الموقظة في علم مصطلح الحديث (09)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال المؤلف الإمام المحدث شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي رحمه الله تعالى في قراءة على شيخنا عبد الكريم الخضير- حفظه الله- ورحم الله السامعين، قال المؤلف:

المقلوب هو ما رواه الشيخ بإسناد لم يكن كذلك، فينقلب عليه، وينط من إسناد حديث إلى متن آخر بعده، أو أن ينقلب عليه اسم راوٍ مثل مرة بن كعب بكعب بن مرة، وسعد بن سنان بسنان بن سعد، فمن فعل ذلك خطأ فقريب، ومن تعمد ذلك وركب متنًا على إسناد ليس له فهو سارق الحديث، وهو الذي يقال في حقه: فلان يسرق الحديث، ومن ذلك أن يسرق حديثًا ما سمعه، فيدعي سماعه من رجل، وإن سرق فأتى بإسناد ضعيف لمتن لم يثبت سنده فهو أخف جرمًا ممن سرق حديثًا لم يصح متنه، وركب له إسنادًا صحيحًا، فإن هذا نوع من الوضع والافتراء.

فإن كان ذلك في متون الحلال والحرام فهو أعظم إثمًا، وقد تبوأ بيتا في جهنم، وأما سرقه السماع، وادعاء ما لم يسمع من الكتب والأجزاء فهذا كذب مجرد، ليس من الكذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بل من الكذب على الشيوخ، ولن يفلح من تعاناه، وقلَّ من ستر الله عليه منهم، فمنهم من يفتضح في حياته، ومنهم من يفتضح بعد وفاته، فنسأل الله الستر والعفو."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى-: المقلوب وهو اسم مفعول من القلب بأن ينقلب السند على الراوي أو المتن، والأمثلة على قلب المتن؛ لأن المؤلف لم يتعرَّض له كثيرة، يمثلون بمثل حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم «من تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» الذي في الصحيحين «حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، والإنفاق إنما يكون باليمين، الرواية الأخرى التي حكم عليها أهل العلم بالقلب «حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» هذه أيضًا مخرجة في الصحيح، ومن باب صيانة الصحيح، وأذكر هذا المثال؛ لأنهم تواطؤوا على ذكره، والمقلوب من الضعيف كما هو مقرر عند أهل العلم؛ لأنه خطأ يخطئ فيه الراوي، وهذا الحديث يمكن تخريجه على وجه يصح؛ صيانة للصحيح، وحفظًا لثقات الرواة من التوهيم والخطأ، ومادام الحديث في الصحيح لا يمتنع أن يُحمل على وجه صحيح، فنقول: إن هذا الرجل من الإنفاق وصل إلى حد الكثرة بحيث ينفق بيمينه وشماله، أحيانًا بيمينه، وأحيانًا بشماله، وقد يقتضيه الإخفاء إلى أن ينفق بشماله؛ لأن المدح ليس على ذات الإنفاق، إنما هو على الإخفاء، إخفاء الصدقة، فقد يأتي المسكين إلى هذا المنفِق من جهة الشمال، وبجواره أناس على جهة اليمين فيضطر أن يخرج من يده شيء فيعطيه بيده الشمال؛ لإخفاء هذه الصدقة عمن بيمينه، فيمكن حمل هذه الرواية على وجه صحيح، ويقتضيها الإخفاء الذي مدح به، فلا يحكم عليها حينئذ بالقلب، أيضًا هذا المتصدق مع إخفاء صدقته كثير النفقة كثير النفقة فأحيانًا ينفق بيمينه وأحيانًا بشماله وأحيانًا من أمامه وأحيانًا من خلفه وأحيانًا باليدين كلتيهما، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في البخاري «ما يسرني أن لي مثل أحد ذهبا تأتي علي ثالثة ولي أو وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا» عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه. فهذا المتصدق يمدح بأمرين بالإخفاء، وقد يضطره هذا الإخفاء إلى أن يتصدق بشماله، وتصورنا هذا، هذا ما هو متصوَّر؟

يأتي سائل إلى جهة الشمال وعنده أناس يتحدثون بجهة اليمين فيضطر أن يعطيه شيء يخفيه عن هؤلاء ما يمكن يتصور؟ يتصور، أيضًا هذا من كثرة إنفاقه أحيانًا ينفق باليدين كلتيهما فيحتاج إلى الإنفاق باليمين وبالشمال، فيمدح بالأمرين، وهذا إنما يقال؛ لصيانة الصحيحين. يمثلون للمقلوب بحديث «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه» أطال ابن القيم- رحمه الله تعالى- في تقرير القلب بالنسبة لهذا الحديث، وأنا أقول ليس فيه قلب، بل آخره يشهد لأوله، ابن القيم يقول: مادام يقدم يديه البعير يقدم يديه إذًا إذا قدم يديه إذا وضع يديه قبل ركبتيه أشبه البعير، فيكون آخره مناقضًا لأوله، نقول: لسنا بحاجة إلى مثل هذا الكلام، ومادام الحديث مصححًا عند أهل العلم فلسنا بحاجة إلى مثل هذا الكلام، كيف نقول فرق بين أن يضع يديه قبل ركبتيه، وبين أن يبرك مثل ما يبرك البعير؟ كيف يبرك البعير؟ أنتم رأيتم كيف يبرك البعير، يعني البعير ما هو دويبة في أستراليا أو في كندا أو في البرازيل، عندكم متى يقول العرب: بركت البعير؟ إذا نزل على الأرض بقوة أثار الغبار وفرَّق الحصى، نعم برك، وأنا أقول مثل هذا إذا قدم يديه قبل ركبتيه، ونزل على الأرض بقوة نقول: برك مثل ما يبرك البعير، لكن إذا وضع يديه مجرد وضع على الأرض ما نقول: إنه برك مثل ما يبرك البعير، فالحديث ليس بمقلوب، المطلوب أن يضع الإنسان يديه قبل ركبتيه، واللام لام الأمر، وهو أرجح من حديث وائل بن حجر كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، ومنهم من يثبت الأمرين يقول: كلاهما صحيح، والمصلي مخير بين أن يضع؛ لأن المسألة مسألة وضع يديه قبل ركبتيه، أو يضع مجرد وضع ركبتيه قبل يديه، إذا نزل الإنسان على الأرض بقوة أخل بالطمأنينة، أخل بالخشوع، هذا كله ينافي لب الصلاة، وبعض ينزل بركبتيه على الأرض ويخلخل البلاط، يُسمع له دوي إذا نزل إلى الأرض، هل هذا يوافق وضع ركبتيه قبل يديه؟ هذا يبرك مثل ما يبرك الحمار هذا، إذا نزل على الأرض وعلى ركبتيه بقوة، فلا هذا ولا ذاك، فلا يبرك مثل ما يبرك البعير، ولا يربض الحمار، يضع يديه قبل يديه ركبتيه مجرد وضع إذا امتثل حديث أبي هريرة، وإن قال: الحديث الثاني حديث وائل بن حجر النبي -عليه الصلاة والسلام- يضع ركبتيه قبل يديه، والقول بالتخيير يراه شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى-، وكل يفعل ما يناسبه.

 على كل حال حديث أبي هريرة أرجح من حديث وائل، وله شاهد من حديث ابن عمر، ابن القيم تولدت عنده هذه العقدة -رحمه الله تعالى- أنها مسألة تبادر إلى ذهنه أنه مقلوب، وقلده الناس، كل من جاء بعد ابن القيم ما أعمل الذهن إطلاقًا قال: حديث مقلوب، والمقلوب ضعيف، الحديث مصحَّح عند أهل العلم يعني هل يخفى على أهل العلم الكبار الأئمة أن البعير يقدم يديه قبل ركبتيه؟! هل يخفى عليهم؟!

 ما يخفى، اضطرب بعضهم إلى أن يقول: ركبتا البعير في يديه، وما أدري أيش، وصار يحور ويدور حول المعنى ولا يصيبه، لكن على الشرح الذي شرحناه يمتثل الأمر «وليضع» «ولا يبرك كما يبرك البعير» وانتهى الإشكال. هذه من أوضح الأدلة التي يُمثَّل بها للمقلوب عند أهل العلم.

