شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (15)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة:
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن سليمان التيمي عن أبي حاجب عن رجل من بني غفار قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة".
قال: وفي الباب عن عبد الله بن سرجس قال أبو عيسى: وكره بعض الفقهاء الوضوء بفضل طهور المرأة، وهو قول أحمد وإسحاق، كرها فضل طهورها ولم يريا بفضل سؤرها بأساً.
حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو داود عن شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا حاجب يحدث عن الحكم بن عمرو الغفاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة أو قال: بسؤرها.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن وأبو حاجب اسمه: سوادة بن عاصم وقال محمد بن بشار في حديثه: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة، ولم يشك فيه محمد بن بشار.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة"
والمراد به ما يبقى من سؤرها بعد وضوئها في الإناء، والسؤر البقية، والمراد به بقية ما تتوضأ به المرأة لا سؤر الشرب، ويطلق عليه سؤر، وسيأتي في رواية شعبة أنه نهى أن يتوضأ بفضل طهور المرأة أو قال: بسؤرها، والمراد بالسؤر الذي فيه الكلام في الباب فضل الوضوء، فضل الوضوء، الذي يبقى بعد الوضوء، وهو سؤر وهو البقية، السؤر البقية، سواءً كان من الوضوء أو من الشرب، لكن المراد به هنا الوضوء، وهل المراد به السؤر الباقي في الإناء مما لم تستعمله أو المراد به الماء المستعمل الذي يتقاطر من أعضائها؟ الذي يظهر أنه البقية، الذي يبقى في الإناء، وهو الذي يطلق عليه سؤر في اللغة، أما ما يتقاطر من أعضائها من الماء المستعمل فحمل بعضهم هذا الحديث عليه لكنه بعيد، يعني من يتوضأ بما يتقاطر من أعضاء المرأة، هل يمكن الوضوء بما يتقاطر منها؟ نعم إذا أسرفت في الماء، ومر الماء على أعضائها وتلقي في إناء يمكن أن يخرج منه ما يمكن أن يتوضأ به، لكن هذا على خلاف الاستعمال اللغوي والعرفي للكلام، والسياق يأباه وإن حمله بعضهم على هذا لكي تتحد الأحاديث في الباب.
قال -رحمه الله-:
"حدثنا محمود بن غيلان" العدوي مولاهم، أبو أحمد المروزي، ثقة من العاشرة، توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين "قال: حدثنا وكيع" بن الجراح أبو آسيا، الإمام المشهور "عن سفيان" بن سعيد الثوري الإمام العلم "عن سليمان -بن طرخان- التيمي" ثقة من العباد "عن أبي حاجب" واسمه كما قال المؤلف سوادة بن عاصم، سوادة بن عاصم العنزي صدوق من الثالثة "عن رجل من بني غفار" هو مبهم، بُين في الرواية اللاحقة، في رواية شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا حاجب يحدث عن الحكم بن عمرو الغفاري، وهذه من أعظم الفوائد التي يستفاد منها في جمع الطرق، فإذا جمعت الطرق استبان كثير من الأمور المشكلة سواءً كان ذلك في الإسناد أو في المتن، ومن ذلك تبيين المبهم على أن الإبهام هنا لا يضر، الإبهام لا يضر في هذه الطبقة التي هي طبقة الصحابة "عن رجل من بني غفار قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والمراد به كما سيأتي الحكم بن عمرو الغفاري وهو صحابي معروف "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا خلاف فيه، بخلاف ما لو كانت الصيغة نهينا، والجمهور على أنه مرفوع لو قال: نهينا؛ لأنه لا يمكن أن ينهى أو يأمر كما لو قال: أمرنا إلا من له الأمر والنهي وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هنا بصريح الإضافة "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة" وهو مرفوع قطعاً، ودلالته على النهي كدلالة لا تفعلوا، كما لو قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: لا تتوضئوا بفضل طهور المرأة، مع أنه قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة" وفي الرواية الثانية اللاحقة: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة، حديث الباب فيه إجمال، فيه إجمال.
"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة" وبعدين؟ نهى عن شربه؟ نهى عن الوضوء به؟ نهى عن الطبخ فيه؟ النهي عن إيش؟ لكن هذا الإجمال بُين في الرواية اللاحقة: "نهى أن يتوضأ الرجل" يتوضأ الرجل، ومن المنهي في الرواية الأولى؟ "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة" وهو أيضاً مجمل لم يفصل، فلا يدرى من المنهي الرجل أو المرأة؟ وهنا الرواية الأخرى: "نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة" وهذا مثل ما قلنا: من فوائد جمع الطرق، الطرق قد يكون في بعضها إجمال، يبين ويفسر بالطرق الأخرى، وجاء في الحديث: «يقطع صلاة أحدكم إذا مر بين يديه» وذكر المرأة، هذا اللفظ: "أحدكم" يشمل الرجل والمرأة فهل المرأة تقطع صلاة المرأة إذا مرت بين يديها؟ الرواية الأخرى: «يقطع صلاة الرجل» فهل نقول: إن المرأة لا تقطع صلاة المرأة بناءً على الرواية المفسرة الموضحة؟ أو نقول: إن المرأة تقطع صلاة المرأة كما في الرواية المجملة؟ نعم؟ المفسرة لا تقطع، والمعنى يؤيد ذلك، وهو أن المرأة لا يتعلق قلبها في المرأة بخلاف الرجل إذا مرت بين يدي الرجل تعلق قلبه به، لكن ماذا عن عطف الحمار والكلب بالنظر إلى الإجمال والتفصيل؟ هل نقول: إن الثلاثة تقطع صلاة الرجل فقط، أو نقول: تقطع صلاة أحدكم بما في ذلك الرجل والمرأة؟ أو نقول: إن المرأة تقطع صلاة الرجل دون المرأة، والكلب والحمار يقطع صلاة الجميع؟ ويش الفرق بين أن يمر الحمار بين يدي رجل أو يد امرأة، قلنا: بالنسبة للمرأة المعنى واضح، الرجل يتعلق قلبه بالمرأة، لكن المرأة ما يتعلق قلبها، لكن الحمار في فرق بين الرجل والمرأة أو الكلب؟ في فرق وإلا ما في فرق؟ ما في فرق أبداً، الذي يظهر يبقى الحديث على الإجمال، وأن النساء تدخل في خطاب الرجال كما هو الأصل.
"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل طهور المرأة" أي عن ما فضل من الماء بعد ما توضأت منه.
قال: "وفي الباب عن عبد الله بن سرجس" عند ابن ماجه، عبد الله بن سرجس صحابي سكن البصرة، بلفظ: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة بفضل الرجل، ولكن يشرعان جميعاً" وهذا الحديث مصحح، وإن قال ابن ماجه: والصحيح الأول، يعني حديث الحكم بن عمرو، لا حديث عبد الله بن سرجس، والثاني وهم يعني حديث عبد الله بن سرجس، كيف صار الأول محفوظ والثاني وهم؟ كيف صار الأول هو الصحيح والثاني وهم ضعيف؟ هل التضعيف للجملتين أو لجملة واحدة دون الأخرى؟ "نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة" هذا شاهد لحديث الباب، الجملة الأخرى: "والمرأة بفضل الرجل" هذه التي لا يوجد ما يشهد لها، فلعلها هي المقصودة بكلام ابن ماجه.
"قال أبو عيسى: وكره بعض الفقهاء الوضوء بفضل طهور المرأة، وهو قول أحمد وإسحاق، كرها فضل طهورها، ولم يريا بفضل سؤرها بأساً" ولم يريا بفضل سؤرها بأساً يعني: ما يبقى من الماء في الإناء بعد شربها هذا ما فيه بأس، هذا لا بأس به، ولم يقل أحد بكراهته.
يقول ابن قدامة في المغني: اختلفت الرواية عن أحمد، والمشهور عن أحمد: أنه لا يجوز إذا خلت به، وحينئذٍ يكون من النوع الطاهر غير المطهر عند الحنابلة ويذكرونه، إذا خلت به لطهارة كاملة عن حدث، إذا خلت به لا يجوز للرجل أن يتوضأ به، فيجوز للمرأة ويجوز للرجل أن يتوضأ به إذا لم تخل به، إذا وجد من ينظر إليها، أو كانت طهارتها غير كاملة، يعني كملت وضوءها، أو كانت طهارتها كاملة لكن على غير حدث، تجديد وضوء مثلاً ما يؤثر، هذا المشهور عند الحنابلة، قال: والثانية، يعني الرواية الثانية: يجوز، اختارها ابن عقيل وهو قول أكثر أهل العلم، وهل الكراهة المذكورة في كلام الترمذي -رحمه الله- كراهة تنزيه أو تحريم؟ منهم من يقول: إنها كراهة تحريم، وهو المشهور عند الحنابلة، وأنه لا يجوز للرجل أن يتوضأ به بالشروط المذكورة، أن تخلو به عن طهارة كاملة وأن تكون الطهارة عن حدث، وحينئذٍ لا يكون نجساً، ولكنه غير مطهر، فهو طاهر غير مطهر، يستعمل في غير الوضوء، يمكن أن يشرب منه، يمكن أن يطبخ فيه ما فيه إشكال؛ لأنه طاهر، لكن لا يتوضأ به، وهذا ظاهر صنيع المتأخرين من فقهاء الحنابلة أن المنع تحريم، وأن الوضوء لا يجزئ به.
