الموقظة في علم مصطلح الحديث (08)

 

"الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

قال المصنف- رحمه الله تعالى-:

المضطرب والمعلَّل ما روي على أوجه مختلفة فيعتل الحديث، فإن كانت العلة غير مؤثرة بأن يرويْه."

يرويَه.

"بأن يرويَه الثبت على وجه ويخالفه واهٍ فليس بمعلول، وقد ساق الدارقطني كثيرًا من هذا النمط في كتاب العلل فلم يصب؛ لأن الحكم للثبت، فإن كان الثبت أرسله مثلاً والواهي وصله فلا عبرة بوصله؛ لأمرين لضعف راويه، ولأنه معلول بإرسال الثبت له. ثم اعلم أن أكثر المتكلم فيهم ما ضعفهم الحفاظ إلا لمخالفتهم للأثبات، وإن كان الحديث قد رواه الثبت بإسناد أو وقفه أو أرسله ورفقاؤه الأثبات يخالفونه فالعبرة بما اجتمع عليه الثقات، فإن الواحد قد يغلط، وهنا قد ترجح ظهور غلطه فلا تعليل، والعبرة بالجماعة، وإن تساوى العدد واختلف الحافظان ولم يترجح الحكم لأحدهما على الآخر فهذا الضرب يسوق البخاري ومسلم الوجهين منه في كتابيهما، وبالأَولى سوقهما لما اختلفا في لفظه إذا أمكن جمع معناه، ومن أمثلة اختلاف الحافظين أن يسمي أحدهما في الإسناد ثقة، ويبدله الآخر بثقة آخر، أو يقول أحدهما عن رجل، ويقول الآخر عن فلان، فيسمي ذلك المبهم، فهذا لا يضر في الصحة، فأما إذا اختلف جماعة فيه وأتوا به على أقوال عدة فهذا يوهن الحديث، ويدل على أن راويَه لم يتقنه.

 نعم لو حدث به على ثلاثة أوجه ترجع إلى وجه واحد فهذا ليس بمعتل، كأن يقول مالك عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، ويقول عَقيل.."

عُقَيْل.. عُقَيْل..

"ويقول عُقَيْل عن الزهري عن أبي سلمة، ويرويه ابن عيينة عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة معًا."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: المضطرب والمعلّ، فالمضطرب هو الذي يُروى على أوجه مختلفة متساوية لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، ولا يمكن الجمع بينها، الاختلاف قائم والتساوي موجود بحيث لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، فيوجد الاضطراب، أما إذا أمكن الجمع بينها أو أمكن ترجيح بعض الطرق على بعض فينتفي الاضطراب، والاضطراب موجِب لضعف الخبر، وهو نوع من أنواع العلل يدخلونه في العلل، ويمثلون به يذكرون بعض الأمثلة لأحاديث المضطرب في كتب العلل. والمعلّ عند أهل الحديث الحديث المعَلّ هنا يقول: المعلل، وصواب العبارة أن يقول: مُعَلّ أعلَّه فلان فهو مُعَلّ، أما معلل فلا تأتي إلا على وجه بعيد وإن وجدت في كتبهم فالصواب أن يقال: معل، وإن عبروا بمعلل ومعلول، لكن القياس أن يقال: معل.

 ما اشتمل على علة، والعلة سبب خفي غامض يقدح في صحة الخبر الذي ظاهره السلامة منها، ظاهر الخبر السلامة يأتي الطالب المبتدئ ما يقف على شيء يصحح الخبر، لكن يكتشف الجهبذ النقاد الخبير أن فيه خللاً لا يظهر لآحاد الناس، ولذا لم يتكلم في علل الحديث إلا القلة الأئمة الكبار نوادر من الرجال تكلموا في علل الحديث؛ لأن ظاهر هذه الأحاديث سالم ما يظهر لكل باحث، ولذا لا يذكر في العلل الأمور الظاهرة، هذا الأصل، ولذا قالوا: إن الدارقطني أدخل في كتابه العلل بعض ما لا يدخل في العلة الغامضة فلم يصب، ويوجد في كتب العلل ما علته الاضطراب، ما علته تدليس راويه، ما علته الانقطاع في إسناده، حتى النسخ سماه الترمذي علة، النسخ سماه الترمذي علة، وهو إن نظرنا إليه من حيث الصناعة ليس بعلة من حيث الصناعة، لكنه باعتبار أن المنسوخ لا يعمل به فهو معل من هذه الحيثية، معل بعدم العمل به، ولذا يقول: فإن كانت العلة غير مؤثرة بأن يرويه الثبْت على وجه.

 الثبْت والثقة بمعنى واحد والثبَت بالفتح هل هو الثبْت أو غيره؟ الثبْت هو الثقة، لكن الثبَت ما يراد بالثبَت، معروف عند المحدثين عندهم فهارس وعندهم أثبات، أثبات جمع ثبَت، وهو الكتاب الذي تذكر فيه الشيوخ شيوخ مؤلف هذا الثبَت وأسانيده إلى المؤلفين هذا هو الثبَت بأن يرويه الثبْت على وجه ويخالفه واهٍ فليس بمعلول، يعني مالك جاء من طريقه حديث خالفه في رواية هذا الحديث ابن لهيعة وهو من طبقته، يعل حديث مالك بحديث ابن لهيعة؟ لا لا لا، أبدًا ويخالفه واهٍ فليس بمعلول، فالواهي لا عبرة به، وقد ساق الدارقطني كثيرًا من هذا النمط ذكر أحاديث جاءت من طريق الأثبات، وجاءت من طرق غيرهم فغيرهم لا عبرة بهم في كتاب العلل فلم يُصِب؛ لأن الحكم للثبْت الحكم للثقة الضابط وليس الحكم للضعيف، ورواية الضعيف لا تؤثر في رواية الثقة، فلو رواه الثقة مرفوعًا ورواه الضعيف موقوفًا هل نقول إنه يعل المرفوع بالموقوف؟