 حديث «إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال» أيضًا مقلوب، الذي في الصحيحين إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، وقدمت القلب في المتن؛ لأنه أوضح من جهة، الأمر الثاني المؤلف لم يتعرض له، فننتهي منه، ولذا يقول: هو ما رواه الشيخ بإسناد لم يكن كذلك فينقلب عليه، وينط من إسناد حديث إلى متن آخر، ينط يعني يسبق نظره إلى متن يلصقه بالإسناد الذي قبله أو بعده، وهذا كثير عند النساخ، تجدون عند النساخ يسقط سطر كامل مثلاً، يسبق البصر إلى السطر، وقد يكون لما قال: قال -صلى الله عليه وسلم- يعني بدال ما يشوف الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه المجتمعة عند هذا الحديث وقد ساق إسناده ينتقل إلى الثاني أو الذي قبله أو بعده هذا قلب. وقد يكون مرد القلب كون الإسناد على جادة مطردة، يأتي حديث مثلاً مالك عن نافع عن ابن عباس مثلاً، الذي في ذهن القارئ وفي ذهن الكاتب وفي ذهن السامع ما هو؟ مالك عن نافع عن ابن عمر، فيقول: عن ابن عمر مثلاً هذا أيضًا قلب نوع من القلب؛ لأنه الذهن يسبق العين أحيانًا تسبق الأذن أحيانًا تسبق هذا من أسباب القلب.

 أو ينقلب عليه اسم راو مثل مرة بن كعب أو كعب بن مرة؛ لكون اسم أحدهما هو اسم الأب الآخر مرة بن كعب أو كعب بن مرة؛ لكون اسم أحدهما هو اسم أب الآخر، مرة بن كعب يجعله كعب بن مرة أو كعب بن مرة يجعله مرة بن كعب، وسعد بن سنان وسنان بن سعد يعني متقاربان، وقل مثل هذا في نصر بن علي وعلي بن نصر، يحصل القلب في هذا كثيرًا، فمن فعل ذلك خطأ قريب، من فعل ذلك خطأ قريب، لكن الإشكال في أن يتعمد الإنسان القلب من أجل أن يروج هذا الحديث الذي لا يروج لو روي على الصواب، إذا تعمد ذلك فخطؤه فاحش يُقدَح به، ومن تعمد ذلك وركّب متنًا على إسناد ليس لهو فهو سارق الحديث، وهو الذي يقال في حقه: فلان يسرق الحديث، يركب إسنادًا يأتي إلى حديث مثلاً يأتي إلى حديث النظافة من الإيمان، ويريد أن يروج هذا الكلام، لعله في أسبوع النظافة أو غيرها ثم يقول: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «النظافة من الإيمان»، هذا تركيب إسناد، الخبر لا يصح إطلاقًا، يعني لا يروى بأسانيد مطلقًا فيركب له إسنادًا؛ ليروج على الناس، هذا يسمى سارقًا يسرق الحديث، سرق هذا الخبر الموضوع وركب له إسنادًا يروجه على الناس هذا الذي يقال فيه إنه يسرق الحديث، ومن ذلك يسرق حديثًا ما سمعه، فيدعي سماعه من رجل.

يأتي إلى حديث ليروي كاذب من الوضاعين فيقول: حدثنا سفيان أو مثلاً يقول: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان إلى آخره، ويركب إسنادًا صحيحًا، ويدعي روايته له، طيب ماذا تستفيد؟ هو أصله مخذول كذاب المسكين مخذول، فتهيَّأ له مثل هذه الأمور التي قد لا يستفيد منها شيئًا، قد يقال: إنه إذا قال: حدثنا سفيان قيل: ما شاء الله عليك، من طلاب سفيان، أو تقول لواحد: والله قال الشيخ ابن باز، وسمعت الشيخ ابن باز، يظنونك ملازم الشيخ، قد يستشرف الإنسان لبعض هذه الأمور، لكن أحيانًا ما يستفيد شيئًا ألبتة، وأي فائدة تقابل الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد قال -صلى الله عليه وسلم- «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»؟ الحديث المعروف، الخبر المعروف «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» شريك القاضي يحدِّث يقول: حدثنا فلان عن فلان عن فلان قال: قال -عليه الصلاة والسلام- ودخل من الباب ثابت بن موسى الزاهد، ثابت بن موسى الزاهد وجهه مثل المصباح وصاحب قيام ليل عند قوله: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل ثابت قال: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، وهو ما يريد أن يحدِّث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن يريد أن يطبق هذا الكلام الذي هو نظري على أرض الواقع في وجه ثابت، ولا علاقة له بالإسناد المسوق، ثابت عابد، وليس من أهل الحديث، وليس من الحفاظ ولا شيء، سمع شريكًا يحدث بالإسناد وقال كذا وصار ثابت يرويه بالإسناد هذا بعضهم يجعله من المقلوب؛ لأنه إسناد ركب على متن، وبعضهم يقول: موضوع؛ لأن الخبر لا أصل له، وبعضهم يقول: شبه وضع؛ لأنه لم يقصد وضعه.

 المقصود أن مثل هذه الأمور أمرها عظيم؛ لأنها إلصاق بصاحب الشريعة ما لم يقله، وإن سرق فأتى بإسناد ضعيف لمتن لم يثبت سنده أتى بإسناد ضعيف لمتن لم يثبت سنده فهو أخف جرمًا ممن سرق حديثًا لم يصح متنه وركب له إسنادًا صحيحًا، لماذا؟ هو مركب مركب النظافة من الإيمان، فركب له مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النظافة من الإيمان، هذا جرمه عظيم، لماذا؟

 لأنه يجعل السامع يقبل الحديث، لكن لو قال: حدثنا صدقة بن موسى الدقيقي عن فرقد السبخي عن مرة الطيب إلى آخره، ضعاف أمره أخف، الحديث مردود سواء رويته بإسناده أو بغير إسناد، فهذا جرمه أخف من هذه الحيثية، وإلا فهو كاذب في الموضعين؛ لأن الأثر المترتب على هذه الجملة مالك عن نافع عن ابن عمر، والناس تعده أصح الأسانيد، هذا ما يتردد أحد في قبوله، لكن لما تركب له سندًا ضعيفًا فالناس يردونه فهو أخف، وهنا يقول: وإن سرق فأتى بإسناد ضعيف لمتن لم يثبت سنده فهو أخف جرمًا ممن سرق حديثًا لم يصح متنه، وركب له إسنادًا صحيحًا، وعرفنا السبب، السبب واضح؟ السبب واضح كونه أخف جرمًا؟ واضح. وركب له إسنادًا صحيحًا.

 فإن هذا نوع من الوضع والافتراء النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال، ابن عمر ما روى، نافع ما روى، مالك ما روى، كذبت على أمة وأعظم من ذلك كله الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإن كان ذلك في متون الحلال والحرام فهو أعظم إثمًا وقد تبوأ بيتًا في جهنم، لماذا أعظم إثمًا؟ لأنه يشرع بهذا، لكن لو كان في ترغيب وترهيب، ترغيب في صلاة، ترغيب في زكاة، ترغيب في صوم أخف من الحلال والحرام؛ لأن الترغيب في الصلاة ثابت، الترغيب في الزكاة ثابت، لكن تأتي بحكم من الأحكام وتركب عليه إسنادًا هذا لا شك أن جرمه عظيم، حتى حكم بعضهم بكفر من يتعمد على النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحلال والحرام خاصة، وهذا نسبه الحافظ الذهبي لابن الجوزي، وإن كان والد إمام الحرمين يكفر من يتعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- مطلقًا، لكن هذه زلة وهفوة لا كلام ابن القيم مقبول ولا كلام والد إمام الحرمين، هذه كبيرة من كبائر الذنوب، ويتبوأ مقعده من النار، ولا يكفر بهذا.

