شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (22)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا ولنا وللحاضرين ولجميع المسلمين يا رب العالمين.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: في المسح على الخفين:
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: بال جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أتفعل هذا؟ قال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله.
قال إبراهيم: وكان يعجبهم حديث جرير؛ لأن إسلامه، كان بعد نزول المائدة، هذا قول إبراهيم يعني كان يعجبهم.
قال: وفي الباب عن عمر وعلي وحذيفة والمغيرة وبلال وسعد وأبي أيوب وسلمان وبريدة وعمرو بن أمية وأنس وسهل بن سعد ويعلى بن مرة وعبادة بن الصامت وأسامة بن شريك وأبي أمامة وجابر وأسامة بن زيد وابن عبادة ويقال: ابن عمارة أو أبي بن عمارة.
قال أبو عيسى: حديث جرير حديث حسن صحيح.
ويروى عن شهر بن حوشب قال: رأيت جرير بن عبد الله توضأ ومسح على خفيه، فقلت له في ذلك فقال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على خفيه فقلت له: أقبل المائدة أم بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة.
حدثنا بذلك قتيبة قال: حدثنا خالد بن زياد الترمذي عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير قال: وروى بقية عن إبراهيم بن أدهم عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير، وهذا حديث مفسر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي -صلى الله عليه وسلم- على الخفين كان قبل نزول المائدة، وذكر جرير في حديثه أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين بعد نزول المائدة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: في المسح على الخفين" الخف معروف، ويقول ابن العربي: هو جلد مبطن مخروز يستر القدم كلها، قالوا: والموق: جلد مخروز لا بطانة له، وقال الخطابي: هو خف قصير الساق في قول بعضهم، وفي قول آخر خف على خف، فما يستر القدم إما أن يسمى خف، أو موق، أو جرموق، أو جورب، أو نعل، وهذا الباب للخفين، والمسح على الخفين، يقول ابن عبد البر: لا أعلم عن أحد من فقهاء السلف إنكاره إلا عن مالك مع أن الرواية الصحيحة عنه مصرحة بإثباته.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد" هو ابن السري "قال: حدثنا وكيع" هو ابن الجراح "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن إبراهيم" هو النخعي "عن همام بن الحارث" النخعي الكوفي، وهو ثقة، وأما من قبله كلهم ثقات "قال: بال جرير بن عبد الله" الصحابي، البجلي، الشهير يوسف هذه الأمة، يقول: ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت، ولا رآني إلا وتبسم "قال: بال جرير بن عبد الله ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل له: أتفعل هذا؟" أي أتمسح على الخفين؟ مع أن الله -جل وعلا- يقول: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] يعني: واغسلوا أرجلكم "أتفعل هذا؟" أي أتمسح على الخفين؟ "قال: وما يمنعني؟" أي: أي شيء يمنعني من المسح؟ "وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله".
"قال إبراهيم: وكان يعجبهم حديث جرير؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة".
يعني لقائل أن يقول لمن قال له: إن المسح على الخفين ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، له أن يقول: إنه منسوخ بآية المائدة؛ لأن نزول المائدة متأخر، يقال له: إن إسلام جرير بن عبد الله البجلي متأخر، ما أسلم إلا بعد نزول المائدة، حتى قيل في إسلامه: إنه أسلم سنة عشر في آخر عمر النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"قال إبراهيم: وكان يعجبهم حديث جرير؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة" هذا قول إبراهيم يعني كان يعجبهم، وفيها الأمر بغسل الرجلين، فلو كان إسلام جرير متقدماً على نزول المائدة لاحتمل كون الحديث منسوخاً بآية المائدة، وعلى هذا تكون الآية مخصصة بالسنة، مخصصة أو مقيدة؟ مخصصة، يعني حال من عموم الأحوال، يعني ولو كانت مقيدة لوجب حمل المطلق على المقيد فلا تغسل الرجل مطلقاً، لكن هذا من باب: التخصيص، ابن العربي بحث مسألة نسخ القرآن بالسنة، لكن هل هذا من باب النسخ؟ يعني ما بين قول الله -جل وعلا-: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] وبين مسح النبي -عليه الصلاة والسلام- على خفيه هل هذا من باب الناسخ والمنسوخ أو من باب العموم والخصوص؟ نعم هو من باب العموم والخصوص؛ لأن حكم غسل الرجلين باقي، ما رفع، نعم هو رفع جزئي، وليس برفع كلي، وكثير من السلف يسمون مثل هذا نسخ، لكن الذي استقر عليه الاصطلاح أن النسخ إنما يطلق على الرفع الكلي للحكم، لا الرفع الجزئي وهو التخصيص أو التقييد.
يقول: مسألة نسخ القرآن بالسنة، وأن الصحابة كانوا يرون ذلك، قال: هو الصحيح عندهم، أن القرآن ينسخ بالسنة، وقد منع قوم يقول: من أصحابنا وغيرهم ذلك، و جوزه آخرون.
هذه المسألة لا تدخل في حديثنا، لكن نسخ القرآن بالسنة الجمهور على أن السنة لا تنسخ القرآن؛ لأنها دونه في الرتبة، والذي عليه جمع من أهل التحقيق أنه كلها وحي، القران وحي والسنة وحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] فعلى هذا ينسخ القرآن بالسنة إذا صحت، ومما يستدل به لهذا حديث عبادة بن الصامت قال: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» قالوا: هذا ناسخ لآية النساء، ومنهم من يقول على رأي الجمهور أنه مبين وليس بناسخ.
"قال: وفي الباب عن عمر وعلي وحذيفة والمغيرة وبلال وسعد وأبي أيوب وسلمان وبريدة وعمرو بن أمية وأنس وسهل بن سعد ويعلى بن مرة وعبادة بن الصامت وأسامة بن شريك وأبي أمامة وجابر وأسامة بن زيد وابن عبادة ويقال: ابن عمارة أو أبي بن عمارة".
يقول ابن عبد البر في الاستذكار: روى المسح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- نحو أربعين من الصحابة.
وقال الحسن: حدثني سبعون من الصحابة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح على الخفين، فلا مجال لإنكاره، وإنكار المسح على الخفين من سيما المبتدعة، يعني أهل السنة قاطبة يقولون بالمسح على الخفين، ولم ينكره إلا المبتدعة من الخوارج والروافض، ولذا يدخل في كتب العقائد، في كتب العقائد عند أهل السنة يقولون: ونرى المسح على الخفين؛ لأنه استقل بإنكاره أهل البدع، فصار هذا من بدعهم، وحينئذٍ يكون من أصول الدين.
ما يذكر عن مالك أنه لا يرى المسح على الخفين، ذكر عنه بأسانيد أصح أنه يرى المسح على الخفين.
"قال أبو عيسى: حديث جرير حديث حسن صحيح" وأخرجه الستة، الأئمة كلهم.
قال: "ويروى عن شهر بن حوشب" الأشعري الشامي صدوق كثير الأوهام، وسبق الحديث عنه، وأنه مضعف عند أهل العلم، وإن وثَّقه الشيخ أحمد شاكر، لكن الشيخ تساهل في هذا، وثقه ووثق كثير من الضعفاء، على كل حال هو ضعيف عند الجمهور، وبمقدمة مسلم مقدمة صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: إن شهراً نزكوه، يعني رموه واتهموه، رموه بالنيزك، في بعض النسخ تركوه، المقصود أنه مضعف، وذكرنا قصة الخريطة التي اتهم بها، بسرقتها، ولعلها لا تثبت، ولذا استغلت هذه الحادثة وإن لم تكن صحيحة، استغلت من قبل بعض المغرضين فطعن في جميع القراء من أجل شهر، يعني نبهنا على هذا في دروس سابقة، قال:
لقد باع شهر دينه بخريطة |
| فمن يأمن القراء بعدك يا شهر |
يعني ألصق التهمة بجميع القراء أنهم سراق، وهذا مثل ما يدور الآن على ألسنة بعض المفتونين أنه إذا حصل أدنى مخالفة من مستقيم، ممن ظاهره الاستقامة، أو من المحسوبين على أهل الخير والصلاح، قال: كلهم على هذه الشاكلة، وطعن في حلقات التحفيظ من أجل أخطاء يسيرة حصلت من بعضهم، ومن يعرى من الخطأ، ومن المعصوم من الوقوع في الزلل، وطعن في أرباب الحسبة، وأصحاب الأمر والنهي، القائمين بهذه الشعيرة العظيمة، طعن فيهم بسبب أخطاء وتصرفات من بعض الأفراد التي قد يعجز في بعض المواقف وفي بعض المواطن يعجز أن يتصرف التصرف الصحيح، فيضيق الوقت عليه، وقد يحصل في خطأ؛ لأنه لا يتمكن من النظر التام، والمنكر يفوت، فإذا حصل اجتهاد في بعض هذه المسائل من بعض الأفراد ألصق بالجميع، وأن هذا ديدنهم وشأنهم، وصار الكتاب يكتبون عن هذا الجهاز، وهذه الشعيرة، وتطاولوا على ما ثبت بالنصوص القطعية.
