شرح كتاب التوحيد - 23

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين

قال الإمام المجدد- رحمه الله تعالى: باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين وقول الله- عز وجل-: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [سورة النساء:171] في الصحيح عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [سورة نوح:23] قال: «هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت» وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكف على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، وعن عمر أن رسول الله–صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله»  أخرجاه، قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إياكم والغلو فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو»، ولمسلم عن أبي مسعود –رضي الله عنه- أن رسول الله–صلى الله عليه وسلم– قال: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثًا.

عن ابن مسعود

ولمسلم عن ابن مسعود –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قال: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثًا.

فيه مسائل:

الأولى / أن من فهم هذا الباب وبابين بعده تبين له غربة الإسلام ورأى من قدرة الله وتقليبه للقلوب العجب.

الثانية / معرفة أول شرك حدث على وجه الأرض أنه بشبهة الصالحين.

الثالثة / أول شيء غُير به دينه الأنبياء وما سبب ذلك مع معرفة أن الله أرسلهم.

الرابعة / سبب قبول البدع مع كون الشرائع والفطر تردها.

الخامسة / أن سبب ذلك كله مزج الحق بالباطل، فالأول محبة الصالحين، والثاني فعل أناسٍ من أهل العلم والدين أرادوا به خيرًا، فظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره.

السادسة / تفسير الآية التي في سورة نوح.

السابعة / جبلة الآدمي في كون الحق ينقص في قلبه والباطل يزيد.

الثامنة / أن فيه شاهدًا لما نقل عن السلف أن البدعة سبب الكفر.

التاسعة / معرفة الشيطان بما تؤول إليه البدعة ولو حسن قصد الفاعل.

العاشرة / معرفة القاعدة الكلية وهي النهي عن الغلو ومعرفة ما يؤول إليه.

الحادية عشرة / مضرة العكوف على القبر لأجل عمل صالح.

الثانية عشرة / معرفة النهي عن التماثيل والحكمة في إزالتها.

الثالثة عشرة / معرفة عظم شأن هذه القصة وشدة الحاجة إليها مع الغفلة عنها.

الرابعة عشرة / وهي أعجب وأعجب قراءتهم إياها في كتب التفسير والحديث، ومعرفتهم بمعنى الكلام وكون الله حال بينه وبين قلوبهم حتى اعتقدوا أن فعل قومِ نوح هو أفضل العبادات واعتقدوا أن نهي الله ورسوله عنه هو الكفر المبيح للدم والمال.

الخامسة عشرة / التصريح بأنهم لا يريدون إلا الشفاعة .

السادسة عشرة / ظنهم أن العلماء الذين صوروا الصور أرادوا ذلك.

السابعة عشرة / البيان العظيم في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «لا تطروني كما أطرت النصارى» إلى آخره.

فصلوات الله وسلامه على من بلغ البيان المبين.

الثامنة عشرة / نصيحته إيانا بهلاك المتنطعين.

التاسعة عشرة / التصريح أنها لم تعبد حتى نسي العلم، ففيها بيان معرفة قدر وجوده ومضرة فقده.

العشرون/ أن سبب فقد العلم موت العلماء".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

 فيقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله تعالى-: "باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين" الغلو في الصالحين هو مصاحب للسبب الأول في فعل قوم نوح، وهناك أسباب للكفر لكن هذا أولها، وإلا فهناك أسباب أخر معروفة وليس المراد بذلك الحصر، لكن لكونه السبب الأول احتاج إلى مثل هذا الأسلوب، ولا شك أنه يتدرج الإنسان في الغلو حتى يصل إلى أن يعبد من غلا به أو من غلا فيه، والكتب مشحونة بمثل هذا كتب الصوفية ومؤلفات الروافض وعباد القبور ومن يعتقد في الأولياء مملوءة بمثل هذا الغلو الذي وصل فيه إلى صرف جميع حقوق الله- جل وعلا- لهذا الشخص الذي غلوا فيه، وإذا كان هذا الشخص عبدًا صالحًا فالشبهة قد يزينها الشيطان ويلبس بها على من غلا فيه، لكن أحيانًا يكون غير صالح ويغلى فيه وتدعى فيه الولاية وهو فاجر لا يأتمر بمأمور ولا ينتهي عن منكر، فمثل هذا على الإنسان أن يحمد الله- جل وعلا- على ما أنعم عليه من تحقيق التوحيد، وأن يخاف وأن يوجل، وأن يلجأ إلى الله- جل وعلا- ويتضرع إليه وينكسر بين يديه أن يحفظ هذا التوحيد؛ لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، وكم من واحد على الجادة وبسبب يسير انقلب رأسًا على عقب،  والأسباب كثيرة.

 عمران بن حطان، وهو من دعاة الخوارج، كان على الجادة وعلى السنة، فأعجبته امرأة من الخوارج فقال: نكسبها من جهتين وهي جميلة جدًّا أكسبها من جهة جمالها ومن جهة كسب أجرها بدعوتها إلى السنة، ماذا حصل؟ الذي حصل العكس هي دعته إلى مذهب الخوارج، فصار من رؤوسهم عمران بن حطان الذي مدح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي، وكان على الجادة، فالإنسان يسأل الله الثبات، ولا يعرض نفسه لفتنة؛ لأن بعض الشباب أو الكبار ممن يريد أن يتزوج يفتن بالجمال ويترك ما عداه، وقد يكون في هذا خطر على نفسه، على دينه، على نسله، فعلى الإنسان أن يتحرى الدين «فاظفر بذات الدين تربت يداك».

 والأسباب كثيرة جدًّا منها: ما يتعلق بأمور الدنيا ومنها ما يتعلق.. من أمور الدنيا الإعجاب بالكبراء؛ ليتقرب إليهم ويقرب منهم ويصرف لهم بعض حقوق الله من التعظيم وتقديم الأوامر على أمر الله -جل وعلا- وعلى أمر رسوله –عليه الصلاة والسلام-، فالأسباب كثيرة جدًّا، لكن من الغلو في الصالحين أولها أول ما حاصل من الشرك على وجه الأرض، وكان الناس بعد آدم على التوحيد لمدة عشرة قرون، كما جاء في حديث ابن عباس، ثم حصل الشرك بهذا السبب الذي ذكره ابن عباس في حديث الباب.

"ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم" تركهم مجرور معطوف على كفر، وهو مجرور مضاف إليه، دينهم مفعول للمصدر؛ لأن المصدر يعمل عمل فعله، هو الغلو في الصالحين، والغلو مجاوزة الحد، وهو مراتب، قد يكون الغلو بنسبة لا تصل إلى حد يخرج من الملة، أو يكون أمرًا شديدًا يذم به ذمًّا بالغًا، لكن في الجملة الغلو مجاوزة الحد مذموم، فإذا تجاوز به ذلك إلى أن صرف شيئًا من حقوق الله -جل وعلا- لغيره وصل إلى حد الكفر، والصالحين جمع صالح، وهو كل عبد أدى حقوق الله -جل وعلا- وحقوق عباده، وعلى الإنسان أن يسعى جاهدًا في تحقيق هذا الوصف، أن يكون من الصالحين؛ لينجو ولتزداد حسناته بدعاء المسلمين، فكل مصلٍ يقول في صلاته: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فالصالح داخل في دعوات المسلمين قاطبة وقول الله- عز وجل-: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾[سورة المائدة:77] أهل الكتاب هم اليهود والنصارى.

"لا تغلو في دينكم" الخطاب موجه في الأصل لأهل الكتاب، وكما قال عمر- رضي الله عنه-: مضى القوم ولم يرد به سوانا، إنه ما دام الغلو في الدين أهلك أهل الكتاب، فإذا حصل من غيرهم أهلكهم كذلك؛ لأن هذا الوصف من الأسباب التي هلكوا بسببها، قال- رحمه الله-: "في الصحيح صحيح البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قول الله -جل وعلا-: {وقالوا لا تذرن آلهتكم} الذي في الكتاب في قول الله تعالى، فهل يجوز تغييره إلى عز وجل أو -جل وعلا- أو لا يجوز؟

طالب: ..........

لماذا؟ لأنه ليس من باب الرواية ،وإنما هو ثناء، يعني مثل ما تقول: –صلى الله عليه وسلم- أو قال الصادق المصدوق أو قال النبي –عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ليس المقصود اللفظ، وإنما هو المقصود الشخص المتحدث عنه، ولا يكون هذا من باب التغيير وهو الرواية بالمعنى كما جاء في حديث ذكر النوم قال: ورسولك الذي أرسلت قال: لا، ونبيك الذي أرسلت؛ لأنه هذا يغير المعنى معنى يختلف، يعني فيه نوع تغاير بين النبوة والرسالة، لكن إذا أردنا أن ننقل عنه عن شخصه –عليه الصلاة والسلام- فوضعه لا يتغير بين كونه نبيًّا ما نقصد وصفًا في قول الله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ﴾ لا تتركوا آلهتكم ﴿وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾ [سورة نوح:23] آلهة أعم، وذكر هؤلاء بعد الآلهة من ذكر الخاص بعد العام، لكن الآلهة هي فقط من ذكر، أو هناك غيرهم؟

طالب: ............

﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾ [سورة نوح:23] خمسة هل الآلهة خمسة أو أكثر؟ ويكون التنصيص إذا قلنا أكثر فيكون التنصيص على هؤلاء الخمسة من ذكر الخاص بعد العام للعناية بشأنهم والاهتمام بأمرهم، كما هو معروف في عطف الخاص على العام أو العكس، وإلا فهم داخلون في الآلهة.

طالب: ...........

كم عندهم؟ لكن اللفظ العام في الجملة يشمل هؤلاء ويشمل غيرهم، قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم" هذا من تفسير ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن من تفسيره لم يرفعه إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-، وتفسير الصحابي حجة؛ لأن وجوه التفسير المعتمدة: تفسير القرآن بالقرآن، تفسير القرآن بالسنة، تفسير القرآن بأقوال الصحابة، ومن بعدهم ممن أخذ عنهم، هكذا قال أهل العلم، شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير وجمع من أهل العلم، لكن هل يعد في المرفوع؟

طالب: ....................

هل يعد تفسير الصحابي في المرفوع؟ يعني كأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قاله حكمًا؛ لأن ابن عباس ما يمكن أن يقول هذا الكلام من رأيه ولا عاصرهم، يمكن أن يكون تلقاه عن أهل الكتاب؟

طالب: ...................

على كل حال تفسير الصحابي زعم الحاكم في مستدركه أن له حكم الرفع، والجمهور حملوا ذلك على أسباب النزول.

