شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (079)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: قبل أن نبدأ، الحقيقة، في حديث هذه الحلقة، هناك مجموعة من الأسئلة وصلت من عدد من الإخوة المستمعين، فمثلاً في حديث قبل الحديث الماضي استشكل على أحدهم في قول الله تعالى: {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [سورة التوبة 67] أن هذه ليست من باب المقابَلة، وإنما هو يثبت النسيان لله -سبحانه وتعالى-، هل ما يذكره المستمع صحيح؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
تقدم النقل عن الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «فو الله لا يمل الله حتى تملوا» وفي رواية: «لا يسأم حتى تسأموا» والملل والسآمة للعمل يوجب قطعه، إلى أن قال -رحمه الله تعالى-: وسمي هذا المنع من الله مللاً وسآمة مقابَلة للعبد على ملله وسآمته؛ كما قال -جل وعلا-: {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [سورة التوبة 67] فسمى إهمالهم وتركهم نسيانًا مقابلة لنسيانهم له، يقول: هذا أظهر ما قيل في هذا، يعني أن إطلاق الملل من الله -عز وجل-، والسآمة من الله -عز وجل-، وغيرها من الصفات التي يُفهَم منها النقص، إذا تصوَّرنا ما يضاف إلى المخلوق منها، هذه يقال: إنها من باب المقابَلة، فاستهزاء الله -سبحانه وتعالى- بالمنافقين مقابَلة استهزائهم، المكر والكيد والخديعة المنسوب لله -عز وجل- كل هذا من باب المقابلة، هنا: {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [سورة التوبة 67] أيضًا هذا من باب المقابلة، مع استحضارنا لنفي النسيان عن الله -عز وجل- في قوله -جل وعلا-...
المقدم: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [سورة مريم 64].
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [سورة مريم 64] فالنسيان المنفي هو ما يتصف به المخلوق من غفلة، فالله -سبحانه وتعالى- لا يغفل، هنا في الآية الأخرى: {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [سورة التوبة 67] {نَسُواْ اللّهَ} يعني تركوا طاعته، وأهملوا ما أوجب الله عليهم {فَنَسِيَهُمْ} يعني تركهم في العذاب، فيكون تَرْكه لهم في العذاب مقابلة لتركهم أوامره، ونسيانهم إياها؛ لأنه لو كان نسيانهم نسوا الله النسيان الغفلة لم يؤاخذوا عليه {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا} [سورة البقرة 286] لكنه المراد بنسيانهم هنا الترك، وليس المراد به الغفلة، ونسيان الله -جل وعلا- في قوله: {فَنَسِيَهُمْ} المراد به الترك وليس المراد به الغفلة، فهو في مقابلة ترْكهم لأوامره -جل وعلا- ترَكهم ونسيهم في العذاب.
يقول: فسمى إهمالهم وترْكهم نسيانًا مقابلة لنسيانهم له، يعني: لترْكهم أوامره، وفعلهم ما حرمه الله عليهم من باب المقابلة اللفظية، ولا ننسى أن الله -سبحانه وتعالى- لا ينسى، وقد نفى عنه هذه الصفة؛ لأن النسيان لا شك أنه صفة نقص، لكن إذا أثبتناها من باب المقابلة فقط، وأن المراد بها الترك والإهمال تركهم في عذابه؛ لأنهم تركوا أوامره، وفعلوا ما حرمه الله عليهم فعل الناسي الغافل، مع أنهم لم ينسوا ولم يغفلوا، وإنما تَرَكوا فتُرِكوا، هذا معنى المقابلة في هذه الآية.
المقدم: أحسنتم أيضًا من ضمن أسئلة المستمعين سؤال في الحديث الذي يلي الحديث الذي أشرتم إليه وهو حديث أنس يسأل يقول: كيف نوفِّق بين هذا الحديث وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله» الحديث، وبين حديث البطاقة الذي فيه: «لا إله إلا الله منعت من دخول صاحبها النار، وهو لم يعمل خيرًا» وكانت كلمة لا إله إلا الله كافية في نجاته من النار، بينما يقول في حديث أنس قال: «لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير» ومع ذلك لم تمنعه من دخول النار.
