كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 27

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره، يقول: هكذا "رواه البخاري، ورواه مسلم ولفظه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ناول الحالق شقه الأيمن"، فعلى هذا استحباب البداءة باليمين في الحلق، في حلق الشعر، "ثم ناوله شقه الأيسر" فيُبدأ باليمين قبل اليسار، والحديث صحيح، لا إشكال فيه، لكن هل حلق الشعر مما يستطاب أو مما يستخبث؟

لأن الأمور تنقسم إلى قسمين؛ منها ما هو طيب وممدوح ومحمود، فالبداءة فيه باليمين، ومنها ما هو بخلاف ذلك وضده، والبداءة حينئذ تكون باليسار، بالشمال، فهل حلق الشعر من هذا أو من ذاك؟

 أولاً الحديث صحيح، لا إشكال فيه، لكن من باب طرد الأصل، فهل هذا مما يخرج على الأصل أو يُخرَج عن الأصل؟ يعني هل الشعر قذر ووسخ وإزالته تنظيف أو لا؟ يعني نظير ما يقال في السواك: كان -عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن، نعم وجاء في سواكه، وعامة أهل العلم، بل قال شيخ الإسلام: لا أعلم أحدًا من الأئمة قال بالتسوك باليمين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن وقال: في سواكه وفي طهوره وفي شأنه كله، نعم يمين الفم، يمين الفم عند التسوُّك لا أنه يتسوك باليد اليمنى، إنما يتسوك بدءًا من يمين الفم، وعلى هذا يطرد، ولو قلنا: إنه إزالة قذر يمسك باليمين، وهذا يتصور فيما إذا كان في الفم والأسنان ما ينبغي إزالته من الأوساخ، فيتسوك بالشمال، وإذا كان نظيفًا اتجه القول بالتسوك باليمين، وقال به بعض أهل العلم، وهنا هل هذا جارٍ على الأصل أن حلق الشعر من باب التعبد، ومما يستطاب فيُبدَأ باليمين؟

نعم عند النسك النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما حلقه في يوم النحر، حلقه في يوم النحر وهو نسك وعبادة، ثم بعد ذلك من الذي يستعمل اليمين، هل الحالق الذي يزيل الوسخ يحلق بيده اليمنى أو بيده اليسرى؟ ويكون حلق الشعر تنظيره مثل السواك بالنسبة للجانب يبدأ باليمين كجانب الفم يبدأ باليمين، وبالنسبة للحالق يحلق بالشمال كالمتسوك يتسوك بالشمال، التنظير مطابق أم غير مطابق، أما بالنسبة للجانب الأيمن فهو مناسب جدًّا للجانب الأيمن من الفم في حال التسوك، وتجري القاعدة على ما هي عليه، القاعدة الشرعية ماشية، القاعدة ماشية حتى لا يقول قائل: إن إزالة الشعر من باب إزالة الوسخ، فيبدأ بالشمال، ما هو بصحيح النبي -عليه الصلاة والسلام- بدأ بالجانب بشقه الأيمن، وليس هو الذي يزيل الوسخ، ونظيره الشق الأيمن من الفم، يبقى أن الذي يزيل الشعر الحلاق مثلاً يزيله باليمين أو بالشمال نظير السواك واضح أم ما هو بواضح؟

إذًا الحلاق الأولى أن يزيله باليسار، أن يزيله باليسار، لكن بعض الناس لا يعرف أن يزاول أي مهنة، فضلاً عن الحلق الذي فيه خطورة بيده الشمال، وكل إنسان يحس هذا من نفسه إذا أراد حلق الإبط مثلاً مع أن الأصل فيه النتف، يصعب عليه أن يحلق يمينه بشماله، يعني اليد اليمنى مؤهلة لمثل هذه الأعمال، وتزاول غيرها من الأعمال، لكن اليسرى قد تقصر عن ذلك، فإذا قلنا للحالق: إن السنة تحلق بالشمال، قد يتأذى المحلوق، وقد يكون عليه ضرر؛ لأنه ليس كل الناس يحسن العمل بيده الشمال، وإلا فالأصل التنظير المطابق أن الحالق يحلق بيده الشمال مثل التسوك باليسار يمين من يمين الرأس، يمين الرأس يُبدَأ به، وقد بدأ بالشق الأيمن يبدأ به مثل جانب الفم الأيمن سواء بسواء، ويكون الكلام كله مطردًا، ما فيه إشكال، لكن الذي يرد على هذا أن الحالق وهو الذي يزيل هذا الوسخ الأصل فيه أن يزيله بالشمال، كالتسوك بالشمال، لكن إذا ترتب عليه ضرر، والحالق لا يعرف أن يحلق بالشمال، ولا اعتاد ذلك نقول: احلق باليمين، الأصل أنه إزالة وسخ. {لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [سورة الحـج:29]، لا، هذا وسخ بلا شك وإزالة الشعر تنظيف، وإزالة الشعر تنظيف.

