شرح مختصر الخرقي - كتاب الصلاة (06)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فما زال الكلام في باب استقبال القبلة، وهو شرط من شروط الصلاة، ثبت بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، ومضى الحديث في الصلاة إلى غير جهة القبلة في حالتين:
في حالة صلاة الخوف إذا كان العدو إلى غير جهة القبلة، والثانية: في حال التنفل في السفر على الراحلة.
ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"ولا يصلي على" هكذا عندنا في الطبعة الأولى، وفي نسخ: "في غير هاتين الحالتين فرضاً ولا نفلاً" التطوع في السفر على الراحلة معروف أنه خاص بالنافلة، والسفر وصف لا شك أنه مؤثر، ولذا يمنع أكثر أهل العلم التطوع على الراحلة في الحضر، ويُذكر عن بعض السلف قول قل من قال به أنهم يتطوعون بالحضر، وهذا مناسب لمثل أوقاتنا التي تقضى فيها الأوقات الطويلة على السيارات، وبعض المشاوير كما يقولون: يأخذ ساعة في بعض البلدان، نعم قد يستغل الوقت بتلاوة أو ذكر، لكن التنوع في العبادات أمر مطلوب شرعاً، ومن نعم الله -جل وعلا- على المسلمين أن نوع عندهم العبادات، وأحياناً قد يحتاج إلى أن يتطوع على الراحلة في النوافل المقيدة التي تفوت بفوات وقتها، ولا يستطيع أن يصلي النافلة إلا على الراحلة، فلو قدر أن مريضاً تنتهي الزيارة بمسافة الطريق وشيء يسير بحيث يتمكن من الزيارة قبل خروج الوقت، فهل نقول: صل النافلة على الوجه الأكمل ولو فاتت الزيارة، أو نقول: أدرك الزيارة ولو فاتت الراتبة؟ أو نقول: صل الراتبة على الراحلة، واجمع بين هذه الأمور، وصلاة النافلة على الراحلة له أصل؟ أما كونها نافلة لا شك أنه وصف مؤثر في الحكم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يفعل ذلك في المكتوبة، هذا وصف مؤثر.
أما بالنسبة للسفر فلا شك أنه علق عليه وصف مؤثر في الرخص المتعلقة به، وهذه الرخص الوصف فيها مؤثر -أعني السفر- مع أنه وجد شيء من الترخص بدون هذا السبب، فالجمع قد يحصل في الحضر، وهو رخصة، لكن المسح يحصل في الحضر ثلاثة أيام بلياليها؟ نعم لا، القصر يحصل في الحضر؟ لا، الفطر يحصل في الحضر بغير المرض أو المشقة الشديدة التي لا تبقى معها الحياة الفطر في رمضان؟ لا، فالسفر وصف مؤثر في غير الجمع، يعني السفر وصف مؤثر في الجمع، لكن هناك حالات يجمع فيها بالحضر على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
فهل نقول لمثل هذا أنت بين أمرين: إما أن تترك عيادة المريض، وقد يكون من أقاربك، وقد يكون أحد أبويك، أو ممن له حق عليك، أدرك عيادة المريض ولو فاتت هذه الراتبة، أو أدرك الراتبة ولو فاتت عيادة المريض؟ عيادة المريض لا شك أنه أحياناً لا يكون هناك بديل لهذا الوقت، قد يقول قائل: لماذا لا يتقدم ويصلي في المستشفى؟ نقول: هذا شخص ليس له خيار ، مرتبط بعمل إلى أذان المغرب، ولو قلنا له: تصلي الصلاة في الطريق تختصر خمس دقائق قد تفوته الصلاة، وهذه العادة جرت بالنسبة لمن يقول: "الصلاة أمامك" يعني إذا خرج من بيته بعد الأذان فالغالب أنه تفوته الصلاة، الغالب؛ لأنه قد لا يتيسر له مسجد ملائم على طريقه، وقد يحصل ما لم يحسب له حساب فتفوته الصلاة، فنقول: اضمن الفريضة الآن، صل في مسجدك قبل أن تسير، فعندنا مفاضلة بين إدراك الراتبة على الوجه الكامل، وبين إدراك العيادة التي أوجبها بعض أهل العلم، ترجم البخاري -رحمه الله-: باب وجوب عيادة المريض، والمسألة مفترضة في شخص ليس عنده إلا الخيارين فقط، وإلا فبالإمكان أن يقال: قدم لك نصف ساعة، وصل في المسجد -مسجد المستشفى- وعلى الراحة يعني تدرك، لكن المسألة مفترضة في شخص لا يستطيع إلا أن يفوت أحد الأمرين، والمفاضلة بين هذه العبادات لا شك أنه معروف في الشرع أيهما أفضل؟ والذي يفوت، والذي يمكن تعويضه، احتمال هذا المريض يموت، أو لا توفق في زيارته مرة أخرى، فهل يقال في مثل هذه الحالة: صل على الراحلة أحسن من لا شيء، أو نقول: العبرة بالشرع؟ كونك لا تصلي النافلة هذه الراتبة أفضل من أن تصلي على وجه غير مشروع، يعني قول من قال -وهذا يميل إليه شيخ الإسلام- أن صلاة الجنازة إذا خشي أن ترفع يصليها بالتيمم، مع أنه واجد للماء، الماء موجود، فهل نقول: أدرك هذه الصلاة التي تفوت ترفع الجنازة وينتهي وقتها صلي عليها بالتيمم، أو نقول: لا تصل؛ لأن الله لا يعبد إلا بما شرع، وإنما شرع التيمم لفاقد الماء أو للعاجز عن استعماله؟ هذه مضايق أنظار تحتاج إلى دقة في النظر، نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
ما عنده فرصة، هذا في طريق، افترض أنه في طريق مسافر، أنت لا تفترض المسألة في حال سعة، تقول: والله ما الذي يمنعه أن يتقدم بعشر دقائق ويتوضأ، لا، افترض المسألة في شخص ليس عنده حل غير هذا، نعم؟
طالب:.......
