تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار (09)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين، قال المؤلف- رحمه الله تعالى-:

وأما ما وقع فيهما غير مسند وهو المعبَّر عنه بالتعليق عندهم وهو أن يسقِط البخاري أو غيره من أول إسناده راويًا فأكثر ويعزو الحديث إلى من فوق المحذوف بصيغة الجزم كقول البخاري في الصوم قال يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إذا قاء فلا يفطر قال ابن الصلاح لم أجد لف التعليق مستعملا فيما سقط منه بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره ولا فيما ليس فيه جزم كيُروَى قال زين الدين استعمل غير واحد من المتأخرين التعليق فيه التعليق في غير المجزوم به منهم الحافظ المزي في الأطراف قلت أما ما سقط فيه رجلٌ من وسط الإسناد فهو يسمى المقطوع والمنقطع وما سقط من آخره فهو المرسل كما يأتي جميع ذلك وأما إذا سقط الإسناد كله وقال قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه وآله وسلم أو ذكر الصحابي فقط من رجال السند فقال ابن الصلاح تعليق ولم يذكره المزي تعليقا في الأطراف وأما إذا روى عن شيخه بصيغة الجزم ولم يقل حدثنا ولا نبأنا فمتصل حكمه حكم العنعنة كما يأتي كذا عند ابن الصلاح واختاره زين الدين خلافا لبعض المغاربة والمزي وابن مندة قال وذلك كقول البخاري قال عفّان وقال القعنبي وأخطأ ابن الصلاح في تمثيل التعليق بذلك مع اختياره أنه ليس بتعليق قال ابن الصلاح وكأنه مأخوذ من تعليق الجدار وتعليق الطلاق ونحوه لما يشترك فيه جميع من قطع الاتصال وقد ذكر.

فيه الجميع لما يشترك فيه الجميع من قطع الاتصال.

عفا الله عنك.

لما يشترك فيه الجميع من قطع الاتصال وقد ذكر ابن الصلاح أن التعليق وقع فيهما قال وأغلب ما وقع ذلك في البخاري وهو في مسلم قليل جدا قال زين الدين في كتاب مسلم من ذلك موضع واحد في التيمم وهو حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصِّمِّة أقبل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من نحو بئر جمل الحديث قال فيه مسلم وروى الليث بن سعد ولم يُوصِل مسلم إسناده إلى الليث وقد أسنده البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث ولا أعلم في مسلم بعد مقدمة الكتاب حديثًا لم يذكره إلا تعليقا غير هذا الحديث وفيه مواضع أخر يسيرة رواها بإسناده المتصل ثم قال ورواه فلان وهذا ليس من باب التعليق إنما أراد ذكر من تابع راويه الذي أسنده من طريقه عليه أو أراد بيان اختلاف في السند كما يفعل أهل الحديث ويدل على أنه ليس بمقصوده بهذا إدخاله في كتابه أنه يقع في بعض أسانيد ذلك من ليس هو من شرط مسلم كعبد الرحمن بن خالد بن مسافر وقد بيّنت بقية المواضع في الشرح الكبير فإذا عرفت هذا فاعلم أن المحققين قسموه ثلاثة أقسام أحدها ما يورده البخاري بصيغة الجزم ويكون رجاله رجال الصحيح فيُحكم بصحته لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك إلا وقد صح عنده وثانيها ما يورده بصيغة الجزم أيضا ولكن يجزم به عمن لا يُحتَج به فليس فيه إلا الحكم بصحته عمن أسنده إليه وجزم به عنه كقول البخاري وقال بهز عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- «الله أحق أن يستحيى منه» قال ابن الصلاح فهذا ليس من شرطه قطعا ولذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين وثالثها أن يورده ممرضا وصيغة التمريض عندهم أن يقول ويُذكَر أو يُروَى أو نُقِل ورُوي ونحوه فهذا لا يحكم بصحته كقوله ويُروَى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- «الفخذ عورة» لأن هذه الألفاظ لأن هذه الألفاظ استعمالها في الضعيف أكثر وإن استعملت في الصحيح وكذا قوله وفي الباب يستعمل في الأمرين معًا قال ابن الصلاح ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنَس به ويُركَن إليه وتشدد ابن حزم فلم يقبل شيئا من تعليقات الصحيح وتراجمه وحمل ابن الصلاح قول البخاري ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وقول الأئمة في الحكم بصحته على مقاصد الكتاب وموضعه ومتون الأبواب دون التراجم ونحوها وأما الحافظ ابن حجر..

الكتاب.. حمل ابن الصلاح قول البخاري ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح قول الأئمة في الحكم بصحته على مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب موضوع الكتاب يعني مقاصد الكتاب وموضوع الكتاب ومتون الأبواب دون التراجم ونحوها.

عفا الله عنك.

وحمل ابن الصلاح قول البخاري ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وقول الأئمة في الحكم بصحته على مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب دون التراجم ونحوها وأما الحافظ ابن حجر فصرح في مقدمة شرح البخاري بأن جميع تعاليقه غير صحيحة عنده يعني على شرطه وإن كان يمكن تصحيح بعضها على شرط غيره إلا أن يسند المعلَّق مرة ويعلقه أخرى فيكون تعليقه المرة الأخرى اختصارا قال وقد عرفت ذلك من مقصد البخاري فإن الحديث لو كان على شرطه في الصحة ما ترك وصل إسناده وهذا الذي ذكره هو الصواب ومن أمثلة التعليق المختلف فيها قول البخاري قال هشام ابن عمار حدثنا صدقة بن خالد قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا عبد الرحمن بن يزيد.. ابن يزيد بن جابر قال حدثنا عطية بن قيس قال حدثني عبد الرحمن بن غُنم قال حدثني..

غَنم بفتح العين.

عفا الله عنك.

قال حدثني عبد الرحمن بن غَنْم قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: « ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير والخمر والمعازف».

يعني جاء في بعض ألفاظه الخز والذي في الصحيح في أكثر من النسخ الحِرَ والحرير يعني يستحلون الزنا الفروج نسأل الله العافية.

عفا الله عنك.

الحديث فعند ابن الصلاح وزين الدين ومحيي الدين النووي أن حكمه حكم المتصل بالعنعنة وهي صحيحة ممن لا يدلس والبخاري ممن لا يدلس وذلك لأن هشام بن عمار من شيوخ البخاري حدث عنه بأحاديث وقد مثل المزي والشيخ تقي الدين التعليق بهذا الحديث وقال ابن مندة أخرج البخاري في كتابه الصحيح وغيره قال لنا فلان وهي إجازة وقال فلان وهو تدليس قال وكذلك مسلم أخرجه على هذا قال شيخ الدين انتهى قال الشيخ زين الدين انتهى كلام ابن مندة ولم يوافَق عليه وقال ابن حزم في المحلى هذا حديث منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد ولا يصح في هذا الباب شيء أبدا وكل ما فيه موضوع قال ابن الصلاح ولا التفات إلى ابن حزم في رده ذلك وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط بشرط الصحيح والبخاري قد يفعل ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات عن الشخص الذي علق عنه أو لكونه ذكره في موضع آخر من كتابه متصلا أو لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع قال الحافظ زين الدين والحديث متصل من طرق من طريق هشام وغيره قال الإسماعيلي في المستخرج حدثنا الحسن وهو ابن سفيان النسوي الإمام قال حدثنا هشام بن عمار فذكره وقال الطبراني في مسند الشاميين حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد قال حدثنا هشام بن عمار الصحيح صحة الحديث بلا ريب ولكن دلالته على التحريم ظنية معارَضة أما كونها ظنية فلأنه ذمهم باستحلال مجموع أشياء وهو استحلال الخمر والذم بمجموع أمور لا يستلزم القطع على تحريم كل واحد منها لجواز أن يذم الكافر والفاسق بأفعال بعضها حرام وبعضها مكروه مثاله مثاله قوله تعالى: ﯿ الحاقة: ٣٠ - ٣١  إلى قوله:        الحاقة: ٣٣ - ٣٤  ويقوِّي هذا أنه جعل استحلال الخز من جملة صفات أولئك المذمومين مع أن جماعة من جملة الصحابة والتابعين قد استحلوه ولبسوه فيحتمل أن يكون وصفه لهم بذلك تمييزا لهم عن غيرهم كما وصف الخوارج حين ذمهم وحذر منهم بحلق الرؤوس وصغر الأسنان وخفة الأحلام وكون ذي الثدية منهم ونحو ذلك والله أعلم قال ابن الأثير في النهاية الخز المعروف أولا ثياب تنسج من صوف وإبريسم وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون فيكون النهي عنها لأجل التشبه بالعجم وزي المترفين وإن أريد بالخز النوع الآخر المعروف الآن فهو حرام لأنه جميعه معمول من الإبريسم وعليه يُحمل الحديث قلت في هذا الحمل إشكال فإن الحديث إنما يُحمل على ما كان يسمى خزا في زمانه -صلى الله عليه وآله وسلم- في عرف المخاطَبين وأما هذا الذي ذكره فهو داخل في تحريم الحرير وقد فرّق في هذا الحديث بين الخز والحرير وعطف أحدهما على الآخر فدل على التغاير فهذا مما يدل على أن دلالة الحديث ظنية وأما أنها معارَضة فلأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع زمّارة الراعي ولم يكسرها ولا بيّن له تحريمها وحديثها صحيح على الأصح وأباح الضرب بالدف في العرس والعيد وعند قدوم الغائب ولم يأمر بكسره ولا شك في كراهة ذلك في غير في غير العرس ونحوه وإنما الكلام في صريح التحريم والكف عمّن استحل ذلك من أهل العلم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لما تكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن الأحاديث الموصولة التي هي مقاصد الكتاب وموضوع الكتاب وأنها مفيدة للقطع عند ابن الصلاح ومن يقول بأن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة أفاد القطع سوى أحرف يسيرة مما استثناه العلماء مما تكلم فيه بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره شرح يتحدث عن ما قطع من أول إسناده حُذف من أول إسناده من جهة المصنف راوٍ واحد أو أكثر من راوي، فالمصنف الذي هو البخاري قد يحذف شيخه، وقد يحذف الشيخ مع شيخه، وقد يحذف ثلاثة من الإسناد، وقد يحذف جميع الإسناد ويقتصر على ذكر الصحابي، وقد يحذف الصحابي ويرفع الخبر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فكل ما حُذف من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر من راوٍ ولو جميع الإسناد ولو حذف جميع الإسناد يقال له معلَّق، قال "وأما ما وقع فيهما غير مسند وهو المعبَّر عنه بالتعليق عندهم وهو أن يسقط البخاري أو غيره من أول إسناده راويًا فأكثر ويعزو الحديث إلى من فوق المحذوف بصيغة الجزم كقول البخاري في الصوم قال يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي هريرة قال إذا قاء فلا يفطر" هذا تعليق مجزوم به؛ لأنه أورده بصيغة، "قال ابن الصلاح لم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط من بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره ولا فيما ليس فيه جزم كيُروَى" أما ما سقط من أثناء إسناده ومن وسطه فإنه إن كان في واحد فهو المنقطع، وإن كان باثنين فأكثر على التوالي فهو المعضل، وأما ما سقط من إسناده للصحابي فهو المرسل، ولكل نوع من أنواع السقط الظاهر هذا اسمه يخصه، فإذا كان السقط من مبادئ السند سمي تعليقا، وإذا كان من أثنائه بواحد أو بأكثر من واحد في أكثر من موضع سمي المنقطع، وإن كان بأكثر من واحد باثنين أو ثلاثة على التوالي سمي المعضل، وإن سقط الصحابي ورفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- سموه المرسل، "ولا فيما ليس فيه جزم كيُروى" هذا رأي ابن الصلاح أن غير المجزوم به لا يسمى تعليقا إذا قال يروى ويذكر فإنه لا يسمى تعليقا، وتابعه على ذلك النووي في مختصره على أنه حكم على حديث عائشة في مقدمة مسلم بأنه معلق مع أنه جاء بصيغة التمريض، جاء بصيغة التمريض أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم في مقدمة مسلم ذكره في رياض الصالحين، وقال أخرجه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه تعليقا، وما عدا ابن الصلاح من أهل العلم يرون أن المعلق يشمل ما جاء بصيغة التمريض وما جاء بصيغة الجزم والتفصيل الآتي يدل على ذلك:

وإن يكن أول الإسناد حذف

 

مع صيغة الجزم فتعليقا عرف

ولو إلى آخره أما الذي

 

لشيخه عزا بقال فكذي

عنعنة كخبر المعازف

 

لا تصغ لابن حزم المخالف

وخبر المعازف يأتي ذكره في كلام المؤلف، "قال زين الدين استعمل غير واحد من المتأخرين التعليق في غير المجزوم به منهم الحافظ المزي في الأطراف" فتجد ما خرجه الإمام البخاري معلقا بصيغة التمريض يعلم عليه المزي في الأطراف بعلامة التعليق خاء تاء (خت) يذكر عليه هذه العلامة يعني أنه أخرجه البخاري تعليقا، "قلت أما ما سقط فيه رجل من وسط الإسناد فهو يسمى المقطوع" والصواب أنه يسمى المنقطع، وأما المقطوع عند أهل العلم فهو ما يضاف إلى التابعي، فهو ما يضاف إلى التابعي على ما سيأتي ذكره- إن شاء الله تعالى- وقد يتجوزون فيعبرون على المقطوع بالمنقطع والعكس فهذا من التجوز، وإلا فالأصل أن المقطوع يطلق على ما يرفع أو ما ينسب إلى التابعين أو ما ينسب إلى الصحابي ويقال له الموقوف، وما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ويقال له المرفوع، وكل هذا يأتي تفصيله- إن شاء الله تعالى- وللرشيد العطار الغرر المجموعة في بيان ما في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة ويريد بها المنقطعة، "ويسمونه المقطوع، والمنقطع هو ما سقط من آخره" يعني بحيث يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يذكر فيه الصحابي "فهو المرسل كما يأتي جميع ذلك وأما إذا سقط الإسناد كله وقال" يعني البخاري "قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ذكر الصحابي فقط من رجال السند فقال ابن الصلاح تعليق" ابن الصلاح يسمي هذا تعليقا ولو حذف جميع الإسناد، الحافظ العراقي يقول ولو إلى آخره يعني إلى آخر الإسناد محذوف، "ولم يذكر المزي تعليقا في الأطراف" ما ذكره المزي- رحمه الله- "وأما إذا روى عن شيخه بصيغة الجزم ولم يقل حدثنا ولا أنبأنا فمتصل حكمه حكم العنعنة كما يأتي".

...........أما الذي

 

لشيخه عزا بقال فكذي

عنعنة كخبر المعازف

 

لا تصغ لابن حزم المخالف

"فمتصل حكمه حكم العنعنة كما يأتي" يحكم له بالاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم بأن لا يكون الراوي معروفا بالتدليس، وأن يثبت لقاؤه لمن روى عنه على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، "كذا عند ابن الصلاح واختاره زين الدين خلافا لبعض المغاربة والمزي وابن مندة" قال لأنه حكم على الأحاديث التي عزاها لشيخه قال فلان كما سيأتي في حديث هشام بن عمار وأيضا الذي مثل به حديث عفان علم عليه المزي بعلامة التعليق، "وذلك كقول البخاري قال عفان وقال القعنبي وأخطأ ابن الصلاح في تمثيل التعليق بذلك مع اختياره أنه ليس بتعليق" لأن عفان من شيوخه والقعنبي من شيوخه إذًا هذا ليس بتعليق عنده وإن كان تعليقا عند المزي مع اختياره أنه ليس بتعليق لأنهما من شيوخه، "قال ابن الصلاح وكأنه مأخوذ" يعني أخذ لفظ التعليق، اشتقاق لفظ التعليق يقول "كأنه مأخوذ من تعليق الجدار وتعليق الطلاق" ما معنى تعليق الجدار؟ المقصود به التعليق على الجدار، وتعليق الطلاق المعروف أن تعليق الطلاق أنه ربطه بشرط، يعني طلاق معلَّق بشرط وهذا ما ذكره ابن الصلاح، والبلقيني كأنه يرى أخذه من تعليق الطلاق، وابن حجر يرجح أنه من تعليق الجدار، والبلقيني يرجح أنه من تعليق الطلاق، وأنا أقول لا هذا ولا هذا، لا من تعليق الجدار ولا من تعليق الطلاق، إنما كأن ابن الصلاح يريد تعليق المرأة لا تعليق الطلاق، تعليق المرأة التي ليست بذات زوج ولا مطلقة، يعني يتزوجها ويظلمها ويبطل حقوقها ولا ينفق عليها ولا يسكنها ولا يقسم لها، هذه امرأة معلقة ليست بذات زوج ولا مطلقة كما قال الله جل وعلا: ﭿ ﮀﮁ النساء: ١٢٩  فهو من تعليق المرأة لا تعليق الجدار، الجدار يعلق عليه ولا يعلق في الجدار، يعني ما كان عندهم جسور مثلنا جسور معلقة، أما الجدار يعلق عليه يعلق عليه المتاع والطلاق يعلق بشرط لا هذا ولا هذا؛ لأن المرأة المعلقة تكون كالشيء الذي لا وصل إلى الأرض ولا استقر على ما عُلِّق به، فهذا كأنه مأخوذ من هذا قال "وأغلب ما وقع من ذلك في البخاري وهو في مسلم قليل جدا" عرفنا أن في مسلم أربعة عشر حديثا من هذا النوع، ثلاثة عشر منها موصولة في الصحيح نفسه، والرابع عشر موصول في البخاري إذًا لا حاجة لبحث معلقات مسلم إنما المعلقات التي تحتاج إلى بحث هي معلقات البخاري، وذكرنا سابقا أن عدتها ألف وثلاثمائة وواحد وأربعون وكلها موصولة في الصحيح عدا مائة وستين أو مائة وتسع وخمسين حديثا، المعلقات الموصولة في الصحيح هذه لا داعي لبحثها؛ لأن العبرة بالموصول، وأما ما لم يصله في موضع آخر فهو محل البحث الذي يبحثه أهل العلم وهو الذي فيه الصحيح وغير الصحيح، أما ما وصل في الصحيح نفسه فهذا كله صحيح ولا كلام فيه "وهو في مسلم قليل جدا، قال زين الدين في كتاب مسلم من ذلك موضع واحد في التيمم وهو حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نحو بئر جمل الحديث قال فيه مسلم وروى الليث بن سعد ولم يوصل مسلم إسناده إلى الليث وقد أسنده البخاري" فكفينا من معلقات مسلم "عن يحيى بن بكير عن الليث ولا أعلم في مسلم بعد مقدمة الكتاب حديثا لم يذكره إلا تعليقا غير هذا الحديث" ويقصد بذلك الأحاديث المرفوعة، أما ما كان موقوفا على صحابي أو على تابعي فهذا موجود لكنه نادر جدا ولا يعد من مقاصد الكتاب، وقال يحيى بن أبي كثير لا يستطاع العلم براحة الجسم، مثل هذا ليس من مقاصد الكتاب ولم يورده مسلم محتجا به على شيء من أحكام الكتاب أو مسائل الكتاب، وإنما أورده من بين أحاديث المواقيت، لا يستطاع العلم براحة الجسم، وهو يريد أن ينبه أن هذه هذا السياق من هؤلاء الثقات الأثبات الحفاظ، هذا السياق العجيب والترتيب الغريب السياق الذي فيه إبداع حقيقة في سياق المتون والأسانيد يريد أن يلفت نظر طالب العلم أنه لن يصل إلى هذه المرتبة أو هذه المرحلة بحيث يبدع في أي علم من العلوم مع راحة الجسم، فالعلم لا يستطاع براحة الجسم، "ولا أعلم في مسلم بعد مقدمة الكتاب حديثا لم يذكره إلا تعليقا غير هذا الحديث وفيه مواضع أخر يسيرة رواها بإسنادها المتصل ثم قال ورواه فلان وليس هذا من باب التعليق" يعني وإن كان تعليقا تجاوزنا وقلنا تعليق مادام موصولا في الكتاب العبرة بالموصول، "إنما أراد ذكر من تابع راويه الذي أسنده من طريقه عليه أو أراد بيان اختلاف في السند كما يفعل أهل الحديث" إذا أرادوا أن يبينوا شيئا في السند لا شك أنهم يوردون مثل هذه التعقيبات في الأسانيد، وهذا موجود كثير في البخاري، إذا أراد أن يبين سماع مدلس مثلا أورد مثل هذا، أراد أن يبين أن الحديث مروي بطريق أعلى أورد مثل هذا الإسناد، والعمدة على الأصل الحديث الذي هو موضوع الكتاب، "ويدل على أنه ليس بمقصوده بهذا إدخاله في كتابه أنه يقع أنه يقع في بعض أسانيده ذلك من ليس هو من شرط مسلم" لكن هو يريد أن يبين فائدة ونكتة يورد فيها هذا الحديث الذي لا يصله وإن كان فيه من ليس على شرطه؛ لأنه لا يعتبر بهذا إنما عبرته بموضوع الكتاب الأصلي في الحديث الذي أسنده "كعبد الرحمن بن خالد بن مسافر وقد بينت مواضع بقية المواضع في الشرح الكبير" هذا كلام الحافظ العراقي، والشرح الكبير عرفنا أنه أنجز منه كراسة أو كراستين ومسوّدات ومع ذلك ضاعت فلا يوقف لها على أثر يقول "فإذا عرفت هذا فاعلم أن المحققين قسموه ثلاثة أقسام" قسموا التعليق الذي في صحيح البخاري بخلاف ما في صحيح مسلم ثلاثة أقسام "أحدها ما يورده البخاري بصيغة الجزم ويكون رجاله رجال الصحيح فيحكم بصحته لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك إلا وقد صح عنه وثانيهما ما يورده بصيغة الجزم أيضا ولكن يجزم به عمن لا يحتج به فليس فيه إلا الحكم بصحته عمن أسنده إليه وجزم به عنه كقول البخاري وقال بهز عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «الله أحق أن يستحيى منه» قال ابن الصلاح فهذا ليس من شرطه قطعا ولذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين" ولو جمع هذين القسمين بقسم واحد أن يورده بصيغة الجزم فيكون صحيحا إلى من ذُكر عنه، ثم يبقى النظر فيمن أُبرز من رجال الإسناد وهو قسم واحد، يكون صحيحا إلى من أُسند إليه هو صحيح إلى بهز، وقال بهز هو صحيح إلى بهز، يبقى النظر فيمن أُبرز، يبقى النظر في بهز وفي أبيه وفي جده ويشترك في ذلك من كان على شرطه ومن كان على غير شرطه، فمنه ما هو على شرطه، من أبرز من رجاله على شرطه هذا ما فيه كلام، من أبرز من رجاله ليس على شرطه ينظر فيه يمكن صحيح على شرط مسلم، كما وجد في بعض من جزم بنسبته إلى من أبرز، ومنه ما هو صحيح عند غير مسلم، عند غير الشيخين، وكل هذا يحكم له بالصحة ومنه ما هو ضعيف لا من جهة قدح في عدالة ناقليه وإنما من جهة اتصال إسناده أو في حفظ بعض رواته شيء أو لتردد في الإسناد كما سيأتي في حديث هشام بن عمار "وثالثها أن يورده ممرضا" هذا القسم الثاني في في الحقيقة بعد أن أدمجنا قسمين في قسم واحد "وثالثها أن يورده ممرضا وصيغة التمريض عندهم أن يقول ويُذكر أو يُروى" يعني من غير جزم "يُذكر أو يُروى أو نُقل وروي ونحوها فهذه لا يحكم بصحته كقوله ويُروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «الفخذ عورة» هذه صيغة تمريض لكن ننظر في أسانيدها، الحافظ ابن حجر- رحمه الله- تكفَّل بذكر أسانيد جميع المعلقات في صحيح البخاري في كتاب أسماه تغليق التعليق؛ "لأن هذه الألفاظ استعمالها في الضعيف أكثر وإن استُعملت في الصحيح"؛ لأن البخاري قد يستعمل صيغة التمريض فيما يورده معلقا وهو موصول في موضع آخر من كتابه؛ إذًا هذه الصيغة لا تدل على ضعف ولا على قوة وإن كان أهل العلم يعني استقر اصطلاحهم على أن الصحيح لا يُروى بصيغة التمريض والضعيف لا يُروى بصيغة الجزم؛ لأن هذا فيه تغريرا للقارئ وللسامع، "وكذا قوله وفي الباب يستعمل في الأمرين معا" إذا قال وفي الباب كذا وكذا كما يقوله الترمذي كثيرا في الباب يعني من حديث أبي هريرة وفي الباب عن أنس وأبي هريرة وابن عمر وجابر وهكذا فيها الصحيح وفيها الضعيف، "قال ابن الصلاح ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحته" يعني إدخاله في كتاب تلقته الأمة بالقبول واتفقوا وأجمعوا على وصفه بالصحيح واشترط المؤلف صحته ووفى بما اشترط يقول "ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحته بصحة أصله إشعارا يُؤنَس به ويُركَن إليه" ومع ذلكم ما يورده البخاري مما لا يصح يتتبعه البخاري ويبين ضعفه كما قال- رحمه الله- ويُذكَر عن أبي هريرة لا يتطوع الإمام في مكانه ولم يصح، وقال هذا في مواضع ينبه على ما لم يصح، "وتشدد ابن حزم فلم يقبل شيئا من تعليقات الصحيح" ردها كلها "فلم يقبل شيئا من تعليقات الصحيح وتراجمه وحمل ابن الصلاح قول البخاري ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وقول الأئمة في الحكم بصحته" يعني قول البخاري ما أدخلت في كتابي إلا ما صح وقول الأئمة أن ما في كتاب البخاري كله صحيح حملوا ذلك "على مقاصد الكتاب" الأحاديث الأصول الموصولة المرفوعة "مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب" لا المعلقات ولا الموقوفات ولا المقاطيع ولا غيرها "دون التراجم ونحوها وأما الحافظ ابن حجر فصرّح في مقدمة شرح البخاري" التي سماها هدي الساري، وهذه المقدمة لو يصحبها طالب العلم في أسفاره لأن الكتاب فتح الباري كبير لا يمكن أن ينقله من يريد العناية بالبخاري في أسفاره وفي غيره، الكتاب كبير، نعم هو طُبع مضغوطا في ثلاثة مجلدات، لكن لو أخذ المتن في مجلد وأخذ معه مقدمة فتح الباري، هذه المقدمة أشبه ما تكون بالخلاصة والعصارة للفتح؛ لأنه مادام فيها الرواة المختلف فيهم والأحاديث المتكلم عليها في البخاري وغريب الحديث في صحيح البخاري، يعني الألفاظ الغريبة وفيها مباحث ومطالب تهم طالب العلم فمادام فيها الكلمات الغريبة، وفيها الرجال المتكلم فيهم في الصحيح، وفيها الأحاديث المتكلم فيها في الصحيح إذًا ماذا يبقى لطالب العلم؟ نعم يبقى له كيفية الاستنباط والاستدلال وغيره، هذا إن أراد أن يحمل الكتاب كاملا الله يعينه، لكن يبقى أنه في الأسفار لو أن الإنسان ما غفل عن المقدمة فهي عبارة عن عصارة وخلاصة للكتاب، فيوصى طالب العلم بإدامة النظر فيها، "وأما الحافظ ابن حجر فصرح في مقدمة شرح البخاري بأن جميع تعاليقه غير صحيحة عنده يعني على شرطه" يعني أنه ما يعمد من الوصل إلى التعليق إلا لنكتة فهي ليست على شرطه، "وإن كان يمكن تصحيح بعضه على شرط غيره" أنا أقول لا، حتى ابن حجر في مواضع صرح بأن بعض التعاليق صحيحة على شرطه، لكنه قد يترك الوصل ويعمد إلى التعليق لنكتة لخلل يسير في الإسناد أو لكلام خفي في بعض الرواة أو لشك من بعض الرواة ولو كان شكا غير مؤثر، حدثني فلان أو فلان وكلاهما ثقة لو قال حدثني ابن عيينة أو الثوري يضر أو ما يضر أينما دار دار على ثقة، ومن ذلك الحديث الذي يرد ذكره قريبا حديث هشام بن عمار، "إلا أن يسند المعلق مرة أخرى ويعلقه مرة ويعلقه أخرى فيكون تعليقه للمرة الأخرى اختصارا" لأنه لو ذكر الحديث في مواضع كثيرة دون تعليق يعني ذكر الإسناد كاملا في كل موضع طال الكتاب، "قال وقد عرفت ذلك من مقصد البخاري فإن الحديث لو كان على شرطه في الصحة ما ترك وصل إسناده وهذا الذي ذكره هو الصواب" نعم لا ينكر أنه قد يوجد خلل يسير في الإسناد، خلل غير مؤثر فيعمد من الوصل إلى التعليق هذا ليس فيه إشكال، لكن كونه ليس على شرطه الرواة كلهم على شرطه، يعني يبرز لنا من الرواة من خرج لهم في مواضع فما المانع من ذلك "وهذا الذي ذكره هو الصواب من أمثلة التعليق المختلف فيها" يعني هل هي موصولة أو تعليق؟ من الأمثلة المختلف فيها ما يذكره البخاري بصيغة الجزم عن شيخه الذي لقيه وحدّث عنه وخرّجه عنه في الصحيح في مواضع بصيغة حدثنا "قول البخاري قال هشام بن عمّار" هشام بن عمّار من شيوخ البخاري لقيه وحدّث عنه بخمسة أحاديث في الصحيح كلها يقول "حدثنا هشام بن عمّار قال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد قال حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثنا عطية بن قيس قال حدثني عبد الرحمن بن غَنْم قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري" ما الذي جعل البخاري يقول قال هشام بن عمار وفي المواضع الأخرى يقول حدثنا هشام بن عمار الذين مالوا إلى أن مثل هذا تعليق كالمزي والشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد الذي مالوا إلى هذا قالوا لماذا عدل عن حدثنا لولا أن هناك واسطة بينه وبين هشام بن عمار لقال حدثنا كالعادة، والذين قالوا هذا متصل قالوا هشام بن عمار شيخه وغاية ما يقال في قال أنها مثل عن محمولة على الاتصال بالشرطين المذكورين المعروفين في العنعنة أن يكون الراوي غير معروف بالتدليس، وأن يكون الراوي قد ثبت لقاؤه لمن روى عنه فيكون صحيحا على شرط البخاري، أما كون الراوي غير معروف بالتدليس فقد قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: والبخاري أبعد خلق الله عن التدليس لكن على ابن القيم أن يقول من أبعد خلق الله، والشرط الثاني كونه لقيه وروى عنه هذا متحقِّق؛ إذًا الصيغة توحي بأن الإسناد متصل، يمكن أن يناقَش مسألة خفيفة وهي قول ابن القيم أبعد خلق الله عن التدليس والأولى أن يقول من أبعد خلق الله عن التدليس مع أن الإمام البخاري- رحمه الله- رُمي بالتدليس كيف رُمي بالتدليس؟

 في الخلاصة للخزرجي في ترجمة محمد بن يحيى الذُّهْلي قال: روى له البخاري ويدلسه، يعني يدلسه تدليس شيوخ، نسبه إلى جده مرة، ومرة إلى جد أبيه ما صرح باسمه واسم أبيه على الولاء، وهذا تدليس شيوخ عند أهل العلم، تدليس الشيوخ أمره أخف، فهو أخف أنواع التدليس هذا من جهة، الأمر الثاني أن الداعي للبخاري في كونه لا يصرح باسم الذهلي كاملا باسمه المعروف به لما عُرِف بينهما في مسألة اللفظ، لفظي بالقرآن مخلوق مسألة يعني طال النزاع فيها واحتدم بين الذهلي وبين البخاري، والمسألة معروفة ومبسوطة في كتب أهل العلم من أرادها رجع إليها في هدي الساري وغيره من الكتب والسير للذهبي بسطها أيضا، فالإمام البخاري ما أراد أن يصرح باسم الذهلي لماذا؟ لأنه قد يقول قائل إن تصريحه به وروايته عنه باسمه الصريح لأنه يوافقه في تلك المسألة، ولكون الذهلي من الأئمة الحفاظ المعروفين وتحري الإمام البخاري واحتياطه وشدة ورعه لا يجعله يترك الرواية عن مثل هذا الإمام وهذا إنصاف من البخاري، بعض الناس إذا اختلف مع أحد نسفه نسفا تاما كأنه لم يُخلق، وأنا جاءني ورقة سئلت عن كتاب وذكرت يعني كأني أنصفت صاحب الكتاب فيما أعتقد، قلت أنا لم أقرأ الكتاب سمعت منه شرح حديث واحد فدل على أنه تعب على هذا الحديث، أما بقية الكتاب، وجاءني كتاب أنك أثنيت على شخص يفعل ويترك أثنيت عليه؟! أنا سمعت حديثا واحدا من كتاب وأعجبني الإنصاف لا بد منه يا إخوان والعلم والدين لا يقوم بمثل هذا الإجحاف أبدا النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لأبي هريرة صدقك وهو كذوب يعني الشيطان، فالإنصاف لا بد منه مع المخالِف ومع الموافَق، والبخاري- رحمه الله تعالى- كونه يختلف مع الذهلي في مسألة اللفظ لا يعني هذا أنه يترك الرواية عنه وهو إمام حافظ، النسائي- رحمة الله- عليه في روايته عن شيخه الحارث بن مسكين الحارث بن مسكين طرده من المسجد كيف لو يحصل لأصغر الطلاب لتكون المسألة من عظائم الأمور في زمانه فكيف بإمام مثل النسائي يأتي للرواية عن الحارث بن مسكين ويُطرد من المسجد ويخرِّج عنه النسائي ما سمعه منه؛ لأنه اختفى وراء سارية وبدأ يسمع، العلم ليس ملكا لأحد ولا يستطيع أحد أن يطرد أحدا من مجلس العلم، فطرده من مجلسه وجلس خلف زاوية يسمع الحديث وصار يخرج حديثه؛ لأنه إمام ثقة وعنده أحاديث وضابط الشروط مكتملة، كونه وقع بينهما ما وقع هذا ما يمنع من أن يُروى عنه فالإنصاف هو شأن أهل السنة، يقال للمحسن أحسنت ويقال للمسيء أسأت، فالإمام البخاري- رحمة الله- عليه يروي عن الذهلي مع وجود هذه المخالفة لكنه لا يصرح باسمه الكامل الذي يعرف به فلورعه يروي عنه، لا يترك الحديث من أجل المخالفة في مسألة من المسائل، قال هشام بن عمار عرفنا أن الإمام البخاري من أبعد الناس عن التدليس، وقد لقي هشام بن عمار وخرج عنه أحاديث خمسة بصيغة التحديث، وكونه عدل في هذا الإسناد عن حدثنا إلى قوله قال هشام بن عمار قلنا وقال من قبلنا من أهل العلم أن صيغة قال مثل عن محمولة على الاتصال بالشرطين، الأمر الثاني أن البخاري عدل من قوله حدثنا إلى قال للشك في الإسناد قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري وكلاهما من الصحابة يعني خلاف ما يؤثر لكن لوجود هذا التردد قال البخاري قال هشام بن عمار ولم يقل حدثنا فالصواب أن مثل هذا متصل ولا إشكال فيه وصحيح على شرط الصحيح إن شاء الله تعالى، "أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول «ليكونَن من أمتي أقوام يستحلون الخز» هذه الرواية التي اعتمدها المؤلف والذي في أكثر روايات الصحيح «الحرَ والحرير» وأكثر الكلام على هذه اللفظة، لكن أكثر الروايات على أنها «الحِرَ والحرير» يعني الفَرْج، والمقصود بذلك أنهم يستحلون الزنا- نسأل الله العافية- «الحِرَ والحرير والخمر والمعازف» "الحديث، فعند ابن الصلاح وزين الدين ومحيي الدين النووي أن حكمها حكم المتصل بالعنعنة وهي صحيحة ممن لا يدلس والبخاري ممن لا يدلس وذلك؛ لأن هشام بن عمار من شيوخ البخاري حدث عنه بأحاديث وقد مثل المزي والشيخ تقي الدين التعليق بهذا الحديث" يعني قالوا لأنه لو كان متصلا رواه عن هشام بن عمار بدون واسطة لقال حدثنا هشام بن عمار وما عدل عن حدثنا إلى قال إلا أنه سمعه منه بواسطة وحذف الواسطة إذًا هذا تدليس، "وقال ابن منده أخرج البخاري في كتابه الصحيح وغيره قال لنا فلان وهي إجازة وقال فلان وهو تدليس" لكن ابن منده لم يوافَق على مثل هذا "قال وكذلك مسلم أخرجه على هذا قال الشيخ زين الدين انتهى كلام ابن منده ولم يوافَق عليه وقال ابن حزم في المحلى هذا حديث منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة ابن خالد" الآن اتصل بين البخاري وصدقة بواسطة هشام بن عمار هو لو قال لم يتصل بين البخاري وهشام بن عمار هناك واسطة يعني كلامه لو وجه، أما أن يقول لم يتصل بين البخاري وصدقة الواسطة بينهما هشام بن عمار "ولا يصح في هذا الباب شيئا أبدا" يعني في باب المعازف حكم على كل ما ورد في المعازف والغناء بأنه موضوع، وهذا كله تأييدا لرأيه الفاسد في إباحة الغناء، يقول "ولا يصح في هذا الباب شيء أبدا وكل ما فيه موضوع قال ابن الصلاح ولا التفات إلى ابن حزم في رده ذلك وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح والبخاري قد يفعل ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات عن الشخص الذي علق عنه أو لكونه ذكره في موضع آخر من كتابه متصلا أو لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل وانقطاع" وأطال ابن القيم رحمه الله في وصل الحديث وذكر أسانيده وطرقه ومن خرجه في كتابه إغاثة اللهفان، "قال الحافظ زين الدين والحديث متصل من طريق هشام وغيره" يعني لم يتفرد به هشام بن عمار بل توبع عليه "قال الإسماعيلي في المستخرج حدثنا الحسن وهو ابن سفيان النسوي الإمام قال حدثنا هشام بن عمار فذكره" هذا متصل بصيغة حدثنا هشام بن عمار "وقال الطبراني في مسند الشاميين حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد قال حدثنا هشام بن عمار فالصحيح صحة الحديث بلا ريب" يعني لا بد من الفاء التفريعية أو الفصيحة إن شئت فقل يعني يتفرع على ما تقدم أن الصحيح صحة الحديث فيقول هنا فالصحيح وإن أردتها فصيحة وهي التي تقع في جواب شرط مقدر أمكن يعني إذا كان الأمر كذلك "فالصحيح صحة الحديث بلا ريب ولكن دلالته على التحريم ظنية أما كونها ظنية فلأنه ذمهم باستحلال مجموع الأشياء وهو استحلال الخمر والذم بمجموع أمور لا يستلزم القطع على تحريم كل واحد منها لجواز أن يذم الكافر والفاسق بأفعال بعضها حرام وبعضها مكروه" نعم لا يقول قائل أن هذه الأمور المذكورة في الحديث على درجة واحدة من التحريم إلا من يقول بدلالة الاقتران ودلالة الاقتران ضعيفة، لكن كون هذه الأمور المنصوص عليها في الحديث محرمة هذا لا إشكال فيه؛ لأنها عبر عنها بالاستحلال، والاستحلال لا يكون إلا في محرم وإلا ما معنى يستحلون الخز والخز غير محرم؟ لو كانت المسألة يفعلون لقلنا ما ذكره المؤلف متجه لكنهم يستحلون والحلال يمكن أن يستحله أحد؟ إنما الذي يُستَحَل ماذا؟ الحرام فهم يستحلون محرمات هي المذكورة لو قال يفعلون لقلنا إن دلالته ظنية لأنها أخذا بدلالة الاقتران لكن هم يستحلون يستحلون الخز كيف يستحلونه وهو حلال؟! إذًا هو حرام، ما يستحل الحلال إنما يستحل الحرام وقل مثل هذا في بقية الأشياء لكنها متفاوتة، الخز ليس مثل الحِرَ الوارد في في أكثر الروايات، الحِرَ الذي هو الفرج الزنا- نسأل الله العافية- والخمر والمعازف هي كلها محرمات؛ لأنه جاء التعبير بيستحلون والاستحلال إنما يكون للمحرم، وكلام المؤلف إنما يتجه لو قال يفعلون لقلنا إن في الفعل ما هو حلال ومنه ما هو حرام وسمتهم فعل هذه الأمور ومنها ما هو حلال ومنها ما هو حرام، ومن سمة الخوارج التسبيد الذي هو الحلق الذي هو حلق الشعر، وحلق الرأس حلال لكن هو سمة وعلامة عليهم فكلام المؤلف يتجه لو كان التعبير بيفعلون لا بيستحلون، أما لفظة يستحلون فلا شك أنها بإزاء فعل محرم ولو كان محرما لما كان للاستحلال وجه، يقول: "ولكن دلالته على التحريم ظنية معارضة أما كونها ظنية فلأنه ذمهم باستحلال مجموع أشياء وهو استحلال الخمر والذم بمجموع أمور لا يستلزم القطع على تحريم كل واحد منها لجواز أن يذم الكافر والفاسق بأفعال بعضها حرام وبعضها مكروه مثاله قوله تعالى:

ﯿ الحاقة: ٣٠ - ٣١ إلى قوله:        الحاقة: ٣٣ - ٣٤ يعني               المدثر: ٤٢ - ٤٤  يعني في الموضع الآخر فكونهم يطعمون المسكين هذا فيه الواجب وفيه المستحب، المستحب والحض على طعام المسكين هذا ليس بواجب، لكن هل معنى هذا أنهم استحلوا هذه الأشياء؟ لو جاء النص مثل ما عندنا في الحديث يعني كلامه مثل ما قلنا يتجه لو كان وصفهم الجامع لهم هذا مركب من أمور بعضها حرام وبعضها حلال، هذا لا شك أنه يتجه كلامه لكن مسألة الاستحلال الاستحلال لا شك أنه معناه جعل الحرام حلالا أما كونهم يعذبون ﯿ الحاقة: ٣٠ - ٣٢  إلى آخره        الحاقة: ٣٣ - ٣٤  هل المعنى أنه عذب؛ لأنه لا يحض على طعام المسكين إنما عذب بالمجموع، وكونه يعذب بالمجموع لا يعني أنه يعذب على بعض الأفراد التي ليست بمحرمة، إنما هذه صفتهم، قال: "ويقوي هذا أنه جعل استحلال الخز من جملة من جملة صفات أولئك المذمومين مع أن جماعة من جملة الصحابة والتابعين قد استحلوه ولبسوه فيحتمل أن يكون وصفه لهم بذلك تمييزا لهم عن غيرهم" إلى آخره، الخز يطلق ويراد به الحرير، يطلق ويراد به نوع خاص من الحرير، يطلق ويراد به ديباج لا علاقة له بالحرير فهو مباح، فالمباح هو الذي لبسه بعض الصحابة، والنوع الخاص من الحرير هذا هو المحرم وهو الذي جاءت فيه النصوص ومنها هذا الحديث على هذه الرواية، إذًا كيف يقول الخز والحرير؟ كيف يُعطف؟ نقول نعم هذا من باب عطف العام على الخاص، وعطف العام على الخاص سائغ جائز في لغة العرب وفي النصوص ولا مانع منه "كما وصف الخوارج حين ذمهم وحذر منهم بحلق الرؤوس وصغر الأسنان وخفة الأحلام" هذه كلها ليست بأيديهم، وحلق الرؤوس ليس بمحرم فقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بحلق رؤوس أولاد جعفر لما قُتل، وكون أسنانهم صغيرة هذا أيضا ليس مما يذمون به؛ لأنه حصّل من حصّل من العلم من الصحابة فمن دونهم مع صغر سنه، أما خفة الأحلام وتصدرهم لأمور عظائم إنما هذا يذمون به، وعلى كل حال حصل الذم بما لا يقتضي الذم إنما لأنه صفة واقعية فيهم، "وكون ذي الثدية منهم ونحو ذلك والله أعلم. قال ابن الأثير في النهاية الخز المعروف أوّلا" بالتشديد هو شددها هل المقصود أوّلا ما معنى أوّلا؟

طالب: ...............

وإن أريد بالخز النوع الآخر المعروف الآن، الخز المعروف أوّلا يعني في الزمن السابق، يعني في زمن النصوص يقول: "ثياب تنسج من صوف وإبريسم وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون فيكون النهي عنها لأجل التشبه بالعجم وزي المترفين وإن أريد بالخز النوع الآخر المعروف الآن فهو حرام" ما المانع من أن يكون من أنواع الحرير اللين الناعم ما يسمى بالخز في الزمن السابق ويتنزل ويتنزل عليه الحديث، "فهو حرام لأنه جميعه معمول من الإبريسم وعليه يحمل الحديث، قلت: وفي هذا الحمل إشكال فإن الحديث إنما يحمل على ما كان يسمى خزا في زمانه -صلى الله عليه وسلم- في عرف المخاطبين أما هذا الذي ذكره فهو داخل في تحريم الحرير وقد فرق في هذا الحديث بين الخز والحرير وعطف أحدهما على الآخر فدل على التغاير" نعم يدل على التغاير لكنه لا يمنع أن يكون من باب عطف العام على الخاص العطف في الأصل يدل على التغاير           النساء: ١٦٣  فهذا من باب عطف العام على الخاص، ووارد في لغة العرب وفي النصوص وفي الكتاب والسنة كثير، "فهذا مما يدل على أن دلالة الحديث ظنية وأما أنها معارضة فلأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع زمارة الراعي ولم يكسرها ولا بين له تحريمها وحديثها صحيح على الأصح" يعني كون الحكم يبيَّن في مناسبة وفي مناسبة أخرى لم يذكر البيان، والبيان يحصل بمرة لم يحصل البيان في هذه الواقعة لكنه بُيِّن في مناسبات أخرى، هل يلزم البيان في كل مناسبة؟

 لا يلزم البيان في كل مناسبة، فإذا بُيِّن في مناسبة وحصل البيان وبلغ المكلفين يكفي وإلا لأبطلنا نصوصا كثيرة بمثل هذا، نعم قد يكون الموضع الذي يحتاج إلى بيان أو في موضع بُيِّن في السابق على نطاق ضيِّق جدًّا، ثم دعت الحاجة إلى بيانه في نطاق واسع هذا قد تختلف أنظار أهل العلم فيه، في حديث عبادة بن الصامت «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة أو تغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم » الحوادث والقصص الخمس التي حصلت في عصره -عليه الصلاة والسلام- للزناة التي رجموا فيها ما بُيِّن فيها أن الزاني قبل رجمه يجلد مائة، مع أنه في حديث عبادة الذي هو محل البيان «خذوا عني خذوا عني... والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» الجمهور قالوا لا يجلد؛ لأنه لو كان الجلد مما يحتاج إليه مع الرجم لبين في هذه القضايا نقول بين في حديث عبادة ويكفي؛ ولذا المرجح أنه يجلد كما فعل علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، هل نقول أنه ما بين في المواضع الخمسة إذًا ما يجلد؟ نعم قال بهذا بعض أهل العلم، لكن إذا حصل البيان في مناسبة واحدة لا يلزم أن يكون في مواضع، قل مثل هذا في مسألة قطع الخف، في المدينة خطب النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال «ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين» وليقطعهما، وخطب في عرفة وقال « من لم يجد النعلين فليلبس الخفين» وما ذكر قطعا، أكثر أهل العلم على أنه لا بد من القطع؛ لأنه بين في المدينة ويحمل المطلق على المقيد في مثل هذا، من أهل العلم من قال لا يحتاج إلى قطع؛ لأنه لو كان القطع محتاجا إليه لبين في هذه الجموع الخفيرة، نقول: لا يلزم البيان في كل موضع، إذا بيّن النبي -عليه الصلاة والسلام- في موضع خلاص أدى الرسالة، وكونه لم يكسر زمّارة الراعي أو يبين أنها حرام ويرد عليه هو بين الحكم الشرعي -عليه الصلاة والسلام- ولم يكسرها ولا بين له تحريمه "وحديثها صحيح على الأصح وأباح الضرب بالدف في العرس والعيد وعند قدوم الغائب ولم يأمر بكسره ولا شك في كراهة ذلك في غير العرس ونحوه وإنما الكلام في صريح التحريم والكف عمن استحل ذلك من أهل العلم" المعلق يقول: قال المحدث الألباني في تحريم آلات الطرب: يرد في بعض كلام العلماء ما يشير إلى جواز الضرب على الدف في الأفراح هكذا يطلقون، وفي الختان وقدوم الغائب، وأنا شخصيا لم أجد ما يدل على ذلك مما تقوم به الحجة ولو موقوفا، لكن استدرك عليه المعلق، على كل حال مثل هذه الأمور يقتصر فيها على المواضع الواردة والاسترسال فيها يبقى على الأصل وهو المنع.

عفا الله عنك.

نقل الحديث من الكتب: نقل الحديث من الكتب الصحيحة المعتمدة في الصحة والضبط لمن يسوغ له العمل بالحديث وجعل ابن الصلاح شرطه أن يكون ذلك الكتاب مقابَلا بمقابلة ثقة على أصول متعددة مروية بروايات متنوعة قال النووي فإن قابلها بأصل معتمد محقق أجزأه قال زين الدين وقال ابن الصلاح في قسم الحسن حين ذكر أن نسخ الترمذي تختلف في قوله حسن أو حسن وصححه حسن صحيح أو نحو ذلك فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه فقوله فينبغي قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك وإنما هو مستحب وهو كذلك قال الحافظ أبو بكر محمد بن خير بن عمر الأَموي الأُموي بفتح..

الأَموي الأَموي..

الأَموي بفتح الهمزة..

المؤلف قال بفتح الهمزة والمحقق ضمها.

بفتح الهمزة الإشبيلي وهو خال أبي القاسم السهيلي وقد اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل ولو على أقل وجوه الروايات لقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده بالنار» وفي بعض الروايات «عليَّ» مطلقا دون تقييده قلت ومن روى بالوجادة الصحيحة فقد صار الحديث له مرويا بأوسط وجوه الروايات كما سيأتي في باب الوجادة فلا معنى لاعتراض الشيخ زين الدين فلا معنى لاعتراض الشيخ زين الدين بذلك على ابن الصلاح والنووي وأما قوله وفي بعض الروايات «من كذب عليَّ» مطلقا من غير تقييد فالمطلق يحمل على المقيد وشواهد هذا التقييد كثيرة في القرآن والسنة ولم يسلم من الوهم في الرواية أحد من الثقات غالبا والله أعلم.

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى- "نقل الحديث من الكتب" يعني من الكتب المعتمدة عند أهل العلم التي هي دواوين الإسلام لا الكتب غير المعتمدة، يعني ما تنقل حديثا أورده الأصبهاني في الأغاني، أو ابن عبد ربه في العقد الفريد، أو في كتاب تاريخ، أو شيء.. إنما تنقل الأحاديث من الكتب المعتمدة لتعمل به إذا صح، أو تستدل به على مسألة، كيف يكون ذلك يقول:

"نقل الحديث من الكتب الصحيحة المعتمدة في الصحة والضبط لمن يسوغ له العمل بالحديث" يعني للمجتهد لمن يسوغ له العمل بالحديث، "وجعل ابن الصلاح شرطه أن يكون ذلك الكتاب مقابَلا بمقابلة ثقة على أصول متعددة مروية بروايات متنوعة" يعني ما يكفي أن تأتي بنسخة أي نسخة تذهب للمكتب وتشتري أي طبعة من الطبعات أو تجد كتابا يحرّج عليه وتشتريه وتنقل منه الأحاديث ولا تدري هل هذه المطبعة تتميز بالإتقان أو عندها تفريط لأنه وُجد مطابع يطبع عليها من الجنس النسائي وغير مسلمات ويطبعون كتب العلم وقد يطبعون المصحف، حصل تساهل كثير فمثل هذه الكتب لا يعتمد عليها، إذا كان الكتاب عنوانه الكبير خطأ فما ظنك بما في داخله، إذا كان كتاب البخاري جزء القراءة خلف الصلاة وهو جزء القراءة خلف الإمام، إذا كان العنوان خطأ كيف تثق بمحتواه؟! وهذا يجرنا إلى الكلام عن المطابع والطبعات، ولا بد من الاهتمام بهذا لكن الوقت لا يسعف الآن، فنُعنى بالطبعات الجيدة المحققة والمطابع التي عرفت من خلال التجربة بأنها لا تخرج كتابا إلا متقنا مضبوطا محققا محررا، ومثل هذا موجود عندهم في المخطوطات، سوق الوراقين شغال مثل المطابع عندنا، وفيهم من لا يحسن الكتابة وفيهم من لا يفهم، فمثل هذا لا يعتمد عليه؛ ولذا يشترطون أن تقابل النسخة التي عندك من الكتاب بأصول، لا يكفي أصل واحد، ابن الصلاح يرى أنه لا بد أن تقابل بأصول، وكم من شخص اعتمد على نسخة غير مقابَلة على أصول فحصل فيها الخلط الكبير والتقديم والتأخير والزيادة والنقص والتحريف فلا بد من المقابلة، والكتاب إذا نُسِخ فلم يقابَل ثم نُسخ فلم يقابَل كما يقول أهل العلم خرج أعجميًّا، فيقول: "وجعل ابن الصلاح شرطه أن يكون ذلك الكتاب مقابلا بمقابلة ثقة على أصول متعددة مروية بروايات متنوعة قال النووي فإن قابلها بأصل معتمد محقق أجزأه" يعني واحد لكن شريطة أن يكون أصلا ومعتمدا ومحققا، يعني مقابَل على أصول اعتمده عالم من أهل العلم العارفين، "قال زين الدين وقال ابن الصلاح في قسم الحسن حين ذكر أن نسخ الترمذي تختلف في قوله حسن أو حسن وصححه" نعم نسخ الترمذي المخطوطة والمطبوعة منذ قرون تختلف في أحكامه على الأحاديث، ففي بعضها حسن، وفي بعضها صحيح، وفي بعضها حسن صحيح، وفي بعضها حسن غريب، يقول: "حيث ذكر أن نسخ الترمذي تختلف في قوله حسن أو حسن صحيح أو نحو ذلك فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه فقوله فينبغي قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك وإنما هو مستحب" لكن إذا عرفنا أن هذه النسخة غير مضبوطة ولا متقنة سواء كانت مخطوطة أو مطبوعة لا بد أن نقابلها على نسخ متقنة ومضبوطة على نسخ، وأقل الأحوال أن تكون واحدة؛ ولذا يحسن من لا يقبل في تحقيق المخطوطات على أصل واحد وإنما يشترط التعدد، "وهو كذلك قال الحافظ أبو بكر محمد بن خير بن عمر الأَموي بفتح الهمزة" نسبة إلى جبل في الأندلس يقال له أَمو ولو كان نسبة إلى بني أمية لوجب ضم الهمزة، وأنتم ترون أن المؤلف قال بفتح الهمزة هذا الصحيح؛ لأنه نسبة إلى جبل هناك والمحقق ضمها مشيا على الجادّة لكنّه أخطأ في هذا، يعني لو أن المؤلف ما نص على أنه بفتح الهمزة قلنا أنه مشى على الجادة ويُعذر لكن قال بفتح الهمزة ويضمها المحقق لا، هذا لا شك أنه خلل في التحقيق "الأَموي الإشبيلي وهو خال أبي القاسم السهيلي وقد اتفق العلماء" ننظر إلى هذا الاتفاق يقول في فهرسته المشهور مطبوع فهرست ابن خير "وقد اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات" يعني أنت عندك حديث في البخاري لا يجوز لك بحال أن تقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إنما الأعمال بالنيات» لا تحدث به أحدا، ولا يجوز لك أن تعمل بهذا الحديث حتى يكون سند منك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ونقل الاتفاق على ذلك، وقال "اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات" وهذا يجعل الإنسان يحرص على أن تكون له بالكتب المعتمدة ولو إجازة، "لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» في بعض الروايات «عليَّ» مطلقا دون تقييد المقصود أن مثل هذا الكلام مقبول أو غير مقبول، يعني عمل أهل العلم على هذا أو على خلافه؟ هذا ليس بمقبول ولو نقل الاتفاق؛ لأن ابن برهان نقل الاتفاق على خلافه، وهو أنه إذا وجد الحديث في كتاب معتمد عند أهل العلم متداول عندهم بالأسانيد الصحيحة أنه يكفي ولو لم تكن لك به رواية، يعني ما يلزم أن تكون لك رواية بالأحاديث منك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-وإنما إذا كان في كتاب معتمد كالبخاري أو مسلم أو غيرهما من دواوين الإسلام المعروفة تأخذ من هذا الكتاب وتستفيد من هذا الكتاب، وتعمل بما في هذا الكتاب، وتستدل وتحتج وتورده على خصمك من غير إثم نُقل الاتفاق على هذا ولذا قوله فيه ما فيه.

قلت ولابن خير امتناع

 

نقل سوى مرويه إجماع

هو نقل الإجماع على هذا لكن الإجماع ثابت على خلافه؛ "لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» الآن مادام الأمة أطبقت على قبول ما في البخاري ما المانع من أن أقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي نجزم به ونقطع به أن هذه الأحاديث قالها النبي -عليه الصلاة والسلام- فليتبوأ مقعده من النار "وفي بعض الروايات «عليَّ» مطلقا دون تقييد قلت ومن روى بالوجادة الصحيحة فقد صار الحديث له مرويا بأوسط وجوه الروايات كما سيأتي في باب الوجادة" يعني الوجادة طريق من طرق تحمل الحديث عند أهل العلم الثمانية آخرها الوجادة، والوجادة أن تجد بخط عالم أو بخط مؤلف تجد بخط شيخ حديثا أو كلاما له استنباطا له بحيث لا تشك فيه بحال من الأحوال وهم يقرنونها إن تجد بخط شيخك أما إن وجدت بخط شيخ متقدم فلا، والوجادة عندهم منقطعة وفيها شوب اتصال، لكن إذا قلت وجدت بخط فلان كما يقول عبد الله بن أحمد في المسند كثيرا وجدت بخط أبي تبرأ من العهدة لاسيما إذا كنت لا تشك بخط صاحب الخط إذا كنت من أهل الخبرة والمعرفة بالخطوط، تعرف خط شيخ الإسلام، تعرف خط ابن القيم، تعرف خط ابن حجر، تعرف خط ابن رجب وتقول وجدت بخط ابن رجب ما المانع؟! هذه وجادة لكن لا تروي عنه لأنك بينك وبينه مفاوز، "كما سيأتي في باب الوجادة فلا معنى لاعتراض الشيخ زين الدين بذلك على ابن الصلاح والنووي، وأما قوله في بعض الروايات «من كذب عليَّ» مطلقا من غير تقييد فالمطلق يُحمل على المقيد وشواهد هذا التقييد كثيرة في القرآن والسنة ولم يسلم من الوهم في الرواية أحد من الثقات غالبا" لأنه قوله «عليَّ» يقول أنه جاء في بعض الروايات مطلقا ليس فيها «عليَّ» «من كذب متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وعلى كل حال المطلق يحمل على المقيد.

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

لا مجال للإجابة على الأسئلة لكن إن تيسرت مناسبة أخرى فالأسئلة مجموعة ويجاب عليها- إن شاء الله تعالى-.

"