دروس الحرم العامة (10)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد روى الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- في كتاب الرقاق من صحيحه من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ » الغبن في عرف الناس هو بيع السلع برخص فاحش، يسمونه غبنا ويثبتون فيه الخيار للمغبون الذي باع سلعة قيمتها ألفا بستمائة مثلا قالوا هذا مغبون، ويحق له أن يدَّعي عند القاضي أن فلانا غبنه في سلعته، فيستحق الرد وله في هذا خيار الغبن عند أهل العلم، هذا غبن في أمور الدنيا، ولكن الغبن الحقيقي ما كان في أمر الدين والتفريط فيه؛ ولذا يقول الله- جل وعلا- {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [سورة التغابن:9] يعني يوم القيامة هو يوم التغابن الحقيقي، فمن غبن في دينه فهو مغبون حقيقة، وبعض العلماء يستدل بالآية بقوله- جل وعلا- {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [سورة التغابن:9] على أنه لا خيار للغبن في أمور الدنيا {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [سورة التغابن:9] أسلوب حصر مفهومه أن الدنيا لا غبن فيها وإن سماه الناس غبنًا، فهو في الحقيقة ليس بغبن؛ لأن الدنيا أمرها سهل، فكون الإنسان يفوته شيء من أمور الدنيا يمكن تداركه، وإذا لم يمكن تداركه فالخطب سهل؛ لأن الدنيا أمرها عند الله- جل وعلا- حقير جدا، فهي لا تزن عنده جناح بعوضة، ولو كانت تزن عنده جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء، وجاء في الخبر: أن الدنيا الله- جل وعلا- يعطيها من يحب ومن لا يحب، بخلاف الدِّين فإنه لا يعطى إلا المحبوب عند الله- جل وعلا- الغبن في أمور الدنيا مثل ما ذكرنا بيع السلعة برخص فاحش، فما الغبن في أمور الدين؟ الغبن معروف أن الجن والإنس خلقوا لهدف وهو تحقيق العبودية لله- جل وعلا- "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" هذا هو الهدف من وجودهم في هذه الدنيا، فمن حقق الهدف فهو المغبوط بالطاعة، ومن ضيع هذا الهدف وفرط فيه فهو المغبون، المسلم في تجارة مع الله- جل وعلا- كما أنه وسائر الخلق في تجاراتهم في أمور دنياهم، فالمؤمن يتاجر مع الله- جل وعلا- ويسعى لكسب الأجور والأرباح {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة الصف:10] هذه هي التجارة الحقيقية {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً} [سورة فاطر:29] ماذا لهم؟ {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [سورة فاطر:29] ليس مثل تجارات الدنيا التي ترتفع يوما، وتنزل ويوما، يوما تَنفُق، ويوما تَكسُد لا، تجارة لن تبور، فالذي يتاجر مع الله- جل وعلا- هل يليق به أن يفرط في لحظة من لحظاته وهو يتاجر مع الله؟! إذا كان الناس في تجاراتهم في أمور الدنيا يحرصون على اغتنام كل أوقاتهم وجميع الفرص التي تسنح لهم في جمع الحطام من هذه الدنيا الذي قد يكون مباحًا، وقد يكون محرَّمًا، وقد يكون واجبًا في بعض الصور إذا كانت الحياة لا تقوم إلا به، لكن المتاجرة مع الله- جل وعلا- بالإيمان به، والإخلاص له، وتحقيق أركان الإيمان، وتحقيق أركان الإسلام ومن ذلك ما نُصَّ عليه في هذا الباب {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} [سورة فاطر:29] هذه ميادين فسيحة للمتاجرة مع الله -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} [سورة فاطر:29] كيف يتاجر مع الله- جل وعلا- في تلاوة كتابه؟ بأن يقرأ القرآن وله بكل حرف عشر حسنات، والحمد لله قراءة القرآن الآن متيسرة، يعني إذا كان في عصر مضى يقل القرأة، وبعض البيوت تخلو ممن يقرأ، وقد تخلو من مصحف، وقد تخلو من نور يستعين به على القراءة، إذا كان لا يحفظ في الليل مثلا فالأمور كلها متيسرة، قد يوجد من كبار السن من لا يعرف ولا يحسن القراءة، لكن بإمكانه أن يستمع وله مثل أجر القارئ، لا يوجد بيت الآن من بيوت المسلمين إلا وفيهم من يقرأ ويكتب، فإذا استمع لقراءة ولده أعانه على القراءة وأجر الاستماع، وإذا استمع لقراءة ابنته كذلك وهكذا، أو استمع للقرآن من مسجل مثلا بصوت قارئ مجوِّد ندي مؤثِّر يتغنى بالقرآن فيثبت له الأجر، ويثبت له أجر الاستماع وله أجر الانتفاع بالقرآن، فبالقرآن يحصل التذكير كما قال الله- جل وعلا- {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [سورة ق:45] وكم من شخص تغيَّرت حياته تغيُّرًا جذريا بسبب سماع آية، ولا شك أن القرآن مؤثِّر بذاته ولو لم يكن المستمع من أهل العلم، أما إذا كان من أهل العلم فهذا ميدانه ينتفع لاسيما إذا ألقى السمع وهو شهيد، يعني قلبه حاضر، أو قرأ القرآن بنفسه على الوجه المأمور به من التدبر والترتيل، ومعلوم أن هذا من أنفع ما ينتفَع به في علاج أمراض القلوب قراءة القرآن على الوجه المأمور به، فإذا كانت قراءته التي يتحقق فيها مسمى القراءة بكل حرف عشر حسنات، والقرآن معدود عند أهل العلم حروفه ثلاثمائة ألف حرف فتكون الختمة الواحدة فيها ثلاثة ملايين حسنة، متى يكسب الإنسان ثلاثة ملايين في عمره من حطام الدنيا التي لا تزن عند الله جناح بعوضة؟ قد يفنى عمره ما كسب ولا عشر ولا معشار هذا المبلغ! ومن الحسنات التي تُدَّخَر له وتكون في ميزانه في كفة حسناته من هذه الأجور العظيمة ما يحصل عليه بأيسر الأسباب وبأقصر وقت، المتاجرة مع الله- جل وعلا- بقراءة كتابه تكون بتلاوته على الوجه المأمور به، وتكون أيضا بحفظه «اقرأ وارق وارتق في درج الجنة» وتكون أيضا بالعمل به، وتكون أيضا بتعلمه وبتعليمه كما جاء في الحديث الصحيح «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» هذه متاجرة مع رب العالمين، متاجرة إذا حصَّل الإنسان المكاسب العظيمة بهذا العمل الميسَّر والله- جل وعلا- يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [سورة القمر:17] كسب أجور عظيمة بعمل يسير على من يسره الله عليه، وإلا كثير من الناس ينظر إلى المصحف ويفتحه طالبًا لمثل هذه الأجور ثم لا يلبث أن يغلقه؛ لأنه ما تعوَّد، ونجد أناسا عليهم علامات الصلاح ووفدوا إلى هذه البقاع المقدَّسة التي تضاعَف فيها الأجور وتنتهي أوقاتهم في القيل والقال، حتى تجد الإنسان في المسجد ينتظر الصلاة ويصعب عليه أن يمد يده إلى العمود الذي بجواره فيأخذ مصحف ويقرأ، الله- جل وعلا- يقول {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [سورة القمر:17] هل من متذكر: هل من متعظ؟ ولا بد أن يكون للإنسان رصيد سابق تعرَّف فيه على الله- جل وعلا- في هذا الباب وفي غيره من أبواب الخير، تجد الإنسان يصلي العصر في رمضان في هذا المسجد وينتظر صلاة المغرب، ينتظر الإفطار وقد يمتد الوقت إلى ثلاث ساعات كما في وقتنا هذا، كم يقرأ في ثلاث ساعات؟ يقرأ نصف القرآن إذا كان معتادا وضابطا للقرآن، افترض أنه يقرأ عشرة أجزاء، يصير له فرصة يعني ثلاث عصريات ينتهي القرآن، لكن نجد بعض من عليهم آثار الصلاح والاستقامة وعندهم شيء من طلب العلم والاهتمام به، تجده يستند على عمود بعد صلاة العصر ثم يفتح المصحف ليقرأ ثم يلتفت يمينا وشمالا لينظر هل جاءه أحد أو رأى أحدا يعرفه ليتحدث معه ويمضي معه الوقت، كأنه محكوم عليه بقضاء هذه المدة بحيث إذا انتهت هذه المدة أطلق صراحه، فهو يقضي هذه المدة بأي شيء لا يدري أنه مغبون؛ لأن هذا فراغ لا بد أن ينقضي، فإذا قضى هذا الفراغ بما يرضي الله -جل وعلا- فهو المغبوط وإذا قضاه بما لا يرضيه فهو المغبون، والغبن متفاوت وفرق بين من قضى هذا الفراغ في مباح وهو مع ذلك مغبون لكنه أفضل ممن قضاه بمحرم، الفراغ نعمة من نعم الله- جل وعلا- يتصور الإنسان وهو منشغل بمعيشته ومعيشة أولاده يكد ويكدح كما كان الناس قبل انفتاح الدنيا يشتغلون ليل نهار في أيام الصيف الحارَّة والشتاء القارس كسبا للقمة العيش، والآن وقد كفوا وتفرغوا فما صار لهم حجة، يعني المشغول بتحصيل ما يقوم بأوده وأود من يمون هذا له نوع عذر، مع أن الأصل أنه مخلوق للعبادة، لكن إذا سعى في تحصيل ما يحقق به هذا الهدف بنية صالحة أجر عليه، لكن الإشكال في وضعنا وفي ظرفنا الذي نعيشه لا نحتاج من الوقت في الشغل ولا إلى عشر الوقت وتسعة أعشاره فراغ فإما أن يستغل هذا الوقت فيما يرضي الله فيكون الشخص مغبوطا، أو يضيع هذا الوقت فيكون مغبونا، أيضا الصحة على الإنسان أن يغتنم وقت صحته؛ لأنها لا تدوم، كما أن الفراغ لا يدوم أيضًا، الظروف تختلف والأحوال تتغير فمن عنده فراغ في هذا اليوم قد يكون مشغولا في الغد فعليه ألا يؤجِّل عمل اليوم إلى الغد، وأن يستغل كل لحظة من لحظاته فيما ينفعه عند الله- جل وعلا- وكذلك الصحيح عليه أن يستغل هذه الصحة؛ لأنه اليوم يستطيع أن يصلي قائمًا غدا ما يدريه أنه قد لا يستطيع، قد تشق عليه الصلاة ثم بعد ذلك إذا شقت عليه الصلاة وجاءه المرض وقدره الله عليه وكتبه عليه ورضي وسلَّم، فإن كان له سابقة في وقت صحته من استغلال لوقته فيما يرضي الله كتب له ما كان يعمله صحيحًا، حتى إذا مرض وعجز عن العبادة، عجز عن القراءة، عجز عن صلاة النوافل، عجز عن صيام النوافل، وكان يفعله في صحته فإنه يكتب له ما كان يعمله صحيحًا، وكذلك المسافِر، فعلى المسلم أن يغتنم الأوقات التي تضيع هدرا من كثير من المسلمين، عليه أن ينظر بعقل وحزم لا تضيع أوقاته سدى، ولا تضيع صحته بحيث إذا جاء الشغل ندم ولات ساعة مندم، وكذلك إذا مرض ندم على صحته حيث لم يستغلها فيما يرضي الله -جل وعلا- الشباب أيضًا مظنة الصحة والقوة وهذا هو الأصل، فليتصوَّر الشاب النشيط الممتَّع بقواه أنه سوف يأتي عليه وقت قد يعتريه ما يعتريه في يوم أو يومين أو ثلاثة صداع، أو زكام، ويثقل عن بعض الأعمال ويتصور أن هذا الوصف سوف يلازمه إذا كبرت سنه عنده الثقل- ثقل البدن- وثقل السمع، وضعف البصر، وضعف القوى، فالسعيد من اتعظ، إذا مر عليك يوم من الأيام وأنت مزكوم، أو في صداع، تذكر أنك فيما بعد إذا طال عمرك أن هذا يكون هو الأصل عندك، بدنك ثقيل إذا أردت أن تقوم للصلاة بدلا من أن تقوم نشيطا مستعدا لها تطيل القراءة وتطيل الركوع والسجود قد يأتي وقت لا تستطيع ذلك، فاعمل لمثل هذا الظرف في وقت صحتك حتى إذا