ويش هو؟
طالب:.......
هذا متصور حتى في الحضر، يعني كانت الطرق في الرياض أحياناً تستغرق بالسيارة ساعتين من شدة الازدحام، لا تستطيع أن تتجه لا يمينا ولا يسارا، ولا أن تتوقف ولا شيء، يعني قبل هذه الجسور، وقبل هذه الأنفاق كانت في الرياض أزمة شديدة، فمثل هذه الحالة يمكن أن تنزل على "جمع في المدينة بين الظهرين وبين العشاءين، صلى سبعاً، وصلى ثمانياً من غير خوف ولا مطر" والعلة: أراد ألا يحرج أمته، والنزول من السيارة فيه حرج عظيم، والصلاة على الراحلة المكتوبة مع أنه جاء التنصيص على نفيها لا يمكن، فالجمع في مثل هذه الحالة له أصل، وأولى من الصلاة على الراحلة؛ لأن الصلاة على الراحلة يلزم عليها تنازل عن شروط، وعن أركان، فنعود إلى مسألتنا.
طالب: أحسن الله إليك انصرف أناس من عرفة إلى مزدلفة فلن يصلوا عرفة إلا مع الفجر.
انتهى الوقت، أو من مزدلفة إلى منى ما وصلوا إلا الساعة الحادية عشر الصبح.
طالب: ولم يستطيعوا الوقوف يا شيخ يصلوا المغرب والعشاء يا شيخ.
ومثله، هذا حصل ويحصل كثيرا في الانصراف من مزدلفة إلى منى، فما يصلون، ينصرفون قبل طلوع الفجر، ولا يصلون إلا في العاشرة صباحاً أحيانا، وهذا من شؤم مخالفة السنة، وإلا فالأصل أن ينصرف، نعم؟
طالب: هذا انصرف من عرفة على السنة يا شيخ.
على السنة، نعم، لكن الذي يحصل أكثر؛ لأن الوقت بالنسبة للمغرب والعشاء طويل، الذي يحصل كثيرا تفويت صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس، أو يصلون في السيارات، ولا يمكن الجمع يعني على الصورة الأولى بالنسبة للفجر، نعم، بالنسبة للمغرب والعشاء هذا الإشكال أنه ينصرف بعد غروب الشمس، وقد لا يصل إلى المزدلفة إلا بعد طلوع الفجر، وهذا يحصل، وإن كان قليلا، لكنه يحصل.
طالب:.......
نعم، فمثل هذه الحالة نحن رأينا بعض أهل التحري في مثل هذه الصور يقول: الصلاة هي رأس المال، أترك السيارة وأنزل ، أتوضأ وأصلي على التمام، ثم يذهبون، لاحق على...
طالب:.......
لا لا، بعض النساء، وصحبنا أحد المشايخ من أهل الفضل والتحري، نزل وصلى، لكن أمه ماذا يصنع بها؟ يدفها بعربية، وبالفعل أنزلها وصلت والسيارة ما تحركت، وإذا نزل غيره تحركت السيارة مباشرة، نزل وتوضأ وصلى، ثم بعد ذلك أنزل أمه في وقفة أخرى، وتوضأت وصلت على التمام، والسيارة واقفة، وإذا نزل غيره مشت السيارة على طول، هذا حاصل، والله أنا معهم في الباص، لكن الله المستعان.
في مثل هذه الظروف لا شك أن الله -جل وعلا- يعذر، لكن الفريضة لا بد من أدائها على الوجه المطلوب، لا بد أن تؤدى كاملة، لكن هناك صور ذكرها أهل العلم الصلاة في الباخرة مثلاً، وهي متحركة يمينا وشمالا، وقل مثل هذا في الصلاة في الطائرة، هو يستطيع القيام ويستطيع الركوع والسجود والطهارة إلا أن الطائرة قد تنحرف عن القبلة، فمثل هذا أمره يسير -إن شاء الله-.
طالب:.......
والله لا شك أن هذه الأمور مشكلة، والمسألة مسألة اتباع، والصحابي يقول: وكان لا يفعل ذلك في المكتوبة، فنقف عند هذا، قد نتنازل عن أمور، شرط في مقابل شروط، ركن في مقابل أركان.
طالب: يا شيخ إن راعينا الوقت فرطنا في كثير من الأمور، ولو راعينا أركان الصلاة فرطنا في....
وهناك أيضاً العلماء يرجحون بين هذه الأركان، وبين هذه الشروط، بعض الشروط ألزم من بعض عند بعض أهل العلم، فتجد مثلاً محافظة مالك على الوقت أعظم من محافظته على الطهارة، وغيره يقولون: الطهارة أهم من الوقت، مثل هذه المفاضلات تحتاج إلى دقة في النظر.
طالب:.......
إيه، لا بس أوجد بديلا للوقت، وإذا وجد البديل صار أخف مما لا بديل له، الشرط الذي له بدل أخف من الشرط الذي لا بدل له، نعم؟
طالب:.......
نعم، لكن قوله: "وكان لا يفعل" ذاك الوتر، والوتر آكد من الرواتب، ونحتاج إلى مثل هذا إذا قلنا: إن الرواتب في الحضر تصلى على الراحلة، وفي المسألة التي تصورناها قريباً لا شك أن يسر الشريعة يتناول مثل هذا، وتصلي على الراحلة وعلى السيارة ولو..، أفضل من كونك تهدرها مرة؛ لأن له أصلا، يعني الصلاة على الراحلة في النافلة له أصل، ليس مثل الشيء الذي لا أصل له، نعم؟
طالب:.......
ويش هو؟
طالب:.......
نعم، لا لا عامة أهل العلم على خلاف هذا، عامة أهل العلم على أنها لا تصلى في الحضر.
طالب:.......
ويش هو؟
طالب:.......
صحيح.
طالب:.......
وقد صلى الظهر، وأزف الغروب، ومثله صلاة الصبح وقد أزف طلوع الشمس.
طالب:.......
يعني كما شغل النبي -عليه الصلاة والسلام-عن الصلوات في غزوة الخندق، جاءه ما يشغله، وهو يحرص ويبذل الجهد، ويستفرغ، ولا يعرض صلاته، ولا يتهاون في أمره، إذا جاءه أمر لا يستطيعه.
قال: "ولا يصلي في غير هاتين الحالتين فرضاً ولا نافلة إلا متوجهاً إلى الكعبة، فإن كان يعاينها فبالصواب" يعني لا بد من إصابة عين الكعبة، وهذا من في داخل المسجد، وعرفنا أنه مع كثرة الناس، وكثرة الأعمدة، وكثرة الحوائل إصابة العين حتى داخل المسجد فيها عسر أحياناً، وأحياناً تعاد تكبيرة الإحرام إذا ركع الناس، كيف؟ يصلي، يكبر مع الناس، فإذا ركعوا وجده منحرفا عن الكعبة يمينا أو شمالا، إذا انحرف وجد الكعبة أمامه، وإذا بأول صلاته ليس مستقبلاً الكعبة، هذا لا بد أن يعيد تكبيرة الإحرام؛ لأنه في المسجد الذي أوجب أهل العلم فيه إصابة العين، أو نقول: يكفيه ما مضى على اجتهاده، هل هو محل اجتهاد داخل المسجد؟ ليس بمحل اجتهاد، لا بد من إصابة العين.
"فإن كان يعاينها فبالصواب، وإن كان غائباً عنها فبالاجتهاد بالصواب إلى جهتها" فالمطلوب الجهة عند الجمهور، وإن كان الشافعية يوجبون إصابة العين، ويكتفى عندهم في ذلك بغلبة الظن؛ لئلا يقول أحد: إنه مستحيل أن يصيب العين، إذا كان بعيداً مستحيل أن يصيب العين، فقول الشافعية لا وجه له، نقول: لا، الشافعية يقولون: لا بد من إصابة العين بغلبة الظن، إذا غلب على ظنه أنه أصاب العين، ولا شك أن هذا القول أضيق من قول الجمهور، ففيه من التحري أكثر.
يقول: "وإن كان غائباً عنها فبالاجتهاد بالصواب إلى جهتها، وإذا اختلف اجتهاد رجلين لم يتبع أحدهما صاحبه" اختلف اجتهاد رجلين لم يتبع أحدهما صاحبه، لماذا؟ لأن كل واحد يعتقد خطأ الآخر، يعني من الغرائب أن امرأتين من كبار السن تصليان في بيت إلى جهتين، كل واحدة ظهرها إلى ظهر الأخرى، وهما في بيت، بإمكانهما أن يسألا أهل البيت فيخبرونهما بالجهة، واحدة تصلي إلى الشمال، والثانية إلى الجنوب، وهذا سببه الجهل؛ لأن البلدان ليست محلاً للاجتهاد فضلا عن البيوت، فمن اجتهد في بلد إسلامي، ثم بعد ذلك وجد أنه أخطأ في الاستقبال يعيد الصلاة كما سيأتي.