وَعَدُّوا مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابِي     رَفْعًا فَمَحْمُولٌ عَلَى الأسْبَابِ

وما عدا ذلك مما يفسره الصحابي من تلقاء نفسه إما لغته ولا شك أن كثيرًا من مفردات القرآن تدرك من لغة العرب، فلا يكون لهذا حكم الرفع، وبعضها يجتهد المجتهد في معانيها، ولا نقول أي شخص يجتهد في معاني القرآن ويفسر بما يشاء كما يفعله بعض من يتطاول على العلم الشرعي مع الأسف، إنما الذي يفسر من يؤوي إلى علم الكتاب والسنة، ثم بعد ذلك إذا تشبع من علم الكتاب والسنة وتأهل لمعرفة النصوص وكيف يتعامل معها هذا لا يقال إنه من الرأي المذموم الذي جاء "من فسر القرآن فقط أخطأ ولو أصاب" وفيه نصوص أخرى، لكن ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن من يقول هذا في حقه؟

قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح" يعني ممن آمن بنوح، وبعض من فسر أو تكلم على الخبر قال: إنهم يحتمل أن يكونوا قبل نوح، ما حجته؟ فيه شيء يدل عليه؟ وأن قوم نوح هم الذين عبدوا هؤلاء، كان هؤلاء قبل قوم نوح، وسواء كانوا قبل نوح أو بعد نوح القوم الذين عبدوهم من قوم نوح، والحكم لا يتغير.

طالب: يا شيخ كون حجة من قال إنهم من قوم نوح أن نوح مرسل إليهم.

وأرسل إليهم؛ لأنهم غيروا وبدلوا عشرة، عشرون بين آدم ونوح على التوحيد حصل التغيير فأرسل إليهم، المقصود أن الذين عبدوهم من قوم نوح، رجال صالحون الخمسة المعدودون هؤلاء في كلام ابن عباس: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح" بعضهم يقول: إن هؤلاء الصالحين قبل نوح وإنما عبدوا من قبل قوم نوح، وعلى كل حال الأمر لا يتغير يعني ما..  فائدة القصة موجودة؟

طالب: ....... في زمن.

الشيخ: في زمن نوح.

طالب:  لا، لو قلنا: إنه قبل لقلنا إنه سابقًا أن الشرك وقع قبل بعثة نوح..

نعم.

طالب: ..........نسي العلم.

اسمع ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾ [سورة نوح:23] والآية في سورة نوح قال ابن عباس: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح" فالمعبود والعابد كلهم من قوم نوح "فلما هلكوا"..

طالب: إذا استصحبنا الأعمار الطويلة.

نعم، أعمار طويلة عندهم نوح ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم "فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا"، مثلوا تماثيل على صورهم وأشكالهم، نصبًا، "أوحى الشيطان إلى قومهم" الشيطان يوحي، والشياطين يوحي بعضهم إلى بعض "أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم"، والأنصاب والتماثيل موجودة مع الأسف حتى في بلاد المسلمين وبارزة وظاهرة وواضحة، وهي من وسائل الشرك حتى إنها في بعض البلدان إذا مُر بها يحصل شيء من الخضوع والركوع والسجود؛ لأنهم حكموا بالظلم من قبل هذا السلطان ومن جاء بعده، إذا كان في وقته بعض السلاطين فيه جبروت وظلم وإن انتسب إلى الإسلام ويحكم الناس بالحديد والنار فإذا مر الناس بتمثاله خضعوا هذا نوع عباده، "وسموهم بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد" إلى هذا الوقت ما عبدت؛ لأن الدين ظاهر والعلم موجود، لكنها وجدت هذه التماثيل من أجل التذكير بهؤلاء وعبادة هؤلاء فينشط الرائي إذا رأى صورهم إلى أن يعمل مثل عملهم، هذه حجتهم.

 وهذا من تسويل الشيطان لهم وخطواته "ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك" الجيل الذي صور هذه التماثيل هلكوا وكانوا إنما صوروهم لا للعبادة، وإنما صوروهم للتذكير، "حتى هلك أولئك ونسي العلم" عبدت في البخاري "نسخ العلم"، والنسخ في الأصل هو الرفع والإزالة، فإذا زال العلم ورفع واندرس بمعنى نسي العلم عبدت، وسيأتي في كلام الإمام- رحمة الله عليه- على أهمية العلم في العبادة على بصيرة وعظم شأن الجهل في الخروج من الدين وهو من الإنسان وهو لا يشعر، وجاء في تفسير قوله- جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾ [سورة التحريم:6]

قال علي بن أبي طالب: بالعلم قوهم بالعلم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾  قال علي بن أبي طالب: بالعلم. هذا الكلام صحيح بالعلم يعرف الإنسان يتعبد، وكيف يصحح عباداته بخلاف الجهل، وأهمية العلم كما قال الآجري: العالم بالنسبة لقومه كقوم يمشون في ليلة مظلمة في وادٍ كثير الأشجار والهوام والسباع والحيات وغيرها، هذا الوادي مظلم وهم يمشون، ثم يأتي من معه مصباح فيقودهم إلى خارج هذا الوادي فيصلون بالسلامة، هذا العالِم. بل شأن العالم أعظم من هذا؛ لأن هؤلاء الواحد منهم إما أن يسلم يتحسس ويسلم أو  يصاب بشوكة أو ينهش، وغاية الأمر أن يموت، لكن إذا عاش في جهل ولم يجد من يأخذ بيده إلى العلم على بصيرة فإنه خطر أن يهلك في دينه ويهلك في مآله، فأهمية العلم ما تخفى على أحد وكلام أهل العلم فيه كثير، وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم، يعني في أول الأمر عكفوا على قبورهم لم يصوروهم في أول الأمر، ثم بعد ذلك صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، لاشك أنه إذا طال الأمد وانقرض العلم ونسي ودرس العلم فإنه حينئذ يتعبد الناس على جهل وضلال، والعبادة على جهل ضررها أكثر من نفعها، ولا تزيد في إيمان الشخص، بل تنقصه، وإذا نقص شيئًا فشيئًا بسبب الجهل قد يخرج من الدين بالكلية بسبب ذلك، وما وقع الناس فيما وقعوا فيه إلا بسبب الجهل والبعد عن الكتاب والسنة.

