شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (28)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

في هذا اليوم المبارك نرجو بركته من الله -جل وعلا- نفتتح هذه الدورة الثالثة الصيفية بدءًا بالقسم الثالث من ألفية الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-، ومعلوم أن هذا القسم والذي يليه الرابع والخامس إنما هي من تتمات علوم الحديث، فمن آداب الرواية والتحمل والأداء هو نصيب هذا العام -إن شاء الله تعالى-، ثم بعد ذلك الذي يليه في كتابة الحديث وضبطه وإتقانه وشكله والعناية به.. إلى آخر الألفية -إن شاء الله تعالى-، ومن تتمات هذا العلم ما يتعلق بآداب الطالب، طالب العلم ولصلته بهذا العلم اقترح بعض الإخوان أن تقرأ ميمية الشيخ الحافظ الحكمي؛ لأنها كلها في الوصايا والآداب العلمية، ومنها ما يخص طالب الحديث، طالب العلم عمومًا ثم طالب الكتاب، ثم طالب السنة، وطالب العلم بأمس الحاجة إلى مثل هذا الآداب، لا سيما وأننا قد نجد بين صفوف طلاب العلم من هو غير متقيد بهذه الآداب، وبهذه الوصايا، فلصلتها بعلوم الحديث ومن أنواع علوم الحديث كما تعلمون آداب المحدث وآداب طالب الحديث، وأكثرها موجود في هذه القصيدة الميمية، وهي قصيدة جيدة ماتعة جامعة في هذا الباب، نرجو أن ينفع الله بها، كثيرًا ما نذكرها في دروسنا ونقتبس منها، فيكثر الطلب عليها من بعض طلاب العلم، فتلبية لهذه الرغبة من قبلهم أدرجناها في جدول هذه السنة، والله المستعان.

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا وارفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا، واغفر لنا ولشيخنا وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

متى يصح تحمل الحديث أو يستحب؟

وَقَبَلُوا مِنْ مُسْلِمٍ تَحَمُّلاَ
ثُمَّ رَوَى بَعْدَ الْبُلُوْغِ وَمَنَعْ
إِحْضَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلصِّبْيَانِ ثُمّْ
وَطَلَبُ الْحَدِيْثِ فِي الْعِشْرِيْنِ
وَهْوَ الَّذِي عَلَيْهِ (أَهْلُ الْكُوْفَهْ)
وَفِي الثَّلاَثِيْنَ (لأَهْلِ الشَّأْمِ)
فَكَتْبُهُ بالضَّبْطِ، والسَّمَاعُ
فَالْخَمْسُ لِلْجُمْهُورِ ثُمَّ الحُجَّهْ
وَهْوَ ابْنُ خَمْسَةٍ، وَقِيْلَ أَرْبَعَهْ
بَلِ الصَّوَابُ فَهْمُهُ الْخِطَابَا
وَقِيْلَ: (لابْنِ حَنْبَلٍ) فَرَجُلُ
يَجُوْزُ لاَ فِي دُوْنِهَا، فَغَلَّطَهْ
وَقِيْلَ: مَنْ بَيْنَ الْحِمَارِ وَالْبَقَرْ
قال: بِهِ الَحْمَّالُ وابْنُ الْمُقْرِيْ

 

 

فِي كُفْرِهِ كَذَا صَبِيٌّ حُمِّلاَ
قَوْمٌ هُنَا وَرُدَّ (كَالسَّبْطَيْنِ) مَعْ
قَبُوْلُهُمْ مَا حَدَّثُوا بَعْدَ الْحُلُمْ
عِنْدَ (الزُّبَيْرِيِّ) أَحَبُّ حِيْنِ
وَالْعَشْرُ فِي (الْبَصْرَةِ) كَالْمَألُوْفَهْ
وَيَنْبَغِي تَقْيِيْدُهُ بِالْفَهْمِ
حَيْثُ يَصِحُّ، وَبِهِ نِزَاعُ
قِصَّةُ (مَحْمُوْدٍ) وَعَقْلُ الْمَجَّهْ
وَلَيْسَ فِيْهِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَهْ
مُمَيِّزًَا وَرَدُّهُ الْجَوَابَا
قال: لِخَمْسَ عَشْرَةَ التَّحَمُّلُ
قال: إذا عَقَلَهُ وَضَبَطَهْ
فَرَّقَ سَامِعٌ، وَمَنْ لاَ فَحَضَرْ
سَمَّعَ لاِبْنِ أَرْبَعٍ ذِي ذُكْرِ

 

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "متى يصح تحمل الحديث أو يستحب؟" (أو) هنا بمعنى الواو؛ لأن الترجمة معناها متى يصح تحمل الحديث؟ يعني متى يصح تحمل الحديث في السن بحيث لا يصحح قبله؟ ومتى يستحب تحمل الحديث؟ يعني ما السن الذي يصح فيه تحمل الحديث؟ وما السن الذي يستحب فيه تحمل الحديث؟

أولًا: التحمل: هو أخذ الأحاديث عن الشيوخ؛ لأن رواية الحديث لها طرفان: طرف تحمل وطرف أداء، فالتحمل هو أخذ الحديث عن الشيوخ، والأداء هو تبليغ الأحاديث للطلاب، التحمل أخذ الأحاديث عن الشيوخ، والأداء هو تبليغ هذه الأحاديث للطلاب، وللطرف الواحد -الشخص الواحد- يجتمع فيه الطرفان، الشخص الواحد يجتمع فيه الطرفان، فيتحمل الأحاديث عن شيوخه ثم يؤديه إلى الآخذين عنه من الطلاب، الذي هو التبليغ وهو الأداء، تبليغ العلم، فيأخذه عن شيوخه ويؤديه إلى طلابه.

متى يصح؟ الصحة هنا يقابلها عدم الصحة التي هي البطلان، بطلان التحمل، هل هناك سن يصح فيه التحمل بحيث إذا سمع الشخص الحديث قبل هذا السن يكون تحمله باطلًا ليس بصحيح؟ هل يوجد سن حد فاصل بين الصحة والبطلان في هذا الباب في تحمل الحديث؟ هذا له سن محددة عند أهل العلم، وكذلك الاستحباب، استحباب الطلب، يعني الصحة في الغالب أنها تكون بواسطة ولي الأمر، يحضر صبيه لدرس الحديث فيسمع من الشيوخ بواسطة ولي الأمر، يعني يحضر، وأما بالنسبة للاستحباب فهذا إذا حضر بنفسه، متى يصح التحمل؟ الأصل أن يبحث هنا السن؛ لأن هناك سن عند أهل العلم مطلوب للتحمل، فلا يصح قبله، وهناك سن يستحب فيه تحمل الحديث، وهناك سن يستحب فيه الجلوس للتحديث، وهناك سن يكف فيه المحدث عن التحديث ويمنع، هذه كلها يبحثها أهل العلم في هذا الباب، فالتحمل بواسطة الولي -ولي أمر الصبي الذي يحب أن يسمع ولده الحديث- له وقت، مع أنهم يختلفون فيه اختلافًا كبيرًا، واستحباب التحمل كون الشخص يأتي ليتحمل الحديث بعد التأهل هذا أيضًا له وقت، والشيخ ومتى يجلس للتحديث له وقت عند أهل العلم، والكف عن التحديث أيضًا له زمن ينتهي عنده التحديث.

بدأ الناظم -رحمه الله تعالى- في رواية الكافر، في تحمل الكافر، سبق في باب من تقبل روايته ومن ترد أن العدالة شرط لصحة الرواية وقبولها، العدالة، الضبط، شرط لصحة الرواية وقبولها، فلا تصح رواية الكافر ولا الفاسق ولا من دون الحلم الذي هو البلوغ، ويقول هنا:

وقبلوا من مسلم تحملا
ج

 

...................................

الاشتراط هناك إنما هو للأداء، الاشتراط إنما هو للأداء، فالراوي إذا أدى لمن يأخذ عنه لا بد أن تطبق عليه جميع الشروط، التي تقدمت في حال الأداء كالشهادة، لكن في حال التحمل لا تطبق عليه الشروط، كما أنه في العصور المتأخرة عن عصور الرواية بعد عصور الرواية أعرضوا عن اكتمال الشروط، لماذا؟ لأن الرواية في عصر الرواية عليها مدار التصحيح والتضعيف، أما بعد أن دونت السنن في الكتب صارت الرواية مجرد إبقاء السلسلة التي هي خصيصة هذه الأمة، صلة طالب العلم بنبيه -عليه الصلاة والسلام- التي لا توجد في غيرها من الأمم، من مات من الأنبياء السابقين انقطعت صلة أتباعه به، والأسانيد لا توجد إلا في هذه الأمة، لما كانت الفائدة من وجود الأسانيد هي المحافظة على هذه الخصيصة فقط دون أن يكون لها أثر في ثبوت الخبر أو نفيه تساهلوا وأعرضوا عن اكتمال الشروط؛ ولذا تجد في أسانيد العلماء المتأخرين بينهم وبين الأئمة المصنفين بعض الضعفاء، بل فيهم من هو شديد الضعف، فإذا كان في طريقي بيني وبين الإمام البخاري راوٍ ضعيف أو مجهول أو مبتدع هل يؤثر هذا على حديث في صحيح البخاري؟ نعم يؤثر فيه؟ يعني أنا بيني مثلًا وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- عشرين نفسًا، وبين البخاري وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- أربعة في حديث: الأعمال بالنيات مع البخاري خمسة وخمسة عشر، الخمسة هؤلاء عليهم المعول في التصحيح والتضعيف، لكن الخمسة عشر التي من دونهم عليهم معول؟ يعني لو بيني وبين البخاري ضعفاء، هل يتأثر حديث: الأعمال بالنيات بوجود هؤلاء الضعفاء؟ لا يتأثر، في أعلى درجات الصحيح سواء روي من طريق ضعفاء أو وضاعين أو ثقات أو غيرهم، لكن خلاص ضبط ودُوّن في الكتب، إذًا ما الفائدة من أن يحرص طلاب العلم على الأسانيد، إنما هي مجرد إبقاء خصيصة هذه الأمة واتصالها بنبيها -عليه الصلاة والسلام-، التي لا توجد لغيرها من الأمم، ولذلك أعرضوا عن اكتمال الشروط بعد عصور الرواية، في حال الأداء، في حال التحمل الذي هو الطرف الأول من طرفي الرواية لا يطبقون الشروط؛ ولذلك قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

وقبلوا من مسلم تحملا
ج

 

في كفره...........................
جج

في حال التحمل كافر، لكن في حال الأداء لا بد أن تطبق عليه الشروط، في حال التحمل ولو كان كافر، "وقبلوا من مسلم" القبول لا يكون إلا من مسلم، تنطبق عليه الشروط "تحملا في كفره" يعني في حال كفره، وحديث جبير بن مطعم حينما جاء في فداء أسرى بدر وهو كافر، وسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور حفظ هذه السنة، وأداها بعد إسلامه، فقبلت منه، وخرجت في الصحيح في البخاري وغيره.

طيب الراوي كافر كيف تقبل روايته؟ نقول: نعم في حال التحمل يتحمل، لكن الشروط التي بيّنها أهل العلم في قبول الرواية إنما هي في حال الأداء؛ لأنه إنما يحاسب إذا أراد أن يؤدي مثل الشهادة، إذا أراد أن يؤدي.

لو أن شخصًا اقترض من شخص مالًا، ولم يحضره إلا صبي في العاشرة من عمره، وطلبت شهادة هذا الصبي في الحال تقبل وإلا ما تقبل؟ لا تقبل، لكن لو طلبت بعد خمس سنوات أو ست سنوات تقبل، لماذا؟ لأنه في أول الأمر في حال الكفر أو في حال الصبا لا يتورع عن الكذب، لكن في حال الأداء بعد إسلامه وبعد بلوغه الحلم الذي هو من شروط قبول الرواية تطبق عليه، هو يتدين بدين يردعه عن الكذب، لكن إذا كان لا يتدين بدين كدين الفساق الذين لا يردعهم عن الكذب تقبل وإلا ما تقبل؟ ما تقبل؛ لعلة أخرى وهي الفسق.

جبير بن مطعم روى الحديث تحمل الحديث حال كفره، يقول: إنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبه، وفي بعض الروايات: كاد قلبه أن يطير، وهو كافر، فهل يحصل هذا من كثير من المسلمين؟ بل من طلاب العلم في العصر الذي نعيشه، هل يحصل مثل هذا؟ هذا التأثر يحصل من كثير من طلاب العلم؟! لا ما يحصل، والله إننا نسمع سورة الطور ما تحرك ساكنًا؛ لأن القلوب تغيرت، القلوب ران عليها ما ران من شهوات وشبهات، أيضًا جبير بن مطعم رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- واقفًا مع الناس بعرفة قبل الهجرة؛ لأنه أضل بعيرًا له فطلبه فمر بعرفة فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- واقفًا مع الناس بعرفة، فتعجب كيف يقف بعرفة خارج الحرم وهو من الحمس، النبي -عليه الصلاة والسلام- واقف بعرفة مع الناس، والحمس لا يخرجون من الحرم وهو منهم، وهذه حجة من النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل الهجرة، قبل أن يفرض الحج، على ملة إبراهيم الحنيفية، كانوا يحجون، العرب كانوا يحجون، والله المستعان، أدها بعد إسلامه فقبلت عنه.

"وقبلوا من مسلم" لا بد أن يكون مسلمًا، القبول لا يكون إلا من مسلم، تكتمل فيه الشروط السابقة "من مسلم تحملا" الألف هذه للإطلاق؛ لأنه في المقدمة إذا جاءت الألف ألف التثنية لمن؟ نعم للبخاري ومسلم، وهذه ألف الإطلاق "تحملا *** في كفره كذا صبي" حَملا وإلا حُمّلا؟ نعم؟ الفرق ما فيه فرق من حيث المعنى، يعني حملا بنفسه أو حُمّلا روي الخبر؛ لأنه صبي، اللائق به أن يكون حُمّلا، والوزن يقتضيه، حُمّلا هذا الوزن يقتضيه، وإلا لو كانت حملا ما يختلف فيها الوزن ما فيها إشكال؛ لأن الصبي في الغالب أنه لا يتحمل بنفسه إنما يحمل الحديث، يُروى الحديث، يؤتى به لسماع الحديث، يعني نظير من حج به أبوه يصح أن قال: حج فلان، ومن حمل الحديث يصح أن يقال: حمل الحديث، ما فيه إشكال من حيث المعنى، لكن الوزن يقتضى "كذا صبي حملا" صبي تحمل الحديث أو حمل الحديث حال صباه، ثم روى بعد البلوغ، والبلوغ يكون باكتمال خمس عشرة، أو بالإنزال، أو الإنبات، وتزيد المرأة الحيض.

ثم روى بعد البلوغ، يعني بعد التكليف، أما قبل التكليف ما يقبل، لماذا؟ لأنه لا يؤمن أن يكذب؛ لأنه لم يجرِ عليه قلم التكليف، ولا يؤاخذ بالكذب، إذًا ما الذي يردعه عن الكذب، ثم روى بعد البلوغ "ومنع قوم هنا" منع تحمل الصبي قبل بلوغه قوم "ومنع قوم هنا" يعني في حال الصبا، قالوا: لا يصح تحمل الصبي، لماذا؟ لأنه مظنة عدم الضبط؛ يعني ما يقولون: لأنه مظنة كذب، لماذا؟ لأنه في حال التحمل لا تطبق عليه الشروط، تطبيق الشروط إنما يكون في حال الأداء، طيب الصبي هنا منع قوم هنا؛ لأن الصغير قالوا: مظنة عدم الضبط، "ورُد" رده ظاهر؛ لأن الصبي المميز هو مظنة الضبط، وهو مظنة الحفظ؛ لأن التعلم في الصغر أقوى منه في الكبر وأثبت؛ ولذا يحرص أهل العلم أن يعلموا الصغار، ويكون الحفظ في هذا السن -يعني الصغر- أكثر من الفهم، بخلاف التعلم في حال الكبر يركز أهل العلم على فهم طلاب العلم أكثر من حفظهم، والعلم في الصغر كالنقش في الحجر.

قال: "ورد كالسبطين" الحسن والحسين من أوضح الأمثلة، ابن عباس مات النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يناهز البلوغ لم يبلغ، ابن الزبير ولد في السنة الأولى من الهجرة، ومات النبي -عليه الصلاة والسلام-  وعمره عشر سنوات، مقتضى الرد أن نرد رواية هؤلاء، الحسن والحسين وابن الزبير وابن عباس ونظرائهم من جلة الصحابة، قد يقول قائل: هؤلاء صحابة فيستثنون، فيرد غيرهم غير الصحابة، هل للصحبة أثر في القبول والرد في هذا الباب، الأثر أثر الوصف بالصحبة إنما هو في مسألة العدالة والضبط، في مسألة العدالة لا شك أن الصحابة كلهم عدول، كلهم ثقات، أما بالنسبة للأمور الجبلية فإذا رُد الصغير من غير الصحابة الذي مرد قبول روايته الضبط، فالصحابة مثلهم، يعني هذا أمر جِبلي، ما يرجع إلى العدالة، هل للصحبة أثر في الحفظ مثلًا؟ أما في العدالة ظاهر، الصحابة بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم عدول، لكن بالنسبة للحفظ والضبط والإتقان هل نقول: إن فلانًا قبل إسلامه لا يضبط وبعد إسلامه يضبط؟ نعم؟ ممكن؟ لا هذا ليس مرده إلى الصحبة؛ ولذا الرد بهؤلاء الصحابة وقبول روايتهم بالإجماع من أوضح ما يرد به على من رد تحمل الصغير.

ورد كالسبطين مع *** إحضار أهل العلم للصبيان

ابن عباس يعني رغم قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو ابن عمه، ويشهد المشاهد، ويحضر المناسبات، ويبيت عند النبي -عليه الصلاة والسلام- أحيانًا، صغير السن، حتى قال الغزالي: إنه لم يرو عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدون واسطة إلا أربعة أحاديث، والبقية كلها يرويها بواسطة، لكن هذا الكلام مقبول وإلا مردود؟ مردود، فالحافظ جمع مما صرح فيه ابن عباس بقوله: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو رأيت، أكثر من أربعين مما صح وحسن.

"ورد كالسبطين" الحسن والحسين ابني فاطمة بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- وابن البنت يقال له: سبط، وابن الابن يقال له: حفيد "ورد كالسبطين مع*** إحضار للصبيان" لكن ماذا عن أسباط بني إسرائيل هل هم أولاد بنات أو أولاد بنين؟ أهل العلم يقولون: السبط ابن البنت، عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته، السبط ابن البنت، وأسباط بني إسرائيل أولاد بنات أو أولاد بنين؟ أولاد بنين، "مع ***إحضار أهل العلم للصبيان" فيمن تأخر في العصور المتأخرة بعد عصور الرواية ابن الديان، هذا طبيب يهودي حضر عند الحافظ المزي، وحضر عند غيره، فترددوا في إثبات اسمه في الطباق، الطباق كتابة الأسماء -أسماء الرواة- في آخر الكتاب، يقال: سُمع هذا الكتاب فلان وفلان وفلان يذكرون كل الحاضرين على الشيخ فلان، ثم يقول: صحيح ذلك، ويكتب اسمه، ترددوا قالوا: نكتب هذا اليهودي وإلا ما نكتبه؟ فسألوا شيخ الإسلام ابن تيمية قال: اكتبوا اسمه, اكتبوه؛ لأنه ما يضر، حال تحمل، لكن إذا روى نأتي بالميزان، فكتبوا اسمه، فصار سببًا لهدايته فأسلم وصار يروي الأحاديث بسماعه لها.

