التعليق على تفسير سورة الفاتحة من تفسير الجلالين (04)

 بسم الله الرحمن الرحيم،

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: {الْحَمْدُ للّهِ} [(2) سورة الفاتحة] جملة خبرية قصد بها الثناء على الله بمضمونها على أنه تعالى مالك...

بمضمونها؟

بمضمونها على أنه تعالى...

كذا عندكم؟ من أنه؟ من أنه

من أنه تعالى مالك لجميع الحمد من الخلق، أو مستحق لأن يحمدوه، والله علم على المعبود بحق.

نعم إيه عدّل من أنه تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المفسر -رحمه الله تعالى-: {الْحَمْدُ للّهِ} [(2) سورة الفاتحة] جملة خبرية، وإذا قدرنا الأمر (قولوا) فتكون هذه الجملة في موقع مقول القول، وحينئذٍ يكون محلها النصب، فهي جملة خبرية قصد بها الثناء على الله -سبحانه وتعالى-، بلفظها أو بمضمونها؟ ويكون قصد بها الثناء على الله بمضمونها من أنه تعالى مالك لجميع الحمد، اللفظ: الحمد لله، وأيضاً قوله: قصد بها الثناء، هذا ما عليه الجمهور من تفسير الحمد بالثناء، فالحمد عندهم سواء كانوا من المفسرين أو من غيرهم يطلق ويراد به الثناء على الله -سبحانه وتعالى-، هذا إذا أضيف إلى الله، وإذا أطلق فالمراد به الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية بخلاف الصفات الإجبارية، متى يحمد الإنسان؟ يحمد إذا كانت خصاله الاختيارية محلاً للحمد والثناء، أما الصفات الإجبارية كون الإنسان أبيض، كونه طويل أو قصير أو غير ذلك من الصفات الإجبارية التي لا يد له بها، يحمد عليها؟ لا، إنما يحمد على الصفات الاختيارية التي يستطيع فعلها، ويستطيع مفارقتها، وفسّر ابن جرير -رحمه الله تعالى- الحمد بالشكر خالصاً لله -جل ثناؤه- دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برء من خلقه، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد، فالجمهور فسروا الحمد بالثناء، وابن جرير فسره بالشكر، وروى بسنده عن ابن عباس تفسير الحمد بالشكر، والسند إلى ابن عباس ضعيف، وأيضاً روى بسنده مرفوعاً إذا قلت: الحمد لله رب العالمين فقد شكرت الله فزادك، وسنده أيضاً ضعيف. تفسير الحمد بالشكر، وهو ما ذهب إليه ابن جرير معروف أنه على خلاف ما قال جمهور العلماء من أن الحمد غير الشكر، بين الحمد والشكر عموم وخصوص وجهي، فالحمد أعم مطلقاً، وأخص من وجه، أعم من وجه، وأخص من وجه، والشكر أعم من وجه، وأخص من وجه، فالحمد أعم من حيث المتعلق؛ لأنه -سبحانه وتعالى- يحمد على كل حال، في مقابل النعم وفي غير مقابل النعم، بل لا يحمد على مكروهٍ سواه، فهو أعم من هذه الحيثية، فإذا أصاب المرء مصيبة قال: الحمد لله، لكن هل يشكر الله على هذه المصيبة؟ لا، فهو أعم من هذه الحيثية، وأخص من حيث تعلقه باللسان فقط، بخلاف الشكر، أما الشكر فلا يقع إلا في مقابل نعمة، ويكون باللسان والجوارح والقلب وغيره، فبينهما عموم وخصوص وجهي، هذا ما قرره أهل العلم بالنسبة للحمد والشكر، أما بالنسبة للحمد مع الثناء فالجمهور على ما ذكرنا، يفسرون الحمد بالثناء، والذي حرره ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الوابل الصيب أن الحمد غير الثناء، فالحمد هو الإخبار عن الله -سبحانه وتعالى- بصفات كماله مع محبته والرضا به، الإخبار عن الله -سبحانه وتعالى- بصفات كماله مع محبته والرضا به، فلا يكون المحب الساكت حامداً، ولا المثني بلا محبة حامداً، حتى تجتمع له المحبة والثناء، فإن كرر هذا الإخبار عن الله -سبحانه وتعالى- بصفاته، إن كرره كان هذا التكرار ثناءً، يقول: فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء كان مجداً، إذاً صفات كمال وصفات جلال، وبعضهم يضيف صفات جمال، هذا لا يوجد في كلام المتقدمين من السلف، تقسيم الصفات إلى ثلاثة أقسام، نعم يوجد في كلام المتأخرين، لكنه في كلام المتقدمين لا يوجد لا سيما حصر الصفات في الأقسام الثلاثة. فالإخبار عن الله بصفات كماله هذا حمد، المدح والثناء بصفات الجلال والعظمة والكبرياء هذا مجد، تكرار المحامد ثناء، يقول: "وقد جمع الله تعالى لعبده الأنواع الثلاثة في أول الفاتحة فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، هذا في الحديث الصحيح ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليّ عبدي)) فغاير بين الحمد والثناء، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، و(أل) في الحمد لله هذه للاستغراق، فجميع أجناس الحمد، وصنوفه وأفراده لله -سبحانه وتعالى-، كما جاء في الحديث: ((اللهم لك الحمد كله)) واللام في لله للاختصاص، نقول: للاختصاص أو للملك؟ إذا كان ما قبل اللام معنى كان للاختصاص، إذا قلنا: المسجد لله ملك، وإذا قلنا: المسجد لبني حارثة، وش يجي؟ أو المسجد لبني زريق، جاءت النصوص بهذا، في الحديث الصحيح، اللام هذه لإيش؟ هم يقولون: إذا كان ما قبل اللام معنى كان للاختصاص، المسجد لبني زريق، إذا قلنا هذا، أو مسجد بني زريق، الإضافة تفيد، تفيد الملك؟ لا، شبه الملك؟ لا، القفل للباب، الجل للفرس، المقبرة لبني فلان، على القول بأن المصحف لا يملك، المصحف لفلان، مصحف زيد،

