شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (182)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة والأخوات: سلامُ الله عليكم ورحمتهُ وبركاتهُ، أهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقةٍ جديدة في "شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" المشهور بمختصر صحيح البخاري للإمام زين الدين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي، المتوفَّى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة للهجرة، والذي يتولى شرح أحاديث هذا الكتاب صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، والذي نسعدُ بالترحاب به مع مطلع حلقتنا، فأهلًا ومرحبًا بكم أيها الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
قال -رحمه الله تعالى-: عن أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- قال: قالت النساء للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه، فوعظهن، وأمرهن، فكان فيما قال لهن: مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا، إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: وَاثْنَتَيْنِ». وفي رواية عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «لم يبلغوا الحنث».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فراوي الحديث أبو سعيد الخدري، سعد بن مالك بن سنان الأنصاري تقدم ذكرهُ أكثر من مرة.
وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقولهِ: بابٌ هل يُجعل للنساءِ يومٌ على حدةٍ في العلم؟ بابٌ: هل يُجعل للنساء يومٌ على حدةٍ في العلم، وبعض النسخ بابٌ هل يجعل يعني الإمام للنساءِ...
المقدم: يومًا.
نعم، يومًا على حدةٍ في العلم. يقول العيني: وجه المناسبة بين البابين من حيثُ إن المذكور في الباب السابق (باب كيف يقبض العلم) هو كيفية قبض العلم. ومن فوائده؛ فوائد يعني فوائد الباب السابق؛ من فوائد ذكر كيفية قبض العلم من فوائد ماذا يستفيد المتعلم إذا حينما يُقال له يُقبض العلم؟ حينما يُخبر بأنه يُقبض العلم ماذا يستفيد؟ الحث على حفظ العلم؛ لأن الأمور التي تحدثُ بالإرادة الكونية، وما يكون في آخر الزمان لا يُعارضُ به ما جاء في الإرادة الشرعية، فالإنسان مأمور بطلب العلم؛ يعني كوننا نعرف أن العلم يُقبض هل نكف عن هذا؟ وكوننا نعرف أن المرأة تسير من المدينة إلى صنعاء لا تخشى إلا الله وليس معها محرم، هل معنى هذا أن نستسلم ونخالف الأوامر الشرعية؟
المقدم: أبدًا.
لا، نحن ندور مع الإرادة الشرعية؛ مع الأوامر والنواهي، فنحن مُطالبون بالتعلم. فإذا عرفنا أن العلم سوف يُقبض نحرص أن لا نُدرك هذا الوقت الذي يُقبض فيه العلم، فنساهم في طلب العلم بقوة وجد، يقول: من حيث إن المذكور في الباب السابق باب: كيف يُقبض العلم؟ هو كيفية قبض العلم، ومن فوائده الحث على حفظ العلم، ومن فوائد حديث هذا الباب أيضًا الحث على حفظ العلم، هذا طلب من النساء، هذا بيانٌ لحرص النساء على العلم، فإذا كان هذا من قبل النساء.
المقدم: الرجال من باب أولى.
فالرجال من باب أولى، فيقول: من فوائد حديث هذا الباب أيضًا الحث على حفظ العلم، وذلك أن النساء لما سألن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل لهن يومًا، ووعدهن يومًا يأتي إليهن فيه أتاهن فيه وحثهن على حفظ العلم، وهذا القدر كافٍ في رعاية المناسبة، كيف حثّهن على حفظ العلم؟
المقدم: أنه أعطهن يوم.
أعطاهن يومًا، وعدهن يومًا معينًا، هذا فيه حث على حفظ العلم؟
المقدم: نعم.