ومنهم من يقول: إن الكراهة كراهية تنزيه، وذلكم للجمع بين هذا والرخصة الآتية، فالجمع بين النصوص يقتضي أن يحمل النهي في حديث الباب على التنزيه لا على التحريم، والصارف للنهي من التحريم إلى التنزيه الحديث الذي يأتي في الباب اللاحق إن شاء الله تعالى.
"وهو قول أحمد وإسحاق كرها فضل طهورها ولم يريا بفضل سؤرها بأساً".
قال -رحمه الله-:
"حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان" محمد بن بشار بندار المعروف، شيخ الأئمة، ثقة من الأثبات، محمود بن غيلان الذي مر ذكره في الرواية السابقة "قالا: حدثنا أبو داود" هو الطيالسي، سليمان بن داود بن الجارود، إمام "عن شعبة" بن الحجاج "عن عاصم" بن سليمان الأحول، ثقة "قال: سمعت أبا حاجب" سوادة بن عاصم العنزي، الذي تقدم في الطريقة السابقة "يحدث عن الحكم بن عمرو الغفاري" صحابي نزل البصرة، "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة" النهي هذا إما أن يكون للتحريم كما هو ظاهر صنيع متأخري الحنابلة، وأنه لا يجوز بحال أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة إذا خلت به لطهارة كاملة عن حدث، ويحتمل أن يكون أيضاً للتنزيه، تطلق الكراهة على هذا وهذا، فالكراهة تطلق على كراهة التحريم وكراهة التنزيه، والأصل فيها أنها للتحريم إلا إذا وجد صارف، والصارف ما سيأتي من الرخصة في الباب اللاحق -إن شاء الله تعالى-.
"نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة أو قال: بسؤرها" بسؤرها يعني ما يبقى في الإناء، والسؤر لما يبقى في الإناء بعد الوضوء، ولما يبقى بعد الإناء في الشرب، بعد الشرب، ولذا نص الإمام الترمذي على أن أحمد وإسحاق الذين يكرهون سؤرها في الوضوء أنهم لم يريا بفضل سؤرها يعني في الشرب بأساً، و(أو) هنا للشك، والشك من شعبة، ولا شك أن يتوضأ بفضل طهور المرأة أو قال: بسؤرها إنما هو احتياط في باب الرواية، فشعبة لم يتثبت من اللفظة هل قال: بفضل أو قال: بسؤر، مع أنه لا يخالف في جواز الشرب فيما بقي بعدها من الإناء.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن" قال ابن حجر: أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، والنووي -رحمه الله تعالى- يقول: اتفق الحفاظ على تضعيفه، والبيهقي يقول عن الطريق السابقة الأولى: مرسل، وهذه عادته فيما إذا لم يذكر الاسم، إنما ذكر على الإبهام؛ لأن منهم من ينعت ما فيه راوٍ مبهم بالإرسال، لكن إذا عرفنا أن سلسلة الإسناد لم يسقط منها شيء ما سقط من سلسلة الإسناد شيء فكيف يكون إرسال؟ والإرسال سقط حتى على أوسع معانيه سقْط من أي موضع من مواضع الإسناد، فغاية ما فيه أنه متصل، فيه راوٍ لم يسم، وسمي في طريق أخرى فانتفى ما يقوله البيهقي -رحمه الله تعالى-، وأما قول النووي أنه اتفق الحفاظ على تضعيفه فهذا الاتفاق فيه ما فيه؛ لأنه صححه ابن حبان، وحسنه الترمذي، ولا وجه لنقل مثل هذا الاتفاق.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقال أبو حاجب، قال: وأبو حاجب اسمه سوادة بن عاصم" سبق أنه حكم عليه الحافظ في التقريب بأنه صدوق من الثالثة، وإذا كان ممن يستحق هذه المرتبة صدوق، فحديثه حسن، حديثه حسن لا يصل إلى الصحيح، وهو موجود في الطريقين، فمدار الخبر عليه، فالخبر يدور عليه، لذا الحكم عليه بالحسن هو المتجه.
"وقال محمد بن بشار في حديثه: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة"، "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة،، ولم يشك فيه محمد بن بشار" يعني ما قال كما قال شعبة: أو بسؤرها، فجاء به على الجزم.
وعلى كل حال جمهور العلماء على أن الوضوء بفضل طهور المرأة لا إشكال فيه، لما سيأتي في الباب اللاحق، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في الرخصة في ذلك:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: "اغتسل بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في جفنة، فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ منه فقالت: يا رسول الله إني كنت جنباً، فقال: «إن الماء لا يجنب» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي.
يقول المؤلف -رحمه الله-:
"باب: ما جاء في الرخصة في ذلك" وهذه عادته -رحمه الله- حينما يذكر الحكم السابق يتبعه بالحكم اللاحق، يتبعه بالحكم اللاحق، ولذا ينبغي أن يُقرأ البابان في مجلس واحد، ولا يقتصر طالب العلم على قراءة باب ثم يترك الثاني؛ لئلا يعمل بما جاء في الباب السابق، كما صنع بعضهم في باب: ما جاء في قتل الكلاب والأمر به، قرأ هذا الباب وأخذ المسدس وخرج فإذا رأى كلباً قتله، وفي الباب الذي يليه باب: ما جاء في نسخ الأمر بقتل الكلاب، باب: ما جاء في نسخ الأمر بقتل الكلاب، وهو يليه مباشرة، بينهما صفحة، فماذا يصنع بما قتل؟ المقصود أن مثل هذا يجعل طالب العلم يأخذ العلم متكاملاً، ويكون تصوره للمسائل متكامل، ما يأخذ طرف المسألة ثم يعمل بها، فإذا بلغه الناسخ كأنه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يلزمه القول أو العمل بالناسخ حتى يبلغه، لا، الآن بلغك الناسخ، وليس هذا لك ولأمثالك من المبتدئين، نعم الأئمة قد يخفى عليهم الناسخ لا يبلغهم حديث فيعملون بالمنسوخ وهم في ذلك معذورون؛ لأنهم أهل للاجتهاد، أما أوساط الطلبة وعوام الناس إذا سمع خبر وهو لا يدري هل هو ناسخ أو منسوخ ذهب ليعمل به، هذا يضل ويُضل، كما قال علي -رضي الله تعالى عنه- لقاص من القصاص: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت، فالذي ينادي صغار الطلاب بالاجتهاد والتفقه من الكتاب والسنة يرد عليه مثل هذا، يرد عليه مثل هذا، لكن لا تجد في كتب الفقه مثل هذا الكلام يأتيك المنسوخ في باب ثم الناسخ في باب آخر، أبداً، المسألة في موضع واحد، لكن من الفقهاء من يرى النسخ، فيثبت الناسخ وقد يشير إلى المنسوخ، ومنهم من لا يرى النسخ في هذه المسألة فيثبت الحكم الأول، على كل حال هذا يرد على من يطالب المبتدئين أو يطالب كل أحد بالتفقه من الكتاب والسنة، ولا شك أن الأصل في التفقه هو الكتاب والسنة، لكن يبقى أن ذلك للمتأهل، ولذلك يقول: باب: ما جاء في الرخصة في ذلك، وفي كثير من الأبواب يذكر الأمر على ما كان عليه أولاً ثم يتبعه بالرخصة.
"باب: ما جاء في الرخصة في ذلك"
قال: "حدثنا قتيبة" وهو ابن سعيد "قال: حدثنا أبو الأحوص" وهو سلام بن سليم ثقة متقن تقدم مراراً "عن سماك بن حرب" عن سماك بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي الكوفي أبو المغيرة، صدوق في روايته عن عكرمة اضطراب، من الرابعة مات سنة ثلاث وعشرين يعني ومائة "عن عكرمة" بن عبد الله مولى ابن عباس، أصله بربري، ثقة ثبت، عالم بالتفسير، قالوا: لم يثبت تكذيبه من ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة، كذا في التقريب، ولا يثبت عنه بدعة؛ لأنه رمي ببدعة الخوارج، رمي ببدعة الخوارج، ودافع عنه الحافظ الذهبي في السير، وابن حجر في مقدمة الفتح، وقالوا: إن مثل هذا لا يثبت عنه، ولوجود بعض من تُكلم فيه في الصحيحين قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
ففي البخاري احتجاجاً عكرمة |
| مع ابن مرزوق وغير ترجمة |
"ففي البخاري احتجاجاً عكرمة" يعني احتج به البخاري، فلا ينظر إلى ما قيل فيه.