طالب:......

نعم، لكن التعريف وش فائدته؟ يعني أيهما أعلى مرتبة الملك أو الاختصاص؟

طالب:......

نعم؛ لأن المالك يتصرف في المملوك، بينما المختص لا يتصرف فيما اختص به، قالوا: اللام هنا للاختصاص؛ لأن ما قبلها معنى، هذا جاري على قاعدتهم، لكن إذا قلنا: الملك أرفع من الاختصاص، نعم هو أرفع من الاختصاص في الأجسام، فيما يتصرف فيه، والاختصاص هنا معناه القصر، فقصر الحمد المستغرق بـ(أل) لجميع أنواع المحامد وصنوفه مخصوص لله -سبحانه وتعالى-.

اقرؤوا يالإخوان، خلينا نمشي.

طالب: بالنسبة للتقسيم عند المتأخرين للصفات ما يخالف منهج السلف؟

حصر القسمة في الثلاثة جلال وجمال وكمال، لا يوجد في كلام السلف، تقسيم أو حصر حادث طارئ، لكن وجد في كلامهم صفات الكمال، وجد أن هذا من صفات الكمال لله -سبحانه وتعالى-، وأيضاً الجلال والعظمة لله -سبحانه وتعالى- معروف هذا، والجمال وصف الجمال، أما تصنيف الصفات إلى ثلاثة أقسام وحصر القسمة فيها هذا لا يعرف، نعم يوجد الألفاظ الثلاثة في كلامهم متفرق، الألفاظ الثلاثة موجودة في كلامهم متفرق، يعني نظير ما قالوا في تقسيم الحديث إلى ثلاثة أقسام، يوجد في كلامهم الصحيح، يوجد في كلامهم الضعيف، يوجد في كلامهم الحسن، لكن حصر القسمة في الثلاثة أول من قال به من؟ حصر القسمة في الثلاثة؟ الخطابي، الخطابي هو أول من حصر القسمة في الثلاثة، وأورد عليه ابن كثير، وأجيب هذه الإيرادات، والقسمة صحيحة، نعم الحصر لا يوجد في كلام المتقدمين، لكن أفرادها موجودة.

{رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(2) سورة الفاتحة] أي مالك جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة والدواب وغيرهم، وكل منها يطلق عليه عالم، يقال: عالم الإنس وعالم الجن إلى غير ذلك، وغُلّب في جمعه بالياء والنون أولي العلم على غيرهم، وهو من العلامة؛ لأنه علامة على موجده.

