كتاب الغسل (09)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بَابُ إِذَا احْتَلَمَتِ المَرْأَةُ.

 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنها- أَنَّهَا قَالَتْ: «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ المَاءَ»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، فيقول الإمام البخاري -رَحمةُ اللهِ عَليهِ-: "بَابُ إِذَا احْتَلَمَتِ المَرْأَةُ" يعني ماذا تصنع؟ إذا احتلمت المرأة ماذا تصنع؟ ويبدو أن الاحتلام عند النساء أو خروج الماء عند احتلامهن أقل منه بكثير عند الرجال، ولذلك تعجبت النساء من كلام أم سلمة، بعضهم قال: وهل تحتلم المرأة؟ المقصود أن المرأة إذا احتلمت ورأت الماء بهذا الشرط فإنه يجب عليها الغسل كما جاء في نص الحديث، وأنها كالرجل، وأن النساء شقائق الرجال، شقائق الرجال في هذا. ورؤية الماء لا يشترط أن تكون بالعين؛ بالعين أو ما يقوم مقامها مما يعطي العلم اليقيني القطعي كالحواس مثلاً، وإلا لو حُملت الرؤية على البصرية لكان الأعمى ما عليه غسل؛ لأنه لن يرى الماء. وهذا نقوله في مقابل من يقول في حديث: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده»، نقول: لا بد أن يراه بعينه، وعلى هذا فالأخبار التي تنتشر وتذاع ولو كانت صحيحة ما تقتضي الإنكار، هذا الكلام ليس بصحيح. لو قلنا بهذا لقلنا: إن الذي يحتلم وهو أعمى أو في ظلام فإنه لا يلزمه غسل، وهذا كلام باطل بإجماع أهل العلم.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ" التنيسي، "قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ" ابن أنس إمام دار الهجرة نجم السنن، "عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ" ابن الزبير، "عَنْ أَبِيهِ" عروة بن الزبير، "عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ" زوج النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- "أَنَّهَا قَالَتْ: «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ»" بياءين «يستحيي» كما في قوله -جَلَّ وعَلا-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً} [البقرة: 26] الآية، بياءين على لغة قريش، وبياء واحدة على لغة تميم. يظهر هذا في حال الجزم في حديث: «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» فعلى لغة قريش تثبت الياء «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت»، يعني حُذفت ياء وبقيت ياء، وعلى لغة تميم: «إذا لم تستحِ» بالكسر «تستحِ» بدون ياء «فاصنع ما شئت». والذي صنعه البخاري في كتاب الأدب على هذا الحديث جاء بالترجمة على لغة تميم: «إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»، وجاء بالحديث على لغة قريش.

 على كل حال الحياء من الحق، وعدم إظهاره، والعجز عن إنكار المنكر مراعاة ومجاملة للناس هذا حقيقة ليس بحياء، وإنما هو عجز وجبن وخور وخجل؛ لأن بعض الناس يخجل أن يقول كلمة الحق أمام الناس، وتجده إذا خلا بنفسه يركب من الأقوال والجمل والأدلة ما لو قال شيئًا منه في الجلوة عند الناس لكفى، فهو لا يستطيع أن يصدع بالحق، ولا يستطيع أن يقول: كلمة الحق من باب الخجل، وهذا ليس بحياء، وهو مذموم: «والحياء خير كله».

"«إن الله لا يستحيي من الحق، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟»" يعني رأت أنها تجامَع في المنام، "«فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَعَمْ»" بشرط، وهو: "«إِذَا رَأَتِ المَاءَ»"، أما إذا لم يبرز ويخرج الماء فإنه لا غسل عليها، كما أنه لا غسل على الرجل، وإنما الغسل مرتبط بالماء.

نعم.

طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "باب إذا احتلمت المرأة" إنما قيده بالمرأة مع أن حكم الرجل كذلك؛ لموافقة صورة السؤال، وللإشارة إلى الرد على من منع منه في حق المرأة دون الرجل، كما حكاه ابن المنذر وغيره عن إبراهيم النخعي، واستبعد النووي في شرح المهذب صحته عنه، لكن رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد جيد. قوله: "عن زينب بنت أبي سلمة" تقدم هذا الحديث في باب الحياء في العلم".

يعني جاء قول من يقول: إن المرأة لا تحتلم كالرجل، لكن هذا قول مردود بهذا الحديث، وما جاء في معناه، والواقع يرده.

طالب: "قوله: "عن زينب بنت أبي سلمة" تقدم هذا الحديث في باب الحياء في العلم من وجه آخر، وفيه زينب بنت أم سلمة، فنُسبت هناك إلى أمها وهنا إلى أبيها".

ولا مانع من النسبة إلى الأم، لكن في قوله -جَلَّ وعَلا-: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] يدل على أن هذا هو الأصل، لكن إذا وُجد ما يرجح الأم؛ لشهرتها أكثر من الأب، فلا مانع من أن تُنسب إلى أمها، وقد دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد وهو حامل أمامة بنت زينب بنت الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، فنُسبت إلى أمها؛ لأن أمها أشهر من أبيها، وشرف النسبة إليه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقتضي ذلك. وهنا قال: بنت أبي سلمة، وهناك: بنت أم سلمة، ولا فرق.