ففي البخاري احتجاجاً عكرمة |
| مع ابن مرزوق وغير ترجمة |
"عن عكرمة" لكن يرد علينا ما قيل في ترجمة سماك، وأن في روايته عن عكرمة اضطراب، في روايته عن عكرمة اضطراب، لكن هل يلزم من هذا أن كل ما يرويه عن عكرمة مضطرب؟ أو أنه قد يضبط شيئاً ويحصل الاضطراب في أشياء؟ كما هي عادة من رمي بسوء الحفظ مثلاً قد يضبط، ولذا إذا خُرج في الصحيح بهذه السلسلة لا شك أن هذا يكون على سبيل الانتقاء مما ضبطه سماك عن عكرمة.
"عن ابن عباس قال: "اغتسل بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-" وهي ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس، كما بينت في الروايات الأخرى "اغتسل بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في جفنة" الجفنة: القصعة الكبيرة "فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، "اغتسل بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في جفنة" (في) هذه ظرفية وإلا إيش؟
طالب:.......
اغتسل في جفنة؟
طالب:.......
بمعنى من؟ طيب، وإلا لو كانت ظرفية لكان مقتضاها أنها انغمست في الجفنة، وقد جاء النهي عن الاغتسال في الماء الدائم، جاء النهي عن الاغتسال في الماء الدائم ولو كثر، فضلاً عن أن يكون جفنة، وحينئذٍ يكون معناها (من) (في) بمعنى (من) له شاهد وإلا ما له شاهد؟
طالب:.......
إيش؟
طالب:........
ذا؟ الحديث اللي معنا؟ حديث إيش؟
طالب:........
لا، لا أنا أريد شاهد للتقارب بين (في) و(من) تأتي (في) بمعنى (من)؟ يحفظ شاهد وإلا ما يحفظ؟ نعم؟
طالب:.......
{فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [(71) سورة طـه] يعني من جذوع وإلا على؟
طالب:........
إيه، على كل حال مسألة التقارب بين الحروف وأنه ينوب بعضها عن بعض هذه معروفة في لغة العرب وفي النصوص موجودة بكثرة، لكن هل الأولى القول بمثل هذا وأن هذا الحرف معناه الحرف الثاني يعني بمعنى الحرف الثاني أو الأولى تضمين الفعل بفعل يتعدى بالحرف المذكور؟ يعني هل الأولى أن نقول: (في) هنا بمعنى (من) وهذا له شواهده وله نظائره ويقول به جمع من أهل العلم أو نقول: لا (في) هي (في) الظرفية لكن لا بد أن نُضمِّن اغتسل معنى فعل يتعدى بـ(في)؟ شيخ الإسلام يميل إلى الثاني، شيخ الإسلام في مقدمة تفسيره وفي مواضع من كتبه يميل إلى الثانية وهو أن تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف، تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف؛ لأن تضمين الحرف استغله بعض المبتدعة، وهل استغلال بعض المبتدعة للمعنى الصحيح أو لما له أصل في لغة العرب يجعلنا ننكر هذا الأصل؟ يعني كون بعض المبتدعة يستغل هذا الكلام، يستغله لنصر بدعته، هل معنى هذا أننا نقضي عليه بالكلية ونقول: هذا لا يجوز بل نضمن الفعل؟ وشيخ الإسلام إمام بلا شك، لكنه من غيرته على العقيدة الصحيحة ووجود من يستغل مثل هذا الكلام فإنه قال: إن تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف، مع أن تضمين الحرف موجود يعني في لغة العرب وفي النصوص، ولا يمنع من أن يقال: (في) بمعنى (من) والداعي إلى هذا التوفيق بين النصوص، ولو حُملت (في) على معناها لقلنا: إنها انغمست في هذه الجفنة وحينئذٍ يكون الحديث مخالفاً لحديث النهي عن الاغتسال في الماء الدائم.
"فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ منه" يعني من هذا الماء الذي بقي في هذه الجفنة "فقالت: يا رسول الله إني كنت جنباً" والجنب من أصابته الجنابة، يطلق على الذكر والأنثى والمفرد والمثنى والجمع جنب، بلفظ واحد وقد يطابق، فيقال: هذا جنب وهذه جنب، وهذان جنب، وهؤلاء جنب، وهن جنب، وقد يطابق تقول: هذا جنب، وهذه جنبة، وهذان جنبان إلى آخره، لكن الأكثر الأول.
"إني كنت جنباً" ما قالت: إني كنت جنبةً أو مجنبة "فقال: «إن الماء لا يجنب»" أي لا يصير جنباً، يعني لا تنتقل الجنابة منك إلى الماء «إن الماء لا يجنب» أي لا يصير جنباً، وفي رواية الدارقطني: «إن الماء ليس عليه جنابة».
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه يعني عند الخمسة، وصححه ابن خزيمة والحاكم، قال ابن حجر: وقد أعله قوم بسماك بن حرب لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم، الذي عندنا من طريق أبي الأحوص عن سماك عن عكرمة، وهو أيضاً مروي في المستدرك من طريق الثوري وشعبة عن سماك، وعرفنا أن شعبة شديد التحري، وشديد الانتقاء من أحاديث الشيوخ فينتفي ما اتهم به سماك.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي" وجمهور العلماء يقولون: إن خلوة المرأة ووضوءها من الماء لا أثر له في الماء، ويجمع بينه وبين ما تقدم بأن النهي محمول على ما تساقط من الأعضاء، على ما قاله بعضهم، والجواز على ما بقي في الإناء، وعرفنا أن الحديث السابق حمله على ما تساقط من الأعضاء بعيد مباعد للسياق، قاله الخطّابي، وبأن النهي محمول على التنزيه بقرينة أحاديث الجواز وهذا أظهر، وقيل: إن قولها: إني كنت جنباً، يعني استنكارها استعمال النبي -عليه الصلاة والسلام- لها دليل على أنه كان ممنوعاً، نعم، وقيل: إن قولها: إني كنت جنباً دليل على أن النهي كان متقدم كان ممنوع، ولذلك قالت: إني كنت جنباً بناءً على ما تقدم، قال ذلك ابن العربي، وعلى هذا حديث الجواز ناسخ لحديث النهي.
وقال ابن عربي أيضاً: يحتمل معناه أن يكون معناه كراهة الوضوء بفضل الأجنبية، يعني بعض الرجال إذا جاء إلى ماء وقد قيل: توضأت به فلانة لا شك أن ذهنه ينشغل ويذهب ذهنه كل مذهب، يأخذ يفكر بفلانة لا سيما إن كان يعرفها بشيء مشغل للبال، يقول: ويحتمل أن يكون معناه كراهة الوضوء بفضل الأجنبية، ليذكرها أثناء الغسل والاشتغال بها، والله أعلم.
هذا قاله ابن العربي، ولا شك أن له حظ من النظر؛ لأنه إذا قيل له: هذا ماء بعد فلانة توضأت فلانة إن كانت هذه فلانة مذكورة بشيء مما يشغل البال لا شك أنه ينشغل به، هذا كلام ليس في الروايات ما يدل عليه لكنه استنباط، نعم، والقول بأن حديث الباب صارف للنهي الوارد في الباب السابق من التحريم إلى التنزيه هو الأصل.
وفي صحيح مسلم ومسند أحمد عن ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يغتسل بفضل ميمونة، وأولئك يحملونه على أنها لم تخلو به، على أنها لم تخلو به، لكن إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يغتسل معها فمن يشاهدها؟ هي تغتسل وهي جنب، كيف لا تخلو به والنبي -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ بعدها؟ يعني لو كان النبي -عليه الصلاة والسلام- موجود أثناء اغتسالها لاغتسل معها كما يفعل مع عائشة، مما يدل على أنه يغتسل بعدها، فلا وجه لقولهم أن المسألة أنه يوجد من يشاهدها، إذ لا يمكن أن يشاهدها غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني هل يتصور أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يشاهدها ويغتسل وينتظر بعدها إلى أن تنتهي ثم يغتسل بعدها هذا بعيد، وأولى ما يقال: إن النهي للتنزيه.
روي عن ابن عمر كراهة الوضوء بفضل المرأة إذا كانت حائضاً أو جنباً وخلت به، إذا كانت حائض أو جنب، وأما ما عدا ذلك فلا، يعني إذا كانت تتوضأ عن حدث أصغر فلا أثر لها، وعلى كل حال الكراهية للتنزيه، فإذا وجد غيره فهو أولى وإلا فالوضوء به والاغتسال منه لا إشكال فيه -إن شاء الله-.
سم.
طالب: عفا الله عنك: من خرج رواية شعبة؟
رواية شعبة عند الحاكم في المستدرك، هي ورواية الثوري، عند الحاكم في المستدرك.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء:
حدثنا هناد والحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا: حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء».
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد جود أبو أسامة هذا الحديث فلم يروِ أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد، وفي الباب عن ابن عباس وعائشة.
قال -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء" يعني بلفظ الخبر.