"وعن عمر- رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تطروني" الإطراء المبالغة في المدح والخروج عن الحد المباح والوقوع في المحظور من هذا المدح إلى أن يصل الأمر إلى أن يصرف لهذا الممدوح شيء من حقوق الله- جل وعلا-، شاعر يقال له البهاء زهير يقول في الحاكم بأمر الله العبيدي الخبيث:

مَا شِئْتَ لَا مَا شَاءَتْ الأَقْدَارُ    فَأَحْكُمْ فَأَنْتَ الوَاحِدُ القَهَّارُ

نسأل الله العافية.

مَا شِئْتَ لَا مَا شَاءَتْ الأَقْدَارُ

أي غلو أعظم من هذا؟ يعني إذا غلا النصارى بالمسيح- عليه السلام-، وغلا من غلا بمحمد، وليس هذا مبررًا، كله شرك، لكن العبيدي الخبيث المجرم الملحد الزنديق فأنت الواحد القهار، نسأل الله العافية، حاكم بأمر الله قيل له: كثر النصارى في بلادنا فأمر بوضع صلبان في أعناقهم زينة الصليب عشرون رطلاً فشق عليهم حملها، فأسلم كثير منهم ليتخلصوا من الصلبان التي يمشون مطأطئين رؤوسهم، ثم جيء فقيل له: نضب بيت المال، ما فيه جزية قال: ردوهم لنصرانيتهم هم ووضع على الحسبة رجلاً يقال له: مسعود في الأسواق الذي يغش أو يكذب، ما يقال في المسجد، ما نقدر نقوله والله.. مسعود هذا عبد جلف وكله بأن يفعل الفاحشة في الذي يغش، ونسأل الله العافية، ويقال فيه:

فَأَحْكُمْ فَأَنْتَ الوَاحِدُ القَهَّارُ

أي ضلال أعظم من هذا إذا كان الغلو في الصالحين يسول لهم الشيطان أن هؤلاء صالحون يقربونكم إلى الله، لكن هذا ماذا يقربك إلى من إذا غلوت فيه؟

طالب: أحسن الله إليك، كلام ابن عباس الله يغفر له.. يشير إلى أنه... كلام ابن القيم يشير إلى.. عكف ثم صور.

على كل حال الطبيعي أنهم لما ماتوا قبروا نعم فعكفوا على هذه القبور، ثم نصبوا لهم في مجالسهم بدلاً من أن يذهبوا إلى قبورهم نصبوا لهم في مجالسهم تذكرهم بالعبادة.

طالب: .................

هذا الذي يظهر، «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم» أخرجاه يعني في الصحيحين البخاري ومسلم، ولا شك أن النصارى عبدوا المسيح وقالوا: إنه ابن الله أو ثالث ثلاثة، قالوا هذا كله، واليهود قالوا: عزير ابن الله، وحصل من بعض الغلاة ممن ينتسب إلى الإسلام نظير ما وقعت فيه النصارى، البوصيري في بردته ما ترك لله شيئًا من الحقوق، جعل كل الأمور بيد محمد –عليه الصلاة والسلام- يقول:

فَإنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا    وَمِنْ عُلُومِك

من علومك، ليست علومك كلها، بعض من علومك، بعض علومك

وَمِنْ عُلُومِك عِلْمَ اللوحِ وَالقَلَمِ

يَا أَكْرَمَ الخَلْق مَالِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ   سِوَاكَ عِنْدَ حُدُوثِ العَمَمِ

ما ترك لله شيئًا، وأيضًا البرعي ودواوينهم مطبوعة والبردة يعني حصل فيها من الانتشار والاشتهار في بلاد المسلمين بحيث تُردد في بعض الأقطار أكثر من القرآن، وشرحت بشروح كثيرة، وطبعت بطبعات فاخرة مذهبة، ويتداولها الناس في أحجام توضع في الجيب، وعورضت من شعراء كثر، ونسج على منوالها، وكذلك همزيته المشهورة فيها نوع غلو، لكن البردة أشد.

يَا أَكْرَمَ الخَلْق مَالِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ

ومع ذلك يقول:

دَعْ عَنْكَ مَا قَالَتْ النَّصَارَى فِي نَبِيّهِمُ

أنت قلت مثلهم يقول دع عنك؛ لأن بعض الناس يأتي بالمحظور إما بفعله أو مع قوله بلسانه ثم يقول: لا لا ما نقصد هذا، فماذا تقصد؟

فإنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا    وَمِنْ عُلُومِك علم اللوحِ وَالقَلَمِ

من جودك ليس بكل.. الدنيا والآخرة كلها من جود محمد –عليه الصلاة والسلام- على كلامه، ومن علومه ما هي بجميع علومه، علم اللوحِ والقلمِ، نسأل الله السلامة والعافية.

البرعي له كلام مثل هذا أو أشد، وديوانه مطبوع، والبردة مطبوعة، وكل شيء، ويوجد في مطبوعات المغرب ومصر وسوريا وتركيا مطبوعات فيها الغلو الذي يصل إلى حد الشرك الأكبر، ويعتب على أن في هذه البلاد من يقول: إنكم لا تحبون الرسول –عليه الصلاة والسلام- فما الدليل؟ أن الكتب التي فيها بيان منزلته –عليه الصلاة والسلام- ما تقرؤونها قالوا مثل ماذا؟ مثل الموالد البردة، مثل الشفاء في بيان حقوق المصطفى –عليه الصلاة والسلام- كتاب في جملته جيد في بعض المواطن غلو، وفي شروحه أشد، نحن نكتفي بما صح عن النبي –عليه الصلاة والسلام- في حقه الشمائل المحمدية للترمذي، وما ثبت في البخاري من صفته –عليه الصلاة والسلام- وشمائله وبيان عيشه فيه كفاية، وكذلك بقية كتب السنة، فلسنا بحاجة إلى أن نعتني بأمور فيها نوع غلو وفيها مخالفة لأمره –عليه الصلاة والسلام- ووقوع في مخالفة.. فيما نهى عنه –عليه الصلاة والسلام- «لا تطروني». ومن قرأ في هذه الكتب وجد فيها ما يجد، وتركها إنما هو من باب سد الذرائع وإلا فالأصل أن أهل العلم يقرؤون هذه الكتب ويبينون ما عليها من ملاحظات؛ ليستفيد منها من يقرؤها في البلدان الأخرى، والله المستعان.

قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهنا بياض بقدر كلمتين، يقول المعلق في الأصل: بياض بمقدار كلمة أو كلمتين، والشيخ سليمان في شرحه هكذا ثبت هذا بياض الأصل في أصل المصنف، وفي بعض النسخ: ولمسلم عن ابن عباس، وفي بعضها: في الصحيحين يعني عن ابن عباس، وفي نسخة: وعن ابن عباس من غير مسلم ولا الصحيحين قال: وهذا هو الصواب ابن عباس هو راوي الحديث، صحيح لكن الحديث ليس في الصحيحين، فإذا قيل: وعن ابن عباس قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويكمله، هذا كلام صحيح، لكن العبرة بالأصل الذي هو بخط الشيخ؛ لأنه الأصل، أصل المصنف- رحمه الله- ما فيه شيء ولا ذكر الراوي الصحابي، ولذلك تركه بياضًا في النسخة التي معنا، فيه نسخ وعن ابن عباس؟

 هذا خطأ؛ لأنه ليس في مسلم هذا الحديث، ليس في مسلم، وإنما هو عند أحمد والنسائي وغيره من الكتب، ولكن ليس في الصحيحين ولا في أحدهما قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إياكم والغلو» تحذير «إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» «إياكم والغلو فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو»، وهذا أسلوب تحذير، كأنه قال: احذروا الغلو، ولذلك الغلو منصوب على التحذير «فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» ابن عباس التقط للنبي –عليه الصلاة والسلام- حصى الجمار مثل حصى الخذف، فأخذها النبي –عليه الصلاة والسلام- ووضعها في كفه ورفعها فقال: «بمثل هذا فارموا، وإياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو».

 يعني والغلو كما يكون في الاعتقاد يكون في العمل أيضًا إذا كان فيه زيادة؛ لأنه يوجد من يرمي الجمار بحصى كبار، وبعضهم بالنعال، وبعضهم بأمور أخرى يتصورون أن هذا الشيطان، ويريدون أن ينتقموا منه، وهذا جهل ومجاوزة للحد، «فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» جاء في نصوص كثيرة ذكر من هلك بسببه من قبلنا. «فإنما» إنما أسلوب حصر يعني ما هلكوا إلا بالغلو أم هلكوا بأمور أخرى غير الغلو؟ «فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو لما اتخذ نساؤهم القَصَّة» في حديث معاوية في البخاري.

طالب: ...........

الشيخ: نعم هلكوا بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وحينئذٍ فيكون الحصر إضافيًّا، يكون الحصر إضافيَّا مثل «الحج عرفة».

طالب: ...........

لكن ماذا في القصة في زيادة الشعر لما أخذ كبة من شعر بيد حرسي معه ووضعها على رأسه وقال: «إنما أهلك من كان قبلكم لما اتخذ نساؤهم القَصَّة»، ماذا فيها من الغلو؟

طالب: ..........

ما فيه شيء، فيه مشابهة.

طالب: ........

لا، هم مشابهة لمن؟

طالب: للنصارى.

أهل الكتاب هلكوا باتخاذهم القصة شابهوا من؟

طالب: المشركين؟

هي مسألة وصل؟ والوصل محرم، وهذا نوع منه.

 على كل حال «إياكم والغلو، فإنه أهلك من كان قبلكم» هذا أسلوب حصري بلا شك، لكنه حصر إضافي، بمعنى أنه لا يمنع من دخول غيره فيه؛ لوجود أسباب للهلاك غير الغلو «فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو»، ولا شك أن من أشدها الغلو الذي يوصل إلى الشرك ويخرج من التوحيد، ولمسلم عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثًا، هذا دعاء أم خبر؟ يراد منه الدعاء وأسلوبه أسلوب خبري، لكنه يراد به الدعاء عليهم بالهلاك، وكررها ثلاثًا –عليه الصلاة والسلام- إما أن يقال هذه عادته إذا تكلم تكلم ثلاثًا، وإذا دعا دعا ثلاثًا، أو لأهمية الأمر كرره لأهميته، كما كرر «ألا وشهادة الزور» كررها حتى قلنا: ليته سكت، «هلك المتنطعون» الآن هو هلاك حسي أم معنوي؟

 هلاك دنيا أم هلاك آخرة؟ يعني إن عجلوا بالعقوبة فلا شك أنه هلاك دنيوي، يعقبه الهلاك الأخروي، ولا شك أن هلاك الدنيا لا يساوي شيئًا بالنسبة للهلاك في الآخرة، لا يعدل، لا يساوي شيئًا؛ لأن الدنيا أيام وتمشي، لكن الآخرة أبد الآباد، نسأل الله العافية، ولذا جاء في الحديث: «من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة»، «من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» لماذا ما قال كرب الدنيا؟ لأن كرب الدنيا لا شيء بالنسبة لكرب الآخرة، فالهلاك الحقيقي إنما هو ما كان في الدين، ولا شك أن أثره في الآخرة لا سيمال إذا وصل إلى حد الشرك المخرج من الملة الذي تكون عليه الجنة حرام.

