شرح متن الورقات في أصول الفقه (17)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، انتهينا من الكلام على الظاهرية وموقفهم من القياس، وما نيل منهم بسبب تركه، الآن هذا كله انتهى، نعم، استغرق الدرس الماضي كله الظاهرية.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وأما القياس: فهو رد الفرع إلى الأصل بعلة تجمعهما في الحكم: هذا تعريفه عند المؤلف، وفي اللغة: التقدير، القياس في اللغة التقدير، ومنه قياس الثوب، تقول: قست الثوب بالذراع؛ إذا قدرته به، قست الثوب بالذراع إذا قدرته به، ومنه قول الشاعر: يصف شجة:

إذا قاسها الآسي النطاسي أدبرت

 

 

..............................

 

نشتغل بالتعريف، نشتغل بالتعريف إلى أن يحضر، نشتغل بالتعريف إلى أن يحضر

إذا قاسها الآسي النطاسي أدبرت

 

 

غثيثتها أو زاد وهياً هزومها

 

إذا قاسها: يعني قدرها بالمسبر، الجرح، الشجة تقدر، وفي الفقه في أبواب الجنايات: تقدير الشجاج، نعم، بأن يدخل المسبر، يرى مقدارها طولاً وعرضاً؛ من أجل تقدير ما يستحقه المجني عليه، فالقياس أصله التقدير.

وأما في الاصطلاح فعرفه المؤلف -رحمه الله تعالى- بما سمعنا، بأنه رد الفرع إلى الأصل بعلة تجمعهما في الحكم.

ابن قدامة يعرفه بقول قريب جداً من هذا يقول: "حمل فرع على أصل في الحكم بجامع بينهما" -هناك تعريفات كثيرة لكن هذا محصلها- حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما: فلا بد أن يكون هناك فرع وأصل وحكم وجامع، هذه يمكن أن نسميها أيش؟ أركان القياس، فرع يقاس، أصل يقاس عليه، حكم الذي هو نتيجة القياس، والذي من أجله حصل القياس، والعلة التي تجمع بينهما، العلة التي يلحق بها النظير بنظيره في الحكم والشبيه بشبيهه.

والباء في قول المؤلف: بعلة: سببية، أي بسبب علة تجمعهما.

ومعنى رد الفرع إلى الأصل: إرجاعه إليه، إرجاعه إليه، إرجاعه إليه في الحكم؛ لأن الفرع المفترض فيه أنه لم يرد فيه بخصوصه نص يبين حكمه، هذا الأصل.

الفرع، لماذا قلنا: فرع؟ لأنه خال من الحكم المنصوص عليه، وقلنا: أصل؛ لأنه منصوص عليه -على حكمه- فنحتاج إن نلحق هذا الفرع غير المنصوص عليه، بالأصل بالمنصوص عليه.

هناك ما يقول فيه بعض أهل العلم: إنه جاء على خلاف الأصل، جاء على خلاف الأصل، مع أنه منصوص عليه، فالمنصوص عليه بدليل شرعي من الكتاب أو من السنة أصل.

كيف يقول بعض أهل العلم: إن جواز هذا الأمر -وهو منصوص عليه- على خلاف الأصل، والأصل، عرفنا الأصل بأنه ما نص عليه -على حكمه- والفرع ما لم ينص على حكمه فيلحق بهذا الأصل للعلة التي تجمع بينهما.

ما فيه مسائل قال فيها أهل العلم: إنها على خلاف الأصل؟ نعم؟ على خلاف الأصل وهي منصوص عليها بالأدلة، حتى قالوا في المزارعة: إنه على خلاف..، جوازه على خلاف الأصل.

قالوا في وجوب الوفاء بالنذر على خلاف الأصل، مع أنه منصوص عليه: ((أوف بنذرك))، ليش على خلاف الأصل؟ لماذا جاء على خلاف الأصل، الأصل أن النذر مرغوب وإلا غير مرغوب في الشرع؟ نعم؟

مكروه، بل جاء النهي عنه، فكيف تكون وسيلته مكروهة، ونتيجته واجبة؟ والأصل أن الوسائل لها أحكام المقاصد، قالوا: هذا جاء على خلاف الأصل، هم عندهم قواعد مطردة مأخوذة من نصوص الشريعة يؤيدها فروع كثيرة جاءت بنصوص شرعية، فما خرج عن هذه القاعدة ولو جاء فيه نص يكون على خلاف الأصل عندهم، هل نستطيع أن نقول: إن مثل هذا أصل برأسه؛ لأنه جاء فيه نص؟ ونحتاج إذا وجدنا له نظير نقيسه عليه؛ ليكون فرعاً منه، أو نقول مثل ما يقولون: على خلاف الأصل؟