طالب: "وقد اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها، ورواه مسلم أيضًا من رواية الزهري عن عروة لكن قال: عن عائشة، وفيه أن المراجعة وقعت بين أم سليم وعائشة، ونقل القاضي عياض عن أهل الحديث أن الصحيح أن القصة وقعت لأم سلمة لا لعائشة، وهذا يقتضي ترجيح رواية هشام، وهو ظاهر صنيع البخاري، لكن نقل ابن عبد البر عن الذهلي أنه صحح الروايتين".

ولا مانع أن يثبت من حديث أم سلمة ويثبت من حديث عائشة، وكلاهما من أزواجه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، قد تكونا جميعًا سمعا المحاورة فنقلتها هذه ونقلتها هذه، وهذا أمر لا يُستبعد، فتصح الروايتان.

طالب: "وأشار أبو داود إلى تقوية رواية الزهري؛ لأن مسافع بن عبد الله تابعه عن عروة عن عائشة".

لأن؟

طالب: "مسافع".

اسمه مسافع؟

طالب: نعم.

عندنا نافع. مصحح؟ مكتوب عندك؟

طالب: نعم، فيه: تحرفت في سين في الموضعين إلى نافع.

نعم. مسافع.

طالب: "وأخرج مسلم أيضًا رواية مسافع، وأخرج أيضًا من حديث أنس قال: «جاءت أم سليم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت له وعائشة عنده» فذكر نحوه، وروى أحمد من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن جدته أم سليم وكانت مجاورةً لأم سلمة: «فقالت أم سليم: يا رسول الله» فذكر الحديث، وفيه أن أم سلمة هي التي راجعتها، وهذا يقوي رواية هشام.

قال النووي في شرح مسلم: يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعًا أنكرتَا على أم سليم، وهو جمع حسن؛ لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبي -صلى الله عليه وسلم- في مجلس واحد. وقال في شرح المهذب: يُجمع بين الروايات بأن أنسًا وعائشة وأم سلمة حضروا القصة، انتهى. والذي يظهر أن أنسًا لم يحضر القصة، وإنما تلقى ذلك من أمه".

مثل هذا الاختلاف عند أهل العلم تختلف مناهجهم فيه، فمنهم من يصحح الجميع؛ لئلا يلزم من رد إحدى الروايتين تضعيف أو الطعن في الرواة الثقات، ومنهم من يرجح الراجحة، ويحكم على الأخرى بالشذوذ ولو كانت من رواية الثقات. والنووي يجنح إلى تصحيح الروايات؛ دفاعًا عن الرواة الثقات، بينما جمع من المتقدمين يحكم على الراجحة بأنها هي المحفوظة والمرجوحة تكون شاذة. ولكن في هذا الموضع: أم سلمة زوج النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وعائشة زوجه، ولا يمنع اجتماعهما في مكان واحد؟ قال: "والذي يظهر أن أنسًا لم يحضر القصة". نعم.

طالب: "والذي يظهر أن أنسًا لم يحضر القصة، وإنما تلقى ذلك من أمه أم سليم".

فتكون روايته حينئذٍ مرسلة، ومرسل الصحابي مقبول وحجة بالاتفاق؛ ولذا يقول الحافظ العراقي- رَحِمَهُ اللهُ-: والذي أرسله الصحابي فحكمه الوصل على الصواب.

طالب: "وفي صحيح مسلم من حديث أنس ما يشير إلى ذلك، وروى أحمد من حديث بن عمر نحو هذه القصة، وإنما تلقى ذلك ابن عمر من أم سليم أو غيرها. وقد سألت عن هذه المسألة أيضًا خولةُ بنت حكيم عند أحمد والنسائي وابن ماجه، وفي آخره: «كما ليس على الرجل غسل إذا رأى ذلك فلم ينزل»".

بخلاف الجماع في اليقظة، فإنه يلزم منه إذا التقى الختانان ولو لم ينزل، ولو لم ينزل، يلزم منه الغسل ولو لم ينزل: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ولو لم ينزل»، وأما حديث «الماء من الماء» فإنه منسوخ، نص على ذلك الترمذي وغيره.

طالب: "وقد سأل عن هذه المسألة أيضًا خولة بنت حكيم عند أحمد والنسائي وابن ماجه، وفي آخره: «كما ليس على الرجل غسل إذا رأى ذلك فلم ينزل»، وسهلة بنت سهيل عند الطبراني وبسرة بنت صفوان عند ابن أبي شيبة.

قوله: «إن الله لا يستحي من الحق»، قدَّمَتْ هذا القول تمهيدًا لعذرها في ذِكر ما يُستحيى منه، والمراد بالحياء هنا معناه اللغوي؛ إذ الحياء الشرعي خير كله، وقد تقدم في كتاب الإيمان أن الحياء لغةً تغير وانكسار، وهو مستحيل في حق الله تعالى، فيُحمل هنا على أن المراد: إن الله لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يمنع من ذِكر الحق".