نعم في حديث البطاقة مَنَعَت كلمة التوحيد من دخول النار، إما لكون هذا الشخص ختم أعماله بها ومات عليها، أو لما احتَفَّ بها من شدة تعظيمه لله -عز وجل- وتوقير وإخلاص في هذه الكلمة، فالعمل الصالح قد يدخل به المرء الجنة، وإن اقترف ما اقترف من كبائر إذا احتف بهذا العمل ما يحتف به من تعظيم الله -جل وعلا-، كما حصل للبغي التي سقت الكلب «شكر الله لها، فغفر لها» بهذا الصنيع، وهو بالنسبة لما اقترفته سقي الكلب بالنسبة لما اقترفته من البغي في ميزان الشرع لا شيء، شيء يسير جدًّا بالنسبة لما اقترفته، لكن لِمَا وقر في قلبها من تعظيم لِمَا عظَّمه الله -سبحانه وتعالى- من أن في كل كبد رطبة أجر استحضرت هذا المعنى، واستشعرته وتقربت إلى الله -عز وجل- به، فشكر الله لها، فغفر لها.
وهكذا الأعمال قد يعمل الإنسان شيئًا يراه صغيرًا، فيراه شيئًا صغيرًا، ويقترن به ما يحتف به مما يجعله من العظائم، وقل مثل هذا في الأمور الممنوعة والمحظورة «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفًا» نسأل الله العافية، فعلى الإنسان أن يستحضر ويستشعر عظمة الله -عز وجل- فيما يأتي وفيما يذر.
المقدم: أحسن الله إليكم أيضًا يسأل المستمع سؤالا آخر يقول: هل يُشترَط لخروج عصاة الموحدين من النار أن يكون في قلوبهم شيء من الخير؟ وهل يُخرَج العصاة من النار على حسب معاصيهم وكثرتها، فأقلهم معاصٍ يكون أسرعهم خروجًا أم هو فضل من الله يتفضل به عليهم فيُخرِج من يشاء ويترك من يشاء؟ ثم يستمر أيضًا يقول: هل عصاة الموحدين إذا دخلوا النار يكون عذابهم مثل عذاب الكفار في بقائهم فيها، فلا يموتون فيها ولا يحيَون، وكلما نضجت جلودهم أبدلوا جلودًا غيرها أم ماذا يكون حالهم؟
مقتضى حديث أنس: «يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن بُرَّة من خير» «في قلبه وزن ذَرَّة» قبل ذلك «من في قلبه وزن شعيرة من خير» مقتضى ذلك أنه لا بد أن يوجد شيء من العمل مع أصل الإيمان الذي هو التصديق، وهو مقتضى أيضًا قول أهل السنة والجماعة أن جنس العمل شرط لصحة الإيمان، فلا بد أن يكون في قلوبهم شيء قدر زائد على مجرد التصديق، هذا مقتضى قول أهل السنة والجماعة، وهو أيضًا ما يدل عليه حديث أنس.
قوله: هل يخرج العصاة من النار على حسب معاصيهم وكثرتها، فأقلهم معاصٍ يكون أسرعهم خروجًا أم هو فضل من الله تفضل به؟
أولاً: سبب دخولهم النار ما اقترفوه من معاصٍ ومن منكرات وجرائم؛ لكن لا شك أن المعاصي متفاوتة، وكل ذنب له عذابه المناسب له، ويبقى أن رحمة أرحم الرحمين فوق ذلك كله، وقد يكون العمل كبيرًا في نظر الناس يَقترِن به بالنسبة لبعض الناس خوف ووجل يجعله صغيرًا، والعكس قد يكون العمل صغيرًا في ذاته، لكن يقترن به من الاستخفاف والاستهتار وعدم المبالاة ما يجعله كبيرًا، فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي يُقدِّر هذه الأمور، ولا يظلم ربك أحدًا.
يقول: هل عصاة الموحدين إذا دخلوا النار يكون عذابهم مثل عذاب الكفار في بقائهم فيها فلا يموتون فيها ولا يحيَون؟
المقصود أنهم يدخلون النار، ومن دخل النار لا تسأل عن حاله، نار الآخرة فُضِّلَت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءًا، نار الدنيا جزء من سبعين جزءًا من نار الآخرة، فكوننا نسأل هل عذابهم فيها مثل عذاب الكفار؟ العذاب متفاوت، والنار دركات، كل صنف من العصاة في دركة، كما أن الجنة درجات، لكل طائفة من المؤمنين درجة، والله المستعان.