ثم قال- رحمه الله-: فيه مسائل:

"الأولى / أن من فهم هذا الباب وبابين بعده تبين له غربة الإسلام"؛ لأن هذا موجود، ووجوده وجود كثرة وظهور في كثير من الأقطار، مما يدل على أن الغربة مستحكمة، ما هي بمعاصٍ خفية يفعلها بعض الناس في بيته، لا، ظاهرة ومع الأسف أنها هي الأصل في بعض الأقطار الإسلامية، ومما يؤسف له أن بعض من ينتسب إلى العلم والفتوى ينتصر لها، وينافح عنها، وقد وجدت جهود وبذلت في إخراج بعض القبور من المساجد، ونجحت وأخرجت، ثم جاء من يتزعم الإفتاء في هذا البلد، فأمر بإعادتها، نعوذ بالله من الضلال، عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الـقيامة... نسأل الله السلامة والعافية.

 يطاف بهذه القبور، ويسعى المخلصون المحققون للتوحيد بإخراجها، وتنجح بعض جهودهم، ثم يأمر بردها، ويؤلف في ذلك، أحمد بن الصديق الغُماري ومحسوب على أهل الحديث من العلماء في المغرب، وله جمع من الأخوة، كلهم أهل علم، لكنهم لا يسلمون من شوب البدعة، وهم يتفاوتون، لكن من أشدهم في البدعة أحمد هذا، وألف في البناية على المشاهد وعلى القبور والمزارات والأضرحة شيئًا، له مصنف في هذا، وعلى كل حال هذا مثال وأنموذج وإلا فالأمر عم وطم في كثير من البلدان، وصار هو الأصل، والذي ينكره هو الشاذ، بل حكموا عليه بالكفر، كما ستأتي الإشارة إليه في كلام الشيخ: "ومن دعا إلى التوحيد الخالص حكم بكفره من بعض الغلاة من المبدعة"، وكفر شيخ الإسلام ابن تيمية، وكفر الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، والمصنفات موجودة، وتصدى ابن ناصر الدين على الرد من كفر شيخ الإسلام، بل بعضهم من قال: إن من قال له شيخ الإسلام فهو كافر انتصارًا لهذه البدع العظيمة، وصنفوا في الاستغاثة، والرافضة صنفوا في حج المشاهد، ووضعوا لها مناسك كما توضع المناسك لحج بيت الله الحرام.

 يقول: "أن من فهم هذا الباب وبابين بعده تبين له غربة الإسلام، ورأى من قدرة الله وتقليبه للقلوب العجب" نعم الشبهة تعلق بقلب الشخص، ثم تزداد وتتطور حتى تصل إلى حد مخرج من الملة، وكانت هذه البلاد يعني في نجد ما تختلف عن غيرها، فيها قبور تعبد، وفيها أشجار تدعى من دون الله ويتعلق بها، وتطلب منها الحوائج، لكن لما جاء هذا الإمام المبارك انمحى الشرك وزالت آثاره ومعالمه، ولله الحمد والمنة.

"الثانية / معرفة أول شرك حدث على وجه الأرض أنه بشبهة الصالحين" يعني فيما ذكره ابن عباس عن قوم نوح.

"الثالثة / أول شيء غير به دين الأنبياء وما سبب ذلك مع معرفة أن الله أرسلهم" يعني الشعوب، يعني قوم نوح يعرفون أن الله أرسل نوحًا وكل من جاء إليه رسول بالمعجزات يذعن بأنه مرسل من قبل الله، لكن يصده ما يصده كما حصل لأبي طالب هو ما يعرف أن الرسول– عليه الصلاة  والسلام- من عند الله، وأن دينه الحق؟ لكن وجد المانع، وجد الصاد. "أول شيء غير به دين الأنبياء" الغلو في الصالحين والبناية على قبورهم، وفي بعض البلاد البدعية تجد المقابر، البنايات على القبور تعلو السور، تشوف القبور مرتفعة، والنساء عند باب المقبرة كل واحدة في إبطها سجادتها، شيء رأيناه، والله المستعان، وتقول: أنا قلت لامرأة تتمسح بالمقام مقام إبراهيم: هذا حديد جابوه من المصنع، ما ينفعكم بشيء، قالت: عندكم ما ينفع، عندنا ينفع. هذا والله كلامها بالحرف، أنتم عندكم ما ينفع، لكن عندنا ينفع، نسأل الله العافية.

"الرابعة / سبب قبول البدع مع كون الشرائع والفطر تردها" البدع يزينها الشيطان في قلوب الناس، ويسهلها، وييسر أمرها، ويسول لهم ذلك فيقبلونها، وسرعة قبول القلب للبدعة كما قال أهل العلم: أسرع من السيل في منحدره، يعني وإلا فما معنى أن المسلمين.. فِئآمًا من المسلمين تعبد الله -جل وعلا- وهي تقول: لا إله إلا الله، والمشكلة الآن في العصور المتأخرة مع وجود وسائل الاتصال والقنوات والمناظرات أيضًا في هذه القنوات التي صار لها الأثر الكبير في قلوب العامة قبل الخاصة، ودخلت هذه المناظرات بشبهها في قعر بيوت عوام المسلمين كثيرًا ما نسأل عن شبهة من أول العامة عندهم الرضا والتسليم ولا عندهم خلافه، لكن بدؤوا يسمعون، الآن يسمعون هذه الشبه، وقد يكون الذي يصور الشبه عنده قدرة على التصوير وبالمقابل من يناظره أقل في هذه القدرة، فيتأثر بها السامع، يعني نظير ما في تفسير الرازي، فيه شبه جلاها ووضحها المفسر فخر الدين الرازي، وقد يكون لا يعتقدها ممن بدعته أكبر من بدعته، فيرد عليها برد ضعيف، لا يصنع في الرد مثل ما صنع في تقرير الشبهة. ولذلك قالوا: إنه يذكر الشبهة نقدًا، ويرد عليها نسيئة. الآن هذا تفسير الرازي ما يقرأه إلا طلاب علم قد يتأثرون به، لكن الآن الشبه في القنوات يسمعها الناس كلهم.

