذلك في آخر صلاته أحدث، بهذه الطريقة استطاع أن يحول السلطان من مذهب أبي حنيفة على مذهب الشافعي، لكن هذه الأمور مجتمعة هل يصححها أبو حنيفة أو غير أبي حنيفة ممن له أدنى ذرة من تدين؟ لكن هذه إلزامات، ولازم المذهب ليس بمذهب، وبعضهم يريد أن يجعل هذه الصورة من الصلاة أفضل من غيرها، يقول: توضأ بنبيذ صاحب دائرة معارف القرن العشرين يقول: نعم توضأ بنبيذ ثم ماذا؟ النبيذ فيه كحول والكحول مطهر زيادة على تطهير الماء ويش المانع؟ وأخذ يفصل في هذه الصورة، المقصود أن هل الإمام أبو حنيفة حينما يذكر عنه أن الطمأنينة ليست بركن أن مثل هذه الصلاة تصح؟ لا يمكن أن يقوله أبو حنيفة، أبو حنيفة أتقى لله من أن يقول مثل هذا الكلام وأورع، الرجل عابد، يعني ليس بإنسان عادي، يعني ليس بفقيه مجرد.

هذه الإلزامات يجعلها بعض المتعصبة -متعصبة المذاهب- تحرف الناس إلى مذهبه، وإلا ففي مثل هذه المناظرة لا داعي لها، يعني إذا مر قول لإمام من العلماء من أهل العلم خلاف الدليل، أو خلاف الصواب ينبه عليه، أما أن تُجمع مساوئ مذهب من المذاهب، وتفرد على حدة مثل هذه الصلاة هذا لا يجوز بحال، يعني هذا غمط الناس، أين المحاسن في مذهب أبي حنيفة؟! وكل مذهب له وعليه، يعني في أقوال راجحة وفي أقوال مرجوحة، يعني لو جمعت الأقوال المرجوحة في مذهب مالك مثلاً، وجمعت الأقوال المرجوحة في مذهب أبي حنيفة والأقوال المرجوحة في مذهب الشافعي، والأقوال المرجوحة في مذهب أحمد، وذكرت مع كل قول من هذه الأقوال المرجوحة الدليل الصحيح الذي يدل على خلاف ما ذهبوا إليه معناه أنك زهدت الناس في هؤلاء الأئمة، زهدتهم يتبعون من؟ يعني هل يستقيم للعامي أن يتفقه من النصوص؟ العامي فرضه التقليد، لا بد أن يتبع إمام تبرأ الذمة بتقليده، فإذا أبرزت مساوئ المذهب الحنفي مع مساوئ المذهب المالكي وصنفت في مجلد، معنى هذا تنفير من الأئمة، ومثل هذا يقال في المصنفات التي عم نفعها، وفيها شيء من الملاحظات.

يعني على سبيل المثال فتح الباري أو تفسير القرطبي أو شرح النووي أو غير ذلك فيها مخالفات عقدية، لكن لو أبرزت هذا مجلد وهذا مجلد وهذا مجلد حشي عليها وعلق عليها وطلعت في مجلدات معناه أننا نصرف الناس عن كتب العلم النافعة، لكن لا يمنع أنك تقرأ القرطبي وتعلق عليه، تقول: هذا الكلام مخالف لما عليه سلف الأمة وأئمتها، وتعلق على فتح الباري، وتعلق على النووي، الحق أولى من هؤلاء، لكن إبراز مثل هذه الأمور لآحاد الطلبة لا شك أنه يصرف هؤلاء الطلاب عن هذه الكتب النافعة، ثم بعد ذلك ما الذي يسلم لنا، نعم إذا كان هناك كتاب ضرره أكثر من نفعه على طلاب العلم مثل هذا يحذر منه، ويش المانع أن يصنف في اعتزاليات الزمخشري؟ لأن طالب العلم لو من حين بدأ يطلب العلم إلى أن مات ما رجع إلى تفسير الزمخشري ما يضره شيء، ولا ينقصه من العلم شيء، وقل مثل هذا في الرازي، والكتب التي ضررها أكثر من نفعها، بينما الكتب النافعة، وفيها ملاحظات ما تبرز مساوئها بهذه الطريقة.

