شرح العقيدة الطحاوية (14)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يسأل يقول لقد كثرت علي الفرق والأحزاب والجماعات وكلٌّ منها يدَّعي الوسطية والسير على الطريق القويم وإرادة الحق والخير يقول فهلا قدمتم لنا نصيحة في هذا الأمر وكيف نعرف أهل الحق ومن نتبع؟

جاء في الحديث الصحيح في وصف الفرقة الناجية التي هي على الحق وهي التي ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، وطالب العلم عليه أن يعتصم ويلتزم بالكتاب والسنة، وعليه أن يعنى بهما فيعظم النصوص ويعتني ويهتم بما يعينه على فهم النصوص ويترك ما عدا ذلك؛ لأن الكلام كثير والكتب كثيرة ومثل ما ذكر السائل كلٌّ يدعي أنه على الحق وأنه على الطريق المستقيم والنهج القويم، وعليه أن يحرص على حفظ نفسه وحفظ ما يكتسبه من خير وأجر، يحرص على فعل الخير، يحرص على اكتساب الأجر والثواب، ويحرص على ما يرضي الله جل وعلا ثم بعد ذلك يحرص على المحافظة عليه؛ لأننا نرى بعض طلاب العلم هداهم الله يحرصون على العلم والتحصيل والعبادة ثم بعد ذلك لا يحافظون عليها، وينشغل بفلان وعلَّان وفلان فعل وفلان قال وينسى نفسه، والإنسان إنما يُسأل عن نفسه أولاً وآخرًا فألزم ما يكون على الإنسان نجاة نفسه، ثم إذا كان لديه فضل نفع ينفع الأقرب فالأقرب ويحرص على بذل الخير ونفع الناس، ومع ذلك عليه أن يكون صاحب تحري وتثبت ودقة فيما يأتي وفيما يذر، وعلى كل حال العصمة باتباع الكتاب والسنة، ومن أراد أن يتضح له هذا الأمر وينجلي فليقرأ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيح البخاري وما قاله العلماء في شرح هذا الكتاب وفي حديث علي رضي الله عنه وإن كان فيه مقال لأهل العلم لكن قرر جمع من أهل العلم أن معناه صحيح «إنها ستكون فتن» قيل ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال «كتاب الله» إلى آخر ما ذكره في أوصافه، فليحرص على كتاب الله وليكن ديدنه تلاوةً وحفظًا وفهمًا وتدبرًا تعلمًا وتعليمًا واستنباطًا علما وعملا، كما كان الصحابة- رضوان الله عليهم- كانوا لا يتجاوزون عشر الآيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل ويحرص على سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- لاسيما ما ثبت منها وليحرص على تطبيق ما يقرأ والعمل بما يصل إليه من النصوص من الكتاب والسنة، لا يكون حظه القراءة وحظه الاطلاع وحظه المعرفة فقط، فالعلم بلا عمل كما قال أهل العلم كالشجر بلا ثمر والفائدة من العلم العمل، أما الانشغال بغير ذلك والناس في هذا مذاهب، منهم من ينشغل بأنواع الناس وطوائف الناس وينسى نفسه، ومنهم من ينشغل بأحوال الناس وماذا طرأ عليهم، والبلد الفلاني فيه كذا والبلد العلاني فيه كذا وهؤلاء على حق وهؤلاء على باطل، إذا تمكن من معرفة الكتاب والسنة عرف أن يميز بين الحق والباطل، ويعرف أهل الحق ويميزه من أهل الباطل والله المستعان.

يقول ما هي أفضل طبعة لمسند الإمام أحمد؟

مسند الإمام أحمد طُبع قديمًا في المطبعة الميمنية طبعة عادية ما فيها تحقيق لكنها سدَّت عقودا، سدَّت عشرات السنين، ثم بعد ذلك طبع الشيخ أحمد شاكر ربعه محققًا مخرجًا، ثم طُبع طبعات كثيرة بعضها يُدَّعى تحقيقه وبعضها مجرد نشر وكثير منها تصوير للنشرات السابقة، ثم طبع محققًا مخرجًا مدروسة أحاديثه في خمسين مجلدًا طبعة يستفيد منها طالب العلم للمسند وغير المسند لكتب السنة كلها، ولا نقول أنها بلغت الغاية وجد عليها بعض الملاحظات لكن الكمال البشري قريبة منه، ثم طبع بإشراف الشيخ أحمد معبد في خمسة عشر مجلدًا طبعة من حيث الصحة قالوا إنها أصح من طبعة الرسالة الخمسين مجلدا وأدق، لكن تلك أكثر خدمة يستفيد منها طالب العلم فائدة عظمى، وهذه معرفتنا بالشيخ حفظه الله أنه لا يضع اسمه إلا لشيء تأكد منه، فمن جمع بين هاتين الطبعتين مع ما حققه الشيخ أحمد شاكر كفاه ذلك.

