كتاب بدء الوحي (005)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:  

فما زال الحديث في، أو الكلام على الحديث الأول بإسناده يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- على المنبر قال: سمعت إلى أخره.

الحديث تقدم الكلام في إسناده، ورواته، وصيغ الأداء، بقي أن الحديث فرد مطلق، إيش معنى فرد مطلق؟ تفرد به راويه في أصله في أصل السند، فلم يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عمر بن الخطاب، لا يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من طريق عمر بن الخطاب، ولا يصح عن عمر إلا من طريق علقمة، ولا عن علقمة إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عنه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، وعنه انتشر -يعني أربع طبقات في السند هي أصله ومخرجه وقع فيها التفرد المطلق- بعد يحيى بن سعيد انتشر، حتى قال أبو إسماعيل الأنصاري الهروي قال: كتبته من حديث سبع مائة من أصحاب يحيى، -يعني التفرد- وقع في أربع طبقات، ونظيره أخر حديث في الصحيح، أخر حديث في الصحيح            (( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) هذا فيه التفرد في أربع طبقات هي أصل سنده، ثم انتشر بعد ذلك نظير ما عندنا في الحديث الأول.

تفرد به عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أبو هريرة، وعنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي، وعنه عمارة بن القعقاع، وعنه محمد بن الفضيل، ثم بعدهم انتشر.

قول أبي إسماعيل الهروي: إنه كتبه من حديث سبع مائة من أصحاب يحيى، يقول ابن حجر: أنا أستبعد صحة هذا، أنا أستبعد صحة هذا العدد، يقول: فقد تتبعت طرقه من الروايات المشهورة، والأجزاء المنثورة، منذ طلبت الحديث إلى وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائة، فما قدرت على تكميل المائة -يعني فضلا عن مائتين، ثلاث مائة، أربع مائة، إلى السبع مائة، وقد تتبعت طرق غيره فزادت على ما نقل عمن تقدم، -تتبع طرق بعض الأحاديث، فزادت على السبع مائة-، لكن حديث الأعمال بالنيات تتبعه ابن حجر منذ بداية طلبه لعلم الحديث إلى وقته -إلى وقت كتابة الشرح- فلم يقدر على تكميل المائة.

أبو إسماعيل الهروي الأنصاري يقول: إنه كتبه من حديث سبعمائة من أصحاب يحيى، يعني هل نفي ابن حجر يقضي على إثبات أبي إسماعيل الهروي؟ المثبت يقولون: مقدم على النافي، لكن هل هذا كلامك يقبل على إطلاقه؟ يعني لو الفرق مائة قلنا يفوت ابن حجر مائة، قد يفوت ابن حجر مائة، لكن سبع مائة ولا يقدر على تكميل مائة،! وهو الإمام الحافظ المطلع في هذا الشأن،! هل نقول إن المثبت مقدم على النافي؟ أو نقول إنه من باب المبالغة، وجد طرق كثيرة جدا، وقدرها فظنها تبلغ هذا المقدار؟.

ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول: "وليعتني المسلم بأذكار النوم وهي نحو من أربعين، أذكار النوم أربعين؟ تبلغ أربعين؟ ها.

طالب...........

لو سألنا بعض الحفاظ، قال: ولا الربع وهي نحو من أربعين، ها، ما في تكرار يعني بيذكر الذكر مرتين؛ لأنه جاء بإسنادين، نعم، ممكن بيكرر الذكر مرتين،  ثلاث، أربع، عشر لأنه عشرة أسانيد ما يمكن، لا  الأذكار يراد منها المتون، اللي يمكن أن تقال في هذا الموضع.

على كل حال ابن حجر عمدة في هذا الباب، ولا شك أن عنده اطلاع واسع جدا، الكتب والأجزاء يتفقون على تلقيبه بالحافظ.

أبو إسماعيل الهروي الأنصاري هذا له اهتمامات كثيرة، يسمونه شيخ الإسلام، وعنده أيضا مخالفات في باب الاعتقاد، وإن كان له كتاب اسمه "ذم الكلام وأهله" مطبوع متداول، له أيضا "منازل السائرين" في مخالفات على مقتضى نظر أهل السنة.

على كل حال الذي يهمنا أن الحديث انتشر انتشارا واسعا بعد يحيى بن سعيد.

الخطابي نفى الخلاف بين أهل الحدث، في أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد، قال: لا خلاف بين أهل الحديث أن هذا الحديث لا يعرف إلا بهذا الإسناد، قال ابن حجر: وهو كما قال لكن بقيدين-لا بد أن يقيد كلامه بقيدين-:

أحدهما: الصحة يعني جاء من غير هذا الإسناد من طرق لكنها ضعيفة، فلا ترد على كلام الخطابي إذا قيد مراده بالصحة.

الأمر الثاني: السياق يعني بهذا السياق ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) ما ورد صحيحا إلا بهذا الإسناد.

يقول ابن حجر: لإنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني، وأبو القاسم، وابن مندة، وورد في معناه عدة أحاديث أحدهما الصحة، ورد بأحاديث، ورد من طرق لكنها معلولة ليست صحيحة، هذا القيد الأول، الثاني السياق ورد معناه في عدة أحاديث -يعني في مطلق النية-، كحديث عائشة، وأم سلمة -رضي الله عنهما- عند مسلم ((يبعثون على نياتهم))، وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- ((ولكن جهاد ونية))، يعني في حديث ((لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية))، وحديث أبي موسى  ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله)) متفق عليهما، وحديث ابن مسعود ((رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته)) خرجه أحمد، وحديث عبادة ((من غزى وهو لا ينوي إلا عقالا فله ما نوى)) أخرجه النسائي، إلى غير ذلك مما يتعسر حصره، يعني جاء في النية أحاديث كثيرة جاءت لكن بغير هذا السياق، وبعضهم زعم أن حديث ((إنما الأعمال بالنيات)) متواتر، متواتر، وهذا الكلام بعد أن عرفنا أنه لا يثبت بهذا السياق بسند صحيح إلا حديث عمر، فكيف يقال أنه متواتر؟ وهو فرد غريب غرابة مطلقة!! وعرف بهذا التقرير غلط من زعم أنه حديث متواتر، إلا أن حمل على التواتر المعنوي، حمل على التواتر المعنوي فهو صحيح؛ لأنه جاء في النية أحاديث كثيرة يصعب حصرها.

هذا الحديث تفرد به بروايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عمر بن الخطاب، وعن عمر علقمة، وعن علقمة، محمد بن إبراهيم، وعن محمد ابن إبراهيم، يحيى بن سعيد بهذا الحديث، وأخر حديث في الصحيح، وبينهما أحاديث كثيرة، يقول عنها العلماء: إنها من غرائب الصحيح، الأحاديث التي تفرد بها رواتها، بها يرد على من زعم أن التعدد شرط لصحة الخبر، أو شرط لصحة، للصحة عند البخاري، يعني من شرط البخاري في صحيحه ألا يروي إلا عن اثنين، عن اثنين، عن اثنين، يعني ما تعددت الرواة ولا يروي الغرائب، ولا يروي الأفراد هذا قال به بعض أهل العلماء، لكن ماذا يقول عن أول حديث، وأخر حديث، وبينهما أحاديث؟.

نعرف بهذا غلط من زعم أن التعدد شرط لصحة الخبر مطلقا، أو شرط للبخاري في صحيحه على وجه الخصوص، كما يؤمي إليه كلام الحاكم والبيهقي وابن العربي والكرماني الشارح وغيرهم، هؤلاء يرون أن التعدد شرط في صحة الخبر، ومنهم كابن العربي والكرماني يرونه شرط للبخاري في صحيحه، شرط للبخاري في صحيحه، الكرماني في مواضع متعددة قال: إن البخاري لم يخرج حديث فلان؛ لأنه لم يرويه إلا واحد، وابن العربي في حديث ((هو الطهور ماؤه)) في كلامه على جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال: لم يخرجه البخاري؛ لأنه لم يرد إلا عن أبي هريرة، والبخاري لا يخرج إلا ما تعددت رواته، هذا الكلام بعد ما سمعناه في حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) وحديث: ((كلمتان خفيفتان على اللسان)) إلى أخره كلام مقبول وإلا مردود؟ مردود بلا شك.

الصنعاني لما عرف العزيز وهو: ما يرويه اثنان عن اثنين إلى أخره قال:

وليس شرطا للصحيح فعلم
 

 

وقيل شرط وهو قول الحاكم

بعض النسخ يقول: 

وليس شرطا للصحيح فعلم

 

وقد رمي من قال بالتوهم

لا شك أنه واهم الذي يزعم أن هذا شرط لصحة الخبر، أو شرط للبخاري في صحيحه، يعني هؤلاء أئمة كيف يخفى عليهم مثل هذا؟ قد يوجه كلام الحاكم بأنه يريد أنه لا يخرج لراوي من الرواة إلا له أكثر من راوي، -يعني في الجملة- يعني عمر له أكثر من راوي معروف بحيث ترتفع عنه جهالة العين، قد يقال عن الحاكم مثل هذا الكلام، وقد قيل، لكن كلامه محتمل.

ابن العربي، البيهقي أيضا له كلام نظير كلام الحاكم، أما ابن العربي فسمعنا كلامه لم يخرج حديث ((هو الطهور ماؤه))؛ لأنه تفرد بروايته أبو هريرة، والبخاري لا يخرج ما له إسناد واحد، هذا الكلام ليس بصحيح، الكرماني الشارح، شارح البخاري نص في أكثر من موضع ثلاث مواضع، أو أربعة على أن البخاري لا يخرج ما له، إلا ما له إلا راوي واحد، بل لا بد من التعدد عنده، هذا لا شك أنه جاهل بالكتاب الذي يشرحه، يعني أول حديث، وأخر حديث، كفيلان بالرد على من زعم هذه المقولة، ومع ذلك مع كونه فرداً تواتر النقل عن الأئمة في تعظيمه، في تعظيم قدر هذا الحديث، في تعظيم قدره.

فقيل: ليس في أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث، واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني على أنه ثلث الإسلام، على أنه ثلث الإسلام.

ومنهم من قال: ربعه.

وقال ابن مهدي: يدخل في ثلاثين بابا من العلم.

وقال الشافعي: يدخل في سبعين بابا.

وقال ابن مهدي: ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب لماذا؟ لكي يستحضر القارئ النية، فيخلص في عمله لله -جل وعلا- لا سيما وأن الإخلاص شرط القبول مع المتابعة للنبي -عليه الصلاة والسلام- هما شرطا القبول.

طاهر بن المفوز وهو من تلاميذ ابن عبد البر يقول:

عمدة الدين عندنا كلمات
اترك الشبهات وازهد ودع ما
ج

 

أربع من قول خير البريئة
ليس يعنيك واعملن بنية

وجه البيهقي كونه ثلث العلم؛ لأن كسب العبد يقع بقلبه وجوارحه ولسانه، يقع بقلبه وجوارحه ولسانه، فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها؛ لأن محلها القلب؛ ولأنها قد تكون عبادة مستقلة، وغيرها يحتاج إليها، يعني النية لا تحتاج إلى غيرها، والعمل وغير النية يحتاج إلى هذه النية، غيرها محتاج إليها، والنية لا تحتاج إلى غيرها، لذا جاء في الحديث وإن كان فيه كلام لأهل العلم ((نية المؤمن خير من عمله))، والمقصود بذلك النية المجردة خير من العمل المجرد؛ لأن الإنسان يؤجر على نيته، لكن لا يؤجر على عمله المجرد دون نية.