الذي جرنا إلى الكلام ((حتى تطمئن راكعاً)) وما يذكر عن الحنفية أن الطمأنينة ليست بركن، ولذا نجد بعض أتباع أبي حنيفة لا سيما من العامة من الوافدين من شرق آسيا من البلاد الشرقية من المسلمين تجدهم على هذه الطريقة إذا رفع رأسه من الركوع سجد مباشرة، بل لا يكمل الرفع، في أثناء الرفع يسجد، وكذلك بين السجدتين.

في رسالة الشيخ عبد الله ابن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب إلى أهل مكة قال الشيخ -رحمه الله-: "ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، ويقنت في صلاة الصبح، ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته" يعني فرق بين هذا وهذا، يعني صلاة هذا الشافعي صلاته صحيحة، وله أدلته، وإن كان القول مرجوح، لكن ما يمكن تبطل الصلاة بمثل هذا، بينما الطمأنينة ركن تبطل الصلاة بتركها.

((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) الآن ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) يعني بين السجدتين، ثم اسجد السجدة الثانية حتى تطمئن ساجداً ((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) طيب ما هذه الجلسة؟

هاه؟

طالب:.......

يعني تمت السجدتان وبعدهما جلسة، هل نقول: إن هذه جلسة التشهد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بين له ركعة واحدة، ثم قال له: ((افعل ذلك في صلاتك كلها)) على كل حال أصل المحرر ليس فيه هذه الجملة، لكنها زيادة من نسخة من النسخ، وهي موافقة لما في الصحيح، وحديث المسيء في باب في كتاب الاستئذان من صحيح البخاري فيه التنصيص على جلسة التي يسميها بعض العلماء الاستراحة، وفعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- فدل على أنها سنة مطلقاً.

أما القول بأنها تفعل إذا احتيج إليها فالحاجة إلى تركها أقوى من الحاجة إلى فعلها، يعني الإنسان إذا كبر وبدن قد يحتاج إلى تركها ما يحتاج إلى فعلها لأنها زيادة كلفة وزيادة عناء، تعرفون كبار السن والذين في ركبهم شيء من المرض أو الألم لا يستطيع أن يثني رجليه، فتجده من السجود فوراً يقوم، لا يستطيع أن يجلس، وإذا جلس بين السجدتين فبكلفة ومشقة، فإذا قيل له: أنت احتجت الآن لجلسة الاستراحة استرح بعد السجدة، هذه زيادة تكليف عليه، فالحاجة إلى تركها أدعى من الحاجة إلى فعلها، مع المرض، مع الحاجة، مع كبار السن، فالقول بأنها تفعل عند الحاجة إليها لا وجه له، وقد ثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام- من حديث مالك بن الحويرث، وثبتت في حديث المسيء، وثبتت أيضاً في بعض طرق حديث أبي حميد، كما نص على ذلك ابن القيم وابن حجر في التلخيص، فالقول بها أنها سنة مطلقاً.

((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) يعني هل يقال في الركعة الثانية: يكبر تكبيرة الإحرام لأنه قال له: كبر؟

طالب:.......

لا، تكبيرة الإحرام إنما هي لافتتاح الصلاة، ولم يقل أحد بأنها لكل ركعة، إنما الذي يفصل بين الركعتين الأولى والثانية تكبيرة الانتقال، يكبر كان يكبر -عليه الصلاة والسلام- عند كل خفض ورفع، هذه تكبيرة الانتقال.