رب العالمين، الرب يطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح، وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى؛ لأن الرب من التربية، فالرب هو الذي ربى جميع العالمين بنعمه، وهو سيدهم، وهو خالقهم ومالكهم، ولا يستعمل الرب بغير إضافة إلا لله -سبحانه وتعالى-، أما بالإضافة فيجوز أن يطلق على غير الله -سبحانه وتعالى-،  فتقول: رب الدار، رب الدابة، وغير ذلك، يقول ابن جرير: "والعالمون جمع عالم، والعالم لا واحد له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش ونحو ذلك" العالم لا واحد له من لفظه، والعالم اسم لأصناف الأمم فكل صنف منها عالم، وأهل كل قرنٍ من كل صنفٍ منها عالم ذلك القرن، وعالم ذلك الزمان، ولذا جاء تفضيل بن إسرائيل على العالمين، والمراد بهم على زمانهم، وإلا فهذه الأمة أفضل من بني إسرائيل، وغُلّب في جمعه بالياء والنون أولو العلم على غيرهم، أي جمع العالمون جمع مذكر سالم، ومن شرطه أن يكون إيش؟ من شرط جمع المذكر السالم أن يكون لعاقل، فإذا قلنا: من شرط الجمع المذكر السالم أن يكون لعاقل فكيف نقول: من كل صنف من المخلوقات عالم الدواب عالم الطير عالم..، كيف نجمعهم جمع مذكر سالم؟ يقول الشارح: غلّبوا يعني العقلاء على غيرهم لشرفهم، فلا شك أن من يعقل أشرف ممن لا يعقل، ومنهم من خصّ العالم بالعقلاء، وعلى هذا إذا خصصنا العالم بالعقلاء، لا نحتاج إلى أن نقول: خصوا بذلك لشرفهم، بل جاء الجمع جمع المذكر السالم على أصله، وهو مروي عن ابن عباس قال في تفسير الآية: رب العالمين رب الإنس والجن، واستدل له القرطبي بقوله تعالى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [(1) سورة الفرقان] والعالمون هنا الإنس والجن، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] وقال الفراء وأبو عبيدة: "العالم عبارة عما يعقل، وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين" يعني ذكر الشياطين له داعي وإلا ما له داعي؟

طالب: ما له داعي.

لماذا؟ لأنهم من الجن والإنس {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [(112) سورة الأنعام] فالشياطين عقلاء، لكن لهم قلوب لا يفقهون بها، أو لا يعقلون بها، الإنس والجن والملائكة، الملائكة عقلاء وإلا ليسوا عقلاء؟

طالب:.......

ما في خلاف؟

طالب:.......

الإنس والجن عقلاء؛ لأنهم مكلفون، والتكليف مناطه العقل، الملائكة؟

طالب:.......

وش هو؟ إذاً ما عندهم عقل!

طالب:.......

فهم من أعقل المخلوقات، في رسالة اسمها: تنبيه النبلاء إلى الرد على حامد الفقيه في قوله أن الملائكة غير عقلاء، رسالة مطبوعة، الظاهر أنها للمعصومي الخجندي، المقصود أن بحث مثل هذه المسألة يعني إن كان العقل الذي به تشريف العاقل فهم أولى الناس به، وإن كان المراد به العقل الذي هو مناط التكليف، وأنهم به صاروا مكلفين باتباع الأوامر والنواهي فهم متبعون، لا يعصون، ويفعلون ما يؤمرون، فإذا فعلوا ما أمروا به، ولم يعصوا، ولم يرتكبوا ما نهوا عنه، هذا هو عين العقل.

وقوله: وهو العلامة؛ لأنه علامة على موجده، فالعالم هو ما سوى الله -سبحانه وتعالى- حادث، وكل حادث لا بد له من محدث وموجود، فهذه الموجودات وهذه المخلوقات علامة ودليل برهان على موجدها، كما أن الأثر يدل..، وكما أن البعرة تدل على البعير، فإذا وجدت أثراً لماشٍ على الأرض تجزم بأن هناك مسير، هناك من سار على هذه الأرض، وإذا وجدت بعرة بعيرة تجزم بأنه قد حل هنا بعير، يقول تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [(35) سورة الطور] فلا يعقل أنهم خلقوا من غير خالق، ولا يتصور أنهم هم الخالقون لأنفسهم؛ لأن المعدوم لا يخلق ولا يوجد، فلا بد لهم من خالقٍ غيرهم، وهو الله -سبحانه وتعالى-، وجاء في حديث عن قصة جبير بن مطعم أنه لما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في سورة المغرب من سورة الطور وصل إلى هذه الآية كاد قلبه يطير، حجة دامغة، حجة ملزمة {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [(35) سورة الطور] كما جاء في المثل، وأن هناك سفينة كبيرة تجري في البحر على ظهرها ما على ظهرها من أنواع البضائع، وصنوف المأكولات والمركوبات والمشروبات وغيرها هذه لا بد لها من موجد، لا بد لها من صانع، وهذه المخلوقات لا بد لها من صانع؛ لأنها لا يتصور أن تخلق نفسها، ولا يتصور أنها وجدت هكذا من غير سبب، ومن غير موجود، لهذا يقول الشاعر:

وفي كل شيءٍ له آية

 

تدل على أنه واحد

-سبحانه وتعالى-.