المقدم: أحسن الله إليكم نقرأ الحديث؟
نعم.
المقدم : قال -رحمه الله-:
"عن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- يقول: جاء رجل من أهل نجد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثائر الرأس، نسمع دويَّ صوته، ولا نفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال: هل عَلَيَّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوَّع» قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وصيام رمضان» قال: هل عَلَيَّ غيره؟ قال: «لا، إلا أن تطوَّع» قال: وذكر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة، قال: هل عَلَيَّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوَّع» قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أفلح إن صدق»."
أولاً: راوي الحديث طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو القرشي التيمي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، شهد المشاهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بدرًا، وقد ضرب له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسهمه؛ لأنه بعثه إلى طريق الشام يتحسس الأخبار، وسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلحة الخير، وطلحة الجود، قُتِل -رضي الله عنه- وأرضاه يوم الجَمَل، لعشر خَلَوْن من جمادى الأولى، سنة ستة وثلاثين، ودفن بالبصرة وهو ابن أربع وستين سنة.
هذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: بابٌ الزكاة من الإسلام، وقوله -عز وجل-: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [سورة البينة 5] قال ابن حجر: الآية دالَّة على ما تُرجِم له؛ لأن المراد بقوله: {دِينُ الْقَيِّمَةِ} دين الإسلام، والقَيِّمَة: المستقيمة، وقد جاء (قام) بمعنى استقام في قوله تعالى: {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [سورة آل عمران 113] أي: مستقيمة، وإنما خص الزكاة بالترجمة، لماذا خُصَّت الزكاة بالترجمة؟ الحديث فيه خمس صلوات، وفيه الصيام، وفيه الزكاة؟ يقول: وإنما خص الزكاة بالترجمة لأن باقي ما ذُكِر في الآية والحديث قد أفرده بتراجم أخرى، تقدم الصلاة من الإيمان، تقدم صوم رمضان من الإيمان وهكذا، ما بقي إلا الزكاة ترجم لها هنا بابٌ الزكاة من الإسلام.
يقول العيني: وجه المناسبة بين البابين الباب المذكور هذا باب الزكاة من الإسلام والذي قبله ماذا؟ باب زيادة الإيمان ونقصانه، المناسبة بين البابين من حيث أن المذكور في الباب السابق هو زيادة الإيمان ونقصانه، وقد علم أن الزيادة قد تكون بالأعمال والنقص بتركها، وهذا الباب فيه أن أداء الزكاة من الإسلام، يعني: أنه إذا أدَّى الزكاة يكون إسلامه كاملاً، وإذا تركها يكون ناقصًا، وهذا على قول جماهير أهل العلم الذين لا يرون من الأركان ما تركه كفر إلا الصلاة، فلا يكفر بترك باقي الأركان من الزكاة والصيام والحج، وإن كان القول بكفره قول معروف عند أهل العلم، وهو رواية في مذهب أحمد.
قول المختصِر: "عن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- يقول" التركيب سليم؟ عن طلحة بن عبيد الله يقول، هذا التركيب لا يخلو من ركاكة، والذي اضطره إلى ذلك محافظته على لفظ الصحيح في "يقول" لأنه ذكر أنه يحافظ على الصِّيَغ، يحافظ على الصِّيْغة بقدر الإمكان، فأحيانًا يقول: قال، وأحيانًا يقول تبعًا لما في الأصل، وهو في الأصل يقول.
محافظة على لفظ الصحيح في يقول لأنه التزم ذلك؛ لكنها لا تناسب العنعنة، "يقول" لا تناسب العنعنة.
المقدم: تناسب سمِع.
تناسب سمع، وفي الأصل أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول، فإذا تصرَّف في الصيغة الأولى لا بد أن يتصرف في الصيغة الثانية، فعن طلحة يقول، الذي اضطره إلى هذا محافظته على صيغ الأداء عند الإمام البخاري؛ لكنه لما حافظ على هذه الصيغة ينبغي أن يحافظ على الصيغة التي قبلها، فيقول مناسبة لسمع، وهو كذلك في الصحيح، يقول الإمام البخاري: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك بن أنس عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول، مناسب جدًّا.
