شرح كتاب التوحيد - 12

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإن هذا الكتاب المبارك للإمام المجدِّد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من أهم ما يهتم به طالب العلم لأنه في أهم الأصول التي يُصحَّح بها العلم والعمل وهو توحيد العبادة الذي اختلفت فيه الأنبياء مع أقوامهم، بل الذي من أجله بعث الأنبياء في والرسل في أقوامهم، وهو الذي حصل فيه الخلاف بينهم وبين من أرسلوا إليهم، والتوحيد حسب الاستقراء عند أهل العلم ثلاثة أنواع توحيد الربوبية وهذا يقر به المشركون، وهو إفراد الله جل وعلا بأفعاله من الخلق والرَّزق والإحياء والإماتة إلى غير ذلك من أفعال الله؛ ولذا الكتابة فيه في غاية الأهمية وبيان الأدلة على وجود الخالق وإثبات تفرده بأفعاله جل وعلا من خلال كتب التفسير وشروح الأحاديث وغيرها، وهناك كتب مفردة ألفها أهل العلم لكن الأكثر أهمية هو ما حصل فيه الخلاف بين الرسل وبين من أرسلوا إليهم وهو توحيد العبادة، إفراد الله جل وعلا بالعبادة، وهذا هو النوع الثاني وهو موضوع كتابنا، والثالث هو توحيد الأسماء والصفات، وحصر أنواع التوحيد في الثلاثة هذا أثبته أهل العلم بالاستقراء المقصود أن هذا الكتاب في غاية الأهمية قد يقول قائل لماذا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ما كتب في توحيد الربوبية؟ وُجِد في وقت وفي ظرف وُجِد فيه الشرك الأكبر في الألوهية كما وُجِد في القوم الذين بعث فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فرأى أهمية ذلك كما أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وُجِد في قوم تكاد الأمة وإن وجد فيها من يحقق في أبواب الأسماء والصفات والقدر وغيرها من الأنواع التي جاءت بها نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليها سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فتجد أكثر كتابات شيخ الإسلام في الأسماء والصفات وغيرهما من أبواب التوحيد، لكن الشيخ الإمام المجدد وُجِد في وقت وظرف وبين قوم وُجِدَ فيهم الشرك في هذا النوع في الألوهية، فألف هذا الكتاب واهتم به واهتم به من بعده بحيث شرحوه ودرَّسوه وقرَّروه وعُنوا به عناية فائقة، فهذا الكتاب جدير بالعناية الإعلان الذي قرأتموه وهو الإعلان عن شرح كتاب التوحيد هو في الحقيقة تكملة لدورة سابقة، ولما رأيت الإعلان ناقشت المسؤولين عن المكتب وعن الدروس قالوا الذي ذهب من الكتاب عشرة أبواب ليست بشيء بالنسبة لما بقي مع أن ما شُرِح في الدورة السابقة سيوزَّع على الطلاب في سيديات يمكن سيدي واحد يستوعبها في أحد عشر درسا فمن باب البيان هذا الحاصل ليس من أوله وإنما هو من باب ما جاء في الذبح لغير الله جل وعلا وما تقدم ذلك سوف يوزع في الدرس القادم- إن شاء الله تعالى- على الجميع، هذا من باب الإيضاح؛ لأن بعض الإخوان يتصور أنه من أول الكتاب ويقول لو علمت أنه من أثنائه يمكن يصير عندي رأي آخر أو شيء من هذا، هذا الواقع وعلى كل حال المشروح سابقا عشرة أبواب وسوف توزع في الدرس القادم ونبدأ بما وقفنا عليه.

اقرأ.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب في كتابه التوحيد:

باب ما جاء في الذبح لغير الله وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ} [سورة الأنعام:162-163] وقوله {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2] وعن علي رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربع كلمات «لعن الله من ذبح لغير الله لعن الله من لعن والديه لعن الله من آوى محدثا لعن الله من غير منار الأرض" رواه مسلم وعن طارق بن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب» قالوا وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال «مر رجلان على قوم لهم صنم مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا فقالوا لأحدهما قرب قال ليس عندي شيء أقرب قالوا له قرب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلوا سبيله فدخل النار وقال للآخر»."

قالوا وقالوا.

وقالوا للآخَر قرِّب فقال ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل» فضربوا عنقه فدخل الجنة» رواه أحمد.

 فيه مسائل: الأولى تفسير {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} [سورة الأنعام:162] الثانية: تفسير {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2] الثالثة: البداءة بلعنة من ذبح لغير الله. الرابعة: لعْن من لعَن والديه، ومنه أن تلعن والدي الرجل فيلعن والديك. الخامسة: لعْن من آوى محدثًا، وهو الرجل يحْدِث شيئا يجب فيه حق الله فيلتجئ إلى من يجيره من ذلك. السادسة: لعْن من غيَّر منار الأرض، وهي المراسيم التي تفرق بين حقك من الأرض وحق جارك فتغيرها بتقديم أو تأخير. السابعة: الفرق بين لعن المعيَّن ولعن أهل المعصية على سبيل العموم. الثامنة. هذه القصة العظيمة وهي قصة الذباب. التاسعة: كونه دخل النار بسبب ذلك الذباب الذي لم يقصده بل فعله تخلصا من شرهم. العاشرة: معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين كيف صبر ذلك على القتل ولم يوافقهم على طِلْبَتِهم مع كونهم لم يطلبوا إلا العمل الظاهر. الحادية عشرة: أن الذي دخل النار مسلم لأنه لو كان كافرًا لم يقل دخل النار في ذباب. الثانية عشرة: فيه شاهد للحديث الصحيح «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك» الثالثة عشرة: معرفة أن عمل القلب هو المقصود الأعظم حتى عند عبدة الأوثان."

هلموا يا إخوان تقدموا قليلا من أجل الإخوان الواقفين.

طالب: ............