 "ثم دعا أبا طلحة الأنصاري وأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر ثم قال له: «احلقه»، فحلقه، ثم أعطاه أبا طلحة وقال: «اقسمه بين الناس»وعرفنا مسألة التبرك بآثار النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأن هذا خاص به لا يتعداه إلى غيره، فلا نحتاج إلى إعادة.

 الحديث الذي يليه "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: لما كان يوم خيبر جاء جاءٍ فقال: يا رسول الله، أُكِلَت الحُمُر، ثم جاء جاءٍ فقال: يا رسول الله، أُفْنِيَت الحُمُر، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا طلحة فنادى «إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر»ثم ذكر العلة "فإنها رجس أو نجس قال: فأكفئت القدور بما فيها، متفق عليه، ولفظه لمسلم، وفي الصحيح في حديث سلمة أنهم أخبروه أنهم يوقدون على لحم الحمر الإنسية لحم الحمر الإنسية فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أهريقوها واكسروها»، فقال رجل: يا رسول الله، أو نهرقوها ونغسلها فقال: «أو ذاك».

 عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: لما كان يوم خيبر، لما كان يوم خيبر، كان هذه تامة، ويومُ فاعل لكان التامة، وخيبر مكان معروف في الجهة الشمالية الغربية من المدينة، معروف مكان قائم إلى الآن، مكان مشهور، ومعروف بالزراعة، ولما فتح النبي -عليه الصلاة والسلام- خيبر عَنوة، والأصل أن تقسم بين الغانمين، لكن للمصلحة العامة النبي- عليه الصلاة والسلام- أبقى اليهود ليزرعوها، ويكفوا المسلمين مؤونتها على النصف على الشطر مما يخرج منها، وكان -عليه الصلاة والسلام- يرسل عبد الله بن رواحة يخرص الثمرة ويخيرهم، يقسمها ثم يخير اليهود؛ لأن هذه هي الأصل في مسألة الخرص أن الذي يقسم، يخرص ويقسم، هو الذي يخير ولا يختار هو؛ لئلا يتهم اليهود وهم أهل كل وصف ذميم.

 قدموا هدايا لعبد الله بن رواحة ليميل معهم، وهذه الهدايا في عرف الشرع رشوة، «لعن الله المراشي والمرتشي والرائش»، فلا يتصور من عبد الله بن رواحة أن يقبل مثل هذه الرشوة، بل قال -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-: والله إنكم لأبغض الناس إليّ، وما ذلكم بحاملي أن أحيف عليكم، ثم يخرص ويقسم ويخيرهم، {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [سورة المائدة:8]، فالبغض لا يحمل على الجور، ثم قالوا: بهذا قامت السماوات والأرض لما فتح خيبر أبقاها في أيديهم عمالاً له -عليه الصلاة والسلام- على النصف مما يخرج إلى أن أجلاهم عمر -رضي الله تعالى عنه- عن خيبر بعد استغناء المسلمين عنهم وتنفيذًا ليوصيته -عليه الصلاة والسلام-، ثم جاء جاءٍ فقال: يا رسول الله، أفنيت الحمر يا رسول أكلت الحمر، أكلت يعني بدئ بأكلها، أما أفنيت فكثر أكلها، كثر أكلها.

 "فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا طلحة فنادى إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنها رجس أو نجس"، العلة في النهي كونها رجسًا، وكونها نجسًا، ولولا التنصيص على هذه العلة، لولا التنصيص على هذه العلة لقلنا: إن النهي عن أكلها هو ما يترتب عليه من فنائها والناس يحتاجونها، هي حمولة الناس، هي وسائل النقل عندهم، فلما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: فإنها رجس أو نجس، دل على أن التحريم؛ لنجاستها، لا لكونها حمولة؛ لأن السؤال وهو كالمعاد في الجواب، أكلت الحمر، أفنيت الحمر، فكأنه قال: لا تفنى الحمر، بل يؤكل منها بقدر الحاجة، ويبقى ما يحمل، لكن التنصيص على العلة في الحديث نفسه فإنها رجس أو نجس، يدل على أنها حرمت، حرم أكلها، ولو استغني عنها بوسائل أخرى.

 ولو قلنا: إن التحريم من أجل كونها حمولة الناس وشدة حاجة الناس إليها لكان تحريم لحم الإبل أولى من تحريمها؛ لأن الناس يركبونها أكثر مما يركبون الحمر، ويحتاجون إلى البقر في الحرث والزرع أكثر مما يحتاج إلى الحمر، فدل على أن النهي ينهيانكم عن لحوم الحمر، السبب فيه أنها رجس أو نجس، وكانت قبل ذلك حلالاً، كانت قبل ذلك قبل هذا التحريم الذي نادى به أبو طلحة، الذي نادى به أبو طلحة كانت حلالًا، وفي قول الله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [سورة الأعراف:157] بمعنى أنها كانت في أول النهار حلالًا طيبة، وفي آخره حرامًا خبيثة، حرامًا خبيثة، لكن هل طرأ عليها شيء يجعلها خبيثة؟ كالجلالة مثلاً، الداجن إذا أكلت من النجاسة كانت طيبة ثم تخبث وتحبس حتى يطيب لحمها، يعني طرأ عليها ما يجعلها خبيثة، لكن هل الحمر طرأ عليها ما يجعلها خبيثة؟ يعني ما الذي نقلها من قول الله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [سورة الأعراف:157] إلى قوله: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [سورة الأعراف:157] يعني هل انقلبت عينها؟

 طالب:.........