ما جاءك المانع من مرض أو سفر أو غير ذلك فإنه يكتب لك ما كنت تعمله، وهذا من فضل الله- جل وعلا- على المسلم بحيث لو انقطع من العمل بسبب لا يد له فيه فإن أجره لا ينقطع بفضل الله- جل وعلا- «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس» الله- جل وعلا- يقول: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سورة سبأ:13] هذا في مقابل الكثير المغبون، فالمقابَلة في الغبن عند كثير من الناس يقابلها الشكر عند القليل من الناس، فلتكن من هؤلاء الشاكرين الذين هم قلة بالنسبة لغيرهم ولا تكن من المغبونين وإن كثروا، فلا يغرنك كثرة السواد العبرة بما يرضي الله- جل وعلا- «الصحة والفراغ» هذه من أعظم النعم التي امتن الله بها على عباده لاسيما المسلمين الذين يسعون في مرضاته، ويبذلون الأسباب إلى الوصول إلى الجنة والنجاة من عذابه، وأعظم ما امتن الله به على العباد نعمة الإسلام، يتصور الإنسان ويتخيل أنه لو لم يوفَّق في الدخول في الإسلام وحينئذ تكون الجنة عليه حرام ومأواه النار، ثم ينظر إلى هذا النعيم الذي حرم منه، وإلى هذا العذاب في نار الجحيم الذي أعد له، لو يتصور الإنسان نفسه لحظة أنه غير مسلم، ويتصور مثل هذا أظن إذا كان القلب حيا ما نام في تلك الليلة فزعا، إذا كان كثير من الطلاب من هيبة الرسوب يفزع في ليلته قد لا ينام وفي كل لحظة ينتبه يتوقع أن الامتحان فاته، حدثني ناس تخرجوا من عشر سنين وأكثر يقول: مازلنا نفزع في الليل نتوقع أن الامتحان فات، ما هذا الامتحان؟ وما الذي سيفوتك من جراء هذا الامتحان؟ لكن لو رسبت في الامتحان الأكبر حينما توسد التراب في قبرك، وتسأل عن ربك، وعن دينك، وعن نبيك، ثم تصور أنك قلت هاه هاه لا أدري هذه الكارثة، هذا الذي لا يعوَّض، وإلاَّ إذا لم تنجح هذه السنة أو إذا لم تنجح في الدراسة كلها توجد مجالات أخرى والدنيا ليست فائتة، لكن العبرة بالدين الذي هو رأس المال.
وكل كسر فإن الدين يجبره
|
|
وما لكسر قناة الدين جبران
|
أعظم نعم الله- جل وعلا- على المسلمين هذا الإسلام، وهذا الدين الذي رضيه لنا، ونحمد الله ونشكره على ذلك ونسأله الثبات عليه إلى الممات إلى أن نلقاه عليه، هذه أعظم نعمة امتن الله عليهم، ثم بعد ذلك الموفق للعمل بجميع الشرائع من أركان وواجبات وسنن، واجتناب المحرمات والمكروهات والشبهات، هذا هو من تمت عليه النعمة، ومن أخل بشيء من ذلك فقد من هذه النعمة بقدر هذا الخلل بقدر هذا الخلل نعمة الإسلام، ونعمة الإيمان وذكرنا أيضًا ما جاء في الحديث «الصحة والفراغ» والتنصيص عليهما لا ينفي غيرهما لكن كثير من الناس يفرط فيهما، النعم الأخرى قد يكون التفريط فيها أقل، لكن الفراغ سهل أن يقضي الإنسان الساعات مع أهله أو مع أقرانه وأحبابه في القيل والقال دون أي فائدة، هذا إذا ما تعدوا ذلك إلى المحرَّم هذا يسير على الناس، والواقع يشهد به، اجتماعات، وجلسات، وأسفار، ونزهات، واستراحات تقضي على الأوقات، لكن الموفَّق من يستغل حتى هذه الجلسات المؤنسة مع الإخوان ومع الأهل، يستغلها وما الذي يمنعه أن يقول سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أمر يسير جدا، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم «كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» ولا تحتاج منك أي جهد، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، الباقيات