 وأما سرقة السماع وادعاء ما لم يسمع من الكتب والأجزاء فهذا كذب مجرَّد، وهذا يوجَد، التزوير موجود، يأتي إلى كتاب ويقول: سمع عليَّ جميع هذا الكتاب فلان بن فلان نفسه، صحيح ذلك قاله فلان بن فلان، صحيح ذلك ويكتب اسمه، يقلِّد خطه ويثبت سماعه لهذا الكتاب عن ذلك الشيخ. وأما سرقة السماع وادعاء ما لم يسمع من الكتب والأجزاء فهذا كذب مجرَّد، كذب، تزوير؛ هذا لأنهم جرت عادتهم في الطِّبَاق الشيوخ إذا قرئ عليهم الكتب يكتبون في نهايته سمع عليَّ جميع هذا الكتاب فلان وفلان وفلان وفلان وفلان يسردون جميع من حضر صحيح ذلك وكتبه فلان، يجيء هذا السارق المدعي المزوِّر ويكتب مثل هذا ويدرج اسه ضمن الطباق، هذا يدخل في الكلام، هذا كذاب، هذا مزوِّر ليس من الكذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم- لماذا؟

 لأنه لو كتب على صحيح البخاري مثلاً سمع عليَّ جميع صحيح البخاري فلان بن فلان بن فلان، هذا كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أحاديث البخاري ثابتة، هذا ما كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه كذب على الشيخ، ليس من الكذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

 بل من الكذب على الشيوخ أحيانًا هناك كذب يزاوله بعض هواة الكتب، يأتي إلى كتاب وكل مجال له هواة يأتي ويقول: أقدِّم مؤلفي هذا هدية إلى فلان بن فلان بن فلان ويزوِّر التوقيع، ولا شافه ولا رآه، والمؤلف لا يعرفه؛ لكي يبين أنه صاحب مكانة ومنزلة عند الناس بحيث يهدي إليه المؤلفون، أو ليروج إذا أراد أن يبيعه عليه خط المؤلف، أين؟ هذا عند هواة الكتب له شأن يحصل مثل هذا كثير عند الأدنياء، أدنياء النفوس، ويُكشَف مثل هذا يفتضح، بل من الكذب على الشيوخ، ولن يفلح من تعاناه، وقل من ستر الله عليه منهم، لا بد أن يبدو من كتابته ما يكذبه أحيانًا يوقع توقيعًا ويكتب تاريخًا وسنه ما يؤهل لهذا التاريخ لا يؤهله، وإن تأخر في التاريخ المؤلف ما أدرك هذا التاريخ يعني مثلاً واحد من الموجودين الآن يقول: أهدي إلي المسند تحقيق أحمد شاكر أقدم تحقيقي لهذا الكتاب العظيم لفلان بن فلان وكتبه أحمد شاكر، أحمد شاكر مات قبل أن تولد، فإما أن تكتب تاريخًا يليق بك، الشيخ مات قبله أو تكتب تاريخًا يليق بالشيخ أنت ما ولدت، كثيرًا ما يفتضح مثل هؤلاء، وهذا موجود ...

 بعض الناس يتخذ الكذب سلعة، والمسألة استدراج؛ لأنه إذا تساهل بالكذب أحيانًا يتساهل بالكذب في الأمور في المزاح وفي إضحاك الناس وفي كذا، ثم يبتلى بما هو أعظم منه، ثم بعد ذلك لا يلبث أن يكذب على الله وعلى رسوله؛ لأن السيئة تقول: أختي أختي، تجره إلى ما وراءها، وقلَّ من ستر الله عليه منهم، فمنهم من يُفتضح في حياته، ومنهم من يُفتضح بعد وفاته، فنسأل الله الستر والعفو، كيف يفتضح بعد وفاته؟ مشى على الناس سنين نعم يجيء خبراء، الآن فيه خبراء للمخطوطات، يبينون كذب بعض المزوِّرين في الكتب، يجيئك كتاب يقول: والله هذا خط ابن سيد الناس أو خط الحافظ ابن حجر يقول: أبدًا، ولا ابن حجر ولا شيء، وهذا موجود، \وكل ناحية من نواحي الحياة لها مرية ناس يعرفون الشيء بشمه، والله المستعان، فنسأل الله الستر والعفو.

"فصل لا تُشترط العدالة حال التحمل، بل حالة الأداء، فيصح سماعه كافرًا وفاجرًا وصبيًّا، فقد روى جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور، فسمع ذلك حال شركه، ورواه مؤمنًا، واصطلح المحدثون على جعلهم سماع ابن خمس سنين سماعًا وما دونها حضورًا، واستأنسوا بأن محمودًا عقل مجة، ولا دليل فيه، والمعتبَر فيه إنما هو أهلية الفهم والتمييز."

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: فصل لا تشترط العدالة حال التحمل؛ لأن الرواية لها طرفان طرف تحمل وطرف أداء، طرف تحمل تلقي الحديث عن الشيوخ، وطرف أداء تبليغ الحديث للتلاميذ، الرواة لهم شروط، لا بد من العدالة والضبط.

أجمع جمهور أئمة الأثر

 

والفقه في قبول ناقل الخبر

بأن يكون ضابطًا معدَّلاً

 

أي يقظًا ولم يكن مغفلاً

لا بد أن يكون ضابطًا عدلًا، ومن شرط العدالة أن يكون مكلفًا بالغًا عاقلًا سالمًا من خوارم الدين سالمًا من الفسق ومن خوارم المروءة ،لا بد أن يكون ضابطًا غير مغفل.

يحفظ إن حدث حفظًا يحوي

 

كتابه إن كان منه يروي

هناك شروط للراوي لا بد أن يكون مسلمًا قد بلغ الحلم سليم الفعل من فسق ومن خرم مروءة ومن... إلى آخره.

 المقصود أن هناك شروطًا لقبول الرواية، هذه الشروط مطلوبة في التحمل أو في الأداء؟ في الأداء، نعم، أما في التحمل ما يشترط شيء؛ لأن الناس ما يحتاجون لك وأنت سمعت شيئًا وحفظته ما عليهم منك، لكن متى يدققون إذا أديت، هل يقبلون خبرك أو ما يقبلون؟ هل يقبلون خبرك أو ما يقبلون؟ إنما يطلب توافر الشروط عند الأداء، لا يشترط العدالة حال التأمل، بل حالة الأداء، فيصح سماعه كافرًا، نعم جبير بن مطعم لما جاء في فداء أسرى بدر وهو كافر سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في المغرب بسورة الطور يقول: وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، هو كافر يوم سمعها وحفظها وضبطها وأداها بعد إسلامه فقبلت منه، خرجها البخاري ومسلم، يقرأ في المغرب بسورة الطور فسمع ذلك حال شركه ورواه مؤمنًا، يعني هل قال العلماء: ما تقبل هذه الرواية؛ لأنه كان كافرًا، ومن شرط الرواي أن يكون مسلمًا؟

لا، قبلوها وخرجوها في الصحيح، لكنه أداها حال إسلامه، لكن لو أداها حال كفره قلنا: لا لا، لا بد أن يكون مسلمًا لا بد أن يكون مسلمًا، وقل مثل هذا في الفاسق يروي ويضبط ويتقن لكن ما نقبله {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [سورة الحجرات:6] تثبتوا لا يقبل خبر الفاسق، لكن تحمل حال فسقه وضبط وأتقن، ثم أدى بعد استقامته وعدالته تقبل لماذا؟ لأنه هل يتصور منه أنه حينما تحمل حال فسقه وزاد ونقص في الخبر ثم أراد أن يؤدي في حال استقامته أن يؤدي على ما سمع أو على ما زاد ونقص؟

 على ما سمع؛ لأن المسألة مفترضة فيه بعدما استقام ولن يزيد ولن ينقص، ولو سولت نفسه، افترض أنه سمع هذا الخبر، سمع هذا الحديث وهو فاسق ثم حدَّث به حال فسقه وزاد جملًا ونقص جملًا إلى آخره قلنا: ما يقبل خبره، ثم استقام ورواه على الزيادة والنقصان، يمكن هذا؟ لأن المسألة مفترضة في عدل ثقة، العدل ما يحصل منه هذا، لو حصل منه هذا ما قلنا: عدل، واضح أم ما هو بواضح؟ وقل مثل هذا في الصبي صبي خمس سنين ست سنين مميِّز، سبع سنين مميِّز، سمع كلامًا وحفظه وضبطه بكامله بحروفه أراد أن يؤديه وهو صبي قلنا: لا لا، لا بد أن يكون بالغًا قد بلغ الحلم؛ لأن الصبي ما يؤمن أن يزيد وينقص مثل الفاسق؛ لأنه غير مكلف، يعرف الصبي أنه ما عليه، ما يكتب عليه سيئات، لماذا لا يزيد ما يمنعه؟ إذًا لا نقبل إلا إذا بلغ، فلا نقبل منه ما تحمله ولو تحمله في الصغر إلا في حال البلوغ، وإذا بلغ نطبق عليه الشروط.

