تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار (05)

سم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى:

الصحيح الزايد على الصحيحين قال زين الدين ما معناه ما نص على صحته إمام معتمد كأبي داود والنسائي والدارقطني والخطابي والبيهقي بمصنفاتهم المعتمدة فهو صحيح كذا قيّده ابن الصلاح ولم أقيّده بها، بل إذا صح الطريق إليهم أنهم صححوا ولو في غير مصنفاتهم أو صححه من لم يشتهر له تصنيف من الأئمة كيحيى بن سعيد القطان وابن معين ونحوهما فالحكم كذلك على الصواب، وإنما قيده لأنه ذهب إلى أنه ليس لأحد في هذه الأعصار أن يصحح الأحاديث؛ ولهذا لم يعتمد على صحة السند إلى من صحح الحديث في غير تصنيف مشهور، وسيأتي كلامه في ذلك قال مولانا رحمه الله وسيأتي أيضا ذكر من خالفه ورد عليه قال زين الدين ويؤخذ الصحيح أيضا من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط كصحيح أبي بكر محمدُ بن خزيمة.

محمدِ محمدِ بن..

عفا الله عنك.

محمدِ بن خزيمة وصحيح أبي حاتم محمدِ بن حبان البستي المسمى بالتقاسيم والأنواع وكتاب وكتاب المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم على تساهل فيه قال قال ابن الصلاح ما انفرد الحاكم بتصحيحه لا بتخريجه فقط إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يُعمل به إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه، قال ابن العراقي الحكم عليه بالحسن تحكّم والحق أن ما انفرد بتصحيح يتبع بالكشف عنه ويحكم عليه بما يليق بحاله من الصحة أو الحسن أو الضعف ولكن ابن الصلاح رأيه أن ليس لأحد أن يصحح في هذه الأعصار فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه قلت قد كشف عنه الذهبي وبيّنه في كتابه تلخيص المستدرك وذكر أن فيه قدر النصف صحيحا على شرط الصحيحين كما ادعى الحاكم وقدر الربع صحيحا لا على شرطيهما وقدر الربع مما يعترض عليه في تصحيحه قلت ولعل عذره في تصحيحه أنه لم يلتزم قواعد أهل الحديث وصحح على قواعد كثير من الفقهاء وأهل الأصول فاتسع في ذلك ونُسب لأجله إلى التساهل وقد ذكر ابن الصلاح ما يؤيد هذا فإنه قد ذكر أن الظاهر من تصرفات الحاكم أنه يجعل الحديث الحسن صحيحا ولا يفرده باسم كما سيأتي ذلك قال زين الدين إن الأولين قسموا الحديث إلى صحيح وضعيف ولم يذكروا الحسن قال زين الدين وكذلك يؤخذ الصحيح مما يوجد في المستخرجات على الصحيحين من زيادة أو تتمة لمحذوف فإنه يحكم بصحته قلت وهذا كله إنما يشترط في حق أهل القصور عن بحث الأسانيد ومعرفة الرجال والعلل عند من يشترط معرفتها وأما من كان أهلا للبحث فله أن يصحح الحديث متى وجد فيه شرائط الصحة المذكورة في كتب الأصول وعلوم الحديث ولا يجب الاقتصار إلا على رأي ابن الصلاح وهو مردود كما سيأتي بل لا يكون مجتهدا متى قلد على الصحيح كما يأتي الكلام على المرسل إن شاء الله تعالى.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: في مسألة الصحيح الزائد على الصحيحين قال زين الدين ما معناه" يعني بذلك الحافظ العراقي في شرح ألفيته مما هو مأخوذ من كلام ابن الصلاح قبله "ما نص على صحته إمام معتمد كأبي داود والنسائي والدارقطني والخطابي والبيهقي" يعني ومن قبلهم كأحمد ويحيى بن معين وعلي بن المديني ونظرائهم يقول "بمصنفاتهم" نصوا على صحته في مصنفاتهم "المعتمدة فهو صحيح هكذا أو كذا قيده ابن الصلاح ولم يقيده بها"؛ لأن رأي ابن الصلاح انقطاع التصحيح والتضعيف في العصور المتأخرة يعني بعد الستمائة ليس لأحد أن يصحح أو يضعف إنما يقلد الأئمة في التصحيح والتضعيف، والحافظ العراقي يخالفه في هذا فيرى كغيره من أهل العلم أن من تأهل وصارت لديه الأهلية في التصحيح والتضعيف فإن له أن يصحح ويضعف إذا توافرت فيه شرائط التصحيح والتضعيف، ثم ينظر في الأسانيد والمتون فإذا انطبقت عليها شروط الصحيح صحح، وإن تخلف شرط منها ضعف، وابن الصلاح لم يوافَق على قوله في انقطاع التصحيح والتضعيف لا حكما ولا تعليلا ولا استدلالا على ما سيأتي؛ لأن المسألة ستأتي في فصل مفرد، "قال ولم أقيده بها" يعني لم يقيد الحافظ العراقي الحكم في مصنفاتهم؛ لأن الحكم إذا وجد في المصنفات انتهى الإشكال، لكن إذا وجد فيما يتداوله الناس وجد بالسند الصحيح أن البخاري صحح حديثا لكنه ليس في صحيحه، وجد بالسند الصحيح أن مسلما قال أن هذا الحديث صحيح إلى مسلم لكنه ما وجد في كتبه، ووجد بسند صحيح إلى أبي داود أو النسائي أو الدارقطني أو أحد من الأئمة المتقدمين أنه صحح حديثا يقول ابن الصلاح ما يُقبل حتى يَنُص عليه في كتابه لماذا؟ لأن هذا السند الصحيح الذي أثبتنا به قول البخاري أو قول مسلم أو قول أبي داود أو غيرهم نحتاج إلى تصحيحه وتضعيفه، والمسألة مفترضة في أن التصحيح والتضعيف منقطع، فكيف نصحح ونضعف هذا الإسناد الذي نثبت به هذا القول لهذا الإمام ظاهر أو ليس بظاهر الفرق؟ العراقي يقول إذا ثبت السند إلى البخاري أنه صحح حديثا قبلناه، ابن الصلاح يقول لو صح السند إلى البخاري أنه صحح حديثا ما نقبله حتى يودعه في كتابه، صح السند إلى أبي داود أنه صحح حديثا ما نقبل حتى يوجد في كتابه لماذا؟ لأن هذا السند الذي صح من وجهة نظرك ما يوافقك عليه ابن الصلاح بأنه صحيح أو ضعيف من الذي صحح هذا الإسناد الذي به يثبت قول البخاري أو يُنفى، يحتاج إلى تصحيح وتضعيف، والتصحيح والتضعيف منقطع إذًا لا يصح إلا أن يدونه في كتابه، ما يحتاج إلى واسطة بيننا وبينه، ننظر فيها هل يصح أو لا يصح، المقصود أن رأي ابن الصلاح مردود عليه وسيأتي بحثه- إن شاء الله تعالى- فالزيادة على الصحيحين تؤخذ مما نص الأئمة على تصحيحه يقول، "بل إذا صح الطريق إليهم أنهم صححوا ولو في غير مصنفاتهم أو صححه من لم يشتهر له تصنيف من الأئمة كيحيى بن سعيد القطان" يعني صحح حديث يحيى بن سعيد القطان أين تبحث عنه؟ لم يشتهر له تصنيف، ولو يوجد له تصنيف إذًا لا بد أن نقبل قوله، إذا نقل عنه بالسند الصحيح، "أو صححه من لم يشتهر له تصنيف من الأئمة كيحيى بن سعيد القطان وابن معين ونحوهما فالحكم كذلك على الصواب"؛ لأن لنا النظر في الأسانيد التي تُثبَت بها الأحاديث أو تُرد ولنا النظر في الأسانيد التي يُقبل بها قول الأئمة أو يرد يعني إذا صحح البخاري حديثًا سأله عنه الترمذي في جامعه أو في علله نحتاج إلى أن ننظر في سند الترمذي إلى البخاري وليست لدينا أهلية النظر عند ابن الصلاح، لا يصح مثل هذا لكن هل هناك واسطة بين الترمذي والبخاري؟ لا توجد واسطة يسمع منهم مباشرة، فهل هذا مما يجري على كلام ابن الصلاح أنه لا يقبل حتى ينص عليه البخاري في مصنفه؟ أو أننا نقول هذا ليس فيه واسطة فنقبل؟ ابن الصلاح يشترط في قبول مثل هذا التصحيح والتضعيف أن ينص عليه في مصنفاتهم، نعم إذا طال الإسناد إذا ذكر البيهقي مثلا عن البخاري أنه صحح حديثا فيه مجال للنظر فهذا لا شك أنه لا يقبل على رأي ابن الصلاح ويقبل على رأي العراقي إذا صح السند، لكن إذا نقل الترمذي مباشرة عن البخاري أنه سأله بدون واسطة وصحح نقبل أو ما نقبل؟ على رأي ابن الصلاح البخاري ما نص عليه في مصنفاته إنما نُقِل عنه، نقبل أو ما نقبل؟ الواسطة واحد وثقة إمام حافظ، يعني مقتضى قول ابن الصلاح أننا ما نقبل ولو كانت الواسطة واحدة؛ لأنه لم يفصِّل بين ما تكون الواسطة فيه واحد كما هنا أو عشرة ما فصّل، فمقتضى قوله أننا نرد تصحيحات البخاري في جامع الترمذي، وهذا لا يمكن أن يوافَق عليه عليه؛ لأن الترمذي إمام حافظ وليست بينه وبين الإمام البخاري واسطة، "فالحكم كذلك على الصواب وإنما قيدها لأنه ذهب إلى أنه ليس لأحد في هذه الأعصار أن يصحح الأحاديث؛ ولهذا لم يعتمد على صحة السند إلى من صحح الحديث في غير تصنيف مشهور وسيأتي كلامه في ذلك إن شاء الله تعالى قال مولانا رحمه الله" والظاهر أنها من الناسخ ولمقصود به المؤلف نفسه، قال المؤلف "وسيأتي أيضا ذكر من خالفه ورد عليه" يعني بعد درس أو درسين، "قال زين الدين يعني الحافظ العراقي ويؤخذ أيضا الصحيح من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط" يعني من الكتب التي اشتُرط فيها الصحة كصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم هذه اشتُرط فيها الصحة لكن هل من لازم الاشتراط أن يوفي المشترط بما اشترط؟ لا، لا يلزم قال "ويؤخذ الصحيح أيضا من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط كصحيح أبي بكر محمد بن خزيمة وصحيح أبي حاتم محمد بن حبان البستي المسمى بالتقاسيم والأنواع، وكتاب المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم على تساهل فيه" إن قلنا إن كان مرادهم أنها من مظنة الصحيح فصحيح، فالصحيح فيها كثير على ما سيأتي في مظنة الحسن، وإن أراد أنها تؤخذ على علاتها وأنها كلها صحيحة هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن صحيح ابن خزيمة وهو أمثلها فيه ضعيف فكيف بابن حبان وهو متساهل كيف بالحاكم وهو أكثر تساهلا منه يقول الحافظ العراقي رحمه الله تعالى:

وخذ زيادة الصحيح إذ تنص

 

صحته أو من مصنف يخص

بجمعه نحو ابن حبان الزكي

 

وابن خزيمة وكالمستدرك

على تساهل وقال ما انفرد

 

به فذاك حسن ما لم يرد

بعلة ...................

 

..........................

