شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الاعتكاف - 21
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذا اللقاء الجديد في شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، الذي يشرحه معالي الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير- وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء فمرحبًا بكم فضيلة الشيخ وأهلاً وسهلاً.
حياكم الله وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: وبكم حفظكم الله، نبدأ في هذا اللقاء مستمعينا الكرام بحديث عائشة، وفيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه، إذا أخبيةٌ؛ خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، فقال: آلبر تقولون بهن؟ ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرًا من شوال.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فهذا الحديث طرفٌ من الحديث الأول، حديث عائشة أول حديث من أحاديث الاعتكاف، وقد تقدم شرحه مستوفًى بجميع أطرافه، وقد ترجم البخاري -رحمه الله- على هذا الموضع بقوله: باب الأخبية في المسجد، والمناسبة بين الحديث والترجمة ظاهر المطابقة في قوله: أراد أن يعتكف إذا أخبيةٌ خباء عائشة، إلى آخر الحديث، ولا داعي لإعادة شرحه، وقد تقدم مفصلًا.
المقدم: عن صفية زوج النبي –صلى الله عليه وسلم، ورضي عنها- أنها جاءت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تزوره في اعتكافه في المسجد، في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي –صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فقال لهما –صلى الله عليه وسلم-: «على رسلكما، إنما هي صفية بنت حُيي»، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شيئًا».
راوية الحديث هي أم المؤمنين صفية بنت حُييّ بن أخطب بن سعنة بن ثعلبة من بني النضير، وهو من سبط لاوي بن يعقوب، ثم من ذرية هارون بن عمران أخي موسى- عليه السلام-، كانت تحت سلّام بن مشكم، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، فقتل كنانة يوم خيبر، فصارت مع السبي، فأخذها دحية، ثم استعادها النبي –صلى الله عليه وسلم-، فأعتقها وتزوجها، ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أنس.
قال أبو عمر بن عبد البر -رحمه الله-: كانت صفية عاقلة حليمة فاضلة، قيل في وفاتها أقوال منها أنها ماتت سنة ست وثلاثين، وهذا القول قال به جمع من أهل العلم، لكنه مردود؛ لأن علي بن الحسين الراوي عنها، راوي هذا الحديث عنها صرح بأنها أخبرته.
يقول ابن حجر في تصريح علي بن الحسين بأنها حدثته رد على من زعم أنها ماتت سنة ست وثلاثين، أو قبل ذلك؛ لأن عليًا إنما ولد بعد ذلك، سنة أربعين ونحوها.
يقول ابن حجر: والصحيح أنها ماتت سنة خمسين، وقيل بعدها، وكان علي بن حسين حين سمع منها صغيرًا، المقصود أن القول الذي قال به جمع من أهل العلم أنها ست وثلاثين قولٌ ضعيف؛ لما صرح به علي بن حسين من روايته عنها أنها حدثته أو أخبرته.
فالمعتمد في وفاتها أنها سنة خمسين، يقول ابن حجر: وهذا أقرب، وقيل سنة اثنتين وخمسين، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟
يقول ابن حجر: قوله باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد أورد هذه الترجمة على الاستفهام، يعني ما جزم، "هل" على الاستفهام؛ لاحتمال القضية ما تُرجم له، لكن تقييده ذلك بباب المسجد، مما لا يتّأتى فيه الخلاف حتى يتوقف عن بتّ الحكم فيه، حتى يتوقف عن الحكم إلى باب المسجد.. لكن الكلام على الخروج من باب المسجد إلى الغاية المرادة.
وقال العيني: أي هذا بابٌ يُذكر فيه، هل يخرج المعتكف من معتكفة لأجل حوائجه إلى باب المسجد الذي هو معتكفٌ فيه؟ ولم يذكر جواب الاستفهام؛ اكتفاءً بما هو في الحديث، يعني جواب الاستفهام هل يخرج؟ جوابه نعم يخرج؛ لأن الحديث تضمن الجواز أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قام معها يقلبها، وأما كونه إلى باب المسجد أو إلى بيتها، يعني قام يقلبها.
المقدم: حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة.
