شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب صلاة التراويح وفضل ليلة القدر (عام 1428 هـ) - 20
المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين. أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم، من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بضيف البرنامج الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المُقَدِّم: لازلنا في كتاب صلاة التراويح، في باب فضل من قام رمضان، كنا ذكرنا مجموعة من القضايا والمسائل في حلقة مضت، نستكمل بعضها، أحسن الله إليكم، نبدأ بمسألة نقض الوتر، يتساءل كثير من الناس حول مسألة نقض الوتر، أحسن الله إليكم، نبدأ بها هذه الحلقة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المُقَدِّم: اللهم صلِّ عليه وسلم.
أولًا من الذي يحتاج إلى نقض الوتر؟ يعني من أوتر في أول الليل ثم تسنى له القيام في آخره وقد أوتر في أول الليل.
المُقَدِّم: نعم.
قام مع الإمام وأوتر وسلم معه، ثم تسنى له أن يقوم في آخر الليل في وقت النزول الإلهي، وقال: تمنى أن لو لم يوتر في أول الليل، مع أنَّ الوتر مع الإمام والانصراف معه يضمن قيام ليلة معه.
المُقَدِّم: قام مع الإمام حتى ينصرف.
نعم، في هذه الحالة الوتر مرة ثانية.
المُقَدِّم: لا وتران.
جاء في الحديث: «لا وتران في ليلة»، الإبقاء على الوتر الأول والصلاة في آخر الليل وقت النزول الإلهي بدون وتر أيضًا تجعل في النفس- نفس القائم- شيئًا.
المُقَدِّم: صحيح.
فماذا يصنع؟ قال أهل العلم في مسألة نقض الوتر يعني يصلي ركعة يبدأ بها قيامه لتنقض الوتر الأول، يعني ليس معنى هذا أنَّه إذا أوتر مع الإمام وسلَّم الإمام قام ليأتي بركعة ثانية، هذا ما فيه إشكال، إذا سلَّم الإمام من وتره، قام ليأتي بركعة ثانية.
المُقَدِّم: ليس هذا المراد بنقض الوتر.
نعم، ليس هذا المراد، يقول النووي في المجموع: المشهور من مذهبنا أنَّه إذا أوتر الليل ثم تهجد لا ينقض وتره، يعني لا يصلي ركعة مفردة تنقض الركعة الأولى التي صلاها مع الإمام، ثم بعد ذلك إذا انتهى من تهجده يوتر، فيكون أوتر في ليلة ثلاث مرات، ثلاث مرات، الأولى التي مع الإمام.
المُقَدِّم: وما نقض بها.
الثانية التي يزعم أنَّها تنقض الوتر، والثالثة التي في آخر صلاته، قبل هذا هذه مسألة يُحتاج إليها في الحرمين، قد يُحتاج إلى أكثر من إمام، نعم، يُحتاج إلى أكثر من إمام «ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» فهل المعتبر الإمام الأول، أو الثاني، أو كلاهما بمنزلة إمام واحد؟ كلاهما بمنزلة إمام واحد؛ لأنَّ المسألة مسألة حاجة.
المُقَدِّم: صحيح.
فلو كان يطيقها الواحد، نعم، لاكتفيَ به، لكن إذا كان لا يطيقها فلا شك أنَّ الإمامين بمنزلة الواحد، فلا ينصرف المصلي مع الإمام الأول ويقول: صليت مع الإمام حتى انصرف، ولا يأتي متأخرًا فيدخل مع الثاني في أول صلاته فيقول: صليت مع الإمام حتى انصرف؛ لأنَّ هذه يتساءل عنها كثير من الناس.
المُقَدِّم: صحيح.
ونرى كثيرًا من الناس يخرجون مع الإمام الأول.
المُقَدِّم: هذا صحيح.