قال: "حدثنا هناد" وهو ابن السري "والحسن بن علي الخلال" الحلواني، المكي، ثقة ثبت، متقن، توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين "وغير واحد، قالوا: حدثنا أبو أسامة" فالحديث يرويه الإمام الترمذي عن جمع من الشيوخ، هؤلاء كلهم "قالوا: حدثنا أبو أسامة" وهو حماد بن أسامة القرشي مولاهم ثقة ثبت، توفي سنة إحدى ومائتين "عن الوليد بن كثير" المدني ثم الكوفي، وثقه ابن معين وأبو داود "عن محمد بن كعب" القرضي، ثقة عالم "عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج" قالوا: مستور، من الرابعة، والمستورد يطلق بإزاء المجهول، يعني الستارة تعادل الجهالة، ويطلق أيضاً بإزاء مجهول الحال لا مجهول العين، كما يطلق بإزاء مجهول الحال باطناً لا ظاهراً، يطلق المستور ويراد به مجهول الحال في الباطن دون الظاهر، ويطلق ويراد به مجهول الحال مطلقاً، ويطلق ويراد به المجهول بجميع أنواعه، والجهالة سواءً كانت العامة بجميع الأنواع أو الخاصة بالحال أو خاصة الخاصة بالباطن دون الظاهر محل كلام لأهل العلم في كونها جرح أو ليست بجرح، يعني هل الجهالة جرح أو عدم علم بحال الراوي؟ هل هي جرح؟ فإذا وجد مثل هذا نقول: الحديث ضعيف؛ لأن فيه عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج وهو مستور، والحديث ضعيف مباشرة لأن الجهالة جرح؟ أو نقول: يتوقف فيه حتى نعرف حال هذا الراوي؟ فالجهالة في تصرف بعض أهل العلم ما يدل على أنها جرح، ويجرح بها مباشرة، ويضعف الخبر بسببها، وهذا مقتضى جعلهم المجهول في ألفاظ التجريح، مقتضى جعلهم المجهول في ألفاظ التجريح، وأما كون الجهالة عدم علم بحال الراوي ولا تقتضي الجرح ولا يحكم على الحديث بالضعف لمجرد إطلاق الجهالة على أحد رواته فهو ما يدل عليه صنيع أبي حاتم حينما قال في كثير من الرواة: مجهول أي لا أعرفه، مجهول أي لا أعرفه، وعلى هذا عدم معرفة أبي حاتم بالراوي لا تجعلنا نضعف الحديث فضلاً عن أن يبحث الباحث المعاصر عن ترجمة راوي فلم يجد له ذكر فيما بين يديه من الكتب، لذا بعض الطلاب يقول: لم أجد لهذا الراوي ذكراً فيما بين يدي من الكتب فهو مجهول، ثم في النتيجة يقول: الحديث ضعيف؛ لأن فيه فلان وهو مجهول، يعني تقول: لم أقف عليه فيما بين يدي من الكتب، وفي الحكم لا تقول: ضعيف، قل: أتوقف حتى أجد ما يدلني على ثقة الراوي أو ضعفه، كلام ابن حجر -رحمه الله- في النخبة يدل على أن الجهالة عدم علم بحال الراوي، ولذا يقول: ومن المهم معرفة أحوال الرواة تجريحاً أو تعديلاً أو جهالة، فجعل الجهالة قسيم للتجريح والتعديل، لا قسم من التجريح كما فعله في التقريب، في مراتب الرواة مراتب الجرح والتعديل جعل الجهالة من الجرح، وغيره ممن كتب في المراتب، وعلى هذا إذا أردنا أن نحكم على هذا الإسناد هل نقول: ضعيف لأن فيه مجهول؟ أو نقول: نتوقف فيه حتى نعرف حال هذا المجهول؟ لا شك أن اللفظ يختلف إطلاقه من إمام إلى إمام، فإذا عرفنا أن أبا حاتم يطلق الجهالة ويريد به عدم معرفته بحال هذا الراوي وإن عرفه غيره فالمسألة مسألة توقف، على أن أبا حاتم قد يطلق الجهالة على من هو مقل من الرواية ولو كان ثقة، إذا كانت روايته قليلة قال: مجهول، ولو كان ثقة، ولو كان من الصحابة، وقال في ترجمة راوٍ نسيت اسمه يقول: من المهاجرين الأولين مجهول، يعني يكفيه أنه صحابي، الصحبة ترفع الجهالة، بل أعلى درجات التوثيق وصفه بالصحبة.
"عن أبي سعيد الخدري" سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري "قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟" وفي بعض الرواية: "أتتوضأ؟" لأن أبا سعيد رآه يتوضأ، فقال له: أتتوضأ من بئر بضاعة؟ بضم الباء وأجيز كسرها، وبالضاد المعجمة كما هو المعروف بضاعة، وحكي بالصاد بصاعة، بئر معروفة في المدينة في دار بني ساعدة، والدار تطلق ويراد بها الحي، خير دور الأنصار يعني خير قبائلها، وأمر أن تبنى المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب، يعني في الأحياء والقبائل لا أن المراد بها داخل البيوت.
"أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض" جمع حيضة الخرقة التي تستعمل في دم الحيض، الخرقة التي تستعمل في دم الحيض "ولحوم الكلاب والنتن؟" النتن بإسكان التاء، أو النَتِن فعِل، المراد به المنتن الذي تغيرت رائحته كالجيف مثلاً "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» إن الماء: الماء هذه للجنس هذا الأصل فيها، وقد يراد بها العهد يعني الماء المسئول عنه، المذكور في السؤال، الماء ماء بئر بضاعة طهور: يعني طاهر مطهر لا ينجسه شيء مما يلقى فيه، يعني لكثرته، لكثرته فإن بئر بضاعة كثير الماء لا يتغير بوقوع هذه الأشياء، لا يتغير له لون ولا طعم ولا رائحة.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن وقد جود أبو أسامة هذا الحديث" يعني ضبطه وأتقنه، وصححه أحمد وابن معين والحاكم، وابن حزم، ومقتضى التصحيح من هؤلاء الأئمة أن عبيد الله الذي حكم عليه بأنه مستور أنه معروف عند هؤلاء الأئمة لا مستور، يعني مقتضى التصحيح أنه معروف لا مستور.
"فلم يروِ أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد" وهذا الحديث لا شك أنه حجة لمن يقول: إن الماء يبقى على أصله مهما وقع فيه من النجاسات إذا لم يتغير لونه ولا طعمه ولا ريحه، أما إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه فهذا محل إجماع إلا ما يذكر عن الظاهرية من العمل بإطلاق هذا الحديث أنه لا ينجسه شيء ولو تغير، هذا ذكر في بعض الشروح عن الظاهرية والذي يفهم من كلام ابن حزم في المحلى أنه مع الأئمة، إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه هذا محل إجماع؛ لأن المباشر المستعمل لهذا الماء المتغير بالنجاسة إنما هو مباشر للنجاسة، إنما هو مستعمل للنجاسة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد، يعني إذا روي عن أبي سعيد من غير وجه معناه أنه رواه غير عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، فيكون قد توبع عليه، إذا كان روي من غير وجه عن أبي سعيد فيكون قد توبع عليه، وتصحيح الأئمة لا يرفع الجهالة عن عبيد الله؛ لأن المجهول حديثه يرتقي بالطرق الأخرى، فيبقى مستور وحديثه منجبر برواية غيره، وعلى كل حال الحديث صحيح.
"وفي الباب عن ابن عباس" خرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان "وعائشة" مخرج عند الطبراني في الأوسط، وأبي يعلى، والبزار، وابن السكن، وفي الباب أيضاً عن جابر أخرجه ابن ماجه وهو ضعيف جداً.
والحديث قال بعض أهل العلم: أنه استدل به الظاهرية على ما ذهبوا إليه من أن الماء لا يتنجس مطلقاً وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بوقوع النجاسات فيه، وهذا نسبه بعض الشراح إلى الظاهرية، والمعروف والذي يفيده كلام ابن حزم في المحلى أنه إذا تغير بالنجاسة أنه نجس كقول الأئمة، وأما غيرهم فخصوه، فمنهم من خصه بالتغير فقط وهم المالكية، المالكية الماء عندهم باقٍ على طهارته وعلى طهوريته، والماء طهور لا ينجسه شيء إلا إذا تغير قليلاً كان أو كثيراً، يعني لو أن هذا الماء في هذه العلبة وقع فيها نقطة نجاسة ثم نظرنا فيه ما تغير شيء، لا لونه ولا طعمه ولا ريحه نعم وقعت فيه هذا طاهر وإلا نجس؟ عند المالكية طاهر، عند الجمهور نجس؛ لأنه لاقى النجاسة وهو يسير قليل، وهو يسير، فالمالكية خصوه بالتغير، وجاء فيه حديث أبي أمامة: إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه، لكن هذا الاستثناء ضعيف باتفاق الحفاظ، والمعول في هذا الحكم على الإجماع، وأنه إذا تغير قليلاً كان أو كثيراً فإنه حينئذٍ يكون نجساً، وأما الشافعية والحنابلة فخصوه بحديث القلتين، فخصوه بحديث القلتين الذي يلي هذا، وسيأتي -إن شاء الله تعالى-، وأما الحنفية فلهم في المسألة أقوال، منهم من قال: إن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا إذا كان قليلاً، ويختلفون عن الحنابلة والشافعية في التحديد بالقلتين، فمنهم من يقول: القليل ما إذا حرك طرفه تحرك الطرف الآخر، فتحرك التطرف الآخر دليل على أن النجاسة إذا وقعت في هذا الطرف وصلت إلى الطرف الآخر، سرت إلى الطرف الآخر، أما إذا كان من الكثرة بحيث لا يتحرك طرفه إذا حرك طرفه الأدنى فإن النجاسة لا يتصور أنها تسري من هذا المكان إلى مكان آخر.
