شرح منسك شيخ الإسلام ابن تيمية (07)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فصلٌ أعمال يوم التروية وما بعده.
هذا العنوان يبدو أنه زائد من المحقق، لا يوجد في المنسك الأصلي.
فإذا كان يوم التروية، أحرم وأهل بالحج، فيفعل كما فعل عند الميقات، وإن شاء أحرم من مكة، وإن شاء من خارج مكة، هذا هو الصواب. وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أحرموا كما أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من البطحاء، والسنة أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه، وكذلك المكي يحرم من أهله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من كان منزله دون مكة فمهِلُّه من أهله، حتى أهل مكة يهلُّون من مكة».
والسنة أن يبيت الحاج بمني؛ فيصلون بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء والفجر، ولا يخرجون منها حتى تطلع الشمس، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وأما الإيقاد فهو بدعة مكروهة باتفاق العلماء. وإنما الإيقاد بمزدلفة خاصة بعد الرجوع من عرفة، وأما الإيقاد بمنى أو عرفة فبدعة أيضًا.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد فيقول المؤلف رحمه الله تعالى-:"فصل فإذا كان يوم التروية" فإذا كان يوم التروية يعني إذا جاء يوم التروية كان هنا تامة، ويوم فاعل، ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة سمي بذلك؛ لأنهم كانوا يتروون فيه من الماء لما بعده ويتزودون الماء، قال فلما كان "فإذا كان يوم التروية أحرم"، أحرم يعني بالحج،وأهلَّ به وهذا بالنسبة للمتمتع والذي جاء مكة قبل هذا اليوم وأدَّى العمرة وحل الحِل كله فإنه حينئذٍ يحرمُ بعد ذلك بالحج في هذا اليوم، ومثله من كان مقيمًا بمكة يحرم بالحج يوم التروية، وأما بالنسبة للقارن والمفرد فإن كان من غير أهل مكة فإنه يحرم من ميقاته الذي وُقِّت له الذي مر به سواء كان في هذا اليوم أو قبله أو بعده إذا مر بالميقات لا يجوز له أن يتجاوزه كما تقدم "وأهلَّ بالحج فيفعل كما فعل عند الميقات" يعني يتجرد ويغتسل ويلبس لباس الإحرام ثم يعقد النية بعد صلاة على ما تقدم من الخلاف فيها، أما إذا وقع الإحرام بعد الفريضة فهذا لا خلاف فيه، بل ينبغي أن يكون بعد الفريضة إذا وافقت، وإذا لم يوافق فريضة فالجمهور على أنه يصلي ركعتين للإحرام، ينشئهما لإحرام، ونقل على هذا الاتفاق ولم يخالف في هذا إلا النزر اليسير من أهل العلم، وما نسب الخلاف إلا إلى الحسن البصري، ثم بعد ذلك توسع الناس في مثل هذه المسائل وأطلقوا النفي، منهم شيخ الإسلام -رحمه الله- أن الإحرام ليست له صلاة تخصه، وقال بقوله جمع من أهل العلم ممن تأخر عنه، على كل حال جاء الأمر بذلك فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل..، يعني صل ثم أحرم، ووقع إحرامه عليه الصلاة بعد صلاة الفرض، بعد صلاة الظهر عند ابن القيم وجمع من أهل العلم، أو الفجر عند النووي ومن يقول بقوله؛ لأنه صلى الظهر ثم خرج من المدينة فصلى بالميقات العصر والمغرب والعشاء والفجر والظهر، ومكث هذا اليوم الكامل في الميقات ليلحق به من لم يستطع الخروج معه ممن أراد الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- وهذا من رفقه بأمته "فيفعل كما فعل عند الميقات وإن شاء أحرم من مكة"هذا بالنسبة ليوم التروية عرفنا أن هذا لمن كان مقيمًا بمكة أو وافدًا عليها بعد انتهائه من عمرته فإنه يحرم إن شاء من مكة وإن شاء من خارج مكة يعني من داخل مكة ومن خارجها من الحرم أو من خارجه في المكان الذي هو نازل به مما هو أرفق "وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إنما أحرموا كما أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من البطحاء"؛ لأنه نزل بالبطحاء مع أصحابه -عليه الصلاة والسلام- ولم يشر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما أشار إلى أصحابه لماذا؟ لأنه كان قارنًا باقيا على إحرامه فلا يحتاج إلى تجديد إحرام،"وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أحرموا كما أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من البطحاء"، بالنسبة للقارن الذي ساق الهدي لا يجوز له أن يحل قبل أن يبلغ الهدي محله في يوم النحر، فهل يتصور ممن ساق الهدي أن يتمتع؟ بأن يقول قائل مثلاً يسوق الهدي ويأتي بالعمرة ولا يحلق رأسه ولا يتحلل ولا يلبس ثيابه حتى يبلغ الهدي محله ثم بعد ذلك يهل بالحج في اليوم الثامن كما هنا كالمتمتع تمامًا.
طالب: ...................
لا، سوق الهدي يمنعه من التمتع؛ ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة فلا يُتصور ممن ساق الهدي أن يتمتع،"وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أحرموا كما أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من البطحاء والسنة أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه" يعني كما فعل الصحابة منهم من يقول يحرم من مكة، ومنهم من يقول يحرم من المسجد، ومنهم من يقول يُحرم من تحت الميزاب، وكل هذا لا دليل عليه؛ إنما يحرم من المكان الذي هو نازل فيه وهو به أرفق، قد يقول قائل المكان الذي هو نازل فيه ليس فيه ماء، ننتقل نحرم من مكان فيه ماء نغتسل ونأتي بالإحرام على وجهه، نقول لا مانع ليس هذا بمُلزِم، لكن السنة أن تفعل الأرفق بك "الذي هو نازل فيه وكذلك المكي يحرم من أهله كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- من كان منزله دون مكة فمُهَلّه من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة" يعني لما وقّت المواقيت للآفاقيين والقادمين من ورائها قال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ومن كان دون ذلك فمُهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة فيهلون من مكة، ومعلوم أن هذا خاص بالحاج من أهل مكة ومن كان في حكمهم، إنما يهلون من مكة في الحج؛ لأنهم سوف يجمعون بين الحل والحرم إذا خرجوا إلى عرفة، وأما بالنسبة للعمرة فلا بد أن يحرم من الحل ليجمع في نسكه بين الحل والحرم كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبدالرحمن بن أبي بكر أن يُعمر عائشة من التنعيم، ولو جاز من الحرم لقال أحرم من هنا من هذا المكان لا داعي أن يذهب بها إلى التنعيم، وإن كان الإمام البخاري ميله إلى أن أهل مكة يحرمون منها، من كان من مكة يحرم من مكة حتى في العمرة، وهذا نصره الصنعاني وبعض أهل العلم لكنه قول مرجوح، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عبدالرحمن بن أبي بكر أن يُعمر عائشة من التنعيم ولا داعي لهذه المشقة مع إمكان الإحرام من مكانه،"والسنة أن يبيت الحاج بمنى فيصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر"خمسة أوقات الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ويصلون كل صلاة في وقتها من غير جمع، لكن يقصرون الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ عنه أنه قال في منى ولا في عرفة ولا في مزدلفة أتموا، ويدخل في ذلك أهل مكة وغيرهم، لكن لما صلى بهم في المسجد قال أتموا فإنا قوم سَفْر، والعلماء يختلفون هل هذا من أجل السفر أو من أجل النسك؟ من أهل العلم من يرى أنه نسك؛ ولذا جاز الجمع و القصر في عرفة ومزدلفة لأهل مكة ومن حولها ممَّن كان منزله لا يبلغ مسافة القصر بالنسبة لمحله الذي يسكنه، ومنهم من يقول هو للسفر والسفر يطلق على الكثير والقليل فيدخل فيه أهل مكة وما حولها، وعلى كل حال هذا يشكل على قول الجمهور الذين يشترطون المسافة وتحديد المدة، قال "والسنة أن يبيت الحاج بمنى فيصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ولا يخرجون منها حتى تطلع الشمس" بخلاف رجوعهم إليها من مزدلفة فإنهم يصلون الفجر بمزدلفة على ما سيأتي ويمكثون يذكرون الله -جلَّ وعلا- حتى يسفروا جدًا، ثم بعد ذلك يذهبون إلى منى قبل طلوع الشمس؛ مخالفة للمشركين وهذا سيأتي "ولا يخرجون منها حتى تطلع الشمس كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-" كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؛"وأما الإيقاد فهو بدعة مكروهة باتفاق العلماء؛ وإنما الإيقاد بمزدلفة خاصة بعد الرجوع من عرفة وأما الإيقاد بمنى أو عرفة فبدعة" معروفة، ما المراد بالإيقاد هنا؟
طالب: ............
