شرح القواعد الفقهية (3)
في درس الأمس طرحنا مسألة إكمال القواعد الخمس على شيء من الإيجاز أو الاستمرار في القاعدة الأولى وإيفاءها بعض حقها، فكثير من الإخوان الذين سمعت أصواتهم يرغبون في البسط، وأننا لو لم ننهي إلا القاعدة الأولى لكفى، هذا الذي حصل بالأمس، لكن الإخوة المنظمين للدورة قالوا: إن رغبتهم في إكمال القواعد على أي وجه كان؛ لأن عندهم مدة زمنية محددة لدراسة متون معينة وفنون حددوها هم، وضربوا لها مددًا معينة، فعلى هذا اتجهنا إلى هذا واعذرونا عن طي كثير من المسائل التي طالب العلم بأمس الحاجة إليها، فمادامت هذه رغبتهم فهم أهل الشأن، وعلى هذا ننهي إن شاء الله تعالى القاعدة الأولى في هذا اليوم، وغدا في الثانية والثالثة، وبعده في الرابعة والخامسة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، في آخر الدرس الماضي ذكرنا أن النية إنما شرعت لمقاصد جليلة مهمة؛ من أهمها تمييز العبادات من العادات كما يقول أهل العلم، وتمييز رتب العبادات بعضها من بعض، فمثلاً الوضوء والغسل قد يفعله الإنسان للتبرد، قد يفعله للتنظيف لا سيما الغسل، وقد يفعل ذلك عبادة؛ لرفع الحدث أو التجديد، فيختلف الحكم في هذا وهذا، الإمساك أيضًا وعدم الأكل قد يكون للحمية والتداوي، أو لعدم الحاجة إليه، فشرعت النية؛ لتمييز العبادة عن غيرها، وأيضًا الصيام قد يكون نفلاً، وقد يكون فرضًا، وقد يكون نذرًا، والغسل قد يكون فرضًا، وقد يكون نفلاً، فشرعت النية؛ لتمييز هذه العبادات، الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- في شرح الأربعين يقول: النية في كلام العلماء تقع بمعنيين: أحدهما تمييز العبادات بعضها عن بعض، كتمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر مثلاً، تمييز صيام رمضان من صيام غيره، أو تمييز العبادات من العادات، كتمييز الغسل من الجنابة من غسل التبرد والتنظف ونحو ذلك، وهذه النية هي التي توجد كثيرًا في كلام الفقهاء في كتبهم، والمعنى الثاني بمعنى تمييز المقصود بالعمل، وهل هو الله وحده لا شريك لا أم غيره، أم الله -جل وعلا- مع غيره، وهذه النية هي التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي توجد كثيرًا في كلام السلف المتقدمين، لو نظرنا في مثال ذُكِر في كتب أهل العلم أن شخصًا حج من بغداد ماشيًا ثلاث مرات، فما رجع من الحجة الثالثة، دخل البيت فإذا بأمه نائمة فنام بقربها ولم تشعر به، استيقظت في أثناء الليل فإذا بولدها عندها، فقالت: يا فلان، أسقني ماء، سمعها ولم يمتثل، مرهق تعبان جاي من الحج على قدميه ماشيًا، ثم انتبه الثانية، وقالت: يا فلان، أسقني ماء فكأنه لم يسمع وهو يسمع بالفعل، ثم في المرة الثالثة قالت: يا فلان، أسقني ماء، فعاد إلى نفسه باللوم فقال: أحج نفلاً ماشيًا وطاعة الأم واجبة، بل من أوجب الواجبات، والماء على خطوتين أو ثلاث ولا أمتثل، قام وأحضر الماء لها، فلما أصبح ذهب ليسأل عن صنيعه هذا، فقيل له: عليك أن تعيد حجة الإسلام، من الذي يقول له مثل هذا الكلام؟ الفقيه يقول له مثل هذا الكلام؟! يمكن؟ ما يمكن؛ لأن النية التي يتحدث عنها الفقهاء موجودة، وصل إلى الميقات، ولبى بالحج، وأتى بالشروط، والأركان، والواجبات، ورجع، ما في فقيه بيقول له: أعد الحج، لكن الكلام على النية الثانية، يعني مع الأسف أن كثير من طلاب العلم هذا موجود الآن، يعني من السهل اليسير عليه أن يأتي أحد زملائه ويطرق الباب، ويقول: عندنا مشوار ويركب بعد صلاة العصر ولا يرجع إلا بعد هزيع من الليل، وقد يتطلب المشوار أيامًا وهو في ذلك فرح مبسوط مسرور، وقد تقول له أمه: أوصلني إلى أختي، خالتك في الحي نفسه، فيصعب عليه ويقول: والله أنا مشغول، وإيش بيدي، أنا عندي اختبارات وعندي مراجعة وعندي درس يتأهب للدرس المغرب ما يمديني، مشكلة أن هذا موجود بكثرة ما هو موجود بندرة، يعني كثير من البيوت تعاني من هذا الإشكال، والأسئلة في هذا المجال حدِّث ولا حرج، والولد من الأخيار وطالب علم ويلازم الشيوخ، فإذا قيل له أدنى أمر أوصلنا إلى المكان الفلاني أو أحضر لنا كذا، يقول: أنا مشغول، هذه هي النية التي يتحدث عنها الحافظ ابن رجب رحمه الله.
ولا يعني أننا نقول: إن حجه باطل يعني موافقة لهذه الفتوى، لا، لكن ينبغي أن ننتبه لمثل هذه الأمور، لا بد أن يكون لهذا الكلام وقع في النفس، يعني نراجع حساباتنا ولا يلزم من هذا أن نوافق من أفتاه ببطلان حجة الإسلام، إنما يساق مثل هذا الكلام لبيان أهمية الإخلاص في العمل، وأيضًا الموازنة بين الأمور والمفاضلة بين العبادات، يعني أنت ارتكبت مستحب لو يمرك زميل يقول: والله نبي نعتمر، يقول: جزاك الله خيرًا، أنت أعنتنا على الخير، لكن لو تقول له أمه أو أبوه: نبي نعتمر، ثقل عليه، يقول: والله أنا مشغول، أنا ما ني فاضي، صار ليس المقصود ذات العمرة ولا ذات الحج، المقصود رفقة فلان وعلان، والإنسان يدرك من نفسه إذا استرسل في مثل هذه الأمور من أصعب الأمور إليه صحبة الأخيار، يعني تجد شخصًا من خيار الناس إذا طرق الباب أو دخل استراحة فيها مجموعة من الأخيار الشباب تبرموا به لماذا؟ لأنه لا يجاذبهم أطراف الحديث الذي تعودوا عليه من الكلام الذي بعضه مباح ويجر إلى غير المباح؛ فتجد يثقل على كثير من الإخوان رفقة مثل هؤلاء، وسببه أنهم ما عودوا أنفسم على ما يرضي الله -جل وعلا- باستمرار، وإن شاء الله نظن بهم الخير، وأنهم قد يمر بهم فائدة أو شيء يتذاكرون مسألة، لكن غالب الوقت يكون قضاؤه في المباح، وقد يتناول المحظور؛ لأن من استرسل في المباح، لا بد أن يقع في المحظور، والتجربة شاهدة بهذا إذا كانت هذه القاعدة الأمور بمقاصدها تنص على المقاصد وهو جمع مقصد وعمدتها حديث النية كما تقدم، ومعنى النية في اللغة القصد، والقصد له مراتب خمس: الهاجس، والخاطر، وحديث النفس، والهم، والعزم:
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا |
| فخاطر فحديث النفس فاستمعا |
يليه هم فعزم كلها رفعت |
| إلا الأخير ففيه الإثم قد وقع |
يعني ما فيه إثم بمجرد الهاجس، أو الخاطر، ولا حديث النفس؛ لأن الله -جل وعلا- عفا عما حدثت به النفس ما لم يتكلم أو يعمل، يليه همٌ الهم كذلك لا إثم فيه؛ من هم بحسنة كتبت له، لكن من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب، إن تركها من جراء كتبت له، وإلا على حسب المانع منها؛ إن كان المانع منها عدم القدرة فإن كان انصرافه عنها من أول الأمر فهو مجرد هَم، وإن كان الانصراف عنها بعد معالجة ومحاولة ثم عجز فلا شك أنه يأثم بهذا، وهو العزم «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» هذا عزم وفيه مؤاخذة، هم يقولون: النية في اللغة القصد، وقد يقولون -يقول بعضهم منه-: نواك الله بخير أي قصدك، هذا ما يوجد في كتب اللغة؟ يوجد، ويوجد أيضًا في كتب العلم في الشروح في التفاسير، يقولون مثل هذا، وإذا بحثت في النصوص ما تجد إضافة النية إلى الله -جل وعلا-، فهل يصح أن يقول: نواك الله أو لا يصح؟ إخبار، هذا إخبار وليس بوصف ولا تسمية، ودائرة الإخبار أوسع، يتوسع فيها أهل العلم.
العزم الذي هو المرتبة الأخيرة من مراتب القصد يجوز أن يضاف إلى الله -جل وعلا- أو لا؟ العزم هذه المسألة ذكرناها في مقدمة مسلم عند قوله: فإذا عُزم لي تمامه؛ فأول من يستفيد منه أنا إذا عُزم مبني للمجهول والفاعل حذف للعلم به وهو الله جل وعلا، وأم سلمة في كتاب الجنائز من صحيح مسلم: «فعزم الله لي فقلتها» القراءة المعروفة (فإذا عزمتُ فتوكل على الله) هذا عزم، هذا العزم، على كل حال إضافة العزم إلى الله -جل وعلا- ذكر شيخ الإسلام: أن للسلف فيها قولين؛ منهم من قال: يضاف إلى الله جل وعلا، يوصف بالعزم، وهو الأصح قاله شيخ الإسلام، والقول الثاني من أقوال أهل السنة: إنه لا يضاف؛ لأنه لم يثبت به خبر ولا يوصف الرب جل وعلا إلى أنه يعزم، قال القول الأول وهو الأصح أنه يضاف إلى الله -جل وعلا- ذكر هذا في الفتاوى في الجزء السادس عشر، مقتضى قولهم: النية في اللغة القصد أنه لا فرق بينهما، لكن ابن رجب -رحمه الله- يقول: إنما فرق من فرق بين النية والإرادة والقصد ونحوهما؛ لظنهم اختصاص النية بالمعنى الأول الذي يذكره الفقهاء، يعني المتعلق بالفرق بين العادة والعبادة، أو التمييز بين رتب العبادات، هذا الذي يذكره الفقهاء، وحينئذٍ لا بد أن يكون هناك فرق بين النية والقصد عندهم، أما من يقول: إن النية والقصد بمعنى واحد، وأن النية تشمل ما يبحثه الفقهاء وما يوجد في كلام كثير من السلف، والعارفين بالله -جل وعلا- كما قال الحافظ ابن رجب، فلا فرق بينهما؛ ولذا يقول: إنما فَرَّق مَن فَرّق بين النية والإرادة والقصد ونحوهما؛ لظنهم اختصاص النية بالمعنى الأول الذي يذكره الفقهاء، فمنهم من قال: إن النية تختص بفعل الناوي، والإرادة لا تختص بذلك، كما يريد الإنسان من الله أن يغفر له ولا ينوي ذلك، وقد ذكرنا أن النية في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلف الأمة إنما يراد بها هذا المعنى غالبا، فهي حينئذٍ بمعنى الإرادة؛ ولذلك يعبر عنها بلفظ الإرادة في القرآن كثيرًا كما في قوله تعالى: ﮋ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮊ آل عمران: ١٥٢ وقوله: ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﮊ الأنفال: ٦٧ وقوله: ﮋ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮊ الشورى: ٢٠ إلى آخر ما ذكر من الآيات، وقد يعبر عنها في القرآن بلفظ الابتغاء في قوله تعالى: ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﮊ الليل: ٢٠ وقوله: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ البقرة: ٢٦٥ وقوله: ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮊ البقرة: ٢٧٢ وقوله: ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ النساء: ١١٤ فابتغاء وجه الله هو الإخلاص، وهو النية، وهو الإرادة، في المجلة -مجلة الأحكام- وذكرنا في الدرس الأول أن المجلة مجلة الأحكام العدلية التي أجبر القضاة على العمل بما فيها من مواد في آخر الدولة العثمانية، في مقدمتها مائة قاعدة، وذكرنا شراح المجلة، وأنهم شرحوا هذه القواعد في مجلة الأحكام في المادة الثانية الأمور بمقاصدها، يعني أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك الأمر الشارح، وقلنا أيضًا في الدرس الأول: إن المجلة هذه تولى شرحها من المسلمين من تولى، ومن النصارى من تولى، يعني كثير من المحامين من النصارى تولوا شرح المجلة لإفادة المسلمين؟ أو لتسهيل أمر المحاماة عندهم؟ لتسهيل أمر المحاماة عندهم، فإذا أراد الإنسان أن يفهم، يتولى شرحه ومعاناته يهمه هذا؛ لأن المحامي يهتم بمثل هذه المجلة ليكسب القضايا، ولا شك أن صاحب الاهتمام -صاحب الحاجة- حاجته تدعوه إلى الاهتمام بما هو بصدده، وقلنا في حديث اقتناء الكلب أن أبا هريرة قال أو زرع قال ابن عمر، وكان صاحب زرع، يعني يهمه هذا اللفظ فيحفظه ويضبطه، ليس معناه الشك في أبي هريرة أو اتهاما له، أبدًا، فالاهتمام كل يهتم بما يحتاج إليه، ولو قدر أنه وجد في هذا المكان طبيب ويشرح أمراض -الأعراض والعلاج- فبدأ مرض الضغط مثلاً نفر كثير من الحاضرين لا يهتم لهذا الأمر، لماذا؟ لأنه لا يعاني من هذا المرض، لكن هات الإخوان اللي فيهم شيء من هذا -نسأل الله أن يسبغ نعمة الصحة والعافية للجميع- تجد كثير من الإخوان اللي هذا الأمر فيهم وهذا المرض، كل بيده قلم وورقة، بدأ بالسكر وإيش علاجه، وإيش أعراضه؟ وإيش اللي ينفع، وإيش اللي ما ينفع، تجد بعض الإخوان اللي فيهم هذا المرض يهتمون به، زميله الذي بجواره لا يلقي له بالا، لماذا؟ لأنه لا يحتاج هذا، هذا المحامي سليم رستم باز ليس بمسلم، ومع ذلك شرح المجلة وغيره شرحوا المجلة من غير المسلمين، إنما لما يهمهم من شأنهم في المحاماة، يحتاجون لفهم هذه، يعتبرونها أنظمة مواد تقنين للشرع، هي مأخوذة في الجملة من الفقه، الحنفية بجملتها مأخوذة من الفقه الحنفي، لكن هؤلاء من غير المسلمين، إنما اعتنوا من هذا الباب، هذا الشارح يقول -يقرب من هذا القاعدة قاعدة إنما الأعمال بالنيات-: ثم اعلم أن الكلام هنا على حذف المضاف، والتقدير حفظ الأمور بمقاصد فاعليها، أي أن الأحكام الشرعية التي تترتب على أفعال المكلفين منوطة بمقاصدهم من تلك الأفعال، فلو أن الفاعل المكلف قصد بالفعل الذي فعله أمر مباحًا كان فعله مباحًا، وإن قصد أمرًا محرّمًا كان فعله محرمًا، والأحكام تترتب على أفعال المكلفين هي عبارة عن الوجوب، والندب، والإباحة والكراهة، والتحريم.
يقول الناظم -ناظم القواعد-:
ثم كلام العلما في النية |
| من أوجه كالشرط والكيفية |
والوقت والمقصود منها والمحل |
| فهاك فيه القول من غير خلل |
مقصودها التمييز للعبادة |
| مما يكون شبهها في العادة |
كما تميز بعضها من بعض |
| في رتب كالغسل والتوضي |
هذا بالنسبة ما يلتبس بغيره، العبادة التي تلتبس بغيرها لا بد فيها من النية التي تميز العبادة عن العبادة، أو رتب العبادات، أما ما لا يكون عادة يعني عبادة محضة، لا يمكن أنها تدخلها العادة؛ فيحتاج إلى نية أو ما يحتاج عندهم، ما يحتاج إلى نية، وكذلك ما لا يلتبس بغيره لا يحتاج إلى نية، يقولون: الإيمان بالله تعالى والخوف منه والرجاء والنية، وقراءة القرآن، والأذكار، هذه متميزة بصورتها هذه لا يميز فيها بين عبادة وعادة؛ لأنها لا تأتي، هذه عادات، هذه لا تأتي عادات، لكن في كثير من أحوال مسلمة الدار كما يقولون يعني شب الشاب ونشأ بين أبوين مسلمين ورآهم يصلون فيصلي معهم، رآهم يذكرون الله، يذكر الله معهم، وقد خلا ذلك عن النية، يتصور أو ما يتصور؟ يتصور، وفي البلدان التي مسخت، البلدان التي كان أهلها مسلمين ومسخت يوجد من يذكر الله -جل وعلا- وينقضه بفعله، يعني قالوا في بلاد البوسنة والهرسك قبل الحرب الأخيرة يقول شخص: أنا وقفت على شيخ كبير لحيته بيضاء كثة، ويكثر من قول لا إله إلا الله، وبين يديه مصحف جوامعي، الجوامعي الكبير، ويبيع السمك يقول: كلما باع سمكة قطع ورقة ولفها فيه، يعني ما يدري وإيش المصحف وهو يقول: لا إله إلا الله، فمثل هذا لا بد من أن يدخل الإسلام من جديد، وأن تغرس فيه النية وحسن القصد.
يعني بعض الناس تجده يقول: لا إله إلا الله وهو يطوف في قبر، هل يفهم معنى لا إله إلا الله، هل تنفعه لا إله إلا الله؟ ما تنفعه، وهؤلاء كما قال أئمة الدعوة -رحمهم الله-: أبو جهل أعرف منهم بلا إله إلا الله، لماذا؟ لأنه رفض أن يقول: لا إله إلا الله؛ لأنه يعرف المعنى {أجعل الآلهة إلها واحدًا} فمثل هؤلاء يرد على كلامهم يقولون: الإيمان لا يحتاج إلى النية، أو الخوف والرجاء لا يحتاج إلى النية، النية التي يذكرها الفقهاء قد لا ترد هنا، لكن النية التي ترد في كلام السلف لا بد منها هنا التي أشار إليها الحافظ ابن رجب، قالوا: النية لا تحتاج إلى نية، قالوا: لأنها متميزة بنفسها، وسيأتي الكلام في آخر الباب أن النية لا تحتاج إلى نية؛ لأنها يلزم على اشتراط النية فيها التسلسل، يلزم عليها التسلسل، أو الدور؟ التسلسل، يلزم عليها التسلسل، في الماضي أو في المستقبل؟ لأن عندنا تسلسل في الماضي وتسلسل في المستقبل، وهذا تسلسل في الماضي وهو ممنوع، لأننا نقول: النية تحتاج إلى نية، النية التي قبلها تحتاج إلى نية، لكن التسلسل في المستقبل لا مانع منه؛ مثاله: الشكر، وجدت نعمة تشكر الله عليها، توفيقك لهذا الشكر نعمة تشكر الله عليها، توفيقك للشكر الثاني نعمة تشكر الله عليها، ولا يقال في هذا تسلسل؛ لأن التسلسل في المستقبل، ومطلوب، بخلاف التسلسل في الماضي، وهذه المسألة تبحث في تسلسل الحوادث، مذكورة في كلام شيخ الإسلام وغيره، فمنهم من يمنع التسلسل مطلقًا وعليه يجري قول المعتزلة بفناء الجنة والنار، ومنهم من يمنعه في الماضي دون المستقبل، ومنهم من يجيزه في الماضي والمستقبل وهو معروف مبحوث في كتب العقائد، وقراءة القرآن هل يمكن أن تلتبس قراءة القرآن بغيرها؟ ما يمكن، فالنية التي يميز فيها بين العبادة والعادة لا ترد هنا، اللهم إلا إذا كانت قراءة الإنسان على جهة التعود فقط لا ينوي بذلك أجرًا ولا يتعبد بهذا، وهذا بعيد، والأذكار لأنها متميزة في صورتها، نعم يجب في القراءة إذا كانت منذورة لتمييز الفرض من غيره، وأما الأذان فالمشهور أنه لا يحتاج إلى نية، يعني فرق بين النية الأولى التي يذكرها الفقهاء وبين النية الثانية التي أشار إليها ابن رجب، النية الثانية لا بد منها في جميع هذه الأمور، لا بد منها أن يكون العمل خالص لله جل وعلا، وهذا معنى اشتراط النية في الأعمال كلها، لكن النية التي يذكرها الفقهاء للتمييز بين العادة والعبادة لا ترد هنا؛ لأن الأذان لا يلتبس بغيره، قالوا: وأما الأذان فالمشهور أنه لا يحتاج إلى نية وفيه وجه؛ لأنه قد يستحب لغير الصلاة فتجب النية للتمييز، متى يستحب الأذان لغير الصلاة؟ يعني جاء في الخبر: «إذا تغيلت الغيلان فبادروا بالأذان»، الأمر الثاني يعني لا نفهم من كلامهم أن هذا لا يحتاج إلى نية، لا يحتاج إلى إخلاص، لا يا إخوان، كررنا مرارًا أن المراد بالنية التي لا يحتاج إليها هنا ما يميز العبادة عن العادة، هذا المقصود، أما الإخلاص لله -جل وعلا- وخاصة التقرب إلى الله -جل وعلا- بهذه العبادة أمر لا بد منه، وهذا الذي نبه إليه الحافظ ابن رجب رحمه الله، الأمر الثاني اشتراط التعيين فيما يلتبس دون غيره، ودليله «وإنما لكل امرئ ما نوى»؛ لأن أصل النية فهم من أول الحديث إنما الأعمال بالنيات فيشترط التعيين في الفرائض لتساوي الظهر والعصر مثلاً، يعني لو شخص فاتته صلاة الظهر، ودخل مع الإمام في صلاة العصر، وقال: سأصلي أي صلاة كانت احداهن بتسقط إن شاء الله، أنا أصلي مع هذا الإمام أربع ركعات، سواء كانت ظهرًا، أو عصرًا، وإذا سلمت جبت أربع ركعات ثانية أيًّا كانت، هو صلى أربع ركعات واقتدى بالإمام، لكن ما جاء بالنية التي تعين عبادة عن عبادة، لو نوى غير المطلوب فاتته السنة القبلية لصلاة الظهر صلى الظهر، ثم نوى السنة القبلية، ثم بعد أن جاء بأربع ركعات بنية السنة القبلية، ثم جاء بركعتين بنية السنة البعدية، يصح أو ما يصح؟ الآن اللي بعد الصلاة مباشرة وقت للسنة القبلية أو البعدية؟ البعدية بلا شك فينوي بهاتين الركعتين السنة البعدية، ثم بعد ذلك يقضي السنة القبلية، لكن لو شخص قال: أنا علي ست ركعات؛ أربع قبل الصلاة وثنتين بعدها، وكلها نفل فلا يحتاج تمييز، وهذا حال كثير من عامة الناس، يمكنهم يصلون بهذا، فاتته الراتبة قبل الصلاة فأداها بعد الصلاة قضاء، والأصل أن يؤدي السنة البعدية قبل قضاء القبلية، لكن هو لا يعرف الأصل من الفرع، ما يدري أيهم كلها سنن والحمد لله، هذا لا يلام ولا يؤاخذ وصلاته صحيحة إن شاء الله تعالى، وتقع موقعها، لكن طالب العلم الذي يعرف أن هذا لا بد منه يهتم به، فيشترط التعيين في الفرائض لاتصال الظهر والعصر فعلا وسورة فلا يميز بينهما إلا بالتعيين، وكذلك الرواتب تعين بإضافتها إلى الفريضة كراتبة الفجر وراتبة الظهر وهكذا، وأما تعيين مكان الصلاة وزمانها فلا يشترط ولا يضر الخطأ فيه، يعني لو أخطأ قال: أنا أصلي يعني في نيته أن يصلي في هذه الغرفة أو في المجلس، وتبين له أنه في الغرفة أو في الصالة وما أشبه ذلك، ما يضر هذا؛ لأن تعيين المكان والزمان لا قيمة له.