طالب:.......

جاء في الحديث الصحيح ((والحمد لله)) نعم ها؟

طالب:.......

أين هي التي تملا؟ من يذكر الحديث كامل؟

طالب:.......

((الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء...))

طالب:.......

((وسبحان الله، والحمد لله تملآن، أو تملأ)) الآن المفاضلة بين التسبيح والحمد، أيهما أفضل؟ المفاضلة بين التسبيح والحمد، إذا قلنا: تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، ولا إله إلا الله لو وضعت في كفة والسماوات السبع والأراضين السبع لمالت ورجحت بهن لا إله إلا الله، لا شك أن لا إله إلا الله، هي أفضل الأذكار، وجاء في الحديث الصحيح: ((خير الدعاء، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله)) فأفضل الأذكار على الإطلاق لا إله إلا الله، والمفاضلة عند أهل العلم بين التسبيح والتحميد، فالتسبيح هو التنزيه، والتحميد هو الإخبار عن الله -سبحانه وتعالى- بصفات كماله، وعلى كلٍ هن الباقيات الصالحات، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا يضرك بأيهن بدأت، وفي كل واحدةٍ منها شجرة في الجنة، في الحديث الصحيح عن إبراهيم -عليه السلام-: ((أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان وغراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر))

أو ما علمت بأنها القيعان
وغراسها التسبيح والتحميد

 

فاغرس ما تشاء بذا الزمان الفاني
والتكبير والتوحيد للرحمنِ

المقصود أن هذه الكلمات الأربع خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، ثوابها عظيم، وهن الباقيات الصالحات، {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [(46) سورة الكهف] والحديث الصحيح الذي ختم به الإمام البخاري صحيحه: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) لكن الحرمان لا نهاية له، وفضل الله لا يحد، فمن وفّق، وجعل لسانه رطباً بذكر الله سواءً كان بتسبيح أو تحميد أو تهليل أو تكبير أو غيرها مما جاءت به الأخبار فهو الموفق، ومن حرم فصمت فهو محروم، ومن نطق بمفضول أو ممنوع فأشد في الحرمان، فهو الخسران، نسأل الله العافية.

طالب: الاشتقاق -يا شيخ- العالم من العِلْم وإلا العَلَم؟

العالم مشتق من إيش؟ من العلامة؛ لأنه علامة على خالقه وموجده، أو من العِلْم لأن من شأنه أن يعلم، فالذي يخص العالم بالعقلاء يقول: من العِلْم، والذي يجعل العالم عام لجميع ما سوى الله -جل وعلا- هو قول الأكثر يجعله من العلامة.

{الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} [(3) سورة الفاتحة] أي ذي الرحمة، وهي إرادة الخير لأهله.

نعم، تقدم تفسير الرحمن الرحيم في تفسير البسملة، والمفسر هنا جرى على طريقة الأشعرية في تأويل صفة الرحمة لله -سبحانه وتعالى- بإرادة الخير، تفسير الصفة بلازمها، بإرادة الخير لأهله أي لمن يستحقه، فراراً من إثبات صفة الرحمة لله -سبحانه وتعالى-، والذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله -سبحانه وتعالى- لنفسه، وما أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من صفات الكمال، ونعوت الجلال على ما يليق بجلاله وعظمته من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تأويل، ولا وتعطيل، وفي صحيح البخاري: الرحمن الرحيم اسمان من الرحمة، الرحيم والراحم بمعنىً واحد، كالعليم والعالم، وذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري عن ابن المبارك: الرحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب، الرحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب، ثم قال: ومن الشاذ ما روي عن المبرد وثعلب أن الرحمن عبراني، والرحيم عربي، وقد ضعفه ابن الأنباري والزجاج وغيرهما، وقد وجد في اللسان العبراني لكنه بالخاء المعجمة، يقول: الرحمن عبراني، نعم هو وجد بالعبرانية لكنه بالخاء المعجمة، ومعروف اللغة العبرية أكثرها خاء، الشين والخاء لا تكاد تخلو منها جملة من جمله.

{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [(4) سورة الفاتحة] أي الجزاء، وهو يوم القيامة، وخص بالذكر لأنه لا ملك ظاهراً فيه لأحد إلا لله تعالى، بدليل {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ} [(16) سورة غافر] ومن قرأ مالك فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة، أو هو موصوف بذلك دائماً كغافر الذنب، فصح وقوعه صفةً لمعرفة.