إشعال النار من أجل ماذا؟
طالب: ............
من أجل الظلمة، أو من أجل طهي الطعام، هذا ما يدخل في الابتداع أبدًا، من أجل الظلمة ليس فيه إشكال، ومن أجل طهي الطعام ليس فيه إشكال، من أجل اجتماع الناس، ويبدو والله أعلم أن هذه بدعة منقرضة لا توجد الآن، يعني كأنهم يوقدون النار كما توقد في الحرب ونحوه، وهذه انقرضت وإلا ما الفرق بين أن توقد النار بمزدلفة أو بعرفة أو بمنى؟ نعم بعرفة قد لا يحتاجون إلى النار لأنها في النهار في مزدلفة يحتاجونها؛ لأن المبيت بالليل، وفي نهار أيام منى كذلك لا يحتاج إليها، وفي ليالي منى يحتاج إليها كمزدلفة، فلماذا فرق الشيخ -رحمه الله- بين الإيقاد بمزدلفة وبين الإيقاد بمنى أو عرفة يقول الإيقاد بمزدلفة خاصة "وأما الإيقاد بمنى وعرفة فبدعة أيضًا" نقول: لعل هذه كانت بدعة موجودة يتدينون بها ويتعبدون بها ثم انقرضت، لكن إذا قلنا بهذا الكلام فلماذا يفرق بين مزدلفة وغيرها؟ يبقى الإشكال، إلا إذا كان للإيقاد معنى آخر غير إشعال النار أو إشعال المصابيح، محقق الكتاب الذي معك ما ذكر شيء؟
هو إيقاد النيران.
من أجل ماذا؟
ما ذكر شيئا.
هذا الواضح من اللفظ، لكن قد يفعل شيء يصاحب هذا الإيقاد فيكون الإيقاد مقترنا به فيأخذ حكمه، وإلا فمجرد إيقاد النار للحاجة من غير تعبد به ليس فيه إشكال.
طالب: يقول ذكر ذلك أبو شامه في كتابه الذي سماه الباعث على إنكار البدع: كان بعضهم إذا كانوا في منى أوقدوا النيران وكأنهم ويقصدون بذلك أن هذا مكان له أهميته فلا حاجة للإيقاد لوجود الأنوار.
ومزدلفة؟.
طالب: .................
رجعنا إلى ما قلنا نفس الشيء، ما الذي يمنع من الإيقاد لإصلاح الطعام بمنى أو عرفة ويبيحه في مزدلفة؟ لا، يبدو أن المسألة غير هذا، تحتاج إلى مزيد بحث وتأني؛ لأن الأمور التي يرتب عليها أحكام وهي غير متصورة تصورا كاملا يعني أخذها من مجرد الحقيقة العرفية بين الناس أوالحقيقة اللغوية؟ العرفية متأخرة، فلا بد من الحقيقة العرفية المصاحبة لهذا العمل لينظر مدى الفرق ولماذا فرقوا بين الإيقاد بمزدلفة والإيقاد بمنى، إذا أبيح الإيقاد بمزدلفة لإصلاح الطعام لأنهم بعد مدة طويلة من وقوفهم ما الذي يمنع من الإيقاد لإصلاح الطعام بمنى أو عرفة؟ إذا كان لإصلاح الطعام فلا إشكال فيه ولا يقول أحد بمنعه في أي مكان كان، وإذا كان للاستصباح فكذلك، المقصود أن لا يتعبد به على وجه لا يستفاد منه لا في الاستصباح ولا للاستدفاء ولا لنضج الطعام وطهيه، يقول يعني إذا صلوا صلاة الفجر في اليوم التاسع ومكثوا حتى تطلع الشمس كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-"يسيرون منها" يعني من منى "إلى نمرة على طريق ضب"النبي -عليه الصلاة والسلام- يذهب إلى عرفة من طريق ضب ويرجع من طريق المأزمين كعادته إذا خرج يخرج من طريق ويرجع من طريق، ودخل مكة من أعلاها وخرج من أسفلها، دخل المسجد من باب بني شيبة وخرج من باب آخر، المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خرج من طريق رجع من غيره هذه عادته وهذه جادته، يخرج منها إلى نمرة "من طريق ضب من يمين الطريق ونمرة كانت قرية خارجة عن عرفات من جهة اليمين فيقيمون بها إلى الزوال كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-"وعلى كلامه أن نمرة خارجة عن عرفات ليست منها وعلى هذا فلا يصح الوقوف فيها، والمسألة خلافية العلماء يختلفون هل نمرة من عرفة أو ليست منها؟ والخلاف فيها قوي، الأقوال تكاد تكون متكافئة، وعلى هذا لا يجوز الوقوف فيها، ومن وقف فيها فإبطال حجه يحتاج إلى دليل مخرج مبرئ للذمة، فالخلاف في كونها من عرفة خلاف قوي، وأما عرنة، بطن الوادي الذي انتقل إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وصلى فيه على ما سيأتي ثم كما قال -رحمه الله- ونمرة كانت قرية خارجة عن عرفات من جهة اليمين فيقيمون بها إلى الزوال كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يقيمون بها للراحة؛ لأن المسافة بين منى وعرفات فيها طول فيحتاجون إلى الراحة، ثم بعد أن زاغت الشمس وزالت يسيرون منها إلى بطن الوادي, وادي عُرنة ،النبي -عليه الصلاة والسلام- قال وارفعوا عن بطن عُرنة فلا يصح الوقوف في عُرنة؛ لأنها ليست من عرفة عند جماهير أهل العلم، والإمام مالك يرى أن عُرنة من عرفة، لماذا؟ لأنه قال عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة، لو لم تكن منها لما استثناها -عليه الصلاة والسلام- ما استثنى منى ولا مزدلفة ولا استثنى أي موقف آخر لا يدخل في حدود عرفة، فهذا رأي الإمام مالك -رحمه الله- والجمهور على أنها ليست منه، النهي عن الوقوف عند مالك ومن يقول بقوله بعرنة؛ إنما هو لأنها مكان مفضول، فيأثم إذا وقف في بطن عرنة لكن حجه صحيح، وعامة أهل العلم على أنها ليست من عرفة فلا يصح الوقوف فيها "ثم يسيرون منها إلى بطن الوادي وهو موضع النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي صلى فيه الذي صلى فيه الظهر والعصر وخطب" النبي -عليه الصلاة والسلام- ببطن عرنة بالوادي ثم لما خطب أمر بلالا فأذَّن ثم أمره