شرح العقيدة الطحاوية (08)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خير الجزاء يا أرحم الراحمين، قال المؤلف رحمه الله تعالى:

قوله ولا شيء يعجزه لكمال قدرته قال تعالى{إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة:20] وقال {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا}[الكهف:45] وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ}[فاطر:44] وقال..

القراءة الأولى خطأ.

إيه خطأ.

أحسن الله إليك.

وقال {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم}[البقرة:255] وقال{وَلاَ يَؤُودُهُ}[البقرة:255] قوله {وَلاَ يَؤُودُهُ}[البقرة:255] أي لا يكرثه ولا يثقله ولا يعجزه فهذا النفي لثبوت كمال ضده وكذلك كل نفي..

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

ففي قول المصنف رحمه الله تعالى: ولا شيء يعجزه يعني لكمال قدرته كما قال جل وعلا {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة:20] فالقدرة الإلهية صالحة لكل شيء ولا يقف دونها شيء، قد يعترض بعضهم بالمحال وهو اجتماع ضدين مثلا فالمحال ليس بشيء أصلا، يعني إيجاد شيء وإعدامه في وقت واحد هذا ليس بشيء ليكون معجزا أو غير معجز، وبعضهم- وهذا يوجد عند المفسرين- في قوله {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة:20] قد يقيّدون ذلك بمشيئته- جل وعلا- إنه على ما يشاء قدير، وهذا القيد لا يوجد في النصوص، وهو أيضا له مفهوم باطل يعني أن الذي لا يشاؤه إنما تركه عجزا عنه لعدم قدرته عليه ولو قدر عليه لشاءه هذا الكلام باطل، في تفسير الطبري في تفسير سورة الملك أطلق هذا إنه على ما يشاء قدير، لكن العبرة بما ثبت بالنص، يعني غير الطبري لا يشكل أن يقول هذا، مَن عنده مخالفات، لكن الطبري محسوب على أئمة أهل السنة، وإلا التفاسير كلها أو جلها أو كثير منها موجود فيها هذا القيد كالجلالين وغيره أو حواشيه موجود فيه هذا القيد إنه على ما يشاء قدير، لكنه قيد له لازم باطل فهو باطل، الذي يلزم منه أن الذي لم يشأه الله- جل وعلا- إنما تركه لأنه لا يقدر عليه فهذا قيد ليس بصحيح في قوله جل وعلا{وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِير}[الشورى:29] فالمشيئة ليست معلقة بالقدرة، قدرة الله جل وعلا ليست مربوطة بمشيئته قدرته فوق كل شيء، لكن المعلّق بالمشيئة هنا وقت الجمع {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء}[الشورى:29]  يعني متى شاء قدير متى شاء وليس مما نحن فيه كلام كثير حول هذه المسألة لبعض الطوائف لكننا لسنا بحاجة إلى مزيد التفصيل أكثر من هذا وإنما المقصود التنبيه على هذا القيد وأنه باطل، وأما ذكر إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري لهذا في سورة الملك فإنه من هفواته- رحمه الله- ولعله لا يقصد اللازم من ذلك وأما ما جاء في الآية {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِير}[الشورى:29]  فليست مما نحن فيه فالمشيئة هنا متعلقة بوقت الجمع، متى شاء الله- جل وعلا-، يجمعهم ويبعثهم متى شاء وليس في هذا تعليق للقدرة بالمشيئة.

طالب: ..................

«إني على ما أشاء» في صحيح مسلم ما توجيهه ؟ إني على كل شيء قادر، والشيء الذي يقدر عليه هو داخل في مشيئته، فليس مما نحن فيه أيضا القدرة الإلهية، هناك بعض المعاني نسب إليها وأضيف إليها وأسند إليها مما هو من اختصاص الحواس {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين}[فصلت:11] الأعمال توزن وهي معاني الله- جل وعلا- على كل شيء قدير، قادر على أن ينطق السموات والأرض، وقادر على أن يجسد هذه الحسنات وتلك السيئات لترجح أو تخف في الميزان.

فهذا النفي لثبوت كمال ضده وكذلك كل نفي يأتي في صفات الله تعالى في الكتاب والسنة إنما هو لثبوت كمال ضده كقوله تعالى {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:49]  لكمال عدله وقوله { لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ}[سبأ:3]  لكمال علمه وقوله تعالى:{وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوب}[ق:38] لكمال قدرته وقوله..

اللغوب التعب {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوب}[ق:38] من جراء خلق السموات والأرض لكمال قدرته جل وعلا.

وقوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ}[البقرة:255]  لكمال حياته وقيّوميّته وقوله {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:103] لكمال جلاله وعظمته وكبريائه وإلا فالنفي الصرف.

الصِّرف.

أحسن الله إليك.

وإلا فالنفي الصِّرف لا مدح فيه ألا يُرى أن قول الشاعر:

قبيّلة لا يغدرون بذمة

 

ولا يظلمون الناس حبة خردل

لما اقترن بنفي الغدر والظلم عنهم ما ذكره قبل هذا البيت وبعده وتصغيرهم بقوله قبيّلة عُلم أن المراد عجزهم وضعفهم لا كمال قدرتهم وقول الآخر: لكن قومي..

لأن هذا أسلوب ذم عند العرب، كون الإنسان لا يستطيع أن يظلم ولا يستطيع أن يغلب هذا مذموم عندهم.

ومن يك ذا عفة ماذا؟ فلعلة لا يظلم، يعني عاجز عن الظلم، ما معنى البيت كاملا؟ المقصود أنهم يذمون بهذا وهذا ممدوح في شرعنا، الظلم مذموم بجميع صوره وأشكاله وضده محمود، ويبقى أن من يستطيع تنفيذ الأمر ويتركه لله هذا محل المدح أما من يتركه عجزا ولو قدر لأمضاه هذا مذموم.

وقوله الآخر:

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد

 

ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

لما اقترن بنفي الشر عنهم ما يدل على ذمهم عُلم أن المراد عجزهم وضعفهم أيضا.

وقد يقال إن البيت محل مدح وليس بذم لأنهم إنما تركوا الشر تعففا مع قدرتهم عليه لأنهم ذووا عدد في البيت ما يدل على أن فيهم قوة وإنما تركوا الشر والظلم تعففا.

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد

 

................................

يعني لديهم قدرة بالعَدد والعُدد.

................................

 

ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

وإنما تركوا الشر تعففا عنه لا عجزا.

ولهذا يأتي الإثبات للصفات في كتاب الله مفصلا والنفي مجملا عكس طريقة أهل عكس طريقة أهل الكلام المذموم فإنهم يأتون بالنفي المفصل والإثبات المجمل.

يعني هذه طريقة القرآن الإثبات المفصّل والنفي المجمل هذا هو الأصل، لكن قد يأتي نفي مفصّل في شيء بعينه لأنه نُسب إلى الله- جل وعلا- فاحتاج أن ينفى بذاته وبعينه ولا يكفي فيه الإجمال.

يقوله ليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص..

النفي يفصلون فيه تفصيلا ويفرعون ويستطردون والإجمال كلام موجز وهو نفي التشبيه وكل ما يترتب على ذلك ينفونه مما يتوقع أو يشم منه رائحة التشبيه.

ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ولا مجسة ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا اجتماع ولا افتراق ولا يتحرك ولا يسكن ولا يتبعض وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء وليس بذي جهات ولا بذي يمين ولا شمال وأمام وخلف وفوق وتحت ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان ولا يجوز عليه المماسّة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدوثهم ولا يوصف بأنه متناه ولا يوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات وليس بمحدود ولا والد ولا مولود ولا تحيط به الأقدار ولا تحجبه الأستار إلى آخر ما نقله أبو الحسن الأشعري رحمه الله عن المعتزلة وفي هذه الجملة حق وباطل.

هذا على غير منهج القرآن ومنهج سلف الأمة وأئمتها الذين عملوا بكتاب الله وما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام- من إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي ما عداه.

وفي هذه الجملة حق وباطل ويظهر ذلك لمن يعرف الكتاب والسنة وهذا النفي المجرد مع كونه لا مدح فيه، فيه إساءة أدب فإنك لو قلت للسلطان أنت لست بزبال ولا كساح ولا حجام ولا حائك لأدبك على هذا الوصف وإن كنت صادقا وإنما تكون.

يعني الذي يقول أن السيف أمضى من العصا صادق أو كاذب؟ صادق لكن هل يحسن مثل هذه المقارنة وهي بين جماد.

ألم تر أن السيف ينقص قدره

 

إذا قيل أن السيف أمضى من العصا

هذا في جماد يستسمجه السامع فكيف بمن تتفاوت منازلهم من الخلق تفاوتا بيِّنا فكيف بما بين الخالق- جل وعلا- والخالق.

وإنما تكون مادحا إذا أجملت النفي فقلت أنت لست مثل أحد من رعيتك.

يعني هل الذي يقول لك أنت أحب إلي من إبليس ترضى أو ما ترضى؟! أفعل التفضيل على بابها أو على غير بابها؟ إذا قلنا على بابها معناه أنه يحب إبليس لكن يحبك أكثر منه، وإذا قلنا على غير بابها أنه لا يحب إبليس ألبتة وهذا هو المتصور من كل مسلم لكن هل مثل هذا التعبير مستساغ.

فقلت أنت لست مثل أحد من رعيتك أنت أعلى منهم وأشرف وأجل فإذا أجملت في النفي أجملت في الأدب والتعبير عن الحق.

يعني أنت لو أتيت إلى شخص من العلماء الكبار من بحور العلم ومن الحفاظ المتقنين تسأله تقول تحفظ الأربعين؟! يسوغ هذا؟! يعني حينما يمدح شخص من الكبار بأنه وهو حافظ ومتقن وضابط ويقرأ من المصحف على قول من يقول أن القراءة في المصحف أفضل من القراءة، حفظ لكنه مع ذلك لا يضع علامة في الموقف الذي يقف عليه هذا يحتاج إلى ذكر في مثل هذا؟!

لا يحتاج إلى ذكر إنما يحتاج مثل هذا من كان يبعد عهده بكتاب الله، أما من يقرأ الكتاب باستمرار ما يحتاج إلى أن يضع علامة بحيث لا ينسى ما وقف عليه، فيذكر في ترجمته مثل هذا ويمدح بهذا، ما يمدح بهذا، أشكل علي قديما ما في الصحيح من مناقب أبي بكر-رضي الله عنه-أنه كان لا يلتفت في صلاته.

طالب: ..................

يعني اعتدنا أن حتى صغار السن ما يلتفتون عندنا، لكن ما معنى الالتفات هنا وما ظرف الالتفات في مثل ذلك الوقت، النبي -عليه الصلاة والسلام-صلى وهو ينظر إلى الشعب في وقت خوف ليس في وقت أمن يحتاج فيه إلى مثل هذا، فكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ولا يقال أنه في هذا أكمل من النبي -عليه الصلاة والسلام-لأن بعض المناقب تقرؤها لبعض الكبار تظنها قدحا ليست مدحا، ما وجدوا إلا أنه ما يلتفت في صلاته أبو بكر- رضي الله عنه- يعني ما وجدوا من مناقبه إلا هذا؟! لا، الأمر أعظم من ذلك- رضي الله عنه وأرضاه-.

والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة والمعطلة يعرضون عما قاله الشارع من الأسماء والصفات ولا يتدبرون معانيها ويجعلون ما ابتدعوه من المعاني والألفاظ هو الحكم هو المحكم الذي يجب اعتقاده واعتماده.

وبذلك حرموا خيرا عظيما أعني الأسماء الحسنى لها مدلولات لفظية ومعنوية من حرمها حرم الخير كلها {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف:180] وهؤلاء الذي لا يثبتون أسماء كيف يعرفون معاني هذه الأسماء وهم لا يعرفونها ولا يثبتونها، وكيف يدعون الله بها، تدعو الله بشيء لا تعتقده؟ كيف يتصور أن تفهم معاني الأسماء الحسنى وأنت لا تعترف بها؟ والأسماء الحسنى ألفت فيها الكتب وبُيِّنت معانيها ومن أفضل من تكلم عليها وأوفى ابن القيم في النونية فأوصي كل طالب علم أن يعتني بها مع ما ذكره ابن القيم في شرحها وذكر معانيها.

وأما أهل الحق والسنة والإيمان.

بعض الجهات يكتفون من الأسماء الحسنى أن تردد في الصباح والمساء منظومة تقرأ في الصباح وتقرأ في المساء وترتل ويترنم بها فقط، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها» ليس الإحصاء العدد، أو فمن طاف أسبوعا يحصيه يعني يضبط سبعة أشواط وهذا الإحصاء؟! لا، الإحصاء معرفة المعاني وما تدل عليه «من أحصاها دخل الجنة».

وأما أهل الحق والسنة والإيمان فيجعلون ما قاله الله ورسوله هو الحق الذي يجب اعتقاده واعتماده والذي قاله هؤلاء إما أن يعرضوا عنه إعراضا جُمَليا.

جمْليا يعني في الجملة.

إما أن يعرضوا عنه إعراضا جمْليا أو يبينوا حاله تفصيلا ويحكم عليه بالكتاب والسنة لا يحكم به على الكتاب والسنة.

نعم لأن هذا هو الحاكم {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ}[الأنعام:57]  وحكم الله في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فهما الحاكمان على كل شيء.

والمقصود أن غالب عقائدهم السلوب.

يعني النفي السلوب جمع سلب وهو النفي.

ليس بكذا ليس بكذا وأما الإثبات فهو قليل وهو أنه عالم قادر حي وأكثر النفي المذكور ليس متلقى عن الكتاب والسنة ولا عن الطرق العقلية التي سلكها غيرهم من مثبتة الصفات فإن الله تعالى قال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى:11]  ففي هذا الإثبات ما يقرر.

الإثباتِ ففي هذا الإثباتِ.

أحسن الله إليك.

ففي هذا الإثباتِ ما يقرر معنى النفي ففهم أن المراد انفراده سبحانه بصفات الكمال فهو سبحانه وتعالى موصوف بما وصف به نفسه ووصفه به رسله ليس كمثله شيء فيه صفاته ولا أسمائه ولا في أفعاله مما أخبرنا به من صفاته.

المبتدعة تمسكوا ببعض الكتاب وتركوا بعض{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11] تشبثوا بهذه الجملة ونفوا ما أرادوا نفيه من قوله جل وعلا: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11] أما {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى:11] هذه كأن الأمر لا يعنيه ولا الخطاب موجه إليهم فطائفة تمسكت بالنفي وطائفة أغرقت في الإثبات وتركت النفي، ووفق الله أهل السنة والجماعة وجمع بين النفي والإثبات وفي قوله جل وعلا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى:11] التوازن في عقيدة المسلم خلاف ما جنح إليه الرازي في تفسيره في تفسير هذه الآية وإنكاره على ابن خزيمة في تصنيفه كتاب التوحيد؛ لأن فيه نصوص الصفات، وأساء الأدب جدا ووقع في ابن خزيمة ووصفه بأبشع الأوصاف الذي يسميه العلماء إمام الأئمة وصنف في أعضاء الله شوف التنفير، وصنّف في أعضاء الله شخص يقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة والأولى أن يسمى كتاب الشرك بدلا من كتاب التوحيد هذا كلام الرازي في تفسيره والله المستعان.

ليس كمثله شيء في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله مما أخبرنا به من صفاته وله صفات لم يطّلع عليها أحد من خلقه كما قال رسوله الصادق -صلى الله عليه وسلم- في دعاء الكرب «اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي» وسيأتي التنبيه على فساد.

والشاهد «استأثرت به في علم الغيب عندك» أن هناك أسماء لله- جل وعلا- وهي متضمنة لصفات لم يطلع عليها أحد من الخلق.

وسيأتي التنبيه على فساد طريقتهم في الصفات إن شاء الله تعالى وليس قول الشيخ رحمه الله تعالى ولا شيء يعجزه من النفي المذموم فإن الله تعالى قال {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}[فاطر:44] فنبه سبحانه وتعالى في آخر الآية على دليل انتفاء العجز وهو كمال العلم والقدرة فإن العجز إنما ينشأ.

ولا يأتي بنفي مجرد وإنما يعقبه بإثبات كمال؛ لأن النفي إذا أفرد بدون إثبات ما دل على مدح النفي المجرد لا يشتمل على مدح، لكن لا بد أن يقترن بإثبات يتضمن ذلك المدح إثباتا لنقيض ما نفي.

فنبه سبحانه وتعالى في آخر الآية على دليل انتفاء العجز وهو كمال العلم والقدرة فإن العجز إنما ينشأ إما من الضعف عن القيام بما يريده الفاعل وإما من عدم علمه به والله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة وهو على كل شيء قدير وقد عُلم ببدائة العقول.

ببدائه ببدائه العقول.

أحسن الله إليك.

وقد علم ببدائه العقول والفطر كمال قدرته وعلمه فانتفى العجز لما بينه وبين القدرة من التضاد ولأن العاجز لا يصلح أن يكون إلهًا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. قوله: "ولا إله غيره" هذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلها كما تقدم ذكره.

كلمة التوحيد لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله جل وعلا، وهنا أتى بالضمير غيره بدلا من صريح الاسم؛ لأنه تقدم، فالضمير يعود عليه لا إله غيره يعني لا إله غير الله، لا إله إلا الله هذه كلمة التوحيد.

هذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلها كما تقدم ذكره وإثبات التوحيد بهذه الكلمة باعتبار النفي والإثبات المقتضي للحصر فإن الإثبات المجرد قد يتطرق إليه الاحتمال ولهذا والله أعلم لما قال تعالى: {وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[البقرة:163] .

هذا إثبات وليس فيه نفي {وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[البقرة:163] إلهكم يعني ماذا عن إله غيرنا؟ يعني لو لم يرد إلا هذا لورد مثل هذا السؤال لكن لما عُقب بقوله {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم}[البقرة:163] انتفى السؤال من أصله.

قال بعده {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم}[البقرة:163]  فإنه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطاني هب أن إلهنا واحد فلغيرنا إله غيره فقال تعالى: {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}[البقرة:163] وقد اعترض صاحب المنتخب على النحَويين في تقدير الخبر في {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}[البقرة:163].

بإسكان الحاء.

النحْويين.

إيه نعم.

أحسن الله إليك.

وقد اعترض صاحب المنتخب على النحْويين في تقدير الخبر في {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}[البقرة:163] فقالوا تقديره لا إله في الوجود إلا الله فقال..

مع أنه في الوجود آلهة تعبد من دون الله فهذا التقدير ليس بصحيح.

فقال يكون ذلك نفيًا لوجود الإله ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد الصِّرف من نفي الوجود فكان إجراء الكلام على ظاهره والإعراض عن هذا الإضمار أولى وأجاب أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسيِّ في رَي الظمآن.

رِي رِي.

أحسن الله إليك.

في رِي الظمآن فقال هذا كلام من لا يعرف لسان العرب فإن إله في موضع المبتدأ على قول سيبويه وعند غيره اسم لا وعلى التقديرين فلا بد من خبر للمبتدأ..

واسم لا في الأصل مبتدأ واسم إنّ في الأصل مبتدأ اسم كان في الأصل مبتدأ.

وإلا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد وأما قوله إذا لم يضمر يكون نفيًا للماهية فليس بشيء لأن نفي الماهية هو نفي الوجود تتصور الماهية إلا مع الوجود فلا فرق بين لا ماهية ولا وجود وهذا مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة فإنهم يثبتون ماهية عارية من الوجود.

وإثباتها عندهم هو في الأذهان لا في الأعيان مع أنهم يرتبون على ماهية الأذهان ما يترتب على ماهية الأعيان فيخبرون عنها ويصفونها وهي مجرد الذهن خيال.

وإلا الله..

نعم قد يكون في الأذهان وجود قريب من الوجود في الأعيان ولذلك تخبر عنه وتشير إليه، شخص عنده فكرة يريد أن يتكلم فيها ويؤلف فيها، مؤلف يشرح كتابا من هذه المختصرات التي يغلب على الظن أنه يتمه دعنا من المطولات التي يمكن ألا تتم، يشرح متنا صغيرا مختصرا أو يؤلف متنا صغيرا في خمس ورقات في عشر ورقات في جلسة وهذا موجود بالقوة القريبة من الفعل، هو في الذهن الآن لكنه قريب من الوجود فتستطيع أن تشير إليه، أما بعد فهذه ورقات وهي في الذهن ما كتبها بعد، أما من يكتب المقدمة بعد وجود الكتاب هذا ما فيه إشكال، يؤلف الكتاب ثم يقول فهذا كتاب في شرح كذا وكذا وكذا هذا يشير إلى الأعيان هذا ما فيه إشكال، لكن حينما يشير إلى ما في الأذهان يريد أن يؤلف رسالة صغيرة في موضع ما، هذه قريبة من الوجود بين يديه فصحت الإشارة إليها ولا يقال إنه شابه المعتزلة في هذه الصورة، يعني إمام الحرمين لما أشار إلى الورقات ولنفترض أن هذه الإشارة قبل التأليف في خمس ورقات بقدر راحة اليد يعني ما يرفع القلم إلا منهية له أن يشير إليها لأن وجودها قريب، موجودة في الأعيان بالقوة القريبة من الفعل، أما أن يشير إلى أمور أو إلى جميع الأمور الموجودة في الذهن وكل ما يتخيله الذهن يشير إليه ويخبر عنه هذا مذهب المعتزلة وأنه يعامله معاملة الموجود وهذا ضرب من الهلوسة وإلا الذي في الذهن كيف يشار إليه؟ أنت تتصور أنك إذا تمكنت وتفرغت من العمل وتقاعدت تألف تفسيرا، هل يمكن أن تحيل على هذا التفسير؟! أين هذا التفسير؟

هذا الآن توظف باقي أربعون سنة ويتقاعد يمكن أن يشير إليه؟ افترض أن الخطة واضحة في ذهنه والمصادر متصوِّرها لكن لا يمكن أن يشار إلى مثل هذا إلا بضرب من الخيال، هذه طريقة المعتزلة التي أشار إليها الشارح وإنما الإشارة والإخبار عما يكون موجودا في الأعيان.

وإلا الله مرفوع..

مثل من يعلِّق على ولده آمال كبيرة جدا وهو ما تزوج إلى الآن يريد أن يريحه من أعمال الدنيا وأعبائها ويقوم بتجارته هذا مثله وما يدريك بأنك ما تنجب بعد.

وإلا الله مرفوع.

خلافا للمعتزلة فإنهم يثبتون ماهية عارية عن الوجود، نعم وإلا الله..

وإلا الله مرفوع بدلا من لا إله..

لم لا يكون منصوبا على الاستثناء؟ لأن الاستثناء ليس بتام موجب.

طالب: ..................

لا، لكن لماذا لا يكون، الآن هو بالإجماع مرفوع، لفظ الجلالة لماذا لا يتعين نصبه لأنه ليس بموجب.

بدلا من لا إله لا يكون خبرا لـ(لا) ولا للمبتدأ وذكر الدليل على ذلك.

وعلى هذا فالتقدير الصحيح لكلمة التوحيد لا إله معبود بحق وإن وجد معبودات وآلهة معبودة من دون الله-جل وعلا-لكنها ليست معبودة بحق وإنما معبودة بباطل.

وليس المراد هنا ذكر الإعراب بل المراد دفع الإشكال الوارد على النحاة في ذلك وبيان أنه من جهة المعتزلة وهو فاسد فإن قوله في الوجود ليس تقييدا لأن العدم ليس بشيء قال تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}[مريم:9] ولا يقال ليس قوله غيره كقوله إلا الله لأن غيرًا تعرب بإعراب الاسم الواقع بعد إلا فيكون التقدير للخبر فيهما واحدا فلهذا ذكرت هذا الإشكال وجوابه هنا. قوله: " قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء" قال الله تعالى {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ}[الحديد:3] وقال -صلى الله عليه وسلم- «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء» فقول الشيخ رحمه الله قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء هو معنى اسمه الأول والآخر.

يعني لا بد من إرداف القديم بما يدل على القِدم المطلق لأن القِدم قد يطلق ويراد به المطلق ويراد به القِدم النسبي فإذا قيل بلا ابتداء صار مطلقا وكذا لو قيل أزلي يعني المتناهي في القدم وأما أن يقال قديم من غير وصف بأنه لا بداية له ولا أول له أو لا يوصف بكونه أزلي فإن هذا لا يدل على التناهي في القدم والقدم المطلق؛ لأن القِدم قد يكون نسبيا فلو قُدِّر أن عندك كتاب من أيام الطلب من يوم أن كنت طالبا عندك نسختك من شرح الطحاوية وأنت متخرج من عشر سنين، واشتريت نسخة للحضور للدرس من المحققات الجديدة، تقول هذه نسخة قديمة، نسختك حينما كنت طالبا هذه قديمة، ونسختك الجديدة التي اشتريتها من المحققات المطبوعات الجديدة هذه جديدة في مقابل القديم، ونسختك وأنت طالب جديدة بالنسبة لنسخة شيخك التي هي الطبعة الأولى من أربعين وخمسين سنة فهي قديمة، فنسختك القديمة صارت قديمة؟ فصار هذا قِدما نسبيا، فلا يوصف به الله- جل وعلا- إنما يوصف بالقِدم المطلق، ولذلك ما جاء في أسمائه الحسنى القديم، تجاوز أهل العلم في وصفه بالقديم إذا أضيف إليه ما يدل على التناهي في القدم والقدم المطلق مثل قول المؤلف قديم بلا ابتداء «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء» كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الآية {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}[الحديد:3] هذه الأسماء الحسنى بيّنها النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث في الشرح «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء» إلى آخر الحديث.

والعلم بثبوت هذين الوصفين مستقر في الفطر فإن الموجودات لا بد أن تنتهي إلى واجب الوجود لذاته قطعا للتسلسل.

نعم لا بد أن تنتهي إلى واجب الوجود لذاته لئلا يتسلسل لأن هذا الموجود أوجده موجِد والذي قبله نفترض أنه قبله موجد والذي قبله.. لا، يتسلسل الأمر، هذا التسلسل غير مقبول، لكن إذا قلنا أوجده موجد، لكنه واجب الوجود بحيث لا يوجده من قبله انقطع التسلسل وانتهينا منه.

فإنا نشاهد حدوث الحيوان والنبات والمعادن وحوادث الجوّ كالسحاب والمطر وغير ذلك وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة فإن الممتنع لا يوجد ولا واجبة الوجود بنفسها فإن واجب الوجود بنفسه لا يقبل العدم وهذه كانت معدومة ثم وجدت فعدمها ينفي وجوبها ووجودها ينفي امتناعها وما كان قابلا للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه كما قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون}[الطور:35] يقول سبحانه أحدثوا.

أحَدثوا أحَدثوا.

أحَدثوا من غير محدث أم هم أحدثوا أنفسهم ومعلوم أن الشيء المحدث لا يوجد.

هذه الآية التي أثرت في جبير بن مطعم وكاد قلبه أن يطير وقد جاء مشركا في فداء أسرى بدر فسمع النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في سورة الطور فلما بلغ هذه الآية قال كاد قلبه أن يطير وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبه لماذا؟ لأنه يعرف مدلولات الألفاظ ويفهم الكلام بينما كثير من المسلمين تمر هذه الآيات كأنها لا شيء، لا حول ولا قوة إلا بالله.

ومعلوم أن الشيء المحدَث لا يوجَد.

لا يوجِد.

أحسن الله إليك.

لا يوجِد نفسه فالممكن الذي ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجودا بنفسه بل إن حصل ما يوجِده وإلا كان معدوما وكل ما أمكن وجوده بدلا من عدمه وعدمه بدلا من وجوده فليس له من نفس وجود.

من نفسه.

أحسن الله إليك.

عندنا من نفس.

لا، من نفسه وجود ولا عدم.

فليس له من نفسه وجود ولا عدم لازم له وإذا تأمل الفاضل غاية ما يذكره المتكلمون والفلاسفة من الطرق العقلية وجد الصواب منها يعود إلى بعض ما ذكر في القرآن من الطرق العقلية بأفصح عبارة وأوجزها.

يعني قد يكون في كلامهم حق لكنه موجود نظيره بل أخصر منه وأوجز وأوضح في كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- لأن المقدمات التي أوجدها المتكلمون زادت في تعقيد العلم، قد تكون بعض نتائجها صحيحة لكن ما الفائدة من أن نطوِّل في مقدمات لا حاجة ولا داعي إليها وعندنا الدليل القطعي يدل عليها مباشرة؟ لسنا بحاجة إلى ذلك ما دمنا نؤمن بكتاب الله وما جاء عنه على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

وفي وفي طرق القرآن من تمام البيان والتحقيق ما لا يوجد عندهم مثله قال تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[الفرقان:33]  ولا نقول لا ينفع الاستدلال بالمقدمات الخفية والأدلة الطويلة فإن الخفاء والظهور من الأمور النسبية.

نعم قد يكون المخاطب ممن أشرب قلبه حب هذه المقدمات وحب هذه القواعد فأنت تتوصل إلى الحق من خلال ما يتقنه ويعرفه حدثوا الناس بما يعرفون، ولذلكم تجدون في مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما يدل على أنه أفاد من هذه المقدمات واستعملها في خطابه لهم.

ومن العجيب أنه بسلاحهم
 

 

أرداهم نحو الحضيض الداني
 

وبذلك انتصر عليهم ولو كان ما يعرف قواعدهم ولا يخاطبهم بها صار بمعزل عنهم وهم بمعزل عنه وكل مضى في سبيله ولم يستطع أن يبيّن لأحد رحمه الله.

فربما ظهر لبعض الناس ما خفي على غيره ويظهر للإنسان الواحد في حال ما خفي عليه في حال أخرى وأيضا فالمقدمات وإن كانت خفية فقد يسلمها بعض الناس وينازع فيما هو أجلى منها وقد تفرح النفس بما علمته بالبحث والنظر.

نعم تفرح النفس فرحا شديدا بما تتوصل إليه أحسن الله أنت لما تقف في كلام الترمذي وفي الباب عن فلان وفلان وفلان ثم يقول الشراح حديث فلان لم نقف عليه ثم أنت تقف عليه في كتاب لم يطلعوا عليه ما تفرح؟

طالب: ..................

ليست المسألة مسألة وجدان فقط، ليس أمرا من أمور الدنيا، يترتب عليه حكم شرعي يصحح به حديث ورأيت الحافظ ابن حجر حينما وقف على شيء من هذا النوع كرر الحمد عشر مرات، فالحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله على ما أنعم به وتم، لا شك أن فرحة الوصول إلى الحكم الصحيح، يلهج الإنسان «اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك».

وقد تفرح النفس بما علمته بالبحث والنظر ما لا تفرح بما علمته من الأمور الظاهرة ولا شك أن العلم بإثبات الصانع ووجوب وجوده أمر ضروري فطري وإن كان يحصل لبعض الناس من الشبه ما يخرجه إلى الطرق النظرية وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى القديم وليس هو من الأسماء الحسنى فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن هو المتقدم على غيره فيقال هذا قديم للعتيق وهذا حديث للجديد ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم لا فيما لم يسبقه عدم كما قال تعالى {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم}[يس:39]  والعرجون القديم الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم وقال تعالى..

ما هو العرجون؟

طالب: ..................

وشو؟

طالب: ..................

نعم إذا أخذ منه التمر وبقي وكان يستعمل في التنظيف مكنسة للكنس فإذا يبس وجاء التمر الجديد بعرجون جديد أخضر وذاك أصفر ملتوي هذا يقال له قديم.

وقال تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا}[الأحقاف:11] .

بعضهم يسمي القرآن ويعرفه بأنه كلام الله القديم يعني في مقابل الحديث الذي هو السنة لكن هذا القِدم لا بد أن يقيد لأن فيه ما هو أقدم منه.

وقال تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيم}[الأحقاف:11] أي متقدم في الزمان وقال تعالى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُون * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُون}[الشعراء:75]  فالأقدم مبالغة في القديم ومنه القول القديم والجديد للشافعي رحمه الله.

القديم ما أفتى به في العراق والجديد ما أفتى به في مصر.

وقال تعالى {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}[هود:98] أي يتقدمهم ويستعمل منه الفعل لازما ومتعديا كما يقال أخذني ما قدم وما حدث ويقال هذا قدم هذا وهو يقدمه ومنه سميت القدم قدما لأنها تقدم بقية بدن الإنسان وأما إدخال القديم في أسماء الله تعالى فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف منهم ابن حزم ولا ريب أنه إذا كان مستعملا في نفس التقدم فإنما تقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره لكن أسماء الله تعالى هي الأسماء الحسنى التي تدل على خصوص ما يمدح به والتقدم في اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها فلا يكون من الأسماء الحسنى وجاء الشرع باسمه الأول وهو أحسن من القديم لأنه يشعر بأن ما بعدها آيل إليه وتابع له بخلاف القديم والله تعالى له الأسماء الحسنى لا الحسنة.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه...

"