مناسبة الحديث للترجمة، الترجمة كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ والحديث ((إنما الأعمال بالنيات)) هذا الحديث كلام العلماء فيه كثير جداً في مطابقة الحديث، مطابقته للترجمة، يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: اعترض على المصنف في إدخاله حديث الأعمال في ترجمة بدء الوحي، اعترض على المصنف في إدخاله حديث الأعمال في ترجمة بدء الوحي، وأنه لا تعلق له بالترجمة أصلا، لا تعلق له بالترجمة أصلا، بحيث إن الخطابي في شرحه، والإسماعيلي في مستخرجه، أخرجاه قبل الترجمة -يعني بعد البسملة- حدثنا الحميدي، ثم قال بعد ذلك: بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ إلى أخره، بحيث إن الخطابي في شرحه، والإسماعيلي في مستخرجه، أخرجاه قبل الترجمة؛ لاعتقادهما أنه إنما أورده للتبرك بهما فقط، واستصوب أبو القاسم ابن مندة صنيع الإسماعيلي في ذلك؛ لأن البخاري إذا ترجم، أو العالم عموما إذا ترجم بترجمة وأورد تحتها من النصوص ما يورد، لا بد أن يكون هناك رابط بين هذه النصوص وبين الترجمة، والحديث في بادئ الأمر لا يظهر له رابط في بدء الوحي، ولذا الخطابي والإسماعيلي قدموه على الترجمة فجعلوه بمثابة الخطبة، وقال ابن رشيد: لم يقصد البخاري بإيراده، بإيراد الحديث سوى بيان حسن نيته فيه، سوى بيان حسن نيته فيه، وإلا ما له ارتباط بالترجمة، إنما أراد البخاري أن يبين حسن نيته فيه في هذا التأليف، وقد تكلفت مناسبته للترجمة، فقال كل بحسب ما ظهر له انتهى.

وقد قيل إنه أريد أن يقيمه مقام الخطبة للكتاب؛ لأن في سياقه أن عمر -رضي الله عنه- قاله على المنبر بمحضر من الصحابة، يقول: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبر قال: لأن، وقد قيل أنه أراد أن يقيمه مقام الخطبة للكتاب؛ لأن في سياقه أن عمر -رضي الله عنه- قاله على المنبر بمحضر الصحابة، فإذا صلح أن يكون في خطبة المنبر، صلح أن يكون في خطبة الكتاب، إذا صلح أن يكون في خطبة المنبر، صلح أن يكون في خطبة الكتاب، وحكى المهلب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب به حين قدم المدينة مهاجرا، فناسب إيراده في بدء الوحي؛ لأن الأحوال التي كانت قبل الهجرة كانت كالمقدمة لها؛ لأن بالهجرة افتتح الأذن في قتال المشركين، ويعقبه النصر والظفر والفتح انتهى.

يقول ابن حجر: وهذا وجه حسن، وهذا وجه حسن، إلا أنني لم أرى ما ذكره من كونه -صلى الله عليه وسلم- خطب به أول ما هاجر، -يعني لو ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب به أول ما هاجر صلح كلام المهلب-.

 قال ابن حجر: وهذا وجه حسن، إلا أنني لم أرى ما ذكره من كونه -صلى الله عليه وسلم- خطب بها أول ما هاجر منقولاً، وقد وقع في باب ترك الحيل في أواخر الصحيح بلفظ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يا أيها الناس، إنما الأعمال بالنية))، والعادة أنه حينما يقول يا أيها الناس، أن هذا يكون في الخطبة على المنبر، ففي هذا إيماء إلى أنه كان في حال الخطبة، أما كونه في ابتداء الهجرة، أو في ابتداء قدومه إلى المدينة، فلم أرى ما يدل عليه، ولعل قائله استند إلى ما روي في قصة "مهاجر أم قيس"، ولعل قائله استند إلى ما روي في قصة مهاجر أم قيس.

قال ابن دقيق العيد: نقلوا أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس فلهذا خص بالحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به انتهى.

يعني كون، هذا يستدل به على أن الحديث قيل في أول الهجرة لماذا؟ لأنه سيق في ذم مهاجر أم قيس، ومهاجر أم قيس إنما هاجر في أول الهجرة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- مظهراً الهجرة إلى الله ورسوله، وهو في الحقيقة إنما هاجر ليتزوج هذه المرأة، ولذا ذكرت المرأة بخصوصها في الحديث.

يعني كلام المهلب يقول: إذا كان صلح أن يكون خطبة من النبي -عليه الصلاة والسلام- وكان ذلك في أول الهجرة، صلح أن يكون مقدمة لكتابك، كالخطبة بين يديه، ابن حجر تردد في كونه ذكر على المنبر، إلا أنه ذكر ما يمكن أن يستأنس به، على أنه سيق في خطبة من قوله -عليه الصلاة والسلام- كما سيأتي في كتاب الحيل، وترك الحيل ((يا أيها الناس)) وأما كونه قيل، أو ورد هذا الحديث في أول الهجرة، فلا يوجد في طرقه ما يدل على ذلك، إلا إذا قرنّا بينه وبين حديث قصة مهاجر أم قيس، مهاجر أم قيس، هاجر مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الهجرة، ومع ذلك هاجر مظهراً أنه هاجر إلى الله ورسوله، وهو في الحقيقة إنما هاجر ليتزوج امرأة، ولذا نص عليه في الحديث، وهذا يشعر باقتران القصة مع الحديث، ولذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به انتهى.

قال ابن حجر: وهذا لو صح لم تستلزم البداءة بذكره أول الهجرة النبوية، وهذا لو صح أنه هاجر، أقول ما في ما يدل على أنه هاجر مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، يمكن هاجر بعده بسنين قبل حديث ((لا هجرة بعد الفتح))، يعني هاجر قبل الفتح ولو بعد هجرة النبي -عليه الصلاة والسلام- بمدة طويلة.

وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور، قال: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، وابن مسعود قال: "من هاجر يبتغي شيئا فإنما له ذلك" ، من هاجر يبتغي شيئا فإنما له ذلك، هاجر رجل يتزوج امرأة يقال لها أم قيس، فكان يقال له: مهاجر أم قيس.

ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس، وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال بالنيات سيق بسببه، سيق بسبب ذلك، ولم أرى في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك.