"تغير وانكسار" هذا بالنسبة لحياء المخلوق، أما حياء الخالق الذي ثبتت به الأدلة فلا يشبه حياء المخلوق، فلا يلزم عليه ما يلزم على حياء المخلوق، فلا داعٍ لهذا التأويل.

طالب: .......

تعليق الشيخ جاوب مكانه؟

طالب: .......

سيجيء مكانه.

طالب: "وقد يقال: إنما يُحتاج إلى التأويل في الاثبات، ولا يشترط في النفي أن يكون ممكنًا".

يشترط في النفي أن الله لا يستحيي، ما فيه إثبات للحياء؛ لأنه ما يفيد هنا. هذا الكلام ليس بصحيح. شيخنا الشيخ ابن باز -رَحِمَهُ اللهُ- قال: الصواب أنه لا حاجة إلى التأويل مطلقًا فإن الله يوصف بالحياء الذي يليق به، ولا يشابه فيه خلقه كسائر صفاته، وقد ورد وصفه بذلك في نصوص كثيرة، فوجب إثباته له على الوجه الذي يليق به، وهذا قول أهل السنة في جميع الصفات الواردة من الكتاب والسنة الصحيحة، وهو الطريق النجاة، فتنبه واحذر، والله أعلم.

طالب: "ولا يشترط في النفي أن يكون ممكنًا، لكن لما كان المفهوم يقتضي أنه يستحيي من غير الحق عاد إلى جانب الإثبات فاحتُيج إلى تأويله؛ قاله ابن دقيق العيد".

«إن الله لا يمل حتى تملوا» هذا نفي للملل، لكنه نفي معلق على متحقق الوقوع، وهو ملل المخلوق، مرتب عليه.

طالب: "قوله: «هل على المرأة من غسل»، «من» زائدة، وقد سقطت في رواية المصنف في الأدب. قوله: «احتلمت» الاحتلام افتعال من الحلم بضم المهملة وسكون اللام، وهو ما يراه النائم في نومه، يقال منه حَلَم بالفتح واحتلم، والمراد به هنا أمر خاص منه، وهو الجماع، وفي رواية أحمد من حديث أم سليم أنها «قالت: يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل؟»".

أو غير زوجها، رأت زوجها أو غير زوجها. رأت رجلاً يجامعها.

طالب: "قوله: «إذا رأت الماء»، أي المني بعد الاستيقاظ، وفي رواية الحميدي عن سفيان عن هشام من هذا الحديث".

أو "في هذا الحديث"؟

طالب: لا، "من".

نعم.

طالب: "من هذا الحديث: «إذا رأت إحداكن الماء فلتغتسل»، وزاد: «فقالت أم سلمة: وهل تحتلم المرأة؟»، وكذلك روى هذه الزيادة أصحاب هشام عنه غيرُ مالك فلم يذكرها، وقد تقدمت من رواية أبي معاوية عن هشام في باب الحياء في العلم، وفيه: «أوتحتلم المرأة؟»، وهو معطوف على مقدَّر يظهر من السياق، أي أترى المرأة الماء وتحتلم؟ وفيه: «فغطت أم سلمة وجهها»، ويأتي في الأدب من رواية يحيى القطان عن هشام: «فضحكت أم سلمة»، ويجمع بينهما بأنها تبسَّمت تعجبًا وغطت وجهها حياءً. ولمسلم من رواية وكيع عن هشام: «فقالت لها: يا أم سليم فَضَحْتِ النساء»، وكذا لأحمد من حديث أم سليم، وهذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من عادتهن؛ لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال.

وقال ابن بطال: فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن، وعَكَسَه غيرُه فقال: فيه دليل على أن بعض النساء لا يحتلمن، والظاهر أن مراد ابن بطال الجواز لا الوقوع، أي فيهن قابلية ذلك. وفيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال، ونفى ابن بطال الخلاف فيه، وقد قدمناه عن النخعي، وكأن أم سليم لم تسمع حديث «الماء من الماء»، أو سمعته وقام عندها ما يوهم خروج المرأة عن ذلك، وهو ندور بروز الماء منها. وقد روى أحمد من حديث أم سليم في هذه القصة: «أن أم سلمة قالت: يا رسول الله، وهل للمرأة ماء؟ فقال: هن شقائق الرجال»، وروى عبد الرزاق في هذه القصة: «إذا رأت إحداكن الماء كما يراه الرجل»، وروى أحمد من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة: «ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل»، وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز، وإنما يُعرف إنزالها بشهوتها، وحمل قوله: «إذا رأت الماء»، أي علمت به؛ لأن وجود العلم هنا متعذر؛ لأنه إذا أراد به علمها بذلك وهي نائمة فلا يَثبت به حكم؛ لأن الرجل لو رأى أنه جامع، وعلم أنه أنزل في النوم، ثم استيقظ فلم يرَ بللاً لم يجب عليه الغسل اتفاقًا، فكذلك المرأة، وإن أراد به علمها بذلك بعد أن استيقظت فلا يصح؛ لأنه لا يستمر في اليقظة ما كان في النوم إلا إن كان مشاهَدًا، فحَمل الرؤية على ظاهرها، وهو الصواب".

"إلا إن كان"؟

طالب: "إلا إن كان مشاهَدًا".