"جاء رجل" قال ابن بطال: هذا الرجل النجدي هو ضمام بن ثعلبة، من بني سعد بن بكر، وتبع ابن بطال بعض الشراح، قال ابن حجر: والحامل لهم على ذلك إيراد مسلم لقصته عقب حديث طلحة، الإمام مسلم أورد قصة ضمام بن ثعلبة عقب حديث طلحة، حديث الباب الذي معنا، ومسلم يجمع الحديث الواحد بطرقه ورواياته في موضع واحد، كما أنه لا يلزم أن يكون الحديث أو الأحاديث المذكورة في باب واحد التي يجمعها موضوع واحد أن تكون حديثًا واحدًا عند مسلم، إنما يجمع في الباب حديثًا واحد بطرقه وشواهده، أو يجمع أحاديث موضوعها واحد، ومنه ما هنا، الذي حمل ابن بطال ومن تبعه على ذلك إيراد مسلم لقصته قصة ضمام عقب حديث طلحة؛ ولأن في كل واحد منهما أنه بدوي، يعني اشتركا في كثير من الأوصاف، وأن كلاًّ منهما قال في آخر حديثه: لا أزيد على هذا ولا أنقص، لا شك أن هذه الوجوه من الشبه تجعل الإنسان يستروح مثل هذا القول؛ لكن تعقبه القرطبي بأن سياقهما مختلف، وأسئلتهما متباينة، قال: ودعوى أنهما قصة واحدة دعوى فَرَط، وتكلف شَطَط من غير ضرورة، والله أعلم.
يقول العيني أيضًا ردًّا على من ادعى أن القصتين واحدة: وأيضًا فإن ابن إسحاق فمن بعده كابن سعد وابن عبد البر لم يذكروا لضمام غير حديث أنس، العيني وهو يريد أن يرد على من زعم أنهما قصة واحدة يقول: أيضًا فإن ابن إسحاق فمن بعده كابن سعد وابن عبد البر لم يذكروا لضمام غير حديث أنس، لكن قال ابن حجر: هذا غير لازم، من أي وجه؟ كونهم لم يذكروا هل يعني هذا أنهم لا يفوتهم شيء؟
المقدم: لا.
لا يعني هذا أنه لا يفوتهم شيء، وستأتي قصة ضمام في المختصَر -إن شاء الله تعالى- بعد بضعة عشر حديثًا.
"من أهل نجد" قال الجوهري: نجد من بلاد العرب، وكل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد، وهو مذكَّر، قال العيني: قلت: النجد الناحية التي بين الحجاز والعراق، وهو في الأصل ما ارتفع من الأرض، والجمع نجاد ونجود وأنجد، على كل حال نجد معروفة ما بين الحجاز من جهة المشرق إلى جهة العراق من الشرق.
"ثائر الرأس".
المقدم: هي التي يتغنى بها الشعراء؟
بليلها.
المقدم: بليلها، وهواءها وصباها، صبا نجد؟
نعم.
المقدم: هي، هي.
هي، هي.
"ثائر الرأس" أي منتفش الشعر ومنتشره، يقال: ثار الغبار أي انتفش، وفتنة ثائرة أي منتشرة، قال ابن حجر: ثائر الرأس مرفوع على الصفة، ثائر الرأس، جاء رجل ثائر الرأس، وصف مرفوع على الصفة، ويجوز نصبه على الحال، ثائر الرأس يعني حال كونه ثائر الرأس، لكن هل يجوز أن يكون الحال معرفة؟
المقدم: والمعرف نكرة.
لا، أنا أقول: الحال يجوز أن يأتي معرفة؟
المقدم: لا.
وهنا ثائر الرأس؟ نقول: الإضافة هنا لفظية لا تفيد تعريفًا، الإضافة هنا لفظية فجاز أن ينصب على الحال، والمراد أن شعره متفرق من ترك الرفاهية، ففيه الإشارة إلى قرب عهده بالوفادة، وأُوْقِعَ اسم الرأس على الشعر إما مبالغة أو لأن الشعر منه ينبت.
وقال الكرماني: كما يطلق اسم السماء على المطر لأنه من السماء ينزل.
"يُسمَع" قال ابن حجر: هو بضم الياء (يُسمَع) على البناء للمفعول، أو بالنون المفتوحة للجمع، وكذا في (يُفقَه) و(نَفْقَه) لأنه هنا يقول: "يُسمَع دَوِيُّ صوته، ولا يُفقَه ما يقول".
المقدم: هذا في الأصل.