 واصطلح المحدثون على جعلهم سماع ابن خمس سنين سماعًا وما دونها حضورًا، يعني يجتمع عند المحدث فئام من الناس ألوف يجتمعون أحيانًا فيهم أبو خمسين وأبو تسعين وأبو وأبو عشر وأبو عشرين وأبو خمس وأبو سنتين، من جاء مع أبيه، وحضر بركة مجلس العلم والذكر، الاصطلاح عند الأكثر جعلوا الحد الفاصل خمس سنين فيُقال لمن بلغ الخمس: سمع، وإذا أراد الشيخ أن يكتب في الطباق: سمع مني فلان وفلان وفلان الكبار والصغار إلى الخمس، وحضر فلان وفلان وفلان لمن دون الخمس، يفرقون بين سمع وحضر هذا مجرد حضور ما يفهم سماعًا وما دونها حضورًا، واستأنسوا بأن محمودًا عقل مجة، محمود بن الربيع في صحيح البخاري يقول: عقلت مجة مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين، فجعلوا الخمس فاصلة، عقل محمود، إذًا كل يعقل؟ والشيخ يقول: ولا دليل فيه صحيح، ولا دليل فيه؛ لأن من الأطفال من يعقل ويميز أربع سنين، ثلاث سنين، ومنهم من لا يميز حتى يصل العشر، لكن الغالب أن الطفل لا يتجاوز السبع إلا مميِّز غالبًا، هنا جعلوا الحد الفاصل التمييز، والمعتبر فيه إنما هو أهلية الفهم والتمييز، لماذا؟ لأن هذه أمور حالات فردية لا يكلَّف بها جميع الناس، كيف؟

 جاء شخص بولده أربع سنين يريد أن يحضر مجلس العلم يختبره الشيخ إذا كان مميزًا أم يقول له لا يشغلنا، فإذا كان بالفعل مميزًا تركه يسمع، جاء بولده أبو خمس سنين أبو ست سنين أبو سبع سنين يختبره الشيخ؛ لأن هذه أمور مردها إلى التمييز، وهي أحوال خاصة، لا يكلَّف بها عامة الناس، لكن الأمر الذي يكلَّف به عامة الناس لا بد من وضع حد ينتهي إليه غالب الناس، والحكم للغالب، ولذا يؤمر الصبي بالصلاة لسبع، ما قال: يؤمر المميِّز، لماذا؟ أنت والله حريص على ولدك تجيبه لمجالس العلم تجيبه أبا خمس الله يقويك، لكن يصير مميزًا يفهم ما أنت بحريص ما أنت محضرًا إلا ابن عشر أو ابن عشرين، هذا الأمر شأنك، لا يعدوك، أنت تعرف النصوص وترجو لولدك أن يكون من أهل العلم، لكن إذا جاء الأمر العام التشريع العام الذي يشمل الناس كلهم فلا بد من حد بحيث ينتهي إليه جل الناس، ما يُنظَر إلى ولد مغفَّل ما يميز إلا لعشر أو أكثر من عشر، هذا ما يُنظَر، هذا نادر، فيُنظَر إلى سن يميز فيه غالب الناس، ولو ترك أمر الناس أولادهم بالصلاة إلى التمييز تمشي الأمور أم ما تمشي؟

 ما تمشي، يجيئك الحريص من الآباء، ويحضر ولده ويقيمه بين الصف، عنده ثلاث سنين أو سنتان ويؤذيهم ويقول: ولدي مميز من شدة الحرص يقول: مميز، والثاني الذي ما عنده حرص على ولده، ولده يؤذي الناس عند باب المسجد، أبو عشر سنين يقول: والله ولدي ما ميز، الشكوى لله نقول: لا، سبع سنين يؤمر بالصلاة؛ لأن هذا تشريع عام يطلب من الناس كلهم، أما طلب العلم فكونك تحضر ولدك يطلب العلم أو ما تحضره فهذا الأمر إليك، فمثل هذه الأمور تُترك إلى القدرات بالنسبة لحضور العلم.

 أما بالنسبة للتشريع العام وإلزام الناس كلهم لا بد أن يوضع حد، ولذا في البلوغ الذي هو مناط التكليف البلوغ ما قيل تُترَك المسألة متى ما بلغ الولد يجاب؛ لأن بعض الناس إذا وصل ولده عشرين يقول: والله ما بلغ بعد إلى هذا الحين. لكن جعل الخامسة عشرة هي الحد الأعلى، لك أن تقول: ما بلغ أبو ثلاثة عشر، لك أن تقول: ما بلغ.. وهذه ديانة أمانة بينك وبين ربك، وقد يبلغ إلى إحدى عشر إلى اثني عشر إلى ثلاثة عشر أربعة عشر، لكن إذا وصل خمسة عشر قلنا: لا، ما هو بصحيح، بالغ، فمثل التشريع العام يُحَد بسن معينة لا يتجاوزها الناس، والأمور التي تترك لقدرات الناس وكل على حسب اهتمامه بولده يتفاوتون فيه.

 يقول: والمعتبَر فيه إنما أهلية الفهم والتمييز، العلماء وضعوا ضوابط للتمييز منهم من يقول: إذا ميز بين البقرة والحمار، لو تأتي إلى من له عشرون سنة الآن الذي يعيش في بعض المدن ما يعرف الحمار ولا رأى حمار.. لكن تعال قل هذه لكزس وهذا هذه بي إم يعرفها الطفل أبو ثلاث سنين، أربع سنين، يميزون بين السيارات، وإن سألتهم عن النجوم نجوم الفن أو شيء فهذا شيء لا يخطر على البال، عناية الناس بها وشغف الأطفال بها، والله المستعان، فإذا ميز بين الدرهم والدينار بين الخمسة والعشرة والعشرين عرف، يعني مميز هذا يُدرِك، لكن بعض الأمور قد يدركها بعض الناس، ولا يدرك شيئًا آخر، مثلاً طفل له ثلاث سنين ما يميز شيئًا أبدًا، لكن حصل موقف في المسجد يضرب أو يطرد أو شيء يحفر في ذهنه إلى أن يموت، هذا موقف يمسه فهل يعني هذا أنه ضبط هذه الطردة وقلنا: ميز؟

 ما يلزم، ولذا جعل المؤلف في عقل محمود المجة أنه لا دليل فيها، ما يدل على أنه ميز، كونه ضبط مجة أخذ الماء في فمه ومجه في وجهه هذا ينحفر في قلبه، من يحصل له أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يداعبه؟ ولذا تجدون بعض القضايا يضبطها بعض الأطفال؛ لأنها حفرت في قلوبهم، وكل إنسان مر عليه شيء من هذا، يذكر شيئًا قد لا يخطر على البال، والأدباء الذين يذكرون مذكراتهم أو كذا يذكرون بعض الأشياء، المقصود أنه إذا ميز وفرق بين كذا وكذا وبدأ يحفظ وإلا فإحضاره لمجالس العلم تكليف بدون عناء، إذا كان لا يميِّز فدعه يأخذ قسطه من الراحة التي جُبل عليها الأطفال.

"مسألة يسوغ التصرف في الإسناد بالمعنى إلى صاحب الكتاب أو الجزء، وكره بعضهم أن يزيد في ألقاب الرواة في ذلك، وأن يزيد تاريخ سماعهم وبقراءة من سمعوا؛ لأنه قدر زائد على المعنى، ولا يسوغ إذا وصلت إلى الكتاب أو الجزء أن تتصرف في تغيير أسانيده أو متونه، ولهذا قال شيخنا ابن وهب: ينبغي أن ينظر فيه هل يجب أو هو مستحسَن؟ وقوَّى بعضهم الوجوب مع تجويزهم الرواية بالمعنى، وقالوا: ما له أن يغير التصنيف، وهذا كلام فيه ضعف، أما إذا نقلنا من الجزء شيئًا إلى تصانيفنا وتخاريجنا فإنه ليس في ذلك تغيير للتصنيف الأول. قلت: ولا يسوغ تغيير ذلك إلا في تقطيع حديث أو في جمع أحاديث مفرقة إسنادها واحد، فيقال فيه: وبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-."