ليتكم تقربون زيادة هلموا هلموا اقتربوا تفسحوا.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام المجدد الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله تعالى- "باب ما جاء في الذبح لغير الله" لا يعرف قيمة هذا الإمام وقيمة ما جاء به من التجديد لهذا الدين إلا من سافر إلى البلدان المجاورة، وإن كان أهلها ينتسبون إلى الإسلام، ومع الأسف أن الشرك الأكبر موجود وظاهر، والطواف بالقبور والنذور والذبح لهذه القبور ظاهر، ومع الأسف أن بعض من ينتسب إلى العلم يتبنى هذا الشرك ويزاوله بنفسه، ويُذكَر أن من الشيوخ المشهورين في الأزهر وهو معاصِر الآن يقول ما دققت مسمارا حتى أقول يا بدوي- نسأل الله العافية- وعلى كل حال الأصل أن الدِّين رأس المال، وتحقيق التوحيد وتنقيته وتصفيته من شوائب الشرك والبدع هذا أهم وأوجب الواجبات على المسلم؛ لأن التوحيد هو الأصل كما ذكرنا آنفًا، فرحمة الله على هذا الإمام المجدد رغم ما أُشِيْع عنه من مناوئيه من الكلام الذي لا يليق بمسلم فضلا عن عالم، فضلا عن إمام مجدد، ومازلنا في هذه البلاد نتفيَّأ ظلال هذه الدعوة المباركة ودفع الله عنا بتحقيق التوحيد عظائم الأمور، وثبَّت لنا الأمن في هذه البلاد بسبب تحقق التوحيد {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} [سورة النــور:55] من أعظم الأسباب التي تثبت الأمن تحقيق التوحيد وتصفيته وتخليصه وغير ذلك مما مر في الأبواب السابقة، وسوف تسمعون ما فاتكم منه في السيديات اللي توزَّع عليكم بعد غد- إن شاء الله تعالى- يقول رحمه الله تعالى: "باب ما جاء في الذبح لغير الله" لم يصرِّح رحمة الله عليه بالحكم، ما قال: "ما جاء باب تحريم الذبح لغير الله" ما صرَّح مع أن هذا مما يُجزَم، وأنه من الشرك الأكبر لوضوحه وظهوره. الأمر الثاني: أنه قد يفهم منه بعض من يقرأ الكتاب أن هذا يشمل ما ذُبِح من أجل إكرام الضيف مثلا، على اسم الله جل وعلا، قد يقول أنا ما ذبحت هذه الذبيحة لأتصدق بها لله جل وعلا وإنما ذبحتها لإكرام هذا الشخص فأنا ذبحتها من أجل فلان، لكن أنت ذبحتها على اسم الله إكرامًا لهذا الشخص؛ امتثالا لقوله -عليه الصلاة والسلام- «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» مع أنه إذا ذبح لغير الله ولو كان على اسم الله فقال: "باسم الله" وذبح ما يذبح من الإبل أو البقر أو الغنم أو الدجاج أو غيرها مما يجوز أكله تعظيما لشخص، إذا كان القصد بذلك التعظيم لهذا الشخص فإنها حرام ولا تحل بهذا الذبح وبهذه التذكية، ولو ذُكِر عليه اسم الله فليفرَّق بين ما يُذبَح للإكرام وبين ما يذبح للتعظيم للمخلوق. الذبح والتذكية وما يُذَكَّى مما يؤكَل لحمه من الإبل والبقر والغنم والطيور وغيرها مما جاءت به النصوص لغير الله سواء كان لآدمي؛ تعظيمًا له أو كان لصنم أو لملك أو لجني أو نبي مقرَّب، كل هذا داخل في الشرك، "وقول الله جل وعلا" وهو معطوف على ما التي هي وما بعدها مضاف إليه؛ لأن "باب" خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا بابُ ما جاء، ما بعدها مضاف إليه، وقول الله معطوف على المضاف إليه مجرور، وقول الله تعالى {قُلُ} [سورة البقرة:7] يا محمد {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [سورة الأنعام:162-163] الشيخ وقف في هذه النسخة على قوله {لاَ شَرِيكَ لَهُ} [سورة الأنعام:163] ثم قال الآية، يعني اقرأ الآيةَ، أو أكمل الآيةَ، فهل لناسخ الكتاب أن يُكمِل كتابةً، أو يقف على ما وُقِف عليه في الأصل ثم بعد ذلك يُكمِل بنفسه؟ بعضهم يقول لا مانع من أن تكمل؛ لأن المؤلف من باب الاختصار أو لضيق الورق أو غير ذلك من الأسباب ما أكمل، وقال لك الآية، يعني أكمل الآية كما يقال الحديث، لكن المصحَّح عند أهل التحقيق أن يُنسَخ الكتاب على هيئته كما ألفه مؤلفه لا يزاد فيه ولا يُنقَص. {قُلُ} [سورة البقرة:7] يا محمد {إِنَّ صَلاَتِي} [سورة الأنعام:162] الصلاة في الأصل الدعاء، وفي الشرع هي مشتملة على الدعاء وعلى إضافات وقيود جاءت بها الأدلة، والحد أو الحقيقة اللغوية أعم من الحقيقة الشرعية، الأصل أن الصلاة دعاء وشامل لما يقال في الصلاة وما يقال في غيرها، لكنه دعاء مخصوص وأفعال وأقوال مخصوصة هذه حقيقتها الشرعية، مفتتحة بالتكبير، تكبيرة الإحرام ومختتمة بالتسليم هذه حقيقتها الشرعية {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي} [سورة الأنعام:162] ويجوز أن يُحمَل على العموم وهي الحقيقة اللغوية، وهي أن الدعاء لله- جل وعلا- لا يجوز صرفه لغيره {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي} [سورة الأنعام:162] لكن الأكثر على أن المراد بها الصلاة الشرعية في حقيقتها