نعم.

طالب:.........

لا، ما فيه تدرج، كانت الصباح حلالًا، ثم في المساء حرامًان نسخ هذا، نسخ لحل أكلها، بل تحريم، وأكلها إنما هو على البراءة الأصلية والإقرار النبوي، كانوا يأكلونها بحضرته، لكنها حرمت.

طالب:.........

نعم.

طالب: .........

يعني الأصل في مثل هذا الامتثال الامتثال، ينهيانكم، انتهينا خلاص، لكن إذا أردنا أن نقرر معنى الطيب والخبث في الآية تقرير الطيب والخبث في الآية، يعني عندنا قاعدة عامة فيما لا نص فيه إن كان طيبًا ونافعًا ولا ضرر فيه، أو ضرر مغمور فهو حلال، وإذا كان خبيثًا خبثًا محضًا ضارًّا ضررًا محضًا أو راجحًا فحرام، يعني الآية التحليل والتحريم يحل لهم بالوصف الطيبات، ويحرم عليهم بالوصف الخبائث، فهل الحمر طيبة أم خبيثة رجس نجس، خبيثة؟ عرفنا من هذا أنها خبيثة، لكن قبل ذلك لما كانت تؤكل هل انقلبت عينها من طيبة إلى خبيثة، أو أن الله- جل وعلا- قادر على أن يسلبها هذا الوصف، ويجعل فيها الوصف الثاني تبعًا للحكم الشرعي، كما جاء في الخمرة أنها سلبت المنافع لما حرمت.

 أكلت الحمر، والمراد بالحمر الأهلية الإنسية، وأما حمر الوحش فهي حلال؛ لأن القيد الوصف الإنسية الآتي الأهلية التي تعيش مع الناس مؤثر مخرج للحمر الوحش، فأكلت الحمر، والحمر بضم الميم جمع حمار، أما حمْر فهي جمع أحمر وحمراء، فحمْر النعم غير الحمُر، حمْر النعم هذه من الإبل النفائس النجائب، وأما الحمر هنا فهي الحمير جمع حمار.

 ثم جاء جاءٍ، جاء جاءٍ هو الأول أو غيره؟

طالب:.........

غيره، بدليل؟

 ما الدليل؟

طالب: .........

نعم النكرة إذا أعيدت نكرة فهي غير الأولى، فهي غير الأولى، لكن إذا أعيدت معرفة فهي عين الأولى، فهي عين الأولى.

 ثم جاء جاءٍ فقال: يا رسول أفنيت الحمر، من الفناء، وهو القضاء عليها، يعني انتهت، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا طلحة.

 يعني هل يختلف الأكل منها أو إفناؤها، يختلف أم ما يختلف؟ لأنه ما قال شيئًا، لما قال الجائي الأول: أُكِلَت الحمر ما قال شيئًا، لكن لما قال: أفنيت، بعث أبا طلحة ينادي في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم، فهل الحكم معلَّق بالإفناء، أو بمجرد الأكل؟ ولماذا لم ينه عنها حينما أكلت فقط، وإنما نهى لما أفنيت؟

 الوصف رجس أو نجس يجعل القليل والكثير كله حرامًا، يجعل القليل والكثير كله حرامًا، لكن لما جاء الجائي ما نهى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لم ينزل فيها شيء، لم ينزل عليه فيها شيء، لما جاء الجائي الثاني وقال: أفنيت الحمر، نزل عليه تحريمها، نزل عليه تحريمها، وعُبِّر عنه بأمره أبا طلحة أن ينادي في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، عن لحوم الحمر، فالنهي الإلهي نزل من الله- جل وعلا- على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يلزم أن يبلغنا لفظه، لا يلزم أن يبلغنا لفظه، بدليل: إن الله ورسوله، فالله- جل وعلا- نهانا عن لحوم الحمر، ورسوله كذلك، إن الله ورسوله.

 فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا طلحة أبو طلحة معروف بصوته وقوته، صوته قوي جدًّا، وكان العباس -رضي الله عنه- يقولون: يبلغ صوته تسعة فراسخ، العباس، وأبو طلحة عرف بقوة الصوت، ولذا أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونادى، والنداء هو الصوت المرتفع، إن الله ورسوله ينهيانكم..

 لكن رفع الصوت أو ارتفاع الصوت، هل فيه ما يمدح به الإنسان أو لا؟ هل يمدح الإنسان بقوة صوته أو لا؟ يعني عند الحاجة، عند الحاجة إليه يكون صفة ممدوحة، أما عند عدم الاحتياج إليه فليس بممدوح، وبعض المفسرين يقول: إن ارتفاع الصوت ليس بممدحة، وإنما هو مذمة، وذكروا ذلك عند قول الله- جل وعلا-: {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [سورة لقمان:19]، فليس بممدحة، لكن إن احتيج إليه فيمدح الإنسان به، إن احتيج إليه.

 وعلى هذا التبليغ ينبغي أن يكون على أعلى مستوى، على أعلى مستوى، تبليغ الشرع، إن الله ورسوله ينهيانكم، ينهيانكم وهنا جمع بين ضمير النبي -صلى الله عليه وسلم-، كسر همزة إنّ كسر همزة إنّ يدل على إضمار القول، فنادى قائلاً: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، وأبو طلحة إنما عبر عن كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو بلّغ عن كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- بحروفه؟ يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: قل للناس، نادِ في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر؟ وعلى هذا هل الجمع بين ضمير النبي -عليه الصلاة والسلام- مع ضمير الله -جل وعلا- من قوله -عليه الصلاة والسلام-، أو من قول أبي طلحة؟

 يعني حينما يقول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو يقول: نهانا، هل هذا لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو لفظ الصحابي؟

لفظ الصحابي، وإنما لفظه -عليه الصلاة والسلام-: افعلوا، أو لا تفعلوا، افعلوا، أو لا تفعلوا، هنا ينهيانكم هل هو من كلام الصحابي، أو من قوله -عليه الصلاة والسلام-؟ يعني هل الصحابي عبَّر عن اللفظ النبوي أو ساقه بحرفه؟ احتمال، احتمال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: نادِ في الناس، بلغهم، قل لهم: إن الله ورسوله ينهيانكم، أو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: نادِ في الناس أن الله -جل وعلا- حرم أكل لحوم الحمر الأهلية، وكذلك الرسول -عليه الصلاة والسلام- احتمال.

 وعلى هذا قوله: ينهيانكم فيه الجمع بين ضمير الله- جل وعلا- مع ضمير النبي، أو أن ضمير النبي -عليه الصلاة والسلام- مضاف إلى ما يرجع إلى الله -عز وجل-؟ وفي هذا الجمع بين الضميرين جاء في الحديث الصحيح في صحيح مسلم قول النبي -عليه الصلاة والسلام- للخطيب: «بئس خطيب القوم أنت»، لما قال: ومن يعصهما فقد غوى، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، قال: «بئس خطيب القوم أنت»، ذمه؛ لأنه جمع بين ضمير النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ضمير الله -جل وعلا-، أضافه إليه، وهنا فيه الجمع بين الضميرين، وسواء كان من لفظه -عليه الصلاة والسلام-، أو بإقراره، بسماعه لفظ أبي طلحة وإقراره إياه، فيه من المحظور ما في قول الخطيب: ومن يعصهما، لكن أهل العلم يقولون: إن الخطيب في مقام الخطابة، والخطابة تحتاج إلى بسط وإيضاح، وجمع الضمائر بخلاف ذلك، بخلاف بيان الحكم الشرعي، فإنه يتم بأوجز أسلوب، إذا لم يقع فيه لبس يتم بيان الحكم بالأسلوب الوجيز إذا لم يحصل فيه لبس.

 ومنهم من يقول: إن هذا لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، وذاك لفظ الخطيب، والخطيب يتصوَّر منه إذا جمع بين الضميرين المساواة والتشريك، وجعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في مصف الله -جل وعلا- في الجمع بين الضميرين، ويقول أيضًا: إنه إذا صدر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه لمعرفته بربه لا يتصور منه أن يجعل نفسه في مصف الله- جل وعلا-، وإن كان -عليه الصلاة والسلام- قد رفع الله له ذكره، فلا يذكر الرب- جل وعلا- إلا ويذكر معه، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، فالله -جل وعلا- قد رفع له ذكره، لكن الأسلوب الذي يحصل فيه لبس، أو قد يدخل فيه على القائل أو السامع أي دخل فإنه حينئذ يمنع، يمنع.

 منهم من يبدي جوابًا ويقول: ينهيانكم خبر عن مثنى، ولا بد من المطابقة، ولا بد من المطابقة، والمبتدأ عبارة عن اثنين، وخبره لا بد أن يكون مثنى، لكن يرد عليه قول الله- جل وعلا-: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [سورة التوبة:62] ما قال: يرضوهما، فالجواب عند أهل العلم أن مقام الخطابة يحتاج إلى مزيد من البسط، بخلاف بيان الحكم، فإنه من أجل أن يحفظ يختصر.

 ومنهم من يقول: إن ذاك على لسان الخطيب، وبحضرة أناس منهم من هو حديث الإسلام، حديث عهد بجاهلية، لا ينبغي في مثل هذا الظرف أن يُجمَع بين الضميرين؛ لئلا يتوهم التشريك بخلاف ما صدر عنه -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يتوهم منه أن يشرك بين ضميره أو بين نفسه وبين الله -جل وعلا-.

 ينهيانكم عن لحوم الحمر، لحوم، اللحم حقيقته العرفية هو الأحمر الهبر الذي يسمى عند الناس هبرًا معروف؟ تعرفون الهبر؟ هذا هو اللحم، فهل ما عداه يجوز أكله؟ الكرش والمصران والكبد يجوز أم ما يجوز؟ ما يجوز مثله ما جاء في قول الله -جل وعلا- في أكل لحم الخنزير اللحم هو الأحمر الهبر، فهل يجوز أكل المصران والكرش والكبد وما عدا ذلك؟ طيب، أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «لا»، هل يقتصر على اللحم أو يشمل ما عداه من الكرش والمصران والكبد وما أشبه ذلك؟ يعني مثل لحوم الحمر ومثل لحم الخنزير، يعني يشمل ويحوي جميع ما حواه الجلد، يشمل جميع ما حواه الجلد.

طالب: .........

ما الذي يجعلنا هنا نقول: اللحم يشمل جميع ما حواه الجلد في الحمر والخنزير، ولا نقوله في الإبل؟

طالب: .........

في الإبل لسنا نريد أن نحرم الأكل، لكن نريد أن نوجب الوضوء من جميع ما حواه الجلد، ويعبر عن جميع ما حواه الجلد باللحم كما عُبِّر عن جميع ما حواه الجلد باللحم في الخنزير والحمار، هذا القول وجيه جدًّا، هذا القول وجيه جدًّا، فجميع ما حواه جلد الحمر حرام، وجميع ما حواه جلد الخنزير حرام، وجميع ما حواه جلد الإبل يتوضأ منه، يتوضأ منه.

 عن لحوم الحمر فإنها العلة إنها رجس أو نجس، رجس أو نجس قال: فأكفئت القدور بما فيها. طيب فإنها الضمير يعود على إيش؟ على الحمر أو لحوم الحمر؟ عندنا مضاف ومضاف إليه، لحوم الحمر، وعندنا ضمير يعود إلى أحدهما، يعني عود الضمير إلى أحد المتضايفين هل يعود على الأول أو على الثاني؟ وكذلك الوصف وصف أحد المتضايفين يرجح أن يكون إلى المضاف أو إلى المضاف إليه؟

لأنه هو المتحدث عنه الأول هو المتحدث عنه، إذا قلت: مررتُ بغلام زيد الفاضل، أنت تتحدث عن زيد أم عن غلامه؟ عن غلامه، لكن إذا دلت القرينة على إرادة المضاف إليه أو المضاف أيضًا فالعمل بالقرائن {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو} [سورة الرحمن:27]، على المضاف، بينما في قوله في آخر السورة: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي} [سورة الرحمن:78] عاد على المضاف إليه، وإذا كان الإعراب بالحروف فلا إشكال، لكن الإشكال إذا كان الإعراب بالحركات، إذا كان الإعراب بالحركات وهنا هل نقول: إنها رجس يعني اللحوم، أو إنها رجس أي الحمر؟ وهل لهذا الاختلاف من فائدة؟

طالب:.........

ما فيه فائدة؟

طالب: .........

يعني لعابها وعرقها إذا قلنا: يعود إلى اللحوم، قلنا: لعاب الحمر، وسؤرها إذا شربت من ماء، وعرقها إذا ركبها أو باشرها مع رطوبة، ركبها الراكب في وقت مطر وتبللت وباشرها، هل نقول: نجسة أم طاهرة؟ وسؤرها؟

 يعني هل هناك ملازمة بين اللحم وبين هذه الفضلات؟

أما بالنسبة لبولها ورجيعها فهذا محل إجماع؛ لما جاء ابن مسعود بالحجرين والروثة، روثة حمار ردها النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: «إنها ركس نجس»، فليست بطاهرة، فضلاً عن أن تطهر، عندنا فضلات ما حرم أكله مثل الحمر، أما ما جاء فيه نص فما عندنا إشكال فيه، الكلب «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب»، أو «إحداهن بالتراب»، أو «أولاهن بالتراب» هذا ما فيه إشكال، وعلى هذا إذا كان ريقه بهذه المثابة فعرقه وبدنه من باب أولى، الحمار يعني ما جاء فيه نص مثل الكلب في النجاسة، ومثل الهر في الطهارة «إنها ليست بنجس، إنها ليست بنجس» هل يعني هذا طهارة لحمها؟ لا؛ لأن تذكيتها مثل الميتة، فهي نجسة لا تحلها الذكاة، فهي نجسة، لكن سؤرها طاهر؛ للنص في حديث أبي قتادة «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم»، فالعلة الطِّوافة، وهنا نقول: ليست بنجس أو نجس؟

إذا طردنا العلة الطوافة، الناس يحتاجون الحمر أكثر مما يحتاجون الهرر، حاجتهم إلى الحمر أكثر من حاجتهم إلى الهرة، فهل نقول: إن هذه الحاجة طوافة؟

الفقهاء يقولون: وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، ما دونها في الخلقة أو أكبر منها فعلى هذا الحمار على هذا الكلام نجس، الحمار نجس، سؤره نجس؛ لأنه رجس، بينما الهرة ليست بنجس، ويقولون: ما دونها في الخلقة، لماذا؟ لأن ما دونها في الخلقة يطوف على الناس، ويشق التحرز منه، يشق التحرز منه، هل يمكن أن تغلق باب المستودع أو باب الصالة عن فأرة؟ لا يمكن، لكن يمكن أن تغلق عن حمار، فيشق التحرز من الهرة وما دونها في الخلقة، فلهذه المشقة قال الفقهاء: وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، ومنهم من يقول: إن قياس الحمر على الهرة قياس الأولى، قياس الأولى، لماذا؟

لأن حاجة الناس إلى الحمر أكثر من حاجتهم إلى الهرة، فالطوافة معروفة، وأيضًا الحمار عُرِف من عادته أنه إذا شرب من ماء مثلاً ماذا يصنع بعد الشرب؟ ما رأيتم حمارًا يشرب؟ ينفض رأسه هكذا ثم يصيب ما حوله من الرشاش، وما عُرِف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بغسله، ولا أُمر بغسل عرقه، ولا أُمِر بغسل ما يصيب من رطوبات السيل أو أو ما يحمل عليه من مياه مثلاً يصيبه الرطوبة، وما عرف، وهذا مما تعم به البلوى، ولو كان محرمًا لجاء التنصيص عليه، وهذه حجة من يقول بطهارة سؤره، وطهارة عرقه، وطهارة بدنه، ويبقى أن أكله حرام، وهو رجس، ورجيعه حرام.

طالب: .........

هذا امتنان، {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [سورة النحل:8]، هذا امتنان بالركوب بالركوب، ويستدل بالآية من يقول بتحريم لحوم الخيل؛ لأنها لو كانت تؤكل لكان الامتنان بأكلها، لكان الامتنان بأكلها، لا بركوبها، لكنها معطوفة على ما لا يحل أكله مما يشاركها في الركوب، والركوب بالنسبة للخيل أعظم وجوه الانتفاع، أعظم من الأكل، يعني إذا كانت الإبل والبقر والغنم يُمتَنُّ بأكلها أكثر من غيرها، يُمْتَنّ بأكل البقر وشرب لبنها أكثر من كونها تفيد في الحرث، يمتن بأكل لحم الإبل أكثر؛ لأن الأكل أعظم وجوه الانتفاع، فيمتن به، لكن هات فرس البغل، لا يؤكل الحمار، لا يؤكل الفرس، دل الدليل على أنه يؤكل، لماذا ما امتن الله- جل وعلا- بأكله؟

 لأن منفعة الركوب أعظم من منفعة الأكل بالنسبة للخيل، فيمتن بالأعظم. الآن لو عندك خيل تذبحه وتأكله أم تركبه؟

هو للركوب أكثر، فائدته في الركوب أعظم من فائدة الأكل، فامتُنَّ بالركوب، ولم يمتن بالأكل، وأما دليل الأكل فمن خارج.

 «فإنها رجس أو نجس»، قال: فأكفئت القدور بما فيها؛ لأن هذه النجاسة خالطت غيرها فتنجست، نفترض أن مع اللحم لحم الحُمُر طعام آخر إما دقيق أو رز أو غيره أو جريش أو ما أشبه ذلك، طبخت، نقول: أخرج اللحوم وكل الباقي؟ لا، الباقي تنجس بمخالطة النجس، ولذا قال: فأُكفئت القدور بما فيها، فأكفئت القدور بما فيها.

 "متفق عليه، ولفظه لمسلم.

 وفي الصحيح من حديث سلمة أنهم أخبروه -عليه الصلاة والسلام- أنهم يوقدون على لحم الحمر الأنسية"، وهذا يخرج حمر الوحش، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أهريقوها واكسروها»، يعني تكسر القدور، «أهريقوها واكسروها»، وهذا مبالغة في التنفير منها، مبالغة في التنفير منها ومن لحمها، فتكسر القدور التي باشرت هذه النجاسات، "فقال رجل: يا رسول الله، أو نهريقها ونغسلها؟ فقال: «أو ذاك»" يعني لما بلغتهم هذه المبالغة عدل عنها -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن القدور مال، وقد نهى عن إضاعة المال، فتبقى القدور لا تكسر، وقد يكون إبقاؤها من أجل الطلب، طلبوا إبقاءها، فقال: «أبقوها»، ويكون حينئذ الأمر لا على سبيل الحتم والوجوب، وإنما على سبيل الاستحباب، ويعدل عنه للحاجة، يعدل عنه للحاجة، ويكون إبقاؤها مكروهًا، والكراهة تزول بأدنى حاجة عند أهل العلم، أو نهريقها ونغسلها؟ فقال: «أو ذاك»، يعني يكفي ذاك، يكفي الإهراق مع الغسل. يعني يصنع هذا أو هذا أو ذاك الذي هو الغسل.

 الحديث الذي يليه "وعن عمرو بن خارجة قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على راحلته وهي تقصع بجرتها، ولعابها يسيل بين كتفيّ، الحديث رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه" عن عمرو بن خارجة قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بمنى على راحلته، هذه الخطبة خطبة في أيام الحج، وفي الحج خُطَب، خطبة في اليوم الثامن، وخطبة في التاسع، يوم النفر الأول، الثاني عشر، ومنهم من يذكر خطبة في يوم النحر، فتكون أربعًا لبيان ما يحتاجون إليه في يومهم، والذي يليه إلى الخطبة الأخرى؛ لبيان المناسك، فخطبهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بمنى وهو على راحلته، راحلته التي تسمى القصواء، القصواء، وله أيضًا العضباء، وسمى الحمار، وسمى السيف. المقصود أنهم جرت عادتهم بالتسمية بتسمية ما يركب وما يستعمل؛ ليتميز عن غيره.

 وهو على راحلته الجملة حالية، والواو واو الحال منه -عليه الصلاة والسلام- صاحب الحال الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهي تقصع بجرتها أيضًا الجملة حالية، وصاحب الحال الراحلة، وصاحب الحال هي الراحلة، والراحلة مضاف ومضاف إليه، راحلتِه، والحال هنا الجملة الحالية، حكم مجيء الحال من المضاف إليه يجوز أم ما يجوز بإيش؟ أو مثل جزء..

ولا تجز حالاً من المضاف له

 

 

 

إلا إذا اقتضى المضاف عمله

 

أو كان جزء ما له أضيف

 

 

أو مثل جزئه فلا تحيف

 

فإذا كان المضاف يقتضي العمل في المضاف إليه مثل إيش؟

طالب: ..............

مرجعكم جميعًا المرجع عامل من المضاف إليه أو جزء ما له أضيف قطعت أصابع يده قائمًا، قطعت أصابع يده قائمًا أو مثل جزئه، اتبع ملة إبراهيم حنيفًا، فالملة مثل الجزء من الإنسان وهنا..

طالب: ..............

لا، لا ما يدخل في الخلاف هذا؛ لأنه حال من المضاف لا من المضاف إليه، هنا ما يدخل في الخلاف؛ لأن الجملة حال من المضاف لا من المضاف إليه، حال من الراحلة، لو قال: على راحلته قائمًا، على راحلته قائمًا قلنا: من المضاف إليه، لكن لا يكون حالًا من المضاف إليه مع وجود الفاعل، خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، المقصود أن هذا لا يدخل في الخلاف، وهو على راحلته حال منه -عليه الصلاة والسلام-، وهي تقصع بجرتها حال منها، من الراحلة، وهو مضاف، يجوز أن يأتي صاحب الحال من المضاف، طيب لو كان اللفظ خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى وهو على راحلةٍ وهي تقصع بجرتها، على راحلةٍ وهي تقصع بجرتها، يكون صاحب الحال نكرة، يمكن أن يكون صاحب الحال نكرة؟

طالب: ..............

نعم.. كيف؟ في إيش؟

طالب: ..............

طيب..

الواو متمحضة للحال، لكن لو عندنا على راحلةٍ تقصع بجرتها قلنا: لا يجوز، ويكون حينئذ وصفًا، والنكرات إلى الأوصاف أحوج منها إلى الأحوال، وهي تقصع بجرتها، تقصع ما معنى تقصع؟ ما معنى تقصع؟ أليس معك الكتاب؟

طالب: ..............

تمضغ؟

الجرة معروفة، الجرة ترديد الأكل إخراجه ثم إعادة مضغه ثم إعادته، لكن قصع.

طالب: ..............

ما بيَّنه عندك؟ وهي تقصع بجرتها، الجرة معروفة، وهي ترديد الطعام؛ لأن هناك من الحيوانات ما يجتر، والجرة معروفة تأكل الطعام ثم تعيده لتمضغه من جديد ثم ترجعه، قصعته وفي رواية: وقصته، فهذا الذي قصعته دابته لا شك أنه دقت عنقه، فالقصع هنا وهي تقصع جرتها قد يكون معنى المضغ، قد يكون معنى المضغ الذي هو عبارة عن الدق في حكم الدق؛ لأن قصعته ناقته أو وقصته دقت عنقه، وعندنا يستعمل لفظ بالنسبة للقمل، يعني قتل القمل يسمى قصعًا، تعرفونه؟

القمل معروف، لكن قتله يسمى قصعًا، وهو دق مثل من قصعته دابته، وهنا تقصع يعني تعلك وتمضغ بجرتها، الجِرة والمِرة ما الفرق بينهما؟ الجرة والمرة، يعني حكمهم، المعنى يختلف فهل يختلف الحكم الشرعي في نجاستها وطهارتها؟ هل نقول: إن الجرة لو مثلاً وهي تجتر أدخل يده فأخرج شيئًا من هذه الجرة طاهرة أم نجسة أم في حكم القيء؟ هو ما وصل إلى المعدة ثم عاد؟

طالب: ..............

يعني معنى هذا أن الإنسان لو لم يتغير طعامه وقاءه ما فيه إشكال؟ لا، فيه إشكال، والمِرَّة على كل حال فيه رسالة صغيرة الدرة في حكم القيء، والجرة، والمرة، فجمع بينها وأحكامها تراجع في هذا الكتاب.

وهي تقصع بجرتها، ولعابها يسيل بين كتفَيّ، ولعابها يسيل بين كتفي، وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة، فلعاب مأكول اللحم، لعابها يسيل بين كتفيّ، لعاب مأكول اللحم طاهر، فاكتسبنا الحكم من هذا الحديث، وهذا الحديث نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بالتقرير، لعابها يسيل بين كتفي، وهو بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه كان يقودها، فتقريره -عليه الصلاة والسلام- دليل على طهارة لعاب ما يؤكل لحمه.

 "رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه" صححه الترمذي، ولا شك أن تصحيحه إما لشواهده وإلا فالحديث بمفرده من رواية شهر بن حوشب، من رواية شهر بن حوشب، وكلام أهل العلم فيه معروف، وفي مقدمة صحيح مسلم عن عبد الله بن عون إن شهرًا نزكوه، إن شهرًا نزكوه، فهو مضعف عند أهل العلم، والنزك هنا الرمي بالنيزك، فكأنه مطعون فيه، كأنه قال: طعنوه، وقصة الخريطة التي اتُّهم شهر بن حوشب بسرقتها معروفة عند أهل العلم، وإن كان منهم مَن لا يثبتها، ويربأ بمثل شهر أن يسرق خريطة حتى قال القائل:

لقد باع شهر دينه بخريطة

 

 

 

 

فمن يأمن القراء بعدك يا شهر

 

 

يعني أفعال مثل شهر وهو معروف، رجل صالح وعابد، فلا يُتَصَوَّر منه هذا، وعلى هذا على من عليهم آثار الصلاح أن يبتعدوا كل البعد عن المخالفات ولو لم تكن من باب التحريم، ولو كانت من باب خلاف الأولى لاسيما أمام الناس؛ لأن الناس يلحقونه من التبعات أكثر من غيرهم، والأعين كما يقول الناس في تعبيرهم العصري: مفتوحة عليهم أكثر من غيرهم، ولا شك أن الهفوة والزلة من رجل صالح أو من عالم أشد من كونها تقع من رجل عادي، فهذا الشخص الذي يزاول مثل هذا العمل الذي يعاب به لا شك أنه لا يجني على نفسه فقط، لا يجني على نفسه فقط، وإنما يجني على غيره، وأفعالهم محفوظة مضبوطة بخلاف أعمال غيرهم تنسى، لماذا؟ لأن التبعة عليهم أكثر، وهم قدوات للناس، ولذا قال القائل:

لقد باع شهر دينه بخريطة

 

 

 

فمن يأمن القراء بعدك يا شهر

 

تسطر مثل هذه الأفعال إذا كانت من المحسوبين على الخير، ولذا على الإنسان لاسيما إذا كان ظاهره الصلاح وملتحيًا وكذا بين الناس، يعني له هيبته إذا ركب سيارته يسقط على هذا، ويسفط على هذا، ويحد هذا، ويقف موقفًا ما هو مناسب قالوا: المطاوعة كلهم بهذا الشكل، لن يقولوا: هذا الشخص بعينه هذا خلقه وهذا ما جبل عليه، ولذا يقول

.........................

 

 

 

فمن يأمن القراء بعدك يا شهر

 

وهذا في عصر السلف ليس الآن، فكيف الآن في مجتمع تلتقط فيه الزلات على الأخيار، وتحسب أعمالهم بدقة، ولذا تجدون رجال الحسبة فاكهة المجالس عند الناس، فعلوا، وتركوا، وإذا فعلوا شيئًا يسيرًا ولو خطأً، ولهم ما يبرر من وجود تهمة أو غلبة ظن، تجده ينشر في الجرائد والمجلات وفي وسائل الإعلام، ويخطئ غيرهم الخطأ الكبير ولا كأنه خطأ، بل قد يعد من محاسنه، فمثل هذه الأمور لا شك أنها تسيء إلى أهل الخير، فعليهم أن يحذروها بقدر الإمكان.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.