الصالحات، غراس الجنة، سبحان الله هذا فورا شجرة في الجنة، سبحان الله وبحمده سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أربع كلمات في أربع من شجر الجنة، أنت اغرس واترك، لا تتعاهد، تقول: سقي، أو عمال يراقبون، أو شيء، أنبت أو لم ينبت جاءته عاهة أو آفة لا، اغرس واترك الأمر إلى الله- جل وعلا- ولا تقول والله عندي رصيد شجر ونخيل وبستان كامل من هذا الرصيد ثم بعد ذلك تقطع الإعانة، أو ينقطع الماء، أو يتأخر نزول المطر، فيتأثر الغرس لا، أنت عليك أن تعمل والحفظ اتركه ليس لك، ولا تقول والله اليوم ارتفعت الأسهم أو انخفضت الأسهم ما لك علاقة، هذا أمر محفوظ ولا يستطيع أحد أن يتصرف فيه إلا أنت، فانتبه لنفسك لأنك قد تجمع أعمالا أمثال الجبال ثم توزعها على مَن؟ على والديك؟ لا، على أحبابك وأصحابك؟ لا، على أعدائك؛ لأن السنة جرت أنك لا تغتاب ولا تظلم ولا تضرب ولا تنتهك شيئا إلا من شخص لا تحبه، فأنت تهدي له أعمالك وأنت اللص الذي يسرق أعمالك، فعلى الإنسان أن يحرص على الجمع وأن يحفظ ما جمع، لا يفرط فيه بعدما تعب، الذكر يا إخوان لا يكلِّف شيئا، قد يقول بعض الناس أن قراءة القرآن أنا ما حفظت وسأتوضأ وأشغل النور، لا تتوضأ ولا تشغل النور، وأنت بفراشك أكثر من الذكر: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر في دقيقتين، لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، هل يستطيع أحد أن يشكك في هذا الموضوع وكلها في الصحيح؟ كلها في البخاري ما تقول أحاديث ضعيفة أو مشكوك فيها، سبحان الله وبحمده مائة مرة في دقيقتين حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، ومثل ما قلنا لا إله إلا الله عشر مرات كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، كم يحتاج من وقت وجهد وتعب وكد وكدح ليجمع قيمة رقبة؟ قد يموت وما يتيسر له جمع قيمة رقبة، وأنت تقولها في دقيقة وتعتق أربعة من ولد إسماعيل، الوعد جاء على لسان من لا ينطق عن الهوى، ما جاء والله في جريدة، أو صحيفة أو قناة أو بشيء لا، ولا هو توقع ولا تحليل ولا استنتاج هذا كلام صحيح صريح عمن لا ينطق عن الهوى، ومن أين؟ من خزائن من لا تنفد خزائنه، من خزائن الرب التي لا تنفد، بعض الناس قد يستكثر فضل الله-جل وعلا-ويقول هذا شيء غير معقول بدقيقتين أحصل على هذه الأمور كلها؟! نقول الله- جل وعلا- الذي يقول لآخر شخص يخرج من النار ويدخل الجنة، آخر شخص يقال له تمن، تنقطع به الأماني ما له وجه للتو خرج من النار ماذا سيقول؟ يكفيه أنه دخل الجنة، تنقطع به الأماني فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك أعظم ملك في الدنيا؟ يقول إي وربي، فيقال لك ومثله ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله، أعظم ملك في الدنيا يمكن هارون الرشيد ملك ثلاثة أرباع الأرض وهذا سيعطى عشرة أمثاله، دعنا من الملوك الأربعة الذين ملكوا الدنيا بكاملها يعطى عشرة أمثاله، أين سيذهب هذا؟ تصور هذا آخر من يخرج من النار فماذا عمن دخل قبله؟ فماذا عن الزمرة الأولى التي تدخل الجنة؟ يا إخوان فضل الله واسع، ولا يحد، لكن أيضًا الحرمان لا نهاية له، والحرمان يحصل بسبب الإنسان نفسه، الإنسان هو الذي يتسبب ويسعى لنفع نفسه أو لحرمان نفسه.
كم الساعة؟
طالب: .............
كم باقي؟
طالب: .............