حتى ينصرف هما في حكم الإمام الواحد، نأتي إلى مسألة نقض الوتر، يقول النووي في المجموع: المشهور من مذهبنا أنَّه إذا أوتر في أول الليل ثم تهجد لا ينقض وتره، بل يصلي ما شاء شفعًا، وحكاه القاضي عياض عن أكثر العلماء، وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وسعد وعمار بن ياسر وابن عباس وعائذ بن عمرو وعائشة وطاووس وعلقمة والنخعي وأبي مجلز والأوزاعي ومالك وأحمد وأبي ثور- رضى الله عنهم-. كل هؤلاء يقولون.
المُقَدِّم: بأنَّه لا يُنقض.
لا يُنقض الوتر، حكاه ابن المنذر عن أبي بكر وسعد وعمار بن ياسر وابن عباس وعائذ بن عمرو وعائشة وطاووس وعلقمة والنخعي وأبي مجلز والأوزاعي ومالك وأحمد وأبي ثور، وغيرهم. وقالت طائفة: ينقضه- ينقض الوتر، فيصلي في أول تهجده ركعة تشفع وتره الأول، ثم يتهجد ثم يوتر في آخر صلاته حكاه ابن المنذر عن عثمان بن عفان وعلي وسعد وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعمرو بن ميمون وابن سيرين وإسحاق- رضي الله عنهم-. هؤلاء الجلة فيما حكاه ابن المنذر عنهم، عثمان بن عفان، وعلي، وسعد، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن ميمون، وابن سيرين، وإسحاق جمع غفير يعني في مقابل أولئك هل نقول: أنَّ مثل هذه يجعل في هذه المسألة سعة، من شاء ينقض ومن شاء لا ينقض؟
المُقَدِّم: لا.
المسألة مسألة عبادة، تعود إلى أصل يُستند إليه. دليل القول الأول حديث طلق بن علي- رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا وتران في ليلة» وهذا حديث أقل أحواله أنَّه حسن، وإلا فقد صُحح، والوتر الأول مضى على صحته فلا يتوجه إبطاله بعد فراغه، العبادة إذا فُرغ منها هل يتوجه إبطالها؟ ما يُمكن، يعني لو قال إنسان: أنا والله صليت الآن مع هذا الإمام فاتتني تكبيرة الإحرام، صلاة الظهر.
المُقَدِّم: أبطلت.
ومر من مسجد فإذا به يقيم الصلاة ويجزم بإدراك تكبيرة الإحرام، يقول: ألغي الصلاة الأولى، وأصلي الثانية؟ لا، الصلاة إذا تمت وفُرغ منها بشروطها وأركانها وواجباتها، انتهت. فمثل هذا بعد الفراغ منه لا يُمكن إبطاله؛ لأنَّه مضى على الصحة فلا يتوجه إبطاله.
المُقَدِّم: لكن يا شيخ الآن أنتم قلتم مادام أنَّ للقول الأول هؤلاء الجلة، وللقول الثاني هؤلاء الجلة، الأصل فيه الحديث كما ذكرنا «لا وتران في ليلة».
نعم، بلا شك.
المُقَدِّم: ألا يُمكن أن نقول بأنَّه أيضًا مادام للقول الثاني هؤلاء الجلة أن نجمع بين القولين ونقول: إنَّه قد يحتاج إلى نقض الوتر، فبالتالي في حقه يجوز هذا؟
كيف يحتاج؟
المُقَدِّم: بعض الأئمة يا شيخ في العشر الأواخر مثل المناطق النائية، أول الليل يصلي معه بادية وعمالة لا يستطيعون القيام في آخر الليل.
طيب.
المُقَدِّم: فهو مضطر أن يصلي بهم وترًا.
طيب.
المُقَدِّم: ثم يضطر أن يقوم ببقية الناس في أخر الليل، هذا موجود في قرى نائية.
حتى في الحرمين موجود.
المُقَدِّم: لكن الحرمين فيه أكثر من إمام يا شيخ، لكن المشكلة في أنَّه لا يوجد إلا هذا الإمام، وهو الوحيد الذي يقرأ فيهم، فهو مضطر يصلي بهؤلاء ويصلي بهؤلاء.