وأيضاً فلو أراد البخاري إقامته مقام الخطبة فقط، إذ الابتداء به تيمناً وترغيباً في الإخلاص، لكان سياقه قبل الترجمة كما قال الإسماعيلي وغيره، يعني هذه المناسبات تصلح للبدءاة به في أول الكتاب، لكن ما تصلح أن يورد تحت ترجمة كيف كان بدء الوحي؟ نعم هذه الأقوال، أو ما ذكر، إنما هي مبرر لإيراده في أول الكتاب، في صدر الكتاب، ولو أورد أيضاً في صدر الكتب الآحقة من كتب صحيح البخاري، لكان له وجه كما قال الشافعي -رحمه الله-: يدخل في سبعين بابا، على كل حال لو كان مراد البخاري إيراده مورد الخطبة لأورده قبل الترجمة، ولكان صنيع الخطابي والإسماعيلي هو المتوجه، ولكن النسخ جلها، بل كلها الحديث فيها بعد الترجمة، بعد الترجمة.

نقل ابن بطال في شرحه، عن أبي عبد الله بن النجار قال: التبويب يتعلق بالآية والحديث معاً، التبويب يتعلق بالآية والحديث معاً، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وقول الله -جل ذكره- الآية والحديث كيف ذلك؟ قال: لأن الله تعالى أوحى إلى الأنبياء، ثم إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- أن الأعمال بالنيات، أوحى إليه كما أوحى إليهم، يعني مما نص عليه في الآية إجمالا، وتفصيله بل بعض مفردات ما أوحي إليهم أن الأعمال بالنيات لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [(5) سورة البينة].

وقال أبو عبد الملك البوني: مناسبة الحديث للترجمة، أن بدء الوحي كان بالنية؛ لأن الله تعالى فطر محمداً -صلى الله عليه وسلم- على التوحيد، وبغض إليه الأوثان، ووهب له أسباب النبوة، ووهب له أسباب النبوة وهي الرؤية الصالحة، فلما رأي ذلك أخلص إلى الله في ذلك فكان يتعبد بغار حراء، فقبل الله عمله، وأتم له النعمة، لما وهبت له المقدمات بالرؤية الصالحة أخلص إلى الله في ذلك، وهذا مقتضى حديث عمر الذي يدل على وجوب الإخلاص، فكان يتعبد بغار حراء فقبل الله عمله، وأتم له النعمة، يعني بدء الوحي كان بأي شيء بالرؤية الصالحة، كان بالرؤية الصالحة، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاءته هذه المقدمات التي هي الرؤية الصالحة، أخلص في عمله، فوهبت له النبوة بالوحي.

في المتواري لابن المنير على أبواب صحيح البخاري يقول: إن قلت ما موقع حديث عمر من الترجمة؟ وأين هو من بدء الوحي؟ إن قلت ما موقع حديث عمر من الترجمة؟ وأين هو من بدء الوحي؟ قلت: أشكل هذا قديماً على الناس، فحمله بعضهم على قصد الخطبة والمقدمة للكتاب لا على مطابقة الترجمة، وقيل فيه غير هذا، يقول ابن المنير: والذي وقع لي أنه قصده -والله أعلم-، أن الحديث اشتمل على أن من هاجر إلى الله وحده، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان مقدمة النبوة في حقه هجرته إلى الله، بدء الوحي في مقدمته هجرة البني -صلى الله عليه وسلم- إلى الله، وفي الحديث التنصيص فمن كانت هجرته إلى الله، يعني عندنا الهجرة البدنية، والهجرة القلبية تسبق ذلك، يعني طريق الهجرتين هل يراد به الانتقال من بلد إلى بلد؟ كتاب ابن القيم من أوله إلى أخره، هل يراد به الهجرة من بلد إلى بلد؟ المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ورسوله، هذا المهاجر، فهناك هجرة قلبية، وهناك هجرة بدنية ففي الحديث هجرة قلبية ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) وفي بدء الوحي كانت الهجرة إلى الله -جل وعلا- من قبل نبيه -عليه الصلاة والسلام- مقدمة بين يدي الوحي.

لكن مقابلة الهجرة إلى الله ورسوله، بالهجرة إلى المرأة التي يريد نكاحها، والدنيا، المقابلة تدل على أن الهجرة بدنية وإلا قلبية؟ يعني يمكن أن يهاجر بقلبه إلى دنيا، أو إلى امرأة، أو لا بد أن يهاجر ببدنه؟

طالب..........

ها.

الآن ابن المنير كأنه يريد أن المراد بالهجرة فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، -يعني بقبله- كما أن الهجرة يعني بدء الوحي، بدأ بهجرة النبي -عليه الصلاة والسلام- بقلبه إلى الله -جل وعلا-، فكان يخلوا بنفسه، مهاجراً إلى الله بقلبه، فهناك نوع ارتباط بالنسبة إلى الهجرة القلبية، هذا ما أراد أن يقرره.

والذي وقع لي أنه قصده -والله أعلم-، أن الحديث اشتمل على أن من هاجر إلى الله وحده، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان مقدمة النبوة في حقه هجرته إلى الله، وإلى الخلوة بمناجاته، والتقرب إليه بعباداته في غار حراء، فلما ألهمه الله صدق الهجرة إليه، فلما ألهمه الله صدق الهجرة إليه -يعني بقلبه- وطلب وجد، وجد، فهجرته إليه كانت بدء فضله عليه باصطفائه، وإنزال الوحي عليه، مضافاً إلى التأييد الإلهي، والتوفيق الرباني الذي هو الأصل، والمبدأ، والمرجع، والموئل.

وليس على معنى ما رده أهل السنة، وليس على ما معنى، لا يقال: إن هذه هي المقدمات، هي التي أكسبت النبي -عليه الصلاة والسلام- النبوة، لا يقال: إن هذه هي المقدمات، هي التي أكسبت النبي -عليه الصلاة والسلام- النبوة؛ لإن من المبتدعة من يرى أن النبوة مكتسبة، مكتسبة يقول: وليس على معنى ما رده أهل السنة، على من أعتقد أن النبوة مكتسبة، بل على معنى أن النبوة ومقدماتها ومتمماتها كل فضل من عند الله -جل وعلا- فهو الذي ألهم السؤال، وأعطى السؤل، وعلق الأمل، وبلغ المأمول، فله الفضل أولاً وأخراً، وظاهراً وباطناً -سبحانه وتعالى- يعني الرابط الذي أوجده ابن المنير، الظاهر انه ظاهر يعني، وإن كان سياق الحديث، إذا قلنا إن تمام المقابلة بين جزئيه، إنما يتم بالهجرة البدنية، لا يتجه حينئذ، لا ينطبق عليه كلام ابن المنير، إذا قلنا: ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته))  تمام المقابلة أن تكون الهجرة إلى الله ورسوله تكون بالبدن، وهو يقرر أن الهجرة إلى الله ورسوله إنما هي بالقلب، وبدء الوحي إنما كان بعد هجرة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الله بقلبه.  

طالب...........

نعم.

لا عاد هذا يأتي سبب الحذف، يأتي سبب الحذف هي مذكورة في الصحيح، لا لا، ما يلزم، ما يلزم؛ لأن البخاري قد يترجم لشيء، نعم ووجه الترجمة والمطابقة في جملة لم يذكرها، إنما ذكرها في موضع آخر، وقد تكون على غير شرطه في طريق من طرق الحديث لم يذكرها أصلا.

قال ابن حجر: من المناسبات البديعة الوجيزة ما تقدمت الإشارة إليه، أن الكتاب لما كان موضوعا لجمع وحي السنة صدره ببدء الوحي، لأن السنة وحي، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [ (3- 4) سورة النجم] فالسنة وحي قال: لما كان الكتاب موضوعا لجمع وحي السنة صدره ببدء الوحي، ولما كان الوحي لبيان الأعمال الشرعية، لما كان الوحي لبيان الأعمال الشرعية صدره بحديث الأعمال، قال ابن حجر: ومع هذه المناسبات لا يليق الجزم، لأنه لا تعلق له بالترجمة أصلا.

نعم.

طالب..............

إيه، لا الشيخ يريد أن يقول من هاجر من مكة إلى............. فارقهم ببدنه، كما فارقهم بقلبه، فاجتمعت له الهجرتان، لكن في كلام ابن المنير الإشارة إلى الهجرة القلبية فقط.

في كتاب جله في المناسبات وقد لا يعرفه كثير من طلاب العلم، وهو مطبوع اسمه النور الساري على صحيح البخاري، مما أملاه شيخ الهند محمود الحسن، على تلميذه مشتاق أحمد، هذا مطبوع في جزء صغير ليس بكبير، نعم، مما أملاه شيخ الهند محمود الحسن على تلميذه مشتاق أحمد.

يقول: اعلم أن البخاري وسع في تراجم الأبواب، والمناسبة بينها وبين الأحاديث، اعلم أن البخاري وسع في تراجم الأبواب، والمناسبة بينها وبين الأحاديث، إيش معنى هذا الكلام وسع؟

نعم.

طالب..............

ليس هناك رابط ظاهر يدركه كل أحد، وإنما لأدنى مناسبة يذكر الخبر تحت الترجمة، يقول: اعلم أن البخاري وسع في تراجم الأبواب والمناسبة، -يأتي في كلامه شيء غريب- وسع في تراجم الأبواب والمناسبة بينها وبين الأحاديث، ومن عاداته أنه أحيانا يجعل الآية ترجمة للباب، يجعل الآية ترجمة الباب، ومنها أنه قد يجعل جزء الحديث ترجمة، ومنها أنه يأتي بالحديث الذي يسير على شرط هذا في المطبوع، لكن المخطوط فيه ليس، الذي ليس على شرطه في الترجمة، وأما من نفسه فقليلاً ما يترجم في الأبواب، يعني أن البخاري تراجمه غالبها منصوص إما بآية، أو بحديث، سواء كان على شرطه، أو على شرط غيره، سواء كان مرفوعا، أو موقوفا، وقليل منها ما يكون من تلقاء نفسه، لكن الناظر في صحيح البخاري يجد أن كثيراً من التراجم، بل أكثر التراجم من فقهه، واستنباطه من الأحاديث، ومنها أنه يأتي في باب واحد، في باب واحد تراجم مختلفة متعددة، لكن تكون هناك مناسبة بين التراجم، فيجعل واحدتها دعوى، يجعل جزء من الترجمة جملة من الترجمة دعوة، وجملة والأخرى دليلاً عليها، أو يجعل الأخرى متممة لها، ومنها أنه يأتي في مواضع مختلفة تراجم متكررة، مثل أتى بباب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ في أول الكتاب، ثم ترجم في أبواب القرآن باب نزول الوحي، في أول الكتاب باب بدء الوحي، وفي أثناء الكتاب في كتاب التفسير، أبواب القرآن باب نزول الوحي إليه -عليه الصلاة والسلام-.

قال: لكن لا يخلوا هذا التكرار من فائدة، لا يخلوا هذا التكرار من فائدة، فقال الشراح في مثل هذا الموضع: أن هاهنا لفظ البدء، وثمة لفظ النزول، -يعني في الباب الأول الذي بين أيدينا- لفظ البدء، وهناك في أبواب القرآن لفظ النزول، فاكتفوا على ذلك، لكن لا يخفى على الناظر أن هذا معارضة لفظية بالمعترض على البخاري، وليس بغور نظر، بل هو جواب بطريق سطحي، بطريق سطح النظر هكذا يقول، والتحقيق الحقيق أن المراد هنا -أي في أول الكتاب-، بيان كيفية البدء عموما؟ والمراد هنا نزول الوحي فقط، فبينهما بون بعيد، والغرض أن صنعة التراجم، والمناسبة بينها وبين البخاري وبين الأحاديث حصة البخاري فلله دره.