هذا كلام ابن الصلاح والحق كما قال العراقي:

والحق أن يحكم بما

 

يليق والبستي يداني الحاكما

يعني ابن حبان قريب من الحاكم في تساهله لكن أمثلهم ابن خزيمة، "قال ابن الصلاح ما انفرد الحاكم بتصحيحه لا بتخريجه فقط" يعني إذا صححه قال صحيح على شرط الشيخين، صحيح على شرط البخاري، صحيح على شرط مسلم، صحيح ولم يخرجها، أو صحيح على غير شرطهما، أو صحيح فحسب هذه يُقبَل، "ما انفرد الحاكم بتصحيحه لا بمجرد تخريجه"؛ لأنه خرَّج في كتابه أحاديث موضوعة، خرَّج ضعيفا كثيرا وخرج واهيات، يقول: "ما انفرد الحاكم بتصحيحه لا بتخريجه فقط إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يعمل به إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه قال ابن العراقي الحكم عليه بالحسن تحكّم" يعني الحكم على هذه الشريحة التي تقارب ثلث ما في المستدرك أو قل نصف ما في المستدرك أنها كلها إن لم تكن صحيحة فهي حسنة هذا تَحَكُّم؛ لأن فيها الصحيح فكيف ننزلها إلى الحسن، وفيها الحسن وكيف نلقي لها الصحيح، إن لم تكن صحيحة فهي حسنة، يعني هذا التردد لا يعطينا حكما جازما مَن الذي يميز لنا بين الصحيح والحسن من هذه الكمية على سبيل التنزل على قول ابن الصلاح، لا شك أنه تحكّم، والحق أن ما انفرد به الحق جمع (أنما) هذا ليس بصحيح أن منفردة أن ما انفرد يعني أن الذي انفرد به "والحق أن ما انفرد بتصحيحه يتتبع بالكشف عنه لا، الطبعة هذه فيها أخطاء يتتبع بالكشف عنه ويُحكم عليه بما يليق بحاله من الصحة أو الحسن أو الضعف" فقد يقول الحاكم صحيح على شرط الشيخين ومع ذلك يكون ضعيفا، وقد يقول صحيح على شرط البخاري ومع ذلك يكون ضعيفا، وقد يخرِّجه مجرد تخريج في المستدرك ويكون صحيحا فما علينا إلا أن ننظر في هذه الأسانيد من حيث ثقة الرواة واتصالها وننظر في المتون من حيث المخالفة والموافقة ونحكم على كل حديث بما يليق به.

والحق أن يحكم بما

 

يليق .....................

يعني بكل حديث حديث.

.........................

 