"مع *** إحضار أهل العلم للصبيان" أهل العلم يحضرون الصبيان، الصبيان الصغار يحضرونهم على ما سيأتي في تحديد السن الذي يحضر لسماع الحديث، ويفرقون على ما سيأتي أن الحد عند الجمهور الخمس؛ لأن ما قبلها -ما قبل الخمس- أو التمييز على الخلاف في ذلك يعني إحضاره مشغلة، يشغل غيره، يعني مثلما يصنعه الآن بعض الآباء، يحضرون من له سنة أو سنتين للصلاة، فيشغلون المصلين، ويقطعون الصفوف، والصف اليوم فيه طفلان، لا تزيد أعمارهم على سنتين، وما صفوا مع الناس، اضطجع وفي الصف، طفلين، مثل هذا لا ينبغي إحضاره؛ لأن مثل هذا يشغل المصلين ولا يستفيد، والأصل أن يكون الصبي مع أمه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يسمع بكاء الصبي فيخفف الصلاة مراعاة لأمه، ليست وظيفة الأب إحضار الصبيان، اللهم إلا إذا كان ليست له أم، وفي مقام التشريع، مثل فعله -عليه الصلاة والسلام- في إحضاره أمامة؛ ليبين أن مثل هذا العمل جائز، لكن لا يكون ديدنًا، وهذا مستند لمن أراد أن يحضر من يحضر من يشغل المصلين، وفي يوم من الأيام جاء شخص بطفل عمره سنتان، فلما كبّرنا انطلق الصبي إلى المصاحف فصار يعبث بها، والناس لا يستطيعون في صلاة، وأبوه لا يحرك ساكنًا، لكن لما قرب من المروحة قطع صلاته وذهب إليه، كتاب الله لا يحرك ساكنًا عنده، ولمّا خشي عليه أن تؤذيه أو تجرحه أو تسبب في أذاه قطع الصلاة، الدين رأس المال، فعلى طالب العلم أن ينتبه لمثل هذا وينبه غيره، والله المستعان.

 

إحضار أهل العلم للصبيان ثم

 

قبولهم ما حدثوا بعد الحلم

 

 

الشدة مع السكون لها لازم وإلا ما لها لازم؟

إحضار أهل العلم للصبيان ثم

 

قبولهم ما حدثوا بعد الحلم

 

نعم يحضرونهم إذا كانوا يستفيدون من الحضور، أما الذي لا يستفيد من الحضور لا يحضر، وفي صلاة جمعة في المسجد الحرام شخص جاء بطفل معه أشغله وأشغل الناس عن سماع الخطبة بالبكاء والصراخ، ثم في النهاية الأب ما صلى، جلس والناس يصلون، من أجل انشغاله بهذا الولد، ما صلى الجمعة لو جالس في شقته كان أفضل، ما الذي يعفيه من صلاة الجمعة بسبب هذا الطفل الذي له أم وعنده سكن، لكن صارت المسألة تقليد، والله المستعان.

...........................ثم

 

قبولهم ما حدثوا بعد الحلم

 

القبول لا يكون إلا بعد البلوغ، بعد الحلم، بعد أن يوجد أو يجري قلم التكليف سواء كان بالإسلام أو ببلوغ الحلم الذي يردع هذا الصبي من أن يكذب، لو أن المؤلف قدم السن الذي يصح فيه التحمل كان أولى؛ لأنه قدم السن الذي يستحب فيه الطلب، فقال:

وطلب الحديث في العشرين

 

عند الزبيري أحبُ حين

 

 

طلب الحديث بنفسه، يطلب الحديث بنفسه بعد أن يكتمل نموه في العشرين، وبعد أن يشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن، ومعرفة الأحكام، ويكون له نصيب من التعبد يعينه على تحمل الحديث؛ لأن تحمل الحديث ليس بالأمر السهل، وليس بالهين، أمر شاق وصعب، الأحاديث كثيرة ومتشعبة، وأيضًا يحتاج إلى فهمها من أجل العمل بها، قالوا:

وطلب الحديث في العشرينِ

 

.............................

 

 

 

والأصل:

ونون مجموع وما به التحق

 

فافتح وقل من بكسره نطق
ج

 

العشرين ملحقة بجمع المذكر السالم فالنون الأصل فيها أن تكون مفتوحة. 

ونون مجموع وما به التحق

 

فافتح وقل من بكسره نطق
ج

 

ابن مالك في شرح كافيته يقول: الكسر لغة، ويستدل على ذلك بقول الشاعر:

وماذا تبتغي الشعراء مني

 

وقد جاوزت حد الأربعينِ
ج

 

يقول: لغة، وابن عقيل يقول: ليست لغة، وإنما شذوذ، على كل حال هي جاءت هنا مكسورة من أجل الوزن،

"عند الزبيري" أبو عبد الله الزبير بن عبد الله الزبيري، يقول: "أحب حين" أحب وقت عشرين، عشرين مكتمل العقل، ينضج في العشرين فيتهيأ للحفظ، هذا عند الزبيري.

وهو الذي عليه أهل الكوفة
ج

 

والعشر في البصرة كالمألوفة
ج

أهل الكوفة يمكنون أولادهم ويتركون أولادهم يروون الأحاديث في العشرين، وأهل البصرة في العشر.

