شرح العقيدة الطحاوية (19)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

سلمت؟ سلمت أنا؟

لا.

طالب: ...............

لا، خلاص.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الطحاوي رحمه الله تعالى: وكل دعوة نبوة بعده فغيٌّ وهوى.

قال الشارح ابن أبي العز- رحمه الله تعالى-: لمَّا ثبت أنه خاتم النبيين عُلم أن من ادعى بعده النبوةَ فهو كاذب ولا يقال فلو جاء المدّعي بالنبوة بالمعجزات الخارقة والبراهين الصادقة كيف يُقال بتكذيبه لأنّا نقول هذا لا يُتصوَّر أن يوجد وهو من باب فرض المحال لأن الله تعالى لما أخبر أنه خاتم النبيين فمن المحال أن يأتي مدّعي يدّعي النبوة ولا تظهر أمارة كذبه في دعواه والغيّ ضد الرشاد والهوى عبارة عن شهوة النفس أي أن تلك الدعوة بسبب هوى النفس لا عن دليل فتكون باطلة.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

لما ثبت بالدليل القطعي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده فكل من يدعي النبوة بعده فهو كاذب مفتري وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه سيكون في أمته كذابون ثلاثون دجالون، وقد وُجد أكثر من هذا العدد إما أن يُحمل على أن الثلاثين حصل لهم أتباع وانتشار دعوة والبقية وإن ادعوا ذلك لم يكن لهم قبول في الناس كمسيلمة والأسود والمختار وغيرهم، كلهم ادعوا النبوة ولكن الله جل وعلا فضحهم وأخبارهم في كتب التواريخ والأدب كثيرة، وجاؤوا بما يضحك منه المجانين فضحًا لشأنهم وتكذيبًا لزورهم قد يحصل على يد بعضهم كما يحصل على يد بعض من يدعي الولاية شيء يخرق العادة ويلتبس على غوغاء الناس بالمعجزة التي يُجريها الله على يد أنبيائه ورسله، لكن الأمر واضح ومكشوف المعجزة والكرامة من الله جل وعلا يجري المعجزة على يد نبيه والكرامة على يد وليِّه ولا تكون إلا منه- جل وعلا- لأنها خرق لقانون الحياة، فالذي يجريها هو الذي أجرى القانون الأصلي فيخرقها على يد النبي بالمعجزة ويخرقها على يد الولي بالكرامة، هؤلاء وهم كذابون مفترون سواء كان منهم من يدّعي النبوة أو من يدعي الولاية وهو على ضلال، هل يمكن أن يمكِّن الله دعوتهم بإجراء ما يخرق العادة لبيان صدقهم؟ لا، بل لبيان كذبهم، والفيصل في ذلك عرض عمل هذا الشخص الذي ادعى النبوة أو ادعى الولاية على كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- مع أنه لا يمكن أن يوجد مثل هذا على يد شخص يدعي النبوة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا محال؛ لأنه لا نبي بعده، فكل من يدعي يباشَر بالتكذيب فورًا، فمن يصدّق بنبوة النبي -عليه الصلاة والسلام- لا بد أن يكذِّب هذا المدِّعي لأنه إن صدَّقه بأنه نبي ووافقه على ذلك لا بد أن يصدِّقه في قوله «لا نبي بعدي» ومع ذلك يبادر بتكذيب من يدعي النبوة ولو جرى على يده من المخارق والخوارق الشيطانية ما يجري، كما يأتي على يد بعض من يدعي الولاية وبعض من يستعين بالشياطين ممن يسميهم العامة بالمحترفين وخفيفي اليد، يقولون هذه خفة يد، أمور واضحة وأنها أعمال شيطانية يستعان بها أو عليها بشياطين الجن، شخص يمشي على سلك رقيق تخاط به الثياب على دباب في أقصى سرعة ويمشي على الوراء كذلك هل هذه خفة يد أو خفة رجل؟ يعني هل هذا الخيط الرقيق يتحمل فرخ دجاجة؟! ينقطع، سلك رقيق فضلاً عن أن يتحمل شخصا آدميا ومعه دبابه ويمشي عليه بهذه السرعة ويرجع بتلك السرعة ويسمونه محترفا، أو شخصا يُحشد له الناس ويُجعل في مكان ويُدخل عليه بالدراهم، تشاهد أعماله البهلوانية أو السرك أو يسموها ما يشاؤون بالبطاقات ويُجنى من ورائه الأموال ويجلس بينهم ثم يطير في الهواء أو يدور حول السقف ويقول هذه احتراف هذا تعوّد هذه خفة! ويقولون هذا ولي وأخبار المتنبئين التي يضحَك منها موجودة في كتب الأدب، وفي المجلد الثامن عشر من نهاية الأرَب أخبار كثير منها وعقد لها المؤلفون في كتب الأدب أبوابا في كتبهم المطولة، وذكروا قصصا يُسخر منها ويُضحك منها، جاء شخص إلى الرشيد فادعى النبوة فجلده حتى سُمع صراخه من بعيد فكان عند الرشيد طفل صغير قال إن كنت صادقًا فاصبر كما صبر أولوا العزم، وجاء شخص إلى الرشيد فقال له إنه نبي رسول وأن اسمه موسى بن عمران، يقول: أنا موسى بن عمران، طيب موسى بن عمران قال هذه العصا التي بيدك هذه التي تنقلب حية؟ قال نعم، قال ألقها يا موسى، ليرى هل تنقلب حية أو لا؟ قال ما تكون حية حتى تقول أنا ربكم الأعلى- نسأل الله العافية- هل النبي يأمر بالكفر؟! هل يُتصور أن نبيًّا مرسلا من الله- جل وعلا- يأمر بالكفر، يقول لمن أمامه قل أنا ربكم الأعلى؟! هذا مستحيل إنما هو مجرد ترويج على العامة وعلى الغوغاء وإلا أخبارهم مسيلمة قالوا له إن الماء نبع من بين أصابع محمد نحن متنا من العطش، فذهبوا به إلى بئر فيها قليل من الماء فبصق فيها فغارت يبست تمامًا، والأخبار في هذا الباب كثيرة جدًا، ومثل هذا لا يحتاج إلى استطراد يعني والأمر مستقر ولا يمكن أن يساور المسلم أدنى ريب ولا شك في هذا الأمر، ادعى النبوة شخص، ادعى  أن اسمه (لا)، قال: أنا مبشر بي، نبيكم محمد يقول «لا نبي بعدي» يعني (لا) تراه نبي بعدي ويقول «لا نبي بعدي» -عليه الصلاة والسلام- إلى غير ذلك ومثل هذا لا يحتاج إلى استطراد مجرد أن نسمع من قوله -عليه الصلاة والسلام- من قوله جل وعلا {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب:40] ومن قوله -عليه الصلاة والسلام- «لا نبي بعدي» انتهى الإشكال. النصارى يزعمون أنه -عليه الصلاة والسلام- نبي خاص بالعرب طيب أنتم صدقتم أنه نبي أو لا؟ هم صدقوا بنبوته أو لا؟ يقولون نبي لكنه خاص بالعرب إذا صدقوا بنبوته فلا بد أن يصدقوا بما جاء عنه وأنه أُرسل إلى الناس كافة إلى الثقلين الجن والإنس.

قوله وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى وبالنور والضياء أما كونه مبعوثًا إلى عامة الجن فقد قال تعالى حكاية عن قول الجن {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}[الأحقاف:31]  وكذا سورة الجن تدل على أنه أرسل إليهم أيضًا قال مقاتل لم يبعث الله رسولاً إلى الإنس والجن قبله وهذا قول بعيد فقد قال تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ}[الأنعام:130]  والرسل من الإنس فقط وليس من الجن رسول كذا قال مجاهد وغيره من السلف والخلف وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الرسل من بني آدم ومن الجن.. ومن الجن نذر وظاهر قوله تعالى حكاية عن الجن:{إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى}[الأحقاف:30] يدل على أن موسى مرسل إليهم أيضًا والله أعلم.