فأقام لصلاة الظهر ثم أقام لصلاة العصر صلاهما جمعًا جمع تقديم؛ ليتوفر الوقت للوقوف، وهذا مثل ما ذكرنا في منى لم يقل النبي -عليه الصلاة والسلام- لأهل مكة ومن في قربها ممن لم تبلغ المسافة بينهم وبين هذا المكان مسافة قصر، ما قال لهم أتموا ولا لا تجمعوا، وخطب وهذه إحدى الخطب الثلاث أو الأربع، منهم من يثبت خطبة في اليوم السابع، ثم هذه الخطبة في يوم عرفة، ثم خطبة في يوم النحر، ثم الخطبة في يوم النفر الأول، ثلاث خطب أو أربع، خطبة اليوم السابع يختلفون فيها "وخطب وهو في حدود عرفة ببطن عرنة وهناك مسجد يقال له مسجد إبراهيم وإنما بني في أول دولة بني العباس" وإنما بني في أول دولة بني العباس يعني بعد المائة والثلاثين، يقال له مسجد إبراهيم والتسمية تكون لأدنى سبب قد يكون الذي تولى بناءه أو ترأس بناءه شخص يقال له إبراهيم فنُسب إليه، أو الذي باشر الإشراف عليه يسمى إبراهيم فينسب إليه، هناك أسماء مشهورة الآن يظن أنها لكبار أنها لكبار وهي في الحقيقة لأدنى ملابسة ومناسبة تسمى بهذا، باب المجيدي هذا الذي في المسجد النبوي الذي يسمعه يقول أنه من أجل السلطان عبدالمجيد، وهو في الحقيقة نُسب إلى حلاق كان يحلق بجواره عرفه الناس بهذا واستمروا عليه، يقال له مسجد إبراهيم وقد يطلق هذه التسمية من أشرب قلبه حب البدعة ليخصه الناس بالزيارة ويتبركون به ويفعلون معه ما يفعلون في المساجد التي تنسب إلى الأنبياء والأولياء من التمسح والتبرك وغيره، يقول وإنما بني في أولي دولة بني العباس "فيصلي الظهر والعصر قصرًا كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-" واليوم يوم جمعة فلا يقول قائل أن هذه الخطبة خطبة الجمعة والصلاة الأولى صلاة الجمعة والثانية العصر مجموعة إليها، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ثبت عنه أنه صلى الجمعة في السفر،
ما صلى الجمعة في السفر وهذه خطبة واحدة وليست هي خطبة جمعة، وصلى الظهر ثم صلى العصر؛ ولذا فالقول المحقق أنه لا يجوز جمع العصر إلى الجمعة؛ لأن الجمعة وقت مستقل كالفجر لا تُجمع ولا يجمع إليها فصلى هنا الظهر والعصر، وتقدمهما خطبة بين لهم ما يحتاجون إليه من المناسك في هذا اليوم والليلة التالية له،"فيصلي هناك الظهر والعصر قصرًا كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ويصلي خلفه جميع الحاج أهل مكة وغيرهم قصرًا وجمعًا يخطب بهم الإمام كما خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- على بعيره ثم إذا قضى.." إلى آخره، هذا صنيعه -عليه الصلاة والسلام- في حجته وهو صنيع أيضًا أبي بكر وعمر ثم لما جاء عثمان أتم الصلاة فلم يقصر كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وصاحباه، متأولاً في ذلك أنه هو ولي الأمر والبلدان جميعها تابعة له وهو في بلده أينما حل فلا يجمع ولا يقصر كأهل البلد، ولكن هذا الاستدلال أو هذا المأخذ فيه ضعف؛ لأنه ليس بأولى بذلك من النبي -عليه الصلاة والسلام-وأبي بكر وعمر، منهم من يقول أنه تأهَّل له أهل هناك، وعلى كل حال قوله مرجوح؛ ولذا ابن مسعود وافقه وقال الخلاف شر، مع أنه لا يرى هذا الرأي، ومثل هذه الموافقة على مثل هذا الصنيع إنما تكون بين فاضل ومفضول لا تكون بين مباح ومحرم أو صحيح وفاسد؛ إنما تكون بين فاضل ومفضول، وهذا من أدلة الجماهير على أن الجمع والقصر من الرخص التي ليست واجبة؛ ولذا من صلى وهو مسافر أربع ركعات صلاته صحيحة عند جماهير أهل العلم ، فإذا اضطر الإنسان للموافقة وعدم المخالفة ورأى أن في الخلاف شرا؛ إنما يكون ذلك فيما فيه سعة من ترك مستحب أو ارتكاب مكروه، أما الواجب فلا يجوز تركه بحال، وكذلك المحرم لا يجوز ارتكابه بحال؛لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق يقول ويصلي خلفه جميع الحاج أهل مكة وغيرهم قصرًا وجمعا، يخطب بهم الإمام كما خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- على بعيره خطب على بعيره؛ لأنه لم يكن ثمَّ منبر، والخطيب ينبغي أن يكون على موضع مرتفع "ثم إذا قضى الخطبة أذن المؤذن وأقام ثم يصلي كما جاءت بذلك السنة" يصلي الظهر والعصر مجموعتين مقصورتين بأذان واحد وإقامتين. ثم يسيرون.
ويسيرون منها إلى نمرة على طريق ضب، من يمين الطريق، ونمرة كانت قرية خارجة عن عرفات من جهة اليمين، فيقيمون بها إلى الزوال، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يسيرون منها إلى بطن الوادي، وهو موضع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ الذي صلى فيه الظهر والعصر، وخطب، وهو في حدود عرفة ببطن عُرنة. وهناك مسجد يقال له: مسجد إبراهيم، وإنما بني في أول دولة بني العباس.
فيصلي هناك الظهر والعصر قصرًا، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويصلي خلفه جميع الحاج: أهل مكة وغيرهم قصرًا وجمعًا، يخطب بهم الإمام كما خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- على بعيره، ثم إذا قضى الخطبة أذن المؤذن وأقام، ثم يصلي كما جاءت بذلك السنة، ويصلي بعرفة ومزدلفة ومنى قصرًا، ويقصر أهل مكة وغير أهل مكة.