.........والبستي يداني الحاكما

"ويحكم عليه بما يليق بحاله من الصحة أو الحسن أو الضعف ولكن ابن الصلاح رأيه أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأعصار" مادام قطع علينا الطريق فما لنا إلا أن نأخذ بقوله فالذي يقلد ابن الصلاح في هذا الكلام وأن التصحيح انقطع فإذا وجدنا حديثا فيه إسناد لا يجوز لنا النظر فيه ماذا نصنع؟ إما أن نقف حائرين أو نقول بكلامه هذا أن ما صرح الحاكم بتصحيحه لم يذكره مجرد ذكر فإن هذا صحيح، لكن ماذا عن الذي سكت عنه الحاكم يبقى كذا لا يحتمل بصحة ولا ضعف؟! على رأي ابن الصلاح نعم يبقى ووجوده مثل عدمه حتى نجد أن أحدا من الأئمة نص على صحة الحديث أو ضعفه في مصنف من مصنفاته، "ولكن ابن الصلاح رأيه أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأعصار فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه قلت وقد كشف عنه الذهبي" المؤلف يقول كشف عنه الذهبي لكن هل الذهبي يستدرك به على ابن الصلاح؟ ما يستدرك به على ابن الصلاح؛ لأن الذهبي من ضمن من لا يجوز له التصحيح على كلام ابن الصلاح فلا يرد عليه أن الذهبي كشف عنه، الذهبي عند ابن الصلاح ليس بعبرة مثله مثل غيره، "وبينه في كتابه تلخيص المستدرك وذكر أن فيه قدر النصف صحيحا على شرط الشيخين كما ادعى الحاكم، وقدر الربع صحيح على شرطهما، وقدر الربع مما يعترض عليه في تصحيحه" أما كون النصف صحيحا هذا ليس بصحيح بل الصحيح أقل من النصف لاسيما إذا قلنا على شرط الشيخين وهذه الاستدراكات الكثيرة على الحاكم والهفوات بإيراد بعض الموضوعات وبعض الواهيات والضعيفات لا شك أن الحاكم تسنى له مراجعة قدر خمس الكتاب، خمس الكتاب راجعه؛ ولذا الاستدراك عليه ليس بكثير، أما الأربعة الأخماس فلم يتيسر له مراجعتها فكثر عليه الاستدراك، وأيضا الرجل متسامح ومتساهل واسع الخطو في التصحيح، يصحح أحاديث ضعيفة إذًا لا يعتد بتصحيحه ولو صحح إنما ينظر في كل حديث في إسناده من حيث ثقة الرواة ومن حيث الاتصال، وينظر في متونه من حيث المخالفة والموافقة ويحكم على كل حديث بما يليق به، "قلت ولعل عذره في تصحيحه أنه لم يلتزم قواعد أهل الحديث" هذا ليس بعذر إذا ألف حديثا إذا ألف كتابا في فن من الفنون لا بد أن يلتزم قواعد الفن، يؤلف حديثا ولا يلتزم بقواعد المحدثين؟! افترض أنه ألف كتابا في النحو ولم يلتزم بقواعد النحاة يصير كتاب نحو؟! لا يكون كتاب نحو، بل كتاب لحن، إذًا إذا ألف في الحديث لا بد أن يلتزم بقواعد المحدثين، ألف كتابا في الفقه لا بد أن يلتزم بأصول الفقهاء، ألف في أي فن من الفنون، يسمي كتابا حديث وهو كتاب تاريخ؟!  أو العكس، ليس بصحيح، لا بد أن يلتزم بما تعارف عليه أهل الفن، "ولعل عذره في التصحيح أنه لم يلتزم بقواعد أهل الحديث" نقول لا بد أن يلتزم، مادام اشترط الصحة لا بد أن يلتزم بالصحة ويوفي بما التزم وإلا على ما قاله العوام الميدان يا حميدان الله يعينه على النقد وقد حصل عليه النقد الكثير، وتناوله الناس بألسنتهم بالرمي بالتساهل، وحكموا على بعض أحاديثه بالوضع، المقصود أن هذا الكلام ليس بعذر، هذا الذي يقوله المؤلف ليس بعذر "ولعل عذره في تصحيحه أنه لم يلتزم قواعد أهل الحديث وصحح على قواعد كثير من الفقهاء وأهل الأصول" يعني إذا قلنا هذا بالنسبة للمتون فكيف يقول أنه صحح أحاديث بالنظر في أسانيدها على مقتضى نظر الفقهاء؟ لا يمكن أن يقال بمثل هذا الكلام، فهذا العذر ليس بمقبول، "وصحح على قواعد كثير من الفقهاء وأهل الأصول فاتسع في ذلك" يعني توسع في ذلك ونسب لأجله إلى التساهل، ومع ذلك يبقى أن الحاكم إمام، يعني كونه يقع في مثل هذه الأمور لا يعني أنه ليس بإمام، إمام من أئمة هذا الشأن، لكن مع ذلك اشترط ولم يوفِّ؛ لأنه قال في مقدمة الكتاب: "وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات احتج بمثلها الشيخان" لكن هل هذا الشرط محقق في الكتاب أو غير محقق؟ غير محقق، يعني استدرك عليه شيء كثير، يعني لو كانت المسألة استدارك عشرة أحاديث، عشرين، مائة، مائتين، ثلاثمائة حديث، خمسمائة حديث في هذا السفر الكبير نقول مقبول، لكن استدراك كثير أكثر من النصف هذا ليس بمقبول ألبتة، "ونُسب لأجله إلى التساهل، وقد ذكر ابن الصلاح ما يؤيد هذا، فإنه قد ذكر أن الظاهر من تصرفات الحاكم أنه يجعل الحديث الحسن صحيحا ولا يفرده باسم كما سيأتي" وعلى هذا التنزل هل يصفو مما هو صحيح أو حسن في مستدرك الحاكم مما يستحق أن يقال له صحيح الحاكم؟ يعني إذا كانت نسبة الأقسام الثلاثة، إذا قلنا الصحيح ثلاثون بالمائة، والحسن أربعون بالمائة، والضعيف ثلاثون بالمائة، نقول كلامك مقبول إلى حد ما؛ لأن الغالب صحيح وإن دخل فيه الحسن، لكن إذا كان الصحيح الربع، والحسن الربع، والضعيف النصف فأكثر ما يستقيم، وإذا كان أهل الحديث يضعفون بغير نظر إلى نسبة الثبوت، يعني كما قالوا في الرجال وفي ضبطهم وفي حفظهم لا ينظرون  إلى الصواب فإذا كثرت الأحاديث المعلة في هذا الحديث ما يقال له صحيح؛ ولذا في الكتب السنن بعضهم قال الصحاح الستة فأدخل فيها السنن، بعضهم قال صحيح أبي داود صحيح الترمذي صحيح ابن ماجه صحيح النسائي قالوا والحافظ العراقي يقول:

ومن عليها أطلق الصحيح

 

فقد أتى تساهلا صريحا

ومن عليها أطلق الصحيح

 

فقد أتى تساهلا صريحا

ولذلك لو قارنا الضعيف مع الصحيح بالنسبة للسنن، ننظر مثلا في صنيع الألباني- رحمة الله- عليه، صحيح أبي داود ثلاثة مجلدات وضعيفه مجلد صغير، وصحيح النسائي كذلك والضعيف صغير، الترمذي كذلك والضعيف مجلد صغير لا شيء بالنسبة للصحيح، يعني الصحيح يمكن سبعة أثمان أو ستة أثمان تقريبا، فمثل هذا انتُقد من يقول صحيح أبي داود مع أن الغالب الصحة فكيف بمن يقول صحيح الحاكم؟ مع أنهم يقولونها، حتى شيخ الإسلام يقول ذكره الحاكم في صحيحه وغيرهم، ولا شك أن هذا تساهل؛ لأن فيه أحاديث ضعيفة كثيرة جدا، "قال زين الدين إن الأولين قسموا الحديث إلى صحيح وضعيف ولم يذكروا الحسن" يعني الحصر في القسمة الثلاثية إنما هو على ما تقدم على كلام الخطابي وإن كان الحسن موجودا في كلام المتقدمين، يعني موجود في كلام الإمام أحمد، وموجود في كلام البخاري، وموجود في كلام من قبلهم كالشافعي، لكن حصر القسمة في الثلاثة أول من حصرها الخطابي-رحمه الله-