طالب: .............

{إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى}[الأحقاف:30]  يعني ما في القرآن على لسان بعض الخلق كما جاء عن فرعون وجاء عن غيره من غير العرب هل هم قالوه بالحرف بلغة العرب أو بلغاتهم والله -جل وعلا- ذكره لنا بلساننا يعني لو تصور هل ممكن أن فرعون يقول أنا ربكم الأعلى بهذا اللفظ أو يقول بما معناه هذا اللفظ لأن القربي عربي {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِين}[الشعراء:195] لا بد أن تترجم الأقوال من اللغات الأخرى إلى لغة العرب ليكون بلسان عربي مبين ينطبق عليه الوصف فلا يلزم أن يكون بهذا اللفظ.

وحكى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم أنه زعم أن في الجن رسلاً واحتج بهذه الآية الكريمة وفي الاستدلال بها على ذلك نظر لأنها محتمِلة وليست بصريحة وهي والله أعلم كقوله {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَان}[الرحمن:22] والمراد من أحدهما وأما كونه مبعوثًا إلى كافة الورى فقد قال {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[سبأ:28]  وقال تعالى:{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}[الأعراف:158]  وقال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}[الأنعام:19].

أي جميع من بلغ من الجن والإنس من العرب والعجم وغيرهم.

أي وأنذر من بلغه وقال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا}[النساء:79]  وقال تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ}[يونس:2]  الآية وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]  وقال تعالى:{وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ}[آل عمران:20] وقال -صلى الله عليه وسلم-: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة» أخرجاه في الصحيحين.

الآيات السابقة مع حديث الخصائص كلها دلائل قطعية على أنه بُعث -عليه الصلاة والسلام- إلى الثقلين الجن والإنس، وأنه بالنسبة للإنس كافة دون استثناء، ولا يسع أحد أن يخرج عن ملته وعن دينه، ومن زعم أنه يسعه الخروج عن دين محمد -عليه الصلاة والسلام- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى فهو كافر ولا يسمع به -عليه الصلاة والسلام- أحد من يهودي ولا نصراني ولا غيره فلا يؤمن به إلا دخل النار، فرسالته إلى الثقلين إلى الجن والإنس عامة وحديث الخصائص «نصرت بالرعب مسيرة شهر» وفي رواية «مسيرة شهرين» ومنهم يحمل هذا الاختلاف على شهر للذهاب وشهر للإياب، فتكون المجموع شهرين، فالرعب هو الخوف والوجل ولا شك أن الكفار يهابونه ويخافونه من هذه المسافة ولأمته من ذلك بقدر اتباعهم له -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن الأمة مهيبة إذا تمسكت بشريعة ربها وطبّقت ما جاء في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- وإذا ضيّعت ضاعت كما هو الحاصل، الأمة كثير ولكنهم غثاء كغثاء السيل، ولكن لو رجعوا إلى دينهم رجعت إليهم الهيبة وخافهم البعيد قبل القريب، وهذا موجود في وُرَّاثه -عليه الصلاة والسلام- تجد الخوف والوجل من أهل العلم بقدر إرثهم منه -عليه الصلاة والسلام- من علم وعمل، وأدركنا بعض الشيوخ الذين في أجسامهم ضعف لكنهم فيهم قوة في العلم والعمل، يعملون على نور من الله تجد أهل الملك والملأ من الناس وكبارهم تجدهم يهابونهم وإذا دخلوا عليهم يرتج عليهم وتجد العرق يتصبب من أبدانهم في عز الشتاء؛ لأنهم ورثوا من النبي -عليه الصلاة والسلام- من علمه؛ لأنهم هم ورّاث الأنبياء «نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» وأما من كان قبلنا فلا يصلون إلا في مواضع صلاتهم التي أعدوها لذلك، «وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي» إذا غنموا من من حروبهم شيئا ومن غزواتهم فإنهم يتركونها في صحراء حتى تنزل عليها نار فتأكلها هذه إذا كانت مقبولة، وأحلت لي الغنائم، والغنائم تقسم يؤخذ منها الخمس وتقسم بين الغانمين حلال «وأعطيت الشفاعة» يعني الشفاعة العظمى «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة» وهذا هو الشاهد «وبعثت إلى الناس عامة» من العرب وغيرهم ورسلهم -عليه الصلاة والسلام- وكتاباته وخطاباته وصلت إلى ملوك الأرض إلى الروم والفرس وإلى أمير البحرين وإلى عظيم مصر وإلى النجاشي في الحبشة لو كانت خاصة ما تعدى جزيرة العرب لكنها عامة للعرب وغيرهم.