((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) كبر تكبيرة الإحرام عند الشروع في الصلاة، ثم اقرأ ما تيسر معك في الركعة الأولى والركعة الثانية والركعة الثالثة والركعة الرابعة، فلا تجزئ قراءة الركعة الأولى عن الثانية والثالثة إلى آخره؛ للأمر هنا: ((افعل ذلك في صلاتك كلها)) ثم اركع في الركعة الثانية كما ركعت في الركعة الأولى، وفي الثالثة كما ركعت في الركعتين إلى آخره، ثم ارفع كذلك، ثم اسجد كذلك إلى آخر الصلاة.

((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.

ثم قال -رحمه الله-:

"وعن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-" فذكرنا، أنه فذكرنا، كيف؟ كيف تستقيم العبارة؟ عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا صلاة النبي –عليه الصلاة والسلام-.

طالب: تداخل يا شيخ.

إيه، لكن كيف يتفق "فذكرنا" متكلم "أنه كان"؟ أنه كان، عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان، يعني هل القائل: إنه كان نفسه محمد بن عمرو بن عطاء ليصح أن يقول: فذكرنا؟ من القائل: إنه كان جالساً؟ نعم؟ الراوي عنه؟ الراوي عنه لا يمكن أن يقول: فذكرنا صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

يصير تلفيق هذا، يضطرب الكلام بهذه الطريقة، نعم؟

طالب:.......

لا، نريد أن نتعامل مع النص الذي معنا، خل الروايات الثانية الصريحة اللي ما فيها إشكال، نريد كيف نستقيم مثل هذا السياق الذي ساقه ابن عبد الهادي وهو إمام، إمام محدث ما يأتي بمثل هذا عبثاً.

تعرفون شيئاً يقال له: التجريد؟ شيء يقال له: التجريد؟ لا أعني التجريد الصريح، لا، تجريد، نعم، يجرد من نفسه شخصاً يتحدث عنه، فكأن المتحدث هو محمد بن عمرو بن عطاء جرد من نفسه شخصاً أنه كان جالساً مع نفر تحدث عنه بأنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: فذكرنا صلاة النبي وهو المتحدث أولاً وآخراً.

نظير ذلك ما ثبت في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص قال: أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- رهطاً وسعد جالس، فقلت: ما لك عن فلان يا رسول الله إني لأراه مؤمناً؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أو مسلماً؟)) أعطى رهطاً وسعد جالس، عن سعد بن أبي وقاص أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى رهطاً وسعد جالس، يعني سعد جرد من نفسه شخص آخر يتحدث عنه، فقلت: ما لك عن فلان؟ وهنا نفس الكلام عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- فذكرنا صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال أبو حميد الساعدي: "أنا كنت" عندنا مضبوطة "أحفَظُكم" ما إعرابها؟ نعم؟

طالب:.......

خبر كان وإلا خبر أنا؟ أنا أحفظكم، أو أنا كنت أحفظَكم، والجملة خبر أنا، يعني لو قال: أنا أحفظُكم انتهى الإشكال تصير (أحفظكم) خبر (أنا) مرفوع، وإذا أقحمت كنت هنا كما هو وأردناها خبر لكان، قال: كنت أحفظكم، وقد تزاد (كان) فتكون مزيدة، وقد تزاد مع اسمها، ولذلك لو حذفت "كنت" لاستقام الكلام "أنا أحفظكم" وعلى هذا فيجوز فيه الرفع والنصب، الرفع على أنها خبر (أنا) و(كان) مع اسمها زائدة، والنصب على أنها خبر (كان)، والجملة من (كان) واسمها وخبرها خبر (أنا).

"أحفظكم لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- رأيته إذا كبر" يعني للإحرام "جعل يديه حذو منكبيه" حذو يعني مقابل، حذو منكبيه يعني مقابل منكبيه، والمنكب مجتمع رأس العضد مع الكتف "وإذا ركع" يعني هذه صورة، حذو منكبيه، وجاء الرفع إلى فروع أذنيه، جاء في رواية يعني في حديث آخر: إلى فروع أذنيه، إذا كبر رفع يديه إلى فروع أذنيه.