لا ينقض، لا ينقض، يصلي بهم وإذا جاء الوتر يقول لأحدهم تقدم أنت.
المُقَدِّم: ما يجيدون، ما فيهم أحد يجيد، هم عامة، وبادية، وعمالة.
على كل حال إذا كان أراد أن يلاحظهم، نعم، فلا ينقض؛ لأنَّ المسألة تحتاج إلى نص، والنص موجود في نفي أكثر من وتر في الليلة الواحدة.
المُقَدِّم: أحسن الله إليكم، أيضًا يسأل كثير من الناس على مسألة السجع في الوتر، ما دمنا نتكلم عن الوتر والقنوت، السجع والاعتداء في الدعاء والإطالة ونحو ذلك، التنقل في المساجد والأئمة ونحوها يا شيخ.
هذه لا شك أنَّها مسائل موجودة عند بعض الأئمة، بعضهم يورد القنوت على هيئة مقامة، من أولها إلى آخرها أسجاع متكلفة، ونص كثير من أهل العلم أنَّ السجع من الاعتداء، والنبي- عليه الصلاة والسلام- قال لمن سجع: «أسجع كسجع الكهان»، نعم، إذا كان السجع هو توافق رؤوس الجمل غير متكلف فقد جاء في السُّنَّة، لكن ليس مجيئه على حساب المعنى، ولم يقصده المتكلم بحيث يتكلف له، إذا جاء من غير تكلف، ولم يكن على حساب المعنى، لا بأس مع عدم الإكثار منه.
المُقَدِّم: يعني الضابط ألا يتكلف.
نعم، ألا يتكلف، وألا يكون على حساب المعنى.
المُقَدِّم: على حساب المعنى.
فلا شك أنَّا نسمع من بعض الأئمة السجع المتكلف.
المُقَدِّم: كيف أعرف أنَّه ليس على حساب الدعاء.
إذا عدل عن لفظة واضحة يفهمها الناس كلهم إلى لفظة غريبة من أجل نهايتها فهذا تكلف.
المُقَدِّم: يعني في الحديث، في دعائه- صلى الله عليه وسلم- أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، قال في الأخير: «أعوذ بك من هؤلاء الأربع».
هذا ما هو متكلفه؛ لأنَّ عددها أربع.
المُقَدِّم: لكن ألا يُقال بأنَّ الأربع جاءت على طباق يخشع، ويدمع، ويرفع، ويسمع.
هو ما فيه شك أنَّ هذا سجع، لكن هل أثَّر في المعنى؟ والحصر مفيد للسامع، مفيد جدًّا للسامع، كثير جدًّا ما تأتي النصوص محصورة إجمالًا، ثم إذا جيء إلى التفصيل، وجد التفصيل مطابقًا للحصر.
المُقَدِّم: إذًا نقول: الضابط يا شيخ ألا يعدل إلى لفظة من أجل السجع ذاته.
نعم، يعدل إلى لفظة غريبة لا يفهمها السامع من أجل السجع. أمَّا الحصر بالأربع فهذه كما جاء في النصوص الأخرى «اجتنبوا السبع الموبقات» مثلًا، ويقول أهل العلم: أركان الصلاة أربعة عشر، شروط الصلاة تسعة، لماذا يقولون هذا ما يكتفون بعدها؟ هذه في غاية الأهمية؛ لأنَّ الإنسان لو حفظها من غير عدد إجمالي.
المُقَدِّم: اختلطت في ذهنهم.
يعني لو أراد أن يستحضرها قد ينسى واحدة أو اثنين، لكن لمَّا تكون تسعًا، أو إحدى عشرة، أو أربع عشرة مثلًا يعدها بأصابعه حتى تكمل العدة، فإذا نسي منها شيئًا رجع إليها واستذكرها.
المُقَدِّم: جيد.
أيضًا الاعتداء في الدعاء بأن يدعو على من لا يستحق، أو يدعو لمن لا يستحق في الصلاة، أو يخرج عن موضوع الدعاء.
المُقَدِّم: يفصل.
يفصل تفصيلًا كما جاء في تفصيل بعض ما يحصل في النار مثلًا؛ لأنَّه لو استعاذ بالله من النار كفى، ونجد أيضًا في النصوص شيئًا من التفصيل، لكنه ليس التفصيل المنهي عنه، يعني الإغراق في التفصيل، هذا هو المنهي عنه. على كل حال الاعتداء بأن يدعو على غير المستحق بإثم أو قطيعة رحم، أو ما أشبه ذلك، كل هذا أيضًا ممنوع. أيضًا كلام الناس ، تجده يقرأ مقالًا في صحيفة مثلًا، ويريد أن يدعو على من كتب هذا المقال أو كذا ثم يذكر بعض كلامه، أو مثلًا يسمع خبرًا في وسيلة.
المُقَدِّم: صحيح، من خلال الإعلام.
ثم بعد ذلك يُفصِّل هذا الخبر ليدعو على كاتبه، أو يدعو لكاتبه هذا اعتداء، أيضًا الإطالة المملة التي تتعب المأمومين، والتي يلزم منها غالبًا التكرار. النبي- عليه الصلاة والسلام- كان إذا دعا دعا ثلاثًا، وكان أـيضًا يدعو بجوامع الأدعية، ونسمع من يطيل بحيث يجعل الدعاء في القنوت أكثر من تسليمة من تسليمات الصلاة- صلاة التراويح-. يعني بعضهم يدعو نصف ساعة، وبعضهم ثلث ساعة، وبعضهم.. كل هذا لا شك أنَّه على سبيل، أو على حساب المشقة للمأمومين.
المُقَدِّم: لكن إذا أذنتم لنا بالنسبة للاعتداء والإطالة يا شيخ في الدعاء، هل يُمكن أن يُقال للأئمة أنَّ الأفضل في هذه الحالة أن يكتفي الإنسان بما ورد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فيه جوامع الكلم، ويحصل به خيرا الدنيا والأخرة، إذا احتاج إلى دعاء عارض معين، فينضبط بهذه الضوابط التي ذكرناها.
بلا شك، الأصل أنَّ الأدعية المأثورة أفضل من غيرها، لكن إن احتيج لظرف أو لأمر من الأمور إلى دعاء خاص لا نظير له في المأثور فالظرف ظرف دعاء.
المُقَدِّم: بعض الناس يُدخل في الاعتداء في الدعاء مسألة الدعاء على الكفار بعامة، أن يهلكوا بعامة، هل هذا منه يا شيخ؟
في الموطأ عن بعض التابعين- نسيته الآن- قال: أدركنا الناس- يعني الصحابة- وهم يدعون على الكفار، أو وهو يلعنون الكفار.
المُقَدِّم: نعم.
هذا في الموطأ ثابت عن تابعي يحكيه عن الصحابة، على كل حال المسألة تقدر بقدرها، ولا سيما الظالم منهم، يستحق مثل هذا الدعاء.
المُقَدِّم: التنقل يا شيخ بين المساجد، وطلب مجموعة من الأئمة لحسن صوتهم، أو آدائهم أو الإطالة أو التخفيف أحيانًا.
إذا كان الهدف شرعيًّا، فلا مانع منه إذا لم يترتب على ذلك مفسدة، وإيغار صدر الإمام مثلًا- إمام الحي- وتفريق الكلمة المأمومون رأوا هذا وهو من طلاب العلم لا يصلي في هذا المسجد، فكثر الكلام حول الإمام، وأُحدث شيء من الفوضى في المسجد واختلاف الكلمة، لا شك أنَّ تحصيل المصالح مطلوب، لكن درء المفاسد مقدم عليه. الإمام أحمد سئل عن مسألة التنقل، فقال: اتبع الأنفع لقلبك.