وقال -صلى الله عليه وسلم- «لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني».

يعني من أمة الدعوة.

«ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» رواه مسلم وكونه -صلى الله عليه وسلم- مبعوثًا إلى الناس كافة معلوم من دين الإسلام بالضرورة وأما قول بعض النصارى إنه رسول إلى العرب خاصة فظاهر البطلان فإنهم لما صدّقوا بالرسالة لزمهم تصديقه في كل ما يخبر به وقد قال إنه رسول الله إلى الناس عامة والرسول لا يكذب فلزم تصديقه حتمًا فقد أرسل رسله وبث كتبه في أقطار الأرض إلى كسرى وقيصر والنجاشي والمقوقس وسائر ملوك الأطراف.

يعني مقتضى اعتقاد أنه رسول الله تصديقه فيما أمر وامتثال ما أمر به وطاعته فيما أمر واجتناب ما عنه وزجر هذا مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله.

وسائر ملوك الأطراف يدعوا إلى الإسلام وقوله وكافة الورى في جرّ كافة نظر فإنهم قالوا لم تستعمل كافة في كلام العرب إلا حالا واختلفوا في إعرابها في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ}[سبأ:28] على ثلاثة أقوال أحدها أنها حال من الكاف في أرسلناك وهي اسم فاعل والتاء فيها للمبالغة أي إلا كافًّا لناس عن الباطل وقيل هي مصدر كفَّ فهي بمعنى كفًّا أي إلا أن تكفَّ الناس كفًّا ووقوع المصدر حالا كثير الثاني أنها حال من الناس واعترض بأن حال المجرور لا يتقدم عليه عند الجمهور وأُجيب بأنه قد جاء عن العرب كثيرًا فوجب قبوله وهو اختيار ابن مالك رحمه الله أي وما أرسلناك إلا للناس كافة الثالث أنها صفة لمصدر محذوف أي إرسالة أي إرسالة كافة واعتُرض بما تقدم أنها لم تستعمل إلا حالاً وقوله..

قول الشارح رحمه الله في جرّ كافة نظر فإنهم قالوا لم تستعمل إلا حالاً، جاء استعمالها على قلة وأثبته بعض أئمة اللغة فلا مطعن فيه، نعم أكثر ما تستعمل حال منصوبة كما جاء في الآية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ}[سبأ:28]  وأما كونها حال من الكاف أو من المجرور للناس فالأمر في ذلك فيه سعة، المقصود أنها حال، وما أرسلناك إلا كافة حال من الكاف الذي هو المفعول أو من الجار والمجرور وإن استدرك بأن الحال من الجار والمجرور لا يتقدم عليه، لكن لا مانع من ذلك، وجاء به أفصح الكلام في القرآن والمعنى ظاهر حال كون الناس كافة يعني جميع الناس، وأما الإعراب الثالث وهي أنها صفة لمصدر محذوف هذا الكلام ضعيف بلا شك.