أيهما أعلى رواية أبي حميد هنا أو الحديث الثاني؟ الثاني إلى فروع أذنيه، يعني أعلى أذنيه، بل في بعض الأحاديث أنه حاذى بأصبعيه أذنيه، وهذا منتهى الرفع، فكيف نجمع بين هذا الحديث وغيره؟ منهم من يقول: هذا اختلاف تنوع، يعني إذا رفع إلى المنكبين جاء في السنة، وإن رفع أعلى من ذلك جاء بالسنة، وإن فعل هذا مرة أو هذا مرة فقد جاء في السنة، ومنهم من يقول: نجمع بين الأحاديث بأن نجعل ظهور الكفين حذو المنكبين، وأطراف الأصابع حذو فروع الأذنين، وبهذا تجتمع النصوص.

رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، الأصل أن الرفع مقارن للتكبير، يبدأ معه وينتهي معه، فإن رفع قبل التكبير أو بعده فما الحكم؟ قال، رفع يديه كذا ثم قال، لما وضعهم قال: الله أكبر، أو قال: الله أكبر ثم رفع يديه، الأصل أن التكبير الرفع يقارن التكبير، كما أن التكبير للركوع والتكبير للسجود، والتكبير للقيام من السجود يقارن الفعل هذا الأصل لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه؛ لأنه للانتقال، فما معنى كونه يسبق الانتقال أو يتأخر عنه؟! إنما شرع من أجله فيكون مقارناً له.

السنة أن يكون الرفع مقارناً، وأما إذا كبر قبل أن يرفع أو رفع قبل أن يكبر فأهل العلم قد يتسامحون في شيء من هذا على ألا يتأخر أحدهما عن الآخر تأخراً طويلاً.

على كل حال هذا الرفع المقارن لتكبيرة الإحرام سنة عند جماهير أهل العلم، الأئمة الأربعة كلهم يقولون بأنه سنة، وقال من أهل العلم كالحميدي وبعض العلماء قالوا بوجوبه، داود الظاهري، والحميدي يقولون بوجوب الرفع هذا، وهذا من الموضع بالذات يتفق فيه الحنفية مع الجمهور، فيقولون باستحبابه باختلاف المواضع الأخرى التي يستحبها الجمهور على خلاف بينهم في تفاصيلها على ما سيأتي، وأما الحنفية فلا يرون الرفع في غير هذا الموضع.

"جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه" وجاء في رواية: "حتى كأنه قابضهما" ومع ذلك يمد يديه كالوتر؛ لأن بعض الناس وهو راكع تشوفه مرة فاحج يديه هكذا، ومرة ضامها، المهم أنه يمدها كالوتر يعني باعتدال.

"وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره" يعني ثناه، هصر ظهره في استواء من غير تقويس، يمد ظهره معتدل هكذا، وجاء في بعض الأحاديث عند ابن ماجه وغيره "حتى لو صب الماء على ظهره لاستقر" -عليه الصلاة والسلام- يعني ما في تقويس، ويكون الرأس في سمت الظهر على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة.

"ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه" الفقار عظام الظهر التي يقال لها: خرز الظهر، كل فقرة تعود إلى مكانها، ولا يمنع أن يراد بالفقار هنا المفاصل، فيعود كل فقار كل مفصل، كل عضو إلى مكانه، وبهذا مع الأدلة الأخرى التي يأتي ذكرها يُحتج لمن يقول بأن اليد اليمنى توضع على اليسرى، واليسرى على الصدر بعد رفع الرأس من الركوع، يعني الاعتدال من الركوع، وهذا سيأتي الكلام فيه -إن شاء الله تعالى-.

"حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما" إذا سجد وضع يديه بجانبي الوجه والأصابع مضمومة إلى جهة القبلة غير مفترش، يعني غير واضع لليدين على الأرض، غير واضع للذراعين على الأرض، وهذا افتراش السبع المنهي عنه على ما سيأتي.

"ولا قابض" يعني ولا ضامهما إلى جنبه، بل مجافٍ لهما إلى جنبه.

"وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما" والقبض كما يطلق على ضم اليدين إلى الجنبين يطلق أيضاً على قبض الأصابع، اللفظ لا يحتمل؟ ما يحتمل هذا؟ غير مفترش ولا قابضهما" قابض اليدين هل المراد باليدين التي جاء بيانه في قوله: "وإذا سجد وضع يديه" ما المراد باليدين؟ الكف، إذا قيل: "ولا قابضهما" يعني قابض الكف الأصابع، وإذا قلنا: ولا قابضهما، واليد كما تطلق على الكفين تطلق على الذراعين أيضاً، فيكون المراد بالقبض هنا قبض اليدين إلى الجنبين.

"ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة" وكل عضو منه يمكن استقبال القبلة به، هذا هو الأصل كاليدين والرجلين إضافة إلى أن البدن كله مع في استقبال القبلة.

"فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله" في الركعتين كيف في الركعتين؟ في الركعتين يعني بعد الفراغ من الركعتين، والمقصود بذلك التشهد الأول أو بين السجدتين؟ فما الذي يخصص الركعتين؟ "فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى" يعني جلس مفترشاً رجله اليسرى، ناصباً رجله اليمنى وهذا بين السجدتين، وفي الجلسة التي تسمى جلسة الاستراحة، وأيضاً في التشهد الأول، هذه صفة الجلوس، وجاء من حديث ابن عباس ويذكر عن العبادلة أنهم ينصبون القدمين، ويجعلون اليدين على العقبين، ويسميه بعض أهل العلم هذا إقعاء، لكن جاء عن ابن عباس أنه السنة، فعلى هذا لو فعل أحياناً، من فعله أحياناً أصاب السنة، ويكون الغالب في جلوسه على هذه الصفة "جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى" وبعض الناس يعكس، نعم بعض الناس لا يستطيع لأنه تعود هذه الطريقة، فيبست رجليه على هذا الأمر، أو حصل له حادث أو كسر أو شيء من هذا لا يستطيع هذا معذور، ما يقال: تكسر رجله مرة ثانية على شان تعدل لهذه الجلسة، هذا معذور الذي لا يستطيع، لكن الإشكال في الذي يستطيع ولا يفعل مع علمه بهذه الصفة.

"جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة" يعني في التشهد الأخير "قدم رجله اليسرى" يعني فأدخلها تحت ساقه اليمنى، أو بين ساقه وفخذه إن أمكن ذلك على ما جاء في سنن أبي داود، لكن الأكثر على الصفة الأولى يقدم رجله اليسرى، فيجعلها تحت ساقه اليمنى ونصب الأخرى، نصب اليمنى وقعد على مقعدته، وهذا يعرف عند أهل العلم بالتورك، فالتشهد الأول افتراش، والتشهد الثاني تورك، وهذا قول الحنابلة عملاً بهذا الحديث المفصل، الحنفية ما عندهم شيء اسمه تورك، الجلسات كلها افتراش، يستوي ذلك بين السجدتين وللتشهد الأول والثاني، المالكية يتورك في التشهدين عكس الحنفية، الشافعية عندهم الجلوس كله افتراش إلا في تشهد يعقبه سلام، يوافقون المالكية من وجه ويوافقون الحنابلة من وجه، كيف يوافقون المالكية؟ متى يوافق الشافعية المالكية؟ نعم؟

طالب:.......

نعم في التشهد الذي يعقبه سلام، يعني سواءً كانت صلاة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، يتورك في صلاة الصبح يتورك في الظهر، يتورك في المغرب، ومعنى قوله: "يعقبه سلام" أنه إذا كان عليه سجود سهو يتورك وإلا ما يتورك؟ ما يتورك؛ لأن التشهد لا يعقبه سلام، ولو كان تشهد ثاني، وبهذا يختلفون مع الحنابلة في التشهد الثاني الذي يعقبه سجود سهو، ويتفقون معهم في التشهد الثاني الذي لا يعقبه سجود سهو، وإنما يعقبه سلام. "رواه البخاري".