"إن الأولين قسموا الحديث إلى صحيح وضعيف ولم يذكروا الحسن" وقال بمثل هذا شيخ الإسلام ابن تيمية مريدا بذلك الجواب عن قول أحمد أنه يحتج بالحسن أن الضعيف عنده الذي يقبله في فضائل الأعمال هو الحسن، وكلام شيخ الإسلام سيأتي- إن شاء الله- في مكانه وما فيه من النظر- إن شاء الله تعالى- "قال زين الدين وكذلك يؤخذ الصحيح مما يوجد في المستخرجات على الصحيحين من زيادة أو تتمة لمحذوف فإنه يحكم بصحته، قلت وهذا كله إنما يشترط في حق أهل القصور عن بحث الأسانيد ومعرفة الرجال والعلل عند من يشترط معرفتها، وأما من كان أهلا للبحث فله أن يصحح الحديث متى وجد فيه شرائط الصحة المذكورة في كتب الأصول وعلوم الحديث ولا يجب الاقتصار إلا على رأي ابن الصلاح وهو مردود كما سيأتي" يعني على رأي ابن الصلاح حينما حكم بانقطاع التصحيح والتضعيف يقول لك أن تلزم هذا الكلام، وأما إذا قلنا على قول الجمهور وأن التصحيح والتضعيف لم ينقطع وبابه مفتوح لمن تأهل، وفلان من الناس متأهل لا يلزمه كل هذا الكلام، "والحق أن يُحكم بما يليق" يعني بكل حديث على حدة، والبستي ابن حبان يداني الحاكم في التساهل، تساهله شديد، "وأما من كان أهلا للبحث فله أن يصحح الحديث متى وُجد فيه شرائط الصحيح أو شرائط الصحة المذكورة في كتب الأصول وعلوم الحديث ولا يجب الاقتصار يعني على ما ذُكر إلا على رأي ابن الصلاح"؛ لأنه ليس فيه حيلة، ليس له إلا هذا "وهو مردود كما سيأتي بل لا يكون مجتهدا متى قلد على الصحيح كما يأتي الكلام على المرسل إن شاء الله تعالى".

 نعم كيف يكون مجتهدا؟ شخص يدعي الاجتهاد أو يُدعى له ويقلد ابن الصلاح في انقطاع التصحيح والتضعيف، إذًا لا بد من التقليد، ومادام الكلام في الاجتهاد فلا بد من بيان هذه المسألة، أولا ادعاء الاجتهاد المطلق بمعنى الإطلاق قد لا يتسنى وصف أحد به بعد الأئمة لماذا؟ لأن العمر محدود ومسائل العلم كثيرة جدا وأدلة هذه المسائل وكل دليل من هذه الأدلة النظر فيه من وجود متعددة، افترضنا هذه المسألة، اجتهد هذا الإمام وما قلد أحدا واستنبط حكما من حديث، ويلزمه قبل ذلك أن يجتهد في إثبات الحديث ونفيه ما يقلَّد أحدا في إثبات الحديث الذي استنبط منه حكما، وتصحيحه للحديث وإثباته للحديث يقتضي النظر في كل راوٍ من الرواة من بين أقوال الأئمة كلهم والخروج بقول يستقل به في هذا الراوي، ثم ينظر أقوال العلماء في هذا الراوي الذي يليه وقد يكون فيه عشرين قولا، فيصل إلى قول لا يقلد فيه، وبعد ذلك ينظر في متن الحديث وإسناده نظرات متعددة، فإذا ثبت عنده استنبط حكما لم يقلد فيه أحدا، وهذه مسألة واحدة تحتاج إلى ماذا؟ تحتاج إلى وقت فماذا عن بقية مسائل الدين؟ لكن تجزؤ الاجتهاد هذا فيه فسحة، قد يكون الشخص مجتهدا في الأحكام على الرواة ما يقلد أحدا، ينظر في أقوال الأئمة ومن خلال قواعد الجرح والتعديل يصل إلى قول لا يوافق فيه أحدا تقليدا، قد يحصل الاتفاق بينه وبعض الأئمة؛ لأن اجتهاده أداه إلى ذلك، فنقول مجتهد في هذا الباب ما يقلد ابن حجر، ما يقلد الذهبي، هذا مجتهد في هذا الباب، وهذا ممكن إذا حصر نفسه على هذا الباب، قد يجتهد في تصحيح حديث وتضعيفه، قد تكون همته الاجتهاد في التصحيح والتضعيف، يعني مثلا الألباني رحمة الله عليه مجتهد في هذا الباب في تصحيح الأحاديث وتضعيفها، لكن المرحلة السابقة في الكلام على كل راوٍ والخروج بما يستحقه هذا الراوي لا على جهة التقليد، هل نقول أن الألباني حققه أو نقول أنه قلد الذهبي، أحيانا يقلد ابن حجر، أحيانا يقلد كذا، مال إلى قول واحد من الأئمة من غير تمام للنظر؛ لأن علم الحديث دون الاجتهاد المطلق فيه فقط خرط القتاد، يعني أحاديث ألوف مؤلفة كيف يتسنى للإنسان أن ينظر في رواتها راويا وراويا ثم يخرج بحكم لا يقلد فيه أحدا في جميع رواة الأحاديث، ثم بعد ذلك ينظر في هذه الأحاديث مرحلة ثانية من حيث التصحيح والتضعيف والموافقة والمخالفة باجتهاده هو، لا يقلد أحمد، لا يقلد الشافعي، لا يقلد يحيى بن معين، ولا القطان، ولا أبا حاتم ولا غيرهم، لكن إذا اعتمد على أهل الحديث مثلا وارتاح من المقدمة الأولى والثانية وعمد إلى الصحيحين ودرس الصحيحين واستنبط منها أحاديث وعمل بما أداه إليه اجتهاده من غير تقليد جامد، من غير نظر في الأدلة ولو وافق بعض الأئمة نقول هذا مجتهد في الاستنباط، ذاك مجتهد في مراتب الرواة ودرجاتهم وهذا مجتهد في التصحيح والتضعيف وهذا مجتهد في الاستنباط؛ ولذلك لو نظرنا إلى أكبر الأئمة في عصرنا ما يمكن أن تجده مجتهدا في المراحل كلها، تجده مثلا يقلد البخاري، يقلد مسلما، يقلد ابن حجر، يقلد أي إمام من الأئمة في حكمه على راوٍ، أمَّا أن ينظر في الرواة كلهم هذا أمر يتصور أنه لا مطمع فيه مع النظر في جميع الأحاديث، مع النظر في جميع ما يستنبط من هذه الأحاديث، وهذا الذي يستحقه المجتهد المطلق، وبعض الإخوان يقول إن العلماء وضعوا للاجتهاد قيودا صدت عن الاجتهاد لا، ما وضعوا ولا نصف القيود الحقيقية يعني بمعنى الإطلاق، إذا قلنا مجتهد مطلق يعني لا يقلد في شيء ألبتة، وهذا لا شك أنه يقصر عنه عمر الإنسان، لكن أحدهم موفق يستغل وقته ويختصر له الطريق، ويسلك الطريق من أقرب شيء موصل إليه، يقصد الغاية من أقرب طريق، وبعض الناس لا، تجده ينشغل بأمور لا توصله إلى الغاية إلا بمشقة شديدة، فالإنسان عليه أن يأخذ هذا العلم بالتدريج وإذا بلغه شيء يتثبت من صحته، وإذا ثبت عنده يستنبط منه، ولا مانع أن يستفيد من استنباطات الأئمة تختصر عليه الطريق، ولا مانع من أن ينظر في أحكام الأئمة على الرواة، وفي أحكامهم على الأحاديث، ولو كانت عنايته في أول الأمر على الصحيحين وما صح من كتب السنن، وهذا أيضا اختصر لنا كثيرا، يعني الشيخ الألباني- رحمه الله- خدم السنة خدمة حقيقة يريح بها طالب العلم، ولا نعني أنه معصوم وجميع أحكامه صحيحة لا، لكنه قرب الطريق، يعني السنن التي كانت تحتاج من طالب العلم إلى عمر لينظر فيها ويميز بين صحيحها وضعيفها اختصر له تسعين بالمائة من الطريق، نعم قد يكون أخطأ في عشرة بالمائة أو قوله مرجوح في عشرة بالمائة، لكن اختصر الطريق، هذا مهيع واسع ما يمكن أن يدركه الإنسان بنفسه لاسيما في ظروفنا التي نعيشها، وإن لم يكن عون من الله- جل وعلا- للإنسان على تحقيق هذا الفن وإلاَّ فهو حتى نوع من أنواع الحديث الذي هو الحسن الذي يرد كثيرا في أقوال الأئمة، حكم جمع من الحفاظ بأنه لا مطمع في تمييزه، منهم الحافظ الذهبي قال لا مطمع في تمييز الحسن، فإذا خفي هذا الاصطلاح المشهور المتداول بين الناس فكيف بأمور أكثرها مبني على قرائن ما تلوح إلا لإمام من مائة إمام؟! فعلى الإنسان أن يأخذ هذا العلم بالتدريج، يبدأ بالتقريب ويقارن بها مثل ما ذكرنا سابقا بالنسبة للرجال، تكون لديه الأهلية مع الوقت ومع الزمن، يعني يجعل المحور التقريب وينظر في أقوال الأئمة فإذا استروح إلى حكم الحافظ ابن حجر أثبته، وإن رأى أن غيره أقوى منه أثبت الأقوى على حسب القواعد الموجودة عند أهل العلم، ما يأتي إنسان فارغ ويقول أنا والله لي نظر في التقريب مثل ما قال شخص، قال: أنا أدرس التقريب وليس من علم الحديث من قريب ولا بعيد، وقال وجدت أكثر من أربعة آلاف في التقريب خطأ، مثل هذا يقال ومن شخص عُرف بمحادّته ومشاقّته للسنة وأهل السنة وأهل العقيدة الصحيحة؟! فمثل هذا لا يقبل، لكن شخص صاحب علم وصاحب تحري وله سابقة وينظر في الأحكام ما يلزم أن يقلد أحدا إذا كانت لديه الأهلية، على الطريقة التي شرحناها في كيفية النظر في كتب الرجال، وأيضا في دراسة الأسانيد وفي النظر في المتون ويستعين بأحكام الأئمة، ثم بعد ذلك تتكون لديه الأهلية للتصحيح والتضعيف، ثم بعد ذلك الاستنباط وفهم النصوص، وتتكون كذلك الأهلية في هذا الباب بإدامة النظر في كلام أهل العلم حول الأحاديث في معانيها، وفي استنباطها، في فقهها، في آدابها، إذا نظر في الشروح وأدام النظر صارت لديه الأهلية في كيفية الاستنباط.