هذا في الأصل.
المقدم: بينما عندنا...
هو جاء هذا وهذا في الروايات، في المختصَر: "نسمع ولا نفقه" وعلى كل حال هو جاء بضم الياء (يُسمع) وبالنون المفتوحة للجمع (نَسمَع).
"دَوِيّ" بفتح الدال وكسر الواو وشدة الياء على المشهور، قال القاضي عياض: جاء عندنا في البخاري بضم الدال، قال: والصواب الفتح، قال القاضي عياض: جاء عندنا في البخاري بضم الدال، كيف جاء عندنا؟ جاء عندنا يعني في النسخ التي وردت علينا في المغرب، يعني نسخ المغاربة، جاء عندنا في البخاري بضم الدال، وهو يعتني بالروايات، القاضي عياض يعتني بذكر الروايات في الصحيحين والموطأ في كتاب له اسمه؟ من أهم كتب الغريب؟ لكن ترتيبه الحروف على ترتيب المغاربة، هذا الذي يجعل كثيرًا من طلاب العلم لا يستفيدون منه، اسمه: "مشارق الأنوار على صحاح الأخبار" وأشرنا إليه سابقًا.
المقدم: مطبوع يا شيخ؟
مطبوع، ومشهور ومتداوَل، من أنفس كتب الغريب؛ لأنه يعتني بضبط الألفاظ من المتون والأسانيد أيضًا، فيما يتعلَّق بالصحيحين والموطأ.
مشارق أنوار تبدت بسبتة . |
|
ومن عجب كون المشارق في الغربِ . |
كتاب عظيم نفيس، اختصره ابن قُرْقُوْل في كتاب أسماه: "مطالع الأنوار" واشتهر كتاب ابن قُرْقُوْل أكثر من الأصل؛ لأن فيه زيادات يحتاج إليها ويعتنى بها؛ ولذا كثير من الشراح يقول: قال صاحب المطالع، حكى صاحب المطالع، ونسوا الأصل رغم أهميته.
جاء عندنا في البخاري بضم الدال "دُوي" قال: والصواب الفتح، قال الكرماني: الدوي بُعد الصوت في الهواء وعلوُّه، ومعناه صوت شديد لا يُفهَم منه شيء كدوي النحل.
"ولا يفقه ما يقول" أو "ولا نفقه ما يقول" على ما تقدم، أي الذي يقوله، "نفقه ما يقول" (ما) هنا موصولة بمعنى الذي، أي الذي يقوله في محل نصب على المفعولية، وعلى البناء للمفعول تكون "ولا يُفقَه ما يقول" تكون (ما) بمعنى الذي في محل... إعرابها... نائب فاعل، وعلى البناء للمفعول تكون نائب فاعل.
"حتى دنا" أي قرب، أي إلى أن قرب ففهمناه، فمتى هنا للغاية، بمعنى إلى أن دنا.
"فإذا هو يسأل" (إذا) هي التي للمفاجأة، و(هو) مبتدأ "ويسأل عن الإسلام" خبره.
يقول العيني: وقد عُلِم أن (إذا) التي للمفاجأة تختص بالجمل الاسمية، هنا كذلك أو لا؟ "فإذا هو يسأل".
سائل: هو ما دام هنا هو فاسمية.
اسمية، نعم.
لكن لو هي: "فإذا يسأل" ممكن تأتي؟ هي مختصة بالجمل الاسمية إذًا لا بد من الإتيان...
المقدم: بالاسم.
بـ(هو). وقد علم أن (إذا) التي للمفاجأة تختص بالجمل الاسمية ولا تحتاج إلى الجواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناه الحال لا الاستقبال، الحال الآن، لا الاستقبال، وهي حرف عند الأخفش، واختاره ابن مالك، وظرف مكان عند المبرِّد، واختاره ابن عصفور، وظرف زمان عند الزجاج، واختاره الزمخشري.
المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم.
لعلنا نكتفي بهذا من ألفاظ هذا الحديث على أن نستكمل -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة وأنتم على خير.
مستمعي الكرام نستكمل -بإذن الله- في الحلقة القادمة، في ختام حلقتنا نتوجه بالشكر الجزيل بعد شكر الله -سبحانه وتعالى- إلى صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، شكرًا لكم أنتم، شكرًا للإخوة الحضور معنا.
نلقاكم -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.