وقوله بالحق والهدى وبالنور والضياء هذه أوصاف ما جاء به -صلى الله عليه وسلم- من الدين والشرع المؤيَّد بالبراهين الباهرة من القرآن وسائر الأدلة والضياء أكمل من النور قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا}[يونس:5] قوله..

ولا شك أن الشمس أقوى من النور الذي هو القمر والشمس مع أن فيها إشراق بقوة، فيها نوع إحراق والنور فيه نور وفيه ما يزيل الظلام لكن ليس بالقوة بمثابة نور الشمس ومع ذلك ليس فيها إحراق.

قوله وإن القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولاً وأنزله على رسوله وحيًا وصدّقه المؤمنون على ذلك حقًّا وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البريّة فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَر}[المدثر:26]  فلما أوعد الله بسقر لمن قال {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَر}[المدثر:25] علمنا وأيقنّا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قولَ البشر هذه قاعدة شريفة وأصل كبير من أصول الدين ضل فيه طوائف كثيرة من الناس وهذا الذي حكاه الطحاوي رحمه الله هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغيَّر بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة.

مسألة الكلام- كلام الله جل وعلا- مسألة كبيرة وعظيمة وأولاها أهل العلم اهتمامًا كبيرًا وألفوا فيها المصنفات الكبيرة وردوا فيها على المخالفين وفندوا شبههم وأدلتهم فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين أجزل الجزاء وأفضله.

وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال أحدها أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من المعاني إما من العقل الفعال عند بعضهم أو من غيره وهذا قول الصابئة والمتفلسفة وثانيها..

ما يفيض على النفوس من المعاني هذا كلام الله عند الصابئة والمتفلسفة، طيب الذي يفيض على نفس فلان من المعاني هو نفسه الذي يفيض على نفس فلان غيره؟ كل واحد من البشر من المخلوقات يجد في نفسه معنى لما يسمع أو لما يتوقع أو لما يرى فهل كلام الله ؟ كل هذه الفيوض التي تفيض على الناس بأعدادهم؟ كم يتفق من البشر على معنى من المعاني من دون أن يكون المصدر واحد؟ اترك لكل واحد حسب ما يفهمه هو من غير أن يكون مصدرهم ومأخذهم واحد، لا بد أن يكون كل إنسان له نظرته الخاصة به واجتمع عشرة من النصارى لبحث مسألة فصدروا عن أحد عشرًا قولاً وقس على هذا، فإذا كان كلام الله هو ما يفيض على النفوس من المعاني التي يتوقعها كل واحد فيما يخصه وما يميل إليه فهل يتوقع أو يتصور أن الله يفيض هذه المعاني المتناقضة فتكون هي كلامه؟

طالب: ............

ما يلزم لا.. لا ما يلزم.

طالب: ............

ما كلّم أصلاً هو ما كلّم ما يثبتون صفة كلام، لو أثبتوا صفة كلام قالوا كلّم النبي خلاص انتهى الإشكال ما يفيض على النفوس أي نفوس؟ هذا كلام الله، هو لو قالوا على الأنبياء انحصر الخلاف قليلاً وإن كان باطلا لكن يقل الخلاف.

وثانيها أنه مخلوق خلقه الله منفصلاً عنه وهذا قول المعتزلة.

خلقه الله في الشجرة، كلامه لموسى خلقه في الشجرة وكلامه لمحمد خلقه في مخلوق آخر أو في نفسه -عليه الصلاة والسلام- المقصود أن هذا قول المعزلة، والقول بخلق القرآن قول باطل وليس له دليل معتمد لا من كتاب ولا من سنة بل الدليل على خلافه، وقد امتحن الناس به وأوذي الأئمة من أجله وحبسوا وضُربوا بل قتلوا، بعضهم منأجل الامتحان بالقول بخلق القرآن وهذه من البلايا والفتن والمحن التي مرّت بالأمة، وقد تصدى لها أهل العلم منهم من ترخص ومنهم من تأوّل ومنهم من رأى أنه مكره ومنهم من صبر واحتسب وارتكب العزيمة وضُرب وجُلد وحبس وأوذي وصبر واحتسب ورفع الله بسببه هذه الغُمّة وإلا لو أن الإمام أحمد ومن معه ما صبروا أمام هذه الفتنة وهذه المحنة ما انجلت بسرعة.

وثالثها أنه معنى واحد قائم بذات الله هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار إن عُبِّر عنه بالعربية كان قرآنًا وإن عُبِّر عنه بالعبرية كان توراه وهذا..

بالسريانية يكون إنجيلا وهذا قول ابن كُلّاب والأشعري وذكرناه مرارًا في مناسبات كثيرة، وقلنا أن ورقة بن نوفل كان يكتب الإنجيل بالعربية ولما نزل عليه -عليه الصلاة والسلام- سورة اقرأ وذهبت بالنبي -عليه الصلاة والسلام- خديجة إلى ورقة قالت اسمع من ابن أخيك فقرأ عليه سورة اقرأ، هل قال إن هذه السورة عندنا في كتاب عيسى انظرها أنا كتبتها بالعربية فخرجت عندي اقرأ، وهل تبت يدا أبي لهب وتب موجودة بالتوراة والإنجيل إذا ترجم بالعربية؟ وهل معنى الترجمة أن الكلام يختلف باختلاف اللغة؟ معانيه تختلف؟ إذا قلنا إن المعاني واحدة معناه لا حاجة لنا بالقرآن يعني ترجم القرآن إلى أي لغة فيطابق التوراة إلى لغة العبرية، يطابق التوارة ثم طابق شف أو ترجم ما بقي من التوراة مما لم يحرف إلى العربية فانظر هل يوافق شيئا من القرآن أو من الإنجيل أبدًا، مستحيل أن يوجد هذا والأديان الثلاثة موجودة ومستمرة من قبل وقت التنزيل إلى يومنا هذا ولا واحد منهم قال عندنا سورة اقرأ أو سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}[المَسَد:1]  أو {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}[المجادلة:1] يعني امرأة جاءت وجادلت موسى ونزل بلغته هذه المحاورة وهذه المجادلة وهل قالت زوجة موسى عليه السلام أو زوجة عيسى سبحان من وسع سمعه الأصوات؟! هذا كلام ما أدري كيف طاف على هؤلاء لكنه الهوى، يقولون الكلام، يقولون الرأي ثم يُلزَمون بلوازم فإذا التزموا باللوازم وصلوا إلى هذا الحد؛ لأن الأقوال التي لا تستند إلى دليل القائل لا يدرك ما مدى هذا القول، وما يُفهم من هذا القول، وما يترتب على هذا القول، وما يلزم على هذا القول، ينتبه له غيره ثم يلزمه بهذا اللازم ثم يلزمه بهذا اللازم إن لم يلتزم بطل قوله، وإن التزم وصل إلى ما وصل إليه هؤلاء.

طالب: ............

الإبانة فيها رجوع الإبانة لكنه لم يتخلص مائة بالمائة كما قال شيخ الإسلام وغيره، لكنه في الجملة على مذهب أهل السنة؛ لأنه رجع إلى قول أحمد هذا إجمالاً وتفصيلاً بيّن في كتاب الإبانة والمقالات ما عليه أهل السنة والجماعة ولا ولم يتخلص من كل شوائب ما كان يقول به مائة بالمائة.

وهذا قول ابن كُلَّاب ومن وافقه كالأشعري وغيره ورابعها أنه حرف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل.

حروف حروف.

أحسن الله إليك.

أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل وهذا قول طائفة من أهل الكلام ومن أهل الحديث.

أهل الحديث الذين هم الأئمة الكبار أهل الحديث بالفعل أئمة السنة لا يمكن أن يقولوا بمثل هذا الكلام، حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل يمكن أن يقول أئمة الحديث وكبار المحدثين مثل هذا القول؟ فنسبته لأهل الحديث فيه نظر، قد يكون شخص من أهل الكلام له نوع عناية بالحديث قد يكون محسوبا في الأصل على أهل الكلام وله نوع عناية بالحديث، كما أن من الفقهاء من له عناية بالحديث، من الأطباء وهذا وجد، عدد من الأطباء ألّفوا في الحديث لماذا يؤلفون في الحديث؟ ابن النفيس مثلاً من أشهر الأطباء وألّف في علوم الحديث من أجل -والنوايا لا يعلمها إلا الله جل وعلا- لكن هذا الكلام قاله أهل العلم- من أجل أن يدخل في الأوقاف التي أوقفت على أهل الحديث وإلا ما لهم علاقة بالحديث.

وخامسها أنه حروف وأصوات لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلما وهذا قول الكرامية وغيرهم وسادسها..

يعني مثل ما تقدم أنه- جل وعلا- لم يكتسب صفة الخلق بالخلق إنما هو متصف بهذه الصفة أزلاً قبل أن يخلق الخلق.

وسادسها أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته وهذا يقوله صاحب المعتبر ويميل إليه الرازي في المطالب العالية.

صاحب المعتبر وكتاب المعتبر مطبوع في مجلدين صغيرين بالهند، المعتبر في الحكمة وهو يميل إلى الطب والفلسفة ولا علاقة له بالعلوم الشرعية لكن إذا مر عليهم شيء من النصوص لا بد أن يبدوا رأيهم فيها من غير أساس ومن غير اعتماد على قول من سلف، فلا بد أن يأتوا بمثل هذا الكلام مثل ما تقدم فيمن تكلم في حديث «لا تفضلوني على يونس بن متى لا تفضلوني على يونس بن متى» مع أن هذا اللفظ لم يثبت لأنه قال بعد أن طلب مبلغا من المال ليفسره لهم، قال إن يونس وهو في بطن الحوت ليس محمد بأعلى منه وهو أقرب إلى الله بعد أن عرج به إلى ما فوق السموات، هذا الكلام سمعناه في الدرس الماضي وهذا الذي فسره ليس لديه أدنى عناية بنصوص الكتاب والسنة، وهذا الرجل صاحب المعتبر هبة الله بن ملكا مطبوع في مجلدين صغيرين بالهند في حيدر أباد وهو في الأصل في الطب والحكمة والفلسفة لا علاقة له بالعلوم الشرعية، فلا غرابة أن يصدر منه هذا الكلام لأن الإنسان إذا خلِّي بينه وبين عقله وترك العنان لعقله يقول ما شاء أو ما يتخيل، يصدر منه هذا وأعظم، وإذا كان من لديه شيء من العلم ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب وعنده قاعدة وعنده أساس لكنه خرج عن فنه الذي اهتم به يأتي بعجائب فكيف بمن لا علاقة له بالعلم أصلاً.

وسابعها أن كلامه يتضمن معنى قائمًا.

أما الرازي فخر الدين الرازي صاحب التفسير مفاتح الغيب وله المطالب العالية وله كتب أخرى المحصول في أصول الفقه وغيرها كتب ومؤلفات كثيرة ومجلدات متعددة وصغيرة، المقصود أنه منظِّر لمذهب الأشعرية، ومذهب الجبر الجبرية تفسيره أصل في هذا الباب وهو منظِّر في هذا الباب وإمام عندهم، وإذا أطلقوا الإمام لاسيما عند الشافعية فهو ينصرف إليه، إذا قالوا قال الإمام فيريدون به الرازي، وأما بالنسبة لعلم الحديث فلا شيء، صفر، أكثر من يتعاطى علم الكلام يُحرم النص يُحرم حفظ الحديث عقوبة من الله- جل وعلا- ولذا لما أورد في تفسير سورة العصر قصة المرأة التي دخلت المدينة وتنادي بأعلى صوتها أين محمد؟ فدُلت عليه فقالت له أنها شربت الخمر، وزنت، وجاءت بولد فقتلته، فقال لها لعلكِ لم تصلي صلاة العصر، هذا الخبر لا يوجد إلا عنده ولا في ديوان من دواوين الإسلام ولم يرو بسند صحيح ولا ضعيف حتى ولا في الموضوعات وجد هذا الخبر، ولذا قال الألوسي لما ذكره، قال: تفرد بذكره الإمام- يعني الرازي-قال: ولعمري أنه إمام في معرفة ما لا يعرفه أهل الحديث، يصير هذا مدحا أو ذما؟ ذم ولذلك لما جاء الكلام عن الفرقة الناجية قال الإمام أحمد إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم، أهل الحديث هم أهل العلم الصحيح الحقيقي ومعلوم أنه لا يكون من أهل الحديث حتى يكون له عناية بكتاب الله- جل وعلا- ولا يتصور فيمن له عناية بالحديث ولا يعتني بكتاب الله.

طالب: ............

يعني الرازي؟

طالب: ............

هو أعلن توبته وقال في ذلك الأبيات المشهورة وكذلك إمام الحرمين والغزالي كلهم في آخر أيامهم تُروى عنهم توبة- إن شاء الله- والرازي الذي يقرأ كلامه يستوحش في تفسيره، يستوحش جدًا، وتكلم عن ابن خزيمة الذي يسميه شيخ الإسلام إمام الأئمة ووصفه بأبشع الأوصاف، قال وألّف في أعضاء الله شخص يقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة كتابًا أسماه كتاب التوحيد والأولى أن يقال له كتاب الشرك- نسأل الله العافية-.

وسابعها أن كلامه يتضمن معنى قائمًا بذاته وهو ما خلقه في غيره وهذا قول أبي منصور الماتردي.

الماتريدي.

الماتريدي وثامنها أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات وهذا قول أبي المعالي ومن تبعه.

المراد بأبي المعالي الجويني كما هو معروف، وهو إمام من أئمة الشافعية لكن في هذا الباب هو محسوب على الأشعرية وعنده أيضًا أقوال يتفرد بها عن الأشعرية، كل هؤلاء- من أئمتهم- أئمة الكلام أئمة أذكياء أوتوا ذكاء باهرا عظيما ولكنهم- كما قال شيخ الإسلام- لم يؤتُوا زكاء.

وتاسعها أنه تعالى لم يزل متكلمًا إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وهو يتكلم به بصوت يُسمَع وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعيَّن قديمًا وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة.

هذا هو الصحيح: إن الله- جل وعلا- تكلم في الأزل ويتكلم ولا يزال يتكلم متى شاء إذا شاء بحروف وأصوات مسموعة على طريق النداء والمناجاة وكلها ثابتة بالكتاب والسنة.

طالب: ............

نعم، الكلام أصله كلام الله -جل وعلا- صفته قديمة وأنه مازال يتكلم ولايزال في القدم آحاده وأفراده يتكلم متى شاء إذا شاء.

طالب: ............

وش هو؟

طالب: ............

هي فروع الواقفة، فرع من القول بخلق القرآن وكذلك اللفظية فرع منه، هو ما فرع ذكر أصول المذاهب.

وقول الشيخ رحمه الله وإن القرآن كلام الله إن بكسر الهمزة عطف على قوله إن الله واحد لا شريك له ثم قال وإن محمدًا عبده المصطفى.

كلها واقعة في مقول القول فيجب كسر همزة إنّ.

وكسر همزة إنّ في هذه المواضع الثلاثة لأنها معمول القول أعني قوله في أول كلامه نقول في توحيد الله وقوله..

 

قف على هذا، الكلام طويل جدًّا. 

"