 لا، لكن لو العكس، العكس يعل به لو رواه الثقة موصولاً ورواه الضعيف مرسلاً لا عبرة برواية الضعيف، ولا تعل رواية بالثقة برواية هذا الضعيف، لكن العكس مؤثِّر، فإن كان الثبت أرسله مثلاً، والواهي وصله فلا عبرة بوصله؛ لأمرين الأول: لضعف راويه، نعم لا يقضى بالضعيف على القوي، بل العكس، لضعف راويه، ولأنه معلول بإرسال الثبْت له، لكن لو أرسله ثقة، ووصله ثقة، هل تعل الرواية الموصولة بإرسال الثقة؛ لأنها جاءت من ثقة؟ المسألة مسألة تحتاج إلى إمام يرجِّح في مثل هذه الحالة تحتاج إلى قرينة ترجح الوصل أو الإرسال، هنا نحتاج إلى ترجيح بخلاف الحكم بالقواعد المطردة بأن نقول: الحكم لمن وصل؛ لأن معه زيادة علم كما يقول المتأخرون، أو الحكم لمن أرسل؛ لأنه المتيقَّن والوصل مشكوك فيه، على كل حال يمرَّن الطالب على قول معروف نقول: الوصل زيادة ثقة، يمرَّن عليه الطالب، لكن الحكم النهائي للأئمة. أحيانًا يحكمون بالوصل، وأحيانًا يحكمون بالإرسال، وإذا جمعت طرق الحديث عرف خطؤه، فالباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه، ثم اعلم أن أكثر المتكلَّم فيهم ما ضعفهم الحفاظ إلا لمخالفتهم للأثبات، الضعفاء إما أن يكون مرد ضعفهم ومنشؤه إلى خلل في العدالة، في الديانة، هذا لو كان من أحفظ الناس وأضبطهم لا عبرة به، إذا كان من حيث العدالة عدلًا، رجل صالح من حيث العدالة ما إشكال، يفعل الواجبات، ويترك المحرمات، لكن متى نعرف هل هذا عدل يضبط أو لا يضبط؟ إذا عرضنا أحاديثه على أحاديث الثقات.

ومن يوافق غالبًا ذا الضبط

 

فضابط أو نادرًا فمخطي

فإذا عرضت أحاديث هذا الراوي على أحاديث الثقات فوجد أنه لا يخالفهم حكم بأنه يضبط، إذا وجدت عنده مخالفات لهؤلاء الثقات الأثبات عرفنا أنه ضعيف من ناحية الحفظ، أكثر المتكلَّم فيهم ما ضعفهم الحفاظ إلا لمخالفتهم للأثبات.

 وإن كان الحديث قد رواه الثبت بإسناد أو وقفه أو أرسله ورفاقه الأثبات يخالفونه فالعبرة بما رواه بما اجتمع عليه الثقات، يعني إذا اجتمع عندنا حديث يرويه عشرة كلهم ثقات، ثم خالفهم واحد أو اثنان ثقات أيضًا فالعبرة برواية الأكثر، العبرة برواية الأكثر، وهذا فيه شوب من اختيار المتأخرين، وإلا المتقدمون ينظرون أيضًا في مثل هذا بالقرائن أيضًا، فعندهم مسائل الإرسال والوصل والوقف والرفع وزيادة الثقة وغيرها مردها إلى القرائن، فقد يحكمون للأقل، وقد يحكمون للأكثر وهو الغالب؛ لأن الخطأ يتطرق إلى الواحد أكثر من تطرقه للجماعة، والبخاري- رحمه الله تعالى- حكم بوصل «لا نكاح إلا بولي» مع كون من أرسله كالجبل، أرسله شعبة وسفيان، يعني إذا حكمنا للثقات الأثبات نحكم لشعبة وسفيان بالإرسال كما قال أبو حاتم، لكن البخاري لاح له وانقدح في ذهنه من خلال القرائن ترجح الوصل في هذا الحديث، وإن كان الحديث قد رواه الثبت بإسناد أو وقفه أو أرسله ورفاقه الأثبات يخالفونه فالعبرة بما اجتمع عليه الثقات؛ نعم لأن تطرق الخطأ إلى الواحد أسرع من تطرقه إلى الجماعة، فإن الواحد قد يغلط، وهنا قد ترجح ظهور غلطه فلا تعليل.

 يعني المسألة ترجيح، يعني غلبة ظن، الذي يغلب على الظن أن الإصابة مع الجماعة، فلا يعل حديث الثقات الأكثر بحديث هذا الثقة بحديث هذا الواحد وإن كان ثقة، والعبرة بالجماعة وإن تساوى العدد يعني وصله خمسة وأرسله خمسة وقفه خمسة رفعه خمسة تساوى العدد، واختلف الحافظان، اختلف هؤلاء الخمسة مع هؤلاء الخمسة، اختلف واحد مع واحد، أو اثنان مع اثنين أو خمسة مع خمسة، المقصود أن العدد واحد، واختلف الحافظان ولم يترجح الحكم لأحدهما على الآخر فهذا الضرب يسوق البخاري ومسلم الوجهين منه في كتابيهما، نعم ساق البخاري حديث قصة جمل جابر من وجوه، لكن كلها عن ثقات، ساق حديث ميمونة في زواج النبي -عليه الصلاة والسلام- حديث أبي رافع وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهو حلال، وساق حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهو محرم، كلهم ثقات أثبات، يسوق أحاديثهم، لكن يبقى أن قد يكون الحديث من حيث الصناعة صحيح، لكن لا يسلم من خطأ، وبالأولى سوقهما لما اختلف في لفظه إذا أمكن جمع معناه، يعني إذا كان الاختلاف في الألفاظ فقط فالأمر سهل، هذا من باب أولى أن يساق مثل هذا الاختلاف لكن الاختلاف المؤثِّر هو الاختلاف في المعنى، أما الاختلاف في اللفظ فهذا أمره سهل؛  لجواز الرواية بالمعنى عند جمهور العلماء.