هذه مسألة يقول المؤلف- رحمه الله تعالى- يسوغ التصرف في الإسناد بالمعنى إلى صاحب الكتاب أو الجزء، يعني أنت عندك أسانيد منك عن شيوخك عن شيوخهم إلى البخاري مثلاً، وهناك أسانيد في صحيح البخاري فمثلاً منك إلى صحيح البخاري عندك خمس وعشرون راويًا إلى البخاري مثلاً، ثم قال المؤلف- رحمه الله تعالى-: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان، هؤلاء الخمس والعشرون إلى صاحب الكتاب بعضهم يتسامح فيها، لكن إذا وصلت الكتاب تغيِّر، الحميدي ما تغيره براوٍ آخر، لا، البخاري يقول: حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير أنت تقول: حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي لا يجوز لك، ولا يسوغ أن تتصرف في الكتاب، أما ما قبل الكتاب فالأمر سهل، لماذا؟

لأن الأثر في رواية البخاري بإسنادك أنت، الآن هل تتقوى رواية البخاري بروايتنا له؟ يزداد قوة البخاري بروايتنا له؟ ما يزداد قوة ولا ضعفًا، لو وجد وضاع في إسنادنا إلى البخاري ما تضرر صحيح البخاري، ولذا تسمَّحوا في التصرف، أنت مثلاً تروي عن شيخك قال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان أنت تزيد في الأسانيد فلان بن فلان بن فلان المتوفى سنة كذا، ترجمة مختصرة، تبيِّن حال هذا الشيخ تسمَّحوا في مثل هذا، لكن عليك أن تتحرى الدقة في معلوماتك، وإن أبقيتها كما هي الإسناد كما هو، ووضعت أرقامًا وترجمت لهم في أسفل الصفحة فهو أولى وأحوط على أن تبقي الأسانيد كما هي، لكن إسناد من صاحب الكتاب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجوز التصرف في الإسناد بالمعنى إلى صاحب الكتاب أو الجزء.

 وكره بعضهم أن يزيد في ألقاب الرواة في ذلك، تقول: حدثنا الشيخ فلان بن فلان الفلاني، نعم أنت لك أن تعبِّر عن شيخك بما شئت؛ لأنك أنت المتحدِّث صح أم لا؟ لكن شيخ شيخك الذي قال شيخك: حدثنا فلان بن فلان فالأولى أن تقتصر على ما روَّاك شيخك، إن أردت أن تزيد شيئا للإيضاح تقول: يعني ابن فلان بن فلان المتوفى سنة كذا، تأتي بلفظة يعني؛ لتبيِّن أن هذا الكلام من مزيدك أنت، وكره بعضهم أن يزيد في ألقاب الرواة في ذلك، وأن يزيد تاريخ سماعهم. حدثني شيخنا فلان بن فلان بمدينة كذا بتاريخ كذا قال: حدثنا شيخنا كذا ما ذكر تاريخًا أنت تذكر تاريخًا، تاريخ سماعه، يعني تبين لك فيما بعد أن الشيخ إنما سمع هذا في حجه سنة كذا قبل ثلاثين أربعين سنة، تثبت التاريخ، كره بعضهم أن يزيد في تاريخ سماعهم.

 وبقراءة من سمِعوا وبقراءة من سمِعوا، الشيخ يروي هذا الكتاب الذي روَّاك أو ترويه من طريقه على الشيخ فلان، وهو حضر درسه بقراءة فلان ولا قال لك: إننا سمعنا الكتاب عن الشيخ بقراءة فلان، وأنت تعرف أنه سمعه بقراءة فلان، ليس لك أن تزيد بقراءة من سمعوا إلا أن الأمر فيه سهل، ما هو من تصرف الكتب، لكن يبقى أنه عليك أن تبقى، وهذا من الأمانة العلمية، لكن من الأمانة ما هو واجب ومنها ما هو كمالي وتحسيني ومستحب لا أثر له، وكل من الواجب والكمالي والتحسيني كل هذا إنما يتبع الأثر المترتب عليه؛ لأنه قدر زائد على المعنى، ولا يسوغ إذا وصلت إلى الكتاب أو الجزء، أنت الآن بينك وبين البخاري عشرون أو خمس وعشرون شخصًا هذه فيها سعة؛ لأنك مهما تصرفت البخاري لن يتضرر، يعني لو أسقطت راويًا أو زدت راويًا البخاري يتضرر؟ ما يتضرر، ومع ذلك يبقى أن تتحرى الدقة في جميع ما تسطر.

ولا يسوغ لك إذا وصلت إلى الكتاب والجزء أن تتصرف في تغيير أسانيده ومتونه، هذه خيانة علمية، خيانة أن تتصرف وتبقيه منسوبًا إلى مؤلف، نعم لك أن تقول: تهذيب صحيح البخاري وتحذف منه وتتصرف وتسميه تهذيبًا، لكن لا تسمه صحيح البخاري، فإذا سميته تهذيبًا تعرَّض للنقد، لكن الإشكال أن تقول: هذا صحيح البخاري، ولهذا قال شيخنا ابن وهب، هذا ابن دقيق العيد كما هو معروف، أبو الفتح القشيري، تقي الدين ابن دقيق العيد هو شيخه، ابن وهب ينسبه إلى جده، وهذا نوع من التدليس يتفننون في العبارات أحيانًا، يفعله الخطيب كثيرًا، وكثير من أهل العلم يعني يمل أن تقول: قال ابن دقيق العيد، قال ابن دقيق العيد، قال ابن.. ماذا بعد؟ ما جئت بجديد، يا أخي تفنن وغير واجعل السامع ينشط؛ لأنه ما يترتب عليه شيء، وهو ابن وهب فعلاً.

 لكن لو قال: قال شيخنا الثبجي، الثبجي، تبحث في كتب الأنساب ما تجد الثبجي هذا؟! وهو صحيح، الثبجي لماذا؟ لأنه وُلد على ثبج البحر بساحل ينبع، لكن أنت الآن أضعته إضاعة بعيدة، ولذا لما ذُكر في ترجمته من الطالع السعيد في تراجم علماء الصعيد الثبجي قال المؤلف الإدفوي: وكان يكتب بخطه الثبجي، يعني هو ولد على ثبج البحر بساحل ينبع، فكان يكتب ابن دقيق العيد الثبجي، فجاء هذا اللي حقق الكتاب يعرِّف الخط الثبجي ما هو؟ قال: هو الذي يشبه ثبج البحر وزبده ومتفرِّق، ويطلع وينزل.. المقصود أنهم أحيانًا يغربون؛ لينشط السامع، وتبحث أنت أيها الطالب من ابن وهب هذا؟ هو عبد الله بن وهب؟ هل عبد الله بن وهب يمكن؟ والله يمكن يجيء واحد ممن يعلقون ممن يتعانون مسخ الكتب التي امتلأت بها المكتبات، يعلِّق عبد الله بن وهب، كم بين الذهبي وابن وهب؟! بينهم كم؟ ستمائة سنة بينهم، وقد يتكايس بعضهم يقول: إن لم يكن عبد الله بن وهب الإمام فلا أدري من هو، يعني صحيح مثل هذه الأمور توقع بعض المحققين في فضائح.

 في صحيح البخاري في حديث أبي موسى الأشعري قال: لما ذكر ويكثر الهرج قال أبو موسى: والهرج بلسان الحبشة القتل، جاء المعلِّق أبو موسى ترجم لأبي موسى المديني المتوفى سنة خمسمائة وخمس وثمانين، مثل هذا يفتضح من يعلِّق، وهو ما يعرف، هناك أمور مضحكة في مثل هذا، وقد ينقل نقلاً لغويًّا فيترجَم المحدِّث والعكس يُنقَل كلام فقيه وينسب إلى مؤرِّخ ما هذا الكلام؟! طالب العلم ينبغي أن يكون متحريًا للدقة، ينبغي أن يُنظَر فيه هل يجب أو هو مستحسن، يعني إذا وصلت لكتاب ثم أردت أن تنقل من قال البخاري حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير تقول: لا، لمَ يقدِّم الحميدي؟ أنا حر يا أخي، أنا لا غيرت شيئًا، حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي المكي المتوفى سنة مائتين وتسعة عشر، هل لك أن تقول هذا أم لا؟

 يقول: ينبغي أن يُنظَر فيه هل يجب أو هو مستحسن، يعني لو تُرك المجال للتصرفات مسخت الكتب، ولذا يمنع بعضهم منعًا باتًّا أن تتصرف في الكتب حتى على القول عند جمهور العلماء بجواز الرواية بالمعنى يقول بعضهم: لا تنقل من المصنفات، لا يجوز أن تنقل من المصنفات بالمعنى، يا أخي ما يصعب عليك أن تنقل من البخاري بالحرف، أجيزت الرواية بالمعنى لماذا؟ للحاجة إليها، يعني هل يتصور في الراوي أنه مثل المسجل ما يفلت حرفًا، إنما جوزوا الرواية بالمعنى بشروطها، لكن إذا نقلت من الكتب فلا داعي لأن تنقل بالمعنى، فيجب عليك أن تنقل بالحرف، ولذا يقول: ينبغي أن ينظر فيه هل يجب أو مستحسن، وقوى بعضهم الوجوب مع تجويزهم الرواية بالمعنى؛ لأن الرواية باللفظ قد تكون متعذرة، فتجوز الرواية بالمعنى، حينئذ يقول: وقوى بعضهم الوجوب مع تجويزهم الرواية بالمعنى، الرواية بالمعنى عند عامة أهل العلم عند الجمهور جائزة بشروطها لعارف بمدلولات الألفاظ وما يحيل المعاني تجوز، وهذا في غير المصنَّفات، أما في المصنفات فلا يجوز تغيير ما فيها.