"وإذا اختلف اجتهاد رجلين لم يتبع أحدهما صاحبه" لأنه عنده أن صلاته باطلة؛ لأنه يجزم بخطئه، أو يغلب على ظنه خطأه فإنه لا يجوز أن يقتدي به "ويتبع..." نعم؟
طالب: لو كان الفرق بينهما يسيرا؟
الفرق يسير مما يعفى فيه عند الجمهور أو لا يعفى؟
طالب:.......
مما يعفى الأمر سهل، يعني مثلما يقال في استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط لا يكفي أن ينحرف قليلاً يعفى فيه في الاستقبال في الصلاة، لا يكفي هذا، نعم؟
طالب:.......
لكن عنده في قرارة نفسه.
طالب:.......
أخطأ نعم، لكنه باجتهاده هو، وما يعتقد، وما يدين الله به أنه صلى إلى جهة فقد فيها الشرط، فهي باطلة عنده، لكنه مع هذا البطلان يعذره باجتهاده، مثل من يرى نقض الوضوء بلحم الإبل، يرى أن صلاة فلان ليست بصحيحة لو صلاها هو، يعني الصلاة حسب اعتقاده وحسب ترجيحه ليست بصحيحة، لكن هو معذور في اجتهاده، نعم؟
طالب:.......
طيب "ويتبع..." نعم؟
طالب:.......
لا يجوزأن ينحرف عن القبلة ولو يسيرا، إذا كان يعرف أن هذه القبلة هي التي اعتمدت ووضعت وأقرت من قبل ولي الأمر، ثم انحرف عنها من غير مبرر ما يصلح، نعم؟
طالب:.......
لا، إذا اطلع على خطأ في تحديد الجهة ينحرف عنه، ينحرف إلى الجهة، هذا ليس فيه إشكال، لكن إذا كان بالاتفاق جهة هذا المسجد إلى هنا، ثم قال: والله ما دام اليسير معفو عنه ألتفت يسارا، أصلي يسارا أو يمينا، ألستم تقولون: معفو عنه والمطلوب الجهة، وبين المشرق والمغرب قبلة؟ نقول: لا يا أخي، لا لا، أبداً.
طالب: لكن -أحسن الله إليك- لو كان في صف في الحرم، وتبين له أن في الصف انحرافا عن القبلة، فقلنا له: استأنف، هل يعتبر في حكم المنفرد لأن من في الصف صلاتهم باطلة منحرفون عن القبلة.
يعني ولا واحد من...؟
طالب: نعم أحياناً تكون فرشة، مثل ما تفضلت في الدرس الماضي فرشة تكون...
إيه يتصرفون، في الفرشات.
طالب:.......
لا، الآن في الفنادق والشقق في البلدان يضعون علامات إلى جهة القبلة، وقد يضعونها على ماسة، الماسة أحياناً يغير مكانها، ثم يصلون إلى الشرق أو إلى الشمال وإلا إلى الجنوب، فالتحري والتثبت لا بد منه، لا بد من التحري، الآن بعضهم يقول: أحياناً أنا أصف مع شخص أجزم ببطلان صلاته، إما في مثل هذه الصورة التي ذكرها الشيخ منحرف عن جهة القبلة، أو لأنه مرتكب بدعة مكفرة، هذا إذا كان يوجد غيره فالأمر فيه سعة، يعني هو في حكم السواري للحاجة لا بأس؛ لأنهم يطلقون الكراهة، والكراهة تزول بالحاجة، فهو في حكم السواري، لكن الإشكال إذا لم يوجد غيره فأنت فذ.
لكن من صلى صلاة يرى هو، أو يرى المصاف له أنها صحيحة، يعني افترض أنك أنت وثاني خلف الصف معك، ثم لما سلم قال له: أنا لست على طهارة، تبين له بعد أنه ليس على طهارة، نقول: صلاتك صحيحة، ما عليك منه.
"ويتبع الأعمى والعامي أوثقهما في نفسه" لأن المطلوب من العامي سؤال أهل العلم في جميع أبواب الدين، وفي مسائل الدين وأحكامه، هذا فرضه {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] لكن إذا اختلف عنده اثنان لا يجوز أن يتبع المفضول، أو من يرى مرجوحيته، يعني يراه مرجوحاً مع وجود الراجح إلا بمرجح، قد يقول: إن هذا العامي ليست لديه أهلية لمعرفة الراجح من المرجوح، أولاً: اختيار الأوثق والأعلم تكفي فيه الاستفاضة؛ لأنه ليست لديه أهلية، ولو قلنا: إنه لا بد أن تكون له أهلية لزم الدور، ألزمناه باجتهاده هو، هو مطالب بسؤال أهل العلم، ويكفي في مثل هذا الاستفاضة، يعني استفاض في مجالس الناس أن فلانا من أهل العلم، والله -جل وعلا- يضع في قلوب العباد لأهل التحقيق من أهل العلم المنزلة اللائقة بهم.
ومن خفي أمره على الناس مدة من الوقت لا بد أن ينكشف على حقيقته، يعني ولو لبس على الناس وعنده أساليب، وعنده أشياء، وظهر في وسائل الإعلام وغيره، ثم تبعه فئام من الناس، لا بد أن يظهر على حقيقته، فالاستفاضة في مثل هذا كافية.