كلام طويل في حديث علي.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قام إلى الصلاة" أي صلاة هذه؟ يقول الحافظ في البلوغ: "في رواية لمسلم" الحديث رواه مسلم في الجملة، وفي رواية له: أن ذلك في صلاة الليل، يعني هذا الاستفتاح إنما هو في صلاة الليل، وهذا نص عليه الحافظ ابن حجر في البلوغ.

وقال الصنعاني: لم نجده في مسلم، يعني لم نجد التنصيص على أن ذلك في صلاة الليل، وإنما ساق مسلم الحديث حديث علي هذا في قيام الليل، فهل مقتضى السياق سياق الخبر في أثناء أحاديث قيام الليل أن يكون هذا الاستفتاح خاص بصلاة الليل كما في: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل))؟ يعني لو أن شخصاً أراد أن يستفتح لصلاة الظهر، فقال: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، قلنا: هذا جاء في صلاة الليل، ولو استفتح بهذا قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ)) لأن مسلماً وضع الحديث في أحاديث صلاة الليل، ومسلم دقيق في ترتيبه، ولذلك جزم الحافظ أن هذا في صلاة الليل، ومجرد عمله وصنيع مسلم في وضعه هذه الخبر في أثناء أحاديث صلاة الليل كأنه نطق؛ لأنه دقيق -رحمه الله-، ولذا قال الحافظ: وفي رواية له أن ذلك في صلاة الليل، لكن الصنعاني قال: لم نجده في مسلم، يعني التنصيص بالقول أن هذا في صلاة الليل، وإنما ساق مسلم حديث علي هذا في قيام الليل، وقد نقل الحافظ ابن حجر في التلخيص عن الشافعي وابن خزيمة أنه يقال في المكتوبة، يعني في البلوغ قال: نص مسلم على أن هذا في صلاة الليل، وفي البلوغ نقل عن الشافعي وابن خزيمة أن هذا الاستفتاح يقال في المكتوبة، لكن طول هذا الاستفتاح وسكوت النبي -عليه الصلاة والسلام- بين التكبير وبين القراءة هنيهة على ما سيأتي في حديث أبي هريرة، يعني قليل ما يحتمل كل هذا الكلام، وهذا يرجح أن هذا الاستفتاح إنما هو في صلاة الليل التي من شأنها الطول، والإنسان بمفرده يصنع ما يشاء، يطيل أو يختصر الأمر إليه، يفعل الأرفق به، لكن إذا كان إمام عليه ملاحظة المأمومين، ودعاء الاستفتاح الذي هذا من صيغه، ومن صيغه ما سيأتي: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) ومن صيغه ما جاء في حديث أبي هريرة: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) وله صيغ أخرى، سنة عند الجمهور وليس بواجب، وليس بسنة عند مالك -رحمه الله- على ما سيأتي، على ما سيأتي الاستفتاح ليس بسنة عند مالك، وعند الجمهور سنة، وجاءت الاستفتاحات عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على صيغ متعددة، والاختلاف فيها اختلاف تنوع، وليس باختلاف تضاد، ولذا لا ينبغي الترجيح بين هذه الاستفتاحات الثابتة الواردة والاقتصار على واحد منها، وإلغاء ما عداه، فيأتي بهذا أحياناً، ويأتي بهذا أحياناً، على ما سيأتي في صيغ التشهد -إن شاء الله تعالى-.

قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ)) يعني وجه وجهه إلى الجهة التي أمر الله بها، وجاء في الحديث: ((إذا قام أحدكم يصلي فلا يبصق تلقاء وجهه)) لماذا؟ لأن الله تلقاء وجهه، ولا يعني هذا أن الله -جل وعلا- بين الإمام والمحراب، أو بين المأموم والإمام، لا أبداً، لكن الله -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، لكنه تكريماً لهذه الجهة، وتوجيه الوجه معناه توجيه القصد لله -جل وعلا- مخلصاً بذلك بقلبه وقالبه، فوجهه وجميع بدنه متجه إلى هذه الجهة التي جاء الأمر بها، وقلبه معلق بربه -جل وعلا-، ملتفت إلى صلاته التي هي الصلة بين العبد وربه.