بعد أن أنهى الكلام على مظانّ الصحيح وأنها تؤخذ مما نص الأئمة على تصحيحه في مصنفاتهم، وأنها أيضا تؤخذ من المصنفات التي اشترط فيها مؤلفوها الصحة، وعرفنا ما في هذا الكلام كله من استدراك، ذكر مصدرا من مصادر الصحيح وهو مظنة من مظنات تخريجه فذكر المستخرجات.. سم.

عفا الله عنك.

المستخرجات: موضوع المستخرج أن يأتي المصنِّف إلى كتاب البخاري ومسلم فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق البخاري أو مسلم فيجتمع إسناد المصنف مع إسناد البخاري أو مسلم في شيخه ويسمونه موافقة أو من فوقه ويسمونه عاليا بالنسبة إلى الموافقة بدرجة أو أكثر على حسب العلو فإذا اجتمع المستخرِج مع صاحب الصحيح في شيخ شيخه كان عاليا بدرجة وفي الثاني بدرجتين ونحو ذلك وذلك كالمستخرج على البخاري لأبي بكر الإسماعيلي ولأبي بكر البرقاني ولأبي نُعيم الأصبهاني والمستخرج على مسلم لأبي عوانة ولأبي نُعيم أيضا والمستخرِجون لم يلتزموا لفظ واحد من الصحيحين بل رووه بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم مع المخالفة لألفاظ الصحيحين وربما وقعت المخالفة أيضا في المعنى فلا يجوز أن تُعزى ألفاظ متون أحاديث المستخرجات إليهما ولا إلى أحدهما إلا أن يُعرف اتفاقهما في اللفظ قلت شرط المستخرِج ألا يروي حديث البخاري أو مسلم عنهما بل يروي حديثهما عن غيرهما فقد يرويه عن شيوخهما أو شيوخهم أو أرفع من ذلك بسند صحيح وفي المستخرجات فوائد أحدها أن ما كان فيها من زيادة لفظ أو تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في حديث أو نحو ذلك حُكم بصحته لأنها خارجة من مخرج الصحيح، وثانيها: أنها قد تكون أعلى إسنادا ذكرهما ابن الصلاح فقط. وثالثها: ذكرها زين الدين وهي قوة الحديث بكثرة طرقه في الترجيح عند التعارض واعلم أنه قد يتساهل بعض المستخرجين فينسبون الحديث المستخرَج إلى البخاري..

قف على هذا قف على هذا.

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى- "المستخرَجات" والاستخراج أن يعمد عالم من أهل الحديث إلى كتاب من الكتب المعتبرة من كتب السنة كالبخاري أو مسلم ثم يخرّج أحاديث الكتاب بأسانيده هو، بأسانيد المستخرِج من غير طريق صاحب الكتاب، فيخرّج أحاديث البخاري بأسانيده هو ولا يمر بالبخاري، يخرج أحاديث مسلم بأسانيده هو من غير أن يمر بمسلم، وقد يضيق عليه المخرج فلا يجد الحديث إلا من طريق البخاري أو من طريق مسلم وحينئذ إما أن يعلقه فيذكره بغير إسناد حتى يتم له وجود إسناد غير أن يمر بصاحب الكتاب، أو يروي من طريق صاحب الكتاب وهذا للضرورة، أو يحذفه بالكلية؛ لأنه لم يقع له، يقول "موضوع المستخرج أن يأتي المصنف إلى كتاب البخاري أو مسلم فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق البخاري أو مسلم فيجتمع إسناد المصنف مع إسناد البخاري أو مسلم في شيخه" فمثلا حديث الأعمال بالنيات أول حديث في البخاري يرويه البخاري عن الحميدي، فصاحب المستخرج إذا خرّج هذا الحديث من غير طريق البخاري عن الحميدي يعني يرويه عن شخص في طبقة البخاري لكنه عن شيخ البخاري الحميدي يقول "فيجتمع إسناد المصنف مع إسناد البخاري أو مسلم في شيخه ويسمونه موافقة" والموافقة نوع من أنواع العلو، أو العلو النسبي "أو مَن فوقه" ما يجد من يرويه الحديث عن طريق الحميدي إنما يجد الحديث من غير طريق البخاري ومن غير طريق الحميدي عن سفيان هذا أيضا علو لكنه علو نسبي، "أو من فوقه ويسمونه عاليا بالنسبة إلى الموافقة بدرجة أو أكثر على حسب العلو" قد لا يتسنى له رواية الحديث من طريق الحميدي ولا من طريق سفيان ولا من طريق يحيى بن أبي سعيد إنما من الطبقة التي فوق هؤلاء، فهو يحرص أن يكون الحديث حديث هذا الصحابي؛ لأنه إذا اختلف الصحابي فهو حديث آخر، فما يخرج الحديث؛ لأنه حديث آخر، هو يريد أن يخرج هذا الحديث، حديث عمر «إنما الأعمال بالنيات» فيرويه عن الحميدي من غير طريق البخاري، أو عن شيخه سفيان، أو عن شيخ شيخه يحيى بن سعيد وهكذا، "فإذا اجتمع المستخرج مع صاحب الصحيح في شيخ شيخه كان عاليا بدرجة وفي الثاني بدرجتين ونحو ذلك، وذلك كالمستخرَج" يريد أن يذكر أمثلة على المستخرجات، المستخرجات كثيرة، "كالمستخرَج على البخاري لأبي بكر الإسماعيلي ولأبي بكر البرقاني ولأبي نعيم الأصبهاني والمستخرج على صحيح مسلم لأبي عوانة ولأبي نعيم أيضا والمستخرجون لم يلتزموا لفظ واحد من الصحيحين".

واستخرجوا على الصحيح كأبي

 

عوانة ونحوه فاجتنب

أبو عوانة استخرج على مسلم ولم يستخرج على البخاري فماذا يعني التنصيص عليه بالنظم دون غيره ممن استخرجوا على البخاري أو على الصحيحين لماذا؟ لأنه أقدمهم،

واستخرجوا على الصحيح كأبي         عوانة ونحوه .............

كالإسماعيلي والبرقاني وأبي نعيم وغيرهما.

..................

 

............... ونحوه فاجتنب

عزوك ألفاظ المتون لهما

 

إذ خالفت لفظا ومعنى ربما

يقول "والمستخرِجون لم يلتزموا لفظ واحد من الصحيحين بل رووه بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم" هم ما رووا الحديث من طريق البخاري ليتحد اللفظ، رووه من طريق غيره، وغير البخاري له سياق غير سياق البخاري، "بل رووه بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم مع المخالفة لألفاظ الصحيحين" هذا بالنسبة للمخالفة في الألفاظ كثيرة، "وربما وقعت المخالفة أيضا في المعنى" وهذا أقل يعني المخالفات معنوية هذا موجود لكنه قليل، "فلا يجوز أن تُعزى ألفاظ متون أحاديث المستخرجات إليهما" يعني ما تأخذ حديثا من مستخرج أبي نعيم أو أبي عوانة وتقول رواه البخاري إلا أن تقابله على ما في البخاري إذا طابق ما في البخاري صحيح وإلا فلا.

.......................