 وقالوا: ما له أن يغير التصنيف، وهذا كلام فيه ضعف، يعني هو يريد أن يطرد أن العلماء مادام أجازوا الرواية بالمعنى، فلماذا لا نتصرف في أسماء الرواة لاسيما إذا اقتضى الأمر هذا التصرف فمثلاً وجدنا الإمام البخاري يروي عن محمد مهمل، ونحن ننسب محمد، فما المانع؟ ليعرف القارئ أن محمدًا المراد به ابن بشار أو الذهلي أو غيره أو فلان.. يقول: وهذا كلام فيه ضعف، يعني الالتزام بالحرفية إنما تكون في القرآن بالحرفية، الذي لا يجوز روايته بالمعنى ألبتة، وأما مادامت الرواية بالمعنى جائزة في كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- ففي كلام الناس من باب أولى، لكن يبقى أنه مادامت الرواية باللفظ ممكنة، فما الذي يدعونا إلى الرواية بالمعنى؟ أليست الحاجة هي التي جعلت العلماء يجيزون الرواية بالمعنى؟ الحاجة هي التي جعلت العلماء يجيزون، لكن مادام اللفظ موجودًا أمامنا، فما الذي يدعونا إلى الرواية بالمعنى؟ علينا أن نتقيد بالرواية الحرفية، وهذا ما ينادي به كثير من المحققين الآن أن الذين يقولون الأمانة العلمية، ولا يجوز التصرف، أهل الحديث تقدموا هؤلاء بعشرة قرون أو أكثر، من أهل العلم من يرى أنك إذا وجدت في كتابك الذي ترويه عن شيخك خطأً، تبين خطأً، يقول: ترويه على الخطأ وتكتبه على الخطأ، ثم تنبه عليه في الحاشية كذا في أصلنا المسموع من شيخنا والصواب كذا، ما تعدِّل، ومنهم من يقول: عدِّل وبيِّن في الحاشية أن الذي في الأصول كذا وصوَّبناه، وكم من تعديل عند المحققين المتأخرين حتى من الكبار، كم من تعديل يرجحون بين الألفاظ في النسخ ثم بعد ذلك يجعل الراجح في الحاشية والمرجوح في الصلب، كثير هذا من المحققين قد يأتي بشيء يضحك، لكن تحجَّر ذهنه، خطر على باله فهم هذه الكلمة واتضحت واستغلق معنى الأخرى، فجعل هذه في الصلب وتلك في الحاشية، ثم يجعل هذه الراجحة في الحاشية والمرجوحة في الصلب.

 يقول: أما إذا نقلنا من الجزء شيئًا إلى تصانيفنا وتخاريجنا فإنه ليس في ذلك تغيير للتصنيف الأول، يعني أنت إذا أخذت من الكتاب الأصلي حديثًا أو مقطعًا ونقلته إلى كتابك هل يتضرر الكتاب الأصلي؟ لكن عليك بالأمانة، الأمانة لازمة في مثل هذا، لا تتصرَّف في النقل على ما تقدم، لذا بعضهم يشدِّد في النقل من كتابه، يعني المسألة مفترضة في نقَلة ثقات، لكن قد يطرأ عليهم شيء من الغفلة أو سوء الفهم أحيانًا، لكن بالنسبة للنقَلة غير الثقات تجدون أحيانًا ينقل كلام عن واحد من أهل العلم أو من كتاب أو كذا في جريدة من الجرائد ثم يكذب من الغد، هؤلاء ليسوا بثقات، الذين يحرفون الكلم عن مواضعه هؤلاء ليسوا ثقات، لكن المسألة مفترضة في رواة ثقات، تريد أن تنقل في كتابك فلا تبتر النقل، يعني من سيما أهل البدع أن يؤيدوا بدعهم بالنقل من الكتب المبتورة، وهذا أصله من قرأ {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} [سورة الماعون:4]، لكن عليك أن تكمل المبحث بكامله، تجلِّي الصورة بكاملها، ولذا فالذين يجيزون اختصار الأحاديث وتقطيع الأحاديث يشترطون، ماذا يشترطون؟ يقولون: لا بد أن يكون الموجود المقتصر عليه لا يحتاج إلى المحذوف «فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم» هذا الكلام محتاج إلى قوله: «إذا كان يدًا بيد»، لكن لما تحذف «إذا كان يدًا بيد» من يعرف؟ بيعوا كيف شئتم، تبيع التمر بالبر نسيئة فبيعوا كيف شئتم، لكن هذا الشرط لا بد منه، فلا يمكن حذفه، وإلا فتقطيع الحديث جائز عند عامة أهل العلم، كثير من أهل العلم أجازوه، ومشى عليه البخاري يقطع الحديث الواحد في عشرة مواضع، وإذا كان هذا جائزًا في القرآن تقطيع الآية تقتصر من الآية على ما أردت، أنت تتحدث عن الأمانة، فلك أن تقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [سورة النساء:58] ولا يلزمك أن تكمل الآية، وإذا تحدثت عن العدل {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [سورة النساء:58]. المقصود أن لك أن تقتصر من الآية على ما تريد شريطة ألا يكون المحذوف شرطًا أو قيدًا لما ذُكر فيما أثبتَّه.

قلتُ: ولا يسوغ تغيير ذلك إلا في تقطيع حديث أو في جمع أحاديث متفرقة إسنادها، حديث طويل مشتمل على جمل، لا مانع من أن تقتصر على بعضه ،على موضع الحاجة منه بالشرط الذي ذكروه، أحاديث متفرقة إسنادها واحد تجمعها بالإسناد لا مانع فيقال فيه: وبه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- تذكر الإسناد الواحد مالك عن نافع عن ابن عمر وتأتي إلى عدة أحاديث تروى بهذا الإسناد فتقول: حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبه، ما يحتاج أن تقول: مالك عن نافع عن ابن عمر تقول: وبه، أي بالإسناد السابق عن النبي -عليه الصلاة والسلام- تجمع الأحاديث بالإسناد السابق.

"مسألة تسمَّح بعضهم أن يقول: سمعتُ فلانًا فيما قرأه عليه أو يقرأه عليه الغير، وهذا خلاف الاصطلاح أو من باب الرواية بالمعنى، ومنه قول المؤرخين: سمع فلانًا وفلانًا."

يقول- رحمه الله تعالى-: مسألة تسمَّح بعضهم أن يقول: سمعت فلانًا فيما قرأه عليه، الأصل في صيغة الأداء سمعت وحدثنا أن تكون لما سمعه من لفظ الشيخ، يكون طريق التحمل السماع من لفظ الشيخ، لكن إذا كانت طريقة التحمل الأداء أن تقرأ والشيخ يسمع، هل تقول: سمعت؟ الشيخ الذي يسمع أنت تقرأ، لكن بعضهم تسمَّح أن يقول: سمعت فلانًا فيما قرأه عليه لماذا تسمحوا؟

 لأن الرواية بالعرض مجمع على قبولها، فسواء سمع بالعرض أو بالسماع من لفظ الشيخ لا فرق، أو يقرؤه عليه الغير طريق معتبر من طرق التحمل تقول: سمعت، وهذا خلاف الاصطلاح، الأصل ألا تقول: سمعت، ولا تقول: حدثنا، الاصطلاح أن تقول: أخبرنا؛ لأن دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث، وهذا الذي استقر عليه الاصطلاح، وهذا بخلاف الاصطلاح أو من باب الرواية بالمعنى؛ لأنك تقول: سمعت أو حدثني أو أخبرني، المعنى واحد {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [سورة الزلزلة:4]، فإذا جاز لك أن تقول: أخبرنا فمن باب التوسُّع والرواية بالمعنى لك أن تقول: حدثنا وسمعت، ولاسيما على مذهب من لا يرى التفريق بين الصِّيَغ كالبخاري- رحمه الله تعالى-، البخاري ما يرى فرقًا بين حدثنا وأخبرنا، والاصطلاح استقر على أن من روى بطريق السماع يقول: سمعت ويقول: حدثنا، ولا يقول: أخبرنا، وإذا روى بطريق العرض يقول: أخبرنا، وهذا خلاف الاصطلاح، أو من باب الرواية بالمعنى.