الاستفاضة دلت على أن هذا عالم وهذا عالم، لكن هذا فاضل وهذا مفضول، نقول: لا، تتبع الأوثق؛ لأن هذه مسألة ديانة، الأعلم الأوثق الأورع، فلا بد من توافر العلم والدين والورع في العالم المقلَّد.
وليس في فتواه مفتٍ متبع |
|
ما لم يضف للعلم والدين الورع |
لأن بعض الناس عنده شيء من العلم، لكن الورع قليل، تجده ينحرف في فتواه لأمر من الأمور، أو لشيء رغبة أو رهبة، والآن في هذه القنوات ما خفي أمر مثل هؤلاء، ولا على عامة الناس، يعرفون، والله المستعان.
"يتبع الأعمى" الأعمى لا يستطيع أن يجتهد في مسائل القبلة لأنها مرئية؛ لأنها متعلقة بالبصر، هناك أشياء يعرفها من دقة ملاحظته كاتجاه الرياح، أو اختلاف التربة، يعرف الأعمى وهو سائر إلى بلد من البلدان، أو قرية من القرى، أو ضاحية إذا اختلفت التربة عرف أنه انحرف يمينا أو شمالا، وبعض المبصرين لا يفرق بين السهل والوعر، ليست مبالغة يا إخوان، بعض المبصرين -سبحان الله العظيم- ما عنده الحس الذي يستطيع به أن يفرق بين الواضحات، وبعض العميان عندهم من الحس المرهف ما يستطيع أن يفرق به بين الدقائق، والأمثلة كثيرة، يعني ما نحتاج إلى ضرب أمثلة، صحيح هذا الواقع يشهد بهذا، واحد من الشيوخ أعمى، ويقوده زميله مدة الدراسة خمس أو ست سنوات، وفي طريقهم من البيت إلى المسجد حصاة عقبة، أقسم المبصر بالله أنه لم يذكر له ولا مرة واحدة أن الحصاة وصلناها، مجرد ما يصل يرفع رجله، ويقول: أنا سقطت فيها مراراً، فالأعمى لا شك أنه في أمور المبصرات لا يكلف بما يكلف به المبصر؛ لأن الله لا يكلف نفسا ًإلا ما آتاها، نعم؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
هناك أعمى رأيته في بلد من البلدان، وأنا في الصف الثالث الابتدائي، سنة ثلاثة وثمانين، فرأيته في مناسبة زواج، وهو ما يسمع الرادو، وإلا قلنا: يمكن سمع الراديو وعرف الصوت، ما يسمع الراديو، سلمت عليه، قال واحد: أنت تعرف هذا؟ قال: عبد الكريم! قلت: نعم، ما شاء الله من أربعين عاماً؟ قال: لا، خمسة وأربعين، عجب، أمور يعني كأن فيها شيئا من الإعانة.
وشخص أعمى يخرج من المسجد، ويذهب إلى بيته من غير قائد، ولا تختل خطواته، وإذا وصل إلى الباب أخرج المفتاح ولا يحتاج إلى أن يتلمس شيئا، على طول على الفتحة، مفتاح الحديد هذا الصغير، يا أخي الشخص المبصر يمسك واحد بيد، والثاني بيد، وأحياناً يفتح باب غيره بعد، فالأمور يعني ما تنتهي، لا ينقضي العجب، يعني وإذا كان الصوت يمكن تمييزه، فكيف يمكن تمييز النَفَس؟ كيف تمييز النَفَس من فلان إلى فلان إلى ألوف من الناس؟!
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
ضرير سلم عليه شخص بعد عشر سنوات ولا تكلم، قال: فلان؟ قال: كيف عرفت؟ قال: نَفَسُك، كل شخص له نفسه، عجب!.
طالب:.......
إيه، لا لا، عجائب، يعني توجد آلات الكترونية الآن يوجد مرجع لها أعمى، هو الذي يقوم بإصلاحها، آلات الكترونية دقيقة، والله المستعان.
"وإذا صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم علم أنه قد أخطأ القبلة لم يكن عليه إعادة" لأنه بذل ما في وسعه واجتهد، فلا يكلف غير ما بذله، لكن إن صلى من غير اجتهاد إلى جهة ثم علم أنه أخطأ القبلة هذا لا بد أن يعيد، إذا لم يجتهد، أما إذا اجتهد فإنه لا إعادة عليه، وفي هذا حادثة الصحابة صلوا في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- كل اجتهد لنفسه، ووضعوا علامات إلى الجهات التي صلوا عليها، فلما أصبحوا وجدوا أنهم أخطأوا، فنزل قول الله -جل وعلا-: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} [(115) سورة البقرة] فالإنسان إذا اجتهد لا يكلف غير ما يستطيع.
