شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (016)

وفي الصحيح من حديث جابر: ما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا فقال: لا، وهذا غاية في الجود، حين يلقاه جبريل –عليه السلام- إذ في ملاقاته زيادة في اطلاعه على علوم الله تعالى، لاسيما مع مدارسة القرآن، لا شك أن لقاء الصالحين مؤثر في النفس، ورؤيتهم مؤثرة، فلقاء الصالحين يزهِّد في الدنيا فإذا زهد الشخص في الدنيا، ورغِب في الآخرة رخصت عنده الدنيا وما تتطلبه هذه الدنيا فينتج عن ذلك الجود، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يتضاعف جوده في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل -عليه السلام- يلقاه أي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجوَّز الكرماني أن يكون الضمير المرفوع للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والمنصوب لجبريل، ورجح العيني الأول لقرينة قوله: حين يلقاه جبريل، في كل ليلةٍ من رمضان فيدارسه القرآن بالنصب مفعول ثاني، ليدارسه على حد: جاذبته الثوب، والفاء في "فيدارسه" عاطفة على "يلقاه" فبمجموع ما ذُكِر من رمضان ومدارسة القرآن وملاقاة جبريل يتضاعف جوده -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الوقت موسم الخيرات؛ لأن نِعَم الله تربو فيه على عباده.

والمدارسة مفاعلة من الدرس وهو القراءة على سرعة، يقول تعالى: {وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [سورة آل عمران 79] وقال: {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} [سورة الأعراف 169] {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} [سورة الأنعام 105] أي قرأت فالمدارسة هي القراءة، وهاهنا لما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- وجبريل -عليه السلام- يتناوبان في قراءة القرآن كما هو عادة القراء بأن يقرأ هذا عشرًا والآخر عشرًا أتى بلفظ المدارسة يعني المفاعلة، أو أنهما كانا يتشاركان في القراءة أي يقرآن معًا، وقد علم أن باب المفاعلة لمشاركة اثنين، نحو ضارت زيدًا وخاصمت عمرًا يقول القسطلاني: وإنما دارسه بالقرآن لكي يتقرر عنده، ويرسخ أتم رسوخ، فلا ينساه وكان هذا إنجاز وعده تعالى لرسوله -عليه الصلاة والسلام- حيث قال له: {سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى} [سورة الأعلى 6] وقال الطيبي: فيه تخصيص بعد تخصيص على سبيل الترقي، فضَّل أولاً جوده مطلقًا على جود الناس كلهم، ثم فضل ثانيًا جود كونه في رمضان على جوده في سائر الأوقات، ثم فضل ثالثًا جوده في ليالي رمضان عند لقاء جبريل على جوده في رمضان مطلقًا، ثم شبه جوده بالريح، فقال: "فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة"، "فلرسول الله" والفاء للسببية، واللام للابتداء، وزيدت للتأكيد، أو في جواب قسمٍ مقدَّر، فلرسول الله بالرفع مبتدأ خبره قوله: "أجود بالخير من الريح المرسلة" أي المطلقة، إشارةً إلى أنه في الإسراع أسرع من الريح، وعبَّر بالمرسلة إشارةً إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده -عليه الصلاة والسلام- كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه، وقال الزين بن المنيِّر: وجه التشبيه بين أجوديته -صلى الله عليه وسلم- بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سببًا لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أي فيعم خيرُه وبرُّه من هو بصفة الفقر والحاجة، ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئ عن الريح المرسلة، وفي هذا جواز المبالغة في التشبيه، وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس، ليقرب لفهم سامعه وذلك أنه أثبت له أولاً وصف الأجودية ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبَّه جوده بالريح المرسلة، بل جعله أبلغ منها في ذلك؛ لأن الريح قد تسكن.

قال بعضهم: حكمة المدارسة ليكون ذلك سنةً في عرض القرآن على من هو أحفظ منه، وقال الكرماني: لتجويد لفظه وقال غيره: لتجويد حفظه. وتُعُقِّب بأن الحفظ كان حاصلاً له، والزيادة فيه تحصل ببعض المجالس، وفي الحديث جواز قول: رمضان من غير إضافة شهر، أطلق رمضان من غير إضافة شهر، فقال: "في كل ليلةٍ من رمضان"، ما قال: في كل ليلة من شهر رمضان، قد جاء عن بعض السلف كراهة إطلاق رمضان من دون إضافة شهر، ويروون في ذلك حديثًا أن رمضان من أسماء الله، لكنه مثل هذا لا يلتفت إليه؛ لأنه جاء في النصوص الصحيحة في الصحيحين وغيرهما إطلاق رمضان من غير إضافة الشهر. وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان؛ لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملةً واحدة كان في رمضان، كما ثبت من حديث ابن عباس، فكان جبريل يتعاهده في كل سنة، فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين، كما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة وفاطمة -رضي الله عنهم-، قال ابن حجر: وبهذا يجاب من سأل عن مناسبة إيراد هذا الحديث في هذا الباب، والله أعلم بالصواب.

قد يقول قائل: ما المناسبة بين بدء هذا الحديث وبدء الوحي؟ الإشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان، ابتداء النزول، وهو ابتداء الوحي.

يقول النووي: في الحديث فوائد، منها الحث على الجود في كل وقت، ومنها الزيادة في الجود في رمضان، وعند الاجتماع بأهل الصلاح. الحث على الجود في كل وقت، الجود صفة من الصفات المحمودة الذي هو الكرم، الكرم من الصفات المحمودة في الشرع وفي العقل وفي العرف، وكان العرب يتمدحَّون بالجود والكرم؛ لكن شريطة ألا يخرج عن حدِّه إلى حد الإسراف والتبذير، يقول: ومنها الزيادة في الجود في رمضان؛ لأنه شهر تضاعف فيه الحسنات والأعمال، فينبغي أن يكون هذا الخلق الحسن مضاعفًا ليضاعف ثوابه، وعند الاجتماع بأهل الصلاح. يقول: وفيه زيارة الصلحاء وأهل الخير وتكرار ذلك إذا كان المزور لا يكرهه. لا شك أن المجالسة لها أثر، أثر على النفس، وكم من شخص أثّر في الناس بمرآه فقط قبل أن يتكلم، وكثير من أهل العلم إذا ترجموا لشيوخهم يذكرون شيئًا من ذلك، وأنهم يستفيدون من رؤية الشيخ أكثر من علمه، وذكر ابن الجوزي في ترجمة شيخه، أحد شيوخه في فهرسته أنه استفاد من بكائه أكثر من فائدته من علمه، ولا شك أن مثل هذا مؤثر، مؤثر جدًّا، رؤية الشيخ العامل بعلمه، الداعي إلى علمه، المعلم، معلم الناس الخير لا شك أنه مؤثر، قد لا يتيسر لكثيرٍ من الناس زيارة مثل هؤلاء، إن تيسر فليحرص على ذلك، إن لم يتيسر فليقرأ في أخبارهم، أخبار هؤلاء الأخيار وهؤلاء الصلحاء، وعلى رأسهم مقدَّمهم -عليه الصلاة والسلام-، فليدم النظر طالب العلم في سيرته -عليه الصلاة والسلام-، ويُسمِعها غيره من عامة الناس لكي يقتدوا به ويأتسوا به، من ذلكم سير الصالحين من الصحابة والتابعين، لا شك أن لها أثرًا كبيرًا في نفوس الناس، وفيها أيضًا شحذ الهمم من حيث الاقتداء والائتساء بهم.

ومما يستفاد من الحديث استحباب الإكثار من القراءة في رمضان، وكونها أفضل من سائر الأذكار، لا شك أن القراءة، قراءة القرآن في رمضان لا شك أن أنها من أفضل الأعمال، وإذا كان الحرف بعشر حسنات في سائر الأوقات فما بالك في رمضان! فعلى المسلم أن يغتنم عمره وأنفاسه في مدارسة كتاب ربه، وتلاوته وقراءته على الوجه المأمور به بالترتيل والتدبر، والتفهم والعمل والتطبيق.

المقدم: عفوًا -فضيلة دكتور- هل يفهم من هذا الحديث أن قراءة القرآن في رمضان ليلاً أفضل منه نهارًا؟

نعم، بعضهم على ما سيأتي تأتي الإشارة إلى ذلك في التراجم، بعضهم ذكر أن المدارسة في الليل أفضل من النهار.

المقدم: تُفَضَّل المدارسة على مجرد القراءة، أم أن هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام- من أجل الضبط؟

لا شك أن من دارس القرآن مع غيره ممن هو أحفظ منه وأتقن يحصل له أجر الاقتداء والائتساء، إضافةً إلى أجر التلاوة والتدبر.

يقول: واستحباب الإكثار من القراءة في رمضان وكونها أفضل من سائر الأذكار، إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويًا لفعلاه، وعلى كل حال الذكر أمر مطلوب، {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [سورة الأحزاب 35] «سبق المفرِّدون» وجاء في الذكر وفضل الذكر نصوص كثيرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في فضله والإشادة به، وفضل أهله، من الأذكار التي لا تُكلِّف الإنسان شيئًا: «من قال سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة» سبحان الله وبحمده يمكن أن تقال في دقيقة ونصف «حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» ولا يقول قائل أن هذه مبالغة في الثواب، هذا حديث في الصحيحين، يعني هذا في دقيقة ونصف يمكن أن يقال أو دقيقتين، «حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» وهذا في الأذكار فما بالك في القرآن الذي هو كلام الله؟!