والزكاة لا بد فيها من تعيين الفرض من النفل، يعني إذا كان عليه زكاة مفروضة وظن أنها قد أداها كاملة، ثم جاءه سائل فأعطاه مئة ريال بنية النفل، فلما راجع الحسابات وجد عليه من الفرض من الزكاة المفروضة مائة ريال تجزئ أو ما تجزئ؟ ما تجزئ، لا بد من أن ينوي بها الزكاة المفروضة، وأما الصوم ففي رمضان لا يلتبس فلا يحتاج إلى تعيين، وأما القضاء فلا بد من تعيينه، وأما الحج والعمرة فلا يشترط التعيين فينصرف الأول إلى الفرض والباقي نفل إلا أن نُذر؛ لأن النية في الحج أمرها أوسع من سائر العبادات، بدليل أنهم نووا، ثم غيرت نيتهم بعد أن وصلوا إلى البيت، فدل على أن النية في الحج والعمرة في النسك أوسع، فمثل هذا لو قال: أنا أحج نفلاً وهو لم يحج الفريضة تقع عن الفريضة ولو حج نفلاً، وفي فريضته خلل ارتكب مبطلاً أو ترك ركنا وهو لا يشعر، وفي نيته أن حجته الأولى صحيحة ومجزئة ومسقطة للطلب، ثم حج بعدها نفلاً، على كلام أهل العلم أنها تجزئ، تجزئ، الثانية تقوم مقام الفريضة عندنا مسألة التشريك يعني الأمر الثاني الذي ذكره الحافظ ابن رجب -رحمه الله- وهو الإخلاص والقصد لله -جل وعلا- بالعبادات كلها، يعني لو حصل تشريك، التشريك في العبادة أقسام كما يقول أهل العلم، أن ينوي مع العبادة ما ليس بعبادة كمن ذبح لله ولغيره، فهذا التشريك محرم، بل شرك يوجب حرمة الذبيحة، وأما لو نوى بغسله أو وضوئه رفع الحدث مع التبرد ففي وجه لا يصح، يعني كالسابقة والأصح الصحة؛ لأن التبرد حاصل قصده أو لم يقصده، ومثله الحمية مع الصيام، والطواف مع المشي الذي أشرنا إليه في الدرس الماضي، ومثله الصلاة للفرض والتعليم، الحج لأداء النسك والتعليم، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وصلى ليعلمهم وحج وقال: «خذوا عني مناسككم» فالتعليم مقصود في أفعاله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه مبين عن الله -جل وعلا-. السفر للحج والتجارة هذا لا يضر إلا إذا كان الباعث الأصلي هو التجارة والحج تبع، لكن إذا حج وفي نيته أن يبتغي من فضل الله هذا لا يضره إن شاء الله تعالى.
القسم الثاني أن ينوي مع العبادة المفروضة عبادة أخرى مندوبة، وفيه صور منها ما لا يقتضي البطلان، ويحصلان معًا كمن نوى الفرض والتحية، ومنها ما يحصل به الفرض فقط كما لو نوى بحجه الفرض والتطوع، ومنها ما يحصل النفل فقط كما لو أخرج دراهم ونوى بها الفرض والتطوع، يعني أخرج مئة ريال وقال: هذه زكاة، وأيضًا نفل هذا إذا كان الفرض يستوعب المبلغ، أخرج مئة ريال وعليه ألف زكاة، نقول: هذه بعضها فرض وبعضها تطوع، نقول: لا، ما تصح إلا تطوع، لو كان عليه خمسين زكاة وخمسين أراد أن يزيدها فهذه هي المسألة التي تذكر في الأصول كتب الأصول، القدر الزائد على الواجب هل يجب؟ أو الواجب واجب وما زاد عنه تطوع؟ هم يفرقون بين الزيادة المتميزة بنفسها والزيادة التي لا تتميز بنفسها، ومثالهم في كتب الأصول كمن أدى دينارًا عن عشرين من عنده عشرين دينار يجب عليه نصف دينار، فأخرج دينارًا نصفه واجب ونصفه الثاني نفل، لكن هل نقول: إن هذه الزيادة متميزة، أو يتصف الكل بالوجوب، كما لو أدى كيسًا عن صدقة الفطر، يعني لو أدى صاعين كل واحد متميز، نقول: واحد فرض والثاني نفل، لكن لو أدى كيسًا فيه خمسة آصع مثلاً وهو فرد واحد، هذه زيادة غير متميزة تأخذ حكم الواجب، بعض المسائل ما يظهر فيها أثر للخلاف، لكن على هذا الكلام لو دخل المسبوق والإمام راكع، يعني القدر الواجب من ركوع الإمام ما يحقق الطمأنينة، ويأتي بالتسبيح مرة واحدة، هذا القدر الواجب، فات المسبوق هذا وأدركه في القدر المستحب، الزاد على الواجب يدرك الركوع أو ما يدرك؟ يعني حتى على قول من يمنع إمامة المفترض بالمتنفل؛ عند الحنابلة المفترض لا يأتم بالمتنفل، هذا جاء والإمام راكع، وقد انتهى من القدر الواجب وأدركه في القدر المستحب، يدرك الركعة أو ما يدرك؟ لماذا يدرك وهم يقولون: المفترض لا يأتم بالمتنفل؟ لأن بعض الإخوان يجيب باعتبار أن هذا هو الواقع، واقع الناس كذا، ولا أحد يقول له: أعد، ولا سُمع ولا شيء بالنسبة لمن؟
طالب: .......
صحيح والإمام واجب أو ليس بواجب؟
طالب: .......
والمفترض لا يجوز أن يأتم بالمتنفل، الصحيح أن نقرر المسألة أول قبل كل شيء، إذا تقررت وفهمت سهل الصحيح نعم قدر زائد غير متميز بنفسه حتى على قول من لا يجيز إمامة المفترض خلف المتنفل، الصلاة صحيحة؛ لأنه إذا كان القدر الزائد غير متميز يأخذ حكم الواجب، المسائل كل مسألة تجر أخرى؛ ولذلك هذه القاعدة يعني لو أفني فيها سنين ما انتهت؛ لذلك كلام الشافعي تدخل في سبعين بابًا، تدخل في جميع الأبواب لا في سبعين بابًا فقط، منها ما يقتضي البطلان في الكل؛ كما لو نوى الفريضة والراتبة، دخل وقد أقيمت صلاة الظهر يقول الراتبة أربع ركعات، أو قبل صلاة العصر يأتي بأربع سنة مطلقة جاء الحث عليها، وحديثها قابل للتحسين، فقال: أنا أصلي مع هذا الإمام العصر فرضًا والأربع التي جاء الحث عليها، ومنها ما يقتضي البطلان في الكل كما لو نوى الفريضة والراتبة لم تنعقد أصلاً، في البخاري قال عمر -رضي الله عنه-: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة، تجهيز الجيوش هذا أمر مندوب في الشرع على حسب ما يقتضيه الحكم الشرعي لنفس الجهاد الذي يجهز له الجيش، حكمه حكمه، فما حكم الانصراف عن الهدف الأصلي؟ المقصود الأصلي؟ الذي هو الصلاة التي هو بصددها إلى أمر آخر وإن كان مستحبًا؟ كتجهيز الجيش، هذا حصل من أمير المؤمنين الخليفة الراشد فلا أثر له في الصلاة، الصلاة صحيحة، والإقبال على الصلاة أولى «إن في الصلاة لشغلا»، ومثال في مستحب مع مستحب، يصلي صلاة التهجد في الدور الثاني في المسجد الحرام، ويطل على المطاف وينظر الناس يموجون ويتذكر الموقف العظيم فيبكي، والإمام يقرأ آيات مؤثرة ويبكي، والناس يبكون معه، نقول: هذا تشريك، أدخل عبادة في عبادة، يؤثر أو ما يؤثر؟
طالب: .......
مثل صنيع عمر رضي الله عنه، ما يؤثر، لكن الإقبال على ما هو بصدده «إن في الصلاة لشغلا» هذا أولى، أن ينوي مع الفرضة فرضًا آخرًا كما لو أحرم بالحج والعمرة معًا، أو نوى الغسل والوضوء معا فإنهما يحصلان معا، نوى الغسل والوضوء معا يحصلان، نوى الحج والعمرة معا يعني قران يحصلان، أما لو طاف بنية الفرض والوداع صح في الفرض صح لطواف الفرض ويدخل الوداع تبعًا قالوا: والصواب أنه يكفي؛ لأنه يتم به الامتثال لجعله آخر عهده بالبيت، لجعله آخر عهده بالبيت، لكن لو نوى بطوافه القدوم وطواف العمرة يعني قلنا: إنه إذا نوى طواف الزيارة مع طواف الوداع يكفي عن الزيارة يسقط به الفرض ويدخل طواف الوداع معه؛ لأن المقصود أن يكون آخر عهده بالبيت، مثل المقصود بتحية المسجد يكون آخر عهده بالبيت، وهذا لا يجلس حتى يصلي ركعتين، يحصل بأي شيء، لكن لو نوى أول ما يقدم طواف القدوم مع طواف العمرة، ما الذي يتجه؟ وما الذي يدخل فيه من هذه الصور؟ يعني ما يحصل به الفرض فقط كما لو نوى بحجه الفرض والتطوع يدخل في هذه الصورة ما يحصل به النفل فقط، كما لو أخرج دراهم ونوى بها الفرض والتطوع، هل نقول: إنه مما يقبل البطلان كما لو نوى الفريضة والراتبة؟ أو نقول: إن ما يتعلق بالمناسك أمره واسع؟ يعني لو افترضنا أنه طاف للوداع، وفي ذمته طواف الزيارة، ما طاف للزيارة وسافر مباشرة، نقول: هذا ما نوى الزيارة، نوى طواف الوداع، الأصل أنه لا يجزي وإنما لكل امرئ ما نوى، لكن من أهل العلم من يتسامح في مثل هذا، ويقول: كما لو نوى نفلاً بحجه يقع فرضًا، وهذا نوى نفلاً على سبيل التجوز، يعني الوداع بالنسبة لطواف الزيارة أمره سهل، نوى طواف الوداع وفي ذمته الركن طواف الزيارة، كما لو نوى بحجه الكامل نفلاً، وفي ذمته الفرض؛ ولذا يصحح بعض العلماء حجه ويقولون: طوافه هذا يكفيه وينصرف إلى الفرض، وإذا نوى فرضين بطلا كما لو أحرم بحجتين معًا، أو أحرم بعمرتين يعني مما لا يستوعبه الوقت، أحرم بحجتين أو عمرتين، ما الحكم؟ هل نقول: يصح الإحرام ويتأدى فرض واحد والثاني يكون لغوًا، أو نقول: إنه لا يصح الإحرام بنسكين معًا، وهذا ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو رد، فيكون باطلا، وهل يتصور أداء حجتين في سنة واحدة أو لا يتصور؟ يتصور أداء حجتين من شخص واحد؟
طالب: .........
لا، واحد، يتصور مليون حجة من مليون شخص، لا، لا نريد من شخص واحد. يعني أنت افترض أنه انصرف من مزدلفة في منتصف الليل وطاف الزيارة وأنهى أعمال الحج، ما بقي إلا المبيت والرمي، ثم أحرم بحجة ثانية ووقف بعرفة قبل طلوع الفجر ومر بمزدلفة بجمع، وذهب إلى منى ورمى، يتصور أو ما يتصور؟
طالب: .........
لأنه لا يصح الإحرام الثاني وفي ذمته شيء من الإحرام الأول، لا يصح، نعم لكن يبقى أن حجة الشخص الأول أو ينوب عنه اثنين فرق، شخص ينوب عن شخصين مثل هذا، أما اثنان ينوبان عن شخص واحد في آن واحد فالمسألة محل خلاف بين أهل العلم، كما في قول الحسن، نعم لو كلف ثلاثين شخصًا يصومون عنه الشهر هو معذور، وكلف ثلاثين شخصًا صح عنده، والمسألة خلاف بسطها يحتاج إلى وقت، أن ينوي مع النفل نفلا آخر كغسل الجمعة والعيد فإنهما يحصلان، والقاعدة في التداخل كما قرر الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في قواعده؛ في القاعدة الثامنة عشرة يقول: إذا اجتمع عبادتان من جنس في وقت ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء، ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت تداخلت أفعالهما واكتفي فيهما بفعل واحد، وهو على ضربين: أحدهما أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان جميعًا، بشرط أن ينويهما جميعًا على المشهور، ومن أمثلة ذلك من عليه حدثان أصغر وأكبر؛ فالمذهب أنه يكفيه أفعال الطهارة الكبرى إذا نوى الطهارتين جميعًا، وعنه لا يجزئه عن الأصغر حتى يأتي بالوضوء، واختار أبو بكر أنه يجزئه عنهما إذا أتى بخصائص الوضوء بالترتيب والموالاة وإلا فلا، ولو كان عادمًا للتيمم فتيمم تيمما واحدا ينوي به الحدثين أجزأه عنهما بغير خلاف، يعني لأن الصورة واحدة والضرب الثاني أن يحصل له إحدى العبادتين بنيتها وتسقط عنه الأخرى، ولذلك أمثلة منها: إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فصلى معهم سقطت عنه التحية، ومنها المعتمر إذا قدم المعتمر مكة فإنه يبدأ بطواف العمرة ويسقط عنه طواف القدوم، وفروع هذه القاعدة كثيرة جدًّا، فليراجع الكتاب قواعد ابن رجب في القاعدة الثامنة عشرة.
وأما وقت النية فالأصل أن وقتها أول العبادات، وخرج عن ذلك الصوم فيجوز تقديم نيته على أول الوقت؛ لعسر مراقبته يعني أول الوقت بدقة، يعني مثل النية تقترن بتكبيرة الإحرام في الصلاة، لكن هل يتصور مثل هذا في الصيام، يعني مع بزوغ الفجر تنوي؟ لا ما يتصور، أجازوا تقديم النية في الصيام على أول الوقت؛ لعسر مراقبته، بل بعضهم أوجب التقدم على الوقت؛ لأنه لا يتم الواجب إلا به؛ ولذا قالوا مما لا يتم الواجب إلا به إمساك جزء من الليل، وغسل جزء من الرأس، احتياطا للوجه واحتياطا للنهار، فيجوز تقديم نيته على أول الوقت؛ لعسر مراقبته، هذا في الفرض، وأما في النفل فالدليل دل على جواز تأخير النية إلى أثناء النهار، وليعلم أن النية هي مجرد القصد، وهي من أعمال القلب، والجهر بها بدعة، قال ابن القيم -رحمه الله-: فصل في هديه -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة -هذا في زاد المعاد- كان -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى صلاة قال: الله أكبر، ولم يقل شيئًا قبلها ولا تلفظ بالنية ألبتة، ولا قال: أصلي لله صلاة كذا مستقبل القبلة أربع ركعات إمامًا أو مأمومًا، ولا قال أداء ولا قضاء ولا فرض الوقت، وهذه عشر بدع تتعلق بالنية لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف، ولا مسند، ولا مرسل، لفظ واحدة منها ألبتة، بل ولا على أحد من أصحابه ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة، وإنما غر بعض المتأخرين قول الشافعي -رحمه الله- في الصلاة إنها ليست كالصيام، ولا يدخل فيها أحد إلا بذكر، فظن أن الذكر تلفظ المصلي بالنية، وإنما أراد الشافعي -رحمه الله تعالى- بالذكر تكبيرة الإحرام ليس إلا وكيف يستحب الشافعي أمرا لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاة واحدة، ولا أحد من خلفائه وأصحابه، وهذا هديهم وسيرتهم، فإن أوجدنا أحد حرفًا عنه في ذلك قبلناه وقابلناه بالتسليم والقبول، ولا هدي أكمل من هديهم ولا سنة إلا ما تلقوه عن صاحب الشرع -صلى الله عليه وسلم-، والحديث -حديث عمر- نص على اشتراط النية في الأعمال، وهل تلحق بها التروك، تلحق بها التروك أو ما تلحق؟
طالب: .......
الشافعي نعم، ينفي أن الشافعي قال بالجهر بالنية، معروف عند المتأخرين كثير، وعند غيرهم من الحنفية وغيرهم متأخري الفقهاء اعتمدوا هذا، لكن لا يعني أنه صحيح مع خلوه من الدليل أبدًا، ﮋ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ الحديث نصح على اشتراط النية على الأعمال وهل تلحق التروك أو لا؟ والمراد بالتروك الأمور المتعلقة بترك شيء كترك الزنا وشرب الخمر، يعني هل يؤجر الإنسان على ترك الزنا وعلى ترك شرب الخمر من غير النية أو لا يؤجر؟ إذا نوى أجر بلا شك. قال السيوطي: لا تشترط؛ لأنها ليست بعمل، ونوزع بأن الترك أيضا عمل وهو كف النفس.
في شرح الكِرماني على البخاري يقول: فإن قلت: التروك أيضًا عمل؛ لأن الأصح أن الترك كف النفس فيحتاج إلى النية، قلت: نعم، إذا كان المقصود منه امتثال أمر الشارع وتحصيل الثواب، أما في إسقاط العقاب فلا، فالتارك للزنا يحتاج فيه لتحصيل الثواب إلى النية، أما ترك العقاب فلا يعاقب عليه ولو لم ينو، قلت: ومما يستدل به على أن الترك عمل قول الصحابي:
لئن قعدنا والنبي يعمل فذاك منا العمل المضلِّلُ
من جلس والنبي -عليه الصلاة والسلام- قعد وترك العمل مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يبني المسجد، سمى تركهم لمشاركته -عليه الصلاة والسلام- عمل فذاك منا العمل المضلِّلُ، وأما عمل القلب كالنية فلا يتناولها حديث؛ لئلا يلزم التسلسل على ما تقدم.
هل النية ركن أو شرط؟ قال السيوطي: الأكثر أنها ركن؛ فلأنها داخل العبادة وذلك شأن الأركان؛ لأن الركن داخل الماهية، والشرط يكون خارج الماهية، فهل النية داخل الماهية أو خارج الماهية؟ يعني خارج هي في الأصل خارج الماهية وتستمر..، يشترط استصحاب حكم بمعنى ألا ينوي القطع، فهي شرط باعتبار أنها خارج الماهية، لكنها مطلوبة إلى الفراغ من العبادة، يعني كستر العورة خارج العبادة وتستمر إلى النهاية، يعني واستقبال القبلة تكون قبل الشروع في الصلاة إلى أن تنتهي الصلاة كسائر الشروط، واختار القاضي أبو الطيب وابن الصباغ أنها شرط، والمتقرر أنها شرط، ذكر السيوطي وغيره أشياء تتعلق بهذه القاعدة في علم العربية، يعني دخول المقاصد ودخول النوايا في مسائل كثيرة من المعاملات والطلاق وغيرها معروف، حتى إقامة الحدود تحتاج إلى نية، اشترطوا لها نية، لا بد في إقامة الحد من اشتراط النية. إيش معنى هذا الكلام؟ يعني لو أن إنسانًا سُجن لارتكابه الزنا وهو غير محصن حده مئة جلدة، سُجن قبل ذلك، يعني هل يُنفذ في الحال؟ لا، يُسجن ثم بعد ذلك يُنفذ عليه الحكم. هذا حاول الهرب من السجن، فقال الوالي: اجلدوه مئة جلدة، تكفي هذه المئة عن الحد؟ ما تكفي. طيب هذا اتهم، جاء واشي وقال للحاكم: إن هذا الشخص حاول الهروب من السجن، فقال: اجلدوه مئة جلدة، ثم تبين للوالي بعد أن ضرب مئة جلدة أنه لم يحاول، شهد كل الموجودين أنه ما حاول، وصار مظلومًا بهذه المائة، تكفي عن الجلدة الحد أو ما تكفي؟ مقتضى اشتراط النية لإقامة الحد أنها لا تكفي، ما جلد بنية إقامة الحد، يقول: تجري قاعدة الأمور بمقاصدها في علم العربية أيضًا، فالأول ما اعتُبر ذلك في الكلام؛ فقال سيبويه والجمهور باشتراط القصد فيه فلا يسمى كلامًا ما نطق به النائم، والساهي، وما تحكيه الحيوانات المعلمة، وخالفه بعضهم فلم يشترطه وسمى كل ذلك كلامًا واختاره أبو حيان، لكن هذا الكلام له توابع وله مسائل فقهية متعلقة فيه يمكن أن نسرده في خمس دقائق أو ننتظر يبدأ به بدلا من الأسئلة غدا؟ مهم جدا، وفيه مسائل تتعلق بعضها بالاعتقاد.. والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"أفضل وسيلة الاعتصام بالكتاب والسنة والثبات مع أهل الاستقامة وصحبتهم، وترك مصاحبة من يظن فيه أنه تدخل الفتنة إلى الرجل من قبله، أولاً يعتصم بالكتاب والسنة، ويديم النظر في كلام الله -جل وعلا- ويكثر من النوافل، نوافل العبادات، ويعان على الثبات، ثم بعد ذلك عليه أن يلزم الأخيار، ويترك صحبة من يُظن فيه أن الفتنة تأتي من قبله، (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) الكهف: ٢٨.
أما الزكاة المفروضة فلا تصح أن تدفع لكافر إلا من أجل تأليفه، فالمؤلفة قلوبهم تدفع لهم الزكاة، وأما بالنسبة للصدقة المندوبة فالأمر فيها واسع لا سيما إذا رجي الإسلام، وأسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: إن أمها قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: «نعم»، والله -جل وعلا- كما قال: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) الممتحنة: ٨ بشرط ألا يكونوا من المقاتلين، لهم عداء ظاهر للإسلام والمسلمين.
هذه الكلام عنها كرر وردد مرارًا، والشيخ -حفظه الله- اجتهد في تصحيح بعض الأخطاء الموجودة في الطبعات السابقة، اجتهد ووفق في كثير من المواضع، فالطبعة جيدة، يعني إذا نظر في الطبعات الموجودة يعني جيدة، وتمتاز أيضًا بتعليقات الشيخ عبد الرحمن البراك -حفظه الله- ولا يعني أن هذا سالم من كل وجه؛ لأن الكتاب لا ينوء به شخص واحد في سنة أو سنتين أو ثلاث، لا يمكن أن يقوم به شخص، الكتاب بحر محيط وعلوم متعددة، ولاشك أن الكتاب يحتاج إلى متفنن يفني فيه عمره ويهتم به.
إذا أردت النظم في فن السيرة فلا أمثل من ألفية الحافظ العراقي في السيرة، وأما بالنسبة للصرف ففيه كتب كثيرة الصرف، لكن شافية ابن الحاجب شافية وكافية، وقد نظمت لكنها تتجاوز المئين، وكذلك ألفية السيرة ألف بيت.
يعني أشرنا إليها باختصار في مقدمة ألفية العراقي.
هذا يذكِّر بالصيام جزاه الله خيرًا، يعني كوننا نشرب وكذا، علشان ما نقع فيما ذكرناه بالأمس، ذكرنا بالأمس أن الإنسان قد يصور نفسه للآخرين أنّه صائم وهو في الحقيقة ليس بصائم، على أن السؤال بهذه الصيغة ليس بمقبول أصلاً، يعني الأخوة كلهم طلاب علم ويظن فيهم الخير، وأجزم بأن أكثرهم صائم، لعلنا نكتفي بهذا؛ لأن الأسئلة كثيرة لا يمكن أن تنتهي.
الكتاب طبع مرارًا مفردًا، وعلى حاشية المصحف القرآن طبع مرارًا، لكن الطبعة التي على حاشية المصحف طبعة مصرية، يمكن من سبعين سنة طيبة، أنا قرأت فيها طبعة ممتازة، وصورت أيضًا.
المنهجية أن يقرأ الطالب؛ لأنها هذه الفتاوى صيغت بأسلوب العصر، يفهمها كل طالب علم متوسط، يعني متأهل للقراءة في الكتب، يفهمها بسهولة؛ لأنها كتبت بلهجة العصر، فمثل هذه لا تقرأ على الشيوخ ما يحتاج إلى أن يزاحم بها الشيوخ فتقرأ عليه إذا أشكل شيء منها يسأل عنه، وإلا فالأصل أن تقرأ، ولو قرأها أئمة المساجد بعد صلاة العصر أو قبل صلاة العشاء لإفادة الناس منها طيب جدا.
طالب: ....
لا، فتاوى شيخ الإسلام صعبة فيها وعورة، لا سيما فيما يتعلق بالعقائد، فيه صعوبة يعني يقرؤها الطالب المنتهي المتقدم.
المذكرات لا شك أنها من ملح العلم، ومن فضوله، وليست من متينه، كثير من الإخوان يظن أنها المذكرات التي تدرس في الكليات لا، لا يقصد بها هذا المذكرات التي يكتب العلماء أحيانًا، والأدباء كثيرًا ما يكتبون مذكرات لهم، هذه المذكرات يكون فيها فوائد وفيها طرائف كالرحلات يستفاد منها في الأوقات التي يستجم بها، ولا يصرف لها من سنام الوقت، نعم فيها فوائد علمية وفيها فوائد أدبية نافعة، وهم متفاوتون، ففرق بين أن يكتب العالم مذكرات، ويكتب الأديب مذكرات، فكتابة العالم أنفع من الناحية العلمية، وأيضًا من الناحية السلوكية؛ لأن بعض الأدباء يتجاوز، يكون لديهم شيء من التفريط، وقد يذكرون بعض الأمور المحرمة التي عرضت لهم أو عرضت لغيرهم، فيوجد هذا في الكتب ..، مع أنها طريفة وكتبت بأسلوب ماتع، ويبقى أن مذكرات أهل العلم في الجملة يعني الفقهاء يذكرون فوائد فقهية، وعلمية، ونكات، وطرائف، لكن أسلوبهم يقصر عن أسلوب الأدباء في الغالب، فهذه تقرأ من ناحية وتلك تقرأ من ناحية، يعني فرق بين أن تقرأ بين رحلة ابن بطوطة مثلاً أو رحلة الشنقيطي، رحلة ابن بطوطة ما تتركها إلا وقد انتهت، مع أن فيها مخالفات عقدية، فيها الشرك الأكبر، فينتبه لمثل هذا، لكنها طريفة تستمر معها وأنت تقرأ، فيها عجائب، وفيها غرائب، وفيها أشياء..، تستهوي القاري، لكن رحلة الشنقيطي يعني تقرأ فيها دقيقة دقيقتين خمس بالكثير تمل، مسائل أصولية، معقدة، ومسائل كلامية، ومسائل..، يعني مسائل مجموعة من فنون فيها وعورة وفيها صعوبة، فيها علم متين.
من أفضل ما كتب في المذكرات أو الذكريات يعني من قبل الأدباء ذكريات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، ذكرياته نافعة وماتعة، وفيها فوائد في كل فن، وفيها طرائف وأخبار وأشياء..، طبعت في ثمانية وتسعة أجزاء، فهذه يحرص طالب العلم على قراءتها، هناك بعض من يكتب مثل طه حسين كتب الأيام يعني فتنة الكتاب يعني ما تتركه حتى ينتهي، لكن فيه مخالفات؛ لأن الرجل ليس بسوي، ليس بمرضي السيرة، فيه مخالفات.
أحمد أمين كتب وفيه أيضًا مخالفات، وغيره وغيره كتبوا، فهذه لاشك أنها فيها استجمام وفيها راحة للذهن، لكن يبقى أنها من فضول العلم ليست من متينه أبدًا، فلا يصرف لها سنام الوقت، يعني بمعنى أن الواحد يجلس بعد صلاة الصبح ينتظر انتشار الشمس وبيده مذكرات أو رحلات أو شيء من هذا، لا، لكن في حالة انتظار يعني في مستشفى، في دائرة حكومية ينتظر دوره، يعني في وقت يعني ضايع ضايع، يقرأ في مثل هذه.
يقول: في الحديث المتفق عليه عن معاوية -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» وقد ذكرتم هذا الحديث بالأمس، كان هذا السؤال من الأمس، وأنه يشمل جميع أبواب الدين لكن أشكل علي كلام الصنعاني، ولا أدري كيف أوجهه ؟ حيث قال في السبل: في الحديث دليل ظاهر على شرف الفقه في الدين والمتفقهين فيه على سائر العلوم والعلماء، والمراد به معرفة الكتاب والسنة.
هذا الذي ذكرنا معرفة الكتاب والسنة، بمعنى الأعم الأشمل، جميع أبواب الدين.
أبدًا، لا، لا يريد المعنى الاصطلاحي في العرف الخاص، يعني معرفة الأحكام التفصيلية العرف في الفقه المقابل للعقيدة المقابل للحديث المقابل للتفسير، لا، إنما الفقه يشمل جميع هذه الفنون، الفقه في الدين، والدين يشمل جميع المراتب: الإسلام والإيمان والإحسان، أما الفقه الاصطلاحي لا شك أنه مهم ولا يمكن تصحيح العبادات إلا بمعرفته، وإذا كانت العبادة واجبة على المسلم، والمسلم عموم المخلوق من جن وإنس ما خلقوا إلا لتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ولا يمكن أن تتحقق هذه العبودية إلا بمعرفة ما لله جل وعلا من حكم، فمثل هذه الأمور في غاية الأهمية لا بد أن يعرفها الطالب، لكن أهم من ذلك الفقه الأكبر عند أهل العلم معرفة العقائد، والأخذ من مصادره وأهل الموثوقين، معرفة ما يتعلق بكتاب الله -جل وعلا-، بمراجعة ما كتبه أهل العلم المحققون.
على كل حال الكلام ما فيه أدنى إشكال، كلام الصنعاني ما فيه أدنى إشكال.
طلاب العلم يتفاوتون بتفاوت السن، الطالب الذي انتبه ودل على العلم الشرعي من الصغر مثل هذا يهتم بالحفظ أكثر، وأما بالنسبة لطالب العلم الذي تقدم به السن وأراد أن يحفظ المتون فمثل هذا يحفظ مع المراجعة، يعني يحفظ مع مراجعة ما يشكل عليه؛ لأنه إذا عرف المشكل انحل عنده عقدة الحفظ؛ لأنه أحيانًا يصعب الحفظ لوعورة الفهم، طالب العلم إذا كبر سنه مؤهل لأن يراجع الشروح ويفهم كلام أهل العلم، هذا إذا لم يلتفت إلى الحفظ في أول الأمر كما هو كثير من المتعلمين في التعليم النظامي؛ تجدهم يواصلون الدراسة في الابتدائي، ثم المتوسط، والثانوي، والجامعة، ثم إذا تخرج في الجامعة أحس إلى الحاجة الملحة للعلم، وتفقد ما عنده من علم وجدها أمورًا متناثرة ما يربطها رابط؛ فأراد أن يؤسس من جديد، فعليه أن يبدأ بالمتون الصغيرة، ولا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر، لا يستنكف أن يقع في المتون التي صنفت للمبتدئين.
على كل حال الرحلة مطبوعة في المغرب، في خمسة مجلدات، مطبوعة ومحققة، وفيها هذا الكلام.
بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، علق له البخاري ولم يخرج له في الصحيح إلا تعليقًا، وحينئذٍ روايته لا تكون مثل رواية الأحاديث الموصولة في الصحيح، الأصول المعتمد عليها كونه علق له يدل على أنه في الجملة ضعفه ليس بشديد، والكلام فيه بالفعل ليس بشديد، وإنما تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه؛ فنزلت رتبة روايته عن درجة الصحيح إلى درجة الحسن، والخلاف فيه ذاته وليس الخلاف فيه كالخلاف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن سبب الخلاف في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ إنما هي بسبب الخلاف في عود الضمير في جده، هل يعود إلى عمرو فالجد محمد، والخبر حينئذٍ مرسل؛ لأن عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص، وإذا قلنا: إن الضمير يعود إلى شعيب فالجد عبدالله بن عمرو قد جاء مصرحًا به في روايات عند أحمد والنسائي وغيرهما، فالجد حينئذٍ عبدالله بن عمرو، وقد جاء مصرحًا به عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو، وعلى هذا يكون سبب الخلاف حينئذٍ في مسألة رواية شعيب عن جده، هل تصح روايته ويصح سماعه منه أو لا؟ ولهذا الخلاف في الضمير، والخلاف في سماع شعيب عن جده، نزلت رتبة هذه رواية، هذه السلسلة إلى الحسن، والقول المتوسط في كلام أهل العلم أنه من قبيل الحسن إذا صح السند إلى عمرو، وقل مثل هذا فيما إذا صح السند إلى بهز فالحديث حسن، كما إذا صح السند إلى عمرو فالحديث حينئذٍ حسن، وعرفنا السبب في إنزال هاتين السلسلتين من كونهما من رواة الصحيح أو الحسن.
يقول: ولماذا نزلت رتبة روايته إلى الحسن؟
لما ذكرنا، يبقى الموازنة بين السلسلتين أيهما أقوى عمرو بن شعيب أو بهز؟
طالب: ....
على كل الحال المسألة خلاف، ومرد الخلاف إلى أن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مخرج له في الصحيح ولو تعليقًا، بينما عمرو بن شعيب لم يذكر في الصحيح الذي يرجح عمرو بن شعيب يقول: إن البخاري صحح لعمرو بن شعيب خارج الصحيح، ففي جامع الترمذي سأل الترمذيُّ الإمامَ البخاري عن حديث عمرو بن شعيب فقال: هو أصح ما في الباب، على أن قوله: أصح ما في الباب، لا يقتضي التصحيح؛ لأن أفعل التفضيل عند أهل الحديث قد لا تكون على بابها تقتضي المشاركة في الوصف، على كل حال الكلام في مثل هذا كثير، لكن خلاصته أنه إذا صح السند إلى بهز أو إلى عمرو بن شعيب فإن الحديث لا ينزل عن رتبة الحسن.
طالب: ....
الكلام في بهز، الكلام في الموجود، لكن الخلاف في عود الضمير بالنسبة لبهز، ما فيه خلاف، بهز بن حكيم بن معاوية حيدة ليس بصحابي من أجل أن يكون الخلاف محتملاً، ولا يعرف في الرواة، إنما معاوية بن حيدة، بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة صحابي ومعروف في الرواية؛ فلذا لا تجد الخلاف في عود الضمير، بخلاف عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص، يعني احتمال أن يكون الجد عمرو بن العاص، ويكون هناك حينئذٍ مفاوز بين عمرو إذا قلنا: الضمير يعود إليه، أو محمد إذا قلنا: الضمير يعود إلى شعيب، مفاوز! ومع ذلك أهل العلم قبلوا هذه الرواية بجملتهم وإن ردها بعضهم.
أبدًا، أنا عندي التصوير محرم، ولا أرضى ولا أبيح أحدًا يأخذ صورة لي مهما كانت ظروفه، مهما كان تأويله، ولو استباح ذلك لنفسه.
من أفضل المتون النظم الذي بأيدينا "الفرائد البهية" للأهدل، نظم مأخوذ كما ذكرنا في الدرس الأول من الأشباه والنظائر للسيوطي، وهو نظم سلس طيب، وفيه تفريعات، وفيه أمثلة، يعني وافي، إلا أنه طويل، فإذا قارنا هذا النظم مع شرحه بأصله، ونظرنا في كتب القواعد الأخرى جعلنا هذا محور بحث ندور عليه، وألحقنا به من الزوائد ما في الكتب الأخرى من كتب القواعد يتأهل الطالب بإذن الله.