"وإذا صلى البصير في حضر فأخطأ، أو الأعمى بلا دليل أعادا" لماذا؟ يعني ولو اجتهد البصير، أو اقتدى الأعمى بغيره في حضر فإن عليهم الإعادة، لماذا؟ لأن البلدان ليست محل اجتهاد، لكن البلدان الإسلامية التي فيها المحاريب أمرها معروف، لكن هناك بلدان غير إسلامية، ذهب فلان إلى علاج، وبحث عن مسجد، وبحث عن محاريب، وبحث عمن يخبره ضاقت به الدنيا ذرعاً، كأنه في برية، لا يجد من يكلمه بلغته، ولا يجد من يخبره، هل نقول: إن هذا حكمه حكم السفر، أو نقول: حكمه حكم الحضر؟ نعم؟
طالب:.......
إذا كان لا يصل إلى الحقيقة وإصابة جهة القبلة، فإنه لا يصل بحال، هذا معذور حكمه حكم السفر؛ لأن وجود مثل هذا المجتمع ببنيانه وسكانه مثل عدمه.
"ولا يتبع دلالة مشرك بحال" لأن المسألة شرعية، والمقتدى به في مثل هذه الأمور حكمه حكم المخبر، والمخبر لا بد أن يكون ثقة؛ ليعمل بخبره، والمشرك ليس بثقة، وقد يتعمد تضليل المسلم، لكن إن كانوا في أعمالهم يحتاجون إلى تحديد الجهات؛ لأن عملهم يقتضي هذا، فدخل محلا من المحلات وقال: هذه جهة كذا، وهذه جهة كذا، ليس من أجل الصلاة، ولا من أجل إخبار هذا المسلم يعتمد على مثل هذا؟ هل نقول: إن هذا إخبار ولا يقبل خبره؟ لأن الخبر إما أن يكون خبر دين فيشترط في المخبر ما يشترط في الرواة، أو يكون خبر دنيا، انتبهوا يا الإخوان.
عرفنا أنه لو قال المشرك للمسلم: هنا القبلة، لا يقبل خبره؛ لأنه ليس من أهل الرواية الذين تقبل روايتهم، لكن عمله أو عمل هذه الجهة يتطلب تحديد الجهات، فدخل هذا المحل، هذا المصنع، هذه الورشة، هذا المكتب وجد فيه هذه الجهات من أجل عملهم الدنيوي، فليس الخبر حينئذٍ خبرا دينيا بالنسبة لصدوره منهم إليه، هذا ليس بخبر ديني، يعني كما لو سأل عن السفارة مثلاً، دخل بلد كفار، وقال: أين محل السفارة؟ وقالوا له: السفارة هناك، هل نقول: لا تقبل لأنهم كفار؟ نعم؟ لأنه ليس بخبر دين، الأصل في تحديد القبلة والدلالة عليها أمر دين، لكن هم ما تعمدوا هذا من أجل الدين، من أجل أمور دنياهم، فهل نقول: إن خبرهم يقبل في مثل هذا؟ خبرهم يقبل في مثل هذا؛ لأنهم حددوا ووضبوا أمورهم على تحديد الجهات؛ لأن عملهم يتطلب التحديد، أو نقول: هذه قرينة إن وجد ما هو أقوى منها وإلا إن كان من أهل الاجتهاد لم يعمل بها، وإن كان من غير أهل الاجتهاد هذا أقصى ما يمكنه؟ نعم؟
طالب:.......
الفاسق هل يقبل خبره في الدلالة إلى القبلة؟ نعم؟ لا، إن كان مجرد خبر نحتاج إلى تثبت، وإن عمل به وهو يتدين بالصلاة، إن عمل به وصلى إلى هذه الجهة، وهو أعرف من القادم إلى هذه المنطقة من غيره، نقول: ما دام يتدين بهذا فلا يظن به أنه يخون نفسه، وإن ظن به أنه يغرر بغيره، وإلا ما الداعي لأن يصلي وهو يعرف القبلة؟ عرفنا الفرق؟
طالب:.......
إيه؟
طالب:.......
هذا يحتاج إلى وجود القرائن الدالة على صدقه، لا سيما وأن مثل هؤلاء الذين يُجعلون في الاستقبال، يجعلون على قدر من حسن التعامل مع الناس، التجار يقصدون هذا، سواءً كان في الشقق أو في غيرها، فإذا دلت القرينة على صدقه يقبل قوله.
طالب:.......
وهو من أهل البلد؟ وغلب على ظنك صدقه؟ انظر ماذا يقول: "وإذا صلى البصير في حضر" يعني ولو اجتهد، وعرف العلامات ونظر فيها ثم تبين خطأه لا بد من الإعادة.
طالب:.......
ثقة هو؟
طالب:.......
لكن هل هو ثقة أو لا؟
طالب:.......
إذا كان ثقة فمثل الاجتهاد إذا لم يجد غيره، يعني إذا لم يكن هناك معارض، ولو سأل أكثر من شخص ليتأكد لكان هذا هو الأصل؛ لأن مثل هذا يوجد ريبة فيتأكد منه.