مر رجلان، هذا ليس بغاية ذهابه معها –عليه الصلاة والسلام- حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما عليهم.. هل هذا الغاية التي قام معها؟ يعني قام معها إلى باب المسجد، أو أنه قلبها وأرجعها إلى بيتها، سيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فقام النبي –عليه الصلاة والسلام- معها يقلبها حتى إذ بلغت باب المسجد يعني سيأتي في بعض الروايات، وهو الواقع في بيوت –عليه الصلاة والسلام- أنها قريبة كلها من أبواب المسجد.
أنها جاءت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تزوره في اعتكافه، في رواية معمر الآتية في باب صفة إبليس من بدأ الخلق، قال: في رواية معمر الآتية في صفة إبليس: فأتيته أزوره ليلًا، وفي رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- في المسجد، وعنده أزواجه، فرحنا، وقال لصفية: لا تعجلي حتى أنصرف معكِ.
والذي يظهر أن اختصاص صفية بذلك؛ لكون مجيئها تأخر عن رفقتها، فأمرها بتأخير التوجه؛ ليحصل لها التساوي في مدة جلوسهن عنده، أو أن بيوت رفقتها كانت أقرب من منزلها، فخشي النبي –صلى الله عليه وسلم- عليها، أو كان مشغولًا فأمرها بالتأخر ليفرغ من شغله ويشيعها.
ورواه عبد الرزاق عن طريق مروان بن سعيد بن المعل أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان معتكفًا في المسجد، فاجتمع إليه نساؤه، ثم تفرقن، فقال لصفية: أقلبك إلى بيتك، فذهب معها حتى أدخلها بيتها، وفي رواية هشام المذكورة: وكان بيتها في دار أسامة، زاد في رواية عبد الرزاق عن معمر، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، أي الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد؛ لأن أسامة إذاك لم يكن له دار مستقلة بحيث تسكن فيها صفية.
وكانت بيوت أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- حوالي أبواب المسجد، وبهذا يتبين صحة ترجمة المصنف، كانت بيوت أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- حوالي أبواب المسجد، يعني قد يكون كل بيت أو أكثر من بيت عند باب من أبواب المسجد، وبهذا يتبين صحة ترجمة المصنف؛ لأن الإمام البخاري ترجم عليه على حديث هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟
المقدم: صيغة استفهام.
لا إلى باب المسجد! قد يقول قائل: لأنه قلب صفية إلى بيتها، لم يكتفِ إلى باب المسجد، لكن إذا كان بيتها قريبًا من باب المسجد، يكفي إلى أن يقف عند باب المسجد، وتذهب إلى بيتها تقطع ما بينهما من سوق خطوات وتدخل.
قال: وبهذا يتبين صحة ترجمة المصنف، بيوت النبي –عليه الصلاة والسلام- حوالي أبواب، يعني ما حوالي باب واحد لئلا يقال: لماذا لم يترك صفية تذهب مع بقية أزواجه –عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد يكون طريقها غير طريقهن.
في المسجد هذا وصف لا مفهوم له؛ إذ الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد كما تقدم، في العشر الأواخر من رمضان العشر الأواخر تبدأ من غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين إلى غروب الشمس من آخر يومٍ من رمضان، سواءً كان الشهر كاملًا ثلاثين، أو تسعةً وعشرين، يقال لها العشر.
فتحدثت عنده ساعة، قال ابن حجر: زاد ابن أبي عتيق عن الزهري كما سيأتي في الأدب ساعة من العشاء، والساعة مقدار من الزمان غير محدد، الساعة الواردة في النصوص مقدار غير محدد من الزمان، قد تزيد على الساعة المعروفة الآن المحددة بستين دقيقة، وقد تنقص كما في ساعات التبكير لصلاة الجمعة، فالساعة في حديث التبكير لصلاة الجمعة في الصيف أكثر من الساعة المعروفة، وفي الشتاء أقل، وقد تساوي الساعة المعروفة إذا توسط النهار طولًا وقصرًا.
المقدم: إن رأيتم أن نتوقف عند هذا الحد، فضيلة الشيخ، أيها الإخوة المستمعون الكرام بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة، ويتيسر بحول الله وقوته في لقاء مقبل إتمام الحديث حول حديث صفية -رضي الله تعالى عنها- في ختام هذا اللقاء أتقدم بالشكر الجزيل لمعالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير -وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء شكر الله لفضيلته ولكم، ونلقاكم بإذن الله تعالى في اللقاء المقبل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.