الشرعية {وَنُسُكِي} [سورة الأنعام:162] النسك المراد به الذبح للهدي والأضحية والعقيقة وغير ذلك مما جاءت به النصوص {وَمَحْيَايَ} [سورة الأنعام:162] جميع حياة الإنسان وتصرفات الإنسان هي لله- جل وعلا- يجب أن تصرف فيما يرضيه عز وجل {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} [سورة الأنعام:162] يعني جميع أموري وجميع أعمالي كلها لله- جل وعلا- لأنه هو الذي خلقك، وهو الذي أوجدك من العدم، وهو الذي رزقك وهو الذي أسبغ عليك النِّعَم الظاهرة والباطنة، فلتكن جميع أفعالك مرضية لله جل وعلا {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الفاتحة:2] العالَم كل من سوى الله جل وعلا {لاَ شَرِيكَ لَهُ} [سورة الأنعام:163] التخصيص في قوله لله يدل على أنه لا يجوز صرف شيء مما تقدم لغيره- جل وعلا- فلا يُصلَّى إلا لله ولا يُذبَح إلا لله ولا تُصَرَّف التصرفات بالنية إلا لله- جل وعلا- والأمور العبادات واضحة «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» وأما أمور العادات فمن أراد الثواب عليها لا بد أن ينوي بها التقرب إلى الله- جل وعلا- لا بد أن يتقرب بها ينوي التقرب بها لله جل وعلا من أجل أن يُثَاب، أما إذا فعلها أعني الأمور العادية من غير قصد للثواب فلو لم ينوِ بها شيئا لكنه حُرِم، فرق بين من يذهب إلى محلات المحلات التجارية ويشتري ما يحتاجه أهله من طعام أو شراب أو كسوة أو متاع ليعفهم بذلك عن غيره ويغنيهم عن تكفف الناس وسؤالهم، يتقرب بذلك إلى الله- جل وعلا- وما ينفقه على أهله صدقة حتى ما يضعه فيْ فيِّ امرأته، إذا قصد بذلك عند الشراء التقرب بذلك إلى الله- جل وعلا- أثابه الله وانقلبت هذه العادة وإن كانت مما يضطر إليه الإنسان إلى عبادة، لكن يذهب ليشتري وبكم هذا وبكم هذا ويحمل السيارة ويمشي لا يقصد شيئا هذا مباح ما فيه شيء  {لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [سورة الأنعام:163] أمرتُ مبني للمجهول والآمر مَنْ؟ هو الله- جل وعلا- إذا قال الرسول في مثل هذه الآية بأمر الله- جل وعلا- قل الأمر من الله جل وعلا {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [سورة الأنعام:163] الآمر هو الله -جل وعلا- وحُذِف الفاعل للعلم به ، {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [سورة النساء:28] مَن الخالق؟ هو الله -جل وعلا- لكن قد يُحذَف الفاعل للجهل به كما يقال سُرِق المتاع ما يدرى من السارق، وغير ذلك من الأسباب التي من أجلها يُحذَف الفاعل، {وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الأنعام:163] يعني من هذه الأمة وإلا فقد تقدمه أمم فيهم الرسل، وفيهم من استجاب لهؤلاء الرسل، أسلموا قبله -عليه الصلاة والسلام- لأنهم وجدوا قبله، فهو أول المسلمين من هذه الأمة وقوله {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2] الصلاة هنا المراد بها صلاة العيد، ومنهم من يحملها على العموم، جميع الصلوات صلها لله- جل وعلا- خالصة لوجهه {وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2] كل ما تنحره وتذبحه اذكر عليه اسم الله، واجعله لله ليس لغيره ولا لغيره فيه شرك، ومنهم من يقول: صل لربك صلاة العيد، وانحر الأضحية أو الهدي في وقته في يوم العيد، ومعلوم أن صلاة العيد مأمور بها في هذه الآية وفي غيرها، "أُمِرنا أن نخرج العواتق والحُيَّض وذوات الخدور إلى المصلى لصلاة العيد يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى" فصلاة العيد مأمور بها، والعلماء يختلفون في حكمها، فمنهم من يُطلِق السنية وهذا قول معروف عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يقول فرض كفاية، لا بد أن تؤدَّى في البلد ولو لم تكن على الأعيان، ومنهم من يقول واجبة على الأعيان على كل أحد، وهذا مذهب أبي حنيفة ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وكذلك الأضحية {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2] الجمهور على أنها سنة، وذهب الحنفية إلى وجوبها ويوافقهم شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- والشاهد في قوله {وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2] وفي الآية الأولى {وَنُسُكِي} [سورة الأنعام:162] على أن المراد به الذبح، "وعن علي- رضي الله تعالى عنه- قال حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربع كلمات"، "وعن علي- رضي الله تعالى عنه- أمير المؤمنين "قال: حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربع كلمات" الكلمات: جمع كلمة، والأصل في الكلمة: المفردة، الكلمة الواحدة المفردة المركبة من حروف، لكن تُطلَق ويراد بها الكلام.