ومنهم من حده بعشرة في عشرة، عشرة أذرع بعشرة أذرع؛ لأن محمد بن الحسن مثل بمسجده وهذه مساحته، قال: لو كان الماء في غدير بقدر هذا المسجد ما يحتمل النجاسة، ومنهم من قال: عشرين بعشرين، ومنهم من قال: خمسة عشر، أقوال كثيرة في هذا عند الحنفية، وكلها تخلو عن الدليل الصريح، وجميعها تخلو عن الدليل الصريح، يعني لهم أدلة في كتب المذهب، ولهم كلام طويل حول تقرير هذه المسألة، لكن الدليل الصحيح الصريح الذي يدل على ما ذهبوا إليه لا دليل...، على هذا لا يشتغل بأقوالهم، لا يشتغل بأقوالهم إنما العناية ينبغي أن تكون بمذهب مالك ومذهب الشافعي وأحمد؛ لأن فيها الأدلة، فمالك يستدل بعموم حديث: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» والحنابلة والشافعية يستدلون بحديث ابن عمر في القلتين، الحنفية يرون أن الإضافة لا تؤثر في الماء، الإضافة لا تؤثر في الماء، فإذا قلنا: ماء الباقلاء، ماء الورد، هذه الإضافة لا تؤثر، ونصوا على هذا، ما دام نقول: ماء فالإضافة لا تؤثر، يعني مثل ما نقول: ماء البئر الإضافة لا تؤثر، إذن ماء الورد وماء الباقلاء لا تؤثر.
وأقول على ذلك: فماذا عن ماء الرجل وماء المرأة مؤثرة وإلا غير مؤثرة؟ هم يقولون: الإضافة ما تؤثر، وقالوا: إن قولنا: ماء الباقلاء وماء الورد مثل قولنا: ماء البئر وماء الإناء وماء... ما تؤثر، فيستدرك عليهم بمثل هذا أن الإضافة قد تؤثر وقد لا تؤثر، الإضافة قد تؤثر وقد لا تؤثر، وهم لا يختلفون أن ماء الرجل وماء المرأة ما يمكن أن يتطهر به.
نأخذ الحديث الذي يليه.
عفا الله عنك.
باب: منه آخر:
حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث».
قال عبدة: قال محمد بن إسحاق: القلة هي الجرار، والقلة التي يستقى فيها، قال أبو عيسى: وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء ما لم يتغير ريحه أو طعمه، وقالوا: يكون نحواً من خمس قرب.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: منه آخر" يعني باب منه أي من الباب السابق وأن الماء لا ينجسه شيء، لكنه أخص من الباب السابق، فالذي لا ينجسه شيء ما زاد على القلتين ليتفق مع الحديث السابق، وأما ما نقص عن القلتين فإنه يختلف عن الباب السابق.
"قال: حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة" بن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة ثبت "عن محمد بن إسحاق" إمام أهل المغازي، صدوق مدلس "عن محمد بن جعفر بن الزبير" بن العوام، ثقة "عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر" بن الخطاب، شقيق سالم، ثقة أيضاً "عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يسأل" والجملة حالية "عن الماء يكون في الفلاة" القفر والمفازة البعيدة في الصحراء "الماء يكون في الفلاة" جمعها: فلوات "من الأرض، وما ينوبه" عطف على الماء "وما ينوبه" أي يتردد عليه وينتابه مرة بعد أخرى "من السباع والدواب، قال ابن عمر: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» قلتين: تثنية قلة، والقلة اختلف فيها اختلاف كبير، جاء في كلام الترمذي "قال محمد بن إسحاق: القلة هي الجرار" جمع جرة، وفي القاموس القلة: بالضم الحُب العظيم، يعني ما نسميه إيش؟ الزير، والجرة العظيمة وجمع القلة قلال معروفة بالحجاز، ومنه الحديث في صفة سدرة المنتهى «نبقها مثل قلال هجر» وهجر تطلق على البحرين شرق الجزيرة من الأحساء وما والاها، كما أنها تطلق على قرية قريبة من المدينة.
"هي الجرار، والقلة التي يستقى فيها" ثم قال في الأخير: "وقالوا: يكون نحواً من خمس قرب" وخمس القرب قدرت بخمسمائة رطل عراقي، وكل هذا اعتماداً على قول ابن جريج، قال: رأيت قلال هجر فإذا القلة تسع قربتين وشيئاً، تسع قربتين وشيئاً، وجعلوا الاحتياط أن يكون الشيء نصف، فقالوا: القلتان خمس قرب، خمس قرب.
«إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» والخبث المراد به النجس، أي لم ينجس، كما جاء في بعض الروايات: «لم ينجس» في رواية أبي داود، كما يقال: فلان لا يحمل الضيم يعني يدفعه عن نفسه، ويمتنع قبوله، ومنه قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [(5) سورة الجمعة] أي لم يقبلوا حكمها، لم يقبلوا حكمها، فقوله: لم يحمل الخبث أي يدفعه عن نفسه.
"قال عبدة" بن سليمان الراوي عن محمد بن إسحاق "قال محمد بن إسحاق: القلة هي الجرار، والقلة التي يستقى فيها، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء ما لم يتغير ريحه أو طعمه" ما لم يتغير ريحه أو طعمه وأيضاً اللون، إلا أن اللون يحتملون فيه الشيء اليسير بخلاف الطعم، ويقع هذا كثير كثير جداً في بيوت الناس الآن، في بيوت الناس إذا فتح الصنبور ثم شم الماء وجد فيه رائحة وقد يجد طعمه متغير، وقد يتغير لونه وماذا يصنعون؟ هل يقال: كل مرة تجدون مثل هذا فرغوا ما في الخزان وابحثوا عن ماء نظيف تماماً؟ أو نقول: الاحتمالات واردة الرائحة يمكن من الجو أو يمكن من طول مكثه في الخزان أو تغير بطول المكث فيكون حكمه حكم الآجن؟ وما دام هذه الاحتمالات موجودة فلا يحكم بنجاسته، والآن الخزانات بعضها مكشوف، وبعضها يسقط فيه شيء من الطيور، ويسأل كثيراً أقربها أمس سؤال عن أناس وجدوا الماء متغير فتوضئوا منه وصلوا أيام، ثم بعد ذلك خرج عليهم ريش فإذا الخزان فيه حمام ميت، وتغيرت رائحة الماء وطعمه، على كل حال الماء نجس، إذا وقفنا على الحقيقة لا إشكال في نجاسته، وهؤلاء وقفوا على الحقيقة، لكن المسألة فيما إذا لم يوقف على الحقيقة، والاحتمالات قائمة فالأصل الطهارة، الأصل الطهارة "وقالوا: يكون نحواً من خمس قرب" وعرفنا اعتمادهم على قول ابن جريج.
هذا الحديث ضعّفه جماعة من أهل العلم بالاضطراب في سنده ومتنه، بالاضطراب في سنده ومتنه، فجاء في الحديث كما هنا: إذا كان الماء قلتين وجاء فيه: ثلاث قلال، وجاء فيه قلة أو قلتين، وجاء فيه قلتين أو ثلاث، وجاء فيه أربعين قلة، واختلف في مقدار القلة؟ منهم من يقول: القلة ما يستطيع أن يقله الرجل، يعني يحمله الرجل المتوسط، وقيل بقول ابن جريج على ما تقدم، وقيل: القلة المراد بها رأس الرجل، يعني إذا وصل إلى رأس الرجل صار قلة، وقال بعضهم: ما يغطي رؤوس الجبال، وعلى هذا ينبغي أن يكون كالطوفان؛ ليدفع الخبث عن نفسه، وجود مثل هذا الخلاف لا شك أنه مؤثر، كما أن الخلاف في إسناده أيضاً يوجب اضطراب الخبر، وعلى كل حال الحديث مقدوح فيه في اضطراب سنده ومتنه، وصححه جماعة من العلماء، صححه آخرون، بل قال العراقي في آماليه: صححه جم غفير، وقال الحافظ في فتح الباري: رجاله ثقات، وصححه جماعة من أهل العلم، فالحديث مختلف فيه بين التصحيح والتضعيف، مختلف فيه بين التصحيح والتضعيف، أما الذي يضعفه فلا إشكال عندهم، أنه يبقى على حديث أبي سعيد وأن الماء طهور لا ينجسه شيء، ولا يخرج من هذا العموم إلا ما يخرجه الإجماع مما تغير بلونه أو طعمه أو ريحه، والذي يصحح هذا الحديث بين أمرين: إما أن يعمل بمنطوقه ومفهومه أو يعمل بمنطوقه دون مفهومه.
العمل بالمنطوق دون المفهوم هو قول شيخ الإسلام -رحمه الله-، يقول: الحديث صحيح، يصحح حديث القلتين، لكن مفهومه معارض بمنطوق حديث أبي سعيد، مفهومه أنه إذا كان دون القلتين يحمل الخبث معارض بحديث: «إن الماء لا ينجسه شيء» والمنطوق أقوى من المفهوم فيرجح حديث أبي سعيد عليه، ومنطوقه أنه إذا كان قلتين فأكثر أنه لا يحمل الخبث موافق لحديث أبي سعيد، ما في مخالفة إذاً يعمل بحديث أبي سعيد بمنطوقه ومفهومه وأما حديث ابن عمر في القلتين يعمل بمنطوقه دون مفهومه؛ لأنه معارض بحديث أبي سعيد، والمنطوق مقدم على المفهوم، هذا من وجه، ماذا يقول الحنابلة والشافعية؟
عرفنا أن رأي مالك لا إشكال فيه، يعمل بحديث أبي سعيد ولا يشكل عنده الماء إلا إذا تغير، الحنابلة والشافعية يقولون: ينظر فيه فإن بلغ القلتين لا يترك حتى يتغير وإن لم يبلغ القلتين فإنه بمجرد ملاقاة النجاسة ينجس، شيخ الإسلام يقول: نعمل بحديث أبي سعيد بمفهومه ومنطوقه وأما حديث ابن عمر فإننا نقتصر على منطوقه الموافق لحديث أبي سعيد، ولا نعمل بمفهومه المخالف لما هو أقوى منه وهو حديث أبي سعيد، لأن حديث أبي سعيد منطوق وهذا مفهوم.
ماذا عن الحنابلة والشافعية؟ الحنابلة عملوا بهذا الحديث بمنطوقه ومفهومه فيفرقون بين القليل والكثير، مذهب الحنفية انتهينا منه، بقي عندنا ما يتعلق بالحديث فيقولون: يعمل بمنطوقه ومفهومه إذا كان ماء كثير أكثر من قلتين فهذا لا يتأثر إلا إذا تغير عملاً بحديث ابن عمر، أما إذا كان دون القلتين فإنه يعمل بمفهومه فيتأثر بمجرد الملاقاة ولو لم يتغير.
كيف يجيبون عن عموم حديث أبي سعيد يقولون: المسألة واضحة لا شك أن حديث ابن عمر في محل الخلاف مفهوم، وحديث أبي سعيد منطوق، والمنطوق مقدم على المفهوم، لكن عندنا جهة ترجيح أخرى، حديث ابن عمر خاص بما دون القلتين، يعني مفهومه خاص بما دون القلتين، ومنطوق حديث أبي سعيد عام بما دون القلتين وما فوق القلتين، والخاص مقدم على العام، كلامهم واضح وإلا ما هو بواضح؟
يعني تخصيص العموم بالمفهوم، تخصيص العموم بالمفهوم وارد وإلا غير وارد؟ نخصص العموم بالمفهوم وإلا لا نخصص؟ العلماء يخصصون بما هو دون ذلك، المخصصات كثيرة حتى بما دون المفهوم، لكن يبقى أنه إذا كان المنطوق العام من القوة بحيث يكون محفوظ من المخصصات، وهو محافظ على قوته لا شك أنه أقوى من المفهوم، يعني عندنا مثل تحريم الربا، تحريم الربا عمومه يشمل القليل والكثير، والنهي عن أكل الربا أضعاف مضاعفة نعم خاص بالكثير، ومفهومه أن القليل لا يؤثر، فالمفهوم معارض لعموم النهي عن الربا بجملته قليلاً كان أو كثيراً فهل نقول بالتخصيص؟ هل نقول بالتخصيص أو نقول: النص لا مفهوم له لأنه معارض بمنطوق أقوى منه؟ {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] مفهومه أنه إذا استغفر لهم واحد وسبعين مرة أنهم يغفر الله لهم، وعموم قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه} [(48) سورة النساء] يشمل ولو استغفر ألف مرة فهل نقول: يخصص العموم بالاستغفار أكثر من سبعين مرة؟ ما قال بهذا أحد من أهل العلم، فهذا يقوي قول شيخ الإسلام في إلغاء المفهوم، قد يقول قائل: إن الحديث وجوده مثل عدمه ما دام ألغينا المفهوم لا قيمة له، نعم، نقول: هو مثل قول الله -جل وعلا-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] وغيره من المفهومات الملغاة، هو مثلها، وعلى هذا المترجح في هذه المسألة قول من؟
طالب:........
المالكية، وأن الماء لا يترك حتى يتغير لونه أو طعمه أو ريحه، واختيار الحنابلة والشافعية لا شك أنه أوقع المتفقهين والعاملين في أبواب الطهارة في حرج شديد، حرج شديد، في المجموع للنووي مثلاً من الصور أنه إذا كان عندك ماء في برميل مقداره قلتان أو يزيد قليلاً ثم وقعت فيه نجاسة فأخذت منه في سطل، أخذت منه في سطل يقولون: اللي في داخل السطل طاهر ما فيه إشكال، نعم، والذي في خارجه ويتساقط منه إيش يصير؟ نجس؛ لأنه نقص عن القلتين، ظاهرة المسألة وإلا ما هي بظاهرة؟ ظاهرة، نعم الذي في داخله مأخوذ وهو أكثر من قلتين، والذي في خارجه باشر الماء ما انفصل من الماء بسرعة، باشر الماء بعد أن نقص عن القلتين، يعني هذه من الصور التي جعلت الغزالي يتمنى أن لو كان مذهب الشافعي مثل مذهب مالك، يقول: ليت الشافعي فعل مثل ما فعل مالك وخلصنا من هذه الإشكالات، يقول: ما الذي جعل في عنقك الحبل ليجره الشافعي أو غير الشافعي، وأنت عندك النصوص؟ والحمد لله الدين مبني على اليسر، فمثل هذه التعقيدات التي تذكر في كتب الفقه مما يتعلق بهذه المسألة لا شك أنها مخالفة ليسر الشريعة، فالمرجح في مثل هذا مذهب الإمام مالك، وأن الماء لا يترك حتى يتغير، أما من ضعف حديث ابن عمر هذا ما عنده أدنى إشكال، لكن المشكلة فيمن صححه، من صححه لا شك أنه إذا صح عنده الخبر يلزمه العمل به، فإذا تعارض عندنا المنطوق والمفهوم قدمنا المنطوق وهو دلالة اللفظ في محل النطق، والمفهوم دلالة اللفظ لا في محل النطق، ولهم أيضاً مما يرجح قولهم من أن المنطوق عام والمفهوم خاص، والخاص يقدم على العام، وعرفنا ما في ذلك، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"لا شك أن البيع والشراء داخل المسجد محرم، والمقصود به عقد البيع، أما ما قبل العقد من مفاوضة وشبهها هذا لا يدخل عند أهل العلم في مثل هذا، مع أن المساجد ما بنيت لهذا، والتقاضي طلب الوفاء وطلب السداد في المسجد ما في إشكال، تقاضى ابن أبي حدرد مع شخص معه في المسجد عند النبي -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أنه لا يبرم العقد في المسجد.
نقول: السلامة لا يعدلها شيء، وعليها ملاحظات كثيرة، عليها ملاحظات وفيها نفع، فيها نفع، انتفع منها الناس، لكن عليها ملاحظات، فالذي ليس عنده شيء من المرئيات فالسلامة لا يعدلها شيء، ومن كان مبتلاً بهذه الآلات فهي خير الموجود.
السفاريني في شرح منظومته لوامع الأنوار قرر أن أهل السنة ثلاث فرق: الأثرية: وإمامهم الإمام أحمد بن حنبل، والأشعرية: وإمامهم أبو الحسن، والماتريدية: وإمامهم أبو منصور، هذا ما قرره السفاريني لكن رد عليه أهل العلم بردود كثيرة، إذ كيف يعتبر من أهل السنة من لا يحتج بالسنة؟ بل من ينكر الاحتجاج بالسنة في بعض المسائل، من ينكر الصفات الواردة في صحيح السنة، هل يعد هذا من أهل السنة؟ لا يعد من أهل السنة إلا من عمل بالسنة، وعني بالسنة، واقتفى أثر النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا من أهل السنة، أما من ألغى السنة في بعض أبواب الدين فهذا ليس من أهل السنة، وإن كان من أهل السنة في أبواب، في أبواب مثلاً الأشعري في باب الصحابة من أهل السنة، يعني في مقابل الرافضة، الأشعري في باب القدر من أهل السنة في مقابل المعتزلة، الأشعري من أهل السنة في باب الأحكام مثلاً في مقابل المرجئة والخوراج، هم من أهل السنة في كثير من أبواب الدين لكن القول بالإطلاق أنهم من أهل السنة لا سيما فيما يتعلق بالصفات هذا حقيقة ليسوا من أهل السنة في هذا الباب لمخالفتهم لمذهب أهل السنة.