"ولا يتبع دلالة مشرك بحال وذلك..." وهذا موجود التعليل في بعض النسخ "وذلك لأن الكافر لا يقبل خبره ولا روايته ولا شهادته؛ لأنه ليس بموضع أمانة" يعني من شروط قبول الرواية أن يكون عدلاً ضابطاً، يعني يكون ثقة، أما إذا تخلفت العدالة فلا قبول؛ لأنه لا يؤمن أن يغرر وأن يفسد صلاة المسلم، لا يؤمن من الكافر، وذلك لأن الكافر لا يقبل خبره، يعني من شرط قبول الخبر ارتفاع الفسق {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [(6) سورة الحجرات] وإذا كان هذا في الفاسق المسلم فكيف بالكافر؟
لكن لو افترضنا أن كافراً عرف القبلة حال كفره، ثم أسلم فأخبر بعد إسلامه، يعني بعد أن انتقل عن البلد، تصور كافرا في بلد كفار، ويعرف جهة هذا البلد، ثم انتقل إلى بلد آخر فأسلم، فاتصل عليه من بلده الأصلي، وقيل له: أين جهة القبلة؟ قال: جهة القبلة أين أنت الآن؟ قال: أنا في المحل الفلاني، قال: اجعل كذا على يمينك، وكذا على يسارك وصل، هو يعرف القبلة حال كفره، ثم أدى هذه المعرفة بعد إسلامه، يصح قياساً على روايته أو لا؟ نعم هناك فرق بين التحمل والأداء، يعني في حال التحمل لا يشترط الإسلام ولا الثقة ولا البلوغ، فيتحمل الكافر، يتحمل الفاسق، يتحمل الصبي، لكن في حال الأداء لا يقبل إلا بعد استيفاء الشروط، ولا روايته ولا شهادته، تقبل شهادة الكافر المشرك في الوصية في السفر؛ لأنه ليس بموضع أمانة، وإذا ردت شهادة الفاسق، ورد خبر الفاسق فلئن يرد خبر الكافر من باب أولى.
طالب: شهادته على مثله يا شيخ؟
يفرقون بين الشهادة للشخص والشهادة على الشخص.
طالب: لا، عليه.
افترض أنه كافر شهد على أبيه أو على ابنه، فاسق شهد على أبيه أو على ابنه، هذا مثل اعترافه على نفسه يقبل، لكن لا يقبل على غيره إلا بعد توافر الشروط.
الصغير أهل العلم قد يقبله، فمنهم من يقبله إذا كانت القضايا بين الصغار قبل أن يتفرقوا؛ لأنهم إذا تفرقوا أُثر عليهم، وأما هم في مكانهم فبراءتهم تدل على صدقهم.
طالب: أحسن الله إليك لما أقام النبي -صلى الله عليه وسلم-الحد على اليهوديين ألم يقمه بشهادة اليهود عليهم؟
اليهوديين لما أحضر التوراة؟
طالب: لما أقام الحد على هذين بوصفهما زانيين .
إيه، لكنهما ما أنكرا الزنا، لكن أنكرا الرجم.
طالب: إيه، لكن الكلام على إقامة الحد عليهم؟
إقامة الحد بشرعهم الموافق لشرعنا.
طالب: لكن أليس بشهادة أهل ملتهم عليهم بالزنا؟
لا، هم ما أنكروا، شهد عليهم أهل ملتهم واعترفوا، لكن الخلاف في الحد ما هو؟ هل يسودون؟ هل يشهر بهم؟ هل كذا؟ "إنا لا نجد الرجم" فلما بحثوا وجدوا فرجموا، ما أنكروا الزنا.
طالب:.......
وين؟
طالب:.......
اتجاه من أمر لأمر، هو يعرف أنك تسأله لأمر دين أو أمر دنيا؟
طالب:.......
يعني أنت في بلد كفار قلت له: أين السفارة؟ قال: في المحل الفلاني، هذا ما يتهم في هذا، ما يتهم.
طالب:.......
وين؟
طالب:.......
لا ما في ثقة.
طالب:.......
لكن ليس بثقة مهما كان، لكن قد يخبرك ثقة مسلم من خيار الناس، ويخطئ في خبره، هاه؟
طالب:.......
إذا تعينت، لا توجد وسيلة إلا هم، نعم، إذا لم يوجد غيرهم، على كل حال إذا لم يوجد غيرهم من يشهد، نعم؟
طالب:.......
لا، ما تقبل؛ لأن العبرة في حال الأداء لا في حال التحمل، جبير بن مطعم لما جاء في فداء أسرى بدر، سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في المغرب بسورة الطور وهو كافر في وقتها، ثم لما أسلم حدث بهذا الخبر، وتحمل عنه وقبل، وخرج في الصحيحين وغيرهما، نعم؟
طالب:.......
من هو إيش؟
طالب:.......
ما دام يقبل خبرها في الرواية يقبل خبرها في العبادة، سواءً كان ذكراً أو أنثى، حرا أو عبدا، النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل تزكية بريرة.
طالب: بعض النساء تقول: لها كذا سنة تصلي في هذا البيت تصلي إلى غير القبلة جهلاً، ولا تنبه لها أهل البيت فينبهونها هل تؤمر بالإعادة يا شيخ...؟
تحصي أو ما تحصي؟
طالب: ما تحصي.
ما تحصي، المشقة تجلب التيسير، لكن عليها أن تعتني، نعم؟
طالب:.......