يقول: "الخامسة" يعني من المسائل "أن سبب ذلك كله مزج الحق بالباطل"؛ لأن صاحب البدعة وصاحب الشبهة ما يقول إن الشيطان يقول كذا، بل لابد أن يطعم هذا الكلام بشيء، ويلبسه بلباس الحق، ولذلك أهل البدع إنما يتبعون المتشابه، تجد صاحب الغلو في التكفير والقتل والتفجير يجيء  لك بحديث أو آية، آية النساء ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً﴾ [سورة النساء:93] ويقول: إنه كافر ما دام خالدًا فهو كافر، وينسى النصوص الأخرى المحكمة وكيفية الجمع بين هذه الآية وغيرها، هناك أيضًا نصوص أطلقت الكفر على بعض المعاصي، فيستدل بها الخارجي وينسى أن هناك نصوصًا أخرى في مقابلها يستدل بها المرجئ، ومن وفق للإنصاف والعدل والتوسط في الأمور يجمع بين هذه وهذه، ويوفق بينها، ويخرج بالرأي الوسط الذي هو منهج أهل السنة والجماعة.

 فالخارجي يجد ما يستدل به من الكتاب والسنة، والمرجئ الذي هو يقابله يجد ما يستدل به من الكتاب والسنة، والموفق من يجمع بين هذه وهذه؛ لأنه إذا استدل بأدلة الوعيد واقتصر عليها جرته إلى الغلو والخروج، وإذا اقتصر على نصوص الوعد جرته إلى الإرجاء والتنصل من الدين وعدم العمل به، وكل منهما على ضلال؛ لأنه إن عمل بهذا عطل هذا، وإن عمل بهذا عطل هذا، ولابد أن يعمل بالكتاب كله، لا يؤمن ببعضه ويكفر ببعض، فالذين آمنوا بالكتاب كله ووفقوا بين النصوص هم الذين وفقوا للمعتقد الصحيح.

 "فالأول محبة الصالحين" لا شك أن هذه شبهة تقول: رجل صالح ترجى دعوته، ترجى شفاعته ترجى كذا كذا، ثم تلبس ما يلبس على من لا علم عنده. "والثاني: فعل أناس من أهل العلم والدين شيئًا أرادوا به خيرًا" يعني مثل ما فعل أولئك في أول الأمر صوروهم؛ ليتذكروا عبادتهم فيعملوا مثلهم، "فظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره"، وأنهم يعبدونهم من دون الله، "فعل أناس من أهل العلم والدين شيئًا" يعني من ذلك،.. يذكر، أنا ما سافرت، لكن يذكر في مصر من القبور التي يغلى بها وكذلك في الشام سدنتها علماء، المتخصص في الفقه، والمتخصص في أصول الفقه، والمتخصص، لكن الكلام على الأصل وتحقيق الأصل، نسأل الله العافية.

"السادسة / تفسير الآية التي في سورة نوح" ﴿لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾ [سورة نوح:23] وقد تقدمت.

"السابعة / جبلة الآدمي في الحق ينقص في قلبه والباطل يزيد" "جبلة الآدمي" يعني مع الاسترخاء لا شك أن الحق ينقص، والباطل إذا نقص الحق زاد الباطل، لكن الذي يواصل ما يزيد في علمه وإيمانه لا شك أن الحق يزيد، والباطل في مقابله ينقص، لكن عموم الناس وسائر الناس ليسوا على هذه الصفة، عامة الناس ينشغلون بدنياهم، وليس عندهم من العلم ما يزيدون به إيمانهم، وقد لا يكون عندهم من العلماء من يبصرهم، لكن إذا وجد من يسعى في زيادة إيمانه لا شك أن مقابله وهو الباطل ينقص ويتضاءل.

"الثامنة" من المسائل "أن فيه شاهدًا لما نُقل عن السلف أن البدعة سبب الكفر" مثل ما قلنا سابقًا إن الكفر له أسباب، ومن أسبابها البدعة وقالوا عن المعاصي: إنها بريد الكفر، وكم في كتاب الله بقوله: ﴿بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [سورة المائد:78] تأمل ما قبلها ثم يكون السبب بما عصوا وكانوا يعتدون، الأصل المعصية والعدوان، ثم يتطورون إلى ما وراءه وما فوقه.

"التاسعة / معرفة الشيطان بما تؤول إليه البدعة، ولو حسن قصد الفاعل"، "معرفة الشيطان بما تؤول إليه البدعة" فهو يحرص عليها أكثر من المعصية، يحرص على البدعة أكثر من المعصية؛ لأن المبتدع يظن أنه على الحق، فلا يتوب، أو لا يوفق للتوبة، بخلاف العاصي الذي يعرف ويجزم أنه على باطل، وأنه متعرض لسخط الله، فتجده يتوب ويقلع، وقد وجد من المبتدعة ومن رؤوسهم من تاب ورده الله إلى الصواب، لكن الغالب أن البدعة إذا أشرب حبها القلب فإنها.. لا سيما وأنه يرى أنه على حق، وأن ما يدعى إليه باطل، فالغالب أن المبتدع يستمر على بدعته إلا إن وفق بداعية ناصح مخلص، ووفقه الله -جل وعلا- لقبول الحق وتاب، هذا موجود، وهذا موجود، لكن العاصي في الغالب أنه مع تقدم السن ومع وجود الوازع من كتاب الله وسنة نبيه إذا تولاه المخلص، وبين له الحق؛ لأنه يعرف ويجزم أنه على باطل، وذاك يجزم أنه على حق، فالذي يجزم أنه على الباطل في الغالب أنه يوفق للتوبة إذا بذل الأسباب.