ابن القيم -رحمه الله تعالى- في إعلام الموقعين ذكر كثيراً من المسائل التي قيل فيها: إنها على خلاف الأصل وفندها، ما في شيء على خلاف الأصل؛ ما دام ورد فيه نص فهو أصل، وأجراها على القواعد -رحمه الله- نعم، هناك ما يخرج عن القواعد الأغلبية، القواعد الكلية لا يخرج عنها شيء، لكن القواعد الأغلبية يخرج عنها فروع، جاءت بأدلة أو ألحقت بأصول هي أقرب بها شبهاً مما قعد عليه.

فلتوضيح التعريف نقول: رد الفرع يعني إرجاعه إلى أصله المنصوص عليه؛ لأن الفرع غير منصوص عليه، ولاجتماعهما واشتراكهما في علة واحدة حكمنا على الفرع بحكم الأصل لماذا؟ لأن الشرع لا يفرق بين المتماثلات، كما أنه لا يجمع بين المختلفات.

فإذا تحقق وجود العلة في الفرع مثل وجودها في الأصل ألحقناه به حكماً، ولذا قال ابن العربي مقالته، نعم، لما تجد مسألة تبحث عن حكمها الشرعي ما تجدها، ما نص عليها، وكم من المسائل مما لم ينص عليه، فتبحث في المسائل المنصوص عليها فتجد هذه المسألة علتها هي علة المسألة المنصوص عليها، فتلحقها بها، فإذا قلت: هذا واجب لماذا؟ لأن الله -سبحانه وتعالى- أوجب كذا والعلة واحدة، أو هذا حرام؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- حرم كذا والعلة متحققة، هل يستطيع أحد أن يطالبك بالدليل، العلة متحققة في الفرع مثل تحققها في الأصل.

ولنعلم أن العلل تنقسم إلى علل منصوصة وعلل مستنبطة، علل منصوصة وعلل مستنبطة، فالعلل المنصوصة من الشرع يدور معها الحكم وجوداً وعدماً، العلل المستنبطة للمخالف أن ينفيها؛ لأن المستنبطة بإمكانه أن يستنبط غيرها، وباعتبار أن الكتاب ألف ابتداءً للمبتدئين لا نستطيع أن نسترسل في العلة والعلل، وما تتحقق، وتحقيق المناط، وتنقيح المناط، وأمور يعني تطول؛ لأن الكتاب أساساً ألف للمبتدئين.

من أمثلة ذلك: أهل العلم قاسوا النبيذ على الخمر؛ بجامع الإسكار، العلة الجامعة بينهما الإسكار، فالنبيذ تبحث في النصوص الشرعية شيئاً -دليلاً- ينص على النبيذ ما تجد، لكن الدليل نص على الخمر، والعلة الإسكار، يخالف في هذا الحنفية ولهم ردود على مثل هذه العلل.

المخدرات والمفترات مقيسة على الخمر بجامع تغطية العقل من وجه، والضرر من وجه آخر، بل هي شر من الخمر، فهذا قياس، يعني يلزم من لا يقول بالقياس أن المخدرات عنده حلال؛ ما فيها نص يدل عليها، يلزمه يعني لوازم باطلة، لكن له أن يقول -إن كان ممن يقول بالمفهوم- يقول: تحريم المخدرات من باب مفهوم الموافقة، مفهوم الموافقة، وهو الذي يسميه بعضهم قياس الأولى، يعني تحريم المخدرات أولى من تحريم الخمر؛ لأنها أشد ضرراً وأشد تغطية، على أنه جاء في النص ما يدل على أن أي شيء يجتمع مع الخمر في العلة أنه حرام، ((كل مسكر خمر، وكل خمر حرام))، ولا يعني أن يكون الخمر هو ما نزل الحكم مع وجوده، يعني من التمر والعنب والأمور التي..، والشعير والعسل الأمور التي نزل الوحي وهي موجودة ومستعملة، لكن الحنفية ينازعون في تسمية الخمر إذا اعتصر من غير العنب، لا يسمونه خمراً، لكنهم يقيسونه على الخمر، الخمر المعتصر من التمر مقيس على الخمر المعتصر من العنب، لكنه خمر، ونزلت النصوص وأهل الحجاز خمرهم من التمر.

المقصود أن مثل هذا يطول، لكن هناك أمور لا بد من العمل فيها بالقياس؛ لو اقتصرنا على الأحكام المنصوصة لأذهبنا أحكام النوازل كلها؛ لأنها غير منصوصة، من أمثلته قياس الأرز على البر في جريان الربا بعلة الطعم والادخار، كل ما يشارك البر في العلة مقيس عليه بجريان الربا، كل ما يشارك التمر ما يشارك الأصناف الستة المنصوص عليها التي هي الذهب والفضة، البر، الشعير، التمر، الملح، ستة.

الظاهرية يقولون: ما في شيء اسمه ربا في غير هذه الأنواع الستة، يعني مقتضى كلامهم أنه لا يوجد ربا البتة الآن، ما في ربا يعني ألف بألف وخمسمائة ما فيه شيء، لماذا؟ لأنها ليست ذهب ولا فضة، يعني مقتضى كلامهم -مع تعظيمهم للنصوص، ولا دفعهم إلى هذا القول إلا تعظيم النصوص وعدم الجرأة على الله -عز وجل- إلا بشيء بين ثابت عنه وعن رسوله مع ذلكم- وقعوا فيما وقعوا فيما وقعوا فيه.

يعني معناه ألف بألف وخمسمائة ما فيه شيء؛ لأنه لا ذهب ولا فضة، ليس من الأنواع الستة، القرطاس هذا، فله لوازم، له لوازم كثيرة عدم القول بالقياس.

يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

أما القياس فهو رد الفرع
لعلة جامعة في الحكم

 

 

للأصل في حكم صحيح شرعي
وليعتبر ثلاثة في الرسم

 

يعني أقسامه ثلاثة،

لعلة أضفه أو دلالة

 

 

أو شبه ثم اعتبر أحواله

 

وأيش أخذنا قبل؟ التعريف فقط؟ إيه، اقرأ بعده، اقرأ الأقسام، نعم.

طالب:.......

إيه.

طالب:.......

الإلزام أو تحميل الشرع أو المتمسكين بالشرع بفعل بعضهم بحيث يقال: إن هذا هو الإسلام من صنيع بعض المسلمين، هذه جناية على الإسلام، جناية على الإسلام من وجه، فلا يجوز أن يلصق بالإسلام إلا ما جاء في نصوصه، أما تصرفات بعض المسلمين لا تلصق بالإسلام، والإسلام يعني مع سعته وكون مرتكب هذه الأمور لا يخرج عن دائرة الإسلام، لكن لا يعني أن الإسلام يرتضي هذه التصرفات، ولذا حرمها وعاقب عليها، هذا من وجه.

الوجه الثاني: أنه أيضاً على وجود بعض المسلمين الذين يرتكبون هذه المخالفات لا شك أنهم في تصرفاتهم هذه مع إساءتهم إلى أنسهم، وتعريضها لعقوبة الله -عز وجل- أنهم يصدون عن دين الله، يصدون عن دين الله، المسلمون الجدد يسمعون عن الإسلام، يسمعون عن الإسلام أنه دين العدل والرحمة والرأفة والمساواة والإخاء والإيثار وكذا، فلما نظروا إلى واقع المسلمين قالوا: وأين الإسلام؟ فهم بهذه يصدون عن دين الله، لكن هم تسببوا، بعضهم يتسبب في الصد عن دين الله، لكن مع ذلك لا يعفى الذي يُصد بسبب هؤلاء، فمن تسبب في صد أحد عن دين الله بقوله أو بفعله يأثم، ويبقى أن الذي انصرف عن دين الله بسبب هؤلاء معاقب، لا يعني أننا وجدنا من يتصرف تصرفات لا تليق بالسلم أننا نبرئ الطرف الآخر الذي ينصرف عن دين الله بسبب هذه التصرفات، هو المسؤول الأول، يعني هل معنى أن النساء إذا تبرجت، وفتنت الشباب، نعم، ووقع الشباب في بعض المحظورات أننا نعفي هؤلاء الشباب ونقول: اللوم على النساء التي تبرجت؟ لا لا، لا نعني هذا، هي عليها إثمها، وأنت عليك إثمك، هي مأمورة بغض البصر، مأمورة بالستر، مأمورة بالقرار في البيت، أنت أيضاً مأمور بأوامر، الشرع وضع لك احتياطات؛ لئلا تقع في مثل هذه الأمور.

وأما من يقول:

ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له

 

 

إياك إياك أن تبتل بالماء

 

 هذا ما هو بصحيح، الشرع ما يفعل هذا، هذا مذهب الجبرية، نعم على المرأة كفل في هذا الباب، ولذا قدمت على الرجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [(2) سورة النــور]، قدمت على الرجل، لكن لا يعني أننا نبرئ الرجل، لا يعني أن الرجل يبرأ، وكذلك إذا وجد من يصد عن دين الله بقوله أو بفعله، ووجد من صد..، من انصرف عن دين الله بسبب هذا الصد مؤاخذ؛ هو مكلف.

طالب:.......

على كل حال دعوة الشيخ مثبتة ومسطرة في كتبه، وكتب أولاده، وأحفاده، ومن حمل هذه الراية بعدهم، ومعهم من أئمة الهدى في العصور المتأخرة، لا يضيره أن يتكلم أحد عنهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- الحملة على محمد -عليه الصلاة والسلام- في هذه الأيام أشد من حملة....... مؤسسات منظمات قامت لتشويه الإسلام في شتى عصره، يضر؟ ما يضر.

الخالق -جل وعلا عما يقول الظالمون علواً كبيراً- ما سلم من السب، وهو المنعم المتفضل، الموجد من العدم، المدر للنعم بجميع أنواعها وأصنافها ومع ذلك ما سلم، ((يؤذيني ابن آدم)).

المقصود أن مثل هذه الأمور -وإن وجدت- نعم ينبغي الرد عليها والتصدي لها، لكن نعرف أنها سنن إلهية لا بد من أن تبقى، الصراع بين الحق والباطل لا بد أن يبقى؛ لتعظم الأجور، تعظم الأجور لمن يساهم في رد هذه الأمور لنصر الدين.

انتهينا من..، أنت قرأت أقسام القياس؟

المؤلف -رحمه الله تعالى- قسم القياس كغيره إلى ثلاثة أقسام.

قال: وينقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى قياس علة وقياس دلالة وقياس شبه، فقياس العلة: ما كانت العلة فيه موجبة للحكم: هذا قياس العلة، الأقيسة، قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شبه –ثلاثة- قياس العلة عرفه المؤلف: ما كانت العلة فيه موجبة للحكم: أيش معنى موجبة؟ إيجاب عقلي وإلا شرعي؟ يعني هل العلة موجبة؟ العلة هل العلة يصدر عنها إيجاب، الإيجاب من من؟

من الله -عز وجل- هذا الإيجاب الأصل، موجبة للحكم يعني مقتضية له، يمعنى أنه لا يحسن عقلاً تخلف الحكم عنها، ولو تخلف عنها لم يلزم منه محال، كما هو شأن العلل الشرعية، يعني العلل المستنبطة، العلل المستنبطة، يعني قد يتخلف الحكم في المنصوص فضلاً عن المقيس الذي توجد فيه العلة، ولا يلزم منه محال عقلاً، ولا يلزم منه مؤاخذة شرعاً؛ لنص آخر.

الميتة حرمت؛ لنجاستها وللضرر، المضطر يأكل من الميتة، بل يجب عليه أن يأكل ما يحفظ حياته، بنص آخر، تخلفت، تخلف إيجاب العلة واقتضاء الحكم لوجود معارض، فكيف بالعلل المستنبطة، ولذا تجد من يثبت حكماً بقياس لعالم آخر أن ينفي، كما سيأتي في مثال قياس الدلالة.

وليس المراد الإيجاب العقلي الذي يقابل الاستحالة، ليس معنى هذا الإيجاب العقلي الذي هو مقابل للاستحالة؛ لأن عندهم واجب وجائز ومستحيل، واجب يقابل المستحيل، والجائز بينهما، لكن لما كان مثل هذا لا يمكن التعبير عنه بأنه جائز؛ لأنه يستوفيه طرفاه وهذا راجح لوجود العلة، العلة مرجحة لإلحاق الفرع بالأصل، ما استطاعوا أن يقولوا: جائز، وإنما قالوا: واجب؛ لأنه أقرب للوجوب.