ويش فيه؟
طالب:.......
اشتبه طاهر بنجس؟
طالب:.......
لا، لا.
طالب:.......
لا لا، لا يتحرى ولا شيء يتركه، ما دام طاهرا بنجس يتركه.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد...
إذا وجد عالمان بهذه المثابة، ولم يستطع الترجيح بينهما، أو وجد مرجحات لهذا، ومرجحات لهذا، فلم يستطع الترجيح فإنه يسعى لإبراء ذمته، يعني مثلما قال أهل العلم فيما إذا تعارض دليلان من غير ترجيح، لم نستطع أن نرجح بينهما، لكن أحدهما يدل على اليسر والسهولة، والثاني يدل على الاحتياط، فيه احتياط، فمن أهل العلم من يقول: يأخذ بالأيسر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وهذا له من ينصره، والأكثر يقولون: يأخذ بالأحوط؛ لأنه أبرأ للذمة، والمراد بالأيسر يختار الأيسر في وقت التخيير، أما الآن فلا تخيير، عندك راجح أو مرجوح، إن لم تستطع فالتوقف حتى يترجح لك أحد الأمرين، وإذا أمكن الاحتياط والخروج من العهدة بيقين فهذا أليق بلا شك، الخروج من العهدة بيقين، أما القول بأن إطلاق القول بأن الشريعة مبنية على اليسر والدين يسر، ولن يشاد الدين أحد..، هذا على العين والرأس صحيح، لكنه أيضاً دين تكاليف، والجنة حفت بالمكاره، وإذا حصل مثل هذا فلا يكن ميلك إلى ما يوافق هواك، يعني سألت من أهل العلم في مسألة من مسائل الحج، فقال: عليك دم، ثم بحثت لتسأل غيره وإن كان أعلم منه، فقال: ما عليك شيء، ما الدافع إلى السؤال؟ هل الدافع إلى السؤال مزيد التثبت والتحري، أو الدافع له البحث عما يوافق هوى النفس؟ لا شك أن الإنسان المطلوب منه إبراء الذمة، وأن يخرج من العهدة بيقين، قد يقول قائل: وقعت أنا وزميلي في أمر، في محظور واحد، فزميلي سأل شيخه قال: ما عليك شيء، وأنا سألت شيخا: وقال: عليك دم، فليس هذا معقولا، قضيتنا واحدة، هو ما عليه شيء، وأنا علي، لا بد أن أسأل، هذا اتباع للهوى، بل الثاني اللائق به أن يتحرى ويتثبت، هو عرف أن في المسألة قولين يذهب ويطلب مرجحا، هذا الذي أفتي بأنه ليس عليه شيء، وإن كانت الفتوى ليست بصحيحة فإثمه على من أفتاه.
لا، الأفضل الطيبي، والطيبي شيخ لصاحب المشكاة، أشار عليه بتأليف الكتاب، ثم شرحه، شرح الكتاب، وكثير من الناس يأنف أن يُعنى بكتاب لشخص دونه في السن أو في المنزلة، يأنف، يرى أن قدره أكبر، وهذا كما قال: لا يتعلم العلم مستحٍ ولا متكبر، فلا بد أن يأخذ العلم عمن هو فوقه ومثله ودونه.
الطيبي ذكروا في ترجمته أنه يجلس لدرس التفسير بعد صلاة الصبح إلى أذان الظهر جلسة واحدة، ثم يجدد الوضوء، ويصلي الظهر، ثم يجلس لدرس الحديث درس البخاري إلى أذان العصر، ثم العصر كذلك، والمغرب كذلك، وعاش على ذلك مدة، ثم مات وهو ينتظر صلاة الظهر بعد درس التفسير، همم، هذه همم، قد يعدها كثير من طلاب العلم في عصرنا ضرب من الخيال، لا يمكن أن يجلس الواحد جلسة واحدة من أن يصلي الصبح إلى الظهر إذا كان هذا في تعليم، والتعليم لا شك أنه شاق، لكن إذا كانت المسألة قراءة كتاب وتعليق، فالمسألة أسهل، لكن أيهم أسهل التعليم أسهل أوالصلاة؟
الحافظ عبد الغني حفظ عنه أنه يصلي من ارتفاع الشمس إلى قرب الزوال، هذا أيضاً شاق، لكن بعض الناس ييسر له بعض الأمور، ويشرب حبها فتهون عليه، تسهل عليه، يعني ييسر له، ويفتح له باب التعليم، ويتجاوز مرحلة المجاهدة إلى مرحلة التلذذ، ويوجد في السابق، وفي الوقت الحاضر من يتلذذ بالتعليم، ومنهم من يحتاج إلى جهاد لكل درس على حدة، مثل هذا لا شك أنه يعجب السامع لسيرته وحياته، وموجود من الشيوخ المعاصرين من يتناوب عليه الشباب، يملون من كثرة دروسه وارتباطاته ولقاءاته، يملون، يتناوب عليه خمسة، ستة، وهم شباب، وهو كبير في السن، لا شك أن هذا فتح من الله -جل وعلا-، وتيسير لليسرى، والله المستعان.