{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [(4) سورة الفاتحة] أي الجزاء، قرئ مالك وملك وكلاهما صحيح، بل متواتر، ويقال أيضاً: مليك بالياء، وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ ملكي يوم الدين، وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ: ملَك يوم الدين، على أنه فعل وفاعل ومفعول، ملَك يوم الدين، قال ابن كثير: وهذا غريب شاذ جداً، يعني ينقل عن أبي حنيفة قراءات كما هنا: ملَك يوم الدين، والله أعلم بثبوتها عنه، ونقل عنه أيضاً: إنما يخشى اللهُ من عباده العلماء، هذه قراءة منقولة عن أبي حنيفة، ولا تثبت عنه، لا هذه ولا تلك، قال ابن كثير: "وهذا غريب شاذ جداً، أما القراءتان المتواتران مالك وملك فقد رجّح كلاً منهما مرجحون، من حيث المعنى، ملك ومالك، فمن رجح ملك بدون ألف استدل بما أشار إليه المفسر؛ لأنه لا ملك ظاهراً فيه لأحد إلا لله -سبحانه وتعالى-، بدليل قوله تعالى: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}؟ الجواب: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [(16) سورة غافر] لا ملك لأحد يوم القيامة، وقد أضيف الملك إلى يوم الدين الذي هو يوم الجزاء يوم القيامة، ولا ملك لأحدٍ معه -سبحانه وتعالى-، فمن رجح ملك بدون ألف استدل بما أشار إليه المفسر بدليل قوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}؟ وجوابه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [(16) سورة غافر] أي لا ملك لأحدٍ إلا لله -سبحانه وتعالى-، كما قال تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [(26) سورة الفرقان] {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ} متى؟ يوم القيامة، {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [(26) سورة الفرقان] بدليل: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [(26) سورة الفرقان] قال ابن كثير: "وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه" يقول ابن كثير: "وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه" لماذا؟ لأنه تقدم الإخبار بأن الله -سبحانه وتعالى- رب العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئاً، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه -سبحانه وتعالى-، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ} [(38) سورة النبأ] ومن قرأ: مالك بالألف، فمعناه مالك الأمر كله يقول: ومن قرأ مالك يعني بالألف معناه مالك الأمر كله متى؟ في يوم القيامة، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [(40) سورة مريم] فالوارث مالك، {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [(40) سورة مريم] قال القرطبي: "اختلف العلماء أيما أبلغ ملك أو مالك؟ فقيل: ملك أعم وأبلغ من مالك، لماذا؟ إذ كل ملكٍ مالك، وليس كل مالك ملكاً؛ ولأن أمر المُلك، أو أمر المَلك نافذ على المالك في ملكه، حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك، قاله أبو عبيدة والمبرد" ملك أعم وأبلغ من مالك إذ كل ملكٍ مالك، وليس كل مالكٍ مالكاً؛ ولأن أمر المَلك نافذ على المالك في ملكه، حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك قاله أبو عبيدة والمبرد" هذا مشاهد، أقول: هذا مشاهد، شخص عنده قطعة أرض يريد أن يعمرها، قال له الملك ولي الأمر، أو من ينيبه ادخل عن الشارع، قدر عرض الشارع، ادخل مترين ثلاثة عن الشارع، كما هو مطبق الآن لما يرون من المصلحة، الآن أمر الملك نفذ على المالك في ملكه، نفذ عليه في ملكه، لكن هل المالك يتصرف دون إذن الملك؟ وقيل: مالك أبلغ، مالك أبلغ؛ لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفاً وأعظم، إذ إليه إجراء قوانين الشرع، ثم عنده زيادة التملك، مالك أبلغ؛ لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفاً وأعظم إذ إليه إجراء قوانين الشرع، نفترض المسألة في الأرض السابقة، أيهما أبلغ تصرف في هذه الأرض المالك أو الملك؟ أيهما أبلغ تصرف؟ الآن في الصورة السابقة قلنا: أن أمر الملك نفذ على المالك؟ لكن هل يستطيع الملك بوصفه ملكاً أن يتصرف في هذه الأرض بجملتها ويأخذها من صاحبها، ويلغي ملكه عليها وتصرفه فيها؟ لا يمكن؛ لأن هذا هو الظلم بعينه، فالمالك أبلغ في التصرف فيما يخصه من الملك، لكن الملك تصرفه من حيث العموم والشمول، بحيث أنه يستطيع أن يتصرف تصرفاً لا يضر بالمالك في ملك هذا المالك وملك غيره، فهو أبلغ من هذه الحيثية، لكن التصرف الخاص إنما هو للمالك لا للملك.