يعني كلام يبدو أن العجمة أثرت فيه، يعني ما تدري من الوضوح الترابط بين كلامه، نعم وهو أيضا أملاه على طريق الإملاء، والخلل منه، إما من المملي، أو من المتلقي؛ لأنه حتى النسخة الأصل، أنا عندي النسخة الأصلية المخطوطة في هذا الكلام، يعني في شيء من عدم الترابط، ثم قال: كيف بدء الوحي؟ وقول الله -عز وجل- {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [(163) سورة النساء] الظاهر أن هاتين الترجمتين مستقلتان، كيف بدء الوحي؟ ترجمة مستقلة، والآية ترجمة أخرى، لكن لو أريد ذلك، نعم لوجد لفظ باب بينهم، باب كيف كان بدء الوحي؟ وباب قول الله -جل ذكره-: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} قد يقول قائل مثلا: مقتضى قول أهل العلم أن العطف على نية  تكرار العامل، لا سيما على رواية الجر، وقول الله -جل ذكره- نعم على نية تكرار باب -المضاف-.

بابٌ كيف كان بدء الوحي؟ إلى أخره، وقول الله -عز وجل- {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الظاهر أن هاتين الترجمتين مستقلتان، كيف بدء الوحي؟ ترجمة مستقلة، والآية ترجمة أخرى، لكن النظر الدقيق والتأمل يقول: إن الآية ليست ترجمة أخرى، هو الذي أورد -يعني هل أورده غيره ليرد عليه-، هو الذي أورد هذا، قال: لكن النظر الدقيق والتأمل يقول: إن الآية ليست ترجمة أخرى، بل هي دليل وجواب للترجمة الأولى.

وإنما كانت الأولى مسئولاً عنه، مسئولاً عنه، كيف؟ مسئولاً عنه، كيفية الوحي؟ كيف هو؟ وممن نزل؟ فالآية بينة أنه نزل من الله تعالى، وكيفية النزول؟ مثل نزول الوحي على سائر الأنبياء، على نبينا وعليهم -الصلاة والسلام-.

قال: وإنما قدم هذه الترجمة على جميع الأبواب؛ لبيان عظمة الوحي، ولإظهار بأنه لا شيء يقابل عظمة الوحي، وهذا هو مقصود ما في الصحيح.

طالب.......

أبو حفص عمر.

نعم، كنيته أبو حفص. 

يعني متفق عليه ما هو أبو حفص؟ عندك غير هذا.

طالب.................

ويش المانع، أبو بكر، هل له ولد اسمه بكر؟ ما يلزم يا أخي، المقصود أن الكنية صحيحة

طالب..........

ويش المانع، يضره يضر الحديث، ما عليه أبد إذا نقله من يقوم بنقله الحجة، من تقوم الحجة بنقله، يكفي، ولا يرد مثل هذا إلا المعتزلة، هم الذين يشترطون التعدد.

نكمل كلام صاحب نور الساري، ثم ننظر في هذه الأوراق التي لها تعلق بالمناسبة.

يقول صاحب الكتاب: باب كيف بدء الوحي؟ إلى أخره، وقول الله -عز وجل- {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}، الظاهر أن هاتين الترجمتين مستقلتان، هو استظهر هذا كيف بدء الوحي؟ ترجمت مستقلة، والآية ترجمة أخرى، يعني لو أراد ذلك لقال: كيف باب؟ كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وباب قول الله -جل ذكره-؟ لكن أهل العلم يقولون: إن العطف على نية تكرار العامل، فكأنه كرر، فهل يعني هذا أنه بعطفه الآية على الباب، على الترجمة، أنه يريد أن الآية ترجمة مستقلة؟ أو أنها ترجمة واحدة لها أكثر من جملة؟ فيها جمل يعطف بعضها على بعض، منها ما كان من قوله -رحمه الله-، ومنها ما كان من قول الله -جل وعلا، ومنها ما كان من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد يترجم بكلامه، ثم يذكر آية وقول الله -جل وعلا-، وعن ابن عمر كذا، ويذكر حديثاً مرفوعاً يعلقه، وقد يورد أثراً موقوفاً، فينوع في الترجمة الواحدة، يعطف جملاً بعضها على بعض، منها ما هو من قوله ثم يردفه بآية، ثم يردف هذه الآية بحديث قد يكون على شرط غيره ليس على شرطه، ثم يورده بأثر، وما يورده البخاري -رحمه الله تعالى- بعد الترجمة من آية، أو أثر، أو حديث ليس على شرطه، إنما هو من أجل أن يرجح به الاحتمال؛ لأنه قد يورد، أو أورد كثيراً من التراجم على سبيل التردد، هل كذا؟ أو كذا؟ أو ما حكم كذا؟ ثم بعد ذلك يردفه بحديث ليس على شرطه، أو بأثر يريد أن يرجح أحد الاحتمالات التي تضمنها قوله: هل كذا أو كذا؟ أو ما حكم كذا؟.

يقول: لكن النظر الدقيق والتأمل، يقول: إن الآية ليست ترجمة أخرى، بل هي دليل وجواب للترجمة الأولى، يعني رد على نفسه، يعني هو استظهر أولا ثم رد على نفسه، وإنما كان الأولى مسئولة عنه كيفية الوحي؟ كيف هو؟ وممن نزل؟ فالآية بينة أنه نزل من الله تعالى، وكيفية النزول؟ مثل نزول الوحي على سائر الأنبياء على نبينا، وعليهم -الصلاة والسلام-، وإنما قدم هذه الترجمة على جميع الأبواب؛ لبيان عظمة الوحي؛ ولإظهار بأن لا شيء يقابل عظمة الوحي.

وهذا هو مقصود ما في الصحيح، أن جميع ما في الصحيح موقوف على الوحي، فينبغي أن يبين عظمته، كل ما في الصحيح وحي؛ لأن فيه الآيات، وفيه الأحاديث، والسنة وحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [ (3- 4) سورة النجم] فإن قيل: ما وجه ذكر نوح -عليه السلام- خاصة؟ ما وجه ذكر نوح -عليه الصلاة والسلام- خاصة؟ والحال يكفي لفظ النبيين وفيه اختصار أيضا؟ يعني لو حذفنا نوحاً، يعني لو لم يرد لفظ نوح {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ} [(163) سورة النساء] يكفي دخل فيهم نوح، وصار أخصر، فإن قيل: ما وجه ذكر نوح -عليه الصلاة والسلام- خاصة، والحال يكفي لفظ النبيين وفيه اختصار أيضا؟ وأيضاً يفهم من سياق الآية، وأيضاً يفهم من سياق الآية نفي الوحي من الأنبياء السابقين على نوح -عليه السلام- وهو كلف، يعني هل نزل عليهم وحي؟ وإلا ما نزل؟ اللّي قبل نوح إذا كان نزل لماذا تركوا؟ فالجواب أن في الوحي فرقاً، فالأنبياء السابقون قبل نوح -عليه السلام- كان الوحي ينزل عليهم؛ لإصلاح المعاش بالمطبوعة المعاشر لإصلاح المعاش والعادات، ولم يكن عليهم مؤاخذة بالشدة لإصلاح عاداتهم، وأما زمان نوح -عليه السلام- فالوحي كان ينزل عليه؛ لتبليغ الأحكام الشرعية، ومنه شرع العقاب، والعقاب على التارك، والكاسل في الدين، فلهذا بدئ بذكر نوح -عليه السلام- فالتشبيه بالوحي إليه في أمور الدين فقط -والله أعلم بالصواب-، كذا قال يقول: إن من أوحي إليه ممن تقدم على نوح، لم يكن الوحي بأحكام ملزمة يعاقب تاركها، وإنما يوحى إليهم ما فيه إصلاح الحياة والمعاش، لكن أنا له ذلك يحتاج إلى دليل، أنا له ذلك لابد من إثباته بدليل، ولا شك أن آدم جاء بأحكام صارت شرعا له ولولده من بعده، ومن بعد آدم إلى نوح كلهم جاءوا بالأحكام.

قد يقول قائل: ما دام أول الرسل نوح كما في حديث الشفاعة -أولهم نوح-، ومقتضى قول الجمهور أن الرسول أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي أوحي إليه بشرع ولم يأمر بتبليغه، فالذي أوحي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كالذي أوحي إلى نوح، باعتبار أنه أوحي إليه بالتبليغ كنوح، ولم يوح إليه فقط وحياً لا يبلغ كمن تقدم على نوح، هذا مقتضى قول الجمهور، أكثر العلماء على أن الفرق بين النبي والرسول، الفرق بين النبي والرسول: أن النبي أوحي إليه بشرع ولم يأمر بتبليغه، والرسول من أوحي بشرع وأمر بتبليغه.

بعض المحققين وإليه ميل شيخ الإسلام أن الرسول من يأتي بشرع جديد، والنبي يأتي بشرع مكمل، والنبي يأتي بشرع مكمل، لكن يرد عليه أن أول الرسل نوح، وآدم جاء بشرع جديد، ويرد عليه أيضا أن عيسى جاء بشرع متمم لشريعة موسى، يرد على كلام شيخ الإسلام ومن بعده نعم، على كل حال الأول عليه مؤاخذات، قول الجمهور عليه مؤاخذات، لكن الذي ارتضاه جمع من أهل التحقيق، وما ذكرناه عليه أيضاً إيرادات.

ماذا يقول صاحب الكتاب: الجواب أن في الوحي فرقاً، فالأنبياء السابقون قبل نوح -عليه السلام- كان الوحي ينزل عليهم لإصلاح المعاش والعادات، ولم يكن عليهم مؤاخذة بالشدة لإصلاح عاداتهم، إيش مؤاخذه هذه، لم يرد عليهم مؤاخذة، كل قتيل يقتل إلى قيام الساعة فعلى ولد ابن آدم الأول كفل من إثمه؛ لأنه هو الذي سن القتل، كيف ما عليهم مؤاخذة؟ هذا الكلام ليس بصحيح، وأما زمان نوح -عليه السلام- فالوحي كان ينزل عليه؛ لتبليغ الأحكام الشرعية، ومنه شرع العقاب، والعقاب على التارك، والكاسل في الدين، فلهذا بدء بذكر نوح -عليه السلام-، فالتشبيه بالوحي إليهم في أمور الدين فقط -والله أعلم بالصواب-.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصبحه أجمعين.

"
قال: في كلام العلماء عن مناسبة الحديث للترجمة، ألا يقال: إن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا هو من الوحي، وبالتالي فإن ذكر الحديث هو وصف صفة من صفات الوحي، وقوله فيما يتعلق بالنية؟

الوحي سيأتي تفصيله في السؤال، كيف يأتيك الوحي؟.
وقال: أحيانا يأتي يتمثل لي الملك رجلاً، وأحيانا ينزل مثل صلصلة الجرس، وأحيانا وأحيانا إلى أخره، هذه أنواع الوحي، والوحي منه ما هو بلفظه من الله -جل وعلا- مما لا يجوز تغييره كالقرآن، ومنه ما يعبر عنه البني -عليه الصلاة والسلام- ويجوز تعبير غيره عنه بمعناه.
فالقسم الأول: دلت عليه الآية، والقسم الثاني: دل عليه الحديث، الآن الترجمة يشملها بدء الوحي، النبي -عليه الصلاة والسلام- يُسأل فيسكت ينتظر الوحي، فيأتيه الوحي، ويضلل عليه، ويحجب عن الأبصار، كما في قصة المحرم الذي سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك جاءه الوحي بقرآن، وإلا بحديث، جاءه الوحي بأيش؟ بحديث، جاءه الوحي بحديث، فالحديث من الوحي.
وبدء الوحي يشمل ما كان متلواً بلفظه وهو القرآن، وما كان مروياً سواء كانت إضافته إلى الله -جل وعلا- كما يسمى بالحديث القدسي، أو ما كانت إضافته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كالحديث النبوي، وعلى كل حال، الكل وحي، ويؤيد ذلك قوله -جل وعلا-: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [ (3- 4) سورة النجم] يقول: يقال: إن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا من الوحي، وبالتالي فإن ذكر الحديث هو وصف، وصف صفة من صفات الوحي، وهو قوله فيما يتعلق بالنية، على كل حال الارتباط بين الحديث، النبي -عليه الصلاة والسلام- أوحي إليه كما أوحي إلى الأنبياء من قبله، وأوحي إليهم {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [(5) سورة البينة] والحديث فيه الإخلاص هذا وجه من وجوه الربط، أيضا الترجمة الكبرى للوحي كيف كان بدء الوحي؟ والوحي ما هو متعبد منه، منه ما هو متعبد بلفظه، فلا يجوز تحويله عنه وهو القرآن، ومنه ما يجوز روايته بلفظه وتجوز روايته بمعناه، مع أن نسبته إلى الله صريحة في الحديث القدسي، أو ما كانت نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث النبوي.

يقول: ما ذكرته من أن اختيار ابن تيمية في تعريف النبي والرسول، بأن الرسول: جاء بشرع جديد، والنبي: من أتى مكمل لشرع، أين نجده؟ لأن الذي نعرفه أن اختيار ابن تيمية أن الرسول: أرسل إلى قوم كفار، والنبي: أرسل إلى قوم مؤمنين؟

وأنا حفظي لكلامه قديم، والذي يظهر أنه في كتاب النبوات له.
ها.
طالب............
على أي وجه، ويش قال، هذا الذي أحفظه عن شيخ الإسلام وأذكر أني قرأته قديما في كتاب النبوات، وإذا كان في كتاب الإيمان فزيادة.
يقول: أيضا هذا نحتاج إلى توثيقه الذي ذكره الأخ السائل؛ لأن الذي نعرفه أن اختيار ابن تيميه أن الرسول: أرسل إلى قوم كفار، والنبي: أرسل إلى قوم مؤمنين؟
هذا كلام ظاهر.
نعم.
النبي أرسل إلى قوم مؤمنين، عيسى أرسل إلى من؟ إلى بني إسرائيل، لكن ما يلزم أن يكون كلهم مؤمنون، لا يلزم أن يكون كلهم مؤمنون، على كل حال نحتاج إلى المصدر في هذا الكلام.

يقول: قال السندي -رحمه الله- في حاشيته على صحيح البخاري: ابتدأ صحيحه بالوحي، وقدمه على الإيمان؛ لأن الاعتماد على جميع ما سيذكره في الصحيح يتوقف على كونه -صلى الله عليه وسلم- نبياً أوحي إليه، والإيمان به إنما يجب لذلك...

يقول: قال السندي -رحمه الله- في حاشيته على صحيح البخاري: ابتدأ صحيحه بالوحي، وقدمه على الإيمان؛ لأن الاعتماد على جميع ما سيذكره في الصحيح يتوقف على كونه -صلى الله عليه وسلم- نبياً أوحي إليه، والإيمان به إنما يجب لذلك، ولذلك أويد أمر، أيد أمر الوحي بالآية، يعني قوله: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ولما كان الوحي يستعمل في الإلهام وغيره مما يكون إلى غير النبي أيضاً، كما في قوله تعالى :{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [(68) سورة النحل] {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [(7) سورة القصص] ذكر أية تدل على أن الإيماء إليه، أو أن الإيحاء إليه -صلى الله عليه وسلم- إيحاء نبوة، وبواسطته ثبتت نبوته، وحصل الاعتماد على جميع ما في الصحيح، مما نقل عنه -صلى الله عليه وسلم- ووجب الإيمان به، فلذلك عقب باب الوحي، بدء الوحي، بكتاب؟
هذا كلام جيد في الجملة، لكن، نعم، ولكنه فيما مضى ما يشير إليه، والحاصل أن وحي إليه -صلى الله عليه وسلم- بدء أمر الدين، ومدار النبوة والرسالة، فلذلك سمي الوحي بدء، بناء على أن إضافة البدء في قوله: بدء الوحي بيانية، وابتدأ به الكتاب، والمعنى كيف كان بدء أمر النبوة والدين الذي هو الوحي؟ وبهذا التقرير حصل المناسبة بين تسمية الوحي بدء، وابتدأ الكتاب به إلى آخر ما قال، على كل حال هذا نظيره تقدم في كلام أهل العلم.

يقول: هل يصح ما ذكره بعضهم من أن البخاري بدأ بحديث غريب، وختم بحديث غريب؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- ((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا)).؟

يعني الغرابة الاصطلاحية هل يمكن أن يفسر بها النصوص الشرعية؟ يعني الألفاظ الاصطلاحية تنزل عليها النصوص الشرعية؟
نعم، نعم.
نقول الاصطلاحات العلمية الحادثة كثير منها بعد العصور المفضلة، يمكن أن تفسر بها النصوص الشرعية؟ لا يمكن.

يقول: كان أول نزول الملائكة على النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما شقوا صدره في بادية بني سعد؟

كان أول نزول للملائكة، أول نزول للملائكة على النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما شقوا صدره في بادية بني سعد، فتكون المناسبة بأن بداية الوحي تطهير، بأن بداية الوحي تطهير محل النية وهو القلب من التعلق بملاذ الدنيا، وأشار إليه البخاري -رحمه الله تعالى- بحديث: ((الأعمال بالنيات)) يعني هل شق صدره -عليه الصلاة والسلام- حينما كان مسترضعاً في بني سعد؟ هل المراد به الوحي، أو تطهير محل الوحي؟ لا شك أنه تطهير محل الوحي، لكن بعد أمد طويل -يعني بعد ما يقرب من أربعين سنة- نزل عليه الوحي، فهل نقول أن تطهير المحل من أجل أن يتلقى هذا الوحي الذي سوف ينزل عليه بعد مدة طويلة؟ وقد حدث أن شق صدره بعد ذلك مرة ثانية، على كل حال هذا الكلام في باب المناسبات، ومع ما يذكر من قريب وبعيد وما يبديه أهل العلم في هذا الباب، يمكن أن يذكر منها مثل هذا.