 يقول: ومن أمثلة اختلاف الحافظَين أن يسمي أحدهما في الإسناد ثقة ويبدله الآخر بثقة آخر، يسمي ثقة يروي عن نافع يبدله ثقة آخر عن سالم، ما المانع كلاهما ثقة؟ أو يأتي بلفظ يحتمل الأمرين يحتمل الاثنين يقول: عن حماد أو يقول عن سفيان ثم بعد ذلك ما نستطيع وأو يأن نميِّز هذا المهمل هل هو الثوري أو ابن عيينة، حماد بن زيد أو حماد بن سلمة، هذا لا يؤثر؛ لأنه إن كان عن هذا فهو ثقة، وإن كان عن هذا فهو ثقة، لكن المؤثر إن دار الخلاف أو التردد بين جمع فيهم ضعيف هذا المؤثر، أو يقول أحدهما عن رجل، ويقول الآخر عن فلان فيسمي ذلك المبهم، فهذا لا يضر بالصحة.

 عرفنا أن هذا المبهم فسر في رواية أخرى جاءت من طريق ثقة، وإذا فسر المبهم انتهى إشكاله؛ لأن الإبهام جهالة، ترتفع هذه الجهالة بذكر الاسم، فأما إذا اختلف جماعة فيهم وأتوا به على أقوال عدة فهذا يوهن الحديث، ويدل على أن راويه لم يتقنه. يقول: فأما إذا اختلف جماعة فيه وأتوا به على أقوال عدة، يعني اختلف جماعة ثقات في هذا الحديث، وأتوا به على وجوه مختلفة، ولم نستطع أن نرجح، ما رجحنا لا أضبط ولا أحفظ ولا أكثر، ما استطعنا أن نرجح، ولم نجد قرينة نرجح بها، فهذا هو الاضطراب المؤثِّر، وهذه علة مؤثِّرة تدل على أن راويه لم يتقنه، نعم لو حدث به على ثلاثة أوجه، ترجع إلى وجه واحد فهذا ليس بمعتل، حدث به على ثلاثة أوجه، يعني يروي الحديث عن طريق ثلاثة، لكن هذه الثلاثة في النهاية تعود إلى واحد، وكلهم ثقات، فلا يؤثر، فهذا ليس بمعتل، كأن يقول مالك عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، ويقول عُقيل عن الزهري عن أبي سلمة يعني عن أبي هريرة، ويرويه ابن عيينة فيجمع الاثنين في طريق واحد، أما مالك رواه عن الزهري كل الثلاثة يروونه عن الزهري، وكلهم من طريق أبي هريرة الصحابي أبو هريرة، وتابع التابعي الزهري أو التابعي الصغير الزهري والتابعي المتوسط مالك من طريق سعيد وعقيل من طريق أبي سلمة، وكلاهما يروي عن أبي هريرة فيأتي ابن عيينة فيجمعهما ويقول: هو مروي عن طريق الزهري، الزهري نقطة التقاء في النهاية، وأبو هريرة نقطة التقاء في البداية، وهو مروي بينهما من طريق اثنين عن ثقتين سعيد وأبي سلمة، فيأتي ابن عيينة فيرويه عن مالك أو عن عقيل فيجمع الاثنين هو ثابت عنهما، لكن عن مالك عن أحدهما وعن عقيل عن أحدهما يأتي ليجمعهما فهذه علة غير مؤثرة؛ لأن كلاًّ منهما ثبت من طريق يصح، فرجعت الأوجه إلى واحد.

عفا الله عنك.

"المدرج هي ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن لا يبين للسامع إلا أنها من صلب الحديث، ويدل دليل على أنها من لفظ راوٍ بأن يأتي الحديث من بعض الطرق بعبارة تفصل هذا من هذا، وهذا طريق ظني، فإن ضعف توقفنا أو رجحنا أنها من المتن، ويبعد الإدراج في وسط المتن كما لو قال: من مس أنثييه وذكره فليتوضأ، وقد صنف فيه الخطيب تصنيفًا، وكثير منه غير مسلم له إدراجه."

المدرَج هو المُدْخَل سواء كان في السند أو في المتن، وهنا لم يتعرَّض لمدرج الإسناد، وله صور كثيرة، أربعة ذكرها ابن حجر وغيره في شرح النخبة، ذكروها وفصلوها، لكن يهمنا هنا مدرج المتن، وهو ما يزاد في الحديث من بعض رواته، يزاد في الحديث من غير فصل، السامع يظن أنه لا مزيد فيه، لكن تأتي طرق أخرى تبين أن هذا اللفظ ليس من هذا الحديث، والإدراج قد يكون في أول الحديث: «أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار» «أسبغوا الوضوء» هذه كلمة مدرجة بدليل الرواية الأخرى: أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال «ويل للأعقاب من النار» هذا إدراج في أول المتن، وهناك إدراج في أثناء المتن، وهذا في الغالب يكون تفسير كلمة، جاء في أثناء حديث بدء الوحي النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يتحنَّث في الغار الليالي ذوات العَدد، والتحنُّث: التعبُّد، هذه الكلمة تفسيرية مدرجة من كلام الزهري، والمثال الذي ذكره المؤلف «من مس أنثييه وذكره فليتوضأ» مدرج في أثنائه: أو رفغيه هذا هذه مدرجة، وأنثييه أيضًا مدرجة، الأصل حديث بسرة «من مس ذكره فليتوضأ» أدرج فيه من مس أنثييه، وفي رواية أو رفغيه أو ذكره فليتوضأ، فهذا إدراج في أثناء المتن.

 وأما الإدراج في آخر المتن هذا كثير منه «فمن استطاع أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل» هذا الجمهور على أنه مدرَج من كلام أبي هريرة كما بُيِّن في بعض الروايات، ولما مدح النبي -عليه الصلاة والسلام- الرِّق والرقيق الذي يؤدي حقوق حقوق الله- جل وعلا- وحقوق سيده قال: ولولا الجهاد وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا رقيق مملوك، ولولا الجهاد وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك، يقولون: هذا يستحيل أن يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- يستحيل أن يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- أولاً: لأن الرق عائق عن كمال العبودية، والأمر الثاني أن أمه -عليه الصلاة والسلام- قد ماتت، فكيف يتمنى؟ كيف يمنعه بر الأم وقد ماتت؟ فدل على أنه مدرَج ،والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: هي ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن لا يبين للسامع إلا أنها من صلب الحديث، يعني تذكر في المتن من غير فصل، ويدل دليل على أنها من لفظ راوٍ بأن يأتي الحديث من بعض الطرق بعبارة تفصل هذا من هذا أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال: «ويل للأعقاب من النار»، وهذا طريق ظني؛ لأن بعضه إنما يحكم بإدراجه لا من طريق أخرى، وإنما يحكم بأنه مدرج بالرأي.

 غلبة الظن أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يمكن أن يقول: لولا الجهاد وبر أمي لتمنيت أن أموت وأنا مملوك هذه غلبة ظن، لكن منهم من قال: يمكن أن يقول إذا كان للمملوك أجران لماذا لا يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- ويكون قوله بر أمي التي أرضعتني أو يكون قوله بر أمي لتعليم أمته -عليه الصلاة والسلام- وقد قيل بهذا، فالمسألة ليست قطعية في إثبات الإدراج إلا إذا جاءت من طرق تصح، وحتى لو جاءت من طرق تصح ما جاء الأمر بإسباغ الوضوء، فكيف نحكم على أن أسبغوا الوضوء مدرجة من كلام أبي هريرة بمجرد قوله فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال: «ويل للأعقاب من النار»؛ لأن الإثبات ظني حتى ولو جاء في بعض الطرق ويقول: وهذا طريق ظني فإن ضعف توقفنا أو رجحنا أنها من المتن؛ لأن هذا هو الأصل.

 لما جيء بأبي قحافة ورأسه كالثغامة شديد البياض، الشيب، فقال: «غيروه وجنبوه السواد» منهم من يقول: جنبوه السواد مدرجة ليست من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- لماذا؟ قال: لأن بعض الصحابة يصبغ بالسواد، لو كانت من كلامه -عليه الصلاة والسلام- ما صبغ، لكن هل بمثل هذا يثبت الإدراج؟

 لا يثبت الإدراج بمثل هذا، فإن ضعف توقفنا أو رجحنا أنها من المتن، ويبعد الإدراج في وسط المتن كما قالوا: «من مس أنثييه أو ذكره فليتوضأ»، وهو حديث بسرة المعروف عند السنن الأربعة وهو صحيح، وهو أرجح من حديث طلق بن علي: «إنما هو بضعة منك»، وقد صنف فيه الخطيب تصنيفًا اسمه الفصل للوصل في المدرج للنقل، وهو مطبوع، وكثير منه غير مسلَّم له إدراجه؛ لأن مرد الحكم بالإدراج غلبة الظن، ومثل هذا يحصل فيه الاختلاف.

عفا الله عنك.

"ألفاظ الأداء

 فحدثنا وسمعت لما سمع من لفظ الشيخ، واصطلح على أن حدثني لما سمعت منه وحدك، وحدثنا لما سمعته مع غيرك، وبعضهم سوغ حدثنا فيما قراه هو على الشيخ، وأما أخبرنا فصادقة على ما سمع من لفظ الشيخ أو قرأه هو أو قرأه آخر على الشيخ وهو يسمع، فلفظ الإخبار أعم من التحديث، وأخبرني للمنفرد، وسوى المحققون كمالك والبخاري بين حدثنا وأخبرنا وسمعت، والأمر في ذلك واسع، فأما أنبأنا وأنا فكذلك، لكنها غلبت في عرف المتأخرين على الإجازة وقوله تعالى: {قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [سورة التحريم:3] دال على التساوي، فالحديث والخبر والنبأ مترادفات، وأما المغاربة فيطلقون أخبرنا على ما هو إجازة، حتى إن بعضهم يطلق في الإجازة حدثنا، وهذا تدليس، ومن الناس من عد قال لنا إجازة ومناولة، ومن التدليس أن يقول المحدث عن الشيخ الذي سمعه في أماكن لم يسمعها قرئ على فلان أخبرك فلان فربما فعل ذلك الدار قطني يقول: قرئ على أبي القاسم البغوي أخبرك فلان، وقال أبو نعيم: قرئ على عبد الله بن جعفر بن فارس حدثنا هارون بن سليمان، ومن ذلك أخبرنا فلان من كتابه، ورأيت ابن مسيب يفعله، وهذا لا ينبغي فإنه تدليس، والصواب قولك في كتابه.

 ومن التدليس أن يكون قد حضر طفلاً على شيخ وهو ابن سنتين أو ثلاث فيقول: أنبأنا فلان ولم يقل: وأنا حاضر، فهذا الحضور العري عن إذن المسمع لا يفيد اتصالاً، بل هو دون الإجازة، فإن الإجازة نوع اتصال عن أئمة. وحضور ابن عام أو عامين إذا لم يقترن بإجازة كلا شيء إلا أن يكون حضوره على شيخ حافظ أو محدث وهو يفهم ما يحدثه، فيكون إقراره بكتابة اسم الطفل بمنزلة الإذن منه له في الرواية.

 ومن صور الأداء: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج، فصيغة قال لا تدل على اتصال، وقد اغتفرت في الصحابة كقول الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحكمها الاتصال إذا كان ممن تيقن سماعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا كان لم يكن له إلا مجرد رؤية فقوله: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمول على الإرسال كمحمود بن الربيع وأبي أمامة بن سهل وأبي الطفيل ومروان، وكذلك قال من التابعي المعروف بلقاء ذلك الصحابي كقول عروة: قالت عائشة، وكقول ابن سيرين: قال أبو هريرة فحكمه الاتصال.

 وأرفع من لفظة قال لفظة عن، وأرفع من عن أخبرنا وذكر لنا وأنبأنا، وأرفع من ذلك حدثنا وسمعت، وأما في اصطلاح المتأخرين فأنبأنا وعن وكتب إلينا واحد."

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى- في ألفاظ الأداء، وعرفنا سابقا أن التحديث له طرفان تحمُّل وأداء، والتحمل نقل الحديث وأخذ الحديث وتلقي الحديث عن الشيوخ، والأداء تبليغ الأحاديث للطلاب للرواة. ألفاظ الأداء إذا أراد الراوي أن يؤدي ما سمعه من شيوخه من أحاديث فيقول: حدثنا فلان، وسمعت لما سمع من لفظ الشيخ، واصطُلح على أن حدثني لما سمعت منه وحدك، وحدثنا لما سمعته من غيرك، تحمُّل الحديث له طرق وله أقسام، فإما أن يتحمل الحديث عن الشيوخ بطريق السماع من ألفاظهم أو بالقراءة عليهم التي هي العرض، السماع من ألفاظهم وهذه أقوى طرق التحمل، أو بالقراءة عليهم التي هي العرض، وهذه تليها، وهما مجمع على صحة الرواية بهما.

 والإجازة بأن يأذن الشيخ للطالب أن يروي عنه الكتاب الفلاني أو الكتب الفلانية أو مروياته. المناوَلة بأن يناول الشيخُ الطالب الكتاب ويقول له: اروه عني.

 بعد ذلك المكاتبة يكتب الطالب للشيخ يطلب منه أن يكتب له شيئًا من حديثه أو يكتب الشيخ مباشرة إلى الطالب بالحديث فيقول الطالب: كتب إليَّ فلان، والمكاتبة موجودة عند أهل العلم من عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى عصر المؤلفين وجدت بين الصحابة والتابعين، ووجدت فيمن بعدهم، ويقول البخاري: كتب إليَّ محمد بن بشار.

 ومنها الإعلام إعلام الشيخ بمجرد أن هذا الكتاب من مرويِّه أو هذا الحديث من روايته.

 ومنها الوصية بأن يوصي الشيخ للطالب بكتبه، فهل يروي الطالب بمجرد الإعلام بالوصية؟ لا، الرواية بهما في غاية الضعف.

 الأخير الثامن الوجادة بأن يجد الطالب بخط شيخه الذي لا يشك فيه أحاديث، فإذا بيَّن الحال كما قال عبد الله بن أحمد في المسند كثيرًا وجدت بخط أبي هذا ما فيه إشكال، هم يحكمون للوجادة بالانقطاع، ولها شوب اتصال، نعم فيها شوب اتصال وإن كان الحكم عليها العام بأنها منقطعة.

 طيب عندنا التحمل من لفظ الشيخ السماع من لفظ الشيخ إذا قال الطالب: حدثنا صدق أو ما صدق؟ صدق، إذا قال الطالب: سمعت صدق؛ لأنه الشيخ حدثه مع مجموعة من الناس وسمع من لفظ الشيخ الحديث والخبر، فقوله مطابِق للواقع.

 واصطُلِح على أن حدثني لما سمعت منه وحدك تقول: إذا سمعت من الشيخ لحالك وحدك تقول: حدثني فلان، وإذا سمعته ومعك مجموعة تقول: حدثنا طيب تحملت من لفظ الشيخ بطريق السماع أحاديث وأردت أن تروي بعد سنين طويلة بعد خمسين سنة ونسيت في ذلك الوقت هل كنت لحالك أو معك أحد تقول: حدثني أو حدثنا؟ ماذا تقول؟ أنت نسيت هل معك أحد أو ما معك أحد؟

طالب: حدثني؛ لأنها متيقنة.

لأنه متيقن تقول: حدثني؛ لأنك متيقن حضورك وشاك في حضور غيرك، لكن أيهما أقوى حدثني أو حدثنا؟ حدثني أقوى؛ لأنها تدل على أنك مخصوص بهذا الحديث، أما كونك موجودًا مع مجموعة من الناس، والشيخ يحدث فما لك ميزة، فكونك تقول: حدثني أقوى من أن تقول: حدثنا، وعلى هذا إذا شككت في صيغتين أحدهما أقوى من الأخرى تأتي بالصيغة المرجوحة أم الصيغة الراجحة؟ المرجوحة تأتي بالصيغة المرجوحة وهي حدثنا؛ لأنك ما تدري هل قصدك الشيخ بالتحديث أو ما قصدك فتقول: حدثنا؛ لأنها أقل من حدثني مع أن البخاري رحمه الله تعالى ذكر في صحيحه في تفسير سورة إنا أنزلناه أن العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، قد يكون واحد ويقول حدثنا من باب التأكيد، وهذا نص عليه البخاري في صحيحه.

 وحدثنا لما سمعته مع غيرك وبعضهم سوَّغ جوَّز حدثنا فيما قرأه على هو على الشيخ، لماذا؟ لأنه لا فرق بين حدثنا وأخبرنا، الاصطلاح عند أهل العلم أن حدثنا وسمعت لما سمعته من لفظ الشيخ، وأخبرنا فيما قرأته على الشيخ أو قرئ وأنت تسمع، يعني السماع من لفظ الشيخ الأداء بلفظ السماع أو التحديث القراءة على الشيخ التي هي العرض، الأداء بالإخبار هذا الذي جرى عليه الاصطلاح، ومنهم من لا يرى الفرق بين حدثنا وأخبرنا كالإمام البخاري وغيره هؤلاء لا يرون فرقًا، فإذا قرأت على الشيخ وساغ لك أن تقول: أخبرنا فلك أن تقول: حدثنا لأن معنى حدثنا وأخبرنا وأنبأنا {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [سورة فاطر:14] {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [سورة الزلزلة:4] ما فيه فرق اللهم إلا أن دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث، بدليل أن من قال لعبيده: من حدثني بكذا فهو حُر، فإذا جاء واحد وكتب له ورقة أو إشارة.. يعتق أو ما يعتق؟ لا، ما يعتق إلا إذا شافهه إذا شافهه بأن فلانا قدم الذي علق عليه العتق يعتق وإلا فلا، لكن إذا قال: من أخبرني بكذا فهو حر، فجاء واحد وأخبره بلفظه، أخبره بكتابته بإشارة بنصب علامة، المهم أن الخبر وصل على أي طريق كان فيعتق؛ لأن دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث.

 وأما أخبرنا فصادقة على ما سمع من لفظ الشيخ أو قرأه هو أو قرأه آخر على الشيخ وهو يسمع، فلفظ الإخبار أعم من التحديث، وأخبرني للمنفرد، وسوى المحققون كمالك والبخاري بين حدثنا وأخبرنا وسمعت ما فيه فرق بينها من حيث الأصل اللغوي، لا فرق، والأمر في ذلك واسع.

 فأما أنبأنا الموجود هنا أنا فهل هي المقصودة؛ لأن أنا اختصار لأخبرنا، والكلام في أخبرنا تقدَّم، هل المراد أنبأنا وأنبأ؛ لأنه يوجد أنبأ فلان بن فلان مثل حدثني وحدثنا أو حدث فلان، المقصود أن هذه اللفظة يقول: معروف أن أنا بالهمز اختصار لأخبرنا، لكن هل المراد بالفعل أخبرنا أو أخبرنا تقدم الكلام عنها؟

 لفظ أنا اختصار للفظ أخبرنا هذا أمر معروف، لكن هل هي المرادة هنا، فأما أنبأنا وأنا كذلك، لكن غلبت في عرفت المتأخرين، غلبت، أيهما التي غلبت؟

طالب: .........

الإنباء غلب، لكن أنا هنا أخبرنا هذه، ماذا عندك أنت بالطبعة التي معك؟

طالب: .........

كيف؟ وأما..؟

طالب: .........

فأما؟

طالب: .........

وأنا كذلك.

 ما غلبت على عرف المتأخرين على الإجازة أخبرنا، نعم أنبأنا غلبت في عرف المتأخرين على الإجازة، فالذي غلب على الإجازة أنبأنا لا أخبرنا، فإما أن تكون أنبأ أو أنبأني مثل ما تقدم في أخبرنا وأخبرني، حدثنا وحدثني هذا اللفظ لفظ الإنباء غلب استعماله في الإجازة، ماذا عندكم في الطبعات الأخرى؟

طالب: .........

هذه مشكلة، لكنها غلبت في عرف المتأخرين على الإجازة ما قال: غلبتا؛ لأن أخبرنا غير أنبأنا.

طالب: .........

كيف؟

طالب: .........

ما تجيء أبدًا؛ لأن ... اختصار لأخبرنا هذا متفق عليه، لكن منهم من يقول أنبأ كالبيهقي أنبأ فتصير سقط نقطة الباء سقطت أو أنبأني على الجادة التي مضت حدثنا وحدثني، أخبرنا وأخبرني للواحد وللجماعة، لكنها غلبت في عرف المتأخرين على الإجازة، وقوله تعالى: {قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [سورة التحريم:3]، {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [سورة فاطر:14] {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [سورة الزلزلة:4] فالتحديث والإخبار والإنباء الأصل واحد دال على التساوي، فالحديث والخبر والنبأ مترادفات.

 وأما المغاربة فيطلقون أخبرنا على ما هو إجازة. لماذا فصل المغاربة عن المتأخرين والمقصود أخبرنا؟ لأن هناك هي أخبرنا، وأما المغاربة فيطلقون أخبرنا على ما هو إجازة، حتى إن بعضهم يطلق في الإجازة حدثنا وهذا تدليس، لا شك في الإجازة حدثنا يعني إن كان حدثه بلفظ الإجازة، حدثه بصيغة الإجازة قال: أذنت لك أن تروي عني حدثه بهذا الكلام، فكونه يروي جميع مروياته بلفظ حدثنا؛ لأنه حدثه بالإجازة، ما حدثه بالمجاز، إنما حدثه بلفظ الإجازة، فهذا تدليس؛ لأنك إذا سمعت فلان يقول: حدثنا، فماذا يتبادر إلى ذهنك؟ أن كل هذه الأحاديث قرأها عليك الشيخ حدثك بها، لكن هو حدثك بأن تروي عنه هذا الكتاب، هذا تدليس، ويستعملها بعض المتأخرين، وهذا تدليس.

 ومنهم من عد قال لنا إجازة ومناولة، ومنهم من يقول: إن قال خاصة بالمذاكرة، ومن التدليس أن يقول المحدث عن الشيخ الذي سمعه في أماكن لم يسمعها: قرئ على فلان أخبرك فلان فربما فعل ذلك الدارقطني يقول: قرئ على أبي القاسم البغوي أخبرك فلان، وقال أبو نعيم: قرئ على عبد الله بن جعفر بن فارس يعني فيما لم يسمعه من لفظ ابن فارس حدثنا هارون بن سليمان، قوله قرئ على عبد الله بن جعفر بن فارس يفهم منه أنه كان حاضرًا وهو في الحقيقية ليس بحاضر حدثنا هارون بن سليمان، ومن ذلك أخبرنا فلان من كتابه ورأيت ابن مسيب يفعله، وهذا شخص من المتأخرين، وليس المراد به سعيدًا؛ لأن مثل هذه الأمور ما كثر التساهل فيها إلا عند المتأخرين، أما المتقدمون فهم متشددون؛ لأن العصر عصر رواية، وهذا لا ينبغي فإنه تدليس، والصواب قولك: في كتابه.

ومن التدليس أن يكون قد حضر طفلاً يعني حال كونه طفلاً، أن يكون قد حضر طفلاً على شيخ وهو ابن سنتين أو ثلاث، وجوده مثل عدمه، جاء يلعب، لا قيمة لوجوده، ابن سنتين أو ثلاث فيقول: أنبأنا فلان، ما يقول: حضرت؛ لأنه حضر بالفعل، لكن مجرد الحضور لا يكفي، فهذا الحضور العري عن إذن المسمع لا يفيد اتصالاً، يعني كونه حضر وهو ابن سنتين أو ثلاث أو سنة وجوده مثل عدمه إلا أن يروي بالإجازة، أما أن يروي بالسماع فلا؛ لأن سماعه لا يفيد شيئًا؛ لأنه لم يميِّز، لا يفيد اتصالاً، بل هو دون الإجازة؛ لأن الإجازة إذا قيل: أجزت فلانًا أن يروي عني هذه غاية ما فيها، فإن الإجازة نوع اتصال عند الأئمة، نعم الإجازة طريق من طرق التحمل الحادثة التي لا تُعرف عند المتقدمين، ما معنى إجازة؟

 الشيخ لما كثرت الجموع ودونت الحديث في الكتب، الشيوخ صعب عليه أن كل شخص يريد أن يقرأ عليه صحيح البخاري، يعني يتصور شخص عنده أسانيد عالية، فيأتي الطلاب من الآفاق يقرؤون عليه، هذا جاء قبله بيوم، وهذا جاء قبله بأسبوع، وهذا جاء قبله بشهر، ماذا يفعل بهؤلاء؟ يعني هل كل من جاء يبدأ بصحيح البخاري من أوله، وهذا واصل به الجزء الثاني، وهذا بالجزء الثالث، وهذا بالخامس، ومجموعة في الأخير، ومجموعة في النهاية، هذا صعب، فوجدوا من الحل أن يقال: مادام الكتاب مضبوطًا ومتقنًا ومدونًا ومحفوظًا، وأنا أرويه بالسند الصحيح، هذا صحيح البخاري اروه عني، فكأني قرأته عليك أو كأنك قرأته علي، ماذا يزيد؟

 لأن الكتاب مضبوط، فاحتاجوا إلى الرواية بالإجازة؛ لأن المطلوب فيما بعد هو مجرد إبقاء سلسلة الإسناد، يعني ما يترتب على الرواية لا تصحيح ولا تضعيف، مجرد إبقاء سلسلة الإسناد، فتساهلوا إلى هذا الحد، والرواية بها مختلف فيها عند أهل العلم، والجمهور تتابعوا عليها، وأجازوها إذا كانت من معيَّن لمعيَّن في معيَّن، أما الإجازة على العموم، أجزت من قال لا إله إلا الله! ضعيفة جًّدا، أجزت لك أن تروي عني جميع الكتب، ما هو بصحيح هذا، تروي عني كتاب السنن، وهو يروي أكثر من كتاب، تروي عني ما سأرويه، كل هذا أصل الإجازة فيها ضعف وتزداد ضعفًا بهذا التساهل، أجزت فلانًا ولمن يولد له، أجزت لمن شاء فلان، أجزت لمن أذن فلان، كل هذا يزيد الإجازة ضعفًا، فإذا كانت الإجازة من معيَّن في معيَّن، حتى اشترط ابن عبد البر أن الإجازة لا تصح إلا لماهر بالصناعة، أنت لماذا أذنت له أن يروي عنك صحيح البخاري إلا لأنه أهل وكفؤ، الأصل أن يقرأ عليك صحيح البخاري تعرفه يعرف أو لا؟ كيف يروي عنك شخص جاهل ما يفهم شيئًا؟ ابن عبد البر يشترط أن تكون الإجازة إنما هي لماهر بالصناعة، أما العوام وأشباه العوام ما لهم دخل في هذا، وأكثر العلماء يجيزون أن يروي كل أحد، وهذا التساهل سببه ماذا؟ سببه أن الرواية قيمتها ضعيفة، يعني وجد في طريقي طفل مثلاً إلى البخاري يتأثر صحيح البخاري؟! وجد عامي مثلاً في طريقي إلى صحيح البخاري ما يتأثر، الكتب دونت وضبطت وأتقنت، فما بقي إلا المحافظة على خصيصة هذه الأمة.

 فهذا الحضور العري عن إذن المسمع لا يفيد اتصالاً، بل هو دون الإجازة، فإن الإجازة نوع اتصال عند الأئمة وحضور، بعضهم يقول: من أجاز لشخص، من قال لشخص: اروِ عني ما لم تسمعه مني فكأنه قال له: أجزت لك أن تكذب علي، اروِ عني ما لم تسمعه مني، الذي يجوز لك والذي يصلح لك حدث به عني هذا صحيح؟! ارو عني ما لم تسمعه مني، هذا كمن يوكل شخصًا يقول: أي شيء تشهد به سجل شهادتي معك، هذا ما يكفي، والثقة وحدها لا تكفي، ولذا ضعف بعضهم الإجازة، والإمام أحمد يقول: لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة، فكل واحد في بيته يروي الكتب وهو يضع رجلًا على رجل.

وحضور ابن عام أو عامين إذا لم يقترن بإجازة كلا شيء؛ لأن وجوده مثل وجود الجمادات ما ينفع، إلا أن يكون حضوره على شيخ حافظ أو محدِّث وهو يفهم ما يحدِّثه فيكون إقراره يفهم ما يحدِّثه العالم هذا يفهم، ويعرف الحاضرين، وإذا انتهوا من قراءة الكتاب، أو ذَكر اسمه في الطِّباق، أو ذُكر اسمه في الاستدعاء، الاستدعاء ما هو؟ الاستدعاء يعرفه القضاة، تكتب خطابًا لشخص عنده إجازات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد، فنرجو من الشيخ أن يجيزنا بمروياته، وكتبه فلان وفلان وفلان وفلان عشرة، عشرون، ثلاثون، مائة. ثم يقول: أجزت المذكورين بأن يرووا عني صحيح البخاري مثلاً أو الكتاب أو الفلاني أو الكتب، صحيح ذلك وكتبه فلان. يعني إذا سجل اسم الطفل معهم فهذه إجازة، ولذا يقول: إلا أن يكون حضوره على شيخ حافظ محدث ويفهم ما يحدثه، فيكون إقراره بكتابة اسم الطفل، يعرف أن فيهم طفلًا بمنزلة الإذن منه له في الرواية.

 ومن صور الأداء حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج فصيغة قال لا تدل على الاتصال، سبق أن نبهنا مرارًا أن قال مثل عن محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم، ولذا يقول الحافظ العراقي:

............. أما الذي

 

بشيخه عزا قال فكذي

عنعنة كخبر المعازف

 

لا تصغ لابن حزم المخالف

يقول: وقد اغتفرت في الصحابة كقول الصحابي قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحكمها الاتصال إذا كانت ممن تُيقن سماعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن كان لم يكن له إلا مجرد رؤية، ما سمع حديثًا من النبي -عليه الصلاة والسلام- ليست له رواية، فإن كان لم يكن له إلا مجرد رؤية، فقوله: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمول على الإرسال، كمحمود بن الربيع ما سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- شيئًا إنما عقل المجَّة، النبي -عليه الصلاة والسلام- أخذ من دلو بفمه ماءً فمجه في وجهه، ورواه وخُرِّج في الصحيح وهو ابن خمس سنين، لكن ما سمع أحاديث ورواها، مثل هذا أحاديثه مرسلة كمحمود بن الربيع وأبي أمامة بن سهل وأبي الطفيل عامر بن واثلة ومروان، هؤلاء أحاديثهم مراسيل، ومراسيل الصحابة أحكامها معروفة.

أما الذي أرسله الصحابي

 

فحكمه الوصل على الصواب

فيقال: صحابي حديثه مرسل، وتابعي حديثه متصل كيف يجيء؟

طالب: .........

هذا رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- حديثه مرسل، لكن نريد تابعيًّا حديثه متصل.

طالب: .........

لا، يصير مرسلاً.

 نعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- حال كفره، ثم أدى ما سمعه بعد وفاة النبي، ما أسلم إلا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- التنوخي رسول هرقل لما جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وسمع منه، ما أسلم إلا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو تابعي، والذي يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- متصل، فهنا يمكن أن يعايى بها يقال: صحابي حديثه مرسل وتابعي حديث متصل، وكذلك قال من التابعي المعروف بلقاء ذلك الصحابي كقول عروة: قالت عائشة، وكقول ابن سيرين: قال أبو هريرة فحكمه الاتصال؛ لأنه عرف بالرواية منه، ولقيه، وغير موصوف بتدليس، إذًا هي محمولة على الاتصال.

وأرفع من لفظة قال لفظة عن، المقرر أن قال مثل عن، وبعضهم مثل ما قال المؤلف قال دون عن، وأرفع من عن أخبرنا؛ لأن عن صيغة موهِمة محتمِلة، أما أخبرنا ما فيها احتمال، وذكر لنا وأنبأنا وأرفع من ذلك حدثنا وسمعت؛ لأن دائرة التحديث أخص من دائرة الإخبار، ومثلها السماع، وأما في اصطلاح المتأخرين فأنبأنا وعن وكتب إلينا واحد أنبأنا وعن.

كثر استعمال عن في ذا الزمن

 

إجازة وهي بوصل ما قمن

.

 

فيستعملون أنبأنا في الإجازة، ويستعملون عن في الإجازة، وكتب إلينا في المكاتبة كما هو معروف.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين