شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (324)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.
حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لازلنا في حديث أبي هريرة، لتذكير الإخوة والأخوات الحديث مائة وثلاثين بحسب المختصر مائة واثنين وستين بحسب الأصل في باب الاستجمار وترًا توقفنا عند قوله: «ومن استجمر فليوتر».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
ففي قوله: «من استجمر فليوتر» مضى الكلام في ذلك مستوفًا في الباب الذي قبله فلا داعي لتكريره والجملة التي تليها: «وإذا استيقظ أحدكم» يقول الكرماني: الاستيقاظ بمعنى التيقظ، وهو لازم، معناه أنه لا يتعدى، الاستيقاظ بمعنى التيقظ، وكأن الاستيقاظ أخص من التيقظ، وهو يقول بمعناه: والاستيقاظ أكثر ما يطلق على النوم من النوم، والتيقظ؟
المقدم: الغفلة أحيانًا يقظة الإنسان. عدم الانتباه ترك الغفلة.
يعني ضد الغفلة، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله- في شروط من تقبل روايته: أجمع جمهور أئمة الأثر والفقه بقبول ناقل الخبر بأن يكون ضابطًا معدلاً أي يقظًا، يضبطونها بضم القاف يقُظًا، فهو ضد الغفلة وهو أعم من الاستيقاظ من النوم.
يقول العيني: كلمة "إذا" للشرط، وجوابه قوله: «فليغسل يده»، ويقول ابن حجر: قوله: «وإذا استيقظ» هكذا عطفه المصنف واقتضى سياقه أنه حديث واحد،.. أن الجمل المتعاطفة حديث واحد؛ لأنه قال: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ أحدكم» حديث واحد، ولذلك جُعل هذا الموضع من أطراف الموضع الذي قبله مقتضى ذلك أنه حديث واحد.
المقدم: الذي هو حديث مائة وواحد وستين في الأصل.
نعم في الأصل طرفه في مائة واثنين وستين، «من استجمر فليوتر» هناك «من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر»، الثاني الموضع الثاني: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر»، هو معنى قوله: «من توضأ فليستنثر»، «ومن استجمر فليوتر» في الموضعين موجودة بلفظها، العطف عليها «وإذا استيقظ أحدكم» صنيع الإمام البخاري يقتضي أنهما حديث واحد.
يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله- قوله: «وإذا استيقظ» هكذا عطفه المصنف، واقتضى سياقه أنه حديث واحد، وليس هو كذلك في الموطأ، وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من موطأ يحيى رواية عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مفرقًا؛ لأن البخاري رواه عن طريق عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، مفرقًا يعني فصل «من استجمر فليوتر» عن قوله: «وإذا استيقظ أحدكم»، روى «وإذا استيقظ أحدكم» جملة مستقلة بمتن مستقل، وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من موطأ يحيى رواية عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مفرقًا، وكذا هو في موطأ يحيى بن بكير وغيره، وكذا فرّقه الإسماعيلي من حديث مالك، وكذا أخرج مسلم الحديث الأول من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد، وعلى هذا فكأن البخاري يرى جواز جمع حديثين إذا اتحد سندهما في سياق واحد، كما يرى جواز تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين.
الآن الذي استدل به الحافظ ابن حجر على أنهما حديث واحد، لا، هو يقول: ليس كذلك، سياق المصنف في جمع الجمل المتعاطفة بموضع واحد سياقه على أنه حديث واحد، لكن تخريج مالك في الموطأ وأبي نعيم في المستخرج في فصل الجملتين يدل على أنها أكثر من حديث، لكن هل في هذا دليل، ابن حجر يرى أنه دليل، يقول: وليس هو كذلك، يعني ليس بحديث واحد، واستدل بصنيع الإمام مالك في الموطأ، وصنيع أبي نعيم في المستخرج من موطأ يحيى رواية عبد الله بن يوسف حيث رواه مفرقًا، قال: وكذا هو في موطأ يحيى بن بكير وغيره، وكذا فرقه الإسماعيلي من حديث مالك، وكذا أخرج مسلم الحديث من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد.
استدلال الحافظ ابن حجر على أنهما حديثان بوجود الجملتين مفرقتين في الموطأ ومستخرج أبي نعيم، هل يتم له الاستدلال؟ يعني ما دام البخاري يرى تفريق الحديث الواحد، الجمل من حديث، يقطع الحديث الواحد في مواضع كثيرة، فهل معنى هذا أنه يرى جمع الحديثين في موضع واحد؟ لماذا لا نقول: إن مالكًا قطعه في موضعين، وهو في الأصل حديث واحد، في الأصل حديث واحد وقطعه مالك وأبو نعيم قطعه في مواضع، لكن الحافظ ينظر إلى من رواه عن أبي الزناد، الآن عندنا مالك عن أبي الزناد، ومسلم أخرج الأول من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد، فيرى الحافظ باعتبار أنه اختلف الرواة عن أبي الزناد أنه أحاديث، لكن ما المانع أن مالكًا -رحمه الله-..
المقدم: قطعه رغم أنه حديث واحد.
قطعه فروي عنه، رواه عنه ابن عيينة، عن أبي الزناد، مالك رواه عن أبي الزناد فقطعه، وابن عيينة روى منه جملة، والمغيرة بن عبد الرحمن روى جملة أخرى، ما فيه ما يمنع، استنتج الحافظ ابن حجر -رحمه الله- فقال: وعلى هذا فكأن البخاري يرى جواز جمع حديثين إذا اتحد سندهما في سياق واحد، كما يرى جواز تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين، توضيح ذلك: عندنا صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة تشتمل على مائة وثلاثين جملة، يمكن أن تجعل مائة وثلاثين حديثًا، ساقها الإمام أحمد مساقًا واحدًا، في موضع واحد من مسنده، وفرق البخاري منها ما خرجه في صحيحه، ومسلم أيضًا فرَّق جملًا في صحيحه، وكلٌّ يأخذ منها ما يستدل به لما ترجم به، ما يستدل به على ما ترجم به، فأخذ البخاري من هذه المائة والثلاثين جملًا أودعها في صحيحه متفرقة، نعم هو لم يستوعب الصحيفة، إنما أخذ منها جملًا، ومسلم كذلك، ولكل واحد منهما طريقة في سياق ما يريد سياقه، فذكر أحاديث منها كذا، هذه طريقة الإمام مسلم.
البخاري يذكر الجملة الأولى من الصحيفة، ثم يعطف عليها ما يريد، ويترك الباقي هل نقول: إن الإمام أحمد جمع هذه الجمل، وهي عدة أحاديث، أو نقول: إنه حديث واحد حفظه أبو هريرة من هذه الجمل الكثيرة وفرقها غيره؟
المقدم: ما يمنع هذا.
ما فيه ما يمنع إطلاقًا، تعقبه العيني بقوله: قلت لا يلزم ذلك كله أن لا يكون الحديث واحدًا، وقد يجوز أن يروى حديث واحد مقطعًا من طرق مختلفة، فمثل ذلك وإن كانا حديثين أو أكثر بحسب الظاهر فهو في نفس الأمر حديث واحد، لكن مر بنا ما جُعل أطرافًا لحديث مما شرح، فلما استعرضناه في موضعه وجدنا فروقًا، لا يمكن أن يكون طرفًا لهذا الحديث، وإن كانا حديثين يقول العيني: قلت لا يلزم ذلك كله أن لا يكون الحديث واحدًا، وقد يجوز أن يروي حديثًا واحدًا مقطعًا من طرق مختلفة فمثل ذلك وإن كانا حديثين أو أكثر بحسب الظاهر، وهو في نفس الأمر حديث واحد، والظاهر مع سياق البخاري في كونه حديثًا واحدًا، يعني كونه جمعهما في موضع واحد أنه حديث واحد، ولا يمنع أنه في أول الأمر ذكر منه قطعة، ومالك ذكر قطعة، وأبو نعيم ذكر قطعة، والبخاري جمع هذه الجمل الثلاثة في موضع واحد، لكن ما الذي يترتب على هذا بالنسبة لطريقة أهل العلم في عده حديثًا واحدًا أو أحاديث؟
يعني هل نقول: من استجمر فليوتر روي في أكثر من حديث مثلًا، روي في حديث هذا حديث مستقل، وهذا حديث مستقل، ويستفاد في ورود الجملة في أحاديث ترجيحها على ما تفرد به راوٍ واحد، فتكون هذه أحاديث في مقابل حديث واحد، والكل صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لكن الكثرة عند المعارضة ترجح، أيضًا عند عد الأحاديث، يعني لما نجد في تحفة الأشراف بإسناد واحد: مالك عن نافع عن ابن عمر مثلًا ذكر على سبيل المثال مائة حديث في تحفة الأشراف، يعني ليس على سبيل التحديد هذا، لكن نفترض لو جاء شخص وقال: مادامت هذه بسند واحد، فلماذا لا نجمعها سياقًا واحدًا ويكون حديثًا واحدًا، لماذا؟
المقدم: لاختلاف الألفاظ.
هي ألفاظ، لكن تعطف بعضها على بعض مثل ما هنا.
المقدم: لا، حتى نعطي لكل حديث قوته.
القوة واحدة؛ لأنها بسند واحد، لكن ألا يوجد هناك مناسبات قيل فيها بعض الجمل تختلف عن مناسبة أخرى، فيعد أكثر من حديث ولو كانت بإسناد واحد؟ والظاهر مع سياق البخاري في كونه حديثًا واحدًا يقول ابن حجر في انتقاض الاعتراض: وما نفى الشارح ويقصد بالشارح...
المقدم: ابن حجر.
ابن حجر الذي يتكلم، ابن حجر في انتقاض الاعتراض يقول: وما نفى الشارح يعني بذلك..
المقدم: العيني.
نفسه، وما نفى الشارح إلا أنه ليس كذلك في الموطأ، ومن الذي يستطيع رد ذلك؟ هل ابن حجر ينظر إلى الحديث هذا بجمله أنه أحاديث على وجه العموم، أو أنه في موضع خاص وهو الموطأ؟
المقدم: ينظر على أنه وجه العموم.
هذا الذي فهمناه من كلامه، ولذلك يريد أن يدافع عن نفسه يقول: وما نفى الشارح إلا أنه ليس كذلك في الموطأ، ومن الذي يستطيع رد ذلك؟ لا أحد يستطيع رد ذلك؛ لأن مالكًا قطعه، وكأن الحافظ يحكي ما جاء عن مالك، طيب مالك- رحمه الله تعالى- فيما رواه عنه البخاري من طريق عبد الله بن يوسف جمع هذه الجمل..
المقدم: في موضع آخر.
جمع هذه الجمل في الصحيح في البخاري، «وإذا استيقظ أحدكم من نومه» يقول ابن حجر: أخذ بعمومه الإمام الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم، يعني سواء كان نوم الليل أو النهار، وخصه أحمد بنوم الليل؛ لقوله في آخر الحديث: «باتت يده»؛ لأن حقيقة المبيت أن يكون في الليل، وفي رواية لأبي داود ساق مسلم إسنادها: «إذا قام أحدكم من الليل» هذه نص، «إذا قام أحدكم من الليل» هناك بالمفهوم، باتت المفهوم من المبيت أنه لا يكون إلا بالليل، وكذا للترمذي من وجه آخر صحيح، ولأبي عوانة في رواية ساق مسلم إسنادها أيضًا؛ لأن مسلمًا يسوق أسانيد ولا يذكر متونًا، يذكر المتن في أول الأمر يسوق بإسناده ومتنه ثم يذكر إسنادًا ويقول: بمثله، بنحوه، وهكذا، ساق أسانيد ولا يسوق متونًا، خرّج أبو داود رواية، وخرج الرواية الثانية أبو عوانة أيضًا: «إذا قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح» فدل على أن النوم قبل الصبح، وهو في الليل، لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل، التعليل لأنه لا يدري أين باتت يده، هل معنى هذا أنه في الليل لا يدري، وفي النهار يدري، أو العلة واحدة؟
المقدم: العلة واحدة.
يقول: التعليل يقتضي إلحاق.. يعني بالقياس نوم النهار بنوم الليل، وإنما خص نوم الليل؛ للغلبة، يعني غالب الناس نومهم بالليل، والنوم إنما يطول بالليل، يعني هذا في وقتهم، وإلا ففي وقتنا أكثر الناس أو كثير من الناس نومه بالنهار أكثر، يقول الرافعي في شرح المسند، شرح مسند من؟
المقدم: أحمد.
لا، الشافعي، في شرح مسند الشافعي: يمكن أن يقال: الكراهة في الغمس لمن نام ليلًا أشد منها لمن نام نهارًا؛ لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب؛ لطوله عادة، يعني يؤخذ بعموم العلة، فيلحق نوم النهار بنوم الليل، لكن يبقى أن المبيت له مفهومه أنه بالليل، فيكون الليل هو المنصوص عليه، فيكون أشد في الكراهة؛ لأن المنصوص عليه من أفراد العام دخوله قطعي، دخوله في النص قطعي بخلاف ما يدخل فيه بالإلحاق.
في المصباح المنير: بات يبيت بيتوتة ومبيتًا ومباتًا، فهو بائت، وتأتي نادرًا بمعنى نام ليلًا، يقول: بات يبيت بيتوتة ومبيتًا ومباتًا، فهو بائت، وتأتي نادرًا بمعنى نام ليلًا، هل نقول هذا لأن صاحب المصباح المنير شافعي؟ أنا أشرت مرارًا إلى أن كتب اللغة المتأخرة تأثرت بالمذاهب، تأثرت بالمذاهب، ولذا ينبغي أن يكون رجوع طالب العلم إلى الكتب المتقدمة، هل نقول: إن صاحب المصباح تأثر بمذهبه لأنه قال: وتأتي نادرًا بمعنى نام ليلًا، أو هو يحكي ما وجد في لغة العرب من كتب اللغة.
المقدم: لا، يبدو أنه يتحدث عن كتب فقهاء المذهب.
ما أظن؛ لأن موضوعه لغة، نعم هو لغة متأثرة، لكن لا يعني أنه مصطلح فقهي، يقول: وتأتي نادرًا بمعنى نام ليلًا، وفي الأعم الأغلب بمن فعل ذلك الفعل بالليل.
المقدم: ولكن كيف يقول: تأتي نادرًا بمن نام ليلًا، ما هي نادرة، في اللغة بات الأغلب تأتي في الليل.
لا، تأتي لمن عمل في الليل، لمن عمل عملًا في الليل، بات يقرأ، بات يرقب القمر، نقول: نائم ذا؟ مثل ظل وأضحى، هل معنى أضحى فلان يعني نام بالضحى؟ إذًا بات وهي من أخواتها..
المقدم: بات يعمل يعني.
بات يعمل نعم، يقول: وفي الأعم الأغلب بمعنى فعل ذلك الفعل بالليل كما اختص الفعل في ظل بالنهار، فإذا قلت: بات يفعل كذا، فمعناه فعله بالليل، ولا يكون إلا مع سهر الليل، ما يكون نوم...
المقدم: لكن هو أطلقه على اليد.
طيب.
المقدم: فإذا أطلق على الجزء فلا يعني إرادة الكل، اليد باتت تتحرك وتنقلب لكن الإنسان نائم، فما الذي يمنع؟
قوله وعليه قوله تعالى: { والَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقِيَامًا } [سورة الفرقان: 64].
المقدم: هم مطلقة لكل، هم يبيتون، لكن الحديث قال: «باتت يده»، فما الذي يمنع؟
هو لا شك أنه نائم هو؟
المقدم: هو نائم.
نعم «إذا استيقظ أحدكم من نومه» هو نائم؟
المقدم: لكن أن تطلق البيتوتة على اليد ما يستقيم مع كلام صاحب المصباح، ما الذي يمنع أن تكون البيتوتة تطلق والإنسان نائم وبيتوتة اليد يعني حركتها.
لا، أنت ما عرفت المأخذ، مأخذ الحنابلة المبيت النوم، وهو يريد أن ينازع ويناقش في كون المبيت لا يعني النوم أصلًا، هذه وجه منازعاته، ولا يكون إلا مع سهر الليل، وعليه قوله تعالى: {والَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقِيَامًا} وقال الأزهري: قال الفراء: بات الرجل إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية، وقال الليث: من الليث؟
المقدم: ابن المظفر.
ابن المظفر نعم، وقال الليث: من قال بات بمعنى نام فقد أخطأ، ألا ترى أنك تقول: بات يرعى النجوم، ومعناه ينظر إليها، وكيف ينام من يراقب النجوم؟ وقال ابن القوطية وتبعه السرقسطي وابن القطاع هؤلاء الثلاثة لهم كتب اسمها: "الأفعال" الأفعال لابن القوطية، والأفعال للسرقسطي، والأفعال لابن القطاع وكلها مطبوعة، وابن القوطية هو المتقدم عليهم وكتابه أندر من كتابيهما، طبع في مجلد واحد، وقال ابن القوطية وهو أندر وأفضل وتبعه.. وهو أصغر الكتب الثلاثة، وقال ابن القوطية أيضًا وتبعه السرقسطي وابن القطاع: بات يفعل كذا إذا فعله ليلًا، ولا يقال بمعنى نام، وقد تأتي بمعنى صار، يقال: بات بموضع كذا أي صار به، سواء كان في ليل أو نهار، وعليه قوله -عليه الصلاة والسلام-: «فإنه لا يدري أين باتت يده»، والمعنى صارت ووصلت.