وليس المراد الإيجاب العقلي بمعنى أنه يستحيل عقلاً تخلف الحكم عنها وذلك كقياس تحريم ضرب الوالدين على التافيف، بجامع الإيذاء؛ فإنه لا يحسن في العقل إباحة الضرب مع تحريم التأفيف، يعني هل يحسن من شخص أن يطالبك بمبلغ زهيد، ويصر ويسجنك من أجله مع أنه له مبلغ ثان أكبر منه يعفو عنه، نعم؟ يقول: صحيح عندك لي قيمة البيت مليون، وعندك قيمة كتاب مائة ريال، قيمة البيت حل، لكن المائة لا بد تحضرها الآن، لا بد من إحضارها الآن، وإلا سوف تترتب الآثار المترتبة على عدم الإحضار من شكوى وسجن وغيرهما، هذا عقلاً مقبول؟

طالب: لا.

ما يحسن، هذا لا يحسن عقلاً، أيضاً لو وجد ممن يتولى الحسبة –مثلاً- فيشدد على من يرسل نظره ويتسامح مع مسألة إركاب وغيره، أيهما أشد؟ أنت لا تلتفت، لا تلتفت لا يمين ولا يسار للنساء، لكن كونك تفتح الباب وتركب المرأة هذا أمره سهل، هذا يحسن عقلاً وإلا شرعاً ما يحسن، فإذا منع الأقل فالأعلى أولى منه بالمنع، وإذا تسومح في الأعلى فالأقل أولى منه بالتسامح.

ولذا لما حرم الشارع التأفيف كلمة (أف) {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [(23) سورة الإسراء]، ولا في أقل من هذه الكلمة، إذن الشتم والسب من باب أولى.

((لعن الله من لعن والديه)) تعجبوا كيف يلعن الرجل والديه؟ كيف يلعن الرجل؟ قال: ((يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)) يكون سبب ملعون إذا تسبب، فكيف إذا فعل؟ نسأل الله العافية، فكيف به إذا ضرب، وهذا حاصل وموجود في مجتمعات المسلمين، يضرب أمه، يقول: ليربيها، أيش يربيها؟ كيف يربي أمه؟ لخلاف بينه وبين زوجته، ليربيها!

هل له أن يضرب أمَّه لو وجد عندها أجنبياً في البيت؟ لو وجد معها في الفراش رجلاً أجنبياً له أن يضرب أمه؟ ليس له ذلك، يريد أن يربيها لخلاف بينها وبين زوجته، هل يستطيع أن يقول شخص: لمصلحة التربية يجوز مثل هذا؟ والله -سبحانه وتعالى- يقول: {لاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} يتصور هذا؟!

ما يتصور، وليس معنى هذا أنه دعوى للتساهل مع الوالدين في عدم توجيههم، وإرشادهم، ونصحهم، وبيان الحق لهم وقطع جميع السبل المفضية على فسادهم؛ لأن الفساد كما يوجد في الصغار، قد يوجد في الكبار، يعني المقصود ظاهر يا إخوان، اختلف في هذا النوع فمنهم من جعله من..، منهم من جعل الدلالة فيه على الحكم قياسية، ومنهم من ذهب إلى أنها غير قياسية وأنها من دلالة اللفظ على الحكم، يعني هل تحريم الضرب قياس وإلحاق، فيكون الضرب فرع والأُفّ أصل؛ لأنه منصوص عليه؟ أو نقول: إن اللفظ يدل على تحريم الضرب فيكون من باب أيش؟

طالب:.......

مفهوم الموافقة، مفهوم الموافقة والذي يسميه بعضهم قياس الأولى، يعني إذا حرم، إذا نص الشارع على أمر خفيف فما فوقه من باب أولى، محرم من باب أولى يتناوله النص.

نقل إمام الحرمين في البرهان عن أكثر الأصوليين أنه يثبت حكم الضرب بطريق مفهوم الموافقة، نقل إمام الحرمين عن أكثر الأصوليين أنه يثبت حكم الضرب بطريق مفهوم الموافقة، وهو أن يوافق المسكوت عنه المنطوق في الحكم، وقد يكون أولى وقد يكون مساوياً، والضرب أولى بالتحريم من التأفيف.

يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

أولها ما كان فيه العلة
فضربه للوالدين ممتنع

 

 

موجبة للحكم مستقلة
كقول أف وهو للإيذا منع

 

يعني هل مثل هذا القياس يحتاج إلى عالم ينظر هناك فرع، هناك أصل، هناك علة، وإلا أدنى عوام المسلمين يعرف أن مثل هذا حرام من هذا النص؟ نعم.