...........................

 

وكِلْمة بها كلام قد يُؤَم

يعني قد يقصد.

 أصدق كلمة قالها شاعر:

.........................

 

ألا كل ما خلا اللهَ باطلُ

كلمة التوحيد أشهد أن لا إله إلا الله وهذا مستعمَل ولايزال مستعملا، ألقى فلان كلمة ماذا قال؟ كلام قد يطول، فالكلمة هنا المراد بها الكلام؛ ولذا جاء في الحديث: أربع جمل وليست كلمات مفردة، الأولى من هذه الأربع: «لعن الله من ذبح الله لغير الله» وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة «لعن الله من ذبح لغير الله» وهذا شِرْك، إذا كان يتقرَّب بهذا الذبح لغير الله- جل وعلا- لا شك أنه هو الشرك الأكبر، ومن يقرأ في بعض كتب التاريخ وبعض الرحلات يتفطَّر قلبه مما يُفعَل عند القبور، وأمَّا ما يفعله الغلاة من بعض الطوائف هؤلاء عندهم من الشركيات أكثر من ذلك، لكن بعض من ينتسب إلى هذا الدين وعنده نوع تأله وتعبد ولا شك أنه مشوب بالشرك، ولو قرأتم في بعض الرحلات كرحلة ابن بطوطة وغيرها وجدتم أنواعا وأصنافا وأمثلة لما يذكره الشيخ في هذا الكتاب، مما مر به الرحَّالة في طريقه من المشرق إلى المغرب وعكسه في مدة زادت على ثلاثة وعشرين عاما وشارك في بعضها- نسأل الله العافية- «لعن الله من ذبح لغير الله» يعني يتقرب بذلك لغير الله- جل وعلا- يذبح لجني يذبح ليتقي شره، يذبح لصاحب قبر يرجو خيره وبره، يتقرب لمخلوق بهذا الذبح هذا هو الشرك الأكبر وصاحبه ملعون- نسأل الله العافية- «لعن الله من لعن والديه لعن الله من لعن والديه»، واللعن المقصود به هو الطرد والإبعاد من رحمة الله- جل وعلا- ويطلق ويراد به السب والشتم؛ ولذا جاء في الحديث «لعن الله من شتم والديه أو من سب والديه» قيل كيف يسب الرجل والديه؟! قال «يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسم أمه فيسب أمه» يكون سببًا في اللعن، ما يعلن مباشرة، ولا يباشر اللعن لوالديه، وإنما يتسبب في ذلك، ولا شك أن التسبب إذا قَرُب من المباشرة أخذ حكمها، مع أنهم يقولون: إذا اقترنت المباشرة والسبب فالحكم للمباشرة؛ لأن المباشرة تقضي على أثر التسبب عند الفقهاء، لكن هنا تسبب ولم يباشر فأخذ الحكم- نسأل الله العافية- كيف يسب الرجل أباه؟! قال: «يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه» -نسأل الله العافية- «لعن الله من لعن والديه لعن الله من آوى مُحْدِثًا» آواه: يعني تستَّر عليه وأدخله في مكان يأمن فيه من العقوبة المترتبة على حدثه، سواء كان مُحْدِثًا في ابتداع في الدِّين، أو مُحْدِثا في إيصال الضرر للمسلمين، وقد يُحْدِث في أمر خاص به، والمسلم إذا صلى وجلس في مكانه "لاتزال الملائكة تصلي عليه وتدعو له، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يُحْدِث" والحَدَث يشمل الحدث في الابتداع في الدين، ويشمل أيضا نقض الوضوء في الحديث لكن هنا مَن أحدث «لعن الله من آوى محدثًا» إما بأن يبتدع في الدين ويؤويه هذا ويبعده عن أنظار من يأخذ حق الله منه ويقيم شرع الله فيه، وكذلك مَن آذى المسلمين وخرج على ولاتهم وتسبب في الإخلال بأمنهم- نسأل الله العافية- هذا مَن يؤويه ويتستر عليه يدخل في الحديث، والمسألة أبعد من ذلك، تارك الصلاة مُحْدِث صح أو لا؟ مُحْدِث فالذي يؤجِّره سكنًا وهو يعرف أنه لا يصلي آواه لا شك أنه مؤوٍ لهذا المحْدِث، من يُؤَجِّر المحلات التي تبيع المحرمات، من يُؤَجِّر البيوت التي تُصنَع فيها المحرمات كذلك وهو يعلم بذلك هذا أوى محْدِثًا، فيدخل في عموم الحديث «لعن الله من آوى مُحْدِثًا لعن الله من غَيَّر منار الأرض» المراسيم التي تُمَيِّز الحقوق، حق فلان من حق فلان، إذا تعدى أحد الجارين إلى هذا المنار وإلى هذه المراسيم فقدَّمها أو أخرها يدخل في الحديث، وفي الباب «من اغتصب أو من ظلم شبرا من أرض طُوِّقه من سبع أراضين» شبر يطوَّق من سبع أراضين، فكيف بمن يظلم ويغصب المساحات الشاسعة التي قد تصل إلى الكيلوات، وهذا المسكين الذي حَمَّل نفسه هذا الحِمْل العظيم لا يُدْرَى ما مصيره هو أولا وما مصير أمواله، وقد يموت ما استفاد منها، وقد يأتي من يغتصبها منه، فيتحمل إثمها ولا يستفيد منها، وفي الغالب أن من يغتصب لا يستفيد من هذه الأموال؛ لأن أعظم فائدة من المال أن تُنفَق فيما يرضي- الله جل وعلا- ولا يُتصوَّر يبعد يعني أن يوجَد من يغتصب أرضا ويغير المراسيم ومنار الأرض ثم بعد ذلك تجده يبادر ويسارع إلى المشاريع الخيرية، لن يوفَّق لذلك.

طالب: ...............

نعم من حيث القبول، لكن حتى من حيث الواقع، تجده لا تسمح نفسه بأن ينفق حتى ولو أنفق تجده يراجع نفسه كيف أنفق وأنا مالي حرام «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا».

طالب: ...............

ما يعان، لن يوفَّق ولن يعان، هناك اثنان من التجار على مستوى، المستوى العالمي يعني عندنا، كتبتُ لهما خطابين لكل واحد خطاب، وأرسلتُ الخطابين مع ابنين ممن يحضرون الدروس، هذا له ولد، وهذا له ولد، وقلت له لو أعطيتنا مبلغا من المال لإعانة من يريد الزواج من طلاب العلم، وأنا أعرف أن أموالهم مدخولة يزاولون تجارات فيها شبهات، بل بعضهم فيها محرمات، فكان الجواب من الاثنين بالحرف: جاء الأول فقال: يقول الوالد أنا والله قافل هذا الباب. وجاء الثاني بنفس الجواب- نسأل الله العافية- يعني الذي يملك عشرة مليارات، عشرين مليارا يعني يدفع مليونا لهؤلاء الشباب الذين ينفع الله بهم إذا كونوا أسرة على الخير وأنجبوا أولادا يعبدون الله- جل وعلا- لكن ما يُعان لكن لو يفتح باب تبرع لأمور أخرى تجدهم أول من يسارع، فمثل هؤلاء الذين يغيرون ويغتصبون الأراضي وغيرها ويتعدون عليها لا تجد الإعانة من الله- جل وعلا- في الإنفاق في أبواب الخير. والله المستعان، فماذا يستفيده الإنسان إذا جرؤ على لعنة الله- جل وعلا- مهما كسب من الأموال يعني المسألة ليست ضرورة، تقول ما وجد ما يأكل إلا بهذه الطريقة لا، عندهم أموال طائلة من جهات متعددة، ومع ذلك يتجاوزون هذا اللعن ولا يلتفتون إليه، نظير ذلك الرِّشْوة التي انتشرت بين الناس وفَشَت فيهم من أجل حطام الدنيا، يعني لعْن الله إبعاده العبد وطرده من رحمته هل يقاوم شيئا من أمور الدنيا؟! الدنيا بحذافيرها