طالب: ................

دار الرسالة، عبد الله التركي ورفاقه.

طالب: ................

خمسون مجلدا، وخمسة فهارس.

يقول نتمنى التعليق على من يوقف سيارته ويغلق على الناس ومن يأخذ مكانًا محجوزًا في حلقة الدرس.

لا شك أن إغلاق الطرق أو أبواب البيوت أو التسكير على السيارات لا شك أنه من الأذى الذي تجب إزالته، يحرص طالب العلم ألا يؤذي أحدًا، أذكر مرة كنا في الجامعة في الملز أصول الدين، ويوجد شخص مقفل على باب، وهوداخل القاعة يدرس ومن محاضرة إلى محاضرة، وهذا باب بيت فيه امرأة لها موعد في المستشفى والسيارة داخل، ويبحث عن هذا الطالب ولا يجد من يجيبه، ولما صلينا الظهر وطلع الطالب يشغل سيارته انفجر عليه صاحب البيت، ومعه حق والله، وكل أيده على ذلك.

ومن يأخذ مكانًا محجوزًا في حلقة الدرس.

إذا كان قريبا حضر ووضع كتابه أو شيئًا يحجز به المكان وقام إلى الصف من أجل الصلاة ثم عاد إلى المكان، أو ذهب إلى دورة المياه يجدد الوضوء هذا ليس فيه إشكال إذا عاد إليه قريبًا فهو أحق به، أما إذا طالت غيبته فلا حق له في المكان.

ما أدري هذا كلام طويل ثم قال ملاحظة لا تقرأها.

هذا ما أدري ما الكلام الذي يقوله، لكن يقول: هل صحيح ما ذكره السيوطي من أن شيخ الإسلام بعد تتبعه للأثرة وجد أنه يحرص على المناصب والرياسة؟

نعم القرابين التي قربها شيخ الإسلام للولاة تدل على أنه يحرص على المناصب! الله المستعان هذا عكس الحقيقة تمامًا وكم تولى من منصب شيخ الإسلام؟!

طالب: ................