قال: "ويروى عن شهر بن حوشب قال: رأيت جرير بن عبد الله توضأ ومسح على خفيه فقلت له –أي لجرير- في ذلك –يعني في المسح على الخفين- فقال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على خفيه" وهذا يشهد له الحديث السابق وهو صحيح "فقلت له: أرأيت ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل المائدة أم بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة".
يقول الترمذي: "حدثنا بذلك قتيبة" يعني ابن سعيد "قال: حدثنا خالد -بن زياد- الترمذي" قاضي ترمذ، وهو صدوق عند أهل العلم "عن مقاتل بن حيان" البلخي، وهو أيضاً صدوق "عن شهر بن حوشب عن جرير" يعني تقديم المتن على الإسناد عند عامة أهل العلم لا إشكال فيه، سواءً تقدم الإسناد على المتن أو تأخر لا فرق، إلا أن ابن خزيمة ينص على أنه إذا قدم المتن، فإنما يقدمه لكلام في الإسناد، لضعف في الإسناد، وهنا قدم المتن ولا إشكال في ذلك، يعني لو قال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا خالد... إلى آخره، وجاء بخبر ما يفرق عنده.
"قال أبو عيسى: وروى بقية" وهو ابن الوليد الحمصي، ثقة، كثير التدليس، وقال ابن حجر: صدوق، كثير التدليس، شديد التدليس أيضاً، إلا أنه صرح بالتحديث عند البيهقي، هنا صرح بالتحديث عند البيهقي "عن إبراهيم بن أدهم" بن منصور البلخي ثم الشامي، أحد الزهاد الأعلام "عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير" وهذه متابعة لإبراهيم بن أدهم، من إبراهيم لخالد بن زياد الترمذي، ومداره على شهر، وعلى كل حال الحديث سبق ما يشهد له من الصحيح.
قال: "وهذا حديث مفسر" يعني واضح، لا يحتاج إلى تفسير ولا إلى بيان، ولا إلى مراجعة أحاديث أخرى توضحه وتبينه، هذا حديث مفسر يعني مبين؛ "لأن بعض من أنكر المسح لأن بعض من أنكر المسح" يعني لو كان أحاديث المسح على الخفين المتواترة هذا الحديث يبينها كلها، هذا مفسر بالنسبة لها كلها؛ لأنه لقائل أن يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صحيح مسح على الخفين، لكن قبل المائدة أو بعدها؟ فجاء الحديث -حديث جرير- مفسر، وأنه ما أسلم إلا بعد نزول المائدة.
يقول: "وهذا حديث مفسر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخفين كان قبل نزول المائدة، وذكر جرير في حديثه أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين بعد نزول المائدة".
قال ابن المنذر: يختلف العلماء في الأفضل المسح على الخفين أو غسل الرجلين؟ قال: والذي أختاره أن المسح أفضل، المسح على الخفين أفضل؛ لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض، قال: وإحياء ما طعن فيه المخالفون أفضل من تركه، ومن أهل العلم من يرى أن الغسل هو الأصل فهو أفضل، والخلاف في الرخصة والعزيمة، أيهما أفضل الرخصة أو العزيمة؟ لكل مسألة ما يحتف بها، فالتوقيت أفضل من الجمع، والقصر أفضل من الإتمام، وهنا الأفضل الأرفق بالمكلف، فإن كان لابساً للخف فالأفضل أن يمسح؛ لأن هذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان نازعاً للخف فلا يقال: البس من أجل أن تمسح، لا هذا ولا هذا، لكن الأرفق به يفعله.
سم.
عفا الله عنك.
قال الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن المسح على الخفين؟ فقال: «للمسافر ثلاثة، وللمقيم يوم» وذكر عن يحيى بن معين أنه صحح حديث خزيمة بن ثابت في المسح، وأبو عبد الله الجدلي اسمه: عبد بن عبد، ويقال: عبد الرحمن بن عبد، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن علي وأبي بكرة وأبي هريرة وصفوان بن عسال وعوف بن مالك وابن عمر وجرير.
حدثنا هنّاد قال: حدثنا أبو الأحوص عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفْراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى الحكم بن عتيبة وحمّاد عن إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت ولا يصح.
قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح، وقال زائدة: عن منصور كنا في حجرة إبراهيم التيمي ومعنا إبراهيم النخعي فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسح على الخفين، قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسّال المرادي.
قال أبو عيسى: وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن.
قال أبو عيسى: وقد روى عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين، وهو قول مالك بن أنس.
قال أبو عيسى: والتوقيت أصح، وقد روي هذا الحديث عن صفوان بن عسال أيضاً من غير حديث عاصم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم"
السفر كما جاء في الحديث الصحيح أنه قطعة من عذاب، ففيه المشقة، ومظنة المشقة حاصلة، فخفف عن المسافر في مسائل منها المسح، فجعل له ثلاثة أيام، بدلاً من يوم وليلة للمقيم، وأبيح له القصر والجمع والفطر في رمضان، المقصود أن أحكام المسافر تختلف عن أحكام المقيم، ومنها المسألة التي معنا.
"باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم"
قال: "حدثنا قتيبة" وهو ابن سعيد "قال: حدثنا أبو عوانة" وضاح بن عبد الله اليشكري "عن سعيد بن مسروق" ذكرنا في درس سبق أنه قد يلتبس على بعض الطلاب بأبي عوانة الإسفرائيني صاحب الصحيح المسند، وأبو عوانة وضاح هذا الذي معنا متقدم، وأما بالنسبة لصاحب المسند المستخرج على صحيح مسلم فهو متأخر.
"عن سعيد بن مسروق" الثوري والد سفيان وهو ثقة أيضاً "عن إبراهيم التيمي" ثقة أيضاً "عن عمرو بن ميمون" الأودي، ثقة عابد "عن أبي عبد الله الجدلي" الطائي، ثقة أيضاً "عن خزيمة بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" يقول: "عن خزيمة بن ثابت" بن الفاكه الأنصاري، ذو الشهادتين، بدري، شهد بدراً، وجعل النبي -عليه الصلاة والسلام- شهادته عن شهادة رجلين؛ لأنه شهد للنبي -عليه الصلاة والسلام- في عقد لم يشهده، والقصة مشهورة "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن المسح على الخفين؟" أي: عن مدته؟ "فقال: «للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوم وليلة»" كما في رواية أبي داود، وذكر عن يحيى بن معين أنه صحح حديث خزيمة بن ثابت في المسح؛ لأن السند رجاله كلهم ثقات "وأبو عبد الله الجدلي اسمه: عبد بن عبد، ويقال: عبد الرحمن بن عبد".
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن أبي شيبة والبزار "قال: "وفي الباب عن علي" أخرجه مسلم "وأبي بكرة" عند ابن خزيمة والدارقطني "وأبي هريرة" عند ابن أبي شيبة والبزار "وصفوان بن عسال" عند الترمذي، الحديث الذي يليه "وعوف بن مالك" عند أحمد في المسند والطبراني والبزار "وابن عمر وجرير" عند الطبراني، كلاهما عند الطبراني.