{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [سورة فاطر:29] وأقاموا الصلاة ميدان فسيح، والصلاة خير الأعمال وخير ما يستكثر منه من الأعمال بدءًا بالفرائض الصلوات الخمس التي لا بد منها، وأيضًا ما أوجبه الإنسان على نفسه بنذر أو نحوه وإن كان دون الأولى، وأيضًا السنن المتأكِّدَة، والرواتب والسنن المطْلَقة، لو قيل لأهل القبور ماذا تتمنون؟ يتمنون ركعتين، نحن نتقلب على الفرش، وعلى الأرائك الساعات الطوال، وتجد الإنسان مع أهله أو مع أحبابه يسهر إلى ساعة متأخرة من الليل، فإذا جاء الثلث الأخير من الليل نازعته نفسه هل يوتر بثلاث ركعات أو يزيد ركعتين أو ينقص ركعتين أو لا يشبه هذه النافلة بالواجبات كما يقول له الشيطان فيتركها الليلة؛ لئلا يظن وجوبها كما قال بعضهم، والشيطان يتلاعب به ولو عزم على نفسه واستعاذ من شيطانه ثم قام وتوضأ وصف قدميه ومثل بين يدي ربه- جل وعلا- وناجاه وناداه بحوائجه وحط أوزاره والله- جل وعلا- ينزل في الثلث الآخر من كل ليلة، وتجد الناس في الثلث الأخير أو كثير منهم، وقليل منهم من يستغل مثل هذا الوقت، وكثير منهم في القيل والقال أو في النوم، وهذا هو ضياع الوقت الذي يُغبَن فيه الإنسان وقتل الفراغ الذي هو في الحقيقة، حقيقة الإنسان عمره وما يودعه في خزائنه من هذه الليالي والأيام، هذه حقيقته وإلا الباقي لحم ودم، ما الفرق بينه وبين البهائم بعض البهائم أقوى منه وأشد وأنفع من كثير من الناس، بعض الناس عالة وبعض البهائم يستفاد منها، لكن الإنسان مُيِّز وشُرِّف بالعقل الذي هو مناط التكليف، فإذا لم يستعمل هذا العقل فيما ينفعه فما فائدة هذا العقل؟ إذا لم يستعمل السمع فيما ينفعه فما فائدة هذا السمع؟ إذا لم يستخدم البصر فيما يعود عليه بالنفع فما فائدة هذه النعمة؟ تنقلب وبالا على صاحبها، قد يكون الإنسان من أذكى الناس لكن لا فائدة، يستعمل هذا الذكاء في الضحك على الناس والاستخفاف به،م والثاني أقل منه بكثير في الذكاء لكنه استعمل هذا العقل فيما يرضي الله -جل وعلا- فرق كبير، الإنسان يُمدَح بما ينتفع به، أما إذا كانت هذه الغرائز وهذه الملَكات هدر لا تفيده ولا تنفع غيره فإن وجودها مثل عدمها إذا لم تنقلب إلى الضد، فرق بين من يستمع كلام الله- جل وعلا- ويستمع الذكر ويغشى مجالس الذكر وبين من يستمع الأغاني والمعازف والسب والشتم، وكل إنسان على ما عاش عليه سوف يوافي عليه إلا إن تداركه الله- جل وعلا- في آخر عمره، الإنسان يعيش على حب الخير والذكر والتلاوة والعبادة يموت عليها، الله جل وعلا لطيف خبير لا يخيِّب رجاء من رجاه، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، لو زرتم المستشفيات ورأيتم المرضى الذين ينازعهم الموت في السكرات وفي العنايات وهذا شيء ليس بافتراضي ولا شيء متوقَّع إنما هو واقع سُمع من يقرأ القرآن وهو لا يعي، واضح من لسانه لأنه صاحب قرآن، سُمِع من يكبِّر تكبيرة الإحرام وينتقل من الركوع إلى السجود إلى السلام وهو لا يتحرك منه شعرة، سمع من يؤذن وهو على هذه الحال سمع، مَن يلعن ويسب ويشتم، والله- جل وعلا- يقول {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [سورة الليل:4] فعلى الإنسان أن يتعرف على الله في الرخاء ليعرفه في الشدة، الإنسان لا بد أن يكون له تاريخ وله حسن تعامل مع الله- جل وعلا- وصدق لجأ إليه وانكسار بين يديه ومع ذلك مع حرصه الشديد على لزوم الاستقامة والإكثار من العبادات، مع ذلك لا يفتر لسانه من سؤال حسن الخاتمة لئلا يكون قد عمل عملا لم يلقِ له بالا تأتيه المصيبة والكارثة بسببه «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفا » «إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» على الإنسان أن يكون خائفا وجلا من العاقبة والخاتمة مع بذل الأسباب أسباب النجاة وأسباب الثبات على الدين وملازمة الأخيار وترك صحبة الأشرار وملازمة ذكر الله وشكره على كل حال.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.