وفي الثلاثين لأهل الشأم
ج

 

وينبغي تقييده بالفهمِ
ج

الآن الخلاف في العشر لأهل البصرة والعشرين لأهل الكوفة، والثلاثين لأهل الشام، وهذا طلب الحديث بنفسه بعد أن يتهيأ، التحديد هذا لا شك أنه اجتهاد، اجتهاد منهم ليس فيه نص، وما دامت المسألة اجتهادية فللإنسان أن يختار من هذه الأقوال ما يناسبه، وإذا عرفنا أن الحفظ في عهد الصغر والصبا أقوى منه في عهد الكبر والكهولة فينبغي أن يبادر بالحفظ، والقول بأن الحفظ يتأثر بتقدم السن هذا هو الذي عليه عموم من كتب في مراحل النمو من أهل العلم وغيرهم، جلّهم يتفقون على أن الحفظ يتأثر، والواقع يشهد بذلك، الماوردي في أدب الدنيا والدين، يقول: الحفظ ما يتأثر، الحفظ ملكة ثابتة لا تتأثر، هي موجودة عند الصغير وعند الكبير، بل قد يوجد من الكبار من يحفظ أكثر من الصغار، التأثير إنما هو للمؤثرات الخارجية وإلا فالغريزة لا تتغير، لكن هل هذا الكلام صحيح؟ نقول: الواقع يرده؟ لكن قد يوجد في بعض المراحل من الفهم ما يعين على الحفظ؛ لأن بعض الناس لا يستطيع أن يحفظ كلامًا لا يفهمه، فإذا كبّر وفهم سهل عليه الحفظ من هذه الحيثية، وإلا فالأصل أن الصغير ملكته في الحفظ أقوى؛ لأن الملكة تتأثر بالمؤثرات، وتتأثر بالإهمال، وتتأثر قوةً بالمتابعة؛ لأن الحفظ ملكة، كالملكة تزيد وتنقص، إذا أهمل الإنسان الحافظة نقصت، وإذا شحذها وتابع الحفظ عليها لا شك أنها تزيد، وهذا يشهد به كل واحد يزاول الحفظ، فإذا كان الأمر كذلك فنأتي إلى حفظ الأحاديث ورواية الأحاديث مع حفظ القرآن والعلوم الأخرى.

ابن خلدون ذكر في مقدمته الشهيرة أن طريقة المغاربة تختلف عن طريقة المشارقة، فالمغاربة عندهم الاهتمام بالقرآن قبل كل شيء، لا يخلط معه أي علم من العلوم حتى إذا ضمنه وأتقنه وضبطه درس العلوم الأخرى، المشارقة لا، المشارقة يختلفون يتدرجون في السن، المميز يبدأ بحفظ قصار المفصل، وصغار المتون يحفظ، فيقرأ مثلًا قصار المفصل ويحفظها، ويحفظ الأصول الثلاثة مثلًا، ويحفظ القواعد الأربع، يحفظ الأربعين، يحفظ تحفة الأطفال، يحفظ في الفنون كلها متون صغيرة تناسبه، مع حفظ قصار المفصل، ثم يكمل المفصل ويترقى إلى ما هو أكبر من الكتب المذكورة، وهكذا إلى أن يكون إكماله لحفظ القرآن مع إكماله للمتون العلمية المعدة والمرتبة لطبقات المتعلمين، طريقة المغاربة لا شك أن فيها عناية بالقرآن، وأيضًا فيها ضمان لحفظ القرآن؛ لأنه لا يمكن أن يبدأ بأي علم من العلوم حتى يحفظ القرآن، وكان هذا شرطًا لدخول الأزهر، يعني المرحلة الابتدائية في الأزهر يشترط لدخولها حفظ القرآن، لما حدثنا بعض الشيوخ، الشيخ عبد الرزاق العفيفي -رحمه الله- قال: إن شرح الكفراوي في السنة الأولى الابتدائية في الأزهر، والقطر في الثانية، وابن عقيل في السنة الثالثة والرابعة ابتدائي، قلت له: ما الجامعة التي قبل هذا الابتدائي؟ قال: ما فيه جامعات ولا دراسات في حفظ القرآن، يحفظ القرآن ويجيء تأهل خلاص، إذا حفظ القرآن سهلت عليه جميع العلوم، وإذا اشترطنا هذا الشرط ضمنا حفظ القرآن، فلا يوجد بيننا ما يوجد الآن من كبار الشيوخ تجده ما حفظ القرآن، فإذا اشترطنا هذا الشرط ضمنا حفظ القرآن، وهذه فائدة عظمى لو لم يخرج المسلم إلا بهذه الفائدة، بينما يوجد وإن كان نادرًا في أهل الحديث من يوجد في ترجمته أنه إمام بحر محيط في الحديث حافظ من الحفاظ الكبار قالوا: إنه لا يحفظ القرآن، وذكروا من ذلك ابن أبي شيبة، على كل حال طريقة المغاربة أقول: تضمن حفظ القرآن، لكن طريقة المشارقة تضمن العلوم الأخرى؛ لأنه قد تكون حافظته ضعيفة، فيأخذ في حفظ القرآن سنين طويلة، ثم إذا انتهى أو قد لا ينتهي قد لا يتيسر له حفظ القرآن، ثم ينقطع عن العلم، فالتدريج مطلوب مع جعل الأولية والعناية العظمى بالقرآن، فلا تهمل هذه الطريقة ولا تلك الطريقة، يعني يجعل للقرآن نصيبًا وافرًا بحيث يحفظ في أقرب مدة ولا تهمل العلوم الأخرى؛ لأنه قد يوجد إنسان يزال ويعاني حفظ القرآن سنين ولا يتيسر له، فهل نقول: إن مثل هذا لا يحفظ متونًا، لا سيما وأن أهل العلم لا يشترطون للمجتهد أن يكون حافظًا للقرآن كاملًا، إنما يشترطون له حفظ آيات الأحكام، وإن كان هذا لا يقلل من أهمية حفظ القرآن، فأهل الحفظ هم أهل القرآن، وابن القيم -رحمه الله تعالى- بعد أن أبان عن أهمية حفظ القرآن من قبل طالب العلم قال: لأن المقصود بأهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته هم أهل العناية بالقرآن، قراءة، تلاوة، تدبرًا، استنباطًا، تفقهًا، علمًا وعملًا، هؤلاء هم أهل القرآن قال: وإن لم يحفظوا؛ لأنه يوجد من يحفظ القرآن وينام عنه، ويوجد من لا يحفظ القرآن ويكون ديدنه، فهذا له نصيب وذاك له نصيب، على كل حال حفظ القرآن لا أحد يشك فيه ولا أحد يماري في أهميته لا سيما لطالب العلم، فمثل ما قلنا: إن المسألة اجتهاد، أهل الكوفة للعشرين وأهل البصرة للعشر، وأهل الشام للثلاثين، وهذا اجتهاد، وكل ينظر في مصلحته ومصلحة طلابه، ومن ولاه الله عليهم من أولاده وغيرهم، إلى وقت قريب والحفظ لا شك أنه ضعيف عند الناس، ضعيف جدًّا، حفظ القرآن يوجد في البلد الواحد والاثنين والثلاثة، وتجد البلد فيه مائة مسجد؛ تسعون منهم يقرؤون في المصحف في التراويح، وعشرة أو أقل يقرؤون حفظًا، وأما الآن -ولله الحمد- فكثر الحفاظ ثم بعد ذلك كثر حفاظ السنة -ولله الحمد والمنة-، يعني بعد أن كان الناس على يأس تام من الحفظ، يعني غايتهم وصول بلوغ المرام فإذا حفظوه انتهوا، يعني مع الزاد، ومن جمع -كما يقول أهل العلم- بين الزاد والبلوغ فقد استحق الفتيا والقضاء، والآن -ولله الحمد- يتطاولون على حفظ زوائد البيهقي، اللهم لك الحمد، وهذه سنة تحسب لمن سنها -إن شاء الله تعالى-، يرجى أن يكون له أجرها وأجر من عمل بها.