ما تولى إلا في السجون إن كان قصده! رحمه الله رحمة واسعة أدى ما عليه.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين. قال الطحاوي رحمه الله تعالى: خلق الخلق بعلمه. قال الشارح ابن أبي العز رحمه الله تعالى: خلق أي أوجد وأنشأ وأبدع ويأتي خلق أيضًا بمعنى قدّر، والخلق مصدر وهو هنا بمعنى المخلوق وقوله بعلمه في محل نصب على الحال أي خلقهم عالمًا بهم قال تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}[الملك:14] وقال تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}[الأنعام:59-60] وفي ذلك رد على المعتزلة، قال الإمام عبد العزيز المكي صاحب الإمام الشافعي رحمه الله وجليسه في كتاب الحيدة الذي حكى فيه مناظرته بشرًا المريسي عند عند المأمون.. حين سأله عن علمه تعالى فقال بشر أقول لا يجهل فجعل يكرر السؤال عن صفة العلم تقريرًا له وبشر يقول لا يجهل ولا يعترف له أنه عالم بعلم فقال الإمام عبد العزيز نفي الجهل لا يكون صفة مدح فإن قولي هذه الأسطوانة لا تجهل ليس هو إثبات العلم لها، وقد مدح الله تعالى الأنبياء والملائكة والمؤمنين بالعلم لا بنفي الجهل فمن أثبت العلم فقد نفى الجهل ومن نفى الجهل لم يثبت العلم وعلى الخلق أن يثبتوا ما أثبته الله تعالى لنفسه وينفوا ما نفاه ويمسكوا عما أمسك عنه.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: خلق الخلق بعلمه، ثم ذكر الشارح معنى خلق، فقال: خلق أي أوجد وأنشأ وأبدع، وقد يطلق الخلق ويأتي بمعنى قدّر، هذا معنى الفعل خلق، والخلق مصدر خلق يخلق خلقًا، والمراد به هنا اسم المفعول خلق الخلق يعني خلق المخلوقات، وهو بمعنى المخلوق، يقول: بعمله في محل نصب على الحال يعني عالمًا بهم، خلقهم عالمًا بهم بأحوالهم بجميع ما يتعلق بهم لا كما تقول الفلاسفة إنه يعلم الكليات أو لا يعلم الجزئيات، يعلم كل شيء على التفصيل سبحانه وتعالى، أي خلقهم عالمًا بهم، ثم ذكر الأدلة على ذلك، قال تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}[الملك:14] يعني يخلق شيئًا يصنعه ويتقنه وهو جاهل به؟!{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}[الملك:14] وقال تعالى {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا}[الأنعام:59] {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[الأنعام:59] قالوا في البر أربعمائة ألف جنس ونوع من المخلوقات، وفي البحر ستمائة ألف، ومن أراد أن يطلع على شيء يسير مما يتعلق بها ينظر فيما كتبه ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة، وفي كثير من كتبه مبثوثة فيها، وهناك كتاب اسمه عجائب المخلوقات للقزويني وغيره {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}[المدثر:31] الخلق ما اطلعوا على شيء من دقائق صنعه والعجائب ومن تفكر أدرك من تفكر ونظر واعتبر أدرك، ولذا جاء الأمر بالتفكر:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ... لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ}[آل عمران:190-191] ولذا كان نصيب البادية ولو كانوا عواما أكثر من نصيب كثير ممن ينتسب إلى العلم في هذا الباب- في التفكر- لأن الحاضرة حجبوا بالأسقف وانتهت عندهم الأماكن المكشوفة، يعني إلى وقت قريب والناس ينامون في السطوح وفي الأحواش، ما ينامون تحت السقوف الآن انتهت، كثير من الناس في شقق ما يمكن يرى ولا الهواء، وإذا استلقى على فراشه نظر وتفكر واعتبر وادّكر وتأثر وهذا له أثر كبير في تثبيت الإيمان وفي غرس اليقين في نفس المسلم؛ ولذا يقول ابن القيم رحمه الله من أعظم ما يزيد الإيمان النظر في آيات الله المتلوة والمرئية {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا}[الأنعام:59] لا تخفى عليه خافية {وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين}[الأنعام:59] {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ}[الأنعام:60] ، يعني هل يظن أحد أنه ينشغل بشيء عن شيء؟ لا، {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}[الأنعام:60] كل شيء مدوّن في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، يعني على كثرة هذه المخلوقات وتعددها وأجناسها وتعاقبها في الأزمان وتفرقها في الأوطان كل شيء له كتاب، كتاب يرصد كل شيء صغير وكبير، والله المستعان وفي ذلك رد على المعتزلة قال الإمام..

قرأناه يا شيخ.

قرأته؟

إيه.