إذا كان قلبك يستحضر عند هذا الإمام ولا يحتاج إلى شد رحل، شد الرحل إنَّما هو مخصوص بالمساجد الثلاثة، لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، فإذا لم يحتج إلى شد رحل، يعني ما يحتاج إلى سفر، وهذا الإمام أنفع لقلبك؛ لصلاحه، وحُسن قراءته، ويشدك معه، يجعلك تسمع القرآن بخلاف ما لو صليت مع غيره لا سيما إمام الحي الذي تسكن فيه فلا مانع إذا أُمِنت المفسدة.
المُقَدِّم: هذا ما تقصده قبل قليل تقول: إذا كان فيه مصلحة شرعية.
إذا كان يحقق مصلحة شرعية، نعم.
المُقَدِّم: هذا المراد به.
سواء كانت خاصة أو عامة.
المُقَدِّم: نعم.
لأنَّ بعض الناس يتنقل لا لأجل الصلاة، ليفيد الناس بعد الصلاة من مسجد إلى مسجد.
المُقَدِّم: صحيح. بعض المشايخ.
هذه أيضًا مصلحة شرعية، سواء كانت عامة أو خاصة. بالنسبة للتنقل في المساجد، ومناسبة شد الرحال وهو خاص بالمساجد الثلاثة «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» بعضهم يقول: أنا أشد الرحل إلى مكة؛ لأصلي في غير المسجد الحرام، لا سيما على قول الجمهور، أنَّ الصلاة في سائر الحرم بمائة ألف صلاة، التنصيص على مسجد الحرام هل يقتضي أنَّه خاص بمسجد الكعبة أو يشمل الحرم كله؛ لأنَّ من الناس.
المُقَدِّم: من يذهب لأئمة خارجه.
خارج المسجد ويعتكفون عندهم ويصلون عندهم يشدون الرحل من أجل هذا، وبعضهم قد يتكايس ويقول: أنا أذهب للعمرة، فإذا وجدت في مكة ذهبت إلى الإمام الذي أريده، والذي في نفسه من بلده ليس العمرة، إنَّما الذي في نفسه أن يصلي وراء هذا الإمام. على كل حال شد الرحال خاص بالمساجد الثلاثة.
أيضًا مما ينبغي التنبيه عليه في هذا المجال مسألة صلاة النساء في المساجد، التراويح مع الأئمة، لا شك أنَّ هذا أنشط لهم، ولا يمنعن من المساجد؛ لأنَّه جاء النهي عن منع إماء الله مساجد الله، لكن عليهن أن يتقين الله- جلَّ وعلا- في أنفسهن وفي غيرهن؛ لأنَّك تجد التناقض العجيب، تجد امرأة جاءت لصلاة التهجد، وتركت بيتها، تركت أولادها، وتكلفت الحضور لهذا المسجد؛ لأنَّه قد يكون بعيدًا عن بيتها، ومع ذلك تجدها متبرجة مثلًا، أو متعطرة، وهذا حرام، أو جاءت مع سائق أجنبي لا يمت لها بصلة بمفردها، هذه أيضًا مخالفة عظيمة، فكيف يعني يحرص الإنسان على مثل هذه النوافل ويرتكب هذه المحظورات، يعني لو تركت الصلاة بالكلية، لو نامت مثلًا كان أفضل من أن تحضر إلى المسجد بهذه الهيئة, لكن لا شك أنَّه إذا كان حضورها مع الجماعة أنشط لها، وأنفع لقلبها أنَّها لا تُمنع، بل قد يكون الأفضل في حقها، مع أنَّه في الأصل أنَّ صلاة المرأة خير لها في بيتها، وهذا يشمل جميع الصلوات المفروضات وغيرها، إلا صلاة العيد فقد جاء في حديث أم عطية أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد.
المُقَدِّم: شيخ أحسن الله إليك، من فاتته صلاة العشاء وأدرك الإمام في المسجد وهو يصلي التراويح، بعضهم يعقد جماعة في آخر المسجد، وربما يحصل هذا من التشويش ويقول: هذا نفل، فنصلي خلف المسجد، وبعضهم لا، يدخل ويصلي معهم الركعتين ويكمل الركعتين الأخريين.
هذا على الخلاف المعروف في المسألة، هل يقتدي المفترض بالمتنفل أو لا؟ هذه المسألة معروفة عند أهل العلم، ومذهب الحنابلة أنَّه لا يقتدي المفترض بالمتنفل. مذهب الشافعية يجوز، وهو اختيار شيخ الإسلام.
وعند أبي العباس ذلك جائز |
|
لفعل معاذ مع صحابة أحم |
يصلي بهم نفلًا وهو ذو فريضة |
|
وقد كان صلى الفرض خلف محم |
المُقَدِّم: عليه الصلاة والسلام.
هذا نظم الاختيارات، لمن؟ لابن سحمان، للشيخ/ سليمان بن سحمان.
فمن يرى أنَّها تصح صلاة المفترض خلف المتنفل يقول: يدخل معه في التراويح ويضيف إليها ركعتين، يصلي معه ركعتين ثم يقضي الركعتين، والذي لا يرى أنَّ صلاة المفترض صحيحة خلف المتنفل يقول: يصلي بمفرده، أو مع جماعة متأخرين، وعلى كل حال المرجح مثل ما جاء في حديث معاذ أنَّه كان يصلي مع النبي- عليه الصلاة والسلام- صلاة العشاء ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم، هو متنفل وهم لهم فريضة.
المُقَدِّم: بعض الناس- أحسن الله إليك- أيضًا يشدد على بعض الأئمة في قراءتهم القرآن؛ لأنَّه يختم في رمضان، فهذا الإمام حتى يضمن أن يقرأ ويدرك آخر الشهر، يقرأ في صلاة العشاء والفجر والمغرب يستمر في قراءته من حفظه، فيقول له: لا، الأصل أنَّ القرآن يُختم في التراويح فقط، ولا يشرع لك أن تقرأ، هل هذا صحيح؟
أعجب من هذا أنَّ إمامًا من الأئمة يجمع الناس بعد صلاة العصر ويقرأ عليهم مما وقف عليه.
المُقَدِّم: حتى يُكمل يا شيخ؟
ليُكمل، كل هذا ليس بمقصد، ليس هذا من مقاصد الشرع، يعني مجرد الإكمال لذات الإكمال، إنَّما يُسمع الناس القرآن إن كان كاملًا فهو الأكمل كما كان فعل السلف، وأدركنا من يختم في رمضان ثلاث مرات.
أدركناه، من يختم القرآن في الصلاة التراويح والتهجد في العشر ثلاث مرات، فختمة التراويح هذه مفروغ منها كل ليلة جزء، والتهجد عشر ليالٍ يقرأ في كل ليلة يعني كم جزء؟ يعني لو قرأ خمسة، ستة ختم مرتين، وهذا كان موجودًا ثم صارت ختمة التراويح واحدة، والتهجد واحدة، خفت صلاة التهجد عند الناس؛ فصاروا لا يطيقون ما يطيقه من سلف، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده..
المُقَدِّم: شر منه، الله المستعان.
شر منه، ثم بعد ذلك صاروا يختمون واحدة بين التراويح والتهجد، ثم بعد ذلك صاروا يقرؤون نصف القرآن، ويوجد الآن من يقرأ ثلث القرآن في التراويح طول الشهر وفي التهجد، ثم يُكمل في السنة التي تليها، والسنة التي تليها، أو يكرر العشرة في كل سنة، والله المستعان.
المُقَدِّم: الله المستعان، جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيُّها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصوم، من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة؛ لنبتدئ وإيَّاكم مع كتاب فضل ليلة القدر، ابقوا معنا في الحلقة القادمة بإذن الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.