يقول:

...............................

 

 

 

وينبغي تقييده بالفهمِ
ج

وينبغي تقييده بالفهم، إذا كان يفهم تتجه همته إلى السماع والرواية "فكتبه بالضبط" وينبغي تقييده بالفهم فكتبه بالضبط، يعني الرواية والتحمل بالفهم، والكتابة تكون إذا ضبط، صار أهلًا لضبطه على ما سيأتي في كتابة الحديث وضبطه؛ لأن الحفظ شيء والكتابة شيء آخر، وحفظ الصدر في غاية الأهمية بالنسبة لطالب العلم، وكذلك حفظ الكتاب، ومن المتشددين على ما تقدم من لم يعتبر الرواية من الكتاب، ومنهم في الطرف الآخر من جعل الرواية من الكتاب أولى من الرواية من الحفظ؛ لأن الحفظ خوان، وهذا كله تقدم، فإذا تأهل وصار يفهم ما يسمع يكثر من الرواية، وإذا صار يضبط ما يكتب يكثر من الكتابة.

فكتبه بالضبط والسماع

 

.............................

سماع الحديث وصحة السماع وصحة التحمل

.............................

 

حيث يصح وبه نزاع

 

 

السماع من صحته، يعني مجرد السماع من صحته، والسن الذي يصح فيه السماع مختلف فيه حيث يصح وبه نزاع، والرواية والتحمل وطلب الحديث مقيد بالفهم، والكتْب مقيد بالضبط، السماع حيث يصح ولو لم يفهم، فالصبي الذي له خمس أو ست أو سبع سنين يستطيع أن يحفظ، لكنه لا يفهم، هذا يقول:

..............................
فالخمس للجمهور ثم الحجة

 

حيث يصح وبه نزاع
قصة محمود وعقل المجة

 

 

فالخمس السنوات للجمهور، جمهور أهل الحديث يقولون: يصح السماع إذا بلغ الصبي خمس سنين، وقبل الخمس لا يصح السماع، وكانوا يكتبون لمن حضر إذا كان قد بلغ الخمس سمع، وإذا لم يبلغ الخمس قالوا: حضر أو أحضر، ولا يعتدون بسماعه قبل الخمس سنين، يقول: "فالخمس للجمهور" جمهور المحدثين قيدوا صحة العمل بالخمس السنين، طيب دليلهم؟

..................ثم الحجة

 

 

قصة محمود وعقل المجة

 

محمود بن الربيع قصته في صحيح البخاري وغيره أنه عقل مجة مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه من دلو، شرب النبي -عليه الصلاة والسلام- ماءً ثم مجه في وجه محمود، في وجه محمود بن الربيع، وهذا إما من باب التبريك؛ لأن هذا الماء خالطه ريق النبي -عليه الصلاة والسلام- أو من باب المداعبة، لكن هل يحسن الآن بإنسان أن يمج في وجه غيره؟ مهما كان صبيًّا أو كبيرًا أو...؟ هذا تتفاوت فيه العادات والأعراف، بعض البلدان يظنون هذا شيء مقلق ومقرف وقبيح وشنيع، وبعضهم يظنه ويعتبره عاديًا، وكنت أقرأ في المسجد الحرام بين يدي المصحف فجاءت عجوز تزيد على الثمانين ومعها ماء، وكان بجواري ولد لها نائم كبير يمكن في الخمسين ومعه أولاده مجموعة نائمين يبدو أنهم على أثر سفر، فجاءت بماء فشربت منه فبخت عليهم، مجت عليهم ووصلني أنا والمصحف، هذا عادي عندهم، لكن نحن ما هو بعادٍ عندنا، قد يستدل من يرى هذا أمرًا عاديًا بكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أخذ التمرة التي أخذها الحسن من تمر الصدقة ووضعها في فيه وقال له: ((كخ)) فاستخرجها وردها على التمر، يعني عند بعض الناس هذا ما ينبغي، لكن هذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يمكن أحد يستدرك، على كل حال الأعراف تتفاوت في هذا، كما أنهم يتفاوتون في الأصوات التي تخرج من البدن من أعلاه أو من أسفله، بعضهم يتعاظم هذا، وبعضهم يتعاظم هذا، ما هو موجود في أعراف الناس؟ موجود يعني، على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- مج من فمه ماءً في وجه محمود بن الربيع، وفي الصحيح عمره خمس سنين، وعقل المجة ورواها بعد ذلك، وحملت عنه، وخرجت في الصحيح، فاعتبروا هذه الخمس الذي عقل فيها المجة حد فاصل؛ لأنها جاءت في الصحيح، جاء في بعض الروايات: أربع سنين، كما قاله ابن عبد البر وغيره، لكن لعله أربع وكسر، فمن قال: خمس جبر الكسر، ومن قال: أربع حذف الكسر.

...............................

وهو ابن خمسة وقيل: أربعه
ج

 

....................وعقل المجة
...............................

ج

ابن خمسة من الأعوام، ولو كان المراد من السنين لقال: وهو ابن خمس، يعني من السنين، وإذا حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث، ((من صام رمضان وأتبعه ستًا)) يعني المقصود أيام، ليس المقصود الليالي المقصود أيام، وقال: ست، والأصل أن يكون ستة أيام، فلما حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث.

وهو ابن خمسة وقيل: أربعه
ج

 

..............................
ج

الذي في الصحيح، في البخاري خمسة، والأربعة في غيره، ووجه الخلاف بأنها أربع وكسر، فمن قال: خمسة جبر الكسر، ومن قال: أربع حذف الكسر.