لا تزن عند الله جناح بعوضة فكيف يجرؤ الإنسان على أن يتحمل اللعن سواء كان في تغيير منار الأرض، أو لعن والديه، أو رشوة، أو ربا، أو ما أشبه ذلك، أو شرب خمر، أو غير ذلك مما جاء فيه اللعن؟ يتجاوز ذلك بمثل هذه الأمور التي لا تساوي عند الله شيئا، ركعتا الصبح خير من الدنيا وما فيها، يعني الدنيا بما فيها من مليارات لا تعادِل ركعتي الصبح التي يمكن أن تؤدى بدقيقتين؛ لأن من صفتهما التخفيف الشديد، فالدنيا كلها لا تزن شيئا، لكن من يعرف ويتأمل مثل هذه المعاني؟! سعيد بن جبير عنده بنت طالبة علم وعابدة خطبها الخليفة لولده فجاء الوسيط فقال يا سعيد جاءتك الدنيا بحذافيرها قال كيف؟ قال ابن الخليفة يطلب ابنتك، قال يا فلان: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا ترى أن يقص لي الخليفة من هذا الجناح؟ فزوجها طالبا من طلابه فقيرا جدًّا لا يجد ما يأكل، هؤلاء الذي يعرفون قدر الدنيا، والله المستعان. اللعن لهؤلاء لعن إجمالي على العموم ولذا جاء بصيغة العموم «لعن اللهُ مَن..»

هذه صيغة عموم، ولعن الجنس جاءت به نصوص كثيرة، لكن لعْن الجنس لا يستلزم لعن الأفراد، يعني تجد شخصاً غير منار الأرض تقول لعنك الله؟ تجد متبرجة أو واشمة تقول عليكِ لعنة الله؟ أو لعن الله من فعل كذا، من فعل كذا، لعن الله السارق، لعن شارب الخمر، لكن ما يُلعَن على سبيل التخصيص، يُلعَن على سبيل العموم، كما جاءت بذلك النصوص، لكن التخصيص لا يلعن وإن قال بعض أهل العلم أن هذا داخل في العموم، فرد من أفراد فيجوز لعنه؛ لأنه استحق اللعن بما فعل، ولكن الجمهور يقولون: إن اللعن الإجمالي على العموم لا يقتضي لعن الأفراد، والإمام أحمد كما ذكر القاضي ابن أبي يعلى في الأحكام السلطانية ذم يزيد بن معاوية ذمًّا شديدًا فقال له ابنه ألا تلعنه قال هل عهدت أباك لعَّانًا؟! ليس المؤمن باللعان ولا بالطعان ولا بالفاحش البذي، يعني إن لعن على العموم من فعل كذا ألا لعنة الله على الظالمين، ألا لعنة الله على من غير منار الأرض إلى غيره، هذا جاءت به النصوص ولا شيء فيه، هذا لا إشكال فيه، لكن الكلام لما جيء بالشارب وجلد وأقيم عليه الحد سبه بعضهم قال «لا تكن عونا للشيطان على أخيك» والله المستعان.

طالب: ...............

هذان سبب للعن ليس لعنا، تقول الملاعن الثلاثة هذا سبب للعن؛ لأنه إذا قضى حاجته في طريق الناس أو في ظلهم أو في ما يحتاجون إليه، هو تسبب على نفسه بأن يُلعَن، لعن الله من فعل هذا ما يُلعَن بشخصه. قال رحمه الله: وعن طارق بن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال «دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب» يعني بسبب ذباب، هذا دخل النار وهذا دخل الجنة، قالوا وكيف ذلك يا رسول الله؟ والمؤلف رحمة الله عليه ساقه على أنه مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أنه في المصادر لم يوقَف عليه مرفوعًا، ابن القيم قال مرفوعًا ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فكأن الإمام قلَّده في ذلك فهو موقوف، لكن هل نقول إن طارق بن شهاب يمكن أن يكون تلقاه من أهل الكتاب؟ أو يكون تلقاه كما جاء في بعض الطرق عن سلمان وهو أيضًا من أهل الكتاب في الأصل؟ لكن يبقى أن فيه أمورا غيبية، كونه دخل النار يعني مما لا يُدرَك بالرأي فحكمه حكم الرفع عند أهل العلم،

 قالوا وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال « مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه» يعني لا يمر به ويجاوزه أحدٌ حتى يقرب له شيئا، «فقالوا لأحدهما قرب قربان» يعني اذبح «فقال ليس عندي شيء أقربه» ما عندي شيء، لا إبل ولا بقر ولا غنم ولا دجاج ولا بط ولا شيء، ما عندي شيء «قالوا قرب ولو ذبابا» يعني ولو كان المقرب ذبابا، ذباب خبر كان المحذوفة مع اسمها «قرب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلوا سبيله فدخل النار» خاف على نفسه، فهو في الحقيقة مُكْرَه، لكن لفظ فقرَّب ظاهره الاستجابة لقولهم قرِّب، يعني تقرَّب وقدِّم لهذا الصنم على سبيل القربة فقرَّب، فكان فعله استجابة لقولهم قرِّب، فخلوا سبيله فدخل النار؛ لأنه قرَّب وقدَّم لهذا الصنم هذا الذباب على وجه التقرب والقربة وإلا لو كانت المسألة مسألة إكراه وقلبه مطمئن بالإيمان ما دخل النار.

طالب: ...............

الكلام على خلاف بين أهل العلم: هل يقال من شرع من قبلنا أو خاص بالفعل دون القول؟ الكلام فيه تفصيل لأهل العلم «قالوا قرب ولو ذبابا» لكن ليتسق الكلام مع ما جاء في الآية من أن المكره لا شيء عليه ليتسق الكلام يمكن أن يقال أن فقرَّب امتثل ما أمروه به من التقريب لهذا الذباب على وجه القربة، فقدم هذا الذباب تقربا على وجه القربة لهذا الصنم، فلا يعارِض الآية «فخلوا سبيله فدخل النار وقالوا للآخر قرِّب فقال ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل فضربوا عنقه فدخل الجنة» رواه أحمد، وهو في كتاب الزهد للإمام أحمد، وعند ابن أبي شيبة وغيرهما مع أنه إذا قيل رواه أحمد فينصرف إلى المسند.

طالب: ...............

لا، هو إذا أمكن توجيهه وأمكن إثبات الخبر فلا تَعارُض، إذا أمكن توجيهه بما يتفق مع الآية وثبت الخبر فلا تعارض ما يصير من المختلِف يصير من المؤتلِف، لكن لو ما وجدنا له تخريجا ووجها يصح لا يعارِض الآية صار من علامات الضعف؛ لأن من علامات الضعف أن يعارِض الأضعف الأقوى وهذا منه «ما كنت لأقرب لأحد شيئا من دون الله أو شيئا دون الله عز وجل فضربوا عنقه فدخل الجنة» رواه أحمد، يعني الأفعال لا شك أنها موصِلَة إلى مرضاة الله- جل وعلا- أو غضبه وسخطه كما هنا، دخلت النار امرأة في هرة ودخلت الجنة بغي بسبب سقي الكلب، عمل يسير لكنه وافق حاجة ووافق صدقا من فاعله مع الله- جل وعلا- فأنقذه به أو هلك بسببه «وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفًا» نسأل الله العافية، على كل حال الحديث مختلف في ثبوته، منهم من يقول أنه موقوف وطارق بن شهاب مختلف في صحبته، فإن كان صحابيًّا فيكون من مراسيل الصحابة، وهي مقبولة عند عامة أهل العلم كما قال الحافظ العراقي:

أما الذي أرسله الصحابي

 

فحكمه الوصل على الصوابِ

وإذا قلنا إنه تابعي ورواه عن سلمان فيكون مرسل تابعي فيه من الخلاف ما فيه.

تفضل يا أبو عبد الله.

المؤذن يؤذن.

قلنا إذا كان أو إن كان طارق بن شهاب صحابيا فهو مرسل صاحبي وله حكم الرفع على الصواب عند أهل العلم، وهذا قول عامة أهل العلم، خالف في ذلك الإسفراييني ونفر يسير لكن لم يُلتفَت إلى قولهم.

أما الذي أرسله الصحابي

 

فحكمه الوصل على الصواب

وأما إذا قلنا إنه تابعي فحكمه ويقال فيه ما يقال في مراسيل التابعين اختلف فيها أهل العلم ومعروف كلام الأئمة في ذلك.

واحتج مالك كذا النعمان

 

به وتابعوهما ودانوا

واحتج مالك يعني بالمراسيل كذا النعمان يعني أبو حنيفة وتابعوهما به ودانوا.

ورده جماهر النقاد

 

للجهل بالساقط في الإسناد

ومسلم صدر الكتاب أصَّلَه

 

وصاحب التمهيد عنهم نقله

إلى آخر ما قيل في ذلك، وعلى كل حال الحديث محل خلاف بين أهل العلم، والشيخ كأنه يرى ثبوته مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه بعد البحث لا يوجد من صرَّح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وكأن الإمام المجدد- رحمة الله عليه- قَلَّد في ذلك ابن القيم.

 قال- رحمه الله- فيه مسائل: وهذه المسائل التي يذكرها الشيخ في غاية الأهمية وفي غاية الدقة، وفيها استنباطات عجيبة من الشيخ- رحمه الله- وبعضها يكون الاستنباط فيه يصل إلى الإلغاز بحيث يخفى على كثير من أهل العلم، وكثير من الشراح يتجاوزها بغير تعليق لصعوبتها، وبعضها واضح، على كل حال هذه المسائل نظير تراجم البخاري فيها دقة متناهية، فينبغي أو على طالب العلم أن يعتني بها، فيه مسائل، الأولى: تفسير قوله {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} [سورة الأنعام:162] وهذا تقدم. والثانية تفسير {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2] كذلك. الثالثة: البداءة بلعن من ذبح لغير الله، هي أربع كلمات، أربع جمل الأولى منها: «لعن الله من ذبح لغير الله» لأن هذا هو الشرك الأكبر أعظم الذنوب نسأل الله العافية. الرابعة: لعن من لعن والديه كما تقدم، قال الشيخ: ومنه أن تلعن والدي الرجل فيلعن والديك، يعني الأصل في الجملة اللعن المباشر، لعن الله من لعن والديه من باشر اللعن هذا الأصل، لكن منه أن تكون سببًا في لعن والديك نسأل الله السلامة والعافية، كما تقدم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه. الخامسة: لعن من آوى مُحْدِثًا، والحدث تقدم بيانه وتقدمت الإشارة إلى أن من يؤوي العاصي وهو يعلم أنه يعصي في هذا المكان الذي آواه فيه يشمله الحديث.

طالب: ...............

معروف مُحْدِثًا من أحدث في الدين عموما.

طالب: ...............

نعم، ضبطت بالمحدث «لعن الله من آوى محدِثا» أو «لعن الله من آوى محدَثا» بالفتح والكسر، والمحدِث معروف، وهو صاحب الحدث، وعلى قراءة أو على رواية الفتح محدَثا اسم مفعول، فالمراد به الحدث نفسه، يعني البدعة نفسها، والمراد حينئذ صاحبها، «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» المراد بذلك صاحبها؛ لأن بعض الناس يسمع مثل هذا الكلام: كل ضلالة في النار وليكن لكن النار لمن؟ للضلالة أو لمرتكبها وصاحبها، بعض الناس يسمع ما كان أسفل من الكعبين ففي النار، يقول: ثوب! دعه يدخل النار لا، المراد صاحبه.