 

.....................واجتنب

عزوك ألفاظ المتون لهما

 

إذ خالفت لفظا ومعنى ربما

أما مخالفتها الألفاظ فكثير ومخالفتها المعاني قليل؛ ولذا قال ربما وهي تعني التقليل، "وربما وقعت المخالفة أيضا في المعنى فلا يجوز أن تعزى ألفاظ متون أحاديث المستخرجات إليهما ولا إلى أحدهما إلا أن يعرف اتفاقهما في اللفظ" يعني وجدته في مستخرج أبي عوانة وطابقته على صحيح مسلم ووجدته مطابقه نعم اعز،ُ وإن وجدت مخالفة لا يجوز لك أن تعزوه إلى الأصل، "قلت شرط المستخرِج ألا يروي حديث البخاري أو مسلم عنهما" يعني لا بد أن يروي الحديث عن طريق غيرهما، "أما إذا ضاق عليه المخرج فلم يجد الحديث إلا من طريقهما فإنه مثل ما ذكرنا إما أن يُحذف الحديث؛ لأنه يختل شرط الكتاب، أو يعلَّق فلا يذكر إسناده حتى يوجد له إسناد، أو يضيق عليه المخرج ويقول ذكره عن طريق البخاري أحسن من حذفه لتتم الفائدة، على كل حال بعضهم يفعل هذا "قلت شرط المستخرج ألا يروي حديث البخاري أو مسلم عنهما بل يروي حديثهما عن غيريهما، فقد يرويه عن شيوخهما أو شيوخهم أو أرفع من ذلك بسند صحيح وفي المستخرجات فوائد" فوائد المستخرجات كثيرة جدا أوصلها السخاوي في حاشيته على الألفية مع شرحها إلى عشرين فائدة، لكن مع الأسف أن هذه الحاشية مفقودة وإلا ففيها فوائد كثيرة على ما ذكره السخاوي من هذه الفوائد، يقول:"في المستخرجات فوائد: أحدها أن ما كان فيها" (أنما)؟! ما تأتي موصولة هنا، أن ما يعني أن الذي وليست (ما) الكافة ، "أن ما كان فيها من زيادة لفظ أو تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في حديث ونحو ذلك حُكم بصحتها لأنها خارجة من مخرج الصحيح" يعني لها أصل في الجملة؛ لأن أصلها في الصحيح لكن

 لا يلزم أن تكون هذه الزيادة المعنوية صحيحة؛ لأن شرط المستخرج أخف من شرط الأصل، وقد وُجد التخريج عند أبي نُعيم في مستخرجه لمحمد بن الحسن بن زبالة وهو ضعيف جدا، فلا يلزم من هذه الزيادة أن تكون صحيحة، وإلا هم ينصون على أن هذه الزيادة صحيحة لكن ما يلزم؛ لأن شرط المستخرِج أضعف من شرط المستخرَج عليه هنا يقول يُحكم بصحتها والحافظ العراقي تبعا للصحيح.

وما تزيد فاحكمن بصحته

 

........................

وما تزيد فاحكمن بصحته

 

فهو مع العلو من فائدته

يعني مع علو السند، من فائدة المستخرجات حكم بصحتها؛ لأنها خارجة مخرج الصحيح "وثانيهما: أنها قد تكون أعلى إسنادا" نعم قد تكون الرواية التي في المستخرج أعلى من إسناد الأصل، الطبراني لو روى حديثا من طريق البخاري عن عبد الرزاق ما استطاع أن يصل إلى عبد الرزاق إلا بثلاثة على الأقل أو أربعة، لكنه يستطيع أن يروي الحديث من طريق الدبري عن عبد الرزاق مباشرة، فإذا رواه بهذه الواسطة الواحدة بدلا من ثلاثة أو أربعة لا شك أن هذا علو؛ لأن العلو قلة الوسائط وهذا قليل الوسائط فيه، "وثانيهما أنها قد تكون أعلى إسنادا ذكرهما ابن الصلاح فقط" يعني ذكر هاتين الفائدتين "وثالثها ذكرها الزين العراقي- رحمه الله- وهي قوة الحديث وكثرة طرقه في الترجيح عند التعارض" يعني إذا وجد إسناد يرويه به المستخرِج غير الإسناد الذي يرويه به صاحب الأصل وأردنا أن نرجح بين هذا الحديث الذي يروى بأكثر من إسناد على حديث لم يرد إلا بإسناد واحد لا شك أنه يرجح؛ لأن ما كثرت أسانيده لا شك أنه راجح على ما تفرد به رواته، "وهي قوة الحديث بكثرة طرقه في الترجيح عند التعارض ومن ذلك" من فوائد المستخرجات "تمييز المهمل" فقد يقول الراوي في البخاري حدثنا محمد ويأتي المستخرج يقول حدثنا محمد بن فلان فعرفنا أن المراد بمحمد هذا ابن فلان، في طبقته أكثر من محمد، ولا نستطيع أن نميز من خلال صحيح البخاري لكنا ميزنا في المستخرج، أيضا المبهم إذا وجد في الأصل راوي مبهم ما سمي ثم سمي في المستخرج نستفيد فائدة عظيمة، نستفيد أيضا شرح بعض الألفاظ، ذكر القصة في الخبر قد يذكرها المستخرج ولا يذكرها صاحب الأصل، نستفيد أن الراوي ضبط هذا الحديث؛ لأن ذكر القصة دليل على ضبط الراوي إلى غير ذلك من الفوائد التي تجعل الاهتمام بالمستخرجات عند أهل العلم كبيرا يقول الحافظ العراقي رحمه الله:

واستخرجوا على الصحيح كأبي

 

عوانة ونحوه فاجتنب

عزوك ألفاظ المتون لهما

 

إذ خالفت لفظا ومعنى ربما

وما تزيد فاحكمن بصحته

 

فهو مع العلو من فائدته

والأصل يعني البيهقي ومن عزا

 

وليت إذ زاد الحميدي ميزا

وتأتي الإشارة إلى هذا إن شاء الله تعالى في الدرس اللاحق.

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

هذه أسئلة تحتاج إلى فرز ما أدري ما الذي أجيب عنها والتي لم يجب عنها فتفرز هذه الأسئلة وينظر فيما لم يجب عنه.

"