ما فيه عندنا: "ما كان في النوم إن كان مشاهَدًا"، عندك؟

طالب: .......

لأنها موجودة في الخطأ والصواب: "إلا إن كان" موجودة في الخطأ والصواب.

طالب: "فحَمْل الرؤية على ظاهرها هو الصواب. وفيه استفتاء المرأة بنفسها، وسياق صور الأحوال في الوقائع الشرعية لما يستفاد من ذلك.

 وفيه جواز التبسم في التعجب، وسيأتي الكلام على قوله: «فبمَ يشبهها ولدها؟» في بدء الخلق إن شاء الله تعالى".

نعم.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

على أن لها ماءً يشبهها الولد، كما جاء في الحديث: «إذا علا ماء المرأة ماء الرجل».

طالب: .......

ماذا يقول؟

طالب: .......

في هذا الموضع، أما في مواضع أخرى فموجود.

طالب: .......

هذا حكاية واقع، كونه من سنن الفطرة، والأمر به يشمل الرجال والنساء، لكن للأثر المترتب عليه في الرجال، وأنه لا تتم الطهارة إلا به حُمل على الوجوب، وأما النساء فالأثر أقل حُمل فيه على الاستحباب، وقال بعضهم بوجوبه، والحقيقة أنه مكرمة للنساء فرض على الرجال.

طالب: قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ عَرَقِ الجُنُبِ، وَأَنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ.

 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! إِنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ»".

هنا يقول الإمام البخاري في هذا الباب: "بَابُ عَرَقِ الجُنُبِ، وَأَنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ"، "عرق الجنب" ما دام المسلم طاهرًا، ولا ينجس، فعرقه طاهر، عرقه ما دام طاهرًا حتى لو مات، المسلم لا ينجس بالموت، فعرقه في حال الحياة طاهر.

قوله: «سبحان الله! إن المسلم لا ينجس»، يعني أنه طاهر على الدوام، قوله: «إن المسلم لا ينجس» فهم منه بعضهم أن الكافر نجس، وأيَّد ذلك بقوله -جَلَّ وعَلا-: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، وقال بنجاسته أهل الظاهر، والجمهور على أنها نجاسة معنوية وليست حقيقية حسية؛ إنما هي نجاسة الشرك المعنوية، وعلى هذا فلا يلزم من مماسته ولو كان رطبًا، يده رطبة أو ما أشبه ذلك فإنه حينئذٍ يكون من مسه طاهرًا، وبدليل أن المسلم يتزوج الكتابية ويعاشرها ويماسها، وما نُقل أنه يغسل شيئًا من بدنه الذي مسها، أكثر ما نُقل عن المسلمة، وأنه يجب الاغتسال من وطئها وكذلك الكتابية، وما عدا ذلك يبقى على الأصل، وتكون النجاسة حينئذٍ معنوية وليست حسية.

قال: "حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" ابن المديني الإمام الكبير، "قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى" وهو القطان، "قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ" وهو الطويل، "قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ" وهو ابن عبد الله المزني، "عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَهُ»" لقي أبا هريرة، والكلام من كلام أبي هريرة، فحينًا ينسب القصة إليه، وأحيانًا يُجرد من نفسه شخصًا يتحدث عنه: «لقيه»، والأصل أن يقول: لقيني كما قال: «فانخنستُ»، يقول: لقيني. "«فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ»" وفي بعض الروايات: «طرق».  «لقيه» يعني لقي أبا هريرة «في بعض طريق المدينة»، وفي بعض الروايات: «طرق المدينة». " «وَهُوَ جُنُبٌ»" و«جنب» جملة حالية صاحبها أبو هريرة، صاحب الحال أبو هريرة. "«فَانْخَنَسْتُ»" قال أبو هريرة: «فانخنست». سياق الحديث على نسق واحد فإما أن يقول: لقيني وأنا جنب فانخنست، أو يقول: لقيه وهو جنب فانخنس منه، يعني انسل منه، ذهب بخفية. "«فَذَهَبَ»" أبو هريرة "«فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟»" أي أنه لمحه ورآه، لقيه، لكن أبا هريرة انسل بخفية وذهب واغتسل ثم جاء، "«فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ»"؛ تعظيمًا للنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وأن حال الجنابة حال نقص ليست حال كمال، الطهارة هي الكمال، ولذا تُخففوا الجنابة بالوضوء. "«وأنا على غير طهارة»" فعظم النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وربأ به أن يجالسه وهو على هذه الحال. "«فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ!»" تعجب "«إِنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ»". «أين كنت يا أبا هريرة» وفي بعض الروايات بالترخيم: «يا أبا هر»، وهنا: «يا أبا هُريرة» بالاسم الكامل.

 «فقال: سبحان الله!» من باب التعجب، من أين فهمت أن الجنب لا بد أن يغتسل للسلام على الآخرين وعلى مزاولة الأعمال التي لا تشترط لها الطهارة؟ «إن المسلم لا ينجس» سواء كان حيًّا أو ميتًا، فما عليك أن تُسلم وتجلس معنا، وإذا أردت الصلاة أو القراءة أو ما يشترط له الطهارة ترفع الحدث. لكن المبادرة في رفع الحدث لا شك أنه الأكمل؛ ولذا جاء في بعض الأحاديث أن: «الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة ولا جنب»، وسيأتي ما فيه من كلام لأهل العلم، لا سيما «ولا جنب».