يعني الذي عندنا النص في رواية أبي داود، في رواية الترمذي: فإذا استيقظ من نوم الليل إذا أصبح هذا الذي يرجح كونه في نوم الليل، وإلا من لفظ بات والمبيت عرفنا أنها في لغة العرب لا تدل على النوم بالليل، فإنه لا يدري أين باتت يده، والمعنى صارت ووصلت.
في المغني لابن قدامة يقول الإمام الموفق -رحمه الله تعالى-: مسألة قال يعني الخرقي، صاحب المتن: وغسل اليدين إذا قام من نوم الليل أن يدخلهما الإناء ثلاثًا.. قبل أيش؟ قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثًا، وغسل اليدين إذا قام من نوم الليل قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثًا، غسل اليدين يقول الموفق، غسل اليدين في أول الوضوء مسنون في الجملة، مسنون في الجملة، ما معنى في الجملة؟
المقدم: سواء كان بعد النوم أو غير النوم دائمًا.
لكن يختلف التعبير عندك..
المقدم: في الجملة عن بالجملة.
نعم، يعني في الجملة يخرج بعض الصور، بالجملة ما يخرج أيًّا من الصور، ننظر ماذا يخرج: غسل اليدين في أول الوضوء مسنون في الجملة سواء قام من نومه أو لم يقم؛ لأنها التي تغمس في الإناء، وتنقل الوضوء إلى الأعضاء، ففي غسلهما إحراز لجميع الوضوء، يعني احتياط لجميع الوضوء، وقد كان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يفعله، فإن عثمان -رضي الله عنه- وصف وضوء رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فقال: (دعى بالماء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ثم أدخل يده في الإناء) [متفق عليه]، طيب قوله: في الجملة هل هناك صور تخرج من غسل اليدين قبل الوضوء؟
افترض أن شخصًا أكل، ثم غسل يديه من أجل إزالة أثر الأكل، ثم أراد الوضوء هل نقول: يغسل يديه ثلاثًا؟ لأننا نقول: غسل اليدين في أول الوضوء مسنون في الجملة، أو نقول: هذه من سنن الوضوء لا علاقة لها بالأكل، تسن كما أنه إذا أكل يتمضمض؟ هل نقول: إن هذه المضمضة تكفي؟ يعني إذا غسل بعد الأكل غسل يديه حتى أنقى أثر الأكل، ثم تمضمض لتنظيف الفم، هل نقول: إن هذا يكفي عن المسنون في غسل اليدين قبل الوضوء والمضمضة قبل غسل الوجه؟
يعني أقل الأحوال أنه لو لم يكن في ذلك إلا تخلف النية، لقلنا: لا ما يكفي؛ لعدم وجود النية؛ لأن الوضوء يبدأ من النية، وعلى هذا لو تمضمض واستنشق، ثم نوى وغسل وجهه كل على مذهبه في حكم المضمضة والاستنشاق؛ لأن ما قبل النية غير معتبر.
يقول الموفق: وكذا وصف علي وعبد الله بن زيد، وغيرهما وليس ذلك بواجب عند غير القيام من النوم بغير خلاف نعلمه، فأما عند القيام من نوم الليل فاختلفت الرواية في وجوبه فروي عن أحمد وجوبه، وهو الظاهر عنه، واختيار أبي بكر، من أبو بكر؟
المقدم: من الذي يقول هذا الكلام يا شيخ؟
الموفق ابن قدامة، واختيار أبي بكر عند رواية الوجوب.
المقدم: إذا قال ابن قدامة أبو بكر المراد عبد العزيز غلام الخلال.
غلام الخلال نعم، ويعتنى به، لماذا؟ لأن له اختيارات تخالف اختيارات الخرقي، وابن قدامة يشرح كتاب الخرقي، وهناك جزء مطبوع باسم "مسائل أبي بكر عبد العزيز غلام الخلال التي خالف فيها الخرقي" مطبوعة.
المقدم: بقي شيء في هذه المسألة يا شيخ؟
نعم، بقي الكثير.
المقدم: إذا نرجئها إن شاء الله لحلقة قادمة، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة على أن نستكمل بإذن الله ما تبقى في كلام أهل العلم في قوله – صلى الله عليه وآله وسلم -: «وإذا استيقظ أحدكم من نومه» هذا ما سيكون بإذن الله في الحلقة القادمة وأنتم على خير.
شكرًا لطيب المتابعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.