"العاشرة / معرفة القاعدة الكلية" وهي النهي عن الغلو «إياكم والغلو» بدون تفصيل، تحذير من الغلو بجميع أنواعه سواء كان في الاعتقاد أو في العمل كما في حديث ابن عباس في الجمرات، والغلو في العمل يجر إلى الغلو في الاعتقاد، تجد الذي يكثر مما أصله مشروع يجره ذلك إلى الإكثار مما لم يرد به دليل، حتى يرى أن عمله أفضل من عمل النبي –عليه الصلاة والسلام-. النفر الذين تقالوا عمله –عليه الصلاة والسلام- فقال أحدهم: إنه يصوم النهار ولا يفطر، والثاني يقوم الليل ولا ينام، والثالث لا يتزوج النساء، وبعضهم يقول: لا يأكل اللحم، حذرهم النبي –عليه الصلاة والسلام- وبيًّن سنته ونهجه «لكني أصوم وأفطر، وأصلي أنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».

 فالغلو بجميع أنواعه، وهو زيادة على ما شرع الله -جل وعلا- مذموم ومحذر منه. تبقى مسألة وهي مسألة الإكثار من التعبد مما أصله مشروع، الرسول صلى إحدى عشرة ركعة يقول: أنا سأصلي الليل كله وليس بعادة وديدن يقول: لا أنام، يصلي وينام، لكن يصلي مائة ركعة، ويكثر من الصيام والبذل في سبيل الله مما أصله مشروع، فهل الإكثار من التعبد بدعة، يعني الإمام أحمد عرف عنه أنه كان يصلي في اليوم والليلة مائة ركعة.

 كم؟

طالب:  ثلاث مئة.

ثلاث مائة نعم، ثلاث مائة ركعة، والحافظ ابن عبد الغني ذكره في ترجمته المقدسي أنه يصلي في الضحى يعني بعد ما ترتفع الشمس إلى صلاة الظهر ثلاث مائة ركعة، لكن إذا نظرنا إلى الوقت انظر الصيف ست ساعات أو سبع ساعات، في كل ساعة ستون دقيقة، ثلاث مائة وستون وأقل ركعة مجزئة يمكن أن تؤدى بدقيقة، يعني بدون فتور، هذا ذكروا عنه أنه مداوم عليه، فهل مثل هذا مشروع أو غير مشروع؟

 ذكر ابن المطهِر المنجس صاحب منهاج الكرامة، رافضي هو، أن عليًّا كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، قال شيخ الإسلام- رحمه الله- الوقت لا يستوعب، ممكن يصلي ألف ركعة؟ مستحيل، الوقت ما يستوعب، لكن مسألة المائة والمائتين مع مشقتها مع المداومة، فهل مثل هذا بدعة أم غير بدعة؟ يعني أصله مشروع ومأمور به، وجاء الحث عليه، الصلاة أفضل مستكثر منه، يعني فأكثروا منها سواء كانت بطول القيام والقنوت أو بكثرة عدد الركعات، والصيام كذلك، «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا».

طالب:...........

هو التزام العدد والوقت ذكره الشاطبي من أسباب الابتداع، على كل حال مأثور عن السلف الإكثار من التعبد وختم القرآن في يوم، وبعضهم مرتين كالشافعي، وأما في يوم، الختم في يوم وفي ليلة هذا معروف حتى عن عثمان- رضي الله عنه- فهذا إكثار من التعبد، فما جنسه مأمور به وجاء الحث عليه والإكثار منه ما له حد، لكن يبقى أن المسألة موازنة ومفاضلة، فقد يكون هذا الشخص الذي تعمد الإكثار من هذه العبادات وإن كان أصلها مشروعة قد يعوقه ذلك عما هو أفضل منه، يعوقه ذلك عما هو أفضل منه، فإذا لم يشق عليه وقدر على ذلك، فيه كتاب اسمه.. للكنوي على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة، ما اسمه؟

طالب: ...........

مطبوع في الدلالة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة، العبادة شأن الصالحين من السلف ومن جاء بعدهم، لكن ينظر الإنسان إلى مسألة المفاضلة؛ لأنه قد يعتمد عبادة، ويكون غيرها أفضل منها فتعوقه عن هذا الأفضل، فتكون مفضولة، والتنوع في العبادات مطلوب في الشرع، التنوع في العبادات مطلوب، وأقر ذلك شيخ الإسلام وغيره، فلا يلتزم الإنسان عبادة واحدة ويترك ما عداها، لكن إذا فتح له باب من أبواب الدين والخير والفضل وثقل عليه غيره، يلزم هذا الباب الذي فتح له؛ لأن بعض الناس يفتح له باب الإنفاق، ويصعب عليه باب التعبد بالبدن، نقول: أكثر من الإنفاق، والعكس بعض الناس يتعبد ويصعب عليه الإنفاق نقول: استغل وقتك فيما سهل لك، هذا في غير الواجب، ما أوجب الله -جل وعلا-، ما أوجب الله ما فيه مندوحة ولا فيه خيار نقول: صعب عليه الإنفاق، صل مائة ركعة ولا تزكِ؟ لا، أو أنفق الألوف المؤلفة، واترك بعض الصلوات؛ لأنها ثقيلة عليك؟ لا، هذا الكلام غير صحيح، ما أوجب الله -جل وعلا- مطلوب من المسلمين عمومًا خف أو ثقل، لكن الكلام فيما زاد على ذلك في النوافل.

 انتهى الوقت؟

 والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"