يقول قال الإمام عبد العزيز المكي صاحب الإمام الشافعي- رحمه الله- وجليسه عبد العزيز بن يحيى الكناني المكي صاحب الإمام الشافعي وصاحب المناظرة مع المعتزلة في كتابه الشهير المتداول من وقته إلى زمننا واسمه الحَيْدَة، وفيه رد على بشر المريسي المعتزلي رأس من رؤوس المبتدعة، وهذا الكتاب ذكره شيخ الإسلام في كثير من المواضع في كتبه وسمّاه وعزا إليه ونقل منه نقولا موجودة في الكتاب المطبوع الآن، والكتاب استفاضت نسبته إليه وليس فيه مما يستنكر من الكلام والاستفاضة مع عدم استنكار ما في الكتاب مما يخالف ما عليه مؤلفه كافية في النسبة وإن كانت نسبته سندًا كما قال الحافظ الذهبي لا تثبت بالنسبة لسنده من عصر الذهبي إلى الكناني، الكتب لها أسانيد تتداول بالأسانيد بين أهل العلم لكن إذا استفاض هذا الكتاب وتداوله العلماء ونقلوا عنه ونسبوه إليه ولم نجد فيه ما يستنكر ويخالف ما يعرف عن هذا الإمام فالاستفاضة وحدها كافية، نعم لو وجدنا ما يخالف ما يعتقده هذا الإمام أو ما نسب عنه أو ما عرف عنه توقفنا فإن صحت نسبته إليه قلنا له قولان في المسألة وإن لم تصح نسبته كان هذا الدليل عدم ثبوته عنه، والكتاب تداوله أهل العلم ومثله الرد على الجهمية للإمام أحمد قال فيه الحافظ الذهبي مثل هذا الكلام ومع ذلك نقل عنه شيخ الإسلام في منهاج السنة في أكثر من مائة موضع وسماه الرد على الجهمية، في كتاب الحيدة الذي حكى فيه مناظرته بشرًا المريسي عند المأمون، وبشر هذا الذي أُثرت عنه المقالة الشنيعة سبحان ربي الأسفل- نسأل الله العافية- حين سأله عن علمه تعالى، فقال بشر: أقول لا يجهل الله جل وعلا أثبت صفة العلم لنفسه وأثبتها له رسوله -عليه الصلاة والسلام- وأنت تقول ما أثبت صفة علم أقول لا يجهل؟! الجماد لا يجهل، ومجرد نفي الجهل لا يمدح به، لا يثبت العلم ولا يمدح به، فقال بشر أقول لا يجهل، هذه السارية لا تجهل كما قال بشر عبد العزيز في مناظرته فجعل يكرر السؤال، شوف الخذلان نسأل الله العافية، عبد العزيز يكرر السؤال في إثبات صفة العلم التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله -عليه الصلاة والسلام- ثم يكرر يقول: لا يجهل ولا يعترف له أنه عالم بعلم، أثبت لنفسه العلم وسمى نفسه العليم وعلام الغيوب ومع ذلك يقول لا يجهل ولا يعترف له أنه عالم بالعلم، فقال الإمام عبد العزيز نفي الجهل لا يكون صفة مدح، نعم الجماد لا يجهل بمعنى أنه لا يتصور الشيء على خلاف ما هو عليه أو لا يمكن أن ينسب إليه أنه لا يتصور الشيء على حقيقته لأن هذه النسبة لا تصح له، فقال الإمام عبد العزيز نفي الجهل لا يكون صفة مدح فإن قولي هذه الأسطوانة لا تجهل ليس هو إثبات العلم لها، والإمام الشافعي رحمه الله يقول ناظروهم بالعلم يعني القدرية، فإن أثبتوه خصموا وإن نفوه كفروا، وقد مدح الله تعالى الأنبياء والملائكة والمؤمنين بالعلم لا بنفي الجهل، فمن أثبت العلم فقد نفى الجهل ومن نفى الجهل لم يثبت العلم كما قال في الأسطوانة، وعلى الخلق أن يثبتوا ما أثبته الله تعالى لنفسه وينفوا ما نفاه ويمسكوا عما أمسك عنه الدليل العقلي..

والدليل العقلي على علمه تعالى أنه يستحيل إيجاده الأشياء مع الجهل ولأن إيجاده الأشياء بإرادته والإرادة تستلزم تصوّر المراد وتصوّر المراد هو العلم بالمراد فكان الإيجاد مستلزمًا للإرادة والإرادة مستلزمة للعلم فالإيجاد مستلزم للعلم ولأن المخلوقات فيها من الإحكام والإتقان ما يستلزم..

الآن إذا أردت أن تذهب بشيء يصنع أو يصلح، عندك آلة خربت أو تريد أن يصنع لك مثلها تذهب إلى جاهل أو لا بد أن تعرف أن هذا عالم بهذه الصنعة متقن لها، وإن أمكن أن تبحث عن أعلم من في الأرض ليصلح لك هذه الآلة ويتقنها لك أو تروح لجاهل لا يعرف شيئا؟! الجاهل يفسدها عليك وقد يردها عليك، ويقول والله ما أعرف.

ولأن المخلوقات فيها من الإحكام والإتقان ما يستلزم علم الفاعل لها؛ لأن الفعل المحكم المتقن يمتنع صدوره عن غير عالم؛ ولأن من المخلوقات ما هو عالم والعلم صفة كمال ويمتنع ألا يكون الخالق عالمًا وهذا له طريقان أحدهما أن يقال نحن نعلم بالضرورة أن الخالق أكمل من المخلوق وأن الواجب أكمل من الممكن ونعلم ضرورة أنا لو فرضنا شيئين أحدهما عالم والآخر غير عالم كان العالم أكمل فلو لم يكن الخالق عالمًا لزم أن يكون الممكن أكمل منه وهو ممتنع الثاني أن يقال كل علم في الممكنات التي هي المخلوقات.