طالب:.......

هل يحتاج الحكم في مثل هذا، شخص يضرب أباه، ويقول: انتظر خلينا نسأل الشيخ فلان؟ نعم، لا يحتاج، عوام المسلمين يفهمون أنه إذا منع الأدنى فمن باب أولى أن يمنع ما هو أعلى منه.

إذا منع الشرع الضرب في التأديب الزيادة على عشرة أسواط، نعم، هل نقول: إن مائة سوط ما تخالف؛ لأنه غير منصوص عليها؟ من باب أولى.

الثاني: قياس الدلالة: وهو الاستدلال بأحد النظيرين على الآخر، وقد تكون العلة دالة على الحكم، ولا تكون موجبة للحكم، قد تكون العلة دالة على الحكم ولا تكون موجبة، ولذا هذا النوع من القياس أضعف وإلا أعلى من سابقه؟ أضعف؛ لأنه في القسم الأول العلة موجبة، بينما هنا لا تكون العلة موجبة، وفي القسم الثاني من أقسام القياس، وهو قياس الدلالة كما سمعنا، وعرفه المؤلف بأنه: الاستدلال بأحد النظيرين على الآخر، لكن لا بد من أن يكون النظير..، أن يكون النظيران متقاربين إن لم يكونا متطابقين في وجه الشبه، ولا تكون موجبة للحكم يعني مقتضية له كما في القسم الأول، وهذا النوع غالب أنواع الأقيسة، هذا النوع هو غالب أنواع الأقيسة.

من العلل المنصوصة في هذا النوع بحيث يلحق بها ما شارك في العلة قوله -عليه الصلاة والسلام- في الهرة: ((إنها ليست بنجس)) العلة الطوافة، ((لأنها من الطوافين عليكم والطوافات))، فالعلة منصوصة – الطوافة- فإذا توافرت هذه العلة نقيس، إذا وجد شيء يطوف على الناس، ويدخل عليهم من غير استئذان، ولا يستطيعون رده، فإنه يحكم بطهارته، ولذا يقول أهل العلم: "وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة -هم نظروا إلى الحجم- وما دونها في الخلقة طاهر، لماذا؟ لأن ما دونها في الخلقة تتحقق فيه العلة التي هي الطوافة، مع عدم إمكان التحرز منه، بينما من فوقها في الخلقة يمكن التحرز منه، الناس لا يأبهون بما يجول في أفنية البيوت؛ لأنه لا يمكن ضبطها، لكن دواخل البيوت يتحكمون فيها، دواخل البيوت يتحكمون فيها، نفرض أن شخصاً له مواشي، وعنده ..... كبيرة ورابط هنا غنم، وهنا حمار، وهناك ثور، وهناك..، من المأكول وغير المأكول، كونها تجوب وتتمشى في الأفنية هذا الأصل، لكن دخولها داخل البيوت، يعني هل يأذن مثل هؤلاء للحمار أن يدخل الصالة نعم؟ ما يمكن، هل يمكن التحرز من الحمار؟ يمكن؟ لأنه كبير، لكن يا الله هات فأرة يمكنك التحرز منها؟ فأر.

طالب:.......

نعم، سؤرها ليس بنجس.

طالب:.......

أيش هو؟

طالب:.......

لكن سؤرها طاهر وإلا نجس؟ أيش معنى سؤرها؟ فضلة أكلها أو شربها، إذا أكلت من طعام أو شربت من ماء، ينجس وإلا ما ينجس؟ ما ينجس، ولذا يقول أهل العلم: سؤر الهرة..، أنت بإمكانك أن تقول: نجس؛ لأن عينها نجسة وتعمى عن العلة المنصوصة أنها من الطوافين، أنتم لا تتصورون أن البيوت على حد سواء، هناك بيوت لبعض الناس ما فيها شيء من هذه الحشرات، وبعضها مسرح -بعض البيوت- وفي بعض الأحيان تسلط أمور تطلع من المجاري أيش تسوي بها هذه؟ الفئران والجرذان، رايحة جاية، مثل هذه لا يمكن التحرز منها، وهي دون الهرة في الخلقة إذن على كلامهم طاهرة، لكن لقائل أن يقول: هذه العلة -إنها من الطوافين- نعم هو طواف، لكن كل طواف تتحقق فيه الطوافة طاهر؟ أو لمعنىً يخص الهرة، لا يتحقق في غيرها؟

لقائل أن يقول ذلك، فالمقصود أن مثل هذا دلالته ظنية، ولذا يكثر التنازع فيه، وهو أوسع أنواع الأقيسة، وغالب أنواع الأقيسة من هذا النوع، وهو ما يكون فيه العلة الغالب أنها مستنبطة، يستنبطها أهل العلل، وقد يأتي عالم يستنبط علة أخرى، ولذا وجد قياس -الذي يلي هذا- قياس الشبه، فمن أهل العلم من يقيس بجامع كذا، ومن يطلع واحد ثاني يقيس على حكم مخالف تماماً لوجود مشابهة من وجه آخر، وهو ما يسمى فيما بعد على ما سيأتي بقياس الشبه: وهو ما يكون الحكم فيه لعلة مستنبطة يجوز أن يترتب عليها الحكم في الفرع، ويجوز أن يتخلف، وهذا النوع أضعف من الأول كما ذكرنا؛ فإن العلة دالة على الحكم وليست ظاهرة فيه ظهوراً لا يحسن معه تخلف الحكم، ومثاله: مثلوا له بقياس مال الصبي والمجنون، قياس مال الصبي والمجنون على مال البالغ في وجوب الزكاة.

مال الصبي والمجنون: نفترض أن صبياً أو مجنوناً ورث من أبيه أو من قريبه مبالغ طائلة وأودعت في البنك، فيها زكاة وإلا ما فيها زكاة؟ نعم، فيها زكاة، لماذا؟ لأن النصوص تتناوله، مال نامٍ وهو أيضاً كنز، وقد جاء ما يدل على ذلك في الوصية بالعمل في مال الأيتام، لئلا تأكلها الصدقة.

فالزكاة في مال الصبي والمجنون واجبة قياساً على مال الكبير العاقل، بجامع أن كلا منهما مال نام، يعني قابل للنمو، ليس معنى نام أنه يزيد، يمكن أنه رصيد جامد أو يخسر بعد، لكنه قابل للنمو كمال الكبير العاقل، وهذا قول الأكثر.

أبو حنيفة يقول: أبداً، لا زكاة في مال الصبي والمجنون، لماذا؟ لعدم التكليف، هل على الصبي صلاة؟ هل يجب على المجنون زكاة؟ هل يجب على المجنون صلاة أو صيام؟ لا يجب عليهما لماذا؟ لأنهما غير مكلفين، إذن الزكاة مثل الصلاة، هما غير مكلفين.

فأبو حنيفة نظر إلى أن المسألة من باب حكم التكليف، ولا تكليف هنا، والجمهور نظروا إلى أن المسألة داخلة في حكم الوضع، يعني هل الحكم هنا تكليفي وإلا وضعي؟ إذا قلنا: تكليفي ما فيه شيء؛ لأنهما غير مكلفين، وإذا قلنا: إن إيجاب الزكاة عليهما من باب الحكم الوضعي، من باب ترتيب المسبب على السبب، السبب الموجب للزكاة وجد، إذن يوجد المسبب، وجد ملك نصاب إذن يوجد إيجاب الزكاة، فيكون من باب ترتب الآثار على الأسباب، فيكون الحكم وضعياً.

لو أتلف الصبي أو المجنون لغيرهما، نقول: هذا غير مكلف لا يلزمه شيء؟ نعم، هل نستطيع أن نقول غير مكلف؟ هو غير مكلف يا أخي، طرداً لقول أبي حنيفة ما يلزمه شيء هو غير مكلف كالبهيمة، إذن هو من باب ربط الأسباب بالمسببات، وجد التلف فوجد الأثر المترتب عليه، وجد المال وجد الأثر المترتب عليه، فيكون من باب ربط الأسباب بالمسببات، فيكون حكماً وضعياً، وليس بحكم تكليفي.

يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

والثاني ما لم يوجب التعليل
فيستدل بالنظير المعتبر
كقولنا مال الصبي تلزم

 

 

حكما به لكنه دليل
شرعاً على نظيره فيعتبر
زكاته كبالغ أي للنمو

 

في إشكال قياس العلة والدلالة؟ هو ما جاء المؤذن....؟

 

حضر الأذان الآن ..