قال بعد ذلك: "حدثنا هناد قال: حدثنا أبو الأحوص" سلام بن سليم الحنفي مولاهم، ثقة متقن، وجاء في ترجمته عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، وعن هذه تستعمل في غير الرواية، عن ذكر القصة، قصة أبي الأحوص، وليس المراد الرواية عن أبي الأحوص بعد ما قتل هذا لا يتصور.
"عن عاصم بن أبي النجود" عاصم بن بهدلة بن أبي النجود، القارئ المشهور، إمام في القراءة، تكلم في حفظه بالنسبة للرواية "عن زر بن حبيش" الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم "عن صفوان بن عسال" المرادي صحابي "قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفْراً" جمع سافر، كصحب جمع صاحب، وركب جمع راكب، أي إذا كنا مسافرين، سفراً من السفور وهو البروز عن البلد والخروج منه، ومنه السفور بالنسبة للنساء إذا أبرزن بعض أو شيئاً من بشرتهن سمي سفوراً "يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم" يعني في الطهارة الصغرى في الحدث الأصغر في الوضوء يمسح على الخفين، وأما بالنسبة للغسل فلا يمسح على الخفين، ولكن من غائط وبول ونوم، عُطف على مقدر يدل عليه إلا من جنابة، كما في رواية النسائي: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة، وعلى هذا حديث الباب فيه تقديم وتأخير.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الإمام الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والبيهقي، وخرج في كثير من الدواوين إلا أنه لا يوجد في الصحيحين.
"وقد روى الحكم بن عتيبة" وهو ثقة ثبت، حجة "وحماد" بن أبي سليمان "عن إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت ولا يصح" والسبب بينه الترمذي بقوله: "قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح" ففيه انقطاع، هناك عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي، حديث حسن صحيح، وهنا إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي قال: لا يصح؛ لأن فيه انقطاع، قال شعبة: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح، وقال زائدة: قوله: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح هل يدل على أنه لم يسمع منه مطلقاً؟ لا، لا يدل على أنه لم يسمع منه مطلقاً، ولو قيل بأن العبارة تدل على أنه سمع منه بعض الأحاديث إلا أنه لم يسمع منه حديث المسح لكان له وجه، وإلا لقال: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي، فيسكت أو يقول شيئاً، لكن لما قال حديث المسح يفهم منه أنه سمع غير حديث المسح.
"وقال زائدة عن منصور: كنا في حجرة إبراهيم التيمي ومعنا إبراهيم النخعي" في بعض الروايات العكس: كنا في حجرة إبراهيم النخعي ومعنا إبراهيم التيمي "فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون" وهذه المسألة لا يترتب عليها شيء، سواءً كانوا في بيت أو في حجرة إبراهيم التيمي أو النخعي، المقصود أنهما موجودان معاً "فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسح على الخفين"، "حدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت في المسح على الخفين" فتبين أن هناك واسطة بينهما إبراهيم التيمي والنخعي عمرو بن ميمون.
"قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي" إذا كان هناك انقطاع بين إبراهيم النخعي وأبي عبد الله الجدلي فهناك أيضاً انقطاع آخر.
"قال محمد بن إسماعيل -وهو البخاري-: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي".
وقال البخاري أيضاً: لا يعرف للجدلي سماع من خزيمة، وقال يحيى بن معين: هو صحيح، صححه لما يشهد له، لا بمفرد إسناده، وإنما لما يشهد له، وأما البخاري فقد ضعفه بالانقطاع، وإن قال..، الإمام البخاري يرى أن حديث صفوان هو أحسن شيء في هذا الباب، يعني في التوقيت، وأما حديث خزيمة ففيه انقطاع في أكثر من موضع.
"قال أبو عيسى: وهو -أي التوقيت- قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن" وعلى هذا جمهور أهل العلم وهو الحق والصواب؛ لأن الدليل دل عليه.
"قال أبو عيسى: وقد روى عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين، وهو قول مالك بن أنس" مالك لا يرى التوقيت، والليث بن سعد كذلك.
يقول ابن العربي في العارضة: سمع مطرف مالكاً يقول: التوقيت في المسح على الخفين بدعة، مطرف بن عبد الله سمع مالكاً يقول: التوقيت في المسح على الخفين بدعة، وروى عنه أشهب كقول الجمهور، التوقيت، لكن مثل هذا يدخله الابتداع؟ يعني أصل المسألة إذا كان الخلاف فيها مع مبتدعة، وهي في الأصل فرعية نقلت إلى مسائل الاعتقاد فصارت أصلية، أصل المسألة، مسألة المسح على الخفين، أما التوقيت فالخلاف فيها بين مالك وبين أئمة كبار، لهم أدلتهم فهي مسألة فرعية، فلا يمكن أن يبدع فيها، إلا على قول من يقول: إن كل مخالفة في العبادات بدعة، وهو الذي يميل إليه الشيخ الألباني -رحمه الله-، لكن هذا القول يلزم عليه لوازم كثيرة أن كل من رجح قولاً مرجوحاً أو عمل بدليل ضعيف أو ارتكب مكروهاً، لو ارتكب مكروه صار مبتدع، فضلاً عن أن يرتكب محرم، وهذا مخالف لقول عامة أهل العلم في تحديد البدعة.
يقول: التوقيت في المسح على الخفين بدعة، وروى عنه أشهب كقول الجمهور.
"قال أبو عيسى: والتوقيت أصح" ودليله ما ذكر في الباب، ودليل من يرى عدم التوقيت حديث أبي بن عمارة أنه قال: أمسح يا رسول الله على الخفين؟ قال: «نعم» قال: يوماً؟ قال: «نعم» قال: ويومين؟ قال: «نعم» قال: وثلاثة؟ قال: «نعم وما شئت» يعني فلا توقيت، أخرجه أبو داود، وقال: ليس بالقوي، وضعّفه البخاري، وقال: لا يصح، ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه، وعلى كل حال لا يعارض به ما صح من أحاديث الباب.
"وقد روى هذا الحديث عن صفوان بن عسال أيضاً من غير حديث عاصم".
لأن عاصم فيه كلام لأهل العلم من جهة حفظه، فأراد الترمذي أن يبين أن عاصماً لم يتفرد بالحديث بل توبع عليه، ولذلك صححه، يقول النووي: مذهب الشافعي وكثيرين أن ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخف، وهذا أيضاً معروف عند الحنابلة، من حين الحدث بعد لبس الخف لا من حين اللبس، ولا من حين المسح، وهو قول أبي حنيفة، ونقل عن الأوزاعي وأبي ثور وأحمد، أنهم قالوا: أن ابتداءها من وقت اللبس، أنه من وقت اللبس، إما من أول حدث أو من وقت اللبس، والمرجح أنه لا هذا ولا هذا، أنه من أول مسح؛ لأنه في الحديث قال: «يمسح المقيم» يمسح يوم وليلة، ما قال: يلبس المقيم، قال: «يمسح المقيم يوماً وليلة» فدل على أن العدد يبدأ من المسح، وهذا هو الراجح -إن شاء الله تعالى-.
سم.
عفا الله عنك.
قال الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله:
حدثنا أبو الوليد الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح أعلى الخف وأسفله.
قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق، وهذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم.
قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن مبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة قال: حُدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُذكر فيه المغيرة.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفَلِه"
لأن الأعلى بدل من الخفين، بدل بعض والأسفل معطوف عليه، وعلى الخفين مجرور، كما هو معلوم الخفين مجرور، أعلاه وأسفله، ولو قال: أعلاهما وأسلفهما طابق الوصف أو البدل المبدل، تطابق المتبوع مع التابع، والمطابقة مطلوبة إذاً لا بد من تقدير، مع أنه جاء في بعض النسخ: "أعلاهما وأسفلهما" وهنا نحتاج إلى تقدير نقول: باب ما جاء في المسح على كل واحد من الخفين أعلاه وأسفله.
قال: "حدثنا أبو الوليد" أحمد بن عبد الرحمن بن بكار "الدمشقي" صدوق فيما قاله أهل العلم "قال: حدثنا الوليد بن مسلم" القرشي مولاهم، ثقة، مدلس، شديد التدليس "قال: أخبرني ثور بن يزيد" أبو خالد الحمصي، ثقة "عن رجاء بن حيوة" الكندي، ثقة فقيه "عن كاتب المغيرة" جاءت تسميته بأنه ورَّاد، وهو ثقة أيضاً "عن المغيرة بن شعبة" وهو صحابي "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح أعلى الخف وأسفله" وأخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد.
"قال أبو عيسى: وهذا -يعني مسح أعلى الخف وأسفله- قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كابن عمر والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق" وقال أبو حنيفة: لا يمسح إلا الأعلى.
قال المؤلف: "وهذا حديث معلول" معلول يعني فيه علة، والتعبير المفضل عندهم أن يقال: معل، لا معلول ولا معلل، إنما يقال: معل، والعلة سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي ظاهره السلامة منها، "معلول لم يسنده -يعني يصله ويرفعه- عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم"
"قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل البخاري" أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري "عن هذا الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن مبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة وقال: حدثت عن كاتب المغيرة" وهنا عن رجاء عن كاتب المغيرة بدون واسطة، قال: "لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور" أن ابن المبارك جعل هناك واسطة مجهولة بين رجاء بن حيوة وكاتب المغيرة، بينا الوليد بن مسلم جعله عن رجاء عن كاتب بدون واسطة "قال: حدثت عن كاتب المغيرة بصيغة المجهول مرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر فيه المغيرة" مرسل، حدثت عن كاتب المغيرة ولم يذكر فيه المغيرة، فهو مما يرفعه كاتب المغيرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أنه روي عن رجاء بن حيوة بواسطة مجهول، قال: فالحديث ضعيف، فعلى هذا فالحديث ضعيف.
يقول الشارح المباركفوري: لم أجد في هذا الباب حديثاً مرفوعاً صحيحاً خالياً عن الكلام، وصح خلافه عن علي وغيره كما سيأتي في الباب الذي يليه، الباب الذي يليه يقتصر فيه على مسح أعلى الخف، على ظاهر الخف.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما:
حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين على ظاهرهما".
قال أبو عيسى: حديث المغيرة حديث حسن وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن المغيرة، ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة على ظاهرهما غيره، وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وأحمد، قال محمد: وكان مالك بن أنس يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد.
هذا يسأل يقول: كيف يكون الوليد بن مسلم ثقة مدلس؟
نعم التدليس وجد عند الأكابر، وجد عن الحسن البصري، تدليسه شديد، ووجد أيضاً على قلة وندرة عند السفيانين، وعلى كل حال التدليس لا ينافي التوثيق، فإذا صرح المدلس بالتحديث فلا يكون له أثر.
هل الرسول -عليه الصلاة والسلام- يفعل المكروه؟ وكيف يكون ذلك؟
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأمر بالشيء أو ينهى عن الشيء، ثم يترك ما أمره به لبيان الجواز، يعني لبيان أن الأمر للاستحباب، والصارف هذا الفعل، والترك بالنسبة له تشريع يؤجر عليه، وكذلك إذا نهى عن شيء فإن الأصل في النهي التحريم، لكن إذا فعله يكون النهي للكراهة، مصروف من التحريم إلى الكراهة، والصارف هو فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفعله ليس بمكروه لأنه تشريع.
قال -رحمه الله-: "باب: ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما"
"حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد" القرشي مولاهم، المدني، صدوق، قال: "عن أبيه" عبد الله بن ذكوان أبي الزناد "عن عروة بن الزبير" هنا صرح الترمذي وغيره أيضاً صرح بأنه ابن الزبير، وفي مسند الطيالسي عن عروة بن المغيرة يعني ابن شعبة، عن عروة بن المغيرة لا عروة بن الزبير، وعلى كل حال سواءً كان هذا أو هذا فهما ثقتان، لا يقدح عدم تمييز أحدهما عن الآخر "قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين على ظاهرهما" أي أعلاهما، وهذا دليل من اقتصر على مسح أعلى الخف.
"قال أبو عيسى: حديث المغيرة حديث حسن" وأخرجه أبو داود وسكت عليه يعني فهو صالح؛ لأن ما يرويه أبو داود ويسكت عليه كما قال: وما سكت عنه فهو صالح، ولا شك أنه أصح من حديث المغيرة السابق أنه مسح أعلاه وأسفله.
قال: "وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن المغيرة، ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة على ظاهرهما غيره" يعني غير عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، غير عبد الرحمن بن أبي الزناد لا يذكره، فالمسح على الخف يحتاج إلى أن يقال: على ظاهره؟ يعني جاءت صفة المسح وأنها بالأصابع تكون كالخطوط على ظهر الخف، وهنا يقول: على ظاهرهما؛ ليبين ضعف الحديث السابق، والتنصيص على الظاهر لا شك أنه لبيان حقيقة المسح، وإلا لو قلنا: المسح ما جاء بيانه في السنة لاختلف فيه أهل العلم كاختلافهم في مسح الرأس على ما تقدم، من مسح ثلاث شعرات إلى مسح جميع الرأس؛ لأن البدل له حكم المبدل، المسح على الخف بدلاً عن غسل الرجل والرجل يغسل أعلاها وأسفلها وجوانبها، تغسل من جميع جهاتها، إذن المسح كمسح الرأس يمسح من جميع جهاته، لكنه بهذا الحديث يبين ضعف الحديث السابق، وأن المسح إنما هو على الظاهر فقط.
قال: وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وأحمد، يعني وأبو حنيفة، يعني المسح على الظاهر فقط، وقال علي -رضي الله عنه-: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على خفيه ظاهرهما، أخرجه أبو داود، وحسنه الحافظ في البلوغ، وقال في التلخيص: إسناده صحيح، لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه؛ لأنه هو الذي يباشر الأرض، يباشر الأقذار، يباشر الأوساخ، وقد يباشر نجاسات، فيكون أسفله أعلى، لكن الدين دين اتباع، ليس عليك إلا أن تقول: سمعنا وأطعنا، ولا تعارض برأيك.
"قال محمد: وكان مالك بن أنس يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد".
يعني يضعفه، وصحح الترمذي عدة من أحاديثه، وقال في اللباس: ثقة حافظ، فعلى هذا الحديث أقل أحواله أنه حسن، يجب العمل به.
يقول الشوكاني في نيل الأوطار: ليس بين الحديثين تعارض يعني الذي يقول: يمسح أعلاه وأسفله والذي يقول: يمسح أعلاه فقط، ظاهره فقط، ليس بينهما تعارض، يقول: غاية الأمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح تارة على باطن الخف تارة على باطن الخف وظاهره، وتارة على ظاهره فقط، ولم يرو عنه ما يقتضي المنع من إحدى الصيغتين فكان جميع ذلك جائز وسنة.
أقول: كلام الشوكاني متجه أنه يخير بينهما لو صح حديث المغيرة في مسح أسفل الخف وأعلاه، لكنه لم يصح، والعبادات توقيف، فلا يتجه كلام الشوكاني حينئذٍ.
المسح على الخفين فرع عن غسل الرجلين، وثبت بالسنة أن الرجل اليمنى تغسل قبل الرجل اليسرى، والبدل له حكم المبدل، وعلى هذا تمسح الخف اليمنى قبل الخف اليسرى، تمسح الخف اليمنى قبل اليسرى، وإذا أدخل الخفين ورجلاه طاهرتان ساغ له أن يمسح، شريطة أن يكونا طاهرتين معاً؛ لأن هذا الأصل في الحال، «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» وعلى هذا لو غسل الرجل اليمنى ثم أدخلها الخف ثم غسل الرجل اليسرى ثم أدخلها الخف على قول الأكثر لا يصح؛ لأنه أدخل اليمنى حال كون القدمين غير طاهرتين، والمطلوب طاهرتين معاً، حتى قال بعض أهل العلم: لتصحح مثل هذه الصورة إذا غسل اليمنى ثم أدخلها الخف ثم غسل اليسرى ثم أدخلها الخف لتصحيحها أن ينزع الخف اليمنى ثم يلبسها، من غير إحداث غسل، حتى قال من يقول: إن هذا عبث، مجرد يخلع الخف ثم يلبسه ليصحح المسح هذا عبث، لكنه اتباع أيضاً «دعهما فإني أدخلتهما» حال كونهما «طاهرتين» يعني معاً، مجتمعتين فلا بد أن تتم الطهارة ليسوغ المسح، ثم إذا تمت الطهارة ولبس الخفين وبدأ المسح من أول مسح، بدأت المدة من أول مسح كما تقدم، فإذا انتهت المدة صلى الفجر بالوضوء الكامل، غسل رجليه ولبس الخفين، ثم بعد ذلك لم يمسح عليهما إلا لصلاة الظهر، ينتهي المسح بوضوء الظهر؛ لأنه مسح الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.
الذي يقول من أول حدث يقول: إنه يبدأ المسح إذا جاء من صلاة الصبح وانتقضت طهارته من أول حدث بعد لبس، وهذا قول معروف عند أهل العلم يقول به الشافعية والحنابلة، والذي يقول من اللبس يقول: ما يمسح عليها الفجر؛ لأنه لبسها قبل صلاة الفجر، والقول المرجح أنه من أول مسح، مثل ما ذكرنا أنه في الحديث قال: «يمسح المقيم» فالعدة إنما هي للمسح، لا للبس ولا للحدث.
إذا تمت هذه المدة فإنه حينئذٍ لا يسوغ له أن يصلي حتى ينزع الخفين ويتوضأ وضوءاً كاملاً.
قد يقول قائل: إن تمام المدة أو نزع الخفين على الطهارة لم يذكر في نواقض الوضوء، نقول: نعم ليس بناقض للوضوء، لكنه إن صلى بالخفين بعد تمام المدة أو بعد نزعهما ولو لم تتم المدة قلنا: إنه صلى بقدم غير مغسولة، وخف غير مأذون بمسحها، فلا هذا ولا هذا، طهارة ناقصة، يعني الذي استمر وعليه الخف، الطهارة لم تنتقض، يعني تمت المدة لصلاة الظهر جاءت صلاة الظهر وهو على طهارة، يقولون: لا يجوز أن تصلي صلاة الظهر حتى تنزع؛ لأن المدة تمت، أذن لك أن تمسح يوم وليلة، ما زاد على ذلك يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز، هذا حد من حدود الله لا تتعداه، لا تتعدى ما حد الله لك، فلا يجوز لك أن تتعدى هذه المدة.
يقول قائل: مثل الطهارة ما انقطعت، الطهارة تامة، نقول: هو يصلي بقدم غير مغسولة، هل يستطيع أن يقول: إني غسلت قدمي؟ يستطيع؟ ما يستطيع، هل يقول: إني أصلي بخف مأذون لي فيها؟ غير مأذون لك فيها، مأذون لك أن تمسح يوم وليلة فقط، وإذا خلعها مسح فرض فرضين ثم خلعها، لا يجوز له أن يصلي كذلك؛ لأنه ليس عليه خف ممسوح ولا رجل مغسولة، وعلى هذا المرجح أنه إذا تمت المدة لا يجوز له أن يستمر، وكذلك إذا خلع الخف فإنه لا يجوز له أيضاً أن يصلي ولو كانت الطهارة باقية؛ لأننا لو قلنا: إنه إذا خلع الخف طهارته كاملة، يرد على هذا أنه لو مسح أربعة أوقات ثم نزع الخف المدة ما زالت باقية، المدة المحددة شرعاً مازالت باقية، نزع الخف ثم لبسه، هل يمسح بعد لبسه وقت واحد، أو خمسة أوقات؟ نعم؟ هو بقي له وقت وما زال على طهارته، وأراد أن يلبسها.
طالب:........
هو الآن مسح أربعة أوقات، قلنا: إنه مسح صلاة الظهر، ثم بعد ذلك صلى الفجر فنزعها، ثم لبسها، القول الذي قررناه أن الطهارة انتهت، الآن لا بد من لبسها على كمال الطهارة، يعني هل نقول بعد نزعه الخف وطهارته لم تنتقض، ومدته لم تنتهِ هل نقول: طهارته كاملة وإلا ناقصة؟ نعم؟ لا يخلو إما أن نقول: طهارة كاملة وإلا ناقصة؟ إن قلنا: ناقصة قلنا: خلاص بطلت، وإن قلنا: كاملة فله أن يلبس الخفين ويمسح خمسة أوقات، ولا قائل بهذا من أحد من أهل العلم، لا يقول بهذا من أهل العلم أحد.
ننتبه لهذه المسألة، يعني الذين يقولون: إنه إذا نزع الخف بعد أن مسح عليه وقتين ثلاثة ولم يحدث يقولون: هو طاهر، كما لو مسح على رأسه ثم حلقه، وهذا ما يقرره شيخ الإسلام -رحمه الله-.
نقول: إذا نزع الخف شيخ الإسلام يقول: طاهر، نقول: يا شيخ الإسلام هل طهارته ناقصة وإلا كاملة؟ لا يخلو إما أن يقول: ناقصة وإلا أن يقول: كاملة، إن قال ناقصة، قلنا: لا يصلي فيها؛ لأنه لا تصح الصلاة بطهارة ناقصة صح وإلا لا؟ إذا قال: كاملة يلزم عليه أنه يلبس الخفين على هذه الطهارة الكاملة ويستقبل خمسة أوقات جديدة؛ لأنه أدخلهما طاهرتين، أدخلهما حال كون الرجلين طاهرتين، وشيخ الإسلام ما يقول بهذا؛ لأنه يلزم عليه أن يمسح تسعة أوقات، هل يقول شيخ الإسلام بهذا؟ ما يقول بهذا، وعلى هذا لو نزع الخفين انتهت الطهارة، صارت الرجل لا مغسولة، وليس عليها خف، وكذلك لو تمت المدة الطهارة ناقصة، الرجل غير مغسولة، والخف غير مأذون بمسحها، وقياس الخف بعد نزعه على مسح الرأس ثم حلقه قياس مع الفارق، نقول: مسح الرأس طهارة أصلية، ومسح الخف على خلاف الأصل طهارة فرعية، ولا يقاس الفرع على الأصل، حتى في كلام شيخ الإسلام لو رجعتم إلى الاختيارات وجدتم أنه لا ينزل الفرع منزلة الأصل، وإن كان يقول: بقياس الخف على الرأس، نعم؟
طالب:.......
لا، لا، إذا قلنا...، لو قال: أدخلتهما طاهرتين، إذا كانت الطهارة كاملة «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين».
طالب:.........
ما يمكن، ما يمكن، إن كانت ناقصة انتهى الإشكال انحلت، وإن كانت كاملة فليلبسهما وليستقبل خمسة أوقات، هذا مفاده «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» أدخلهما طاهرتين فليستقبل خمسة أوقات، أما أن تلفق من هذا وهذا ما تجي.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين:
حدثنا هناد ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الجوربين والنعلين".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم يكن نعلين إذا كانا ثخينين.
قال: وفي الباب عن أبي موسى.
قال أبو عيسى: سمعت صالح بن محمد الترمذي قال: سمعت أبا مقاتل السمرقندي يقول: دخلت على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه فدعا بماء فتوضأ وعليه جوربان فمسح عليهما، ثم قال: فعلت اليوم شيئاً لم أكن أفعله مسحت على الجوربين غير منعلين.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين" والجوربان تثنية جورب، يقول في القاموس: الجورب لفافة الرجل، جمعه جواربة وجوارب.
قال ابن العربي: الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفء وهو التسخان، يعني المسح على التساخين يعني الجوارب، والنعلين تثنية نعل، قال في القاموس: النعل ما وقيت به القدم من الأرض جمعه نعال، والمراد هنا إذا كان تحتهما جوربان، أما النعال التي لا تستر الكعبين فإنه لا يجوز المسح عليه، ما لا يستر المفروض لا يجوز المسح عليه.
قال: "حدثنا هناد ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا وكيع عن سفيان" وهو الثوري "عن أبي قيس" عبد الرحمن بن ثروان الأودي، صدوق "عن هزيل بن شرحبيل" ثقة مخضرم "عن المغيرة بن شعبة قال: "توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الجوربين والنعلين".
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان، وضعفه جمع من أهل العلم، منهم النسائي في الكبرى، وقال أبو داود في سننه: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث به، وقال البيهقي: حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري وابن مهدي وأحمد ويحيى بن معين وعلي بن المديني ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة المسح على الخفين، يعني لا على الجوربين والنعلين، مع أنه جاء عن جمع من الصحابة، وصححه الترمذي كما سمعتم، ولما نقل الشيخ أحمد شاكر أقوال من ضعّفه وهم جمع غفير من أهل العلم قال: وليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة، والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر، يعني إذا جعلنا هذا الحديث هو حديث المسح على الخفين قلنا: لا بد من تضعيفه، إذا قلنا: إنه حديث واحد إلا لو جاء الجمع بين مسح على الخفين، والجوربين، والنعلين، قلنا: حديث مشتمل على جمل أفرد بعضها وجمعت أحياناً، لكن من قال: إن حديث المسح على الخفين حديث المغيرة واحد، حديث واحد بجميع ألفاظه فلا شك أن بعض ألفاظه أرجح من بعض، ولذا يقول: وليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر؛ لأنه يلتبس على بعض طلاب العلم، لا يلتبس على الأئمة الذين ذكروا، لا، لكن يلتبس على بعض طلاب العلم أن يرد حديث في الباب عن صحابي ويرد حديث آخر في الباب عن نفس الصحابي، إذا كانت القصة واحدة فالحديث واحد، وإذا كانت القصص متعددة فأحاديث؛ لأن المدار في الجمع والتفريق على الراوي، على المخرج، على الصحابي، يعني إذا روي عدة جمل فمثلاً روى البخاري بإسناده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» وعن أبي هريرة أيضاً قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قام ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه» هل هذه أحاديث ثلاثة أو ثلاث جمل من حديث واحد؟ هل هي أحاديث ثلاثة، أو حديث واحد فرّقه البخاري؟ هو مخرجه واحد، الذي عندنا أيضاً مخرجه المغيرة واحد، ويقول أحمد شاكر: وهو حديث آخر، هذا لا يمكن الجزم بقاعدة مطردة أن كل ما جاء من هذا النوع حديث واحد أو أحاديث، بل لا بد من قرائن تحتف بذلك، وهنا الأئمة كلهم جعلوه حديثاً واحداً، وضعفوا هذا اللفظ؛ لأن حديث المسح على الخفين أرجح، فحكموا للراجح بأنه هو المحفوظ، والمرجوح بأنه شاذ.
أحمد شاكر قال: ليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر غير حديث المسح على الخفين، وقد روى الناس عن المغيرة أحاديث المسح في الوضوء، فمنهم من روى المسح على الخفين، ومنهم من روى المسح على العمامة، ومنهم من روى المسح على الجوربين، وليس شيء منها بمخالف للآخر، إذ هي أحاديث متعددة، وروايات عن حوادث مختلفة، نعم إذا أثبتنا أنها حوادث مختلفة لا شك أنها تكون أحاديث، ولو كان الصحابي واحد، والمغيرة صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- نحو خمس سنين، فمن المعقول أن يشهد من النبي -عليه الصلاة والسلام- وقائع متعددة في وضوئه ويحكيها، فيسمع بعض الرواة منها شيئاً، ويسمع غيره شيء آخر، وهذا واضح بديهي.
على كل حال مثل هذا الكلام للشيخ أحمد شاكر هو لا شك من علمه ومعرفته وخبرته واطلاعه على خفايا العلل ودقائقها، لكن قوله لا يقابل أو يقارن بأقوال الأئمة السابقين.
قال: "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" قال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد عمرو بن حريث، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس، وقال ابن المنذر: يروى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأوصلهم ابن القيم إلى ثلاثة عشر صحابياً.
يعني المسح على الجوربين معوله على الحديث، وقد ضعفه من سمعتم من أهل العلم؟ أو المعول على صنيع هؤلاء الصحابة مجتمعين، وأنهم لا يمكن أن يعملوا؟ علي بن أبي طالب، ابن مسعود، البراء، أنس، أبو أمامة، سهل بن سعد، عمرو بن حريث، عمر بن الخطاب، ابن عباس، هؤلاء تسعة، قال ابن المنذر: يروى المسح على الجوربين عن تسعة من الصحابة، وأوصلهم ابن القيم إلى ثلاثة عشر صحابياً.
يعني هؤلاء مجتمعين فيهم القدوة، ومن عمل بالمسح على الجوربين قال: أولاً: عمل هؤلاء الصحابة واحتمال ثبوت الحديث، ولما في الجورب من معنى الخف؛ لأنه يستر القدم ويشق نزعه كالخف.
قال: "وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم تكن نعلين" يعني وإن لم يوجد نعلان، وإن لم يكن مع الجوربين نعال، فإنه يمسح عليها، أي وإن لم يوجد نعلان أو لم يكن الجوربان منعلين والتنعيل بالنسبة للجورب ليس معنى هذا أنه يلبس الجورب ويلبس النعل فوقه، لا، إنما ينعّل من الأسفل، فيوضع الجلد على أسفله.
"إذا كانا ثخينين" أي غليظين، يستران المفروض، فالمخرق الذي لا يستر المفروض أو الخفيف الذي تبدو معه البشرة هذا لا يسمح عليه؛ لأن ما ظهر من محل الفرض فرضه الغسل بخلاف ما خفي، وإذا وجد خرق أو خفة في الجورب تبين معها الرجل وتظهر فإنه حينئذٍ لا يمسح عليه؛ لأن ما برز وظهر محله أو فرضه الغسل.
"إذا كانا ثخينين" أي غليظين، وعلم من هذا القيد أن الجوربين إذا كانا رقيقين لا يجوز المسح عليهما عند هؤلاء الأئمة، وبقولهم قال: صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد.
"قال: وفي الباب عن أبي موسى" وهو مخرج عند ابن ماجه.
"قال أبو عيسى -يعني هذا المقطع الجاي أربعة أسطر لا توجد في كثير من النسخ زيادة-: "سمعت صالح بن محمد الترمذي قال: سمعت أبا مقاتل السمرقندي يقول: دخلت على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه فدعا بماء فتوضأ وعليه جوربان فمسح عليهما، ثم قال: فعلت اليوم شيئاً لم أكن أفعله مسحت على الجوربين وهما غير منعلين".
وهذا يدل على أن المسح على الجوربين كان آخر الأمرين من حال أبي حنيفة كقول صاحبيه وقول بقية الأئمة.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة:
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الخفين والعمامة، قال بكر: وقد سمعت من ابن المغيرة، قال: وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع آخر أنه مسح على ناصيته وعمامته، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة، ذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة ولم يذكر بعضهم الناصية.
وسمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان.
قال: وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة.
قال أبو عيسى: حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق قالوا: يمسح على العمامة.
قال أبو عيسى: وسمعت الجارود بن معاذ يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: إن مسح على العمامة يجزئه للأثر.
فيه تقديم وتأخير، ففي طبعة الشيخ أحمد شاكر قال: "وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي.
قال أبو عيسى: وسمعت الجارود بن معاذ... إلى آخره.
على كل حال هو سيأتي في النسخ الأخرى، نعم.
عفا الله عنك.
حدثنا هناد قال: حدثنا على بن مسهر عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار.
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق هو القرشي عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: "سألت جابر بن عبد الله عن المسح على الخفين فقال: السنة يا ابن أخي، قال: وسألته عن المسح على العمامة فقال: أمس الشعر الماء.
وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المسح على العمامة" العمامة معروفة، وهي ما يوضع على الرأس، ولبسها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال جمع من أهل العلم بسنيتها، وجاء ما جاء في تفضيل الصلاة بالعمامة، وإن كان فيه ضعف.
على كل حال العمامة جاءت بها النصوص الكثيرة، ويختلفون هل هي من باب الاقتداء فتكون سنة أو هي من باب العادات والألبسة مردها إلى العادات والأعراف فلا تكون سنة حينئذٍ إلا إذا عرفت في بلد من البلدان؟
قال: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد" القطان "عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني -ثقة- عن الحسن" البصري "عن ابن المغيرة بن شعبة" حمزة بن المغيرة بن شعبة "عن أبيه قال: توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الخفين" وهذا أدلته كثيرة "والعمامة" وهو ما يغطى به الرأس، جمعها عمائم.
"قال بكر: وقد سمعت من ابن المغيرة" يعني سمعت هذا الحديث من ابن المغيرة أي: بلا واسطة الحسن، يعني مرة سمعه منه بواسطة، ومرة سمعه منه بغير واسطة، قال: وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع آخر أنه مسح على ناصيته وعمامته، والناصية مقدم الرأس، وفي رواية لمسلم: "مسح على الخفين ومقدم رأسه، وعلى عمامته" يعني إذا كان المسح على الناصية والعمامة عند من يقول بإجزاء مسح بعض الرأس كالأئمة الثلاثة ومن يقول بقولهم، هذا ما فيه إشكال، إلا إذا كان الظاهر بعد العمامة أقل من الربع على ما يقوله الحنفية، هم يقولون: بمسح بعض الرأس، جزء من الرأس كقول الشافعية والمالكية، وعلى هذا إذا مسح على الناصية سقط فرضه ومسحه على العمامة استحباب، والذي يقول بوجوب تعميم الرأس بالمسح يقول: المسح على العمامة مقصود شرعي، وحكم شرعي ثبت بمثل هذا الحديث وغيره، أما الذي يقول: بمسح بعض الرأس هذا ما عنده إشكال، لو لم يمسح العمامة ما تأثر وضوؤه، لكن الإشكال فيمن يرى مسح جميع الرأس، فلا بد أن يقول بجواز المسح على العمامة، أو بوجوب نزعها عند الوضوء واستيعاب الرأس بالغسل.
"وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة، وذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة ولم يذكر بعضهم الناصية".
ولا شك أن الذاكرين للناصية ثقات حفاظ، فزيادتها مقبولة، ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئاً من الرأس لم يجزه عند الثلاثة، وذهب أحمد إلى جواز الاقتصار على العمامة قاله النووي، ويدل لمذهب أحمد حديث الباب، مسح على الخفين والعمامة.
أما حديث مسح على ناصيته وعمامته فلا يدل على مذهب أحمد، وإن دل على مذهب الجمهور، الذين يقولون بالاكتفاء بمسح بعض الرأس.
"وسمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان" إمام من أئمة المسلمين صاحب تحري وتثبت، بل يرمى بالتشديد، على كل حال هو من أئمة المسلمين حتى قال: الإمام أحمد: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان، ويلتبس بأبي الحسن بن القطان الفاسي، يلتبس به؛ لأن أقواله تدور قال ابن القطان، قال ابن القطان في كتب الرجال، في كتب الحديث، يلتبس بهذا، وهذا متقدم وذاك متأخر، أبو الحسن بن القطان الفاسي صاحب (بيان الوهم والإيهام).
قال: "وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة".
أما حديث عمرو بن أمية فهو مخرج في المسند والبخاري وابن ماجه، وسلمان في المسند والترمذي، وثوبان في المسند أيضاً وأبي داود، وحديث أبي أمامة عند الطبراني، وكذلك عنده أحاديث خزيمة بن ثابت، وأبي طلحة وأبي ذر وأنس عند البيهقي، وله طرق، وفي الباب أحاديث كثيرة عن جمع من الصحابة يراجع لها نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي.
"قال أبو عيسى: حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم لكن بزيادة الناصية، ووهم ابن المنذر حيث قال: متفق عليه؛ لأن البخاري لم يخرجه "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد واسحاق قالوا: يمسح على العمامة".
واختلفوا: هل يشترط أن تلبس على طهارة كالخف؟ وهل لها وقت محدد كالخف يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر؟ فقال أبو ثور: يشترط، وبه يقول أيضاً الحنابلة أنها كالخف، يعني غاية أمرها مع الخلاف فيها أنها كالخف، والخف يشترط فيه ذلك، إذاً يشترط فيها ذلك، وورد التوقيت عند الطبراني لكنه ضعيف، "وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة" يعني يكمل مسح الرأس بمسح العمامة "وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي".
قال ابن حجر: اختلف السلف في معنى المسح على العمامة فقيل: إنه كمل عليها بعد مسح الناصية، وبه قال الجمهور، وتقدم في كلام الترمذي ذكر القائلين بالاقتصار على مسحها، وأنها كالخف، تمسح على سبيل الاستقلال.
"قال أبو عيسى: وسمعت الجارود بن معاذ يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: إن مسح على العمامة يجزئه للأثر" يعني للحديث الوارد في ذلك.
قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا على بن مسهر عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار".
نعم مسح على الخفين، ومسح على العمامة، لكن كيف يمسح على الخمار والخمار للنساء؟ المراد به ما هو أعم من ذلك، وهو ما يخمر ويغطى به الرأس، فالمقصود به العمامة.
قال: "حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق -بن عبد الله بن الحارث- القرشي" العامري المدني ثقة "عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر" أخو سلمة، وقيل: هو سلمة، مقبول كما قال ابن حجر، قال: "سألت جابر بن عبد الله عن المسح على الخفين؟ فقال: هو السنة يا ابن أخي، قال: وسألته عن المسح على العمامة؟ فقال: أمِسَّ الشعر الماء" يعني لا تمسح على العمامة فقط، بل لا بد من الجمع بين العمامة ومسح الشعر.
"فقال: أمِس الشعر الماء" قال ابن قدامه: وان نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته.
أمس الشعر: فعل أمر من الرباعي أمس يمس، وجاء: مُس الماء من الثلاثي.
يقول ابن قدامة: وان نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته نص عليه أحمد، يعني كما لو نزع الخف، قال: والتوقيت فيها كالتوقيت في مسح الخف، وفي موطأ محمد: أن المسح على العمامة منسوخ، لكنه لم يذكر المستند، ولا شك أنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل تمسح على جهة الاستقلال، أو تمسح تكميلاً لمسح الرأس، هذا محل الخلاف، فالحنابلة يقولون: بشروطها: أن تكون محنكة، وأن تكون ذات ذؤابة، تمسح استقلالاً ولو لم يمسح معها شيء من الرأس، والجمهور يقولون: لا بد من مسح جزء من الرأس.
طالب:.......
يعني مسح على الخفين؟
طالب:.......
هذه ما في شك أن (على) تدل على العلو، لكن لقائل أن يقول: لو لم يرد نص في ذلك لقلنا: إن البدل له حكم المبدل، وما دام الرجل تغسل من جميع الجهات فالخف يمسح من جميع الجهات، وجاء ما يدل على أنه مسح على الخف وأسفله، نعم، وعلى كل حال المرجح أن المسح لأعلى الخف.
"لا يجوز، لا يجوز إقامة عرس مختلط، بل لا بد من الفصل بين الرجال والنساء، وإذا وجد عرس من هذا النوع لا تجب إجابته، بل لا يجوز الحضور إليه.
هو العالم المحقق العامل بالكتاب والسنة المعتصم بهما، المعلم لهما.
هذه عادة السلف التشديد على من ارتكب بدعة، يعني في وقت نشوء البدع؛ ليزجروا الناس عنها، ويكفوهم عنها، ولا بد أن يكون الأسلوب قوياً.
إذا كانت هناك مخالفات ظاهرة فلا يجوز البتة كأعراس المسلمين، إذا كانت هناك منكرات لا يجوز، وإذا لم يكن ثم منكر فإجابة دعوته إذا رجي إسلامه كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بإجابة اليهودي لا بأس.
قلنا: إذا كنت تستفيد أنت؛ لأن الزيارة إنما شرعت لإفادة الزائر والمزور، أما المزور فلن يستفيد، وأما بالنسبة للزائر فقد تحصل العبرة والاتعاظ بهذه الزيارة، مع أن قبور المسلمين أولى بالزيارة لتحقق جميع الأهداف والحكم التي من أجلها شرعت الزيارة.
نعم جاء بها الخبر، وإن كان في بعض ورايته أنه في السفر، لكن لا مانع من قراءتها أحياناً.
لا، جاء ما يدل على أن الهر سبع، وله ناب، فلا يجوز أكله.
وهل حكم الهررة المتوحشة حكم الهرة المعروفة؟
نعم الحكم واحد؛ لأن النصوص لم تفرق، لم تقيد بالأهلية كما قيد الحمار.
هذا في شرع من قبلنا، وعلى كل حال السنن الإلهية لا تتغير، يعني لو دعا أن تنقلب سيارته من كذا إلى كذا؛ لأن بينهما فرق وبون شاسع في القيمة وفي الشكل وفي الاستعمال، أو زوجته تنقلب من كذا إلى كذا، أو بيته ينقلب من كذا إلى كذا، هذا مخالف للسنن الإلهية فلا يدعى به؛ لأنه اعتداء.
لا ينفع ذا الجدِ منك الجدُ، يعني لا ينفع صاحبَ الحظِ حظه دون الله -جل وعلا-.
الفرق دقيق جداً، الفرق دقيق، العجب: قد يعجب الإنسان بنفسه، ويتيه بشكله أو بماله أو بعلمه أو بعمله يعجب الإنسان ولو لم يكن بحضرة أحد، وأما الرياء فهو مراءاة الغير لا بد أن يكون بحضرته أحد.
كيف في آن واحد؟ يعني عمرة واحدة تكون لأكثر من شخص لا، لكن لو اعتمر وأهدى الثواب لشخص أو اعتمر عن فلان، ثم اعتمر عن ثاني اعتمر عن أمه، ثم اعتمر عن أبيه لا بأس، لكن يعتمر عن أمه وأبيه في نسك واحد لا.
هو ترك الرد -عليه الصلاة والسلام- بنية القضاء، بنية القضاء حتى يفرغ من حاجته، فيرد عليهم.
وكيف يكون رد السلام إذا ألقي بالصيغة الكاملة؟
يكون بمثلها، إذا لم يمكن الزيادة عليها من المشروع ترد بمثلها.
على كل حال مذهب أبي حنيفة مشهور ومعروف ومتداول، ويتبعه أكثر المسلمين، أكثر المسلمين على مذهب أبي حنيفة، وقوله راجح في كثير من المسائل، يعني هو كغيره من الأئمة، ومذهبه كغيره من المذاهب فيها الراجح وفيها المرجوح، لكن دخل عليهم الدخل من أمور: الأول مسألة الوضوء بالنبيذ، يعني أمور منفردة مسائل فقهية قابلة للبحث، لكن إذا اجتمعت وضم بعضها إلى بعض أساءت إلى الإمام، يعني الوضوء بالنبيذ معروف عامة أهل العلم على أنه لا يجوز الوضوء به، وهو عند الحنفية جائز، أيضاً مسألة قراءة الفاتحة لا تتعين، قراءة الفاتحة لا تتعين في الصلاة، وتجوز ترجمة القرآن عنده في الصلاة، فلما كبر الشافعي هذا قال ترجم التكبير من باب أولى ثم قال: دوسبز، دوسبز، يعني مدهامتان، وركع، يعني جمع جميع الأقوال الضعيفة والشاذة في مذهب أبي حنيفة في عبادة واحدة، لكن ما يقول أبو حنيفة بهذه العبادة مجتمعة، ثم بعد ذلك نقر الصلاة؛ لأن الطمأنينة ليست بركن، ولا يعني أنها ليست بواجبة، يعني لا تبطل الصلاة بتركها، ومع ذلك في النهاية أحدث بصوت؛ لأنه إذا تم تشهده وصلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقد تمت صلاته كما في حديث ابن مسعود، لكن الجمهور على أن التسليمتان ركن، بهذا قال أهل الكوفة، يذكر أقوال أهل الكوفة وهو منهم.
هذا الكلام ليس بصحيح، أبو هريرة حافظ الأمة، ودعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- وبسط رداءه، فلم ينسَ بعد هذه الدعوة شيئاً.
معلوم أن الصحابة أخذوا عن أمهات المؤمنين، وروى بعضهم عن بعض لكنه من وراء حجاب، من وراء حجاب كما في قول الله -جل وعلا-: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [(53) سورة الأحزاب] بعد ذلك إذا أمنت الفتنة لا بد من أمن الفتنة، وأن يكون من رواء حجاب.
كلام لا علاقة له بالسؤال هذا.
على كل حال جاء في صحيح البخاري يذكر عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح، يعني لم يصح النهي عن صلاة السنة في مكان الفرض.
أقول: ما المسئول بأفضل من السائل، فعليه أن يعالج نفسه.
ينكر الأشد فالأشد، يبدأ بالأشد فينكره، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وإذا عمت البلوى بمنكرات بحيث لا يستطاع إنكارها فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ومع ذلك ينكر ما يستطيع، عليه أن ينكر ما يستطيع.
لا، لو قرأت كلامه عرفت أنه يسخر، يسخر من الكتاب، ولا شك أن ما ذكره إن كان موجوداً، يعني مجال لمن أراد أن يستهزئ، لكن هذه الأخطاء لا بد من إصلاحها، وأما كون طريق الطلب يسهل تيسيراً بالغاً فهذا لا يجدي ولا يحصل طالب العلم منه فائدة، فالعلم لا يستطاع براحة الجسم.
نعم، الذي يظهر أن هذا اعتداء؛ لأن تغيير الخلقة جرت السنة الإلهية أنه لا يتغير.
زيارة القبور سنة جاء الحث عليها، لما فيها من المصلحة للزائر والمزور، لكن ما الفائدة من زيارة مثل هذا إذا كان القصد أن المقبرة للمسيحيين والمقبور مسيحي، يعني نصراني؟ هل يستفيد من زيارته؟ هل تريد أن تدعو له؟ لا يجوز الدعاء له بحال، بل مثل هذا يبشر نسأل الله العافية بالنار؛ لأنه كافر.
لا يجوز الركوب معها البتة.
على كل حال هو مطبوع قديماً، ومصور، ومتداول بين أهل العلم، ويجري الآن تصويره من جديد.
هؤلاء يجب هجرهم، ومؤاكلتهم ومجالستهم هذه كلها مناقضة للهجر إلا إذا كانت الصلة تجدي، إذا كانت الصلة تنفع بحيث يرجى إسلامه ويرجى استقامته، فإن هذه يستعمل بقدرها أيضاً، إن أفادته وإلا رجع إلى الهجر؛ لأنه هو الأصل، والهجر علاج كما يقول أهل العلم.
أولاً: عليك بإدامة النظر في النصوص من الكتاب والسنة التي تحث على طلب العلم، وتبين منزلة العلماء، ثم بعد ذلك عليك أن تقرأ في سير أهل العلم وصبرهم على شدائد العلم وتحصيله، ثم بعد ذلك تنبعث الهمة -إن شاء الله تعالى-.
أصل المسألة عليه دليل، النبي -عليه الصلاة والسلام- وعظ على القبر، هذا أصل المسألة، وأما اتخاذه ديدناً وعادة يومية فلا.