أجهل الناس لو تصفه بالجهل يرضى أو ما يرضى؟ والله ما يرضى، وبعض الناس لو تلزمه بلازم قوله الذي يترتب عليه ضرر، هذا أسهل عليه من أن تصفه بالعذر بالجهل، يعني تقول له أنت تكلمت بهذا الكلام فلا بد أن تعزر بسببه، أسهل من أن تقول أنت معذور بجهلك، الجهل صفة لا يقبلها أحد حتى أجهل الناس ما يرضاها، ويمتنعون من وصف الله- جل وعلا- بالعلم الذي أثبته لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

الثاني أن يقال كل علم في الممكنات التي هي المخلوقات فهو منه.

نعم هو مصدره إذا كان المخلوقات كلها داخلة في قوله جل وعلا: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا}[الإسراء:85] كل المخلوقات داخلة في هذا العموم والشمول {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا}[الإسراء:85] علم موسى وعلم الخضر ما هو في جنب علم الله إلا كما نقر العصفور من البحر {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}[الكهف:109] {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ}[البقرة:255] والله المستعان، لكنه الخذلان من أعرض من ذكر الله جل وعلا هذه نتيجته وهذا مآله.

ومن الممتنع أن يكون فاعل الكمال ومبدعه عاريًا منه بل هو أحق به والله تعالى له المثل الأعلى لا يستوي هو والمخلوقات لا في قياس تمثيل ولا في قياس شمول بل كل ما ثبت للمخلوق من كمال فالخالق به أحق، وكل نقص تنزه عنه مخلوق ما فتنزيه الخالقُ عنه أولى.

الخالقِ الخالقِ.

أحسن الله إليك.

فتنزيه الخالقِ عنه أولى.

هذه القاعدة عند أهل العلم، كل ما ثبت للمخلوق من كمال الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه فالخالق أولى به، وكل نقص تنزّه عنه المخلوق فتنزيه الخالق عنه أولى، ويقال فيه مثل ما تقدم؛ لأنه قد يكون وصف كمال بالنسبة للمخلوق ولا يكون وصف كمال بالنسبة للخالق، لكن قد يعتريه نقص بوجه من الوجوه كالولد مثلاً كمال بالنسبة للمخلوق لكن يعتريه نقص فلا يوصف به الخالق، أما الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه فإن الخالق أولى به.

قوله وقدر لهم أقدارًا قال تعالى {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان:2] وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر}[القمر:49].

يعني ليس بصدفة، وجدت هذه الأشياء- الله جل وعلا- قدرها ثم خلقها.

وقال تعالى {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا}[الأحزاب:38] وقال تعالى{الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:2-3] وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «قدّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء.

نعم تقدم هذا نعم.

قوله وضرب لهم آجالاً يعني أن الله سبحانه وتعالى قدّر قدّر آجال الخلائق بحيث إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون قال تعالى {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُون}[يونس:49] وقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً}[آل عمران:145] وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قالت أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- اللهم أمتعني بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية قال فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «قد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة لن يعجّل شيئًا قبل حِله ولن يُؤخر شيئًا عن حِله ولو كنتِ سألتِ الله أن يعيذك من عذاب في النار..».

حِله أو حَله يعني حلول أجله.

أحسن الله إليك.

«ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار وعذاب في القبر كان خيرًا وأفضل».

نعم لأن هذا سؤال له جوابه الله- جل وعلا- يستجيب له إذا توافرت الأسباب وانتفت الموانع، أما الأول في زيادة الأعمار ونقصانها هذه أمور مضروبة ومحددة ومحتومة فلا يحسن الدعاء بها.

طالب: الرواية أجله والا حله؟

وين؟

طالب: ...................

حِله حِله قبل حله يعني حلول أجله وهو الأجل المقصود.

طالب: ...................

وش عندك؟

طالب: أجله...

إيش؟

طالب: ...................

فوق مسلم شوف..؟

طالب: ...................

أول درج.

طالب: ...................

لا لا، جره بس ولا عليك.

طالب: ...................

فتحناه أمس ولا مفتاح ولا شيء جره جره.

طالب: ...................

شوف صحيح مسلم الذي عندك، الذي بعضه ما له جلد.. عندك، يمينك إيه هذا هو، رقم ألفان وستمائة وثلاث وستين تجده في الأخير ماهي النسخة التي معك؟ لا لا، شف فؤاد عبد الباقي موجود.

طالب: ...................

ألفان وستمائة وثلاث وستون.

طالب: ...................

الثالث؟

طالب: ...................

هذا ما الذي معك؟

طالب: ...................

ألفان وستمائة وثلاث وستون، اثنان وثلاثون الرقم الفرعي.

طالب: ...................

وش هو؟

طالب: ...................

أعطني إياه..

طالب: ...................

هذا هو نفس الرقم، ألفان وستمائة وثلاث وستون، رقم اثنان وثلاثون، وثلاثة وثلاثون نعم «لقد سألتِ الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة لن يعجل الله شيئًا قبل حِله أو يؤخر شيئًا عن حله ولو كنت سألتِ...» في الموضعين قبل حِله.

فالمقتول ميّت بأجله فعلم الله تعالى وقدّر.

المعتزلة يقولون لا، المقتول قُتل ومات قبل أجله، ولو لم يقتل لعاش إلى الأجل الذي حدد له وكأن هذا خفي على الله جل وعلا عند تحديد أجله وأنه يموت قبل الأجل المحدد تعالى الله عما يقولون.

فعلم الله تعالى وقدّر وقضى أن هذا يموت بسبب المرض وهذا بسبب القتل وهذا بسبب الهدم وهذا بالحرق وهذا بالغرق إلى غير ذلك من الأسباب والله سبحانه خلق الموت والحياة وخلق سبب الموت والحياة، وعند المعتزلة المقتول مقطوع عليه أجله ولو لم يقتل لعاش إلى أجله فكان له أجلان وهذا باطل لأنه لا يليق أن ينسب إلى الله تعالى أنه جعل له أجلا يعلم أنه لا يعيش إليه أنه..

كلام المعتزلة يذكرنا بكلام عامّي جاهل خرج للصيد وصوّب سهمه إلى طائر على شجرة فمر شخص فطار هذا الطائر فأقبل إليه يلومه، قال يا أخي لا تلوم هذه ما كتبت، قال لا، مكتوبة لكن أنت محيتها أنت محوتها هذا مثل كلام المعتزلة، هذا جاهل مركب عامّي ما يفهم شيئا، يقول له: ما كتبت يا أخي، يقول: لا مكتوبة لكن أنت محوتها هذا مثل كلام المعتزلة، لكن قد يعذر هذا بجهله لكن الله المستعان.

لأنه لا يليق أن يُنسب إلى الله تعالى أنه جعل له أجلاً يعلم أنه لا يعيش إليه البتة أو يجعل.

ألبتة همزة قطع.

نعم يا شيخ؟

ألبتة همزة قطع.

أنه جعل له أجلا يعلم أنه لا يعيش إليه ألبتة أو يجعل أجله أحد الأمرين كفعل الجاهل بالعواقب ووجوب القصاص والضمان على القاتل لارتكابه المنهي عنه ومباشرته السبب المحظور وعلى هذا يخرّج قوله..

يعني يمكن يقول المعتزلي إذا كان هذا المقتول مات بأجله لماذا يضمّن هذا القاتل؟! هو مات بأجله لكن أفعال المخلوقين مرتبة على أسباب، وهذه الأسباب أحكام وضعية من قبل الشارع تترتب عليها آثارها، والخطاب الشرعي يوجه إلى الطرفين ولكل منهما ما يخصه، الآن لو أن إنسانًا عصى فجاء شخص فضربه لا تعزيرًا وإنما قال هذه عقوبة لمعصيتك، الله قدر عليك أنك مادام عصيت، أو بلد شاع فيه معصية من المعاصي ثم جاء بلد آخر أو قوم فغزوهم، هل يلام الغزاة أو يقال هؤلاء سلط الله عليهم بذنوبهم؟ اتركوهم.

طالب: يلامون.

يلامون كلٌّ له من الخطاب، هؤلاء ظلمة الذين اعتدوا عليهم ظلمة وعليهم عقوبة من الله جل وعلا بسبب ظلمهم، وأولئك عصاة سُلط عليهم وقُدر عليهم هذا الغزو أو هذا العذاب بسبب عصيانهم، أصيب بلد مثلاً بفيضان أو جدب وقحط ثم قيل هذا بسبب ما كسبت أيديهم، وقام شخص يجمع تبرعات لهذا البلد المتضرر هل لأحد أن يقول له هذا بما كسبت أيديهم اتركوهم؟ لا، كل له من خطاب الشرع ما يخصه أنت ظلمت نفسك وعصيت الله جل وعلا فتستحق عقوبة، لكن هذا لا يبرر لغير أن يظلمك وإن كنت مستحقًا لهذه العقوبة قدرًا، لكنه شرعًا ممنوع من ظلمك وإيذائك.

وعلى هذا يخرج قوله -صلى الله عليه وسلم- «صلة الرحم تزيد في العمر» أي هي سبب طول العمر، وقد قدّر الله أن هذا يصل رحمه فيعيش بهذا السبب إلى هذه الغاية ولولا ذلك السبب لم يصل إلى هذه الغاية.

لكن ما في علم الله جل وعلا لا يتغير، الله قدّر له الأجل إلى هذا الحد ورتّب طول العمر على على سبب وهو صلة الرحم، ووُجد السبب ووجد المُسبب فما في علم الله لا يتغير، قد يتغير الذي في علم الملائكة يتغير {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ}[الرعد:39] يعني مما في أيدي الملائكة لكن مما في علم الله جل وعلا لا يتغير هذا على القول بأن الزيادة زيادة حقيقية، وعلى القول أنها زيادة معنوية ويراد بها البركة فهذا ظاهر، ولذلك تجد بعض الناس لاسيما من أهل العلم من يعيش مدة قصيرة وتجد في أعماله من البركة ما يوازي أضعاف هذا العمر عند غيره، يعني من يتصور أن عمر بن عبد العزيز ما كمّل الأربعين وذكره إلى قيام الساعة، هذا كثير في أهل العلم والعمل أعمار قصيرة لكن إنتاج يعدل مئات السنين، وتجد الشخص يعيش مائة سنة، مائة وعشرين، ومائة ثلاثين، ويمر مع هذا الباب ويطلع مع هذا الباب وما كأنه وجد.

ولكن..

بعض أهل العلم يقول إن العمر له مدة وله زكاة، فعمر هذا الشخص ثمانين وزكاته عشرين، إن وصل رحمه استحق هذه الزكاة إن لم يصل بقي على عمره، هذا قول لبعض أهل العلم من باب التوفيق بين النصوص أنه {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُون}[الأعراف:34] و«من أراد أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه».

ولكن قدّر هذا السبب وقضاه وكذلك قدر أن هذا يقطع رحمه فيعيش إلى كذا كما قلنا في القتل وعدمه فإن قيل هل يلزم من تأثير صلة الرحم في زيادة العمر ونقصانه تأثير الدعاء في ذلك أم لا؟ فالجواب أن ذلك غير لازم لقوله -صلى الله عليه وسلم- لأم حبيبة رضي الله عنها «قد سألتِ الله تعالى لآجال مضروبة» الحديث كما تقدم فعُلم أن الأعمار مقدرة لم يشرع الدعاء بتغييرها بخلاف النجاة من عذاب الآخرة فإن الدعاء مشروع له نافعٌ فيه ألا ترى أن الدعاء بتغيير العمر لما تضمن لمّا تضمن النفع الأخروي شُرع كما في الدعاء الذي رواه النسائي من حديث عمّار بن ياسر رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي» إلى آخر الدعاء ويؤيد هذا ما رواه الحاكم في صحيحه.

مع العلم إذا كان المنظور نفعا أخرويا فلا مانع من ذلك، أما أن يتمنى الموت لضر نزل به فلا يجوز، ضر دنيوي فضلاً عن كونه يتسبب في انقضاء أجله، فيكون قاتلاً لنفسه بسبب الدنيا، وفي آخر الزمان يمر المؤمن على قبر أخيه فيتمنى أن لو كان مكانه لما يرى من الفتن- نسأل الله العافية- وهذا كله خشية أن يتضرر في دينه.

ويؤيد هذا ما رواه الحاكم في صحيحه من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

المستدرك للحاكم على الصحيحين وأصله تأليفه من أجل أن يستدرك أحاديث صحيحة لم يخرجها الشيخان فمن باب التسامح في التعبير يقولون: صحيح الحاكم، صحيح ابن حبان صحيح ابن خزيمة، صحيح ابن السكن، وهكذا وفيها أحاديث ضعيفة بل أشدها تساهلاً الحاكم لأن فيه الضعيف وشديد الضعف بل فيه الموضوع.

عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» وفي الحديث ردٌ على من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء وقد ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن النذر وقال «إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل» واعلم أن الدعاء يكون مشروعًا نافعًا في بعض الأشياء دون بعض وكذلك هو ولهذا لا يحب الله المعتدين في الدعاء وكان الإمام أحمد رحمه الله يركه أن يدعى له بطول العمر ويقول هذا أمر قد فرغ منه.

الأجل محدود ومضروب لا يتقدم ولا يتأخر، لكن إن قُرن بصلاح العمل، لا مانع من أجل العمل الصالح، وأما فمجرد زيادة في الأيام والليالي، تغيب الشمس وتطلع على غير عمل صالح لا قيمة له، فالأيام والليالي خزائن يُنظر ما يُودع فيها فإذا كانت الخزائن فارغة فليس فيها فائدة.

وأما قوله تعالى:{وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ}[فاطر:11] فقد قيل في الضمير المذكور في قوله تعالى {وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ}[فاطر:11] إنه بمنزلة قولهم عندي درهم ونصفه أي ونصف درهم آخر فيكون المعنى ولا يُنقص من عمر معمر آخر وقيل الزيادة والنقصان في الصحف التي في أيدي الملائكة وحمل قوله تعالى {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاب * يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب}[الرعد:38-39] على أن المحو والإثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة

في معنى آخر للآية {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ}[فاطر:11] يعمر يطول عمره والنقص في عمره مشي الليالي والأيام، المعمر مثلا مائة سنة، مات لمائة سنة وما ينقص من عمره من الليالي التي قضاها فهي نقص في عمره من الليالي والأيام، كل ما غابت شمس نقص من عمره فيكون عمر الشخص نفسه، والتأويل الأول الذي هو ما ينقص من عمره عمر شخص آخر، يعني هذا زاد عمره وهذا نقص عمره، هذا معمر وهذا مات في مقتبل شبابه أو منتصف عمره.

وأن قوله {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب}[الرعد:39] اللوح المحفوظ ويدل على هذا الوجه سياق الآية وهو قوله {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاب}[الرعد:38] ثم قال{يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ}[الرعد:39] أي من ذلك الكتاب {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب}[الرعد:39] أي أصله وهو اللوح المحفوظ.

يعني ما في علم الملائكة هو الذي يمكن أن يزاد أو ينقص، أمَّا ما في علم الله جل وعلا فهو ثابت لا يزيد ولا ينقص؛ لأنه لا يتجدد له شيء كان خافيا عليه سبحانه.

وقيل يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه والسياق أدل على هذا الوجه من الوجه الأول وهو قوله تعالى{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاب}[الرعد:38] فأخبر تعالى أن الرسول لا يأتي بالآيات من قِبَل نفسه بل من عند الله ثم قال {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاب * يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ}[الرعد:38-39] أي أن الشرائع لها..

ومرد ذلك إلى النسخ والإحكام، منه آيات محكمات، ومنه أيضًا ما نُسخ كما تقرر {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا}[البقرة:106].

أي أن الشرائع لها أجل وغاية تنتهي إليها ثم تنسخ بالشريعة الأخرى فينسخ الله ما يشاء من الشرائع عند انقضاء الأجل ويثبت ما يشاء وفي الآية أقوال أخرى والله أعلم بالصواب.

يذكر عن عمر رضي الله عنه أنه قال اللهم إن كنتَ كتبتني شقيًا فامحني واكتبني سعيدًا وقرأ{يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ}[الرعد:39] وهذا مما قيل في الآية لكن أظهرها ما تقدم.

طالب: ...................

ما فيه إشكال إن شاء الله.

 

يكفي يكفي.

"