أولاً: الجمع لا يجوز في الحضر، الجمع معلق بوصف، الجمع والقصر والفطر والمسح كلها معلقة بوصف، وهو السفر، وما دام في بلده لم يرتحل فهذا لم يتحقق فيه الوصف فلا يجوز له الجمع.
بلوغ المرام عني بل حظي من قبل أهل العلم قديماً وحديثاً بالعناية وحفظوه وحفّظوه وقرؤوه وأقرأوه وشرحوه، وما زال، مازالت الحظوة له عند العلماء وطلاب العلم حتى إلى يومنا هذا، فمن أفضل شروحه سبل السلام للصنعاني، فإذا ضم إليه من الشروح المتأخرة توضيح الأحكام للشيخ عبد الله البسام مع ما سجل عليه من شروح وأشرطة يستفيد طالب العلم -إن شاء الله تعالى-.
الذي صح عنه أن أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأما المفاضلة بين الأسماء الحسنى فلفظ الجلالة الذي هو الله هو الاسم الأعظم عند جمع غفير من أهل العلم، فهو أعظم هذه الأسماء.
نعم الذي يصلي فيه الأكثر أفضل وصلاة الرجل مع الواحد أفضل من صلاته وحده، ومع الاثنين أفضل، وهكذا.
استحضار النية عندما يسمع الخبر، ثم يستصحب هذه النية، ولو عزبت عن ذهنه ما تؤثر، ما تؤثر؛ لأن هذه الأمور مرتبة على هذه الأفعال، مرتبة على هذه الأفعال، لكن استصحاب الحكم مطلوب، لا استصحاب الذكر، مثل ما قالوا في نية الوضوء، نية الوضوء يجب استصحاب حكمها ولا يجب استصحاب ذكرها، بحيث لو عزبت عن البال ما ضر، لكن استصحاب الحكم لا بد منه، بمعنى أنه ذهب إلى مكة يريد تجارة فقط، أو ذهب يريد العمرة ثم عرض له نية أخرى يقطع بها هذه النية، أو ذهب إلى المسجد متوضئاً فالخطى تكتب له إذا خرج لا ينهزه إلا الصلاة الخطى تكتب له ولو لم يستحضر إذا كان ذاهب إلى الصلاة، لا ينهزه إلا هي، لكن إن عرض له ما يعرض قال: لو أمر المحل الفلاني قبل أو شيء من هذا انقطعت.
لا شك أن الراوي لا بد أن يكون له موقع في السند، وله شيخ، وله آخذ، طالب، تلميذ، فنعرف الطبقات من خلال موقعه في السند، ومن خلال ترجمته ومولده ووفاته وشيوخه وتلاميذه تحدد الطبقة بهذا.
نعم في كتب كثيرة، أما بالنسبة للأدب الشرعي أدب النفس فقد ألف فيه العلماء مؤلفات كثيرة مثل الآداب الشرعية لابن مفلح، ومنظومة الآداب لابن عبد القوي، والأدب المفرد للإمام البخاري، والكتب في هذا كثيرة، غذاء الألباب للسفاريني، شرح منظومة الآداب، ومنظومة الشيخ حافظ الحكمي الميمية في الوصايا والآداب العلمية، إلى غير ذلك من الكتب من المنثور والمنظوم.
أما ما يسمى بأدب الدرس فيقصد به ما يسمى بفن الأدب، الفن المستقل عن العلوم الشرعية، الذي يجمع الأخبار والطرائف والأشعار هذا ألفت فيه كتب كثيرة كبيرة وصغيرة منها عشرات المجلدات، وفيه الغث والسمين، فيه ما يمكن أن يستفاد منه، وفيه ما يشتمل على إباحية وشيء من المجون، فمثل هذا يقرأ بحذر، وزهر الآداب للحصْري طيب في هذا الباب، وأنقى هذه الكتب في الجملة، وعتب عليه أنه أغفل جانب مهم وحيوي على ما يقولون من جوانب الأدب وهو المجون، فعتب عليه في هذا، الأدباء تكلموا فيه؛ لأنهم اعتادوا من يقرأ في مثل الأغاني أو كتب الجاحظ هذه فيها مجون شديد، يعني كتاب: العقد الفريد أفضل من الأغاني لكنه لا يسلم، كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة أيضاً كتاب طيب، فيه فوائد وأخبار وأشعار وطرائف تجم الذهن، على أن كتب الأدب على ما فيها لا يقال: إنها خالية بالكلية من الفائدة، على ما فيها من مجون، لكن طالب العلم يشح بوقته أن ينفقه في مثل هذه الكتب، وفيها فوائد، وفيها عبرة، وفيها استجمام للذهن بعد أن يكون الإنسان قد أمضى وقتاً طويلاً في مدارسة العلم، وهو على خلاف ما تهواه النفس، وتشتهيه ينظر في مثل هذه الكتب، وذكرنا مثال يبين أن هذه الكتب وإن كان جلها الغث، لكن فيها ما يستفاد منه، بل فيها ما ينفع في دقائق العلم، فيها ما ينفع من دقائق العلم، وقول الإمام أبي حاتم الرازي في جبارة بن المغلس: "بين يدي عدل" هذه كان الحافظ العراقي يظنها لفظ تعديل، وكانوا يقرؤونها: "بين يديَّ عدل" يعني جبارة بن المغلس، ابن حجر لما رأى أقوال أهل العلم في جبارة وأنهم كلهم أو جلهم على التضعيف، وأبو حاتم من أشدهم كيف يقول: بين يديَّ عدل؟ أوجس منها ريبة وشك، لا بد أن ينظر في أصلها إيش معناها؟ يقول: فوقفت على قصة في كتاب الأغاني لطاهر، القائد طاهر مع ولد للرشيد هارون، كان يأكل في مائدة طاهر القائد هذا مع مجموعة من الناس منهم ولد للرشيد صغير -فأخذ طاهر أعور- فأخذ هندبات إما قرع وإلا كوسة وإلا باذنجان، أخذها هندبات فرماها في عين طاهر التي تبصر، فشكاه إلى أبيه، اشتكاه إلى أبيه وقال: هكذا فعل بالسليمة والأخرى بين يدي عدل، الأخرى تالفة ما تبصر عمياء، والأخرى بين يدي عدل، الآن ابن حجر مسك طرف الخيط، فصار يبحث عن أصل هذه الجملة، يقول: فوقف في أدب الكاتب لابن قتيبة أن العدل ابن جزئ بن سعد العشيرة كان على شرطة تُبّع، وتبع إذا أراد قتل أحد سلمه للعدل هذا، اسمه: العدل، فقال الناس: بين يدي عدل، يعني هالك بيقتل هذا، فصارت الجملة بين أن كانت في فهم بعضهم من ألفاظ التعديل صارت من أسوأ ألفاظ التجريح، من أسوأ ألفاظ التجريح، فهذه الكتب لا شك أنه يستفاد منها، ولو لم فيها إلا راحة الذهن واستجمامه، وأهم منها كتب التواريخ التي فيها الاعتبار، وفيها الاتعاظ، وفيها الادكار، وفيها الاستجمام أيضاً، لكن التواريخ من العلماء الموثوقين؛ لأن التواريخ يخلط فيها الصحيح الصدق والكذب، ولذا يقول القحطاني:
لا تقبلن من التوارخ كلما
جمع الرواة وخط كل بنانِ
إذا وجد تاريخ الإمام كالطبري أو ابن كثير أو غيرهما ابن الأثير مثلاً هذه تواريخ موثوقة لعلماء أئمة، والعبر للذهبي، المقصود أن التواريخ كثيرة وفيها العبرة، وفيها أيضاً كما يقولون: ما أشبه الليلة بالبارحة، يعني لو أن الإنسان قرأ في كتب التواريخ ونزَّل بعض الدول المنقرضة في أواخر أيامها وطبقها على بعض الواقع الذي نعيشه وجد أن التاريخ يعيد نفسه، فمن قرأ في الجزء السادس من نفح الطيب وطبق ما ذكر في ذلك الجزء الذي عقبه مباشرة سقوط الأندلس، لا شك أنه يضع يده على قلبه؛ لأننا وقعنا في أمور كثيرة من الترف والإعراض عن الدين يمكن أعظم مما وقعوا فيه، والإنسان إذا تكلم عن الأمة ما يتكلم عنها في بلد واحد، يعني قد يوجد بلد أمثل من بلد، وبلد فيه خير، وفيه علم، وفيه هدى وصلاح وتُقى، لكن عموم الأمة والله المستعان.
أما تفسيره المعروف بزاد المسير وهو تفسير طيب نفيس جداً، يعني فيه خلاصة أقوال السلف، يذكر في الكلمة عدة معاني يضيفها إلى من قالها من سلف هذه الأمة، فيذكر في الكلمة اللفظة الواحدة أربعة أقوال خمسة أقوال إلى ستة أقوال أو سبعة وينسبها إلى من قال بها، فالتفسير جيد، يستفاد منه ومختصر نافع، وأما بالنسبة لكتابه (الباز الأشهب) فهذا كتاب سيء للغاية، رمى فيه مذهب أهل السنة والجماعة بالتشبيه، فهذا الكتاب من أسوأ كتبه، وفي الجملة الرجل فيه شوب بدعة، حتى قيل فيه: إن فيه تجهم، نعم هو يتأول في بعض الصفات، وعلى هذا يقرئ في كتبه بحذر، وكتبه الوعظية نافعة في الجملة إلا أنه يتقى ما فيها من أحاديث موضوعة، فقد أودعها بعض الموضوعات، وفي هذه الأحاديث ما نص على وضعه هو في كتابه الموضوعات، فيقرئ في مثل (صيد الخاطر) ومثل بعض كتبه الوعظية يستفاد منها، والموضوعات أيضاً له كتاب قيم إلا أنه بالغ فيه وغالى وأدخل فيه بعض الأحاديث الثابتة.
أهل العلم يحثون على الصدقة قبل الاستسقاء، ولا شك أن هذا مما يعين على قبول الدعوة -إن شاء الله تعالى-.
الصلاة لا بد أن تؤدى حيث ينادى بها، فإذا شغل الإنسان من غير قصد ولم يكن ذلك ديدنه، وقصد الجماعة فوجدهم قد صلوا هذا جاء في الحديث أن له مثل أجورهم، لكن لا يكون هذه عادة أو يتراخى أو يتساهل، بل عليه أن يهتم لصلاته، فإذا صلاها مع زوجته فهي أفضل من أن يصليها وحده.
يقول أهل العلم في المفطرات: ويحرم بلع النخامة، ويفطر بها فقط إن وصلت إلى فمه.
أما بالنسبة للعزلة فلا أرى كتاباً يعدل كتاب الخطابي، كتاب العزلة لأبي سليمان الخطابي هذا لا يعدله كتاب، وأما كتاب الشيخ المشار إليه في السؤال فأنا ما قرأته، ولذلك لا أستطيع الحكم عليه، وشرح البلوغ له سمعت شيئاً يسيراً قديم أيضاً من أوائل بدايته سمعت شرح حديث أو حديثين، الشيخ ما في شك أنه يجوِّد إذا بحث، وعنده شيء من النباهة فإذا قرأ في كتب أهل العلم يجيد التعامل معها، ويجيد إلقاءها وتبسيطها ففيه فائدة -إن شاء الله تعالى- وأما بقية الكتاب فلم أطلع عليه.
ما ينبغي أن يقال: ما حكم الدين، يسأل عن الحكم، ومعروف أن الإجابة هي على ضوء ما يفهمه المجيب من أدلة الشرع الذي هو الدين، وهي خاضعة للاجتهاد، قد تكون صواب، وقد تكون خطأ، فيقال:
ما الحكم.. في لبس المرأة في البيت هل تكون تلبس الزي الكامل أم تكون متبرجة؟ ما الجواب أن تلبس بالكامل ولكن وضعي البيت ضيق عندي غرفتان فقط؟
سؤال ركيك، وفيه سقط بعض الكلمات التي لا بد منها، لكن الذي فهمت أنه متزوج من امرأتين، متزوج من نساء اثنتين، وأنا حاب أسأل سؤال، يعني سؤاله بالعامية، لكن ما يمنع أن يكون فهمنا له أنه متزوج من امرأتين، وبيته ضيق، وفيه غرفتان فقط، والسائل من فلسطين، فيه غرفتان فقط يعني لكل واحدة غرفة، في مثل هذه الحالة إذا كان البيت فيه غير الزوج، أما إذا كان البيت خالي ما فيه إلا الزوج والزوجة فلا مانع أن يكون اللباس على ما يريدان، على أن الله -جل وعلا- أحق أن يُستحيى منه من الناس عند الخلوة، لكن ما في أحد يمنع أن تخرج الزوجة لزوجها أي شيء يريده، فإذا جاز له الجماع جاز له النظر لأي شيء من جسمها، أما عند ضرتها وعند أولادها أو عند الخادمة فضلاً عن الأجانب فهذه لا تبدي لهم إلا ما تبديه لمحارمها، إلا ما تبديه لمحارمها، فعورة المرأة عند المرأة كعورتها عند المحارم، فإذا كانت تخرج من هذه الغرفة إلى مكان يجمعها مع ضرتها فلا بد أن تستر عنها ما تستره عن أبيها وأخيها وعمها وخالها، وإذا كان كشف شيء من بدنها مما يُخرج للأجانب مما يغيض الضرة أيضاً ويوجد العداوة والبغضاء فلتستره أيضاً.
الذي في السنة: «تكفل الله ببيت في ربض الجنة لمن ترك الكذب ولو كان مازحاً».
وعليكم السلامة ورحمة الله وبركاته.
يقول: أنا بلال من فلسطين الله يزورنا البيت الحرام ويزوركم البيت الأقصى.
آمين.
يقول: أنا شاب مستقيم، ولكن أحب فتاة صغيرة جداً في السن عمرها ثلاث عشرة، وأحبها حباً شديداً، حباً فطرياً لا أدري لماذا؟ أحبها وأتمنى الزواج بها علماً أنني أعاني من التفكير فيها دائماً، أرجو منكم توجيهي لما فيه الخير والسلامة؟
عمرها ثلاث عشرة هذه محتلِمة أو تناهز الاحتلام، وتزويجها لا إشكال فيه، ليس فيه أدنى إشكال، وعائشة تزوجت دون هذا السن، بنى بها النبي -عليه الصلاة والسلام- وعمرها تسع سنين، فأنت تقدم لخطبتها، فإن رضيت ورضي ولي أمرها فما المانع أن تتزوجها؟ وإن رفضت أو رفض وليها فعليك أن تنصرف عنها، وتصرف تفكيرك عنها.
مذهب جمع من أهل العلم يقول عثمان -رضي الله تعالى عنه-: إنها تصلى وما يجمع معها من باب الاحتياط؛ لأن وقت الصلاتين واحد في جمع التأخير في مثل هذه الصورة، والله -جل وعلا- لم يوجب في الوقت إلا صلاة واحدة هذا الأصل، يعني إذا صلت فهو أحوط، وإن لم تصليها فالأصل أنه لا يجب عليها إلا فرض الوقت.
وإذا شكت في الطهر ولم تتحقق إلا بعد منتصف الليل فهل تجب عليها الصلاة؟
إذا انتهى وقت الصلاة فلا تجب عليها.
التعبيد لغير الله -جل وعلا- أجمع أهل العلم على تحريمه، كل اسم معبد لغير الله يجب تغييره، يجب تغييره، وغير النبي -عليه الصلاة والسلام- كثير من الأسماء، إلا أن ابن حزم يستثني عبد المطلب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتسب إليه ولم يغيره، أما عدم تغييره فلأن تغييره لا فائدة منه؛ لأنه قد مات، والتغيير إنما يكون للحي الذي ينادى به، أما هذا فقد مات فلا فائدة من تغييره، وما عدا ذلك من الموجودين فلا بد من تغييره.
من الرواة من الصحابة من اسمه: عبد المطلب كما جاء في روايته في حديثه عند أبي داود وغيره، واستدل به من يجز التسمية بعبد المطلب، ابن حزم يستدل بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتسب إليه، وقال: «أنا ابن عبد المطلب» وعرفنا أن التغيير لا يكون إلا للحي، وإلا فكثير من أسماء الجاهلية تعبيد لغير الله -جل وعلا-، فيه عبد مناف، وعبد الكعبة، وعبد العزى، وعبد كذا، هذا لا فائدة من تغييره إلا إذا أسلم في وقت النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا يغيره وقد حصل، عبد المطلب هذا الصحابي الذي له حديث في السنن قد يقول قائل: لماذا لم يغيره النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ واستدل به من أهل العلم غير ابن حزم على جواز التسمية بعبد المطلب.
أولاً: اسمه مختلف فيه، هل هو عبد المطلب أو المطلب؟ والمرجح أنه المطلب، هذا إذا كانت العبودية تعني الخضوع، أما إذا كانت عبودية رق، مثل: عبد خير هذا فلا مانع من أن ينسب الإنسان لسيده، فهو عبد لفلان، عبد لفلان لا معنى العبودية التي هي التذلل والخضوع إنما هي الملك والرق، فهذا ما يظهر فيه -إن شاء الله- شيء.
إذا وجد من يظن أن هذا من مواطن إجابة الدعاء، الدعاء عند القبور من مواطن الإجابة فيمنع سداً للذريعة، كما يمنع تكميل الورد اليومي، الذكر، ذكر الصباح والمساء إذا دخل المقبرة، وباقي عليه من أذكاره وأوراده شيء إذا دخل المقبرة يمسك سداً للذريعة؛ لأن هذه ليست محل للعبادة.
تقدم في كلام ابن القيم -رحمه الله- أنه لم يثبت بالنسبة للوضوء إلا التسمية في أوله، يعني على خلاف فيها تقدم، وقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. إلى آخره في آخره، ونص جمع من أهل العلم أن الدعاء بمثل هذا أو الذكر بمثل هذا غير ثابت.