 ومنه قول المؤرخين: سمع فلانًا وفلانًا، يعني قرأ عليهما؛ لأنه سمعه منهما، وهذا من باب التوسع؛ لأنه ثبتت روايته يجمع الأمرين سواء كان طريق التحمل السماع أو العرض يجمعهما الرواية المعنى الأعم الرواية عن هذا الشيخ، سمع فلانًا وفلانًا يعني روى عن هذا الشيخ، ثبتت روايته عن هذا الشيخ بأي طريق معتبَر من طرق التحمل.

"مسألة إذا أفرد حديثًا من مثل نسخة همَّام أو نسخة أبي مسهر، فإن حافظ على العبارة جاز وفاقًا، كما يقول مسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلا فالمحققون على الترخيص في التصريف السائغ."

يقول: مسألة إذا أفرد حديثًا من نسخة همام، همام بن منبِّه نسخته في الرواية عن أبي هريرة مشتملة على مائة وثلاثين جملة، سيقت في المسند مساقًا واحدًا، صحيفة همام بن منبه سيقت مساقًا واحدًا لماذا؟ ما قطعها الإمام أحمد، لماذا لم يقطعها الإمام أحمد؟ قطعها البخاري ومسلم الإمام أحمد ما قطعها لماذا؟ ما الفائدة من التقطيع؟ الفائدة من التقطيع أليس هو من أجل أن تأخذ هذه الجملة تضعها في هذا الباب؛ لأنها مناسبة، وهذه الجملة تضعها في الباب الثاني؛ لأنها مناسبة، وهذه الجملة تضعها في آخر الكتاب؛ لأنها مناسبة، لكن المسند، ماذا عنده من المناسبات؟ أحاديث أبي هريرة- رضي الله عنه- تأتي هذه الأحاديث كلها من موضع؛ لأنها أحاديث أبي هريرة، لم يحتج الإمام أحمد إلى تقطيعها؛ لأنه يروي على المسانيد، ما يروي على أبواب. يحتاج إلى تقطيع هذه النسخ من يروي الأحاديث على الأبواب، يرتِّب كتابه على الأبواب، وهنا نسخة همام اشتملت على مائة وثلاثين جملة أو مائة واثنين وثلاثين جملة، قطعها البخاري، وذكر ما يحتاج منها في مواضع، وفعل مسلم.

 الإمام البخاري له طريقة، والإمام مسلم له طريقة يقول: فإن حافظ على العبارة جاز وفاقًا، جاز وفاقًا إن حافظ على العبارة، إن جاء بالإسناد كاملًا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» ثم جاء بما يحتاجه منها هذه محافظة على العبارة يعني بدأ بالجملة الأولى ثم يذكر ما يحتاجه منه، هذه محافظة على العبارة يجوز، وهذه طريقة البخاري، ويقول مسلم فذكر أحاديث يحذف ما لا يريد، ويبين أن ما يحتاجه منها جملة من عدة جمل، فذكر أحاديث منها وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإلا فالمحققون على الترخيص في التصرف السائغ.

 الإمام البخاري قد يقطِّع الحديث في موضعين في ثلاثة في عشرة في أكثر في أقل تبعًا لما يحتاجه منها لما يحتاجه من هذه الجمل، وهذا سائغ عنده بالشرط الذي تقدَّم.

"مسألة اختصار الحديث وتقطيعه جائز إذا لم يخلّ معنى، ومن الترخيص تقديم متن سمعه على الإسناد وبالعكس، كأن يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الندم توبة» أخبرنا به فلان عن فلان."

نعم، اختصار الحديث والاقتصار على ما يراد منه جائزة عند الجمهور، وهو صنيع الإمام البخاري بالشرط الذي ذكرناه سابقًا، لا يحذف شيئًا المذكور بأمس الحاجة إليه، قد لا يفهم معناه إلا بما حذف، حكمه يتوقف على المحذوف مثل ما مثلنا، وتقطيعه جائز إذا لم يُخِل معنى، ومن الترخيص تقديم متن سمعه على الإسناد وبالعكس، البخاري يقول: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنما الأعمال بالنيات» لكن لو قلت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الأعمال بالنيات» حدثنا به الحميدي قال: حدثنا سفيان إلى آخره يتغير الحكم؟ يحصل لخبطة أو يحصل شيء؟

 وهنا يقول: ومن الترخيص تقديم متن سمعه على الإسناد وبالعكس سمعت المتن قبل، يجوز أن ترويه على الجادة تقدِّم الإسناد، سمعت الإسناد قبل يجوز أن تذكر المتن ثم تسوق بعده الإسناد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كأن يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الندم توبة» أخبرنا به فلان عن فلان، لكن يجب التنبُّه إلى كتاب واحد، وهو صحيح ابن خزيمة، ما يندرج عليه هذا الكلام، صحيح ابن خزيمة لا يقدِّم المتن إلا لعلة في الإسناد، ولذا ما يجوز أن نقدِّم السند على المتن من صحيح ابن خزيمة، وقد نص على هذا، فيُستثنى هذا الكتاب؛ لأن له اصطلاحا خاصًّا.

"مسألة إذا ساق حديثًا بإسناد، ثم أتبعه بإسناد آخر وقال: مثله، فهذا يجوز للحافظ المميِّز للألفاظ، فإن اختلف اللفظ قال: نحوه أو قال: بمعناه أو بنحو منه."

يقول: مسألة إذا ساق حديثًا بإسناد ثم أتبعه بإسناد آخر وقال: مثله، هذه يصنعها مسلم كثيرًا، يسوق الإسناد ثم المتن، ثم يحيل عليه، يسوق إسنادًا ثانيًا ثم يقول: مثله، يسوق إسنادًا ثالثًا ويقول: نحوه، ثم يسوق إلى آخره، هذه يصنعها كثيرًا ويفعلها أهل العلم، الإمام أحمد، أبو داود جمع أو كثير منهم يفعلها، البخاري نادرًا جدًّا أن يصنع مثل هذا، لكن هو كثير في صحيح مسلم.

 إذا قال: مثله، فالمراد الأصل كما يقرر أهل العلم أنه بحروفه، وإذا قال: نحوه، فهو بمعناه ليس بحروفه، لكن من باب الدقة على طالب العلم ألا يسوق المتن السابق بالإسناد اللاحق ولو قال: مثله، ساق مسلم حديثًا بإسناده وساق المتن، ثم ساق إسنادًا وأحال على السابق قال: مثله، هل نسوق الإسناد الثاني ونركبه على المتن السابق؟ يعني مقتضى قوله: مثله أن المتن واحد، لكن طالب العلم ينبغي أن يكون دقيقًا، فإذا ساق الإسناد الثاني ووصل إلى المتن وقال: مثل متن سابق لفظه كذا، وإذا قال: نحوه قال بعد أن يسوق الإسناد: نحو متن سابق لفظه كذا، هذه الدقة، وينبغي أن يكون طالب العلم في غاية من الدقة.

"مسألة إذا قال: حدثنا فلان مذاكرة دل على وهن ما؛ إذ المذاكرة يتسمح فيها، ومن التساهل السماع من غير مقابلة، فإن كان كثير الغلط لم يجز، وإن جوزنا ذلك فيصح فيما صح من الغلط دون المغلوط، وإن نذر الغلط فمحتمل، لكن لا يجوز له فيما بعد أن يحدث من أصل شيخه."