بحد ذاته، لا، كونه وعظهن وأمرهن الوعظ والأمر والنهي من العلم، وهل معنى هذا أنه يعظ ويأمر وينهى ويقول: انسوا؛ إنما احفظوا ما تأمرون من أجل ماذا؟ أن تعملوا به واحفظوا ما تنهون عنه من أجل ماذا؟ أن تنتهوا عنه، يقول: وهذا القدر كافٍ في رعاية المناسبة. ومُطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، حيثُ وعدهن يومًا لقيهن فيه، ففيه جعل يومًا للنساء على حده من قبل الإمام؛ لأن فيه فوعدهن يومًا لقيهن فيه، والترجمة هل يُجعل للنساء يومًا على حدة، جعل لهن يومًا على حدة؛ حدة يعني من دون الرجال ينفردن به، ويجعلُ في الترجمة بالبناء للمعلوم أي الإمام، وللأصيلي وكريمة: يُجعلُ بضم أوله، وعندهما يومٌ بالرفع لأجل ذلك. «على حدة» بكسر المهملة وفتح الدالة المخففة أي ناحية وحدهن، والهاء عوضٌ عن الواو المحذوفة كما في عدة وزنة، قالت النساء ولأبي ذر: قال النساء، وكلاهما جائز.
المقدم: سؤال في الترجمة ممكن يا شيخ قبل أن نشرع في الحديث، يعني أشرنا في الحلقات الماضية بعض الإشارة التي فهمناها منكم -أحسن الله إليكم-، أنكم تقولون إن البخاري إذا صاغ الباب على صيغة سؤال فإنه لا يتضح ترجيحهِ للمسألة لا بالوجوب مثلًا إذا كانت تقتضي الوجوب أو غيره، هنا صاغها على شكل استفسار، هل يُجعل للنساء يوم على حدة في العلم، كأنه لم يترجح له أن يجعل الإمام يومًا أو لا يجعل؟
لا، هو إذا كان النص واضحًا ترك هذه لفطنة القارئ ما رجح.
المقدم: يضع سؤالًا.
يضع سؤالًا ما يمنع؛ لأنه من الوضوح بمكان بحيث لا يحتاج إلى جزم.
المقدم: بينما بعض المواضع يضع سؤالًا.
يضع سؤالًا؛ لأنه إما متردد، وأحيانًا يضع سؤال ويرجح أحد الاحتمالين بالأثر الذي يسوقه في الترجمة، وهنا من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى أن يجزم بأحد الأمرين، قالت النساء، لأبي ذر: قال النساء، وكلاهما جائز في كلٍ إسناد إلى ظاهر الجمع، قاله الكرماني والعيني، وقال القسطلاني: وكلاهما جائز في فعل اسم الجمع، «غلبنا» بفتح الباء جملة من الفعل والمفعول، «والرجالُ» بالرفع فاعلهُ، ومعناه أن الرجال يُلازمونك كل الأيام، ويسمعون العلم وأمور الدين، ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم، فاجعل لنا يومًا من الأيام نسمع العلم ونتعلم أمور الدين، وفي هذا إقرار من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الرجال هم أهل العلم، هم أهل العلم على الحقيقة، ولذلك ما أنكر عليهم، ولم يجعل لهن من الوقت مثل ما للرجال؛ جعل لهن يومًا في الأسبوع؛ يومًا قد يكون في الأسبوع أو في الشهر أو مرة واحدة.
المقصود أنه ما قال لما قلنا: غلبنا عليك الرجال؛ غَلبنا عليك الرجال، ما قال: لا، أبدًا أنتم سواء احضروا مثل ما يحضر الرجال، وأن المرأة تتعلم مثل ما يتعلم الرجل، لا، الأصل في العلم الرجال، وأنهم يغلبون النساء في هذا الباب ويُمكنون من التعلم والتعليم أكثر من النساء، ولا يمنع أن النساء تتعلم ما تحتاجه المرأة؛ تتعلم ما تحتاجه المرأة، ولذا تكثر أسئلة النساء ومرويات أمهات المؤمنين فيما يخص النساء.
المقدم: لكن نفهم من هذا أنهن لم يكن يحضرن مع الرجال ولو منعزلات في دروس النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قد يحضرن خطبة مثلًا، أو في مناسبة من المناسبات، لكن الأصل أن المساجد للرجال، ولذا ما جاء الأمر بإخراج النساء إلى المساجد إلا في صلاة العيد، أما ما عدا ذلك فإذن، مجرد إذن، ولا تمعنوا. ولذلك لما قال النساء: غلبنا عليك الرجال، ما قال: أبدًا أنتم سواء، الرجال والنساء سواء، وللنساء مثل ما للرجال، ويوضع لهن من الوقت يومًا للرجال ويومًا للنساء لو أراد ذلك -عليه الصلاة والسلام- لكنه سكت أقرهن على هذا؛ يقول: «ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم، فاجعل لنا يومًا من الأيام نسمع العلم ونتعلم أمور الدين»، وليس معنى هذا أن المرأة لا تتعلم، تتعلم، لكن ماذا؟ تتعلم ما يخص المرأة، وما يحتاج إليه المجتمع بالنسبة لها، أما أمور هي من خصائص للرجال تتعلمها المرأة، أو العكس أمور من خصائص النساء يتعلمها الرجال هذا خلاف الفطرة.
«فاجعل لنا» أي عيِّن لنا، وعبر عنه بالجعل؛ لأنه لازمه قاله ابن حجر، والجعل يُستعمل متعديًا إلى مفعولٍ واحد بمعنى فعل، وإلى مفعولين بمعنى صيرا. والمراد هنا لازمه وهو التعيين، «يومًا» مفعول به لا مفعول فيه، «اجعل لنا يومًا» مفعول به لا مفعول فيه؛ يعني ليس بظرف وإنما هو مفعول به، يعني لو أتينا إلى التفصيل مثلًا الدقيق المفعول به هو الذي يقع عليه فعل الفاعل.
المقدم: ضرب محمدٌ زيدًا مفعول به.
لأنه وقع عليه الضرب من قبل زيد نعم، فـ (اليوم) هل وقع عليه فعل الفاعل؟
المقدم: لا.
هو المجعول.
المقدم: وقع عليه التخصيص هو المجعول.
مجعول اسم مفعول إذا هو مفعول، والمصدر هو ثالثُ تصاريف الكلمة، والمفعول فيه الذي ظرف.
المقدم: هم أرادوا أن يخرجوا من كونه ظرف هنا مفعول فيه.
نعم، لا مفعول فيه وإنما قُل: مفعول به، لكن هل بالفعل الجعل وقع على اليوم؟ شوف الآن دقتهم حينما يقولون: يوم مفعول به لا مفعول فيه، هم ينفون أن يكون ظرفًا، والأصل في اليوم أنه ظرف؛ ظرف زمان لكن باعتباره مجعولًا؛ اليوم مجعول إذًا هو مفعول. تعرف الخلاف في خلق الله السمواتِ والأرض، هل هي مفعول السموات أم مفعول مطلق؟ مفعول به أم مفعول مُطلق؟ الأكثر يُعربونه على أنه مفعول به؛ لأنه مخلوقة؛ خلق الله السموات أي مخلوقة، لكن هل هي بالفعل وقع على فعل الفاعل؟ يعني وقع عليها فعل الفاعل أو وقع فعل الفاعل بها، يعني أنت لما تقول: ضرب زيدٌ عمرًا. عمر مفعول به. وقع عليه الضرب؛ وقع عليه الضرب تقول: خلق الله السموات، هل وقع عليها الخلق أو وقع بها؟
المقدم: بعضهم يقول: وقع.
هي الخلق نفسه، لا أن الخلق وقع عليها. ولذلك يُرجح ابن هشام وغيره يرجحون أنها مفعول فيه مفعول مطلق وليس مفعول به، وإن كانت مخلوقة، وهنا وإن كان اليوم مجعولًا، «من نفسك» مِن ابتدائية متعلقة بـ«اجعل» يعني هذا الجعل منشأه اختيارك يا رسول الله، لا اختيارنا؛ يعني من نفسك من تلقاء نفسك، أنت الذي تختاره لنا. فمن هذا ابتدائية متعلقة بـ «اجعل» يعني أن هذا الجعل منشأة اختيارك يا رسول الله لا اختيارنا، قال الكرماني: ويحتمل أن يكون المراد من وقت نفسك؛ يعني اقتطع لنا من وقت نفسك؛ يعني كأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- خصص وقتًا لنفسهِ.
من نفسك يعني من وقت نفسك بإضمار الوقت والظرف صفة لـ (يومًا)، وهو ظرف مستقر على هذا الاحتمال، وقال العيني: ويجوز أن يكون التقدير اجعل لنا يومًا من أيام نفسك؛ يعني اليوم الذي تتفرغ فيه، كذا قال: وكونه -صلى الله عليه وسلم- يتفرغ يومًا أو أيامًا يحتاج إلى نقل، والمعروف أنه -صلى الله عليه وسلم- وقته كله مبذول للدعوة إلا ما يخلو فيه بربه في وقتٍ من اليوم، لا أنهُ يتفرغ يومًا كاملًا يخلو بنفسه لا، هذا ظاهر أم لا؟
عرفنا من الشيوخ ممن يقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ويبذل نفسه كل يوم ما في يوم يتفرغ فيه، ما في شيء اسمه إجازة، وهكذا كانت حياته -صلى الله عليه وسلم- ووقته كله لله.
«فوعدهن» جُملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى النساء، قال العيني: فإن قلت كيف يعطف الجُملة الخبرية على الجملة الإنشائية؟ «فوعدهن»؛ اجعل فوعدهن، «اجعل» هذه جملة إنشائية و«فوعدهن» جملة خبرية طيب. يقول العيني: فإن قلت كيف يعطف الجملة الخبرية على الجملة الإنشائية؟ الجملة الخبرية «فوعدهن» والجملة الإنشائية «اجعل»، قلت: هذا بابٌ فيه خلاف يقول العيني: هذا باب فيه خلاف فمنعه البيانيون وابن مالك وابن عصفور في شرح الإيضاح، ونقله عن الأكثرين، وأجازه جماعة مستدلين بقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:25]، وبشر هذه جملة ماذا؟ إنشائية.
المقدم: أمر.
إنشائية وليست خبرية، عُطف عليها لكي نُطابق، ماذا عُطف عليها؟ {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا} [البقرة:25].
المقدم: {مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُواْ هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة:25]
طيب هل المقصود عطف خبرية والعكس، أو الإنشائية هذه معطوفة على ما قبلها وهي خبرية؟ الذي عندنا عطف خبرية على إنشائية وهنا.
المقدم: طيب في فاجعل هذه.
اجعل هذه إنشائية.
المقدم: إنشائية أمر، فوعدهن خبرية.
خبرية على إنشائية، لكن الذي جاء به، جاءوا به مثال واستدلوا به من قوله -جلَّ وعلا-: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} [البقرة:25]، هذه الجملة بشر إنشائية معطوفة على {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24].
المقدم: خبرية.
خبرية عُطف عليها وبشر. عُطف عليها الجملة الإنشائية، وكأن الذي يمنع هنا يمنع هناك؛ الذي يمنع عطف الخبر على الإنشائية يمنع العكس، استدلوا أيضًا بقول الشاعر:
وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم
قائلة مجرورة بـ "رب" محذوف، خولان خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه خولانُ، فانكح هذه خولان جملة خبرية نعم، فانكح جملة إنشائية معطوف عُطفت عليها، فإن تقديره هذه خولان هكذا نُقل عن سيبوية، وأجابوا عن الآية بما قاله الزمخشري: ليس المعتمد بالعطف الأمر حتى يُطلب له مُشاكل بل المراد عطف جملة ثواب المؤمنين على جملة عذاب الكافرين؛ يعني عطف جمل لا عطف مفردات، كقولك زيدٌ يُعاقبُ بالقيد، وبشر فلان بالإطلاق، زيد يُعاقب بالقيد وبشر فلانٍ بالإطلاق، وعن البيت أنه ضرورة، وفيه تعسف والأصح يقول العيني: عدم الجواز؛ والأصح عدم الجواز، لكن إذا كان عدم الجواز كيف تجيب؟.
المقدم: الآية والحديث.
الآية أجاب عنها الزمخشري، لكن الحديث الذي معنا أجاب، وأما هاهنا فالعطف ليس على قوله: «فاجعل لنا يومًا»، بل العطف على جميع الجملة أعني من قوله: «غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك» إلى آخره فوعدهن فهو عطف جملة خبرية على جملة خبرية، «يومًا» مفعول ثاني لوعد، قال ابن حجر: ووقع في رواية سُهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحو هذه القصة فقال: «موعدكن بيت فلانة، فأتاهن فحدثهن» موعدكن بيت فلانة فأتاهن فحدثهن.
«لقيهن» قال الكرماني: اللقاء إما بمعنى الرؤية وإما بمعنى الوصول؛ يعني وصل إليهن. «لقيهن» الأصل من لازم اللقاء الرؤيا أو أنه مجرد ما وصل إليهن وعظهن وأمرهن.
المقدم: ذكر المحدثون بعد هذا المقطع واسطة لأبي سعيد الخدري وغيره؟ لأنه الآن لما دخل خلاص انتهينا، من نقل لأبي سعيد؟
مين؟
المقدم: يعني حديث النساء مع النبي -صلى الله عليه وسلم- واجعل لنا فوعدهن يومًا كل هذا يمكن أن ينقله أبو سعيد -رضي الله عنه-، لكن عندما دخل معهن في البيت، بدأ الحديث بينه وبينهن، هل نقل المحدثون.
فكان فيما قاله لهن، هذا أقل الأحوال أن يكون مرسل صحابي، يعني سمعه من إحداهن.
المقدم: من إحدى النساء.
نعم، أو قاله له النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يمنع، «فيه» أي: في الموعود به في اليوم الموعود فيه «فلقيهن فيه» يعني في اليوم أو في المكان الموعود به، ومحل الجملة النصب لأنها صفة لـ(يومًا) ويحتمل أن يكون استئنافًا.
«فوعظهن» الفاء هي الفصيحة، الفاء هي الفصيحة لماذا؟ لأن المعطوف عليه محذوف أي: فوفى بوعدهن ولقيهن في اليوم الموعود فوعظهن، الفصيحة التي تعطف كلام موجود على كلام مقدر، كأنه قيل ماذا حصل؟ الجواب: استفهام مقدر، أو جواب شرط مقدر إن كان الأمرُ كما ذُكر فماذا حصل؟ فوعظهن، هذه هي الفاء الفصيحة؛ لأن المعطوف عليه محذوف أي فوفى بوعدهن ولقيهن في اليوم الموعود فوعظهن وأمرهن، وحذف المأمور به أمرهن بأي شيء؟
المقدم: بالعلم.
بماذا؟
المقدم: قد يكون بالعلم فوعظهن.
حذف المأمور به إما لإرادة إيجاد حقيقة الأمر لهن، وإما لإرادة عموم المأمور به؛ يعني أمرهن أوامر كثيرة شرعية، فالمطلوب جنس الأمر، وحذف المأمور به إما لإرادته إيجاد حقيقة الأمر لهن، وإما لإرادة عموم المأمور به؛ أي أن الحذف لجعله كالفعل اللازم بالنسبة إليهن وإما للتعميم. إيجاد حقيقة الأمر لهن بحيث لا يتعدى إلى غيرهن؛ يعني هذا الأمر يخصهن، إما لهذا ولذا لم يُذكر المأمور به؛ لأنه أمر يخص الحاضرات أو لإرادة ماذا؟
المقدم: العموم.
العموم.
المقدم: عموم الأمر
أمرهن بجميع ما يتصور الأمر به ، وإما للتعميم. ويحتمل أن يكون فوعظهن وأمرهن من تتمة الصفة لليوم، ويحتمل أن يكون فوعظُهن وأمرهن من تتمة الصفة لليوم، وقال ابن حجر، الآن الفاء الفصيحة هذه قد يدرس الطالب في التعليم النظامي من أوله إلى آخره حتى يتخرج في الجامعة وما بعد الجامعة ما مرت عليه، لكن لو كان الطريق تدريسنا على الجادة، جميع شُراح الآجرومية جاؤوا بالفاء الفصيحة، وأعربوها، وذكروا لها أمثلة، نحن ما تُدرس عندنا الآجرومية في التعليم النظامي، إذًا لابد أن تُدرس لنسير على جادة فلا يفوتنا مثل هذه الدقائق.
وقال ابن حجر –رحمه الله-: وأمرهن أي بالصدقة؛ يعني مثل ما صنع يوم العيد، وأمرهن أي بالصدقة أو حُذف المأمور به لإرادة التعميم فكأن الفاء الفصيحة واسم كان هو قوله: «ما منكن امرأة» وخبره قوله: فيما قال لهن.
«ما منكن امرأة» ، في رواية الأصيلي بزيادة مِن «ما منكن من امرأة» في رواية الأصيل بزيادة من، ما منكن من امرأة تأكيدًا وامرأة مبتدأ، و«منكن» حالٌ منها مُقدمٌ عليها، وخبر المبتدأ الجملة التي بعد إلا، لماذا؟ لأنه استثناء مُفرَّغ إعرابه على حسب العوامل. على حسب العوامل جاءنا مبتدأ، والمبتدأ يحتاج إلى خبر فيكون ما بعد إلا لأنه استثناء مُفرغ، والعامل فيما بعد إلا هو ما قبله وهو المبتدأ، «ما منكن امرأةٌ تُقدمُ» كناية عن موتهم قبلها، ولذا يُسمى الولد المتقدم على أبويه فرط، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم- «أنا فرطكم على الحوض» أي مُتقدمكم إليه. وفي النهاية يُقال: فرط يفرطُ فهو فارطٌ وفرطٌ إذا تقدم، وسبق القوم ليرتاد لهم الماء ويُهيئ لهم الدلاء والأرشية، ومنه الدعاء للطفل الميت: اللهم اجعله لنا فرطًا، أي أجرًا يتقدمنا، يُقال: افترط فلان ابنً له صغيرًا إذا مات قبله.
المقدم: إذا مات.
إذا مات قبله هذا هو الفرَط.
المقدم: الفرط يُطلق عمومًا على الولد الذكر والأنثى، الفرط الموت إذا كان صغيرًا، هل لهم حد يا شيخ سنوات معينة؟
قبلها قبل التكليف.
المقدم: والسقط فرط؟
كذلك نعم، كل ما دون التكليف فرَط، السقط الذي نُفخت فيه الروح واستحق أن يُصلى عليه، يدعى له بما جاء في الفرط.
المقدم: يعني يدخل.
باعتبار أنه متقدم بين يدي والديه.
المقدم: نعم لكن يُدخل فيه مما تقدمه المرأة.
نعم ما تقدمه المرأة أمامها ممن لم يبلغ الحنث كما سيأتي في الحديث اللاحق.
المقدم: هذا يدخل، يعني المرأة التي تُسقط فيه واحدًا واثنين وثلاثة يدخل في الحديث؟
إذا نفخت فيه الروح.
المقدم: إذا نُفخت فيه الروح.
الآن تقول: هو فرط، لكن هل هو ولد بمعنى أنه مولود، يعني من الولادة أم تقصد دخوله في الفرط.
المقدم: نعم أنا أقصد في قوله: من ولدها؛ قوله -صلى الله عليه وسلم- تقدم ثلاثًا من ولدها مما يدل.
لا الكلام في كونه فرطًا فرط ويُدعى له بما جاء في دعاء الفرط، باعتبار أنه فرط وتقدمها، والذي يفرط هو الذي يتقدم، أما كونه يدخل في الوعد المذكور في الحديث.
المقدم: نتركه للحلقة.
يعني أسقطت ثلاثة مرات هذا محل نظر.
المقدم: إذًا لعلنا -إن شاء الله- نتحدث عنه في حلقة قادمة، ونستكمل بقية ألفاظ الحديث نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم من كل خير.
أيها الإخوة والأخوات، كان هذا صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله، نستكمل ما تبقى من ألفاظ الحديث بإذن الله في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.