...................وقيل: أربعه
 

 

وليس فيه سنة متبعه
 
ج

الجمهور يحددون بالخمس، استنادًا إلى قصة محمود بن الربيع، لكن هل كل الناس يميز لخمس، حتى لو جئنا إلى محمود بن الربيع هل يلزم من عقله هذه المجة أن يكون ميّز، هل يلزم أن يعقل الإنسان شيئًا له أثر كبير في نفسه أن يحفظ مثله ما لا أثر له في نفسه، يعني لو سمع حديثًا بطوله نقول: إنه يضبط الحديث مثلما ضبط المجة؟ ما يلزم، لا يلزم، يعني مما يذكر من باب الطرف، وأيضًا التندر، طه حسين المعروف المصري الذي تغير بعد البعثة، وصار آلة للأعداء والمستعمرين، المقصود أنه يقول: إنه ولد في أول النهار الباكر، بدليل أنه لما خرج رأسه هب عليه ريح باردة، أين هذا؟! في لحظة الولادة يعرف متى ولد؟ هذا الكلام لا حظ له من العقل فضلًا من النظر، هذا الكلام ليس بصحيح، لكن يذكر في مثل هذا من باب الاستطراف.

..............................
 

 

وليس فيه سنة متبعه
 
ج

لا خمس، ولا أربع، ولا سبع، ولا..،

بل الصواب فهمه الخطابا

 

مميزًا ورده الجوابا
ج

مميزًا فالمرد إلى التمييز، وضابط التمييز أن يفهم الخطاب، ويرد الجواب المطابق، يفهم الخطاب ضابط التمييز أن يفهم الخطاب، ويرد الجواب المطابق، يعني لو أن صبيًّا قيل له: من هذا؟ قال: أمي، هو فهم السؤال، لكن رد جواب غير مطابق، الإشارة لأبيه مثلًا، أو العكس، هذا فهم الخطاب، لكن رد جواب غير مطابق، قد يغتفر إذا كان السؤال عن شيء غير مألوف عنده، قد يرد الجواب لكن غير مطابق.

بل الصواب فهمه الخطابا

 

مميزًا ورده الجوابا
ج

طالب:......

نعم، يعني التمييز هم قصدهم أن يكون مميزًا، هم ردوا ذلك إلى التمييز بين الأقوال وبين الأفعال، المثال القول، لكن التمييز يجمع القول والفعل، إذا قلنا: مرده إلى التمييز، سواء مثلنا بفعل أو مثلنا بقول، هذا كله تمييز، لكن أنت قد تقول: إنه قد يميز في الأفعال ولا يميز في الأقوال، أو العكس، هم جعلوا مرد ذلك إلى الخمس، بناء على عقل محمود المجة، وتواطؤا على هذا، وتوارثوه، وجعلوه حدًا فاصلًا، فيكتبون لمن بلغ الخمس سمع، والذي لم يبلغ الخمس يقال له: حضر أو أحضر، فقال:

.............................
 

 

وليس فيه سنة متبعه
 
ج

هذا القول الصحيح.

بل الصواب فهمه الخطابا
 
ج

 

مميزًا ورده الجوابا
ج

أي شيء يدل على أن هذا الطفل يميز تكون روايته صحيحة وتحمله صحيح، يفهم الخطاب، يُسأل فيجيب بجواب مطابق، هناك أيضًا علامات للتمييز كثيرة، منهم من يقول: يعد من واحد إلى العشرين، تجدون بعض الأطفال قبل دخول المدرسة يعرف بعض الحروف في سن مبكر، وبعضهم ينتهي من المرحة الابتدائية وهو ما أتقن بعض الأرقام ولا الحسابات ولا..، مما يتقنه من دونه بكثير، فلا شك أن التمييز متفاوت؛ ولذا يقول ابن الصلاح: إن الطفل إذا فهم الخطاب ورد الجواب صح تحمله ولو لم يبلغ الخمس، وإذا كان لا يفهم الخطاب ولا يرد الجواب فإن تحمله لا يصح ولو بلغ الخمسين؛ لأن التمييز هو الحد الفاصل بين من يصح تحمله ومن لا يصح، الشرع جعل التمييز بالنسبة لجميع الأطفال للسبع، فجاء الأمر بالصلاة لسبع، هذا تمييز يشترطون لصحتها الإسلام والعقل والتمييز، فالتمييز إذا بلغ سبع سنين، طيب ألا يمكن أن يميز قبل السبع؟ ألا يمكن أن يصل إلى الثمان وهو غير مميز؟ نعم، لكن هذا تشريع عام، يحتاج إلى ضابط يضبط الناس كلهم، ويبقى النادر ما له حكم، يعني لو ميز أبو أربع سنين نقول: يأمر بالصلاة؟ لا يأمر بالصلاة، لو لم يميز إلا لعشر سنين نقول: لا يؤمر قبل؟ يؤمر قبل، لماذا؟ لئلا يترك الأمر لأولياء الأمور وفيهم المتشدد، وفيهم المتساهل، لو الناس كلهم على التوسط تُرك الأمر لهم، لكن ما يُترك لأناس فيهم ناس متفاوتون، ناس شديد الخطو والتساهل، وناس شديد في التشدد على نفسه، وعلى من تحت يده، فتجد الواحد لو ترك الأمر يحضر من له سنتان أو ثلاث يقول: مميز، فيحضره ويؤذي به الناس، والآخر ولده يبلغ العشر وهو يلعب عند باب المسجد يقول: والله ما ميزوا، والمرد التمييز والله أنا أعرف الناس به ما ميز، فجاء السن الذي يضبط الناس كلهم، كونه يميز قبل أو يميز بعد هذه نوادر، لكن يندر جدًّا أن يبلغ السبع وما ميز، القبول في المدارس الآن لسِتّ، هل نقول: الأولى أن يكون لسبع مثل الصلاة؟ كان القبول لسبع، ثم قالوا: ست، غالب الناس يميز لست، وكان التعليم على مستوى أعظم مما هو عليه الآن وأشد، فلا يتحمله من عمره ست سنين، لكن لما كان الآن خليط ومزيج من جدٍّ يسير جدًّا، وهزل كثير جدًّا قالوا: هاتوا أبو ست، ولو يجيء أبو خمس مشى، كل هذا من باب الإسراع في كون الإنسان يتعلم، ويتحمل المسؤولية فيما بعد، وليت النظر يعاد في مسألة السبع، ويشد في الأمر، يزاد في الجد قليلًا، لكن المسألة اجتهادية يعني؛ لأنه يكثر من يميز في الست، لكن لو اعتمدنا هذا الأصل الشرعي، وجعلناه سبع سنوات، وجعلنا التعليم أكثر جدية مما هو عليه الآن، كان أولى.

بل الصواب فهمه الخطابا
وقيل: لابن حنبل فرجلُ
 
ج

 

مميزًا ورده الجوابا
.............................

ج

عبد الله بن الإمام أحمد سأل أباه أحمد بن حنبل، قال له رجل: إن رجلًا وهو الإمام يحيى بن معين قال: التحمل لخمسة عشرة، لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد ابن عمر ورد البراء يوم بدرٍ لصغيرهما، والعمر أربعة عشر، رد ابن عمر وعمره أربعة عشر، رد البراء وعمره أربعة عشر يوم بدر، فدل على أن الخمس عشرة هي موضع القبول.

..............................
يجوز لا في دونها.................

 

قال: لخمس عشرة التحملُ
...............................

ج

يعني لا يجوز في الأربعة عشر التحمل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد ابن عمر ورد البراء؛ لأن عمرهما دون الخمس عشرة "فغلطه" قال الإمام أحمد: هذا غلط، وقال: بئس القول هذا، بل إذا عقله وضبطه، يعني يصح تحمله إذا عقله وضبطه، كيف يعمل بوكيع وابن عيينة؟ كيف نصنع بالسبطين وابن الزبير وابن عباس؟ يعني في الرد السابق، الحرب التي من أجلها رد ابن عمر والبراء تحتاج إلى قوة، تحتاج إلى اشتداد، يعني البدن لا بد أن يكون مكتملاً، ودون التكليف لا يكتمل البدن دون الخمسة عشرة، وأيضًا الحرب فيها إزهاق للنفس، ويشترط فيها نية التقرب لله -جل وعلا-؛ لتثبت الشهادة، وهذا إنما يكمل له المكلف، الحديث يحتاج إلى مثل ما يحتاج إليه الحرب؟ لا يحتاج من قوة البدن مثلما تحتاج إليه الحرب، إنما يحتاج إلى فهم وتمييز.

.............................
يجوز لا في دونها فغلطه

 

 

 

قال: لخمس عشرة التحملُ
قال: إذا عقله وضبطه
  
ج

يعني يصح تحمله.

وقيل: من بين الحمار والبقر
قال به الحمال..................

جج

 

فرق سامع ومن لا فحضر
.............................

ج

قالوا: موسى بن هارون الحمال يقول: التفريق بين المميز وغير المميز تعرض له حمار وبقرة، تقول: ما هذا؟ يقول: حمار، ما هذا؟ يقول: بقرة، ولو عكس؟ غير مميز، لو قال: لا أدري غير مميز، وإذا كان في مجتمع وهو في الجامعة، يقول لأبيه في الجامعة تعدى المراحل كلها الآن، يقول لأبيه: ما لون الحمار؟ الأمثلة تكون من البيئة، يعني لو فلاح تقول له: أين الحمار؟ أين البقرة؟ صحيح....، لكن هات طفلاً ما دخل المدرسة وخله يميز لك بين أنواع السيارات مثلًا، يميزون، يعرفون أنواع السيارات؛ لأنها مشغلة الوقت، هي حديث المجالس، يميز لك بين الجوالات الآن، هي حديث المجالس، يميز لك..، من الأمثلة الموجودة الآن.

وقيل: من بين الحمار والبقر
جج

 

فرق سامع ...................
ج

يعني يثبت اسمه في السماع "ومن لا" الذي لا يفرق يقال: حضر، يعني أو أحضر، لا يثبت سماعه "قال به الحمال" موسى بن هارون "وابن المقري" أبو بكر بن المقرئ، محمد بن إبراهيم "سمّع" يعني أفتى بإثبات السماع "لابن أربع ذي ذُكر" سمع لابن أربع ذي ذكر، بضم الذال أي صاحب حفظ وفهم، والعلماء يذكرون في هذا الباب قصصًا وحكايات منها ما يثبت ومنها ما لا يثبت، فذكروا عن بعضهم أنه أحضر إلى المأمون وعمره أربع سنين، حفظ القرآن، ونظر في الرأي، غير أنه إذا جاع يبكي، ويشككوا في مثل هذه القصص، وقالوا: إن ابن عيينة روى الحديث وهو صغير، وجاءوا بأطفال يحفظون، ويوجد الآن أمثلة، يوجد ابن خمس سنين وست سنين يحفظ القرآن، نعم نوادر لكنه يوجد، وبعض القائمين على بعض وسائل الإعلام يذكر أنه قابل أطفالاً في تركيا لا ينطقون ولا بحرف من العربية، الواحد منهم أفضل من المعجم المفهرس، تأتي بأي لفظه ويأتي لك بما قبلها وما بعدها، وموضعها بالصفحة والسطر، وهل هي في أول السطر أو في آخره؟ أطفال ما بلغوا العاشرة، نعم هم موجودون في كل مكان، أنا جيء لي بطفل وظننته ولدًا فتبين أنه بنت بالمسجد الحرام، لا يزيد على أي حال عن ثلاث سنوات، فقال أبوه -من المشرق-: اقرأ سورة الرحمن فقرأها كاملة، لكن إخراج الحروف إخراج طفل، يناسب السن، لكن الآيات سردها على ترتيبها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وواحد من المشايخ المصريين رأينا عنده ولدين واحد عمره عشر، والثاني إحدى عشر حفظا الصحيحين بالأسانيد، ويقول: إنهما يحفظان من سنن أبي داود والترمذي كل يوم خمسين بأسانيدها، هؤلاء نوادر، وذكروا قصصًا كثيرة في هذا المجال، في كتب علوم الحديث، ويوجد في بيوت المسلمين الآن غرائب حتى يتكلمون بكلام تعجب كيف يمكن ما سمعوه قبل ذلك، والله المستعان.

على كل حال مرد هذا هو الضبط والفهم والعقل، فمن آنس من ولده أنه بلغ هذه المنزلة عليه أن يبادر به، ويكثر عليه من الحفظ ولو لم يفهم، والفهم يأتي فيما بعد، وبعض الناس لما رُبط الحفظ بالفهم حرم بسبب ذلك صغير يقول له: لا تجعله يحفظ القرآن حتى يفهم، يعني تفهمه الكلمات الغريبة، وتفهمه ما يحتاج إليه لفهم القرآن، ومع ذلك طال عليه الأمر، وصعب عليه الفهم، وكان يحفظ ثم عجز عن الحفظ، فوصيتي لإخواننا من طلاب العلم، ومن أولياء الأمور أن يهتموا بالحفظ في أول الأمر، ويستمرون عليه، يستمرون على الحفظ لا ينقطع الحفظ إلى آخر العمر، ما يقال: والله انتهيت، لا، ما له نهاية، ليس له أمد، يستمر يحفظ، ومع ذلك الفهم بالتدريج، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.