طالب: ...............

محدِث ومحدَث المحدَث البدعة.

طالب: ...............

الكافر؟ من أعظم الكفر من أعظم المحدثات، نسأل الله العافية، لكن إذا كان ذميا أو كان معاهدا أو كان كذا، هذا يختلف حكمه، بمعنى أنه تجوز إقامته في بلاد الإسلام، الكلام فيمن لا تجوز إقامته، قلنا أن من يؤوي تارك الصلاة وهو يعلم بذلك ويؤجره على عمد من ذلك، أو يؤوي من يصنع الخمور أو يروِّج المخدرات، أو يؤوي مَن يفسد في الأرض هذا كله داخل في الحديث، لكن الناس ابتلوا اليوم بأولادهم، عنده ولد أو بنت أو مجموعة من الأولاد يوقظهم للصلاة ولا يصلون، هل نقول: اطردهم؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «لعن الله من آوى محدثا» كان العلماء يقولون بذلك: ما يصلي اطرده، ليس هناك أعظم من الصلاة، لكن في السابق الأمور ليست مثل الوقت الحاضر، تطرده يرجع بعد ساعة وين يروح؟ لكن الآن يتلقفه ألف شيطان إذا طردته، استراحات، مخدرات، أعمال فواحش، وجرائم وتخطيط لأمور منكرة وشنيعة، فكونه تحت نظرك وتحت رقابتك مع الإدمان في دعوته والدعاء له بالهداية، هذا من باب ارتكاب أخف الضررين، وإلا فالأصل أنه يدخل؛ لأنه محْدِث.

طالب: ...............

ما رأى الاستراحات الشيخ هذا، الذي رأى الاستراحات وهؤلاء الشباب وماذا يصنعون، ولا صلاة ولا شيء يصلح؟! يذهب و يصلي إذا طردته؟! نقول مسألة ارتكاب أخف الضررين أمر مقرَّر في الشرع، لن يصلي لا عندك ولا عند غيرك، إن لم يصلِّ عندك لم يصلِّ هناك، وإن كان عموم الخبر يشمل، لكن يبقى أن ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، وكانوا في السابق إلى وقت قريب قبل وجود هذا الانفتاح، وهذه الاستراحات، حتى قبل وجود الكهرباء، إلى أين يذهب الولد؟ إذا غابت الشمس ما يقدر يذهب لشيء لا يستطيع أن يتعدى البيت، جاءت الكهرباء، وتوسع الناس، واتخذوا الاستراحات، واطلعوا على ما في العالم من شرور من خلال هذه القنوات، وابتلي الناس بعظائم الأمور، فمن باب ارتكاب أخف الضررين، ولا يترك بدون دعوة، ولا يترك بدون دعاء له بالهداية، يعني يستفرغ الجهد كله في استصلاحه.

طالب: ...............

هذا من الدين؛ لأن الدماء والأموال والأعراض صيانتها من أصل الدين.

طالب: ...............

لا يُجَدَّد له العقد.

طالب: ...............

لا، الصغائر متجاوَز إن كان يجتنب الكبائر هذا ما عليه إن شاء الله {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [سورة النساء:31] الخامسة: لعْن من آوى محدِثا، وهو الرجل يحدِث شيئا يجب فيه حق لله، وإذا كان حقا للعباد، محكوم عليه أن يسدِّد، أو ضرب فلانا وشجه وطُلِب للقصاص، فآواه وستر عليه وقفل عليه الأبواب إلى أن نُسِيَت المسألة الحدث أعم؛ لأن المطالبة بحقوق العباد من دين الله، وهو الرجل يحدث شيئا يجب فيه حق لله فيلتجئ إلى من يجيره من ذلك. السادسة: لعْن من غيَّر منار الأرض، وهذه الأرض سواء كانت مملوكة لأحد، وهذا ظاهر أو غير مملوكة، فيتوسع بها من غير وجود الشرط الشرعي للتملك الذي هو الإحياء، وهي المراسيم التي تفرق بين حقك من الأرض وحق جارك فتغيره بتقديم أو تأخير. السابعة: الفرق بين لعن المعيَّن ولعن أهل المعصية على سبيل العموم، المعيَّن الشخص المرتكِب لما لُعِن مرتكبه في الجملة، كما في هذا الحديث، ولعن أهل المعصية على سبيل العموم، هناك شيء فيه نوع تعميم ونوع خصوص، امرأة دخلت قاعة صالة أفراح في ليلة عرس فوجدت كثيرا من النساء مائة من النساء متبرجات ونامصات ويستحقن اللعن، وجاء اللعن بنصوص كثيرة، هل لها أن تقول لعنكن الله؟ ليست واحدة معيَّنة ولا خمس، ولا عشر، مائة أو أكثر ففيه نوع تعيين، وفيه نوع تعميم، فهل يُلحَق بهذا أو بهذا؟ الأولى ألا تواجههن ولو كان عموما وتخاطبهن باللعن لعنكن لا، تقول كما جاء بلفظ الحديث على التعميم.

 الفرق بين لعن المعيَّن ولعن أهل المعصية على سبيل العموم. الثامنة: هذه القصة العظيمة وهي قصة الذباب وكل هذا يدل على أن الشيخ- رحمه الله تعالى- يرى أنها ثابتة، التاسعة: كونه دخل النار بسبب ذلك الذباب الذي لم يقصده بل فعله تخلصا من شرهم يعني كأنه مُكرَه وفعله في الظاهر من أجل التخلص من شرهم، ومعنى ذلك أنه لم يصل إلى قلبه ولم يتقرب بذلك وهذا مُشكِل بالنسبة لدلالة الآية، لكن من أهل العلم من يفرق بين القول والفعل، فالآية تكون في القول، وهذا الحديث يدل على تحريم الفعل ولو كان مكرها، وما ذكرناه سابقا من أنه قرَّب يعني تقرَّب وذبح هذا القربان ولو كان حقيرا، الكلام على أنه تقرب فيدل على أنه فعله معتقدا له، متقربا به إليه، وبعض الشراح قال: إن هذا في شرع من قبلنا وأما في شرعنا فيجوز للمكره أن يقول أو يفعل ما أكره عليه إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان.

طالب: ...............

إذا أمكن توجيه الكلام بما يتفق مع الآية انتهى الإشكال.

طالب: ...............

ماهي؟

طالب: ...............

نعم، هل الأفضل أن يرتكب العزيمة ويصبر ويحتسب كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة لما آذاهم المشركون، وذكر لهم مثالا فيمن سبق أنه ينشر بالمنشار فيقد بالمنشار نصفين ولا يصرفه ذلك عن دينه؟ هل الأفضل أن يصبر على هذه العزيمة أو يترخص برخصة الله؟ الإمام أحمد صبر واحتسب ولا شك أن كل قضية وصاحب، وكل حال وصاحب الحال ينبغي أن ينظر إليه بمفرده، فمنهم من يؤمر بالصبر وارتكاب العزيمة؛ لأنه لو ترخص لنال الناسَ ضررٌ عظيمٌ بسببه، ونال الدينَ وأهلَ الدين ضررٌ وأضرارٌ بسببه فمثل هذا يصبر ويحتسب، وقد يترتب على صبره ولو أدى ذلك إلى قتله مصلحة عظيمة، بحيث يثبت الناس ويؤمن أناس آخرون كما في قصة الغلام، هذا الصبر والاحتساب لا شك أنه أفضل وقد يتعيَّن، الإمام أحمد لو أجابهم إلى القول بخلق القرآن ومن دونه أجابوا كانت المسألة تقرر إلى يومنا هذا، لكن صبره وثباته- رحمه الله- ساهم في انجلاء هذه الغمة، وعلى كل حال الرخصة معروفة، بعض الناس لا يحتمل، وقد لا يثبت للفتنة والمحنة فينحرف عن دين الله، مثل هذا يترخص، وانطق بما طُلِب منك، لكن أحيانا الإكراه يتبعه نوع موافقة في قوله جل وعلا {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} [سورة النــور:33] {وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة النــور:33] غفور رحيم لمن؟ لفتيات مكرهات ما ارتكبن ذنبا من أجل أن يقال غفور رحيم لمن أكرههن؟

طالب: لمن تاب بعد الإكراه لمن تاب..

طالب: ...............

ولا تكرهوا فتياتكم، الفتيات الإماء العبيد التي تباع وتشرى والسيد يُكرِه هذا، وُجد في أول الإسلام من يُكره وابن أُبَيّ له فتات أو فتيات يكرههن على الزنى ويأخذ أجرة، افترض أن زيدا من الناس حمله الطمع على أن يُكرِه الأمة عنده على أن تزني وتأتي له بمهر البغي، على ما جاء في الحديث {فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة النــور:33] لهؤلاء المكرِهِيْن أو لهؤلاء المكرَهات؟

طالب: ...............

المكرَهات ليس عليهن شيء!

طالب: ...............

الجمهور يقولون غفور رحيم لهن، أبو حيان يقول ليس عليهن معصية حتى يقول غفور رحيم، غفور رحيم لهم، كيف تكره على البغاء ويكون غفور رحيم لهم؟

طالب: ...............

هؤلاء المكرَهات في البداية مكرَهات، لكن إذا بدأت المزاولة للعملية قد ترتاح، وقد تتلذذ بعد هذا الإكراه، ما يحصل تبعا لذلك إذا تحقق الإكراه الله غفور رحيم، يعني إذا تحقق الإكراه ما يحصل تبعا لذلك من.. أحيانًا، العملية هذه مشكِلة، ولذلك قالوا الرجل لا يمكن أن يكرَه على الزنى؛ لأنه إذا أُكره لم ينتشر، لكن المرأة إذا أكرهت فمتصوَّر إكراهها، لكن ما يحصل تبعا لذلك من ارتياح أو شيء من هذا مما جاء تبعا لمسألة الإكراه، مما لا تملكه هي أحيانا، أمور ما تُملَك فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم- نسأل الله العافية- العاشرة: معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين كيف صبر ذلك على القتل ولم يوافقهم على طلبتهم"، هو قُتِل والآلة موجودة، والسيف مسلول، افعل والا قتلناك، لكنه الحرص على التوحيد، ومعرفة قدر الشرك وخطره، مادام الإنسان ما يعرف مثل هذه الأمور قد يستجيب لأدنى سبب، ومن هنا تأتي أهمية مثل هذا الكتاب- رحمة الله- على الشيخ." كيف صبر ذلك على القتل ولم يوافقهم على طِلْبَتهم مع كونهم لم يطلبوا إلا العمل الظاهر، ارتكب العزيمة فدخل الجنة. الحادية عشرة: أن الذي دخل النار مسلم قرَّب الذباب كان مسلما فأشرك فدخل النار، ما الدليل يقول: لأنه لو كان كافرا لم يقل دخل النار في ذباب؛ لأن السبب في دخوله النار تقريب الذباب لا الكفر، لو كان كافرا ما يحتاج إلى هذا كله الثانية عشرة: فيه شاهد للحديث الصحيح «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله » هذا قتل دخل الجنة «والنار مثل ذلك » كما جاء في الخبر الصحيح. "الثالثة عشرة: معرفة أن عمل القلب هو المقصود الأعظم حتى عند عبدة الأوثان" أصحاب الصنم قالوا قرب، قال ما عندي إلا ذباب، الذباب هل فيه تكريم لهذا الصنم؟ يعني هذا الفعل لا يترتب عليه تكريم لهذا الصنم، لكن تقريب الذباب هذا الحقير رضوا منه به؛ لأنه له أثر على القلب؛ ولذلك معرفة أن عمل القلب هو المقصود الأعظم، وإلا لو كان العمل الظاهر تقريب ذباب هذا استهتار بالصنم حتى عند عبدة الأوثان.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"