يقول- رحمه الله تعالى-: مسألة إذا قال: حدثنا فلان مذاكرة؛ لأن الرواية قد تكون بقصد الرواية، جاء الطلاب ليرووا عن الشيخ، والشيخ حينئذ يتحرز ويعتني؛ لأن أمامه طلابًا، يعني لو أخطأ يخطؤون تبعًا، والطالب أيضًا يتحرز، ولذا أرفع طرق التحمل السماع من لفظ الشيخ إذا كان يملي إملاءً، أرفع طرق تحمل إذا كان يملي إملاءً؛ لأن الحفظ خوَّان، طيِّب أنت ما أنت بمجلس تحديث أنت ولا جئت للتحديث، ولا اجتمع بك هؤلاء الذين اجتمعوا من أجل التحديث، فلا فيه تحرز لا منك.. تأخذ راحتك يعني أنت تصور الآن أمامك شيخ يحدثك، هو جاء من أجل التحديث وأنت جئت من أجل التحديث، فهو يعتني أو ما يعتني؟ يعتني، لكن افترض أنه قيل لك: إن الشيخ فلان جالس مبسوطًا باستراحة أو بمجلس فلان أو علان، ويوم جئت قلت: ما رايك يا شيخ في كذا؟ أو قال: ما تحفظون يا إخوان في مسألة كذا؟ هذه يسمونها أيش؟ مذاكرة، هذه ما يهتمون لها ويعتنون بها مثل ما يعتنون مثل ما يعتنون في مجلس التحديث، ولذا قد يأتون بلفظة لعل، لعل الحديث كذا، لعل المسألة كذا، لعل فمثل هذه إذا جيء بلفظ لعل انتهى من العهدة، ولا يثرَّب عليه.

 النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر السبعين الألف، ثم دخل اجتمع الصحابة لعلهم كذا، لعلهم كذا، لعلهم كذا، ما ثرَّب عليهم، وما فيهم ولا واحد أصاب المراد، لكن إذا جئت بلفظ لعل برئت من العهدة، أما إذا جزمت، فإن كان في مجلس مذاكرة فالمسألة أخف، لكن الإشكال إذا كان في مجلس تحديث.

 إذا قال: حدثنا فلان مذاكرة دل على وهن ما، إذا قال: مذاكرة يا إخوان، يعني يأتي الشيخ مثلاً عند الفقهاء هذا عندهم، إذا ذكر الحكم تقريرًا يختلف عما لو ذكره إفتاءً، جاء شخص وسأله عن حكم مسألة كذا، هذا إفتاء. وحينئذ لا يجوز له أن يفتي إلا بما يجزم بصوابه، لكن لو كان يشرح كتابًا، ثم من عرض كلامه على المتن جاء بكلام يتضمن بعض الأحكام يقال: هذا تقرير، هذا ليس بإفتاء، ولذا يتسمحون في باب التقرير أكثر مما يتسمحون في باب الإفتاء، والمحدثون يتسمحون في باب المذاكرة أكثر مما يتسمحون في باب التحديث.

 ومن التساهل السماع من غير مقابَلة، نسخت مروياتك عن الشيخ، لكنك ما قابلت أصلك على أصل الشيخ، وهم يشترطون في الرواية من الكتاب أن يكون الكتاب منسوخًا من الأصل ومقابَل عليه، بل اشترط بعضهم أن يقابَل على أصول، ما يكفي واحد، النووي وغيره قالوا: يكفي أصل واحد، وهذا أصل من أصول التحقيق عند أهل الحديث، ولذا لو جاء شخص وجد كتابًا ما له إلا نسخة واحدة، كتاب نفيس من كتب شيخ الإسلام أو ابن القيم أو الأئمة، وما وجد له في العالم كله إلا نسخة واحدة، يعني إذا جاء نسختان، ثلاث، يرتاح، الخطأ في هذا يصححون من هذا، والخطأ في هذا، والنقص في هذا، يكمَّل من هذا، لكن إذا كان ما فيه إلا نسخة واحدة، بعضهم يتجوَّز إذا كانت النسخة متقنة، والذي كتبها عالم ومعروف، وسقطها قليل، وغلطها يسير، يتسمحون في أن يطبع من هذه النسخة الواحدة، أو يروي من هذه النسخة الواحدة غير مقابَلة على أصول.

 ومن التساهل السماع من غير مقابلة، فإن كان كثير الغلط لم يجز، يعني إذا تبيَّنَّا وقرأنا هذا.. هذا كتاب نفيس من كتب شيخ الإسلام، ووجدنا أن الناسخ ماسخ الكتاب عامِّي كتب بأجرة لشخص آخر يعرف يكتب وقيل له: اكتب هذا الكتاب، لما قرأنا الكتاب إذا فيه تقديم وتأخير ومحو وكشط وترك أسطر وترك كلمات، لا، هذه ما يعتمد عليها، فإن كان كثير الغلط لم يجز، هذا ما فيه إشكال لا تروِ منه، ولا تطبع منه ولا شيء، وإن جوزنا ذلك فيصح فيما صح من الغلط، يعني أنت وجدت مقطعًا اختبرت هذا المقطع ووجدته ماشيًا على كتب الشيخ، وقرر هذا الكلام في كتبه الأخرى، تقتصر على هذا المقطع وتقول: وقفت على كتاب منسوب إلى فلان مضمونه كذا فيما صح دون المغلوط، أما المغلوط فلا يجوز لك أن تنسبه إلى صاحب الكتاب، وإن ندر الغلط فمحتمَل، الغلط النادر لا يسلم منه أحد، وإن ندر الغلط فمحتمَل، لكن لا يجوز له فيما بعد أن يحدِّث من أصل شيخه، أنت الآن اعتنيت بهذا الكتاب غير المقابَل، ثم بعد ذلك وقفت على أصل شيخك، أنت لا تحدث من أصل شيخك، تحدث من أصلك الذي اعتنيت به، نعم لك أن تقابِل، لك أن تصحح أصلك الذي حدَّثت منه؛ لأنك اعتنيت بهذا الكتاب، وعرفه الناس عنك، وحملوه عنك؛ لأن الغلط فيه نادر، هذا الغلط الذي بعد أن وجدت أصل شيخك وصححت عليه أصلك الذي معك، نسختك صححتها، تروي من أصلك، وتنبِّه أنه خطأ في أصلك، وصححته من أصل شيخك؛ لكي يُعتنى بهذا الغلط، وينتشر بين الطلاب، لكن لو أنت حدَّثت من أصلك سنين، ثم وجدت أصل شيخك، وتبين في أصلك خمسة أغلاط، ستة أغلاط، فمن يعرف أن في أصلك غلطًا؟

 ولذا القسطلاني لما شرح البخاري، نسخة يقال لها: اليونينية من صحيح البخاري، اعتنى بها الحافظ شرف الدين اليونيني، وجمع الروايات، وقابل بين فروق الروايات بإتقان عجيب، يعني لا يوجَد له نظير، القسطلاني له عناية بالصحيح وبألفاظ الصحيح، وضبط الصحيح، بحث عن أصل اليونيني ما وجدها، وقف على الفرع، فرع مقابَل على أصل اليونيني، ماذا صنع القسطلاني؟ قابل نسخته من صحيح البخاري على هذا الفرع ست عشرة مرة، إتقان، ضبط، ما هي المسألة فوضى، نحن الواحد ما يصبر يراجع ما كتب، يصير ما يصير، سقط كلمة، سقط سطر، الله المستعان، العصر عصر السرعة، قابل ست عشرة مرة، يقول: بعد سنين وقفت على المجلد الثاني يباع فاشتريته من أصل اليونيني، هل مثل هذا يدور؟ يقول: قابلت الفرع على الأصل فإذا به مطابق مائة بالمائة، ما وجد أدنى فرق، ثم بعد سنين وجد المجلد الأول من الأصل فقابل عليه كذلك، فصار يروي من الفرع، عنده الأصل يروي من الفرع، ولذلكم قد يلفت نظر بعض الذين يقرؤون في شرحه إرشاد الساري إذا أراد أن يبين فرقًا من فروق الروايات يقول: كذا في فرع اليونينية، هو وقف على الأصل، كذا في فرع اليونينية كهي، ما قال: كذا في اليونينية؛ لأن عنايته ومقابلة أصله على الفرع، ثم وقف على الأصل، فصار يبيِّن الواقع عنايته بالفرع يقول: كذا في فرع اليونينية، ثم بعد ذلك يقول: كهي، يعني كالأصل.

كم بقي من الوقت؟

طالب: ............

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"