((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ)) ابتدأ خلقهما، يعني خلقهما {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(1) سورة فاطر] يعني خالق السماوات والأرض، مبدع السماوات والأرض.

((حنيفاً)) يعني حال كوني حنيفاً، فحنيفاً حال، وفاعله وصاحب الحال، نعم؟

طالب:.......

وجهت، صاحب الحال الفاعل، فاعل وجهت، صحيح {فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [(95) سورة آل عمران] صاحب الحال؟ إبراهيم، نعم؟ إبراهيم موقعه من الإعراب مضاف إليه، يجوز الإتيان بالحال من المضاف إليه، نعم؟

طالب:.......

مطلقاً وإلا؟

طالب:.......

نعم.

ولا تجز حالاً من المضاف له
 

 

إلا إذا اقتضى المضاف عمله

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [(4) سورة يونس].

أو كان جزء ما له أضيفا
 

 

...................................

قطعت يد زيد قائماً.

...................................
 

 

أو مثل جزئه فلا تحيفا

 

مثل الجزء، الملة مثل الجزء {فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [(95) سورة آل عمران].

((وما أنا من المشركين)) الحنيف والحنف والأحنف المادة كلها تدل على الميل، فالأحنف الذي رجله مائلة، والحنيف والأحنف الذي مال، مال عن إيش؟ مال عن الشرك وأهله ((حنيفاً وما أنا من المشركين)).

{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [(162-163) سورة الأنعام] يعني كما جاء في آخر سورة الأنعام {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} [(162) سورة الأنعام] صلاتي وذبيحتي {وَمَحْيَايَ} [(162-163) سورة الأنعام] كله، المحيا كله، والممات كله، يعني جميع التصرفات ينبغي أن تكون على مراد الله -جل وعلا-، جميع تصرفات الإنسان ينبغي بل على المسلم أن تكون على مراد الله -جل وعلا-، فحياته كلها لله، ومماته لله، لله رب العالمين، لا شريك له، لا يلتفت إلى أحد سواه، ولا يصرف شيئاً مما لا يجوز صرفه إلا لله -جل وعلا-.

((لا شريك له، وبذلك أمرت)) أمره الله -جل وعلا- بذلك ((وأنا من المسلمين)) التوجيه سواءً كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أو غيره ممن يقول هذا الذكر، نعم هو من المسلمين حقيقة، وإذا قلنا: إن الإسلام دين الأنبياء كلهم ما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أول المسلمين، وإذا قلنا: إن الإسلام المراد به هذه الشريعة التي جاء بها النبي -عليه الصلاة والسلام-، صار محمد -عليه الصلاة والسلام- أول المسلمين، لكن ماذا عن أتباعه؟ هل الأولى أن يقول المسلم: وأنا أول المسلمين أو وأنا من المسلمين؟ وهل تغير الصيغ الثابتة المتعبد بها من أجل مثل هذا؟ أو نتلو اللفظ المتعبد به كما هو؟ يعني للمسلم أن يقول: وأنا أول المسلمين وهو في الحقيقة ليس بأول المسلمين لكن هو متعبد بهذا اللفظ، يعني في القرآن تقول: وأنا أول المسلمين، يجوز لك أن تغير، تقول: ما أنا بأول المسلمين إذاً أغير؟ لا يجوز، فهل تغير في مثل هذا الحديث؟ نعم جاء في بعض الروايات: ((وأنا من المسلمين)) وأما على الرواية الأخرى: ((وأنا أول المسلمين)) كما في الآية {وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [(163) سورة الأنعام] يكون المراد بذلك اتباع لفظ القرآن.

((اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت)) أنت الملك، الملك اسم من أسماء الله -جل وعلا-، كما جاء في آخر الحشر وغيرها ملك ومليك {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [(55) سورة القمر] {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [(26) سورة آل عمران] {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [(16) سورة غافر] فالملك من أسمائه الحسنى.

((لا إله إلا أنت)) إقرار واعتراف بشهادة التوحيد، نفي لكل إله يدعى ويعبد من دون الله -جل وعلا-، وإثبات للعبودية لله -جل وعلا- خاصة.

((لا إله إلا أنت، أنت ربي)) اعتراف ((وأنا عبدك)) انكسار بين يدي الله -جل وعلا- ((ظلمت نفسي)) هذا يقوله المعصوم -عليه الصلاة والسلام- ((ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً)) منهم من يقول: إن مثل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يقوله قصداً لذلك؛ لأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فليس بحاجة إلى مثل هذا، وإنما المراد تعليم الأمة، ومنهم من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل مثل هذا من باب التواضع، وإلا فهو معصوم -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقول: إن ذنوب الأنبياء المعصومين إنما هي فعلهم خلاف الأولى.

((وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً)) أبو بكر -رضي الله عنه- على ما سيأتي طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- دعاءً يقوله بعد الفراغ من التشهد، فأرشده النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: ((رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي...)) إلى آخره، المبتدعة يقولون: هاه أبو بكر ظالم لنفسه ظلم كثير وليس بقليل، ويقول هذا المعصوم -عليه الصلاة والسلام- الذي يعرف حال أبي بكر، وأخبر الناس به، يقول: قل يا أبا بكر: ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، فهو ظالم لنفسه، والظالم لنفسه لا يؤمن أن يظلم غيره، نقول: ماذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ((ظلمت نفسي واعترفت بذنبي))؟ هل يقال مثل هذا في حق النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! أو نقول: هذا تواضع وهضم للنفس؟ نقول: تواضع وهضم للنفس، والظلم متفاوت تفاوتاً بيناً وواضح وظاهر، يبدأ من الشرك الأكبر {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] إلى الظلم اليسير في وضع الشيء في غير موضعه، فالظلم قد لا ينفك منه أحد، اليسير منه وضع الشيء في غير موضعه ظلم، فعلى الإنسان أن يطلب من الله -جل وعلا- أن يغفر له هذا الظلم، وإن كان يسيراً، فإذا طلبه النبي -عليه الصلاة والسلام- فلأن يطلبه أبو بكر من باب أولى؛ ولأن يطلبه من دون أبو بكر من باب أولى، وهذه منقبة لأبي بكر -رضي الله عنه وأرضاه-.

((ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) في أحد يستطيع أن يغفر لأحد؟ أبداً، ((لا يغفر الذنوب إلا أنت)) وبعض الملل وبعض المذاهب يعطون صكوك غفران يسمونها، فالذي يدفع الرسوم يعطى مثل هذا الصك، وهذا موجود عند بعض الملل الخارجة عن ملة الإسلام، وموجود مع الأسف عند بعض من ينتسب إلى الإسلام من أصحاب البدع الكبرى المغلظة التي في حقيقتها مخرجة عن الإسلام، لكن هم يدعون الإسلام ويتجهون إلى قبلتنا، ومع ذلك عندهم مثل هذه البدع المغلظة.

((لا يغفر الذنوب إلا أنت)) ما جاء أبو بكر ولا عمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- ليغفر لهم {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ} [(64) سورة النساء] استغفروا منك وإلا من الله -جل وعلا-؟ يعني طلبوا المغفرة منك يا محمد أو من الله -جل وعلا-؟ المغفرة لا يملكها إلا الله -جل وعلا-.

((وأهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت)) لعلنا نقف على هذا لأن الإخوان بدأت عليهم آثار الملل، وبدؤوا ينصرفون، لكن ما شرح فيه بركة -إن شاء الله-.

نقف على هذا؛ لأن الأخلاق تحتاج، وبقية الحديث يحتاج إلى تفصيل، والحديث الذي يليه له صلة به، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"