وكذلك يقصرون الصلاة.
يجمعون، ويقصر أهل مكة وكذلك يجمعون، ماذا عندك؟
يقصرون.
وكذلك يجمعون الصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى، كما كان أهل مكة يفعلون خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرفة ومزدلفة ومنى، وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكر وعمرـ رضي الله عنهماـ ولم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا خلفاؤه أحدًا من أهل مكة أن يتموا الصلاة، ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة ومنى أتموا صلاتكم، فإنا قوم سَفْر، ومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ، ولكن المنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال ذلك في غزوة الفتح، لما صلى بهم بمكة.
وأما في حجه، فإنه لم ينزل بمكة، ولكن كان نازلاً خارج مكة، وهناك كان يصلي بأصحابه، ثم لما خرج إلى منى وعرفة خرج معه أهل مكة وغيرهم، ولما رجع من عرفة رجعوا معه، ولما صلى بمنى أيام منى صلوا معه، ولم يقل لهم: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ولم يحد النبي -صلى الله عليه وسلم- السفر لا بمسافة، ولا بزمان، ولم يكن بمنى أحد ساكنًا في زمنه؛ ولهذا قال: «منى مناخ من سبق»، ولكن قيل: إنها سُكِنَت في خلافة عثمان، وأنه بسبب ذلك أتم عثمان الصلاة؛ لأنه كان يرى أن المسافر من يحمل الزاد والمزاد.
يقول -رحمه الله تعالى-:"ويصلي بعرفة ومزدلفة ومنى قصرًا ويقصر أهل مكة وغير أهل مكة" وهذا تقدمت الإشارة إليه،"وكذلك يجمعون الصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى"، قال ومنى، هنا هل عرف الجمع بمنى؟ولذلك يجمعون الصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى عندكم؟
المحقق يقول: يقول في الأصول يجمعون والصواب يقصرون أو تكون يجمعون ويحذف من النص منى لأنه لا جمع بها.
القصر مضت الإشارة إليه، ويصلي بعرفة ومزدلفة ومنى قصرًا، ويقصر أهل مكة وغير أهل مكة، وكذلك يجمعون الصلاة بعرفة ومزدلفة، أما منى ما عرف الجمع بمنى؛ لأنه مقيم -عليه الصلاة والسلام- ويصلي كل صلاة في وقتها "كما كان أهل مكة يفعلون خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرفة ومزدلفة ومنى كذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ولم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا خلفاؤه أحدًامن أهل مكة أن يتموا الصلاة"، يعني في غزوة الفتح صلى بهم في المسجد وقال أتموا، في المسجد، وأما في المشاعر ما حفظ عنه أنه -عليه الصلاة والسلام- قال أتموا،"أن يتموا الصلاة ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة ومنى أتموا صلاتكم فإنا قوم سَفرومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ"، يعني التبس عليه الأمر، حفظ هذه الجملة وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قالها ولا يدري في أي مكان قالها أو أنها نقلت عنه في يوم الفتح ولم تنقل عنه في غيره، ورأى أنه يكتفى بالنقل في موضع دون سائر المواضع وهذه مسألة ينبغي أن يُتنبه لها، إذا ثبتت السنة بحديث لا يلزم أن تكرر أو يتكرر تشريعها في كل موطن، يعني لعل حجة من قال يقول "ومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ ولكن المنقول.."إلى آخره، يعني ثبت عندنا أن أهل مكة إذا صلوا خلف المسافر وهو يصلي ركعتين بمكة أن يقول لهم أتموا فإنا قوم سفر، فهل يختلف أحكام المشاعر عن حكم مكة؟ بالنسبة للسفر هل يختلف حكم المشاعر عن أحكام مكة؟ إذا كان الأمر لا يختلف فلا يحتاجون أن ينبَّهوا فقد نبهوا سابقًا ويكفي، ولعل هذه حجة من نسب إليه شيخ الإسلام الخطأ،إذا كان حكم أهل مكة في مكة والمشاعر واحد، وأن المسافة ليست مسافة قصر ولا جمع وليست مسافة سفر فمثل هذا لا يحتاجون إلى التنبيه نبهوا وانتهى، لكن الذي يشكل على هذا، أنه حضر في هذه المواقف جمع غفير لم يحضر صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمسجد يوم الفتح، وهذا نظير ما تقدم، من لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين قال هذا بالمدينة قبل أن يخرج، ثم قال بعد ذلك بعرفة: من لم يجد النعلين فليلبس الخفين وما قال فليقطعهما، ويختلف أهل العلم في القطع، فمنهم من يقول لا بد من القطع لماذا؟ لأن المطلق يحمل على المقيد الاتحاد في الحكم والسبب، يجعل حمل المطلق على المقيد متعينًا، ومنهم من يقول لا يحتاج إلى قطع لماذا؟ قالوا لأنه وإن ذكر القطع بالمدينة لكنه ذكره في موطن أعظم قد حضره من لم يحضره في الموطن الأول ولو كان واجبًا للزم بيانه، وهذا موضع البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وعلى هذا تنزل هذه الصورة التي معنا، من قال بأن أهل مكة لا يجمعون ولا يقصرون ونقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال أتموا فإنا قوم سَفْر قالها في موضع ويكفي، فالحكم إذا ثبت بنص لا يلزم تكريره في جميع المواطن، ولهذا نظائر كثيرة يعني في مواطن كثيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما رد السلام مع أنه مأمور به ورده في مواطن أخرى، هل نقول: إنه في هذا الموضع لا يرد السلام، أو نقول أنه بين حكم رد السلام ويكفي، يعني إذا كان سلام الملائكة على إبراهيم -عليه السلام- يعني في مواضع قالوا سلامًا قال سلام، وفي سورة الحجر ما قال سلام، هل نقول إن إبراهيم ما رد السلام؟ إبراهيم رد السلام، فهل يلزم نقل السنة في كل موطن وفي كل مناسبة، أو نقول إذا نقلها من تثبت الحجة بنقله كفى؟ لأن كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- "ومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ" هو نقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في موطن، لكن هل يلزم نقله في جميع المواطن؟ وعلى هذا هل نقول إن أهل مكة في المشاعر حكمهم حكم السفر أو حكم الإقامة؟ إذا قلنا حكمهم حكم السفر أشكل على قول جماهير أهل العلم الذين يشترطون المسافة ويشترطون المدة، وإذا قلنا إنهم مقيمون ويلزمهم الإتمام، ويلزمهم صلاة كل صلاة في وقتها وقلنا أن البيان الأول كافي استقام مذهب الجمهور، وإلا مثل هذا مشكل جدًا،قال "ومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ ولكن المنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال ذلك في غزوة الفتح لما صلى بهم بمكة وأما في حجه فإنه لم ينزل بمكة ولكن كان نازلاً خارج مكة وهناك كان يصلي بأصحابه ثم لما خرج إلى منى وعرفة خرج معه أهل مكة وغيرهم ولما رجع من عرفة رجعوا معه ولما صلى بمنى أيام منى صلوا معه ولم يقل لهم أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر"، الذي يرجح أنه لم يقل بالفعل ما قال لهم ذلك، وأنه لو كان حكما جديدًا للزم بيانه؛ لأن هذا هذا وقت البيان، لو كان حكم ناقل للزم بيانه؛ لأن هذا موضع البيان، حضره من لم يحضر صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- من المسجد وقوله "أتموا فإنا قوم سَفْر ولم يحد النبي -صلى الله عليه وسلم- السفر لا بمسافة ولا بزمان" هذا اختياره -رحمه الله- وأن كل ما يطلق عليه سفر عرفا أنه يترخص فيه، والجمهور على أن المسافة لا بد منها، فلا يسمى سفرا إلا إذا بلغ هذه المسافة، إما يومان قاصدان على قول الحنابلة والشافعية، أو يوم وليلة على رأي الإمام البخاري، أو خمسة عشر يوما على رأي الحنفية، المقصود أن المسألة خلافية لكن جماهير أهل العلم على تحديد المسافة والمدة، وشيخ الإسلام يرى أن النصوص مطلقة فلا تقيد بغير مقيِّد شرعي، ولا شك أن القول بالإطلاق هو الأصل إذ لا يوجد مقيِّد من فعله أو من قوله -عليه الصلاة والسلام- وإنما أهل العلم التمسوا أدلة قد لا تنهض للتقييد، يعني من أقوال الصحابة ومن أفعاله -عليه الصلاة والسلام- التي لا يدرى هل تقبل الزيادة أو لا؛ لأن اتفاقه أنه مكث بمكة أربعة أيام هل يعني أنه لو مكث خمسة ما جمع ولا قصر؟ ليس هناك ما يدل على ذلك، وابن عباس يقول في مسافة القصر: ما بين مكة وجدة، وما بين مكة والطائف، وما بين مكة وعسفان هذا في البخاري، يعني ثمانين كيلاً مسيرة يومين قاصدين، والبخاري يرى أنه يوم واحد أربعين، لكن ابن حزم يقول ميل واحد، يعني إذا خرج الإنسان أقل من كيلوين يجمع ويقصر فحدد، وقلنا إن التحديد دليله لا ينهض على الإلزام لكن مع ذلك يُفتي به جمع من أهل التحقيق وأهل التحري والاتباع من أجل الاحتياط للصلاة والصيام، من أجل الاحتياط للعبادة، من أجل الخروج من العهدة وبراءة الذمة، وإلا لو قيل بالإطلاق وألقي مثل هذا الكلام على عموم الناس، عموم الناس لا يقدرون الأمور قدرها، بل وجد من يجمع ويقصر ولا يصوم السنين المتعددة، سنين عددا يجمعون ويقصرون ويفطرون وترتب على هذا ضياع هذه العبادات، فلا شك أن التحديد وهو قول جمهور أهل العلم فيه حفظ وصيانة لهذه العبادات، والشيخ ابن باز كما قال في مجموع الفتاوى: إنه كان يفتي بقول شيخ الإسلام ثم رجع عنه إلى قول الجمهور؛ لأنه يرى أن هذا أبرأ للذمة ولا يتحقق الاحتياط لهذه العبادات إلا بهذا.
طالب: ..............
هذا قول الحنفية نسك.
طالب: ..............
نعم، لكن هل النسك مرتبط بالصلاة؟، الجهة المنفكة، وإذا قلنا نسك يجمع أهل مكة ببيوتهم، فإذا أحرموا يلزم عليهم أن يجمعون في بيوتهم إذا قلنا إن الجمع نسك. يقول "ولم يحد النبي -عليه الصلاة والسلام- السفر لا بمسافة ولا بزمان ولم يكن بمنى أحد ساكًنا في زمنه ولهذا قال منى مناخ من سبق"؛ لأن كل ما أبيح فهو لمن سبق، وعلى هذا لا يجوز الحجز في هذه الأماكن المباحة، لا يجوز الحجز من المسجد، ولا يجوز الحجز أيضًا في هذه المشاعر ومواطن العبادات ولا في غيرها من الأماكن المباحة، حتى في أماكن التنزه لا يجوز الحجز فيها،"ولهذا قال منى مُناخ من سبق ولكن قيل إنها سكنت في خلافة عثمان وأنه بسبب ذلك أتم عثمان الصلاة" لماذا؟ لأنها ما صارت سفرا، صارت محل إقامة، فمادام سكنت صارت محل إقامة، ولا يحمل لها زاد ولا استعداد؛"لأنه كان يرى أن المسافر من يحمل الزاد والمزاد" وإذا قلنا بهذا الحد أن المسافر من يحمل الزاد والمزاد قلنا إن أكثر الأسفار الآن لا يحمل لها زاد ولا مزاد فليست بسفر ولو طالت مدتها وطالت مسافتها، علمًا بأن أصل السفر الوصف المؤثر للترخص أخذه من الإسفار، وهو البروز ومنه قيل للمرأة سافرة إذا أبرزت محاسنها أو شيئًا من مفاتنها، فالسفر مأخوذ من الإسفار يعني برز وخرج عن البلد سمي مسافرًا، قال ثم بعد ذلك يذهب إلى عرفات.
طالب: هل أثر عن عثمان أنه أتم في غير منى؟
ما عرف إلا هذا نقل عنه هذا وخالفه جمع من الصحابة لكنهم خالفوه في رأيه ووافقوه على فعله أتموا وراءه.
ثم بعد ذلك يذهب إلى عرفات.، فهذه السنة، لكن في هذه الأوقات لا يكاد يذهب أحـد إلى نمـرة، ولا إلى مصلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل يدخلون عرفات بطريق المأزمين، ويدخلونها قبـل الزوال، ومنهم مـن يدخلها ليـلاً، ويبيتون بها قبـل التعـريف، وهـذا الذي يفعلـه الناس كلـه يجزي معه الحج، لكن فيه نقص عن السنة، فيفعل ما يمكن من السنة مثل الجمع بين الصـلاتين، فيـؤذن أذانًا واحـدًا ويقيم لكل صلاة، والإيقاد بعرفة بدعـة مكروهة، وكذلك الإيقاد بمنى بدعة، باتفاق العلماء، وإنما الإيقاد بمزدلفة خاصة في الرجوع.