هو الكتاب الذي من قام يقرؤه

 

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ

 

وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: من قرأ القرآن على الوجه المأمور به أورثه من الإيمان واليقين والطمأنينة وراحة القلب ما لا يدركه إلا من صنع ومن فعل مثل هذا الفعل، والله المستعان.

ابن القيم -رحمه الله- يقول:

فتدبر القرآن إن رمت الهدى

 

 

فالعلم تحت تدبر القرآنِ

 

فتدبر القرآن وترتيله على الوجه المأمور به، ولا يعني هذا إخراجه عن الحد المشروع إلى التمطيط وزيادة الحروف والحركات التي غير مشروعة كما يفعله بعض القراء، لكن مما يعين على التدبر الترسُّل في القراءة والترتيل، وسماع القرآن من القراء المؤثِّرين الذين إذا سُمعَت قراءتهم جزم الإنسان بأنهم يخشون الله ويتقون الله في هذه القراءة، يعين على الترتيل وعلى التدبر مراجعة التفاسير الموثوقة عند أهل العلم، هي التي تكشف معاني هذه الآيات.

المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ، قلتم أن الجملة الثانية "وكان أجود ما يكون في رمضان" المقصود بها أو المقصود بالجملة الأولى -عفوًا- أن تذهب مفهوم الجملة الثانية، طيب هل تعتبر على ذلك الفهم وعلى هذا الكلام حسب فهمي أنا القاصر، هل تعتبر الجملة الثانية مؤكِّدة للجملة الأولى؟ أم ماذا -أحسن الله إليك-؟ إذا قلنا: أن الجملة الأولى لتذهب مفهوم الجملة الثانية، إذًا ما فائدة الجملة الثانية تأكيد فقط؟

الجملة الثانية سيقت لبيان زيادة جوده -عليه الصلاة والسلام-، وزيادة كرمه في رمضان.

المقدم: في رمضان أكثر من غيره؟

في رمضان أكثر من غيره نعم.

طالب: يعني يا شيخ نفهم أن كرم النبي -صلى الله عليه وسلم- كان درجات؟

درجات نعم، هو على العموم في جميع الأوقات، وفي جميع الأماكن أجود الناس.

المقدم: لكن كان يزداد...

هو أجود الناس يعني أدنى درجات الجود عنده -عليه الصلاة والسلام- لم يبلغها مخلوق، وهذا الجود يتضاعف في رمضان منه -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: يا شيخ كلامكم أن الجملة الأولى تنفي مفهوم الجملة الثانية؟

كان أجود ما يكون في رمضان، يعني لو ما جاء إلا هذه الجملة فقط؟ ما جاءت الجملة الأولى كان أجود الناس، لو لم تأت الجملة الأولى لقلنا أنه في رمضان أجود من غيره، فعلى هذا ينزل عنده الجود في غير رمضان إلى حدٍّ قد يلحقه فيه غيره من كرام الناس.

طالب: أحسن الله إليكم، هنا تأتي مسألة، لما قلتم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان أجود الناس، قد يقول بعض الناس: إن هناك من الأغنياء الآن قد يكون معهم أو يعني عندهم من الغنى أكثر مما كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- هل......، وقد يكونون يجودون مثلاً، بعض التجار عرفوا بالجود، هل ممكن يصلون مع كثرة تبرعهم إلى أكثر من جود النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع قلة ما كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

أبدًا؛ لأن الجود نسبي، فالذي يملك المليارات ويتبرع بالملايين، هذا جواد بلا شك لكن ليس جوده مثل الذي يملك الشيء اليسير ويتبرع به كله، فهذا نسبي، الجود نسبي بلا شك، وأيضًا الأوقات تختلف، شخص يجود في وقت لا يجد الناس فيه شيء غير شخص يجود على أناس ليسوا بحاجة إلى مثل هذا الجود، ولذا يختلف الإنفاق بعد الفتح عن الإنفاق قبل الفتح، إنسان يجود بماله، يجود بنفسه، يجود بجاهه، أنواع الجود درجات.

المقدم: قضية الكرم، قلتم عدم السرف بعضهم يستدل يا شيخ بقول الله -سبحانه وتعالى- عن إبراهيم: {جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [سورة هود 69] فيأتيه مثلاً ضيف ويضع له ذبيحة أو أكثر أو أقل، ويقول لك: مادامت ما ترمى أنا عندي دليل من القرآن {جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} ما الضابط -أحسن الله إليك-؟

كون إبراهيم -عليه السلام- يأتي بالعجل لا يوجد غيره، فماذا يقدِّم لضيوفه؟ هل تتصور أن إبراهيم يذهب إلى الثلاجة ويأتي بكيلو أو كيلوين، مقدار ما يحتاجه الضيوف –عليه السلام-؟ لا، ما عنده إلا هذا العجل، وهذه طريقة الناس كلهم قبل وجود هذه الأمور التي تحفظ اللحم من التلف، والله المستعان.

الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- خرَّج الحديث في خمسة مواضع من صحيحه، الأول في بدء الوحي في هذا الموضع، قال الإمام -رحمه الله-: حدثنا عبدان قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا يونس عن الزهري ح، وحدثنا بشر بن محمد قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري نحوه قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس فذكره، والمناسبة تقدمت الإشارة إليها.

عبدان لقب اسمه عبد الله بن عثمان المروزي، وشيخه عبد الله بن المبارك، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- روى الحديث من طريق يونس ومعمر عن اثنين، والإمام البخاري -رحمة الله عليه- لا يبين صاحب اللفظ بخلاف مسلم فيبين صاحب اللفظ بدقة، حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان، هذا الإمام مسلم، والإمام البخاري كما هنا روى الحديث من طريق يونس ومعمر ولم يبين صاحب اللفظ، فهل اللفظ ليونس أو لمَعْمَر؟ يقول ابن حجر -رحمه الله تعالى- في أواخر المجلد الأول من الفتح صفحة (436) يقول: قد ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أَورَد الحديث عن غير واحد فإن اللفظ يكون للأخير، على هذا يكون اللفظ لمَن؟ لمَعْمَر، يونس ومعمر، فهل صاحب اللفظ معمر أو يونس؟ ابن حجر -رحمه الله- في هذا الموضع يقول: أما باللفظ فعن يونس، وأما بالمعنى فعن معمر. عكْس القاعدة، لا شك أن القاعدة أغلبية وليست كُلِّية، ولدينا أمثلة مما يخرج عن هذه القاعدة، وإن كان الغالب من صنيعه -رحمه الله تعالى- أن اللفظ للأخير، قال بعضهم أن مراد ابن حجر صاحب اللفظ هو الأخير إذا روى الحديث عن شيخين من شيوخه، لا من شيوخ شيوخه أو شيوخهم، لكن كلامه عام، يشمل شيوخه ويشمل شيوخ شيوخه ومن فوقهم؛ لأنه يقول: قد ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحد فإن اللفظ يكون للأخير، لكن الذي معنا على خلاف هذه القاعدة.

الموضع الثاني: في كتاب الصوم باب أجود ما يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون في رمضان، قال الإمام -رحمه الله تعالى-: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا إبراهيم بن سعدٍ أخبرنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس قال: كان... الحديث، ومناسبة الباب للكتاب والحديث للباب ظاهرة، أجود ما يكون في رمضان مناسب لكتاب الصوم، والحديث أجود ما يكون في رمضان مناسب مناسبة بل مطابق مطابقةً تامة للترجمة.

الموضع الثالث: في كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة، قال: حدثنا محمد بن مقاتل قال: أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري، قال: حدثني عبيد الله به، ومناسبته ظاهرة لذكر جبريل في الخبر؛ لأن الباب باب ذكر الملائكة وجبريل منهم.

الموضع الرابع: في كتاب المناقب في باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: حدثنا عبدان قال: أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال: حدثني عبيد الله فذكره، ومناسبته ذِكْر جوده -عليه الصلاة والسلام- وهي صفة من صفاته -عليه الصلاة والسلام-.

الموضع الخامس: في كتاب فضائل القرآن في باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: حدثنا يحيى بن قَزَعة، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله فذكره بنحوه، والمناسبة ظاهرة، فضائل القرآن، باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا شك أن كون القرآن يُعرَض ويُعتنى به، ويدارَس في الأوقات الفاضلة، دليل على فضله، فهذه مناسبة الباب للكتاب، كتاب فضائل القرآن، ومناسبة الحديث للباب ظاهرة، والحديث مخرَّج في صحيح مسلم أيضًا.

المقدم: قال -رحمه الله تعالى-: وعنه -رضي الله عنه- أن أبا سفيان بن حربٍ أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركبٍ من قريش كانوا تجارًا بالشام، في المدة التي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم فدعا بالترجمان، فقال: أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم، فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال: لترجمانه قل لهم: إني سائل هذا الرجل فإن كذَبني فكذِّبوه، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذبًا لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: هل كان من آبائه من ملِكٍ؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدةٍ لا ندري ما هو فاعل فيها، ولم يمكنِّي كلمة أدخل فيها شيئًا غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه، قال: فماذا يأمركم؟ قلت يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما كان يعبد آباءكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة...