الشمائل النبوية (19)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم الشمائل النبوية مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

قال الإمام الترمذي رحمه الله في كتابه شمائل النبي -صلى الله عليه وسلم- باب ما جاء في تكأة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا عباس بن محمد الدري البغدادي قال حدثنا إسحاق بن منصور عن إسرائيل عن سماك بن حرب عن جابر بن سَمُرة قال "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متكئا على وسادة على يساره" والحديث الذي يليه  حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر بن المفضّل قال حدثنا الجريري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ألا أحدثكم بأكبر الكبائر» قالوا بلى يا رسول الله قال «الإشراك بالله وعقوق الوالدين» قال وجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان متكئًا قال «وشهادة الزور أو قول الزور» قال فما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولها حتى قلنا ليته سكت.

الذي يليه.

قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا شريك عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «أما أنا فلا آكل متكئًا».

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين، حديث جابر بن سمرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان متكئًا على وسادة على يساره، هذا الحديث مُخرّج في سنن أبي داود في كتاب اللباس، وجامع المصنف جامع الترمذي في كتاب الأدب باب ما جاء في الاتكاء، وهو حديث صحيح بشواهده، والمراد بالباب: باب ما جاء في تكأة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيان ما جاء من الإخبار في صفة التكأة والتكأة ما يتكأ عليه من وسادة وغيرها مما هيئ وأعد لذلك، قوله: متكئًا على وسادة، الوسادة ما يتوسد كالمخدة ويقال وساد بغير هاء وإسادة بالهمز على يساره أي.

بكسر الواو يا شيخ وسادة؟

على يساره أي موضوعة تحت جانبه الأيسر، وهذا لبيان الواقع لا للتقييد، قال أهل العلم: يجوز الاتكاء يمينًا وشمالاً، أقول: إلا أن ما فعله -عليه الصلاة والسلام- أولى اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- من جهة، ولأنه أرفق بالجالس ليستعمل اليمين بالأخذ والعطاء ولو اتكأ عليها لصعب ذلك، لكن قد يقول قائل: ألا يشبه الاتكاء على اليسار النوم على الجنب الأيسر وقد جاء.

النهي عن ذلك أو تفضيل اليمين..

تفضيل النوم على اليمين ألا يدل على ذلك؟ وأن النوم على اليسار من أجل والاعتماد على القلب يجعل الإنسان يستغرق في نومه.

وبالتالي ينام على اليمين أيسر له من..

أيسر ويكون أقرب للاستيقاظ.

لا يضغط على القلب.

نعم لماذا لا يكون الاتكاء من هذا النوع؟

قد يقال لأن الجسم أصلاً جالس بالنسبة للاتكاء فلا يكون هناك..

لا يكون التحامل على القلب في الاتكاء كبيرًا مثل النوم بلا شك، ثم أورد المصنف رحمه الله تعالى "حديث أبي بكرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ألا أحدثكم بأكبر الكبائر»" والشاهد فيه قوله "وكان متكئًا" متكئًا قال "«وشهادة الزور أو قول الزور»" والحديث مخرج في الصحيحين، في صحيح البخاري في كتاب الشهادات باب ما قيل في شهادة الزور وكتاب الأدب باب عقوق الوالدين وغيرهما، وأخرجه مسلم أيضًا في كتاب الإيمان في باب بيان الكبائر وأكبرها، والشاهد منه: "وكان متكئًا": أي مستندًا مائلاً إلى أحد الشقين تنبيها على إثم أو على عظم إثم شهادة الزور وتأكيد تحريمها وعظيم قبحها، وليس ذلك لكونها أعظم من الشرك أو مثله، بل لتعدي مفسدتها إلى الغير من جهة، ولأن بعض الناس يهابون الشرك لكن لا يهابون شهادة الزور، وفي الحديث: جواز ذكر الله وإفادة العلم متكئًا لا يقال إن هذا إخلال بالأدب، ولا يحدث الإنسان ولا يذكر الله وهو متكئ بل يعتمد في جلسته، فالحديث فيه جواز ذكر الله وإفادة العلم مُتكئًا وأن ذلك لا ينافي كمال الأدب، وأن الاتكاء لا يفوت حق الحاضرين المستفيدين، فكون المُعلم مثلاً متكئا والطلاب حوله وبين يديه لا يخل بالأدب لكن لو زاد على ذلك بأن المعلم مضطجعا مثلاً فهذا قد لايستحسن.

فيه يعني عدم قبول.

على كل حال ما ذكر دليل على جواز الاتكاء وما يفعله الإمام مالك رحمه الله تعالى وغيره من الاهتمام بالجلوس أثناء التحديث فلتعظيم كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

لكن يا شيخ ألا يقال إن هذا يختلف باختلاف المجالس، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ربما كان يضطجع بين أصحابه إذا كانت المجالس فيها بساطة وأنس ربما يحصل هذا، لكن ما نقل عنه -عليه الصلاة والسلام- مثلاً في مجالس الوفود و الضيوف أنه يكون متكئا أو يكون مضطجعا ؟

يتكئ لكنه لا يضطجع، المجالس لها آداب، والناس ينبغي أن يُنزَلوا منازلهم، والإنسان تختلف أوضاعه باختلاف من حوله، أقول: ما يذكر عن مالك -رحمه الله تعالى- من اهتمام في وضعه أثناء التحديث فلتعظيم كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكذلك ما يذكره العلماء في آداب تلاوة القرآن من الاهتمام بذلك، وإلا فالجواز ظاهر أخذًا من هذا الحديث ومن قوله جل وعلا: ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛآل عمران: ١٩٠ - ١٩١ يعني بما في ذلك قراءة القرآن، وقد جاء في الحديث قراءة آية الكرسي مثلاً والمعوذتين وأواخر البقرة وأنت مضطجع، فمثل هذا لا يخل بأدب تلاوة القرآن، فما يذكره أهل العلم من أن قارئ القرآن ينبغي أن يكون على أكمل هيئة وأحسن وضع هذا من باب الزيادة في التعليم وتمام الأدب، وإلا فالجواز حاصل، ثم أورد الإمام الترمذي "حديث أبي جحيفة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «أما أنا فلا آكل متكئًا»" وهو حديث خرجه الإمام البخاري في كتاب الأطعمة.

حديث: "«أما أنا فلا آكل متكئًا»".

هو حديث خرجه الإمام البخاري في كتاب الأطعمة باب الأكل متكئًا وفي غير هذا الموضع أيضًا.

خرجه البخاري في الصحيح يا شيخ؟

في الصحيح نعم في كتاب الأطعمة، أما أما هنا لمجرد التأكيد وإن كانت للتفصيل مع التأكيد غالبًا، هنا للتفصيل أو لمجرد التأكيد؟

ما يفهم من السياق الأول يا شيخ ؟

تأكيد فقط؛ لأنه ليس هناك شق ثاني، إما كذا وإما كذا، أما كذا وأما كذا، وإن كانت  للتفصيل مع التأكيد غالبا "«فلا آكل متكئًا»" أي مائلاً إلى أحد الشقين معتمدًا عليه وحده، يقول وذلك مكروه؛ لأنه فعل المتكبرين المكثرين من الأكل، قال ابن القيم في الهدي: وكان لا يأكل متكئًا، والاتكاء على ثلاثة أنواع: أحدها: الاتكاء على الجنب، والثاني: التربع، والثالث: الاتكاء على إحدى يديه مع أكله بالأخرى، والثلاثة مذمومة، لكن الصيغة "«لا آكل متكئًا»" تدل على كراهة أو تدل على أنه خلاف الأولى؟ ليس فيه نهي.

صحيح، ليس  فيه نهي.

نعم، ومثله أيضا كونه -عليه الصلاة والسلام- ما أكل على خوان.

ما يدل على نهي الأكل على الخوان.

بدليل أن الصحابة أكلوا على خوان بعد ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يأكل على خوان ولا سكرجة فهذا يدل على أنه خلاف الأولى، نعم إذا أدى ذلك أو كان الباعث على الاتكاء الكبر أو زيادة النهم أو عدم الاكتراث أو الازدراء لنعمة الله أو الاستخفاف بالحاضرين، اتجه القول بالكراهة، في شرح البيجوري يقول: الكراهة مع الاضطجاع أشد منها مع الاتكاء، والأكل قاعدًا أفضل، ولا يكره قائمًا بلا حاجة، مع أنه جاء النهي عن الشرب قائمًا والأكل أشد هنا، يقول: ولا يكره الأكل والأكل قاعدا أفضل، ولا يكره قائمًا بلا حاجة، والتربع لا ينتهي إلى الكراهة، لكنه خلاف الأولى، على ما دلت عليه صيغة الحديث، ومثل التربع: أن يسند ظهره إلى نحو حائط، فالسنة أن يقعد على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى، يقول ابن القيم: وكان أكثر شربه قاعدًا بل زجر عن الشرب قائمًا، وشرب مرة قائمًا فقيل هذا نسخ لنهيه، وقيل بل فعله لبيان جواز الأمرين، والذي يظهر فيه والله أعلم أنها واقعة عين شرب فيها قائمًا لعذر، يعني شرب من زمزم فلعل الأرض لم تكن مناسبة للجلوس، هذه وجهة نظر من يقول أنها واقعة عين والنهي باقي، أما من يقول بالنسخ أو يقول إن الشرب قائما صارف عن التحريم؛ لأنه جاء التشديد «من شرب قائمًا فليقئ» هذا يدل على التحريم لكن كونه -عليه الصلاة والسلام- شرب من زمزم وهو قائم فهذا صارف من التحريم إلى مجرد الكراهة، وسياق القصة يدل عليه، يقول ابن القيم: فإنه أتى ماء زمزم وهم يستقون منها فأخذ الدلو وشرب قائمًا، يقول: والصحيح في هذه المسألة النهي عن الشرب قائمًا وجوازه لعذر يمنع من القعود، وبهذا تجمتع الأحاديث، وعلى كل حال حديث شربه -عليه الصلاة والسلام- من زمزم صارف النهي من التحريم إلى الجواز، ويبقى أيضًا أن من أهل العلم من خص الشرب قائمًا بزمزم دون غيره لكن هذه ظاهرية، فزمزم مثل غيره من المياه.

أحسن الله إليك في قوله «لا آكل متكئًا» يندرج عليه الشرب أيضًا؟

الأصل أن الأكل والشرب حكمه واحد.

 

أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم بهذا إخوتنا وأخواتنا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة نستكمل بإذن الله تعالى ما تبقى من الشمائل في حلقة قادمة وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"