ويقفون بعرفات إلى غروب الشمس، ولا يخرجون منها حتى تغرب الشمس، وإذا غربت الشمس يخرجون إن شاؤوا بين العلمين، وإن شاؤوا من جانبيهما. والعلمان الأولان حد عرفة، فلا يجاوزهما حتى تغرب الشمس، والميلان بعد ذلك حد مزدلفة، وما بينهما بطن عرنة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:"ثم بعد ذلك يذهب إلى عرفات"، يعني بعد أن يصلي في بطن الوادي الظهر والعصر على الصفة المشروحة يذهب إلى عرفات هذه هي السنة بهذا الترتيب يوم التروية يذهب إلى منى ويصلي بها الأوقات الخمسة ثم إذا طلعت الشمس سار إلى عرفة وحتى إذا أتى نمرة وقد ضربت له القبة يمكث فيها حتى تزيغ الشمس حتى تزال الشمس، ثم ينزل إلى بطن الوادي فيصلي فيه، ثم يدخل عرفة في بعض الأحاديث أو في حديث جابر يقول: حتى إذا أتى عرفة وجد القبة ضربت له بنمرة، وهذا مما يستدل به من يقول أن نمرة من عرفة، لكن صلاته ببطن عُرنة بعد نمرة، فيكون قد دخل عرفة وجلس بنمرة، ثم خرج منها إلى عُرنة، ثم دخل مرة ثانية إلى عرفة هذا يشكل على هذا، ولذا يختلفون اختلافا كبيرا في نمرة هل هي من عرفة أو ليست منها؟ وأما بالنسبة لعرنة فجماهير أهل العلم على أنها ليست منها، يقول "ثم يذهب بعد ذلك يذهب إلى عرفات فهذه السنة" يعني بهذا "الترتيب لكن في هذه الأوقات لا يكاد يذهب أحد إلى نمرة"، يعني أكثر ما قيل فيمن حج مع النبي -عليه الصلاة والسلام- مائة وأربعة عشر ألفا، أو مائة وعشرون ألفا، لكن أين هم من الملايين الذين يعوق بعضهم بعضًا عن ترتيب هذه السنن وتطبيق هذه السنن، يعني لا يكاد أن يصنع مثل هذا إلا من له سلطة تهيء له هذه الأمور، والا فعامة الناس قد يصعب على كثير منهم تطبيق هذه السنن، على كل حال على الإنسان أن يحرص على تطبيق هذه السنن فإن صُد عنها فقد ثبت أجره ولا شيء عليه، لكن بعض الناس منذ البداية ليس في ذهنه أن يطبق شيئا من السنن، وهذا -نسأل الله العفو والمعافاة- فعلناه وفعله غيرنا، يذهب إلى مكة ليلة عرفة ويسكن في شقة في أي مكان بالعزيزية أو غيرها، ثم إذا أصبح وأضحى ركب سيارته ذاهبًا إلى عرفة من غير نظر إلى أي سنة كانت لا تروية ولا صلوات بمنى ولا خروج على هيئة مشروعة ثم بعد ذلك يقف بعرفة، وإذا غربت الشمس نزل إلى مزدلفة، وفي طريقه سيارته، فيمشي بعد ذلك إلى مسكنه الذي استأجره ولا يذهب إلى منى، كثير من الناس على هذا باعتبار أن المسألة شاقة وتطبيقها صعب، ويفعلون هذا من غير محاولة، لا شك أن في هذا إذابة للسنن، والإبقاء على الواجبات وترك السنن، ولا شك أن ترك السنن يعرض الواجبات إلى الترك وهذا مجرب، الذين صنعوا مثل ما شرحت تجد من أشق الأمور عليهم أن يخرجوا إلى منى للمبيت، تجدهم يترخصون ويتلبثون ما يخرجون إلا متأخرين، وقد لا يدخلون منى إلا بعد منتصف الليل، هذه عقوبة ومن شؤم ترك السنن، فعلى الإنسان أن يحرص على أن يحج كما حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، "خذوا عني مناسككم"، وإذا قصد شيئًا فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم صُد عنه فأجره ثابت والأمر ليس بيده، لكن أن يبيت من محله إقامته وتكون حجته على هذه الصورة تاركًا جميع السنن متخففًا من بعض الواجبات هذه الحجة لا تؤدي الثمرة التي رتبت عليها، وإن كانت صحيحة مجزئة لا يؤمر بإعادتها، ولذا يقول الشيخ -رحمه الله-"فهذه السنة لكن في هذه الأوقات لا يكاد يذهب أحد إلى نمرة ولا إلى مصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بل يدخلون عرفات بطريق المأزمين"الذي هو طريق الرجوع رجوع النبي -عليه الصلاة والسلام-"ويدخلونها قبل الزوال" والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما دخلها إلا بعد أن صلى صلاة الجمع "ومنهم من يدخلها ليلاً ويبيتون بها قبل التعريف"وهذا موجود الآن، كثير من الحملات يذهبون مباشرة إلى عرفة ويبيتون بها بالليل، ثم بعد ذلك ينزلون إلى مزدلفة ثم إلى منى، ومن الناس من يمكث بالطائف، يذهب ويجلس بالطائف حتى إذا زالت الشمس نزل إلى عرفة تاركًا كثيرا من السنن التي تقدمت مما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم الزحام لا شك أنه يولد شيئا من الضجر ويعوق دون تحصيل بعض السنن، لكن على الإنسان أن يبيت هذا في نفسه، وأنه إذا منع من ذلك أو شق عليه تطبيق ذلك فالأمر فيه سعة، أما أن يبيت وهو في بيته في مسكنه في محل إقامته أن حجته على هذه الصورة وأنه لن يتعرض لأدنى كلفة، الآن بعض العوائل تحج بأطفالها ليس عندهم إشكال، السيارة ليس فيها إشكال، ويترخصون بمثل هذا ولا يواجههم أي أدنى مشكلة، حتى أنه وجد من يسكن حول مطبخ، وإذا جاء وقت نحر الهدي يوم العيد والذي بعده يوقتونها عند هذا المطبخ، على كل حال هذا ترفه زائد لا يليق بمثل هذه الشعيرة التي قال الله عنها: "لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس"، فتبييت الترخص بهذه الطريقة لا شك أنه على خلاف هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا قصد فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم صُد عن ذلك لا مانع، ويكتب له أجره، لكن بعض الناس من الأصل قد تربى تربية مترفة وليس عنده استعداد أن يزاحم ولا أن يخالط الناس، ويقول: أنا أحج على هذه الطريقة أو لا أحج بالكلية، يعني حجة بدون أي سنة من السنن؛ إنما الواجبات مع الإخلال ببعضها؛ لأن هذه مجربة الذي يخل بالسنن عن عمد لا شك أنه في طريقه إلى الإخلال بالواجبات، فيقول إما أن أحج على هذه الطريقة التي لا تكلفني شيئًا كأنما خرجت إلى رحلة أو نزهة أو لا أحج، أترك الحج، ماذا يقال له يقال حج أو لا تحج؟ يقول: أنا والله ما عندي استعداد أنا ما عودت نفسي على الزحام ولا المشقة ولا أنام نوما كافيا، وآكل على طريقتي، ماذا يقال له؟ حج حجة فيها مخالفات لحجة النبي -عليه الصلاة والسلام- متعمدة ولو لم تكن مؤثرة على أصل النسك، الحج صحيح، الأركان موجودة، والواجبات موجودة ،وقد يترك بعض الواجبات ويأثم بتركها لكن الحج صحيح، وقد يجبر ذلك عند جمهور أهل العلم بالدم، فهل نقول حج على عادتك وطريقتك، ويرجى أن يكون حجا مقبولا، أو نقول له اترك، مادامت لن تحج مثل حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- مصرًا على ذلك مبيتًا له لأنك تربيت تربية خاصة مترفة؟! يا إخوان بعض الناس تشق عليه صلاة الجمعة التي تخرجه عن المألوف، هو اعتاد أنه إذا أذن الظهر خرج وصلى بمسجده ورجع، صلاة الجمعة تحتاج إلى استعداد وذهاب إلى جامع، فعلى الإنسان أن يربي نفسه على العزيمة، وأن يأخذ هذا الدين بقوة، لا يكون على التراخي، ومع ذلك من حج على هذه الهيئة حجه صحيح ومجزئ ومسقط للطلب ولو كان الفريضة فضلاً عن كونه نافلة، لكن مع ذلك يؤكد على أن تكون الحجة موافقة لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-،"ومنهم من يدخلها ليلاً ويبيتون بها قبل التعريف يعني قبل الوقوف قبل التعريف وهذا الذي يفعله الناس كله يجزئ معه الحج" يجزئ معه الحج؛ لأنهم إنما فرطوا في سنن لا في واجبات ولا في أركان، يجزئ معه الحج "لكن فيه نقص عن السنة فيفعل ما أمكن من السنة" يعني إذا كان يشق عليه بعض السنن يفعل ما يمكنه فعله من دون مشقة،"مثل الجمع بين الصلاتين فيؤذن أذانا واحدًا ويقيم لكل صلاة" يعني كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم عرفة وليلة جمع، أذان وإقامتين، وجاء في الصحيح بأذانين وإقامتين، وجاء فيه أيضًا بإقامتين يعني من دون ذكر للأذان من حديث ابن مسعود ومن حديث أسامة ومن حديث ابن عمر، لكن حديث جابر وهو من أفراد مسلم بأذان واحد وإقامتين، و يرجح جمع من أهل العلم ما جاء في حديث جابر على ما جاء في غيره ولو كان في الصحيحين أو في البخاري وحديث جابر في صحيح مسلم لماذا؟ لأن جابرًا ضبط الحجة وأتقنها وشرحها شرحا مفصلاً من خروجه -عليه الصلاة والسلام- إلى رجوعه إلى بيته فصار له مزيد عناية، فرجح على غيره وإن كانت رواية غيره في الصحيحين، فالصلاة بيوم عرفة وليلة جمع بأذان واحد وإقامتين على ما جاء في حديث جابر وإن خالفته الأحاديث الأخرى التي في البخاري وبعضها من المتفق عليه،"والإيقاد بعرفة" كرره الشيخ -رحمه الله- اهتمامًا بأمور الاعتقاد يعني هذا همه -رحمه الله- ،"والإيقاد بعرفة بدعة مكروهة وكذلك الإيقاد بمنى بدعة باتفاع العلماء؛ وإنما يكون الإيقاد بمزدلفة خاصة في الرجوع خاصة في الرجوع ويقفون بعرفات إلى غروب الشمس"، يقفون بعرفات إلى غروب الشمس يعني من الزوال إلى غروب الشمس هذا وقوفه -عليه الصلاة والسلام- يعني حتى غاب القرص وذهبت الصفرة دفع إلى مزدلفة، وانتظر هذا وحبس أصحابه إلى هذا، فوقوفه من الزوال إلى غروب الشمس، فماذا عن الوقوف قبل الزوال؟ شخص جاء إلى عرفة ووقف قبل الزوال ومشى قبل الزوال حجه صحيح
أوغير صحيح؟ المسألة خلافية والجمهور على أنه غير صحيح؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما وقف بعد الزوال، واستوعب الوقت من الزوال إلى غروب الشمس، لكن لو وقف قبل الزوال الأكثر على أنه ليس بموضع للوقوف، وعند الحنابلة رواية بل هي المشهورة أن حجه صحيح لماذا؟ لحديث عروة بن مُضَرِّس لما أدرك صلاة الصبح بمزدلفة قال له النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى صلاتنا هذه وكان قد وقف قبل ذلك أية ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه، وما قبل الزوال ينطبق عليه حديث عروة لكن النبي -عليه الصلاة والسلام-إنما دخل بعد الزوال وانتظر بنمرة إلى أن زالت الشمس وحبس الناس على ذلك، فهذه حجة من يقول إن الوقوف قبل الزوال لا يجزي، أما الدخول قبل الزوال والاستمرار فيها إلى غروب الشمس هذا ليس فيه إشكال، فيه مخالفة للسنة لكنه وقف بعد الزوال، ويقول الشيخ -رحمه الله- حتى تغرب الشمس، وإذا غربت الشمس يخرجون إن شاؤوا، النبي -عليه الصلاة والسلام- انتظر حتى غربت الشمس وسقط القرص وذهبت الصفرة وحبس أصحابه، وهو الذي قال: "وكان قد وقف قبل ذلك أية ساعة شاء من ليل أو نهار"؛ ولذا المرجح أنه لا بد من الوقوف إلى غروب الشمس ولا يجوز الانصراف قبل غروب الشمس؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعله وقال: "خذوا عني مناسككم" وحبس أصحابه أيضًا، حتى ما يعرف أن أحدا ترخص وطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يذهب قبل غروب الشمس، فمن انصرف قبل غروب الشمس فعند الجمهور إن انصرف متعمدًا يأثم وعليه أن يجبره بدم، ومنهم من يقول: أنه إذا وقف أية ساعة من هذا النهار يكفي كما لو وقف بعد الغروب، والاستدلال له من حديث عروة فيه قوة لكن يبقى أن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- واهتمامه بهذا من أوله إلى آخره وحبس أصحابه وقوله خذوا عني مناسككم يدل على الوجوب،"ولا يخرجون منها حتى تغرب الشمس وإذا غربت الشمس يخرجون إن شاؤوا بين العلمين وإن شاؤوا من جانبيهما والعلمان الأولان حد عرفة فلا يجاوزهما حتى تغرب الشمس"، تأكيد من الشيخ -رحمه الله- على أن هذا أمر لا بد منه، لا بد من البقاء بعرفة حتى تغرب الشمس، وبعض الحجاج إذا جاء وقت اللزوم عشية عرفة وقت التنزل الإلهي وقت التعرض للنفحات الإلهية تجدهم من صلاة العصر أو من قبل صلاة العصر يتجهزون للانصراف، ويغفلون عما يشرع في هذا الموطن من الذكر والدعاء والإلحاح على الله -جلَّ وعلا-، يتجهزون للانصراف فيركبون السيارات ويحملون أمتعتهم، ويا فلان هات ويا فلان افعل كذا..، في هذه المدة كلها ويبدؤون بالانصراف ليقفوا على الحد من أجل ماذا؟ أن يصلوا إلى مزدلفة قبل الناس ، فإذا رجع إلى بلده أخذ يتحدث في المجالس أنا وصلنا مزدلفة بعد الغروب بربع ساعة، إن كان هذا هو الهدف وهو الدافع فهذه حقيقة مرة، فأهم ما في هذا اليوم العشية عشية عرفة، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استغرق الوقت كله يدعو ويذكر الله، يذكر الله ويدعو ويلح بالدعاء، من بداية الوقوف بعد الزوال إلى غروب الشمس، والحملات حدث عنهم ولا حرج لكثرة من يتبعهم تجدهم قبل صلاة العصر أو من قبل وقت العصر وهم يأمرون الناس بالتأهب وكل إنسان يلزم مكانه بالأرقام والأمتعة ورأينا هذا، يعني نصيبهم للتعرض لهذه الرحمة قليل جدًا، فإذا جاؤوا إلى مزدلفة من قبل منتصف الليل يشوشون على الناس ويؤذونهم ويأمرونهم بالركوب وفي طريقهم سيارات واقفة وناس نيام مجرد أن يركبوا على السيارات يجلسون فيها إلى الصبح ما الداعي لمثل هذه العجلة لا سيما إذا كانت النتيجة معروفة، محسومة بدون جدوى أمامك سيارات واقفة وناس نايمين ماذا ستفعل؟ ومع ذلك يحرص بعض الناس أن يركب ويؤذي من معه ولا يتركه يرتاح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى بجمع المغرب والعشاء نام حتى أصبح ليستعد لأعمال يوم النحر على ما سيأتي، وإذا غربت الشمس يخرجون إن شاؤوا بين العلمين وإن شاؤوا بين جانبيهما "والعلمان الأولان حد عرفة فلا يجاوزهما حتى تغرب الشمس والميلان بعد ذلك حد مزدلفة وما بينهما بطن عُرَنة "
ويجتهد في الذكر والدعاء هذه العشية، فإنه ما رؤي إبليس في يوم هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أغيظ ولا أدحض من عشية عرفة،لما يرى من تنزيل الرحمة، وتجاوز الله –سبحانه- عن الذنوب العظام، إلا ما رؤي يوم بدر، فإنه رأى جبريل يزع الملائكة.ويصح وقوف الحائض، وغير الحائض.ويجوز الوقوف ماشيًا، وراكبًا. وأما الأفضل.