نعم.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لا لا، ما يلزم، الكمال، والنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بيَّن له أنه لا ينجس، يعني ما يستطيع أن يقول: لا يُحدث، وهو محدث.

طالب: .......

احتمال احتمال، ما بيَّن.

طالب: .......  

نعم، أسلوب الالتفات من الغيبة إلى الحضور أو العكس موجود، هذا موجود، وهو أيضًا التجريد من الحاضر، شخص آخر يُتحدث عنه على أنه غائب يسمونه تجريدًا: «أعطى قومًا وسعد جالس» من الذي يتكلم؟ سعد، الحديث السابق من كتاب الإيمان: «أعطى رهطًا وسعد جالس»، قالوا: هذا فيه تجريد؛ لأنه جرد من نفسه شخصًا ثم تحدث عنه.

طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس"، كأن المصنف يشير بذلك إلى الخلاف في عرق الكافر، وقال قوم: إنه نجس بناءً على القول بنجاسة عينه كما سيأتي، فتقدير الكلام: بيان حكم عرق الجنب وبيان أن المسلم لا ينجس، وإذا كان لا ينجس فعرقه ليس بنجس، ومفهومه أن الكافر ينجس فيكون عرقه نجسًا. قوله: "حدثنا يحيى" هو ابن سعيد القطان، و"حميد" هو الطويل، و"بكر" هو ابن عبد الله المزني، و"أبو رافع" هو الصائغ، وهو مدني سكن البصرة، ومَن دونه في الإسناد بصريون أيضًا، وحميد وبكر وأبو رافع ثلاثة من التابعين في نسق".

يجتمع من التابعين الواحد في إسناد واحد، وهذا هو الأصل كثير جدًّا، وكذلك الاثنان تابعي عن تابعي، وكذلك الثلاثة كما هنا، وأقل من ذلك أن يجتمع أربعة من التابعين، وأقل منه أن يجتمع خمسة من التابعين في سند واحد، ويندر أن يوجد الستة، بل وُجد الستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض في سند واحد في حديث يتعلق بسورة الإخلاص مخرج في سنن النسائي، وهو أطول إسناد في الدنيا.

طالب: .......

نعم. أين؟ ممكن أن يذكره.

طالب: "قوله: «في بعض طريق» كذا للأكثر، وفي رواية كريمة والأصيلي: «طرق»، ولأبي داود والنسائي: «لقيه في طريق من طرق المدينة»، وهي توافق رواية الأصيلي. قوله: «وهو جنب» يعني نفسه، وفي رواية أبي داود: «وأنا جنب».

قوله: «فانخنست» كذا للكشميهني، والحموي وكريمة بنون ثم خاء معجمة ثم نون ثم سين مهملة، وقال القزاز..".

القزاز؟

طالب: نعم. "وقال القزاز".

نعم، صحيح. أيش هو القزاز؟ القزاز كتاب؟ القزاز في كتاب اسمه، مر بعشرات المرات.

طالب: .......

ماذا؟

 عبد الرحمن؟

القزاز له كتاب اسمه الجامع في اللغة، يتداوله الشراح من أهل الحديث وغيرهم، وهو عمدة عندهم، ولا أعرف أنه طُبع، لكنهم ينقلون عنه بكثرة.

طالب: "وقال القزاز: وقع في رواية «فانبخست» يعني بنون ثم موحدة ثم خاء معجمة ثم سين مهملة، قال: ولا وجه له، والصواب أن يقال: «فانخنست» يعني كما تقدم، قال: والمعنى مضيت عنه مستخفيًا؛ ولذلك وصف الشيطان بالخناس، ويقويه الرواية الأخرى: «فانسللت». انتهى. وقال ابن بطال: وقعت هذه اللفظة «فانبخست» يعني كما تقدم، قال: ولابن السكن بالجيم، قال: ويحتمل أن يكون من قوله تعالى: {فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [الأعراف: 160]".

لكن «فانبجست» ما معناها في هذا السياق؟ افنجع؟

طالب: يعني كأنه خرج بقوة، هرب يعني.

انبجس؟

طالب: اندفع اندفاعًا.

شف معنى الآية.

طالب: {فَانْبَجَسَتْ}.

انفجر؟

طالب: جرت.

ما لها معنى، لكنها مما يحتمله اللفظ؛ لأنهم لا يعتنون بالنقط.

طالب: "ويحتمل أن يكون من قوله: {فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [الأعراف: 160] أي جرت واندفعت، وهذه أيضًا رواية الأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر، ووقع في رواية المستملي: «فانتجست» بنون ثم مثناة فوقانية ثم جيم، أي اعتقدت نفسي نجسًا، ووُجهت الرواية التي أنكرها القزاز بأنها مأخوذة من البخس وهو النقص، أي اعتَقَد نقصان نفسه بجنابته عن مجالسة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وثبت في رواية الترمذي مثل رواية ابن السكن وقال: معنى «انبخست منه» تنحيت عنه، ولم يثبت لي من طريق الرواية غير ما تقدم، وأشبهها بالصواب الأولى ثم هذه. وقد نقل الشراح فيها ألفاظًا مختلفةً مما صحَّفه بعض الرواة لا معنى للتشاغل بذكره كـ«انتجشت» بشين معجمة من النجش، وبنون وحاء مهملة ثم موحدة ثم سين مهملة من الانحباس".

فانتجشتُ. نعم.

طالب: "قوله: «إن المؤمن لا ينجس» تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال: إن الكافر نجس العين".

هو الإشكال أنه يوجد لفظ مصحَّف، مثل هذا اللفظ المصحف لا يُتكلف اعتباره؛ لأنه تعب ليس وراءه غرض، وإنما العبرة بما ثبت، هو الذي يُتكلف اعتباره، والنظر في معناه.

طالب: "قوله: «إن المؤمن لا ينجس» تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال: إن الكافر نجس العين، وقواه بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة بخلاف المشرك؛ لعدم تحفظه عن النجاسة، وعن الآية بأن المراد أنه نجس في الاعتقاد والاستقذار، وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يَسلم منه مَن يضاجعهن".

وهذا إذا صح أن أهل الكتاب يقال لهم: مشركون، وهذه مسألة خلافية: هل يقال لهم: مشركون؛ لأنهم يعبدون مع الله غيره، فالنصارى يعبدون المسيح، واليهود لهم عزير وغير عزير. المقصود أن المسألة خلافية، من أهل العلم من يأبى إطلاق المشركين على أهل الكتاب ويقول: هم فيهم شِرك، ولا يقال: مشركون، وإنما يقال: فيهم شرك.

على كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم، وابن رجب رجح القول الثاني أنهم فيهم شرك، ولا يقال لهم: مشركون؛ ولذا لا يحتاجون إلى مخصص من النهي عن نكاح المشركات؛ لأنهم ليسوا بمشركين، وإنما فيهم شرك، والفرق بين من كان مشركًا ومن فيه شرك كالفرق بين الجاهل ومن فيه جاهلية، النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قال لأبي ذر: «إنك امرؤ فيك جاهلية»، ولا يستطيع أحد أن يقول: إن أبا ذر جاهل. ومع هذا إذا قيل: إنهم ليسوا بمشركين، هم كفار بالإجماع، ومن لم يُكفرهم كَفر، حتى قال أهل العلم: إن من شك في كفرهم فهو كافر.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

ما تحتاج إلى استثناء، ليست مشركة على هذا القول، فلا تحتاج إلى استثناء، والذي يقول: إنها كافرة ومشركة في آن واحد يقول: إن الاستثناء موجود.

طالب: "ومع ذلك".

لحظة. لما نسرد هذه الأقوال لا يعني أننا نرتضيها، لكنها قيلت، ورجحها العلماء.

طالب: .......

على كل حال سواء كان فيهم شرك أو مشركون، هم كفار بالإجماع، والجنة عليهم حرام، خلافًا لما يقوله بعض أهل الحوارات وما الحوارات وتقارب الأديان وكذا أنهم أديان سماوية ومعتبرة أنزلت من السماء، ويلتمس لهم أشياء، هذا ضلال مبين.

طالب: .......

على كل حال عندما نقول نذكر القول وقد قيل به، ونُصِر من قبل بعض العلماء لا يعني أننا نرتضيه، إنما نسوقه؛ لبيان حقيقة الأمر في المسألة التي معنا.

طالب: .......

إذا لم يكن مشركين ما نحتاج إلى .......

طالب: .......

لا، النهي عن نكاح المشركات: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221]، كيف يقول: لا تنكحوا المشركات وأهل الكتاب مشركون ويجوز نكاحهم؟ نقول: جاء الاستثناء والتخصيص. أما الذي يقول: ليسوا بمشركين، بل فيهم شرك، فما نحتاج إلى استثناء.

طالب: "أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن، ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة، فدل على أن الآدمي الحي ليس بنجس العين؛ إذ لا فرق بين النساء والرجال، وأغرب القرطبي في الجنائز من شرح مسلم فنسب القول بنجاسة الكافر إلى الشافعي، وسيأتي الكلام على مسألة الميت في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى. وفي هذا الحديث استحباب الطهارة عند ملابسة الأمور العظيمة، واستحباب احترام أهل الفضل وتوقيرهم".

"استحباب الطهارة عند ملابسة الأمور المعظمة" يعني مثل مقابلة الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.

طالب: .......

يعني أنكر عليه كونه انخنس.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

بيان حكم شرعي.

طالب: «سبحان الله» رد على كونه ظن أنه ينجس.

لكن هل المكث على جنابة أكمل، أو التطهر أكمل؟ فهو أليق بالأمور المعظمة. فمن هذا الباب.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

يعني الأسلوب: سبحان الله أين كنت؟ سبحان الله، إن المسلم لا ينجس. قد يكون التسبيح والتعجب إلماحًا لكون أنك لا تحتاج إلى مثل هذا وتكلف نفسك في أمر لا يلزمك ولا يجب عليك وإن كان هو الأكمل.

طالب: "واستحباب احترام أهل الفضل وتوقيرهم ومصاحبتهم على أكمل الهيئات، وكان سبب ذهاب أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عنهُ- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «كان إذا لقي أحدًا من أصحابه ماسحه ودعا له»، هكذا رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة، فلما ظن أبو هريرة أن الجنب ينجس بالحدث خشي أن يماسحه -صلى الله عليه وسلم- كعادته، فبادر إلى الاغتسال، وإنما أنكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- قولَه: «وأنا على غير طهارة»، وقوله: «سبحان الله!» تعجّب من اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة، أي كيف يخفى عليه هذا الظاهر؟

وفيه استحباب استئذان التابع للمتبوع إذا أراد أن يفارقه لقوله: «أين كنت؟»، فأشار إلى أنه كان ينبغي له أن لا يفارقه حتى يُعلمه، وفيه استحباب تنبيه المتبوع لتابعه على الصواب وإن لم يسأله، وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه، وبوَّب عليه ابن حبان: الرد على من زعم أن الجنب إذا وقع في البئر فنوى الاغتسال أن ماء البئر ينجس".

هذا القول لبعض الحنفية وأن الماء ينجس بملاقاة المغتسل بدلالة: «لا يبولن أحدكم بالماء الدائم ثم يغتسل فيه»، وفي رواية: «ولا يغتسل فيه من الجنابة»، فدل على اقتران البول بالاغتسال، دلالة الاقتران تدل على أن الماء ينجس بالبول كما ينجس بالاغتسال، وهذا القول مضعف عند أهل العلم، ولا حظ له من النظر.

طالب: "واستدل به البخاري على طهارة عرق الجنب؛ لأن بدنه لا ينجس بالجنابة، فكذلك ما تحلَّب منه، وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه قبل أن يغتسل".

نعم "فقال".

طالب: "فقال".

اقرأ الحديث.

طالب: .......

نعم. سيقرأ.

طالب: "بَابٌ: الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَحْتَجِمُ الجُنُبُ، وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ».

حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: «لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ، فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟ فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ المُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ»".

قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابٌ: الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ"، استنبط الإمام البخاري- رَحِمَهُ اللهُ- هذا الحكم من الحديث: «يطوف على نسائه في الليلة الواحدة»، ومقتضى ذلك أنه يخرج من بيت إلى بيت، يعني بغسل واحد يخرج من بيت إلى بيت، والبخاري يقول: "باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره".

طالب: .......

نعم. يخرج من بيته الذي حصل فيه الجنابة؛ لأن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يخرج من بيت إلى بيت ولما يغتسل، وأما بالنسبة للسوق ففي قصة أبي هريرة وغيرها. "وغيرِه"، "بابُ الجنبِ وغيرِه"، أو "بابٌ: الجنبُ"، والعطف في بعض النسخ: "وغيرُه"، وسيأتي بيانه في كلام الشارح.

"وَقَالَ عَطَاءٌ: يَحْتَجِمُ الجُنُبُ، وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ"، لماذا قال عطاء هذا الكلام؟ "يحتجم" يعني يفصل شيئًا من بدنه قبل أن يتطهر؛ لأن "يحتجم" يُخرج الدم مع أنه وجبت الجنابة فيه ولزم الاغتسال، فهل يجوز أن يُخرجه قبل أن يغتسل؟ وكذلك "يقلم أظفاره" وما جاء في حديث ضعيف: «تحت كل شعرة جنابة»، اقتضى هذا أن يغتسل قبل أن ينقص منه شيء فيرفع الجنابة عن جميع ما وقعت الجنابة وهو موجود. لكن كل هذا لا أثر له.

"يحتجم الجنب". أبا عبد الرحمن ما أثر هذا الكلام؟ "يحتجم" مثل ما ... ما المانع؟

"يقلم أظفاره ويحلق رأسه" لماذا؟ لأن الشعر والظفر في حكم المنفصل، وإن لم يتوضأ يعني لم يخفف الجنابة بالوضوء كما يُطلب ذلك لمن أراد أن ينام.

طالب: .......

أنت تصبغ أنت؟ يعني تحتاج إلى هذه المسألة؟

طالب: .......

لا يا أبا إبراهيم. جارك أجب على سؤاله. يعني إذا كان الصبغ له جرم.

طالب: له جرم.

إذا كانت صبغة لطيفة لا تمنع من وصول الماء إلى البشرة فهذه لا أثر لها، وجودها مثل عدمها.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ" هو ابن أبي عروبة، "عَنْ قَتَادَةَ" ابن دعامة، كنية قتادة؟

طالب: .......

يا إخوان، العناية بالأسماء والكنى والألقاب والأنساب بالنسبة لرواة الحديث في غاية الأهمية؛ لأنه أحيانًا يأتي مسمى مهملاً: حدثنا فلان فقط، قتادة، عن قتادة، لقلة من يشاركه يقل الخطأ فيه. لكن لو كان هذا المهمل ممن يروي عنهم البخاري وهم كثر، يقول: حدثنا محمد، يحتاج إلى تمييز هذا المهمل، حدثنا أبو فلان، حدثنا الفلاني. لا بد أن نعرف هذه الأشياء؛ لنميز بينها؛ لأنه قد يشركه من الرواة من هو ضعيف، وإذا أردت أن ترجع إلى كتب الرجال في كل شيء والشروح في كل شيء ضاع عمرك وأنت تبحث، لكن إذا فهمت هذه الأمور وضبطتها وأتقنتها يختصر لك الوقت بشيء كبير جدًّا، مثل ما قال: قتادة بن دعامة السدوسي كنيته أبو الخطاب أن أنس بن مالك حدثهم، أن أنس! طيب، قتادة مدلس، وأن مثل عن محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم: ألا يكون الراوي معروفًا بالتدليس، وأن يكون قد لقي على شرط البخاري أو عاصر على شرط مسلم، وقتادة معروف بالتدليس، لكن وجود أمثال هؤلاء بهذه الصيغ إما قال أو عن أو أن فلانًا قال، كلها محمولة على الاتصال في أسانيد الصحيحين.

طالب: .......

قتادة معروف بالرواية عن أنس، أكثر من الرواية عنه، وروى عنه بصيغة التحديث، الكلام في هذا الحديث.

"أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ»"، وجاء عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- «أنه أعطي قوة ثلاثين»، وجاء أيضًا «أربعين». المقصود أن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أعطي من هذه الخصلة قوة لا توجد في غيره من أمته، وهذا الموضوع قال فيه ابن القيم في الوابل الصيب: أنه أعظم متع الدنيا. لو قال: من أعظم لكان أدق -رَحِمَهُ اللهُ-. «حُبِّب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجُعِلت قرة عيني في الصلاة».

"أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ: «أَنَّ نبي الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ»"، توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تسع نسوة إليهن تعزى المكرمات وتنسب، من يعرف البيت الثاني، الذي فيه عدد التسع؟ تعرفه؟ أبا عبد الله؟ ما حفظته؟ البيت الثاني؟

ثم قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «لَقِيَنِي»" هناك: «لقيه» مما يدل على أن هذا من تصرف الرواة. "«لقيني رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا جُنُبٌ»" وفي الرواية الأولى: «وهو جنب». "«فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ»" في الرواية الأولى يفهم منها أنه انخنس قبل أن يلقاه، لكن هذه الرواية مفسرة. "«فأخذ بيدي فمشيت معه حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ، فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟»" هناك قال: «يا أبا هريرة». "«فَقُلْتُ لَهُ»" يعني أخبرته الخبر. "«فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ المُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ»"، ومعناهما تقدم.

طالب: "قوله: "وغيره" بالجر، أي وغير السوق، ويحتمل الرفع عطفًا على "يخرج" من جهة المعنى. قوله: "وقال عطاء" هذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه وزاد: ويطلي بالنورة، ولعل هذه الأفعال هي المرادة بقوله: وغيرُه بالرفع في الترجمة. قوله: "حدثنا سعيد" هو ابن أبي عروبة، كذا لهم إلا الأصيلي فقال: شعبة. قوله: «أن النبي»، وفي رواية الأصيلي وكريمة: «أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم-»، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في "باب إذا جامع ثم عاد"، وإيراده له في هذا الباب يقوي رواية "وغيرِه" بالجر؛ لأن حجر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت متقاربةً، فهو محتاج في الدخول من هذه إلى هذه إلى المشي، وعلى هذا فمناسبة إيراد أثر عطاء من جهة الاشتراك في جواز تشاغل الجنب بغير الغسل، وقد خالف عطاءً غيرُه كما رواه ابن أبي شيبة عن الحسن البصري وغيره فقالوا: يُستحب له الوضوء، وحديث أنس يقوي اختيار عطاء؛ لأنه لم يذكر فيه أنه توضأ، فكأن المصنف أورده ليستدل له لا ليستدل به".

وإذا قيل: إن فعله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لبيان الجواز يبقى أن الوضوء كما في النوم أفضل من تركه، وفعله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لبيان الجواز، ويكون هو الأفضل في حقه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.

طالب: "قوله: "حدثنا عياش" بياء تحتانية وشين معجمة، هو ابن الوليد الرقام، و"عبد الأعلى" هو ابن عبد الأعلى، والإسناد أيضًا إلى أبي رافع بصريون، وقد سبق الكلام على هذا الحديث في الباب الذي قبله.

قوله: «فانسللت»، أي ذهبت في خفية، و«الرَّحْل» بحاء مهملة ساكنة، أي المكان الذي يأوي فيه. وقوله: «يا أبا هريرة» وقع في رواية المستملي والكشميهني: «يا أبا هر» بالترخيم".

بالترخيم يعني حذف آخر المنادى. حذف آخر المنادى هو الترخيم. الترخيم أن احذف آخر المنادى كيا سُعا فيمن دعا سعادًا. وقد جاء في الحديث: «يا عائشُ» أو «يا عائشَ» بالنصب والرفع، بالرفع على لغة من لا ينتظر، وبالنصب على لغة من ينتظر.

والله أعلم.

"