قف على هذا قف على هذا؛ لأن الوقت قصير.
قال -رحمه الله-"ويجتهد في الذكر والدعاء هذه العشية" عشية عرفة؛ لأنها من مواطن الإجابة وأفضل الدعاء دعاء عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، يجتهد في الذكر والدعاء مع الأسف بعض الناس على ما عود نفسه وجبلها عليه في أيام سعة تجد الكلام الكثير والقيل والقال، وقد يخرجون من المباح إلى المحرم وبعضهم اعتاد التقليد فيقلد، ومن اعتاد التنكيت ينكت، ومن اعتاد النوم في هذ الوقت ينام، وكل ميسر لما خلق له، لكن على الإنسان لا سيما طالب العلم أن يكون قدوة لغيره، وأن يحرص في هذا الوقت الذي هو من أعظم الأوقات ومن أرجى ما تجاب فيه الدعوات يتعرض لنفحات الله، ويعزم على ألا يعود إلى ما كان يزاوله قبل حجه؛ ليعود بحج مبرور، فالحج المبرور الذي لا يصاحبه إثم ولا يخالطه معصية علامته أن تكون حاله بعد حجه أفضل من حاله قبله، قال "ويجتهد بالذكر والدعاء هذه العشية فإنه ما رئي إبليس في يوم هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أغيظ ولا أدحر من عشية عرفة قال: لما يرى من تنزيل الرحمة،وتجاوز الله -سبحانه وتعالى- عن الذنوب العظام إلا ما رئي يوم بدر" نعم يوم بدر أغاظه؛ لأنه رأى الملائكة تقاتل مع المسلمين وتجاهد معهم وهو في صف الكفار، فلا شك أن مثل هذا يغيظه وتجاوز الله -سبحانه وتعالى- عن الذنوب العظام إلا ما رؤي يوم بدر "فإنه رأى جبريل يزع الملائكة"، يزع الملائكة، يعني يحثهم ويصنفهم ويوزعهم، هذه العشية مثل ما ذكرنا ينبغي استغلالها فيما يقرب إلى الله -جلَّ وعلا-، وإذا كان الإنسان عرف من قلبه القسوة فليحرص ويصدق اللجأ إلى الله -سبحانه وتعالى- في هذا الموطن أن يحيي قلبه حتى في عرفة نقرأ القرآن ونذكر الله -جلَّ وعلا- والقلب غافل ساهٍ في هذا الموطن، القلب لا يكاد يوجد، والحسن البصري يقول ابحث عن قلبك في المواطن الثلاثة: في الذكر، وقراءة القرآن، والصلاة، يقول: إن لم تجده فاعلم أن الباب مغلق، كثير منا هذه حاله، ولا شك أن الران غطى القلوب وغشاها بحيث لا تستحضر في أي موطن كان، وإذا قال الإنسان أن حاله قبل عشرين سنة أفضل بكثير من حاله الآن، مع أنه في الظاهر يشتغل بالعلم والتعليم وظاهره الاستقامة والخير، لكن هذه حال القلوب؛ لأن الدنيا لما فتحت أشغلت القلوب وصرفتها عما خلقت له، ولب الصلاة الخشوع ولب القراءة التدبر، ولب الدعاء صدق اللجأ والخضوع لله -جلَّ وعلا-، ما تجد شيئا من هذا إلا القليل النادر، فعلى الإنسان لا سيما في هذا اليوم العظيم يوم عرفة سواء كان حاجًّا في صعيد عرفات أو مقيمًا في بلده صائمًا لله -جلَّ وعلا- وصيام يوم عرفة جاء الحث عليه وأنه يكفر سنتين، يتشبه بالحجاج ويحفظ صيامه إما في مسجد أو شبهه، في مكان لا يختلط فيه بأحد ويدعو الله -جلَّ وعلا- وهذا هو التعريف المشروع؛ لأن هناك تعريف مبتدع ينص عليه أهل العلم، وهو التعريف بالأمصار ينصون على أنه بدعة ويريدون بذلك مشابهة أهل عرفة من كل وجه، يعني بلبس الإحرام مع التلبية والدعاء والذكر والجلوس بالمسجد، فهذا بهذه الصورة وهذه الكيفية لا شك أنه بدعة عظيمة منكرة محرمة لا يجوز فعلها ألبتة، وأما التشبه بهم، يعني الصيام لأهل عرفة، فأهل عرفة لا يصومون، ويكره في حقهم الصيام بل صرح جمع من أهل العلم بتحريمه، يصوم كما جاء الحث على ذلك ويتعرض لنفحات الله والنزول الإلهي كما هو لأهل عرفة ولغيرهم أيضًا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله.
أوقات النهي لا يفعل فيها شيء من التطوعات إلا في الوقتين الموسعين بالنسبة لتحية المسجد التي جاء الأمر بها، وأما ما جاء الحث عليه دون أمر به فلا يقوى أن يصل إلى معارضة النهي.
جاء عنه أنه كان يقرأ بهاتين السورتين وكان دِيْمَة يعني يقرؤها كثيرًا، لكن لا يعني أنه لا يخل بها، لا يعني أنها يلتزمها كالتزام الفاتحة.
جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أنه ما صام العشر وجاء عن غيرها من أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صام العشر وعلى كل حال مادام حث على العمل الصالح في هذه الأيام وبين في أحاديث كثيرة أن الصيام من أفضل الأعمال يدل على أن الصيام في هذه الأيام من خير ما يصام من الأيام «ومن يصام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا».